عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 07-30-2008, 03:51 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي





قال الشيخ يحي الزهراني


يجب أن يعلم كل مسلم أن من ادعى علم الغيب من الكهنة والمشعوذين والسحرة والمنجمين ومن يقرءون الكف والفنجان أنهم جميعاً كفار مرقوا من الدين ، وخرجوا عن طاعة رب العالمين .
ومما تأسف له النفوس ، أن هناك جهلة وضعفاء دين من المسلمين انطالت عليهم حيل الكذابين ، فانساقوا وراء ترهات الأحلام ، وخرافات الأوهام ، حتى صدقوا المشعوذين والمبتزين ، فوقعوا ضحايا للأبراج والنجوم ، وما علموا أنهم قد تقحموا النار على بصيرة والعياذ بالله ، يتابعون الأبراج عبر الصحف والمجلات والقنوات ، فتقذفهم ذات اليمين وذات الشمال وهم في غمرة ساهون ، وعن الحساب غافلون ، وفي الغفلة غارقون ، ويوم القيامة لا محالة نادمون .
وكم هي الرحلات والزيارات التي يقوم بها المسلمون لأولئك السحرة والمشعوذين ، دون خوف من الله تعالى ، أو تفكير في عقابه سبحانه ، أو تأمل في وعيده لهم ، عن بعضِ أَزواجِ النبـيِّ صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ ، عن النبـيِّ صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ قالَ : " مَنْ أَتـى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عن شيءٍ ، لـم تُقْبَلْ لَهُ صلاةٌ أربعينَ لـيلةً " [ أخرجه مسلم ] .
وعيد شديد ، وتهديد أكيد من الله تعالى لمن عصاه وسأل كاهناً أو عرافاً بمجرد السؤال فقط ، لا من أجل أن يصدقه ، أن لا تُقبل له صلاة أربعين ليلة والعياذ بالله .
فإن سألهم وصدقهم فهي الكارثة التي لا كارثة بعدها ، لأن في ذلك خروج من حوزة الإسلام والإيمان ، إلى دائرة الكفر والعصيان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " [ أخرجه أحمد وغيره ] ، وأخرج البيهقي من حديث عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قالَ : " مَنْ أَتَـى ساحراً أَوْ كَاهِناً أَو عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بـما يقولُ ، فَقَدْ كَفَرَ بِـمَا أُنْزِلَ علـى مـحمدٍ صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ " .
فاحذر أيها المسلم ، وأيتها المسلمة أن تأتي عرافاً أو كاهناً أو ساحراً ، لأي غرض من أغراض الدنيا ، لا للعلاج ، ولا لكشف غمة ، ولا لأذى تلحقه بالآخرين ، ولا لإيجاد مفقود ، ولا لفك سحر ، فكل ذلك حرام أشد الحرام ، وهو شرك بالله الواحد القهار ، الذي لا يعلم الغيب سواه ، قال سبحانه : { عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ المؤمنون92 ] .
وبالرّغم من صراحة الآياتِ في تحريم ادعاء علم الغيب ، والحذر من تصديق من ادعى ذلك ، فإنّك تأسَف لحالِ بعضِ جهَّال المسلمين وسفهائهم ، وقد وقَعوا في مثلِ هذه البلايا ، فأهلكوا أنفسهم ، وتنصلوا من دينهم ، بأنواعٍ من البدَع والضلالات ، وتعلَّقوا بالسحرة والمنجمين لمعرفة غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل ، وتوجَّهوا إلى المشعوذين في طلبِ الحاجات ودفعِ الكربات ، حتَّى عمّت الفتنةُ كثيراً من بلاد المسلمين ، واتخذ الناس فيها رؤوساً جهالاً من الدجالين الكذابين ، ومن المعلوم أنه متى ما ظهر الجهل وأطبق ، ظهر السحرة والكهنة وأمثالهم ممن يدعون علم الغيب وشفاء المرضى والدلالة على المفقود ، لعباً بعقول المسلمين لابتزاز أموالهم ، ونهب مقدراتهم ، فيطلب الناس منهم ما لا يُطلب إلا مِن الله ، ويسوقون إليهم الهدايا والأموال ، ويقدِّمون النذورَ ، ويطلبون جلبَ النفع ، ودفعَ الشرور ، ونسوا أن النافع الضار هو الله الواحد القهار ، قال تعالى : { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ يونس107 ] ، وقال سبحانه : { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } [ الأنعام17 ] .
فما من مصيبة تصيب العبد ، ولا هم ، ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا آجره الله عليها ، فترفع له الدرجات ، وتكثر الحسنات ، ولو عقل الناس ذلك لما لجئوا لغير الله تعالى في تفريج الكربات ، وقضاء الحاجات ، ودفع الشرور والأخطار ، قال تعالى : { قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } [ الأنعام63-64 ] .
