عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 07-17-2012, 04:45 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

العلاقة بين فهم المحكم والمتشابه وقضية التفويض

المطلب الأول : حقيقة مذهب الخلف في نصوص الصفات :
يعتقد الخلف من الأشعرية والماتريدية أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، التي وردت في الصفات الخبرية موهمة للتشبيه والجسمية ، وظاهرها باطل غير مراد ، فإما أن تؤول وإما أنها من أخبار الآحاد التي لا تفيد اليقين في أمور الاعتقاد (1) .

وقد بنوا ذلك على أصول عقلية ، زعموا أنها أمور يقينية ، واعتبروها أصول الدين والفيصل المبين في النظر إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فما وافق تلك الأصول من النصوص والآيات فهو دليل لهم ، وما خالف أصولهم وتقسيمهم للتوحيد ، فينبغي عندهم التعامل معه بأي وسيلة ، إما بادعاء مجاز أو تأويل ، أو تهوين وتعطيل ، أو تقبيحها في نفس السامع حتى تبدو ضربا من المستحيل المهم أن يقر بأن ظاهرها الذي ورد في التنزيل ، باطل ومستحيل ويجب صرفه إلى شيء آخر.

فالتوحيد عندهم مبنى على قولهم : إن الله واحد في ذاته لا قسيم له ، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له ، وهم يدرجون تحت شعار أنه لا ينقسم نفي علو الله على خلقه ومباينته لمصنوعاته ونفي ما ينفونه من صفاته ، ويقولون : إن إثبات ذلك يقتضي أن يكون مركبا منقسما مشابها للحوادث (2) .

يقول الرازي وهو من أعمدة المذهب الأشعري في نفي علو الله على خلقه وتعطيل استوائه على عرشه : ( لو كان الله مختصا بالمكان لكان الجانب الذي في يمينه يلي ما على يساره ، فيكون مركبا منقسما فلا يكون أحدا في الحقيقة ، فيبطل قوله : { قل هو الله أحد } ) (3) .
وهم لما نفوا الاستواء وعطلوا علو الفوقية بهذه الحجج العقلية ،ساءت سمعتهم عند عامة المسلمين ، فالله يقول صراحة هو على العرش ، وهم يقولون صراحة ليس على العرش ، فما المخرج من هذه المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه ؟ والجواب في قول أحدهم :
( لو سئلنا عن قوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } ، لقلنا المراد بالاستواء القهر والغلبة والعلو ، ومنه قول العرب استوى فلان على المملكة أي استعلى عليها واطردت له ، ومنه قول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق : من غير سيف أو دم مهراق ) (4) .
وهذا تحريف للكلم عن مواضعه في ثوب التأويل ، فالتأويل يقبل إن كان بدليل صحيح ، لكن العرب لا تعرف أبدا استوى بمعنى استولى ، بل إن أهل اللغة لما سمعوا ذلك أنكروه غاية الإنكار ولم يجعلوه من لغة العرب .

روى الحسن بن محمد الطبري عن أبي عبد الله نفطويه النحوي ، قال أخبرني أبو سليمان ، قال : ( كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله ما معنى : { الرحمن على العرش استوى } ؟ قال : إنه مستو على عرشه كما أخبر ، فقال الرجل : إنما معنى استوى استولى ، فقال له ابن الأعرابي : ما يدريك ؟ العرب لا تقول استولى فلان على الشيء حتى يكون له فيه مضاد ، فأيهما غلب قيل قد استولى عليه ، والله تعالى لا مضاد له فهو على عرشه كما أخبر ) (5) .
وقال أبو سليمان الخطابي وهو من أئمة اللغة : ( وزعم بعضهم أن الاستواء هنا بمعنى الاستيلاء ، ونزع فيه إلى بيت مجهول لم يقله شاعر معروف يصح الاحتجاج بقوله ، ولو كان الاستواء ها هنا بمعنى الاستيلاء لكان الكلام عديم الفائدة ، لأن الله تعالى قد أحاط علمه وقدرته بكل شيء وكل بقعة من السماوات والأرضين وتحت العرش ، فما معنى تخصيصه العرش بالذكر؟! ثم إن الاستيلاء إنما يتحقق معناه عند المنع من الشيء ، فإذا وقع الظفر به قيل استولى عليه فأي منع كان هناك حتى يوصف بالاستيلاء بعده ! ) (6) .

