عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 09-30-2010, 03:35 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

لو أتي بالعبودية على أصلها .لا تحك رأسك إلا بأثر معناها: لا تفعل أقل شيء إلا بنص ، مسألة الأوامر والنواهي هذه هي صورة العبودية وأثرها ، أنت عبد ، نعم عبد ، ما الدليل على أنك عبد ؟ أراقب الأوامر والنواهي ، هل الأوامر على درجة واحدة ؟ لا ، أنا أريد أن أرسم صورة عبد ، أرسم صورة عبد بماذا ؟ الأوامر على ثلاث أنحاء والنواهي على نحوين ، التي هي الأحكام الشرعية الخمسة كما يسميها الفقهاء والتي هى الوجوب أو الفرض على قول الجمهور والاستحباب أو الندب ،( الواجب والفرض) شيء واحد ،( الاستحباب والندب)شيء واحد ،( الإباحة)، ثم (الكراهة )، والحنفية يقولون كراهة تحريم وكراهة تنزيه ، والتحريم .الأحكام الشرعية لا تخرج عن خمسة إذا تعلق بالأمر تكون ثلاثة ، وجوب إباحة ، وإذا تعلق بالنهي ، تحريم وكراهة ، أنت تريد أن تكون عبد ، كيف تكون عبد في وسط هذه الأحكام ؟ ما الذي إذا عملته من هذه الأحكام نقدر أن نقول أنك عبد لله- عز وجل- ؟ ، وهذا ما سنذكره غدًا .
انْتَهَي الْدَّرْس الْثَّامِن
الْمُحَاضَرَة الْتَّاسِعَة
قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-: ( خَطَرَت لِي فِكرَةٌ فيمَا يجرِي علَى كَثيرٍ مِن العَالَمِ من المَصائبِ الشَّدِيدةِ و البَلَايَا العَظِيمَةِ التي تَتَنَاهَى إلى نِهَايةِ الصِعٌوبَةِ فقُلتُ: سُبحَانَ الله إن الله أَكرَمُ الأَكرَمِين والكَرمُ يُوجِبُ المُسَامَحة فَما وَجهُ هَذِهِ المُعَاقَبة ؟فَتفَكرتُ فَرأيتُ كَثِيرًا من النَّاسِ في وجُودِهِم كالعَدم لا يَتَصَفَحُونَ أدِلَةِ الوَحدَانِية ولَا يَنظُرُونَ في أَوامِرِ الله تَعالَى ونَواهِيهِ بَل يَجرُونَ على عَادَاتِهِم كَالبَهَائِم ، فإِن وَافَقَ الشَّرعُ مُرَادَهُم وإِلَّا فَمُعَولَهُم عَلى أغرَاضِهِم ، وبَعدُ حِصُولِ الدينَارِ لا يُبَالُونَ أَمِن حَلَالٍ كانَ أَم مِن حَرَام ، وَإن سَهُلَت عَليهِم الصَّلاةِ فَعَلُوهَا وَإن لَم تَسهُل تَرَكُوهَا ، وفِيهِم مَن يُبَارِزُ بالذِنوبِ العَظِيمة مَع نَوعِ مَعرِفَةِ النَّاهِي ، ورُبمَا قَويَت مَعرِفَةِ عَالِمٍ مِنهُم وتَفَاقَمَت ذِنُوبَه فَعَلِمتُ أن العِقُوبَاتِ وإِن عَظُمَت دُونَ إِجرَامِهِم ، فَإِذا وقَعَت عُقُوبَةٌ لِتُمَحِصَ ذَنبًا صَاحَ مُستَغِيثُهُم: تُرَى هَذَا بِأَي ذَنب ؟ وَيَنسَى مَا قَد كَانَ مِمَا تَتَزَلزَلُ الأَرضَ لِبَعضِه وقَد يُهَانُ الشَّيخُ في كِبَرِهِ حَتَى تَرحًمَُه القُلُوب ، وَلَا يُدرَي أِنَّ ذَلِكَ لِإِهمَالِهِ حَقَّ الله تَعَالَى في شَبَابِهِ فَمَتَى رَأَيتَ مُعًاقَبًا فَاعلَم أِنَّه لِذِنُوب .)



