عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 04-07-2012, 01:39 AM
أم كريم أم كريم غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

ماذا ينبغي على مَن تَوَلَّىالإمامة؟"

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعدُ:
فَقَدْمَنَّ الله عليَّ بتوليتي إمامة جامع، ومؤهلي العلمي ثانوي قسم شرعي،وقد درسْتُ في كلية المعلمين سنتين، وكلية الشريعة سنتين، ولظروفي الخاصة لمأسْتَطِعِ الإكمال، وقدِ الْتَحَقْتُ مُؤَخَّرًا بكلية الدعوة انتسابًامُطَوَّرًا.

فهل من منهجيَّة علميَّة مُقتَرَحة؛ سواء أكانتْ كتبًا أمدروسًا تكون خيرَ مَعِين لِمَن يَتَوَلَّى الإمامة، لا سيما وأنَّ دَوْر الإمامةعظيم؟

أجزل الله لكم المثوبة، وَثَبَّتَنَا الله وإيَّاكم علىدِينه.


الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعدُ:
نسأل الله أن يجعلَكَ خير عون للناس على الخير، وأن ينفعَ بك أينما كنتَوحَلَلْتَ، وأن يرزقكَ الإخلاصَ فيما تنوي وتفعل.

ولتعلمْ أنَّ التَّصَدُّرلإمامة الناس في الصلاة مِن أعظم أمور الدِّين، التي يُمكن أن يَتَوَلاَّهاالمُكَلَّف، وأنها درجة عاليةٌ، يربح منها مَن كان أهلاً لها، ويخسر فيها مَنتَصَدَّرَها وليس لها بأهْل؛ فقد روى الترمذي وغيره - وهذا لَفْظ التِّرمذي - عنأبي هُريرة، قال: قال رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]-: ((الإمام ضامن، والمؤذِّن مؤتَمَن،اللهمَّ أرشدِ الأئمَّة، واغفِر للمؤذِّنين".

ومعنى الإمام ضامن؛ أي: متكفللصلاة المُؤتمين بالإتمام، فالضمان هنا ليس بمعنى الغَرَامة؛ بل يرجع إلى الحِفظوالرعاية.

وفي سُنن ابن ماجَهْ، عن أبي حازم، قال: كان سهل بن سعد الساعدييقدِّم فتيان قومه يُصَلُّون بهم، فقيل له: تفعل، ولكَ منَ القدم ما لك؟ قال: إنِّيسمعتُ رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- يقول: ((الإمام ضامن، فإن أَحْسَنَ فلهولهم، وإن أساء فعليه، ولا عليهم))، فعليكَ أن تُقَدِّرَ تلك المهمة قدرها، وأنتنزلها منزلتها، وأن تَتَهَيَّأَ لها بما يناسبُها من جميع الوُجُوه، وسنذكر لكبعضًا منها:

الأول: أن تجتهدَ لتتمَّ حفظ القرآن، وهو ما ننصح به طَلَبةالعلم دائمًا؛ لأنه الأساس الأول للإمامة في الصلاة، ثم تَعَلُّم العلوم الشرعيَّة.

الثاني: أن تَتَعَلَّمَ أحكام الصلاة، وما يلزمها منَ الطهارة وغيرها، وأنتستوعبَ مِن ذلك على وجه الخُصُوص ما في باب سجود السَّهو، وباب الإمامة، وصلاةالجماعة من أحكام، وذلك في حقِّكَ الآن من باب فُرُوض الأعيان؛ إذ يجب على المكلَّفأن يتعلَّمَ من أمر دينه، في عباداته، ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب لهمنَ القيام بأمره ونهيه - ما يُصَحِّح به عقيدته وعبادته، وَطَلَب هذا النَّوع منَالعلم علاوة على أنه واجب عيني، فإنه من أفضل القُرُبات، فهو الطريق إلى الجنة،وميراث الأنبياء، ومَن خَرَج فيه فهو في سبيل الله حتى يرجعَ؛ كما جاءت بكل ذلكالسُّنَن عن رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG].

