عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 12-06-2008, 06:27 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


جازاك الله خيرا أخي الفاضل

و للإضافة أنقل كلاما جميلا للشيخ أبي بصير


قال الشيخ
ونؤمن بالقدر خيره وشره، وأن الله خلق الخلق وقدّر لهم أقداراً وضرب لهم آجالاً، وعلم ما هم عاملون من قبل أن يخلقهم، فعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن؛ لو كان كيف يكون.

هداهم النجدين، فأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته.

ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد – إلا ما شاء لهم – فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن، يهدي من يشاء، ويعصم وينجي فضلاً منه، ويضل من يشاء، ويُشقي ويخذل عدلاً منه، وكل العباد يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله، لا رادَّ لقضائه ولا مُعقّبَ لحكمه، ولا غالب لأمره.
ما للعباد عليه شيءٌ واجبٌ كلا ولا سعيٌ لديه ضائعُإن عذبوا فَبِعَدْلِهِ أو نُعّموا فبفضله وهو الكبيرُ الواسعُ
والخير والشر؛ مقدران على العباد.

ولم يكلف الله العباد إلا ما يطيقون، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ أي لا حيلة لأحد، ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله سبحانه، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله.

وكما أن المسبَّبات من قدر الله الذي فرغ منه، فكذلك أسبابها أيضاً من قدر الله الذي فرغ منه.

والإيمان بالقدر على درجتين؛ وكل درجة تتضمن شيئين:

فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله علم ما الخلق عاملون، فسبق علمه في كل كائن في خلقه، فقدَّر ذلك تقديراً محكماً، قال تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِيْنٍ} [يونس: 61]، وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: 2]، وقال: {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرَاً مَقْدُورَاً} [الأحزاب: 38].

ثم كتب ذلك في اللوح المحفوظ، وضمَّنه مقادير الخلق.

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (يا بني! إنك لا تجد حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة"، يا بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات على غير هذا فليس مني") [7].

قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70].

وهذا التقدير يكون في مواضع مجملاً، وفي مواضع مفصلاً، فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات أن يكتبها؛ رزقه، وأجله وعمله، وشقي أم سعيد.

فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن، ليجعلوه غير كائن، لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى ليجعلوه كائنا لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة.

وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه.

الدرجة الثانية: الإيمان بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد.

ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد.

فله سبحانه مشيئتان؛ وهما خلق الله وأمره، وقدرته وشرعه، كما قال سبحانه وتعالى: {أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54].

مشيئة شرعية؛ وهي أمره الشرعي الذي قد يُعصى سبحانه فيه ويُخالف.

ومشيئة قدرية؛ فلن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً، فلا يُعصى أمره الكوني القدري.

فتلك سنته شرعاً وأمراً، وهذه سنته قضاءً وقدراً.

وأفعال العباد؛ خلق الله وفعل العباد، فالعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن أو الكافر، والبر أو الفاجر، والمصلي والصائم، وللعبادة قدرة على أعمالهم ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، قال تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافت: 96]، وقال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} [التكوير: 28 - 29]، وهذه الدرجة يكذب بها عامة القدرية وغلا فيها قوم من أهل الإثبات، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره وأخرجوا عن أفعال الله وأحكامه حِكَمها ومصالحها.

فنحن وسط في القدر بين الجبرية والقدرية، فأفعالنا ومشيئتنا؛ مخلوقتان، والإنسان فاعل لأفعاله على الحقيقة مختار، له إرادة ومشيئة.

وهذا جملة ما يحتاج إليه في هذه المسألة من نَوَّر اللهُ قلبَه من أولياء الله تعالى.

فأصل القدر سر الله في خلقه، قد طوى الله تفاصيل علمه عن عباده، ونهاهم عن التعمق فيه، فقال في كتابه: {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب؛ فقد كفر وخسر وخاب.

وذلك أن العلم علمان:

علم أنزله الله تعالى في الخلق؛ فهو موجود.

وعلم حجبه الله عنهم؛ فهو مفقود.

فإنكار العلم الموجود؛ كفر، وادعاء العلم المفقود؛ كفر، ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود، وترك العلم المفقود، ورده على عالمه الغفور الودود.

ومن آثار الإيمان بالقدر وثمراته:


أن يتوكل المؤمن على الله حق التوكل، فلا يتخذ الأسباب أرباباً، ولا يتكل عليها، بل يخلص توكله على الله وحده، فكل شيء بتقديره سبحانه.

ومنها؛ اطمئنان قلب المؤمن وعدم جزعه أو تحسره على ما يصيبه ويجري عليه من أقدار الله تعالى، فلا يأسى لفوات محبوب أو حصول مكروه، فكل ذلك بقدر الله تعالى، وما أصابه ما كان ليخطئه، وما أخطأه ما كان ليصيبه.


[7] رواه أحمد وأبو داود، واللفظ لأبي داود.
رد مع اقتباس