عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-31-2011, 02:35 AM
أم كريم أم كريم غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

السؤال:
أريد معلوماتٍ تخص هذا الموضوع: "تفسير القرآن في ضوء السياق، وعلاقته بالقيم الدينية"؟


الجواب:


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فنسأل الله أن يرزقك العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يهدي قلبك، ويشرح صدرك، ويلهمك رشدك.

إن فهم النص القرآني في ضوء السياق هو مِن أهم المرتكزات، التي لا يتم الفهم التام للقرآن إلا بها، والسياق الذي نعنيه هنا: هو ذلك السياق الداخلي الذي يُعنى بالنظم اللفظي للكلمة، وموقعها من ذلك النظم، آخذًا بعين الاعتبار ما قبلها وما بعدها في الجملة، وقد تتسع دائرتُه إذا دعَتِ الحاجة، فيشمل الجمل السابقة واللاحقة؛ بل والموضوع كله، أو الكتاب جملة.


السياق بعامة يمتد نفوذه، ويؤثِّر في جوانبَ متعددةٍ في النص؛ إذ إنه يسهم في تحديد المعنى، ودفع اللبس؛ مثال ذلك: كلمة "السائل" مثلاً، يختلف المراد بها بحسب السياق، ففي قولنا: "الدواء السائل أسلمُ للأطفال"، تكون "السائل" اسم فاعل مِن "سال"، وفي قوله - تعالى -: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25]، تكون "السائل" اسم فاعل من "سأل"، وفي قولنا: "سائِلِ العلياءَ عنَّا"، يكون "سائل" فعل أمر، ويعود الفضل للسياق في ضبط هذه الدلالات للكلمة الواحدة، ودفع ما قد يُتَوَهَّمُ من لبسٍ.


وتزداد هذه المسألة وضوحًا بما روي عن التابعي مسلم بن يسار البصري - وقد روى هذا التابعيُّ عن ابن عباس وتتلمذ عليه - حين قال: "إذا حدَّثتَ عن الله، فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده".

وفي قوله – تعالى -: {وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق: 21]، يقول طاوس بن كيسان: "إنما يراد بهذا الكافر، اقرأ ما بعدها يدلك على ذلك".

المناسبة في الأصل قائمة بين الآيات؛ لأن ترتيبها توقيفي، وهذا يحمل على الاطمئنان إلى النتائج التي تسفر عنها مراعاةُ السياق في نظمٍ معجز، تكلم به الحكيم الخبير.


لقد عُني المفسرون منذ وقت مبكر بالسياق القرآني؛ لما له من أثر فاعل في الكشف عن مراد الله - تعالى - في كتابه، وكان له - السياق - حضورًا بارزًا إلى جانب القرائن الأخرى؛ كأسباب النزول، واللغة، والعموم، وربما قُدِّم على بعضها، أو تحكم بها؛ لتوقف المعنى العام عليه.


وقد جعل الإمام الشاطبي مراعاةَ السياق مظهرًا من مظاهر الاستقامة في التفسير، المفضي إلى الفهم الثاقب السليم، حيث قال: "فلا محيصَ للمتفهِّم عن ردِّ آخر الكلام على أوله، وأوله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف، فإن فرق النظر في أجزائه، فلا يتوصل به إلى مراده، ولا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض". اهـ.


ولا شك أن لكل كلمة في القرآن معنًى في ضوء سياقها، قد لا يصح هذا المعنى لسياق آخر؛ لأن مراعاة سياق الكلام ومنحى القول مُعينٌ على استقامة فهم النص؛ لهذا عدَّ كثير من العلماء السياقَ أفضلَ قرينة تكشف عن حقيقة معنى اللفظ.


إن الكلمة الواحدة في القرآن لها دلالات متعددة، يعود للسياق الفضلُ في اكتسابها لهذه المعاني في ضوء الدلالة اللغوية؛ ذلك أن دلالة اللفظ في كل موضع بحسب سياقه، وما يحف به من القرائن اللفظية والحالية.


إن لكلمة "أمـر" مثلاً في القرآن الكريم ستةَ عشرَ معنى، ولكلمة "الرحمة" أربعة عشر معنى، ولكلمة "فـتن" أحد عشر معنى، أدَّت كلُّ كلمة منها معنى غير الآخر، بحسب ما يفرضه السياق.


وقد أفردنا هذا الموضوع ببحث مستقل على موقعنا، وذلك في مقالة: "السياق القرآني وأثره في الكشف عن المعاني".
التوقيع

https://www.facebook.com/salwa.NurAl...?ref=bookmarks


التعديل الأخير تم بواسطة أم كريم ; 04-03-2012 الساعة 08:06 PM
رد مع اقتباس