عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-30-2013, 05:35 PM
نور الماجد نور الماجد غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ( 12 ) : الشيخ زيد البحري

 

سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ( 12 )
فضيلة الشيخ :زيد بن مسفر البحري

أما بعد ، فيا عباد الله :
مازلنا في السيرة المطهرة للعظيم النبي محمد صلى الله عليه وسلم
فبعدما عاد عليه الصلاة والسلام من غزوة المريسيع ، وكانت عائشة قد تخلفت بسبب تفقدها للعقد الذي ضاع منها ، رجعت بصحبة صفوان بن المعطل السلمي .
فلما قدم في نحر الظهيرة أراد عبد الله بن أُبي بن سلول أن يقدح في عرض النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لما رآهما : " ما برئت عائشة من صفوان ولا برئ منها "
يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه " زاد المعاد " :
قال رحمه الله : " فاتخذ منه هذا العدو متنفسا يتنفس فيه من كرب النفاق والحسد الذي بين ضلوعه ، فجعل يستحكيه ، ويستوشيه ، ويجمعه ، ويفرقه حتى عمّ أرجاء المدينة ، فانطلت هذه الفرية على بعض الصحابة كـ " مسطح " و " حسان " و" حمنة بنت جحش " .
فلما بلغ صفوان ما قيل فيه قال : " والله ما كشفت كنف أنثى قط " ( يعني والله ما جامعتها )
وجاء في معجم الطبراني – كما ذكر ذلك الذهبي في السير أن حسان بن ثابت أكثر على صفوان ، فجعل يقول في ضمن شعر من أشعاره يُعرِّض بصفوان ، قال :
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا
وابن الفريعة أمسى بيضة البلدِ
فقام صفوان فضربه فكشطه ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( لقد تنفست فيهم يا حسان ، أحسنْ فيما أصابك ))
فقال حسان رضي الله عنه : لقد تركتها لك يا رسول الله
فأهدى له النبي صلى الله عليه وسلم " سيرين " أخت مارية القبطية ، فولدت منه سيرين " عبد الرحمن بن حسان " وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أرضا كان أبو طلحة قد أعطاها للنبي صلى الله عليه وسلم .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح .
إذاً أجرى الله عز وجل على لسان أم مسطح لما عثرت فقالت : " تعس مسطح "
أجرى الله عز وجل على لسانها ما كان مخفيا على عائشة ، فاستبان لعائشة الأمر ، ولم تتوقع في يوم من الأيام أن تُرمى بمثل هذه الفرية .
ولنعلم جميعا – وهذه فائدة عرضية – ولنعلم جميعا أنه ليس كل ما يقال في شخص أنه صحيح .
قد يُرمى الصالحون أو يرمى العلماء أو بعض طلاب العلم ببعض الأشياء وهم منها برآء .
فالنبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس ، وقد رُمي في بيته عليه الصلاة والسلام ، وهذا لا شك أنه كذب وافتراء .
فلما رجعت عائشة رضي الله عنها كان عليه الصلاة والسلام – كما أسلفت لكم – كان يدخل فيسلم ، ويسأل ، ثم ينصرف ، ففعل فعلته المعتادة فسلم ثم سأل ثم انصرف.
لكنها قد استبان لها في هذا الوقت ما كان مخفيا عليها فيما مضى .
سلام ثم سؤال ثم انصراف ، وكفى
لقد علمت بهذا الأمر .
وقبل أن يخرج استأذنته رضي الله عنها أن تزور أبويها
وهذا من الفقه .

ولذا يقول النووي رحمه الله : " المرأة لا يجوز لها أن تخرج من بيت زوجها لزيارة أبويها إلا بإذنه "
لله درها من فقيهة ، مع ما جرى لها ، ومع هذا الموقف فإنها استأذنت من النبي صلى الله عليه وسلم .
