عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-03-2010, 12:23 PM
(أم عبد الرحمن) (أم عبد الرحمن) غير متواجد حالياً
نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل
 




افتراضي

ضابط التغيير المحرم:
بناء على ما تقدم فإن النهي عن تغيير خلق الله ليس على عمومه، فعند النظر في جملة من الأحكام التي جاءت بها الشريعة يجد أنها لم تحرمه على وجه العموم، بل جاء في الشرع ما يفيد كون التغيير مطلبا من مطالب الشرع أو مسنونا أو مباحا غير محرم، وهذا يظهر جليا من خلال الصور الآتية :
-وسم الغنم في آذانها ووسم الإبل والدواب في أعناقها وأفخاذها، وإشعار الهدي،وخصاء مباح الأكل من الحيوان.
-بعض أمور من السنة، كخصال الفطرة : الختان وقص الأظافر وقص الشعر، وغير ذلك .
-العقوبات الشرعية كالحدود والقصاص، كقطع يد السارق، أو القصاص بالجاني، كقطع اليد أو الأنف أو فقأ العين أو كسر السن ونحوه، وهذا تغيير لا شك فيه، لكنه مطلوب للشرع. الجراحة التجميلية لصالح الفوزان(72) وما بعدها.
-في ألفاظ حديث ابن مسعود رضي الله عنه السابق: ( وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ) فدل على أن النهي إذا كان طلبا للحسن في خلقة معهودة-أي: الخلقة التي جرت السنة الكونية بمثلها-، فالتغيير للعلاج أو إزالة العيب جائز، وهذا مما يضيق دائرة التحريم في الحديث، بل قد قام الدليل الخاص على هذه المسألة بعينها.
الضابط العام للتغيير المحرم:
من خلال ما سبق يمكن صياغة الضابط العام للتغيير المحرم على هذا النحو: ( إحداث تغيير دائم في الخلقة المعهودة بغير مسوغ شرعي ).
وتقييد هذا الضابط بقولنا: ( في الخلقة المعهودة) دالٌّ على جواز التغيير إذا كان لإزالة العيب أو العلاج أو إزالة الضرر، إذ الخلقة في هذه الحال تكون على غير المعهود، فهذا نوع من ردِّها إلى ما كانت عليه، فليس فيه تغيير للخلقة، بل هو ردٌّ لما كانت عليه .
وتدل هذه العبارة أيضا على تحريم كل تغيير فُعِل طلبا للحسن؛ لأن الخلقة تكون معهودة ويقوم من يريد التحسين والتجميل بتعديلها وتغييرها حسب المعايير التي يريدها، فالكبير مثلا، المعهود أن يوجد بوجهه تجاعيد، فتغيير هذا محرم، لما فيه من تغيير الخلقة المعهودة، بخلاف ما إذا وجدت تلك التجاعيد بصبي صغير، فإن العادة والسنة الكونية لم تجرِ بهذا، فيكون علاج هذا من باب العلاج أو إزالة الضرر .
والعيوب التي توجد في الجسم على قسمين:
القسم الأول : عيوب خلقية، وهي العيوب التي يولد بها الإنسان، مثل الشق في الشفة العليا، والتصاق أصابع اليدين والرجلين، وانسداد فتحة الشرج.
القسم الثاني: عيوب طارئة، من جراء حادث أو مرض ونحوه، كالتشوهات الناشئة من الحوادث والحروق، ونحوه، ويلحق بها العيوب الناشئة عن تقدم السِّن.
وجراحة التجميل تنقسم من الناحية التطبيقية الطبية إلى قسمين:
القسم الأول: جراحة التجميل الحاجية، والمقصود ما كانت الحاجة داعية إلى فعله، إلا أنهم لا يفرقون فيها بين الحاجة التي بلغت مقام الاضطرار، والحاجة التي لم تبلغه، وهذا يشمل عددا من الجراحات، يقصد منها إزالة العيب، سواء كان في صورة نقص، أو تلف، أو تشوُّه، فهو ضروري أو حاجي بالنسبة لدواعيه الموجبة لفعله، وتجميلي بالنسبة لآثاره ونتائجه.
القسم الثاني: جراحة التجميل التحسينية، والمقصود بها جراحة تحسين المظهر، وتجديد الشباب، سواء كانت لتعديل الشكل، كتصغير الأنف، وتكبير الشفتين، وتصغير الثديين، ونحوه، أو ما يقصد منه إزالة آثار الكبر والشيخوخة، كشد جلد الوجه واليد، وإزالة الانتفاخ الزائد في الحاجين نتيجة لتقدم السن.
الحكم الشرعي:
بناء على ما تقدم فإن ما كان من باب إزالة الضرر، والعيب، وردِّ الخلقة إلى ما كانت عليه، فإن هذا النوع يجوز، وذلك للآتي:
أولا: أن هذا النوع من الجراحة قام الدليل على جوازه كما تقدم في التأصيل.
ثانيا: أن هذا النوع لا يشتمل على تغيير الخلقة قصدا، لأن القصد منه إزالة الضرر والتجميل والحسن جاءا تبعا.
ثالثا: أن إزالة التشوهات والعيوب الطارئة لا يمكن أن يصدق عليه أنه تغيير لخلقة الله؛ وذلك لأن خلقة العضو هي المقصودة من فعل الجراحة، وليس المقصود إزالتها.
أما ما كان من باب التجميل والتحسين المحض، والذي ليس فيه إزالة عيب أو ضرر، فإن هذا النوع من الجراحة لا يشتمل على دوافع ضرورية ولا حاجية، بل غاية ما فيه تغيير خلقة الله، والعبث بها حسب أهواء الناس وشهواتهم، فهو غير مشروع؛ لما فيه من تغيير خلق الله، وعدم الرضا بقضاء الله.
وعليه فالقاعدة في هذا الباب: أن ما كان من باب إزالة الضرر، ورفع العيب، والعلاج من داء، فإن هذا النوع من الجراحات التجميلية جائز، وما كان تحسينيا محضا، وليس له داعٍ، فإنه لا يجوز؛ لما فيه من تغيير لخلق الله.
 
التوقيع

[C

رد مع اقتباس