وقد نَصَّ العلماء على ذلك؛ بلنقل الإجماعَ فيه الإمامُ القَرَافِي - رحمَه الله - فقال: "حكى الغزالي الإجماع في "إحياء علوم الدِّين"، والشَّافعي في "رسالته"، حكاه أيضًا، في أنَّ المكلَّف لايجوز له أن يُقْدِمَ على فعلٍ حتَّى يعلمَ حكم اللَّه فيه، فمَن باع وَجَب عليه أنيتعلَّمَ ما عيَّنه الله وشرعه في البيع، ومَن آجر وجب عليه أن يتعلَّمَ ما شرعهالله - تعالى - في الإجارة، ومَن قارض وجب عليه أن يتعلَّم حكم الله - تعالى - فيالقراض، ومَن صلَّى وجب عليه أن يتعلَّمَ حكم الله - تعالى - في تلك الصَّلاة،وكذلك الطَّهارة، وجميع الأقوال والأعمال، فمَن تَعَلَّم وعمل بمقتضى ما علم أطاعالله - تعالى - طاعتين، ومَن لم يعلم ولم يعمل، فقد عصى الله معصيتين، ومَن علم ولميعمل بمقتضى علمِه، فقد أطاع الله - تعالى - طاعةً، وعصاه معصيةً"؛ انتهى.

وروى الترمذي، عن العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: قال عمر بن الخطاب: "لا يَبِع في سوقنا إلاَّ مَن تَفَقَّه في الدِّين".

وفي هذا دلالةٌ واضحة على وجوب تعلُّمكَ لتلك الأحكام، وتأييدٌ قويٌّ لماذكرنا لكَ، وبيانٌ لِحِرْص الإسلام على تَعَلُّم الأحكام قبل التَّلَبُّسبها.

وَثَمَّة آدابٌ يحتاجها مَن سَلَك هذا الطريق، لا بُدَّ منها لتحصيلالمقصود، مِن هذه الآداب:
أولاً: الإخلاص في الطَّلَب: ففي حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- يقول: ((مَن طلب العلم ليجاري بهالعلماء، أو ليُماري به السفهاء، أو ليصرفَ به وجوه الناس إليه - أدْخله اللهالنار))؛ رواه الترمذي.

وعن معاذ - رضي الله عنه -: أنه قال لِرسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- حين بعثَه إلى اليمن: "أوصني"، قال: ((أخلصْ دينكَ يَكْفِك القليل منَ العمل))؛رواه الحاكم وصححه.

وبدون الإخلاص يكون العَمَل وَبَالاً على صاحبه، يضرُّهولا ينفعه؛ فعن أبي هريرة - رضيَ الله عنه -: أنَّ رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- قال: ((مَن تعلَّمَ علمًا مما يبتغى به وجه الله – تعالى - لا يتعلمه إلاَّ ليصيبَ بهعرَضًا في الدُّنيا - لم يجدْ عَرْفَ الجنة يوم القيامة))؛ يعني: ريحها؛ رواه أبوداود، وابن ماجَهْ.

ثانيًا: الصَّبر على الطَّلَب، وتحمُّل العناء فيه: فقدعقد الدارمي في سننه باب: "الرحلة في طلب العلم، واحتمال العناء فيه"، وقالالبخاري: باب الخُرُوج في طَلَب العلم، ورَحَل جابر بن عبدالله مسيرة شهر إلىعبدالله بن أنيس، في طلب حديث واحد، وغير ذلك مما مُلِئَتْ به كُتُب التَّراجِموالسِّيَر.

ثالثًا: اختيار مَن تَتَعَلَّم على أيديهم: فقد قال الخطيبالبغدادي: ينبغي للمُتَعَلِّم أن يقصدَ منَ الفقهاء مَن اشتهر بالدِّيانة، وعُرِفبالستر والصيانة، وروى بسنده عن محمد بن سيرين، قال: إنما هذا العلم دين، فانظرواعمن تأخذونه؛ ورواه مسلم في المُقَدِّمة.

