عرض مشاركة واحدة
  #33  
قديم 02-28-2013, 10:42 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

قال الله ولكن!
((29))
السلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام نستمر بعون الله في سلسلة (نصرةً للشريعة).

في حلقة مفاسد أسلمة الديمقراطية ذكرنا مفاسد نتجت عن الانخراط في العمل السياسي المتحلل من الضوابط الشرعية. ثم في حلقات تلتها وضحنا أحد الآثار العقدية السلبية وهو شيوع مفهوم السيادة المطلقة للشعب، سيادته حتى على الشريعة.

اليوم نتكلم عن أثر فكري سلبي آخر، ظاهرة خطيرة تحتاج وقفة وتأملا وإصلاحا، ألا وهي تعود الناس على عدم احترام النص الشرعي، ومعارضتِه بالشبهات "العقلية".

عندما نناقش سلوكا معينا ونبين حرمته بالقرآن والسنة، فإن ردود المبررين المدافعين عادة ما تكون ردودا عقلية بحتة مجردة من الدليل. نقول لهم: قال الله تعالى وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. وهم يقولون: هذا الطريق غير موصل، اختلفت الأحوال، يلزم من قولك أن نترك الساحة للعلمانيين، إن نفعل ما تقول تنتكس الدعوة ويزج بالمسلمين في السجون، يترتب على قولك تضليل كثير من الناس، طرحكم تسطيح للمسألة، الوضع أعقد من هذا، إن فعلنا ما تقولون تكالب علينا أعداؤنا وفقدنا مكتسباتنا وحينئذ لا عزاء للأغبياء.

بل ويتكلم البعض بعبارات مثل: التنظير سهل لكن عند الدخول في المعترك يختلف الأمر، كلامكم هذا مثاليات حالمة يصعب تطبيقها عند مواجهة الضغوط.

يقولون هذه العبارات بنفَس الإنسان المجرب صاحب الرؤية الشمولية والنظرة الحكيمة الذي عركته الحياة مخاطبا شابا غِرا متحمسا. مع أن هذه العبارات ما هي إلا رفض مبطن لنصوص الكتاب والسنة واتهام لها بالقصور وعدم الكفاية...مدارها جميعا على عبارة من قال قبلهم: (إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا).


نحن عندما نخاطبهم بقال الله وقال رسوله نحسب أننا حسمنا الأمر وقطعنا السؤال لأننا نخاطب مسلمين، فإذا بنا نفاجأ بأن هذه اللغة لا تعني الكثير بالنسبة لهم ولا تقنعهم، بل يردون بقولهم يلزم ويترتب ولكن والواقع والظروف. وأحيانا يخلطون كلامهم بعبارات مجملة لتلطيف حدة ردهم لكلام الله ورسوله، كقولهم: (وقد تنازل النبي في صلح الحديبية)، (الإسلام لا يمكن أن يدعو إلى ما تقول)، (ما تقوله هو فهمك أنت للآيات)، (أنتم تتشبثون بنص واحد ولا تنظرون إلى الموضوع بشموليته).



طيب نسألهم: هاتوا لنا الفهم الصحيح، هاتوا لنا النصوص الأخرى...لا جواب...إنما هي إطلاقات هلامية واتباع للهوى. فنحن عندما نقول الشبهات العقلية إنما نستخدم اصطلاحا تعارف عليه الناس، وإلا فهي هوى متبع، أما العقل فهو يقود إلى اتباع النقل وللإذعان لحكم الله تعالى.



فنقول هنا إخواني، هذه الطريقة فيها رد لحكم الله ورسوله. فالإسلام مبني على التسليم والخضوع التام لأحكام الله تعالى، ثقة ويقينا وإيمانا بأنه ((وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)). الإسلام مبني على أنك تفعل الشيء مخالفا لهواك وعقلك ثقة ويقينا بعلم الله وحكمته ورحمته.

الرد على النصوص الشرعية بالشبه العقلية هو عدم احترام لها، وعدم توقير لها...إذ ليس التوقير بتقبيل القرآن وتعليق آياته زينة في البيوت. قال الله تعالى: ((إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا على الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا)). إذن فمن ادعى الإيمان فليس له إلا هذا الرد.



إخواني نهى الله عز وجل المؤمنين عن أن يفعلوا فعلا أو يقضوا أمرا قبل إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)). فكيف بمن جاءه أمر الله ورسوله فرد عليه بشبهاته العقلية؟!


نهى الله عز وجل عن مجرد رفع الصوت في حضرة النبي فقال تعالى:
((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)). كاد الخيران أبو بكر وعمر أن يهلكا وتحبط أعمالهما لأن أصواتهما ارتفعت وهما يختلفان على اختيار أمير لبني تميم. لم يتكلم النبي ولم يردا عليه أمره بل رفعا صوتهما في حضرته فقط، كما في البخاري. فجاءهما التنبيه: ((أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)).


فكيف بمن يقال له: قال الله ورسوله فيقول: ولكن أرى أنه، والواقع، والتبعات؟! ألا يخشى من يردون بهذه العبارات أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون؟!

ليست مشكلتنا مع هؤلاء أنهم يردون على الكتاب والسنة بالكتاب والسنة. فلو أنهم قالوا: لعل هذه الآية عامة وهناك آية تخصصها، أو لعلها مطلقة وهناك آية تقيدها، أو لعلها منسوخة، أو لعل الحديث غير صحيح، أو لعلها أو لعلكم لم تفهموا الآية أو الحديث والفهم الصحيح كذا، أو لعلكم لم تحسنوا تحقيق المناط فأنزلتم الدليل على غير محله.

لو كانت الردود من هذا الجنس لهان المصاب ولأمكن التحاور والوصول إلى نتيجة. لكنهم يقولون: العمل السياسي يتطلب والمرحلة تقتضي.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
(وفي قوله تعالى: {يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ}، بيان أنه لا يجوز أن يعارض كتاب الله بغير كتاب الله، لا بفعل أحد ولا أمره، لا دولة ولا سياسة، فإنه حال الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم). إذن هذه مجادلة في آيات الله تستوجب مقت الله يا عبد الله فاحذر.
قال الله تعالى: ((الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا)). كل من شم رائحة الإيمان يمقت مثل هذا الرد على كلام الله.

قال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): (فأما إن كانت همة السامع مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع، فإن هذا مما يدخل في النهي، ويثبط عن الجد في متابعة الأمر).

وهؤلاء يقولون: إذا استجبنا لما تقولون فسيقع كذا وسنفقد كذا.

وقد اشتد نكير صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على من يقال له: قال رسول الله فيقول (ولكن)، روى البخاري ومسلم أن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء خير كله). فقال بشير بن كعب: (إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارا لله، ومنه ضعف) فغضب عمران حتى احمرّت عيناه وقال : (ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتُعارض فيه).

وروى ابن ماجة أن عبادة بن الصامت ذكر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن درهمين بدرهم، فقال رجل: (ما أرى بهذا بأسًا، يدًا بيد). فقال عبادة: أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: لا أرى به بأسًا! والله لا يظلُّني وإياك سقف أبدًا (صححه الألباني).


ولاحظوا إخواني أن هذه الردود التي أنكرها الصحابة كانت فلتة تفلت من فم المتكلم لا يُظن إلا أنه تاب عنها، ولم تكن تمثل منهجا مستمرا مستقرا يردون به على النصوص.

ونختم بكلام نفيس لابن القيم رحمه الله في (مدارج السالكين) إذ قال:
هل كان في الصحابة من إذا سمع نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه بقياسه أو ذوقه أو وجده أو عقله أو سياسته؟ وهل كان قط أحدٌ منهم يقدم على نصِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلاً أو قياسًا أو ذوقًا أو سياسة أو تقليد مقلِّد؟ فلقد أكرم الله أعينهم وصانها أن تنظر إلى وجه من هذا حاله أو يكون في زمانهم.

ولقد حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على من قدَّم حُكمه على نصِّ الرسول بالسيف، وقال: هذا حُكمي فيه..

فيا لله! كيف لو رأى ما رأينا؟ وشاهد ما بُلينا به من تقديم رأي كلِّ فلان وفلان على قول المعصوم صلى الله عليه وسلم، ومعاداة من اطَّرح آراءهم وقدَّم عليها قول المعصوم؟
فالله المستعان .. وهو الموعد .. وإليه المرجع) انتهى كلامه رحمه الله.

نسأل الله أن يهدي الضالين من المسلمين ويشرح بهذا الكلام صدور من يسمع ويتقبل منا أعمالنا.
والسلام عليكم ورحمة الله.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس