عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 05-13-2010, 07:14 PM
أبو يوسف السلفي أبو يوسف السلفي غير متواجد حالياً
" ‏مَا الْفَقْرَ ‏أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي‏ ‏أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ "
 




افتراضي





بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه– وبعد ..


نكمل بمشيئة الله دروسنا وهذا هو


الدرس السادس


الجهر بالدعوة الإسلامية


لما تكونت جماعة من المؤمنين تقوم على الأخوة والتعاون، وتتحمل عبء تبليغ الرسالة، نزل الوحي يُكلّف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بإعلان الدعوة، روى البخاري عن بن عباس – رضي الله عنهما – قال : ( لما نزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) صعد النبي – صلى الله عليه وسلم – على الصفا، فجعل ينادي : يا بني فِهر، يا بني عَدِي – لبطون قريش – حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطيع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مُصدّقي ؟ قالوا : نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً. قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) .


وأخرج الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : ( لما نزلت هذه الآية (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قريشاً، فعمّ وخصّ، فقال : يا معشر قريش، أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب ، يا بني عبد المطلب ، لا أملك لكم من الله شيئاً، إلا أنّ لكم رحماً سأبُلُّها ببلالها ( أي سأصلها ).


السر في الأمر بإنذار الأقربين أولاً : 1 – أن الحجة إذا قامت عليهم تعدّت إلى غيرهم.


2 – وأن لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب من العطف والرأفة، فيحابيهم في الدعوة والتخويف، فلذلك نصّ له على إنذارهم.


3 – وقد يعين بدء الدعوة بالعشيرة على نصرته وتأييده وحمايته.


الصدع بالدعوة والجهر بها في كل مكان


وبعد أن جمع النبي – صلى الله عليه وسلم – عشيرته الأقربين، وأنذرهم، كما أقره بذلك رب العالمين بدأت مرحلة جديدة، فأصبح يدعو فيها كل من يلتقي به من الناس على اختلاف قبائلهم وبلدانهم، ويتبع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم، وفي المواسم ومواقف الحج، ويدعو من لقيه من حر وعبد، وقوي وضعيف، وغني وفقير، لا يردّه عن ذلك رادّ، ولا يصدّه عن ذلك صادّ، وذلك حين نزل قول الله تعالى (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) وكانت النتيجة لهذا الصدع بالحق هي الصد والإعراض والسخرية والإيذاء والتكذيب.


وبعد الجهر بالدعوة بأيام - أو شهور قليلة – اقترب موسم الحج، وكانت العرب تأتي من كل البلاد لتحج لبيت الله الحرام، وعلمت قريش أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لن يترك هذه الفرصة لنشر دعوته الجديدة، فاجتمعوا حتى يتفقوا على شيئاً يقولونه للعرب ليصدوهم عن دعوة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبعد نقاش دار بينهم وجّههم الوليد بن المغيرة لأن يقولوا عليه ساحر، جاء بقول هو سحر، يُفرّق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته.


وبعد أن اتفق المجلس على هذا القرار أخذوا في تنفيذه، فجلسوا بسبل الناس حين قدموا للموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره، أما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فخرج يتبع الناس في منازلهم، وفي الأسواق، يدعوهم إلى الله، وأبو لهب وراءه يقول : لا تطيعوه، فإنه صابئ كذّاب. وأدّى ذلك إلى أن صدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها.


وبأمر الله سنعرض هذه المرحلة – مرحلة الجهر بالدعوة – في سمات عامة وهي :


السمة الأولى: مجابهة المشركين دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه بشتى الطرق


الوسيلة الأولى : السخرية والاستهزاء والتحقير والتكذيب


رموا النبي – صلى الله عليه وسلم – بتهم هازلة، وشتائم سفيهة، فكانوا ينادونه بالمجنون : (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) ويصمونه بالسحر والكذب (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) وكانوا يُشيّعونه ويستقبلونه بنظرات ملتهمة ناقمة (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) وكانوا كما قصّ الله علينا (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) وقد أكثروا من السخرية والاستهزاء وزادوا من الطعن والتضحيك حتى أثّر ذلك في نفس الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) ثم ثبّته الله وأمره بما يُذهب الضيق فقال تعالى (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)


الوسيلة الثانية : إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات


كانوا يقولون عن القرآن (أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ) ويقولون (بَلِ افْتَرَاهُ) من عند نفسه ، ويقولون (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) وقالوا (إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ) أي اشترك هو وزملائه في اختلاقه (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا).