ومنَ الصفات التي ينبغي أنتَتَوَفَّر في الشيخ، ما نقلَه الإمام الذهبي، عن الإمام مالك - رحمه الله - أنهقال: "لا يُؤخذ العلم عن أربعةٍ: سفيه يُعلن السَّفَه وإن كان أروى الناس، وصاحببدعة يدعو إلى هواه، ومَن يكذب في حديث الناس وإن كنتُ لا أتهمه في الحديث، وصالحعابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يُحَدِّث به"؛ ا. هـ من "سير أعلامالنبلاء".

وقال بعضهم: "مِن فضل الله على الحَدَث أن يوفق إلى صاحبسنة".

وهذا الإمام مالك - رحمه الله تعالى - يقول: "إنَّ هذا العلم دِين،فانظروا عمَّن تأخذونه، ولقد أدركتُ في هذا المسجد - يعني مسجد رسول الله،[IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- سبعين ممن يقول: قال فلان، قال رسول الله - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- وإن أحدهم لوِ اؤتُمِن على بيت مال،لكان به أمينًا، فما أخذتُ منهم شيئًا؛ لأنهم لم يكونوا من أهل هذه الشأن، فلمَّاقَدِم علينا محمد بن شهاب الزُّهْري، ازدحمنا على بابه وكان شابًّا"؛انتهى.

ذكر ذلك عن مالك بن عبدالبر في "التمهيد"، والذهبي في "السِّيَر" بألفاظٍ مختلفة.

فإذا كان طالب العلم يُريد العصمة لنفسه منَ الزَّللوالخطأ، فعليه أن يلزم شيخاً تقيًّا عالمًا.

رابعاً: تجنُّب تلقِّي العلممنَ الكُتُب فقط، فقد قال الخطيب: ويكون قد أخذ فقهه مِن أفواه العلماء، لا منَالصحف.

وأورد عن سليمان بن موسى قال: "لا تقرؤوا القرآن على المصْحَفِيّين،ولا تأخذوا العلم من الصحَفِيين".

وقد قيل قديمًا: مَن كان شيخُه كتابَه،غَلَب خطؤه صوابه.

وقيل: مَن دخل في العلم وحده، خرج وحده؛ أي: مَن طَلَبَهُبلا شيخ، خَرَجَ بلا علم، وقد نظم أحدُ العلماء في ذلك شعرًا فقال:

يَظُنُّالغُمْرُ أَنَّ الكُتْبَ تَهْدِي أَخَا فَهْمٍ لِإِدْرَاكِ العُلُومِ
وَمَايَدْرِي الجَهُولُ بِأَنَّ فِيهَا غَوَامِضَ حَيَّرَتْ عَقْلَ الفَهِيمِ
إِذَارُمْتَ العُلُومَ بِغَيْرِ شَيْخٍ ضَلَلْتَ عَنِ الصِّرَاطِالمُسْتَقِيمِ
وَتَلْتَبِسُ الأُمُورُ عَلَيْكَ حَتَّى تَصِيرَ أَضَلَّ مِنْتُومَا الحَكِيمِ


والسَّبب في رغبة السَّلَف لُزُوم الشُّيوخ لتَلَقِّيالعلم؛ أنَّ طالِب العلم يستفيد منَ الشيخ أمورًا كثيرة منها: العلم الصحيحالموثوق، ومنها: الأدب، وحُسن السمت، وجميل الأخلاق.

ولكن إذا وَجَدَ منَالصُّحف والكتب بأنواعها، والإنترنت وبرامج الكمبيوتر - ما هو نافع مفيد، وفيه علمشرعي مُوَثَّق، صادر عن جهات نشر معروفة بالأمانة، وتحرِّي الدِّقَّة والصواب - فلابأس منَ الانتفاع مما في هذه منَ العلوم النافعة؛ إذ إنَّ هذه الأشياء وسائل،والوسائل لها حكم المقاصد، فإنِ استطاع الإنسان أن يأخذ ما فيها من خير، ويتجنَّبما فيها منَ الشر والفساد، فلا بأس بذلك.