وكنا قد تكلمنا أمس عن تصفح أدلة الوحدانية ووقفنا في نهاية الكلام على الأوامر والنواهي ، فإنه لو عظم الآمر ما خالف أمره ولا تجاوز نهيه ، فيكون تنفيذ الأوامر والنواهي أنما هي فرع على صحة توحيده ، لكن النصوص تنقسم إلى قسمين الْنُصُوصِ الْشَّرْعِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ قُرْءَانا أَوْ كَانَتْ سَنَةً تَنْقَسِمُ إِلَىَ قِسْمَيْنِ:-
القسم الأول: يسميه العلماء معقول المعنى .والقسم الأخر: يقولون أنه لا معقول المعني ,ومعنى معقول المعني: أي ظهرت الحكمة من تشريعه, ومعنى لا معقول المعني:أي لم تظهر الحكمة من تشريعه ، مع وجود الحكمة فيه ، لأنه لا يتصور أن يكون هناك أمرٌ إلا بحكمة سواء عرفت الحكمة أم لم تعرفها ,القسم الأول تقريبًا أغلب نصوص الشرع تنتمي إلى القسم الأول وهي معرفة الحكمة من التشريع وهو ما يسميه العلماء أيضًا بالعلة كقوله- صلي الله عليه وسلم- مثلاً لما جاءه بشير والد النعمان بن بشير- رضي الله عنهما- وقد أراد أن يخص النعمان بشيء فأبت امرأته وقالت له: لا حتى تُشهد على ذلك رسول الله- صلي الله عليه وسلم-" فجاء بشير وقال للنبي - إني أردت أن أُنحِل ابني هذا نُحلاً ن أي أعطيه عطية ، وجئت أُشهدك على ذلك ، فقال عليه الصلاة والسلام أكل ولدك أعطيت ؟ قال: لا قال: أشهد على ذلك غيري فإني لا أشهد على جَور " (أشهد على ذلك غيري ) الشاهد من الحديث: ليس إذنًا أن يشهد غير النبي- صلي الله عليه وسلم- لكنه أراد أن يقول له: ليس مثلي هو الذي يشهد على جور فإن شهد غيري فأنا لا أشهد ، وهذا معني الكلام ,وهذا كقول الله- عز وجل-:﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ(فصلت:40) ، مع عدم الترخيص بالكفر ، لأن الله عز وجل- قال:﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾(الزمر:7)، فليس معني قوله:-:﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْأن العبد حر أن يفعل ما يريد ، لا ، إنما هو تهديد ، كما تقول أنت لولدك الذي لا يسمع الكلام أنت حر ، أنت حر ليس معناها أن يفعل ما يريد ، إنما هذا خرج منك على سبيل التهديد أي أنك مسئول عن الجناية وأنت وحدك الذي ستتحمل العقوبة فهذا معني الكلام ,فيكون قد ظهر لنا علة هنا في هذا اللفظ " أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جَور " في اللفظ الآخر أن النبي - قال لبشير:" أتحب أن يكونوا لك في البر سواء ؟ " تريد أولادك هذا يبرك ، وهذا يبرك ، وهذا يبرك ،" قال: نعم ، قال:فاعدل بينهم " ، فظهرت علة أيضًا لماذا يجب على الوالد أن يسوي في الهبة بين الأولاد إذا كانت هبة مطلقة ، أن أعطى أموال في العيد ، فيسوي بين الأولاد في هذه الأموال ، بخلاف ما إذا خرجت الأموال من الوالد مساعدة للأبناء ، فيكون كل بحسب ,عندي أحد أولادي يسكن مثلاً في القاهرة ولنفترض أن هذا الولد له منصب كبير ، كأن يكون أستاذًا في الجامعة أو مثل ذلك ، وأراد أن يتزوج وخطب امرأة من المدينة ، فلما أردت أن أزوج الولد ساعدته بمائة ألف جنيه ، وعندي ولد فلاح يسكن في القرية أراد أن يتزوج ساعدته بعشرين ألف ، وكانوا له كفاية وزيادة ، وطبعًا بكل أسف المثل هذا لا ينطبق على الواقع ، اليوم في الفلاحين المهر أضعاف ، أضعاف المدينة لابد أن يحضروا ما يملأ ثلاث سيارات من الأواني الألومونيوم ، وكذلك غسالتين وغسالة أطفال ، وكلهم فلاحين ، لماذا تريدين غسالة الأطفال ، ماذا ستعملين بها ، تريد غسالة للكبار وغسالة للأطفال ، فهل لو وضعت ملابس الأطفال في غسالة الكبار ستقف ولا تعمل ، لا يلزم هذه وهذه ، لأن بنت عمها وبنت خالتها وغير ذلك ,بكل أسف في الأرياف أصبح عبء على الوالد الذي يزوج ابنته وليس على الرجل الذي سيتزوج ، لا ، على الوالد وربما في المدينة يسهلون قليلاً ، لكن سنفترض المسألة هكذا ، زوج ولده الفلاح بعشرين ألف والولد الذي هو أستاذ في الجامعة أعطاه عند ما أراد أن يتزوج خمسين ، ستين ألف ، هل يجب عليه أن يسوي ؟ لا ، هو أعطى لهذا كفايته بما يوافق العرف ، وهذا كفايته بما يوافق العرف ، ليست هذه هبة مطلقة ، إنما هذه هبة خرجت على سبب ، وهذا رضي وهذا رضي , مثل ما يقول العلماء في خدمة المرأة ، لو أن رجلًا متزوج بامرأتين ، واحدة من المستوي العالي التي تريد خادم وخادمة وامرأة أخري من الفلاحين وتشتغل شغل الفلاحين من حلب الجاموسة وغير ذلك . الأولي كانت في بيت والدها عندها من يقوم بخدمتها وعنها خدم وغير ذلك ، والثانية تعتمد علي نفسها.
فقال العلماء:خدمة البدوية ليست كخدمة الحضارية هذه لها خدمة ، وهذه لها خدمة المهم ، أنك ترضي الاثنين وقت هذه ترضيها وتكون مرضيه والثانية تكون مرضية مع بعد ما بينهما من النفقة لكن الرجل إذا أراد ابتداءًا أن يعطي أولاده هدية يجب عليه أن يسوي بين الأولاد .
الْعِلَّةُ مِنَ الْتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ عِنْدَ الْنَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ.:النبي - ذكر العلة في ذلك قال : " أتحب أن يكون لك في البر سواء ؟ قال: نعم ، قال: فأعدل بينهم " لأن التفريق في الهدية أو في الهبة المطلقة يوجب نفور قلب الأبناء ، الابن هذا يقول: أبي ميز عليَّ أخي ويبدأ في أن يحقد علي أخيه ، بكل أسف الآباء الذين ليس لهم بصر يتركون العداوة للأبناء ثم يموتون ، يأخذ الأرض يعطيها للأولاد الصبيان ويقول أن البنات لهم أزواج يصرفوا عليهم لكن الابن هو الذي يصرف علي الأولاد وغير ذلك من أمور أخري ، فيعطي الأرض للأولاد والبنات ، أو يعطي للبنات الفتات ويعطي باقي الأرض للأولاد الذكور ,يترك الحقد والحسد والغيرة ما بين الأبناء ويموت ، ما الذي استفاده هو ، لو كان سوي بينهم ؟ علي الأقل كان يترك الرحم موصولًا بين الأولاد وبين البنات ، فهذا نص معلل فيه علة .
مَالْحُكْمُ فِيْ إِبَاحَةِ زِيَارَةِ الْقُبُوْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ؟كذلك مثلًا قوله -: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور .فزوروها " لماذا ؟ " فإنها تذكر بالآخرة "، فهذا نص معلل ، ظهرت الحكمة من الإباحة بعد الحظر ، وأنت تعرف الحديث هذا بدأ بإباحة ثم بحظر ثم بإباحة يكون إباحتان وحظر ، لأن النبي - عندما يقول: " كنت نهيتكم " دل هذا علي أن إباحة سابقة ، ما الذي نهاهم عنه ؟ إنما نهاهم عن مباح " كنت نهيتكم " كان هناك مباح، ثم فيه نهي ، " فزوروها " هذه إباحة ثانية ,أكثر نصوص الشريعة تحت هذا النوع ،المعلل الذي ظهرت الحكمة من تشريعه إما نصًا ، وإما استنباطًا ، لأن العلة ممكن ألا تكون مذكورة ، لكن أنت تفهم العلة من هذا ، فتستنبط العلة ، غير النصين اللذان ذكرتهما العلة فيها مذكورة .
