عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 04-07-2012, 01:41 AM
أم كريم أم كريم غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

مثالية أم خرافة"


السؤال:

أناطالب علم، ولله الحمد والمنة.
لكن عندي بعض المشاكل، أُوجزُها وأريد حلاًّمطوَّلاً منكم؛ ليستفيدَ الآخَرون حينما يقرؤون.

-
في الحقيقة أنا أضعأهدافًا وأخطِّط وأرتب، لكن للأسَف لا أُنْجز، أنا عندي علوٌّ بالهِمَّة وعنديمخطَّطات وأهداف وطموحات، لكن يبدو أنِّي أدورُ في حلْقة مفرغة من الصغر، لا أعلمأكنتُ مثاليًّا أم أني لا أعْرِف قُدُراتي أم أني "أكبر الجرعة" كما وصفني أحدالأصدقاء؟ لا أعلم، لَم أُنجز شيئًا، لا أعْلم لماذا؟

-
دائمًا ما أُقارننفسي ببلاد العلم "شنقيط" المحاضر الموريتانيَّة وبطلاَّبهم وشيوخِهم، فيا للعجب! ماذا أجد؟ بونًا وفرقًا شاسعًا بيني وبينهم، بل بين علمائنا وبينعلمائهم.

كيف؟
يَحفظون حِفْظًا عجيبًا، بل - والله - من شدَّة العجب أنَّالعوامَّ يقولون: لا بدَّ أن تحفظ ابنَك "مختصر خليل" في الفِقْه المالكي؛ حتَّىيعبد الله على بصيرة، والقُرآن وألفيَّة ابن مالك؛ حتَّى يصونَ نفسَه عناللَّحن.

وماذا عن طلبة العِلم والشُّيوخ؟
فالقرآن بالقِراءات العشْر، منالشَّاطبيَّة وصاحبتِها، والحديث: الكتب الستَّة بأسانيدِها وطُرُقها وألفاظِها،والتفسير: منظومة لديْهم أكثر من 15 ألف بيت، و... و... و....، شيء يبْهر العقولَويأخُذُ بالأبْصار.

يا الله!

مكتبة متنقِّلة، وأنا لا تعليق، فقداحترقت.


الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
مرحبًا بك - أخي الكريم - في موقع الألوكة، ونسأل الله أن يوفقك للعلمالنافع والعمل الصالح.

فلا شكَّ أنَّ الجهدَ الذي تبذلُه المحاضر فيموريتانيا له أثرُه في حِفْظِ العُلوم والإبقاء عليْها وتَنْمِيتها، وهذا أمرٌيعْرِفه كلُّ مَن له صلةٌ بالعِلْم الشَّرعي؛ لأنَّ الأصل في التعلُّم هو الحِفْظ،وهذا فعلاً ممَّا يعدُّ مثالاً يُقْتَدى به، وليس خرافةً يدَّعيها بعضُ الناس؛ بلهو حقيقة قائمة، يبلُغها مَن وفَّقه الله - تعالى - لها، وقد نُقِل عن بعض العلماء: "مَن حفِظ المتون حاز الفنون"، وورد عنهم من الآثار في الحِرْص على الحفظ ما تنوءُبه الكتب الكبار.
-
قال حفص بن غياث: "من جلالة ابْنِ أبي ليلى: أنَّه قرأالقرآن على عشَرة شيوخ".
-
وقال مجاهد: "صلَّيت خلف مسلمة بن مُخلَّد، فقرأسورة البقرة فما ترك واوًا ولا ألفًا".
-
وكان الأعمش يعرِض القرآن فيُمْسكونعليه المصاحف، فلا يخطئ في حرف واحد.
-
قال أبو داود: "أملى إسحاقُ أحدَ عشرَألفَ حديثٍ من حفظه، ثمَّ قرأها عليْنا، فما زاد حرفًا ولا نقص حرفًا".
-
وقالعمر بن شبَّة: " أحفظ ستَّة عشر ألفَ أُرْجوزة".

وينبغي على طالب العلم أنيبدأ أوَّلاً بحفظ القُرآن؛ فهو أساس العلوم، قال ابنُ عبدالبر - رحِمه الله -: "القُرآن أصل العلم، فمَن حفِظه قبل بلوغِه ثمَّ فرغ إلى ما يَستعينُ به على فهْمِهمن لسان العرب، كان ذلك له عونًا كبيرًا على مُراده منه، ومن سُنن رسول الله - صلىالله عليه وسلَّم".

وقال أيضًا: "أوَّل العلْم حفظ كتاب الله - عزَّ وجلَّ - وتفهُّمه، وكل ما يُعين على فهْمِه فواجبٌ طلَبُه معه، ولا أقول إنَّ حِفْظَه كلهفرض؛ ولكنِّي أقول: إنَّ ذلك شرطٌ لازم على مَن أحبَّ أن يكون عالمًا فقيهًا ناصبًانفسَه للعلم، ليس من باب الفرض".

