عرض مشاركة واحدة
  #37  
قديم 04-19-2013, 04:58 PM
صابر عباس حسن صابر عباس حسن غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

أنبياء الله في القرآن العظيم
(إبراهيم عليه السلام)
وبعض آيات من سورة الصافات
(17)


سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.

يا للأدب مع الله ! ويالروعة الإيمان . ويالنبل الطاعة . ويالعظمة التسليم !
ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام . . يخطو إلى التنفيذ :

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ – 103

ومرة أخرى يرتفع نبل الطاعة . وعظمة الإيمان . وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان . .
إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً . وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً .

وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ – 104

قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ – 105

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ – 106

وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ – 107

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ – 108

سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ – 109

كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - 110 إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ – 111

وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ – 112


قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلاً . فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه , ولو كان هو الابن فلذة الكبد . ولو كانت هي النفس والحياة .

وأنت - يا إبراهيم - قد فعلت . جدت بكل شيء . وبأعز شيء . وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين . فلم يبق إلا اللحم والدم . وهذا ينوب عنه ذبح . أي ذبح من دم ولحم !

ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت .
يفديها بذبح عظيم . قيل : إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه وإرادته ليذبحه بدلاً من إسماعيل !


وقيل له : ( كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ). . نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء . ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء . ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء . ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء !

ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى , ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان . وجمال الطاعة . وعظمة التسليم . والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم عليه السلام , الذي تتبع ملته , والذي ترث نسبه وعقيدته .

ولتدرك الأمة طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا ?
ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه . ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئا , ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم !

ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء , ولا أن يؤذيها بالبلاء , إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية . مستسلمة لا تقدم بين يديه , ولا تتألى عليه , فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات والآلام . واحتسبها لها وفاء وأداء . وقبل منها وفدّاها . وأكرمها كما أكرم أباها . .

وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ.

فهو مذكور على توالي الأجيال والقرون . وهو أمة . وهو أبو الأنبياء . وهو أبو هذه الأمة المسلمة . وهي وارثة ملته . وقد كتب الله لها وعليها قيادة البشرية على ملة إبراهيم . فجعلها الله له عقباً ونسباً إلى يوم الدين .

سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.

سلام عليه من ربه . سلام يسجل في كتابه الباقي . ويرقم في طوايا الوجود الكبير .

كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.

كذلك نجزيهم بالبلاء . . والوفاء . والذكر . والسلام . والتكريم .

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ.

وهذا جزاء الإيمان . وتلك حقيقته فيما كشف عنه البلاء المبين .

وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ.

ثم يتجلى عليه ربه بفضله مرة أخرى ونعمته فيهب له إسحاق في شيخوخته . ويباركه ويبارك إسحاق . ويجعل إسحاق نبياً من الصالحين :

وتتلاحق من بعدهما ذريتهما . ولكن وراثة هذه الذرية لهما ليست وراثة الدم والنسب إنما هي وراثة الملة والمنهج : فمن اتبع فهو محسن . ومن انحرف فهو ظالم لا ينفعه نسب قريب أو بعيد...

كانت مصادر التفسير في هذا اللقاء:
( في ظلال القرآن )

*******

فإلى الملتقى إن شاء الله تعالى..
رد مع اقتباس