القسم الثاني:وهو لا معقول المعني : وهو الذي أمر به العبد ابتلاءًا ، قد يفهم العبد الحكمة منه وقد لا يفهم ، لكن هو مشتمل علي حكمة إذ لا أعلم في نصوص الشرع أمرًا كان المقصود منه امتثال الطاعة ولا يشتمل علي حكمة هذا غير موجود ، بل لابد أن يشتمل علي حكمة سواء عرفتها أو لم تعرفها لكن علي أي حال الظاهر منه الابتلاء ، يبتليك لينظر إلي طاعتك سوف توقف تنفيذ الأمر حتى تقول لابد أن أفهم ولا إذا ثبت الخبر تقول: سمعنا وأطعنا .
مثال ذلك: كأمر الله - عز وجل - إبراهيم أن يذبح ابنه ، فالمقصود هو تنفيذ الأمر وليس المقصود إمضاء المأمور به ، ما هو المأمور به ؟ ذبح إسماعيل هل هذا هو المقصود ؟ لا ، ليس هذا المقصود ، هل هو ذلك المأمور به بمعني أن ينفذ ؟ لا ، لأن هذا كما يقول العلماء أمر ابتلاء وليس أمر إمضاء ، إذ لو أراده الله - عز وجل - لمضي لكن الله - تبارك وتعالي - أبتلي إبراهيم - عليه السلام - بذبح ولده الوحيد آنذاك والذي جاء بعد طول انتظار ، وغير ذلك بلغ معه السعي أي بدأ يتبع أباه . أنت تعرف الولد الصغير الأب لا ينظر للولد الصغير حتى يبدأ أن يتحرك ويبدأ يعاكسه ، يمكن أحسن الفترات التي تستمتع بها الأم بالولد فيها طول ما الولد يرضع ، تكون الأم شديدة الالتصاق بالولد ، الأب عادة لا ينظر إلي الولد في هذا السن ، متى الأب يبدأ في النظر إلي الولد ؟ عندما الولد يبدأ أن يتحرك ، وبعد ذلك يجري ورائه ، عندما يذهب للباب يجري ورائه ويبدأ الأب في الهروب من الولد لابد أن يغيبوه يمين أو شمال لكي لا يلحق به لأنه متمسك به ، كل ما يأتي لكي ينزل يريد أن ينزل معه . يبدأ يحدث نوع من التعلق بين الوالد وبين الولد في هذا السن.
(فَبَلَغَ مَعَهُ الْسَّعْيَ) الْعُلَمَاءُ يَقُوْلُوْا عَلَيَّ قَوْلَيْنِ:-القول الأول :السعي هو سن ثلاث عشر سنة ، أربعة عشر سنة ، أي بدأ في السعي معه ويمشي ويذهب معه في قضاء الحاجات وغير ذلك .القول الثاني: بلغ معه السعي: أي بدأ يسعي ، يمشي ، مجرد أنه يمشي ,فأراد الله - عز وجل - أن يبتلي إبراهيم في محبة هذا الولد ، ألهذا الولد ركن في قلب إبراهيم- عليه السلام- أم لا ؟ ، فأمره بذبحه ، فلما امتثل كان خليلاً ، فما هي الخلة ؟الخُـلةُ: أن تتسلل المحبة إلى مسام القلب حتى لا يترك في القلب شيءٌ لغير المحبة وهي أعلى درجات المحبة أن يكون المرء خليلاً ، أعلى الدرجات على الإطلاق . مَتَىَ صَارَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلَا؟فصار إبراهيم- عليه السلام- خليلاً لما انتزعت محبة إسماعيل من قلبه فلم يبقى في قلبه غير ربه- تبارك وتعالي- ، فهذا أمر ابتلاء ، لذلك لما إبراهيم- عليه السلام- امتثل ، ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ﴾(الصافات:103-105)، فما هو التصديق ؟ قولٌ ، أم قول وفعل ؟ قول وفعل بنص هذه الآية ، لماذا ؟﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا﴾ هذا القول ﴿وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ هذا الفعل ، الذي يتكلم ولا يصدق قوله فعله فليس بصادق ، بعد ما القول والفعل ﴿ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾(الصافات:105-107) .فهذا أمر ابتلاء أم إمضاء ؟ فلو كان أمر إمضاء ما الذي يحدث كان ذبحه ، لأن أمر الإمضاء لا يتغير ، إذا أراد الله شيئًا إمضاءًا مضى ، مثل الأجل .
