عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 04-14-2008, 05:09 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

بسم الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

سلسلة كيف تكون طالب علم؟
المحاضرة الثالثة

آداب الطلب
طالب العلم يجب عليه أن يتميز لهذا الأمر وكذلك صيانة للشريعة التي يحملها.
الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعضهم كان سبب إيمانه هي تلك الأخلاق الكريمة التي حملها النبي صلى الله عليه وسلم.
الآداب التي يجب على طالب العلم أن يتحلى بها كثيرة، لكن تتميز بميزة جليلة.
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-( من فضيلة الأدب أنه ممدوح بكل لسان، محمود في كل زمان، يتزين به في كل مجلس ).
كفار مكة لم يجدوا طريقًا يقدحون في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أو في عرضه.
النبي عليه الصلاة والسلام كان من أعظم الناس أدبًا وخُلُقًا، زكاه الله عز وجل وأثنى عليه فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:4]، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمحاسن الأمور وبمكارم الأخلاق فقال:[ ما من شيء يوضع في ميزان العبد يوم القيامة أثقل من حسن الخُلُق، وإن صاحب حسن الخُلُق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ]، ويقول صلى الله عليه وسلم:[ أكمل المؤمنين إيمانًا أحاسنهم خُلُقًأ ].
عائشة رضي الله عنها سُئلت عن خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت (كان خلقه القرآن).
ولهذا نقرأ في كتب التاريخ والسير يقولون فلان كان قرآنا يمشي على الأرض.
السلف الصالح -رحمهم الله- كانوا ينظرون إلى أن هذا العلم ثقيل كما قال تعالى:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً}[مريم:12]، وهذا العلم يحتاج من الطالب إلى استعداد وإلى تهيأ حتى تكون تقبل وتشرب وتستفيد من هذا العلم الشرعي.
فكان للسلف الصالح -رحمهم الله- عدة طرق يتهيئون بها للعلم قبل أن ينالوا العلم:

الطريقة الأولى
كانوا يهيئون أنفسهم للعلم الشرعي، ويستعدون بكثرة العبادة وبالإقبال على الله تعالى.
يقول بعض السلف(كان الرجل إذا أراد أن يكتب الحديث تَعَدَّدَ قبل ذلك).

الطريقة الثانية
أنهم كانوا يختبرون العلماء الذين يأخذون عنهم العلم، يختبرون سلوكهم وأخلاقهم لأنهم يعلمون أن هذا العلم دين، كما يقول بعض السلف(إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم).
- الإمام مالك -رحمه الله- يقول(رأيت أيوب السختياني بمكة حَجتين متتاليتين فما كتبت عنه، فلما كانت الحجة الثالثة رأيته في فناء الحرم وهو يشرب زمزم وقد ذُكِر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يبكي بكاء عظيما حتى رحمته، فلما رأيت منه هذه الخشية وهذا الخوف ورأيت منه هذا الإجلال للنبي عليه الصلاة والسلام أخذت وكتبت عنه حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم).
- يقول إبراهيم النخعي -رحمه الله-(كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه العلم نظروا إلى سمته وهديه ومطعمه ومشربه ومدخله وخروجه، فإن كان مستقيما على شريعة الله أخذوا عنه العلم وإلا تركوه).

الطريقة الثالثة
أنهم كانوا أحيانا يحضرون إلى حلق الذكر ومجالس العلم ليس من أجل أن يكتبوا الحديث أو أن يستفيدوا من علم العالم ولكن من أجل أن يستفيدوا من أدبه وسمته وهيأته.
- يقول أحد تلامذة الإمام أحمد -رحمه الله-(اختلفت إلى أبي عبد الله ثنتي عشرة سنة وهو يقرأ المسند على أولاده، ما كتبت معه حديثا واحدا ولكن كنت أنظر إلى هديه وسمته -رحمه الله- ).
- يقول الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-( كان الذين يحضرون في حلقة الإمام أحمد ما يقارب خمسة آلاف وخمسمائة شخص منهم من يكتب الحديث والبقية يتعلمون من هديه وسمته -رحمه الله- ).
- يقول مسلم بن جنادة -رحمه الله-(اختلفت إلى وكيع بن الجراح سبع سنين فما رأيته بزق ولا مس حصاة ولا جلس مجلسا فتحرك ولا رأيته إلا مستقبل القبلة).
- يقول الإمام الجرجاني -رحمه الله- وأهل زمانه يعيبون عليه:
يقولون لي فيك انقباض وإنما *** رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم *** ومن أكرمته عزة النفس أكرما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما *** بدا لي مطمع صيرته لي سلما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي *** لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة *** إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم *** ولو أنهم عظموه في النفوس لعظما
ولكن أذلوه فهان ودنسوا *** محياه بالأطماع حتى تجهما.