ولو تدبر العاقل الحصيف ، واللبيب الأريب ، أن المصائب كفارات للذنوب ، ماحيات للخطايا ، ما تركوا سبيل الرشاد ، وطرقوا سبيل الغواية والضلال ، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ ، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنهما ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " ما يُصيبُ المسلمَ من نَصبٍ ولا وَصَبٍ ولا همّ ولاَ حَزَن ولا أذى ولا غَمّ ـ حتى الشَّوكةِ يُشاكها ـ إلا كفَّرَ اللهُ بها من خَطاياه " [ متفق عليه والفظ للبخاري ] ، وفي لفظ لمسلم ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا ، إِلاَّ رَفَعَهُ اللّهُ بِهَا دَرَجَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً " .
فالمؤمن مبتلى مفتون في هذه الحياة الدنيا ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، ليتفاوت الناس في الدرجات العلى إلى الجنة ، ولهذا قال تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت 2 ] ، عن سعد رضي الله عنه قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاء ؟ فقال : " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، فيبتلىٰ الرجل على حسب دينه ، فإن كان رقيق الدين ابتلي على حسب ذاك ، وإن كان صلب الدين ابتلي على حسب ذاك ، قال : " فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشي في الأرض وما عليه خطيئة " ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده ، وفي ماله ، وفي ولده ، حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة " [ أخرجهما أحمد في مسنده ] .
فياله من فضل عظيم يؤتاه العبد المسلم ، ولكن أكثرهم لا يعلمون .
وما أعظم أجر الصبر إذا صبر العبد على البلايا ، واحتسب المصائب والمنايا ، قال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر10 ] .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله عز وجل : " إذا ابتَلَيتُ عبدي بحبيبتيهِ _ عينيه _ فصَبَر عوضتُه منهما الجنة " [ أخرجه البخاري ] .
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه ، أن رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال : " يقولُ اللّهُ تعالى : ما لعبدي المؤمِن عندي جَزاءٌ إذا قَبَضتُ صفيَّه مِن أهلِ الدنيا ثمَّ احتَسَبه إلا الجنّة " [ أخرجه البخاري ] .
لقد فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الإرشادات القرآنية الربانية ، والتوجيهات النبوية الإيمانية فهماً لم يفهمه كثير من الناس اليوم ، لذلك صبروا لما أصابهم ، وما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا ، ولم يتجهوا لغير الله تعالى لتفريج ما بهم من ضائقات الأمور ، وفواجع الدهور ، بل تشبثوا بحبل رب العالمين ، خالق الإنس والجن وجميع المخلوقات ، فمن كان تعلقه بالله أكبر ، كان جزاؤه أعظم ، وفي نهاية المطاف جنات تجري من تحتها الأنهار ، عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ : بَلَىٰ ، قَالَ : هٰذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ، أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ : إِنِّي أُصْرَعُ ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللّهَ لِي ، قَالَ : " إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ" ، قَالَتْ : أَصْبِرُ ، قَالَتْ : فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا " [ متفق عليه ] .
فنسأل الله تعالى أن يلهمنا الصبر والاحتساب ، وأن يعيذنا من مضلات الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، اللهم إنا نعوذ بك من السحرة والكفرة والمردة ، اللهم إنا نعوذ بك من كيد الكائدين ، وحسد الحاسدين ، وحقد الحاقدين يا ذا الجلال والإكرام ، سبحان الله وبحمده ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .


رد مع اقتباس