أما شُبهاتهم في رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – فإنهم مع اعترافهم بصدق النبي – صلى الله عليه وسلم – وأمانته وغاية صلاحه وتقواه، كانوا يعتقدون أن منصب الرسالة أعظم من أن يُعطى لبشر، فقالوا (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا) وقالوا إن محمداً – صلى الله عليه وسلم - بشر ، و (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) فردّ الله تعالى عليهم (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ).


أما إنكارهم البعث بعد الموت : فلم يكن عندهم في ذلك إلا التعجب والاستغراب والاستبعاد العقلي ، فكانوا يقولون (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ) وكانوا يقولون (ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) وقد ردّ الله عليهم بتبصيرهم ما يجري في الدنيا، فالظالم يموت دون أن يلقى جزاء ظلمه، والمظلوم يموت دون أن يأخذ حقه من ظالمه، والمحسن الصالح يموت قبل أن يلقى جزاء إحسانه وصلاحه، .. إلخ، قال تعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) وقال سبحانه : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) وأما الاستبعاد العقلي فقال تعالى رداً عليه: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا) وقال: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).


الوسيلة الثالثة: الحيلولة بين الناس وبين سماع القرآن:


قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) حتى إن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يتمكن من تلاوة القرآن عليهم في مجامعهم ونواديهم إلا في أواخر السنة الخامسة من النبوة، وذلك كان عن طريق المفاجأة، دون أن يشعروا بقصده قبل بداية التلاوة.


الوسيلة الرابعة: الاضطهاد العام وكثرة الإيذاء واشتداد البلاء:


1 – ما نزل بالصحابة الكرام من أنواع البلاء:


لما رأوا أن هذه الأساليب – السالفة الذِكْر - لم تجد نفعًا في إحباط الدعوة الإسلامية استشاروا فيما بينهم، فقرروا القيام بتعذيب المسلمين وفتنتهم عن دينهم، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام، وانقض كل سيد على من اختار من عبيده طريق الإيمان‏.‏


كان أبو جهل إذا سمع برجل قد أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه، وأوعده بإبلاغ الخسارة الفادحة في المال، والجاه، وإن كان ضعيفًا ضربه وأغرى به‏.‏


وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من ورق النخيل ثم يدخنه من تحته‏.‏


ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه منعته الطعام والشراب، وأخرجته من بيته، وكان من أنعم الناس عيشًا، فتَخَشَّفَ جلده تخشف الحية‏.‏


وكان صهيب بن سنان الرومي يُعذَّب حتى يفقد وعيه ولا يدرى ما يقول‏.‏


وكان بلال مولى أمية بن خلف الجمحي، فكان أمية يضع في عنقه حبلًا، ثم يسلمه إلى الصبيان، يطوفون به في جبال مكة، ويجرونه حتى كان الحبل يؤثر في عنقه، وهو يقول‏:‏ أحَدٌ أحَدٌ، وكان أمية يـشده شـدًا ثم يضربه بالعصا، و يلجئه إلى الجلوس في حر الشمس، كما كان يكرهه على الجوع‏.‏ وأشد من ذلك كله أنه كان يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في الرمضاء في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول‏:‏ لا والله لا تـزال هكـذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى، فيقول وهو في ذلك‏:‏ أحد،أحد، ويقـول‏:‏ لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها‏.‏ ومر به أبو بكر يوما وهم يصنعون ذلك به فاشتراه بغلام أسود، وقيل‏:‏ بسبع أواق أو بخمس من الفضة، وأعتقه‏.‏


وكان عمار بن ياسر رضي الله عنه مولى لبني مخزوم، أسلم هو وأبوه وأمه، فكان المشركون ـ وعلى رأسهم أبو جهل ـ يخرجونهم إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء فيعذبونهم بحرها‏.‏ ومر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فقال‏:‏ ‏(‏صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة‏)‏، فمات ياسر في العذاب، وطعن أبو جهل سمية ـ أم عمار ـ في قبلها بحربة فماتت، وهي أول شهيدة في الإسلام، وهي سمية بنت خياط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكانت عجوزًا كبيرة ضعيفة‏.‏ وشددوا العذاب على عمار بالحر تارة، وبوضع الصخر الأحمر على صدره أخرى، وبغطه في الماء حتى كان يفقد وعيه‏.‏ وقالوا له‏:‏ لا نتركك حتى تسب محمدًا، أو تقول في اللات والعزى خيرًا، فوافقهم على ذلك مكرهًا، وجاء باكيًا معتذرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأنزل الله ‏:‏ ‏(مَن كَفَرَ بِالله ِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ‏)الآية ‏[‏ النحل‏:‏ 106 ‏]‏‏.‏