أدب الطالب كما يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-(هو عنوان سعادة المرء وفلاحه، وفي المقابل فإن سوء أدبه علامة على شقاوته وحرمانه).
- يقول الإمام الزرنوجي -رحمه الله- في كتابه النفيس "تعليم المتعلم طرق التعلم"(ينبغي لطالب العلم أن يتحرز عن الأخلاق الذميمة فإنها كلاب معنوية، وكما أن البيت الذي فيه كلاب لا تدخل فيه الملائكة فكذلك القلب الذي فيه معصية لله وفيه سوء أدب فإن العلم لا يلج إليه ولا يدخله).

الأدب الذي نريد من طالب العلم أن يسلكه أنواع:
1) الأدب مع الله سبحانه:
يجب على طالب العلم أن يعظم الله تعالى وأن يجله، فإذا تليت عنده آيات الجنة ونعيمها فإنه يسأل الله من خيرها، وإذا سمع آيات الوعيد والتهديد فإنه يستعيذ بالله من النار وهولها، وتجده أيضا إذا قيل له قال الله سبحانه فإنه ينصت ويستمع ويستجيب لأن الخير في اتباع كلام الله تعالى.
ويقتضي كذلك أن يكون مطيعا في أمر الله ونهيه ومتأدبا مع الله حتى في لفظه، مثال ذلك:
- يقول الله عز وجل:{وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ }[المائدة:116].
- يقول سبحانه وتعالى عن خليله إبراهيم -عليه السلام-:{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }[الشعراء:78-80].
حتى يكون طالب العلم متأدبا مع الله تعالى فعليه كما يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "مدارج السالكين" بثلاثة أمور:
أ- صيانة معاملته أن يشوبها بنقيصة: الله سبحانه وتعالى حد لنا ضابط الاستجابة له عز وجل في قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال:24].
ما ضابط الاستجابة؟
الاستجابة لله عز وجل تكون في ثلاثة أشياء ذكرت في حديث أبي رافع الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها ].
ب- صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره: إذا حلت بالإنسان المعضلات والهموم والأحزان فليعلق قلبه بالله تعالى وليرجو ما عند الله عز وجل وليتوكل على الله سبحانه وتعالى.
نتأمل فيما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته -رضوان الله عليهم- في غزوة أحد، في آخر المعركة آوى النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته إلى أعلى الجبل، فقام أبو سفيان وقال: أفيكم محمد؟ قال عليه الصلاة والسلام:[ لا تجيبوه ]، أفيكم ابن أبي قحافة؟(أي أبا بكر) قال عليه الصلاة والسلام:[ لا تجيبوه ]، أفيكم عمر؟ قال عليه الصلاة والسلام:[ لا تجيبوه ]، فقال أبو سفيان: أما هؤلاء فقد قتلوا، فاستأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يرد عليه فرد عليه فقال: قد أبق الله لك ما يسوؤك يا عدو الله، فقال أبو سفيان وهو يعتز بآلهته: أعلو هبل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:[ أجيبوه؟ ]، قالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟، قال:[ قولوا: الله أعلى وأجل ]، فقال أبو سفيان: لنا العزة ولا عزة لكم، قال عليه الصلاة والسلام:[ أجيبوه؟ ] قالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟، قال:[ قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم ].
ج- صيانة إرادة العبد أن تتعلق بما يمقتك الله عليه: فلا تتعلق إرادتك بدنيا ولا بمعاصي ولا بما حرم الله تعالى، بل تتعلق بما يرضي ربك سبحانه عنك.

2) الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم:
الله عز وجل أمرنا بأن نعظم النبي صلى الله عليه وسلم وأن نقدره، ولهذا يقول الله عز وجل:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }[الفتح:8-9].
كيف يكون الأدب مع النبي عليه الصلاة والسلام؟
هو بتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله وذلك بأمور ثلاثة:
أ- طاعته فيما أمر.
ب- واجتناب ما عنه نهى وزجر.
ج- وأن لا يُعبد الله إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قيل للعباس: من الأكبر أنت أم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو أكبر وأنا ولدت قبله.

__________________


بقدر الجد تُكتسب المعالي *** ومن طلب العُلا سَهِر الليالي
تروم العز ثم تنام ليلاً *** يغوص البحر من طلب اللآلي
علو القدر بالهمم العوالي *** وعِزّ المرء في سهر الليالي
تركت النوم ربي في الليالي *** لأجل رضاك يا مولى الموالي
ومن رام العلا من غير كدٍّ *** أضاع العمر في طلب المحال
فوفقني إلى تحصيل علمٍ *** وبلغني إلى أقصى المعالي.
رد مع اقتباس