وهي لم ترد محض الزيارة – كما جاء على لسانها – وإنما أحبت أن تستوثق من هذا الخبر: أهو خبر حق ؟ أهو خبر صدق ؟ أحقا ما يقال فيها ؟
فلما ذهبت صادفت أمها في السُّفُل ( يعني في سفل البيت ) وإذا بأبي بكر رضي الله عنه في أعلى البيت يقرأ القرآن .
فلما صادفت أمها في السفل ، قالت : " يا أماه أحقا ما يقال ؟ "
وهنا يأتي دور الأم العظيمة في توجيه ابنتها ليس كما يصنعه البعض من النساء أو من الآباء ، ليس كما يصنعه البعض من الأمهات أو من الآباء إذا جاءت البنت تشكو زوجها صعَّد الأب الموقف ، وجعل يتحدث في زوجها ، ويرميه بالعظائم ، فتتسع الفجوة بين الزوجين .
وإنما انظروا إلى هذا الكلام ، فأرادت أن تهون من هذا الشأن ، :
فقالت : " يا بنية ، والله لقلما كانت امرأة وضيئة ( يعني جميلة ، وكانت عائشة رضي الله عنها جميلة ،ولذا جاء في سنن النسائي : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لها لما كان الحبشة يلعبون في المسجد قال : " أتريدين أن تنظري إليهم يا حميراء ؟ "
الشاهد من ذلك :
أنها قالت :" لقلما كانت امرأة وضيئة عند زوج يحبها ، ولها ضرائر إلا أكثرن عليها "
فبكت رضي الله عنها ، وعلمت أن ما يقال هو حق .
فسمع أبو بكر رضي الله عنها بكاءها فنزل رضي الله عنه ، وسأل عن سبب بكائها ، فأخبرته زوجته أم رومان بأن عائشة قد علمت .
فقالت عائشة رضي الله عنها : " سبحان الله! أو قد تكلم الناس بهذا ؟ "
أبو بكر رضي الله عنه لا شك أن الجميع يعلم مواقفه العظيمة ، ليس في هذا الموقف فحسب بل في جميع المواقف .
ولذا قال ابن حجر رحمه الله كما في الفتح - :
قال :" إن أبا بكر رضي الله عنه مع هذا الموقف ، وهذا المقام العظيم ظل شهرا كاملا لم يُنقل عنه كلمة "
مع أنه أبوها ، مع أن هذه البنت هي زوجة صديقه النبي عليه الصلاة والسلام إلا ما جاء عند الطبراني من حديث ابن عمر إذ قال أبو بكر رضي الله عنه : " والله ما رُمينا بهذا في الجاهلية ، أفنرمى به بعدما أعزنا الله عز وجل بالإسلام ؟! "
فجاء موقفه العظيم ، فماذا صنع ؟
ليس كموقف بعض الآباء الذين يؤججون المواقف بين الزوجين ، وإنما قال لها : " أقسمت عليك يا بنية إلا عدتِ إلى بيت زوجك "
حلف عليها أن تعود فعادت رضي الله عنها فظلت ليلتها تلك ساهرة باكية لم يخالط النوم جفنها ، حتى أتى الصباح .
فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بأن عائشة قد علمت ، ورقّ لها من بكائها ، فعظمت المصيبة عليه عليه الصلاة والسلام إذ لم يأته خبر من السماء في هذا الأمرـــــــــــ فماذا صنع ؟
استشار علي بن أبي طالب ، وأسامة بن زيد في فراقه لعائشة رضي الله عنها .
ولماذا علي بالذات ؟
لأن علي رضي الله عنه بمثابة الابن للنبي عليه الصلاة والسلام إذ تربى في بيته ، ولأنه صهر النبي عليه الصلاة والسلام إذ زوجه فاطمة ، فهو أعلم من غيره بما يدور في بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
واستشار أسامة بن زيد لطول الملازمة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا كان يُلقب بـ " حِبِّه " يعني بحب النبي عليه الصلاة والسلام .
فاستشارهما من أجل أن ينظر في رأيهما في مفارقته عليه الصلاة والسلام لعائشة .