لكن لا يقتصر طالبُ العلم فيتحصيله عليها، دون الرُّجوع إلى العلماء والمشايخ.

خامسًا: التواضع: فقد روىالخطيب البغدادي بسنده إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "مكثتُ سنة، وأنا أريدأن أسألَ عمر بن الخطاب عن آية، فلا أستطيع أن أسأله هيبةً".

يمكن لطالبالعلم أن يحصلَ ما ذكرنا من الآداب وأضعافها، إذا انشغل بقراءة الكتب التي كتبهاالعلماء في أدب الطَّلَب، وهي - ولله الحمد - كثيرة، منها المطول ومنها المختصرفمنها: "حلية طالب العلم"؛ للشيخ بكر بن عبدالله أبي زيد؛ بل وأغلب كتب الشيخ تهتماهتمامًا بالغًا بمعالجة قضايا العلم وطلبته، ومن كُتُب الأدب المهمَّة أيضًا: "أدبالطلب"؛ للإمام الشوكاني، و"الفقيه والمتفقه"؛ للخطيب البغدادي، و"تذكرة السامعوالمتكلم"؛ لابن جَماعة، وغيرها.

ولمعرفة بعض الكتب التي يمكن الاستفادةمنها راجع استشارة: "سدِّدوني"، و"فقه المُعامَلات الماليَّة والبحث عن السَّلامالدَّاخلي".

وأما ما ننصحُك بتعليم الناس إياه في مسجدك - هذا بعد أنتَتَعَلَّمَ أنت طبعًا - فهو كما يلي:
أولاً: أن تؤكِّدَ لهم على فهم العقيدةالصحيحة من خلال مختصرات كتب العقيدة، وبعض شروحها، وهي متوفرة بحمد الله - تعالى - في المملكة وغيرها.

ثانيًا: أن تربطهم بسنة النبي محمد - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/Mahmoud/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/07/clip_image001.gif[/IMG]- وذلكبقراءة المصنفات المختصرة في هذا العلم؛ مثل: "الأربعين النووية" وشروحها،و"الترغيب والترهيب"، مع تحقيقه للشيخ الألباني - رحمه الله - وكذلك "رياضالصالحين"؛ للإمام النووي مع شروحه الكثيرة المنتَشرة، ومختصر صحيحي البخاري ومسلم - رحمهما الله.

ثالثًا: أن تعلِّمهم الأحكام الشرعية، وهذا يشمل أحكامالعبادات والمعاملات والقضايا المعاصرة في شتى جوانب الحياة، التي تَطَوَّرَت بشكلٍأوقَعَ الناس في حَيْرة كبيرة، بِصَدد الكثير من الأحكام الشرعية.

رابعًا: أن تربطَ بين العقيدة والعبادات من جهة، وبين الأخلاق التي يتعامل بها الناس من جهةأخرى؛ لترأب الصدع الكبير، وتسدَّ الهُوَّة الواسعة، وتملأ البون الشاسع بينالأخلاق السلوكيَّة والأحكام العملية الشرعية، وبمعنى أوضح الموازنة بين حقوق الله،وحقوق الناس.

ويمكن إدراك تعلُّم هذه الموازنة، من خلال كُتُب الآداب التيحوتْها دواوين السُّنَّة، أو كتب الفقه، أو الزُّهد والرقائق، ومن أهمها "منظومةالآداب"؛ لابن عبدالقوي الحنبلي مع شروحها المعروفة المطبوعة - بحمد اللهتعالى.

ولا يَسَعُنا في الختام إلاَّ الدُّعاء لك آخرًا، كما دَعَوْنا لكأولاً بالعلم النافع والعمل الصالح.
التوقيع

https://www.facebook.com/salwa.NurAl...?ref=bookmarks

رد مع اقتباس