ومعلوم أن كل تأويل لا يحتمله اللفظ في أصل وضعه ، وكما جرت به عادة الخطاب بين العرب هو نوع من التزوير والتدليس ، والخلط والتلبيس ، الذي يضيع ثوابت القول وقواعد الكلم ، فأهل العلم يعلمون أن إثبات الاستواء والنزول ، والوجه واليد والقبض والبسط ، وسائر صفات الذات والفعل لا يسمى في لغة العرب التي نزل بها القرآن تركيبا ولا انقساما ولا تمثيلا ، وكان أولى بالصحابة والتابعين ، وهم أئمة اللغة وأسياد الفهم أن يعترض واحد منهم على الأقل ويقول : كيف نؤمن بهذه الصفات التي تدل على التركيب والانقسام في الذات ؟ (7) .

ولذلك فإن كثيرا ممن نشأ في الأوساط التي يسودها مذهب الخلف أنكروا تأويلهم المتعسف للنصوص ، وادعوا أن السكوت وتفويض الأمر إلى الله هو المسلك المفضل ، ظنا منهم أنهم على عقيدة السلف الصالح ، فظهرت قضية التفويض التي وسم بها السلف متأثرة بعقيدة الخلف في فهم المحكم والمتشابه ، وعدم التمييز بين كون معاني نصوص الصفات محكمات ، وكون الكيفية الغيبية هي فقط من المتشابهات ، وقد سرى هذا الاعتقاد منذ ظهور المذهب الأشعري حتى عصرنا هذا .

للمزيد أرجو الإطلاع على الرابط ادناه
قضية المحكم والمتشابه وأثرها على القول بالتفويض
http://www.hor3en.com/vb/showthread.php?t=109277
_______________
(1) انظر في هذا المعني : الشيخ محمد عبده ، (1966م) ، رسالة التوحيد ، نشر مطابع دار الكتاب العربي ص 17 وما بعدها ، وجمال الدين : أحمد بن محمد بن سعيد ، (1998م) ، أصول الدين ، تحقيق عمر وفيق الداعوق ، بيروت ، نشر دار البشائر الإسلامية ، ص63.
(2) ابن تيمية : درء تعارض العقل والنقل 1/225.

(3) الرازي : فخر الدين ، (1406هـ) ، أساس التقديس ، تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا ، القاهرة ، طبعة مكتبة الكليات الأزهرية ص 203.
(4) عبد الملك : بن عبد الله بن يوسف ، (1987م) ، لمع الأدلة في قواعد أهل السنة والجماعة ، تحقيق د. فوقية حسين ، بيروت ، نشر عالم الكتب ص 108 ، والشاعر هو الأخطل النصراني الحاقد علي الإسلام والمسلمين ، قال ابن كثير في التعقيب علي هذا البيت : ( هذا البيت تستدل به الجهمية علي أن الاستواء بمعني الاستيلاء ، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه وليس في بيت هذا النصراني حجة ولا دليل علي ذلك ، ولا أراد الله عز وجل باستوائه علي عرشه استيلاءه عليه ، ولا نجد أضعف من حجج الجهمية ، حتى أداهم الإفلاس من الحجج إلي بيت هذا النصراني المقبوح ) انظر البداية والنهاية 9/295 ، والعجب كل العجب أن قوة احتجاج الأشعرية بهذا البيت علي نفي الاستواء أقوي من قوة الاحتجاج بكلام الله علي إثباته ، مع أن الأخطل النصراني المشرك هو القائل في شعره مستهزءا بالصلاة والصيام والأضاحي : ولست بصائم رمضان يوما : ولست بآكل لحم الأضاحي - ولست بزائر بيتا بعيدا : بمكة ابتغي فيه صلاحي - ولست بقائم كالعير أدعو ... : ... قبيل الصبح حي علي الفلاح ، انظر السابق 9/263 ، وابن الجوزي : (1412هـ) ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، تحقيق محمد ومصطفي عبد القادر عطا ، بيروت ، دار الكتب العلمية 7/36 .
(5) ابن القيم : (1415هـ) ، حاشية ابن القيم علي سنن أبي داود ،بيروت ، دار الكتب العلمية 3/18.
(6) ابن تيمية : (1392هـ) ، بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ، مكة المكرمة ، نشر مطبعة الحكومة 2/438.
(7) انظر أنواع التأويلات الباطلة وأمثلتها من كلام الأشعرية في مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص43 وما بعدها ، و درء تعارض العقل والنقل 1/226 وما بعدها.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0


التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله ; 07-17-2012 الساعة 04:48 PM
رد مع اقتباس