أما أسامة رضي الله عنه :
فأشار إليه بما يعلم من براءتها ، وذكَّر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الود الذي بينهما ، فهل بعد ذلك الود يتم الفراق ؟!
وكيف لا تصاحب العفة عائشة رضي الله عنها وهي بنت الصديق رمز الطهر والعفاف ، فأشار على النبي عليه الصلاة والسلام أن يبقيها
وأما علي رضي الله عنه :
فإنه لما رأى الوجل يكتنف رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يهون عليه ، فقال – عليه الصلاة والسلام " النساء غيرها كثير"
ومع ذلك لم يكن هذا الكلام من علي من صميم قلبه ، وإنما قال له في آخر الكلام لما قال : " النساء غيرها كثير" قال : " فاسأل الجارية لعلها قد اطلعت على شيء من أمرها "
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الجارية ، وسألها ، فقالت الجارية : " والله ما أعيب عليها إلا أنها كانت بنتا حديثة السن تعجن عجين أهلها فتنام ، فتأتي الداجن ( وهي البهيمة ) فتأكل هذا العجين .
وهذا من الاستثناء البديع الذي يدل على براءة عائشة رضي الله عنها من العيب ، فإنه لغفلتها رضي الله عنها عن عجين أهلها بعيد أن يصدر منها مثل هذا .
يقول ابن القيم رحمه الله – كما في الزاد - : " إن الله لن يجعل ربة بيته وحبيبته من النساء وبنت صديقه بالمنزلة التي أنزلها أهل الإفك "
ثم قال رحمه الله : " فالرسول صلى الله عليه وسلم أكرم على ربه وأعز من أن يجعل تحته امرأة بغيا ، ومن عرف قدر الله عز وجل ، وقدر النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه قال كما قال أبو أيوب :((سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ))
فإن أبا أيوبكما ذكر ابن كثير في التفسير – لما قالت زوجته أم أيوب قالت له : " يا أبا أيوب أو ما سمعت ما يقال في عائشة ؟
فقال رضي الله عنه : " نعم ، وذلك الكذب ، أكنتِ فاعلة ذلك يا أم أيوب ؟
قالت : لا
قال : فعائشة رضي الله عنها خير منك
فأنزل الله عز وجل : ((سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ))
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم – كما أسلفت – الجارية ، فتحدثت معه بهذا الحديث ، فانتهرها بعض الصحابة ، فقال : " أصدقي رسول الله عليه الصلاة والسلام "
فقالت هذه الجارية رضي الله عنها : " والله ما أعلم منها إلا كما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر "
الصائغ لا يعرف من العيب على الذهب الأحمر إلا ما يخرج منه من الوسخ فكذلك عائشة رضي الله عنها لا أعلم منها إلا كما يعلم هذا الصائغ ، وهذا لخلوها من العيوب رضي الله عنها .
يقول ابن القيم رحمه الله – كما في الزاد - : " لماذا توقف النبي صلى الله عليه وسلم وسأل عنها واستشار أسامة وعليا ؟ ألم يكن من المناسب أن يقول – كما قال أبو أيوب رضي الله عنه ؟
فقال رحمه الله :" هذا من تمام الحكمة التي جعلها الله عز وجل امتحانا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وامتحانا للأمة ، وذلك ليرفع الله عز وجل بهذه القصة أقواما ، ويضع بها آخرين ."
وحتى يتمحض حسن الظن بالله عز وجل ، والرجاء فيما عنده
ثم قال رحمه الله : " وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المقصود " قال :" هو المقصود بالأذى ، والذي رُميت زوجته ، وأحب النساء إليه ، فلم يكن من المناسب أن يبين براءتها ، مع علمه العلم اليقين أو الظن المقارب لليقين أنها بريئة ، ولم يظن – يقول ابن القيم رحمه الله - :" لم يظن النبي صلى الله عليه وسلم بها سوءا فحاشاه ، وحاشاها "
وكان قبل ذلك عليه الصلاة والسلام قد استشار زينب بنت جحش وهي زوجته ، وزينب هي أخت " حمنة بنت جحش التي انطلت عليها هذه الفرية ،فقالت زينب : " أحمي سمعي وبصري ما علمت على عائشة إلا خيرا "
قالت عائشة رضي الله عنها : " وكانت هي التي تساميني ( يعني كانت تنافسني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنزلة عنده ) "فعصمها الله عز وجل بالورع ."
أما أختها حمنة فطفقت تحكي هذا القول من أجل أن تخفض منزلة عائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن أجل أن ترفع قدر أختها عند النبي صلى الله عليه وسلم فهلكت فيمن هلك .
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما سأل الجارية واعتلى المنبر ، فقال : (( من يعذرني في رجل قد تكلم في أهلي ؟ ( أي من يقوم بعذره فيما رمى به أهلي ) ومن يقوم بعذري إذا أنا عاقبته على ما قال ))ثم قال عليه الصلاة والسلام : (( فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ( يعني صفوان ) ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهل بيتي إلا وهو معي ، وما غزوت إلا وهو معي ))
فقام سعد بن معاذ ، فقال : " يا رسول الله أنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك "
فقام سعد بن عبادة فاحتملته الحمية لأنه من الخزرج ، وسعد بن معاذ من الأوس ، وكان بينهما قبل الإسلام كان بينهما شجار وخصومة قال : " كذبت لعمر الله لا تقتله "
فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال :"كذبت يا عدو الله إنك منافق تجادل عن المنافقين ، والله لنقتلنه "
فتساور الحيان : الأوس والخزرج حتى هموا ان يقتتلوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يسكِّتهم حتى سكتوا ، ثم نزل عليه الصلاة والسلام من المنبر.
تُرى ما الحامل لسعد بن عبادة أن يقول مثل هذا الكلام ؟
ما الذي دعاه إلى أن يقول هذا الكلام ، مع ما له من المنزلة العظيمة ، والمواقف الشريفة في الدفاع عن الإسلام ، وفي الاستجابة لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله يتبين لنا هذا السبب .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه ، وتوبوا إليه إن ربي كان غفورا رحيما .

الخطبة الثانية

أما بعد ، فيا عباد الله :
الحامل لسعد بن عبادة على أن يقول هذا الكلام جاء مُبيَّنا في حديثه رضي الله عنه إذ قال : " والله لو كان من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم "
ولذا قالت عائشة رضي الله عنها :" وكان رجلا صالحا " تقول عائشة رضي الله عنها : " وكان رجلا صالحا ما كان ليريد أن يرد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وما كان يحب أن يجادل وأن يدافع وأن يناضل وينافح عن المنافقين ، ولكن أخذته الحمية"
وأما قول أسيد بن الحضير:" إنك منافق تجادل عن المنافقين " :
قال ابن حجر رحمه الله ، قال : " إن هذا وقع منه على جهة الغضب ، فإنه يقصد أنك تصنع صنيع المنافقين "
وقال شيخ الإسلام رحمه الله ، قال : " إن مثل هذا الذي يقال من هذه الألفاظ والتي تصدر من بعض الصحابة لبعضهم البعض : " إنك لمناقق " إنما هذا صادر من اجتهاد منهم رضي الله عنهم من باب الدفاع عن الشريعة ، وإلا فإنهم لا يريدون النفاق المعروف "
يقول ابن حجر رحمه الله كلاما لطيفا في الفتح محذرا من الغضب ، يقول : " احذر الغضب ، فإن الغضب يخرج الحليم المتقي إلى ما لا يليق ، فقد أخرج الغضب قوما من خيار هذه الأمة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما لا يشك أحد أنها منهم زلة "
انتهى كلامه رحمه الله
وانتهى بهذا الكلام هذه الخطبة
وللحديث تتمة إن شاء الله في الجمعة القادمة بإذن الله تعالى
رد مع اقتباس