عرض مشاركة واحدة
  #104  
قديم 08-02-2010, 11:41 PM
صابر عباس حسن صابر عباس حسن غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(2)
وبعض أيات من سورة الشورى

فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - 36 وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ - 37
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - 38
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ – 39

تقرر الآيات السابقة ثلاثة مبادئ هامة لبناء المجتمعات المتحضرة..
أولا . طهارة الأفراد , بالزهد وإجتناب الكبائر والفواحش.
ثانيا . الاستجابة لأوامر الله تعالى وعلى رأسها إقامة الصلاة وتفعيل أوقاتها كما ذكرنا من قبل , ثم تفعيل مبدء الشورى كأهم مبدء في تسير أمور الدول والمجتمعات... ثم النهوض بالجانب الأقتصادي بحيث يزيد وتنفق على الفقراء سواء في مجتمعك أو للأمم الفقيرة وتحبيبهم في الإسلام .
ثالثا . يترتب على المبدئين السابقين العزة والنصر للأمة الإسلامية.

*******


فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - 36 وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ - 37

هذا تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة، وذكر الأعمال الموصلة إليها فقال: ﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ من ملك ورياسة، وأموال وبنين، وصحة وعافية بدنية. ﴿ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ لذة منغصة منقطعة. ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ من الثواب الجزيل، والأجر الجليل، والنعيم المقيم ﴿ خَيْرٌ ﴾ من لذات الدنيا، خيرية لا نسبة بينهما ﴿ وَأَبْقَى ﴾ لأنه نعيم لا منغص فيه ولا كدر، ولا انتقال.
ثم ذكر لمن هذا الثواب فقال: ﴿ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ أي: جمعوا بين الإيمان الصحيح، المستلزم لأعمال الإيمان الظاهرة والباطنة، وبين التوكل الذي هو أساس لكل عمل، فكل عمل لا يصحبه التوكل غير تام.
والتوكل هو الاعتماد بالقلب على الله في جلب ما يحبه العبد، ودفع ما يكرهه, مع الثقة به تعالى.
﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ ﴾ والفرق بين الكبائر والفواحش - مع أن جميعهما كبائر- أن الفواحش هي الذنوب الكبار التي في النفوس داع إليها، كالزنا ونحوه، والكبائر ما ليس كذلك، هذا عند الاقتران، وأما مع إفراد كل منهما عن الآخر فإن الآخر يدخل فيه.
﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ أي: قد تخلقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغضب فلم ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح.
فترتب على هذا العفو والصفح، من المصالح ودفع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيء كثير، كما قال تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ – 34 وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ – 35 فصلت

*****
مبدأ الشورى

وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - 38

﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ ﴾ أي: انقادوا لطاعته، ولبَّوْا دعوته، وصار قصدهم رضوانه، وغايتهم الفوز بقربه.
﴿ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
﴿ وَأَمْرُهُمْ ﴾ الديني والدنيوي ﴿ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ أي: لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، وهذا لا يكون إلا فرعا عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم وكمال عقولهم، أنهم إذا أرادوا أمرا من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها، اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها، حتى إذا تبينت لهم المصلحة، انتهزوها وبادروها، وذلك كالرأي في مصالح البلاد العليا والدفاع والجهاد لصد المعتدين، وإعداد الميزانيات المالية لجميع القطاعات بحيث ينشأ التوازن لتلبية الحاجات الملحة للإنسان من التطوير والبحث العلمي والتصنيع الثقيل كتصنيع الطائرات والبوارج البحرية والغواصات والتعمير وتوفير المساكن والخدمات اللازمة من طعام وشراب والعمل على التنمية المستمرة في مجال إنشاء المدن وشبكات الطرق والعمل على صيانتها, وتولية الموظفين لإمارة أو قضاء، أو غيره، وكالبحث في المسائل الدينية عموما، فإنها من الأمور المشتركة، والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله، وهو داخل في هذه الآية.
والشورى كأهم مبدأ تنادي به اليوم الدول المتحضرة تحت مسمى الديمقرطية , وجد في الإسلام منذ 15 قرن كمعيار من أهم معاير الحكم في الإسلام القائم على الشورى وعدم الاستبداد بالرأي.
وقد أمر الله تعالى نبيه بالإلتزام بذلك المبدأ كي يكون ملزما للأمة من بعده فقال تعالى :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ – 159 ال عمران
﴿وشاورهم في الأمر﴾ أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره:
منها: أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله.
فإن من له الأمر على الناس -إذا جمع أهل الرأي: والفضل وشاورهم في حادثة من الحوادث- اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس بمستبد عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته، لعلمهم بسعيه في مصالح العموم، بخلاف من ليس كذلك، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة، ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة.
ومنها: أن في الاستشارة تنور الأفكار، بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول.
ومنها: ما تنتجه الاستشارة من الرأي: المصيب، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب، فليس بملوم، فإذا كان الله يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو أكمل الناس عقلا، وأغزرهم علما، وأفضلهم رأيا-: ﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ فكيف بغيره؟!
ثم قال تعالى: ﴿ فإذا عزمت ﴾ أي: على أمر من الأمور بعد الاستشارة فيه، إن كان يحتاج إلى استشارة ﴿ فتوكل على الله ﴾ أي: اعتمد على حول الله وقوته، متبرئا من حولك وقوتك، ﴿ إن الله يحب المتوكلين ﴾ عليه، اللاجئين إليه.

*******

وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ – 39

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ ﴾ أي: وصل إليهم من أعدائهم ﴿ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ لقوتهم وعزتهم، ولم يكونوا أذلاء عاجزين عن الانتصار.
فوصفهم بالإيمان، وعلى الله، واجتناب الكبائر والفواحش الذي تكفر به الصغائر، والانقياد التام، والاستجابة لربهم، وإقامة الصلاة، والمشاورة في أمورهم ، والإنفاق في وجوه الإحسان ، والقوة والانتصار على أعدائهم، فهذه خصال الكمال قد جمعوها فحق لهم النصر والعزة والسعادة في الدنيا والأخرة.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
رد مع اقتباس