قِصَّةً مُوْسَىْ وَمَلَكِ الْمَوْتِ:وكذلك دليل من أدلة هذا البحث قصة موسى مع ملك الموت ، وهذا المعنى هو الذي سيحل الإشكال ، الإشكال الذي اعترض المعترضون على هذا الحديث حديث موسى وملك الموت في الصحيحين من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- " أن النبي - قال:" جاء ملك الموت موسى- عليه السلام في داره فقال له أجب ربك ، فصكه موسى- عليه السلام- ففقأ عينيه ، فصعد ملك الموت إلى الله- عز وجل- وقال: إنك أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه بصره وقال: أنزل لعبدي فقال له ء الحياة تريد ؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فلك بكل شعرة مستها يديك سنة ، فلما نزل ملك الموت وقال ذلك لموسى- عليه السلام- قال: أي ربي ثم ماذا ؟ فقال: الموت ، قال: فالآن " .الذين اعترضوا على هذا الحديث اعترضوا عليه من أوجه ، من بين هذه الأوجه: قالوا: أنه يعارض قوله تعالي:﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾(الأعراف:34) ، فإذا مكان ملك الموت نزل ليقبض روح موسى- عليه السلام- فلا يصح أن يقول له أنا لن أموت ، وكذلك يفقأ عينه ، ما هذا الذي يحدث هذا مناقض لكتاب رب العالمين والحديث إذا كان مناقضاً للكتاب فيقدم القرءان مباشرة ، منتهي اليسر ، ولا يفكر ولا يعمل فكره ولا يري العلماء قبله ماذا قالوا .هؤلاء الجماعة مصيبتهم أنهم لا يقرءون للعلماء إذ لا يعتدون بكلام العلماء ، ألف باء ، حديث رواه البخاري أرى الشرح للبخاري ماذا قالوا في الحديث ، وأناقش الكلام الذي قالوه ، لا ، اعتراضات وأهواء تدل على أنهم لم يقرءوا حرفًا مما قاله العلماء .
بن حبان- رحمه الله-: له كلام متين لما روى هذا الحديث ، قال فيه هذه القاعدة: قال:( إن الله- عز ووجل- أمر ملك الموت أن ينزل إلى موسى- عليه السلام- ابتلاءا لا إمضاءًا)وهذا واضح من سياق الحديث ، لما نزل في المرة الأولى قال له: أجب ربك ، ما معنى أجب ربك ؟ سلم روحك ، أي سأقتلك أو أموتك ، فلما واحد يجلس في بيته بمفرده والباب مغلق والشباك مغلق ، ثم وجد واحد في البيت يقول له سلم روحك ، فهذا كيف يتصرف معه ؟ تصرف معه موسى- عليه السلام- بمقتضى التوراة .ومقتضي التوراة: فقأ عين الناظر في بيتك بغير إذنك ، وهذا لا ينظر فقط ، لا هذا دخل الدار ، وحتى لم يدخل البيت وهو ساكت لكنه يريد أن يأخذ روحه ، فدفع الصائل مشروع ، ولذلك فقأ عينيه ، وملك الموت كما في مسند الإمام أحمد من وجه أخر عن أبي هريرة قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " كان ملك الموت يجالس الأنبياء عيانًا " ، فلما يكون ملك الموت- عليه السلام- يجلس مع موسى- عليه السلام- على طول ، أول لما يراه يعرفه أم لا ؟ يعرفه ، فوجد واحد لا يعرفه ، فلماذا نزل ملك الموت هذه المرة بصورة غير الذي اعتاد موسى أن يراه بها ؟ فهذا ابتلاء أم لا ؟ نوع من الابتلاء ,لذلك لما فقأ موسي عينيه وصعد إلى الله- عز وجل- رد الله عليه عينيه ، وطبعًا العين رد على الصورة وليس على حقيقة ملك الموت ، الملائكة لا ينزلون إلى الأرض ويجالسون بني أدم إلا في صورة آدميين كما كان جبريل- عليه السلام- يأتي النبي- صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي ,فلما نزل المرة الثانية لم يفقأ عينيه ، لما ، لأنه نزل في الصورة التي هو تعود أن يراه بها، فلما نزل في هذه المرة وقال له: إن ربك يقول لك إن كنت تريد الحياة ضع يدك على متن ثور ، ففطن موسى- عليه السلام- مباشرة لأن الذي كان دخل عليه من قبل أنه ملك الموت ، لأنه ليس دون أن يكون أي مناسبة ، أو أن يكون هناك حدث سابق يقول له: إن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فعلم موسى- عليه السلام- أن هذا كان ابتلاءًا ، ولهذا سلم في المرة الثانية .فهذا لما نزل وقال له: كلم ربك أو سلم روحك ؟ هذا أمر ابتلاء أم أمر إمضاء لو كان أمر إمضاء لما تأخر ، والأنبياء لهم خصوصية غير بني أدم كلهم ، أن النبي قبل أن يموت يخير بين الحياة والموت ، فلما نزل هذا على موسى وقال له: أجب ربك ولم يسبق تخيير ، فهذا مفتات عليه أم لا ؟ نعم مفتات عليه ، واحد لا يعرفه ويقول له أجب ربك ، من أين ذلك .وطبعًا حديث عائشة عن النبي - " ما مات نبي إلا خير بين الحياة والموت " ، وحديث أبي سعيد ألخدري في الصحيحين لما خطب النبي- صلى الله عليه وسلم- في الصحابة فقال:" إن عبدًا خيره الله بين زهرة الحياة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده ، فبكى أو بكر وقال نفديك بآبائنا وأبنائنا يا رسول الله ، قال أبو سعيد فتعجبنا ، قلنا لما يبكي هذا الشيخ ؟ إن النبي- صلى الله عليه وسلم يخبر عن عبد خيره الله ، قال أبو سعيد: وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله- صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله - هو المخير " ، ولما سمعت عائشة النبي- صلى الله عليه وسلم يقول:" إلى الرفيق الأعلى قالت إذًا لا يختارنا أبدُا " ، إلى الرفيق الأعلى أي علمت عائشة أن النبي - خير .اليوم لما نأتي ونتكلم في هذه المسألة ونرد على هذا الدليل:﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ نقول هذا أمر ابتلاء وليس أمر إمضاء .مثال ذلك: أيضًا حديث الثلاثة من بني إسرائيل وهو في الصحيحين أيضًا من حديث أبو هريرة- رضي الله عنه- ، حديث الأقرع والأبرص والأعمى وأنتم تعرفونه ، أراد الله عز وجل- أن يبتليهم ، ولذلك في الآخر لما الأعمى وفق وقال: خذ ما شئت ودع ما شئت فاليوم لا أرذءك اليوم شيئًا ، قال: أمسك عليك مالك ، فإن الله رضي عنك وسخط على صاحبيك ولم يكن المقصود أن يأخذ الملك شيئًا من أموالهم إذ لو كان أمر إمضاء لأخذ ، والقصة لم تكن قصة أن يذهب للأبرص ويقول له أعطني بقرة ، عابر سبيل أو رجل مسكين انقطعت بي الحبال ولا حيلة لي إلا بالله ثم بك ، فهل تعطيني بقرة ، على شك من إسحاق بن أبي طلحة في المال الذي تمول به الأبرص أهو الإبل أم البقر ، أبو إسحاق شك نفسه ، قال: لعله الإبل أو لعله البقر ، لكن الأبرص تمول الإبل ، والأقرع تمول البقر والأعمى تمول الغنم ,فلما يكون الأبرص عنده وادٍ من الإبل ويقول له أعطني ناقة واحدة فقط من المائة ألف الذي أراها ، فيقول له: الحقوق كثيرة ، ثم قال له: الملك استحلفه بالذي أعطاه اللون الحسن والجلد الحسن لكي يذكره إذا كان ينسي يذكره ، لما قال له: الجلد الحسن واللون الحسن ، فلم يتذكر شيئًا على عادة اللئام لم يتذكر ماضيه أبدًا ، أريد بقرة واحدة ، قال له: إن كنت كاذبًا صيرك الله كما كنت ،
رد مع اقتباس