وقال الخطيب البغدادي - رحمه الله -: "ينبغي للطَّالب أن يبدأ بِحِفظ كتاب الله - عزَّ وجلَّ - إذْ كان أجلَّ العلوم،وأولاها بالسبق والتقديم".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وأمَّا طلَب حِفْظِ القرآن، فهو مقدَّم على كثيرٍ ممَّا تسميه النَّاس علمًا، وهوإمَّا باطل أو قليل النَّفع، وهو أيضًا مقدَّم في التعلُّم في حقِّ مَن يُريد أنيتعلَّم عِلْمَ الدين من الأُصُول والفُروع، فإنَّ المشروع في حقِّ مثل هذا في هذهالأوْقات أن يبدأ بِحِفْظ القُرآن؛ فإنَّه أصل علوم الدين".

وقال ابن جماعة - رحمه الله -: "يبتدئ أوَّلاً بكتاب الله فيُتْقِنه حفظًا، ويَجتهد على إتقانتفسيرِه وسائر علومِه، فإنَّه أصل العلوم وأمُّها وأهمُّها".

وممَّا يدلُّعلى أنَّ العلماء كانوا لا يسمحون لطالبِ العلم أن يبدأَ بشيْءٍ قبل أن يَحفظ كتابالله تعالى، ما ذكره الذَّهبي في "السير" عن شيخ الحرم الإمام عبدالملك بن جُرَيْج - رحمه الله - قال: "أتيت عطاء - يعني: ابن أبي رباح - وأنا أُريد هذا الشَّأن،وعنده عبدالله بن عُبيد بن عمير، فقال لي ابن عمير: قرأتَ القرآن؟ قلت: لا، قال: اذهب فاقرأْه، ثم اطلب العلم، فغبّرت زمانًا حتى قرأت القرآن".

وفي ترجمةالإمام محمَّد بن إسحاق بن خُزيمة - رحمه الله - يقول حفيدُه محمد بن الفضْل بنمحمد - رحمه الله -: سمعت جدي يقول: "استأذنْتُ أبي في الخُروج إلى قُتَيْبة، فقال: اقرأ القُرآن أوَّلاً حتَّى آذَنَ لك، فاستظْهَرتُ القُرآن، فقال لي: امكُثْ حتَّىتصلِّي بالختمة، ففعلتُ، فلمَّا عيَّدنا، أَذِن لي، فخرجت إلى "مرو"، وسمعت بمروالروذ من محمد بن هشام صاحب هُشيم، فنُعي إليْنا قتيبة".

فإذا حفِظ الطَّالبالقُرآن الكريم، تدرَّج في طلَب العلم بالصُّورة التي درج عليْها السلف - رحِمهمالله - فيبدأُ بالصَّغير قبل الكبير، وبالأُصول والمعاقد قبل الفُروع والشَّوارد،ويسير فيه الهوينى؛ فعن يونس بن يزيد قال: قال لي ابن شهاب: "يا يونس، لا تُكابِرِالعلم، فإنَّ العلم أوديةٌ، فأيها أخذت فيه، قطَع بك قبل أن تبلغَه، ولكن خذْه معالأيَّام والليالي، ولا تأخُذِ العلم جُملة، فإنَّ مَن رام أخْذَه جملة، ذهب عنْهجملة، ولكنَّ الشَّيء بعد الشَّيء مع الليالي والأيَّام". اهـ.

وقال ابنعبدالبر - رحِمه الله -: "طلَب العلم درجاتٌ ومناقل ورُتب لا ينبغي تعدِّيها، ومنتعدَّاها جملة فقد تعدَّى سبيل السلف - رحمهم الله - ومن تعدَّى سبيلَهم عامدًا،ضلَّ، ومن تعدَّاه مجتهدًا، زلَّ". اهـ.

وقال ابن القيِّم في "مدارجالسالكين": "وتالله، ما امتاز عنْهم المتأخِّرون إلا بالتكلُّف والاشتِغالبالأطراف، التي كانت همة القوْم مراعاة أصولها، وضبْط قواعدها، وشدّ معاقدِها،وهممهم مشمِّرة إلى المطالب العالية في كلِّ شيء، فالمتأخِّرون في شأن والقوم فيشأن! و{قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق: 3]". اهـ.

ولتعلمْ أنَّ الناس متفاوِتون في الحِفْظ والفهم، وهذه سنَّة الله - تعالى - في خلقِه؛ لتفاوُت عقولِهم وأفهامِهِم، وعلى الطَّالب أن يسدِّد ويقارب،وأن يُوازِن بين الحفْظ والفهْم، ولا يتأتَّى له ذلك إلا بلُزُوم جَماعة طلاَّبالعلم وشيوخِه، مع لزوم تقْوى الله في السرِّ والعلَن.

قال الشَّعبي ووكيعبن الجرَّاح - رحمهما الله -: "كنَّا نستعين على حِفْظِ الحديث بالعملبه".

قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "لوِ اعتصم رجلٌ بالعِلْم الشَّرعيمن غير عملٍ بالواجب كان غاويًا" اهـ.

واللهَ نسأل أن يوفِّقَك لما يحبُّويرضى، وأن يرْزُقَك قلبًا واعيًا وعقلاً فاهمًا.
التوقيع

https://www.facebook.com/salwa.NurAl...?ref=bookmarks

رد مع اقتباس