وكان خباب بن الأرت مولى لأم أنمار بنت سِباع الخزاعية، وكان حدادًا، فلما أسلم عذبته مولاته بالنار، كانت تأتى بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره أو رأسه، ليكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يزيده ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا، وكان المشركون أيضًا يعذبونه فيلوون عنقه، ويجذبون شعره، وقد ألقوه على النار، ثم سحبوه عليها، فما أطفأها إلا وَدَكَ ظهره‏.‏


والحاصل أنهم لم يعلموا بأحد دخل في الإسلام إلا وتصدوا له بالأذى والنكال، وكان ذلك سهلًا ميسورًا بالنسبة لضعفاء المسلمين، ولا سيما العبيد والإماء منهم، فلم يكن من يغضب لهم ويحميهم، بل كانت السادة والرؤساء هم أنفسهم يقومون بالتعذيب ويغرون الأوباش، ولكن بالنسبة لمن أسلم من الكبار والأشراف كان ذلك صعبًا جدًا؛ إذ كانوا في عز ومنعة من قومهم، ولذلك قلما كان يجتريء عليهم إلا أشراف قومهم، مع شيء كبير من الحيطة والحذر‏.‏


2 – ما تعرض له النبي – صلى الله عليه وسلم – من الإيذاء القولي والبدني :


قبل الإيذاء : وأما بالنسبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان رجلًا شهمًا وقورًا ذا شخصية فذة، تتعاظمه نفوس الأعداء والأصدقاء بحيث لا يقابل مثله إلا بالإجلال والتشريف، ولا يجترئ على اقتراف الدنايا والرذائل ضده إلا أراذل الناس وسفهاؤهم، ومع ذلك كان في منعة أبي طالب، وأبو طالب من رجال مكة المعدودين، كان معظمًا في أصله، معظمًا بين الناس، فكان من الصعب أن يتجرأ أحد عليه أو على أحدٍ من أهله، إن هذا الوضع أقلق قريشًا وأقامهم وأقعدهم، ودعاهم إلى تفكير سليم يخرجهم من المأزق ، وقد هداهم ذلك إلى أن يختاروا سبيل المفاوضات مع المسئول الأكبر‏:‏ أبي طالب، ولكن مع شيء كبير من الحكمة والجدية، ومع نوع من أسلوب التحدي والتهديد الخفي حتى يذعن لما يقولون‏.‏


ولما فشلت قريش في هذه المفاوضات، ولم توفق في إقناع أبي طالب بمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكفه عن الدعوة إلى الله ، قررت أن تختار سبيلاً قد حاولت تجنبه ، وهو سبيل الاعتداء على ذات الرسول - صلى الله عليه وسلم‏ -.‏

واخترقت قريش ما كانت تتعاظمه ، فمدت يد الاعتداء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع ما كانت تأتيه من السخرية والاستهزاء،‏ وكان من الطبيعي أن يكون أبو لهب في مقدمتهم ، فإنه كان أحد رؤوس بني هاشم، فلم يكن يخشى ما يخشاه الآخرون، فأمر ولديه بتطليق بنتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكان هو وزوجته يسخرون دائماً من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد فعلت قريش الكثير في حق رسول الله فأتوا بسلا الجزور – أمعاء الجمل - ووضعوها على ظهره الشريف وهو ساجد، وقد جلس عقبة بن أبي مُعَيط بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات مرة وسمع منه ، فلما بلغ ذلك صاحبه أُبي بن خلف أنبه وعاتبه، وطلب منه أن يتفل في وجه النبي – صلى الله عليه وسلم – ففعل، وكان أبو جهل يمنع النبي – صلى الله عليه وسلم – من الصلاة في الحرم، ولما رآه يصلي ذات مرة توعّده، فأغلظ له رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في القول، فقال له : يا محمد، بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادى ناديًا‏.‏ فأنزل الله ‏(‏فَلْيَدْعُ نَادِيَه سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ‏)




الواجب


س1 ما الحكمة من إنذار النبي – صلى الله عليه وسلم – الأقربين أولاً ؟


س2 أذكر الوسائل التي استخدمتها قريش لمواجهة دعوة الإسلام، مشيراً إلى كل وسيلة في سطر واحد.


نكمل الدرس القادم إن شاء الله


سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك