عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02-21-2008, 07:53 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

العفو عن يسير جميع النجاسات


والعفو عن يسير جميع النجاسات قول مبني على قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج [الحج:78] وهو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، ويستدل أيضاً بأن الشريعة لا توجب غسل الأثر الباقي بعد الاستجمار، ومعلوم أنه لو استجمر فلابد أن يبقى أثرٌ، وربما حصلت رطوبة أو عرق في المكان، ومع ذلك فإن هذا كله لا يضر ولله الحمد، وكذلك أهل الحمير الذين يمارسونها يشق عليهم التحرز من كل شيء.


أعلى الصفحة

طهارة المني ورطوبة فرج المرأة ونجاسة المذي والودي


أما إذا سألت يا عبد الله عن أثر الجنابة في الثوب، وقلت: أصاب الثوب منيٌّ، فماذا نفعل به؟ فنقول لك: افعل به كما حدثت عائشة رضي الله عنها: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً، وأغسله إذا كان رطبا) ولا فرق في ذلك بين مني الرجل والمرأة، والراجح أن مني الآدمي طاهر، ومنه خلق الأنبياء والأولياء وسائر الناس، والأصل في الأشياء الطهارة، وعائشة رضي الله عنها كانت تفرك اليابس من مني النبي صلى الله عليه وسلم وتغسل الرطب منه، ولو كان نجساً ما اكتفت بذلك، ولوجب غسله حتى لو كان يابساً، ولكن لما اكتفت بالفرك علمنا أن المني طاهر بخلاف دم الحيض مثلاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تحته ثم تقرصه بالماء) فإذا جف على ثوبها تحتّه؛ وتفركه وتزيل أثره، ثم بعد ذلك تقرصه بالماء، أي: تغسله بالماء، ثم تنضحه ثم تصلي فيه، وكذلك ريق الإنسان ومخاطه وعرقه وبلغمه ودمعه ولعابه كل ذلك طاهر. ورطوبة فرج المرأة وما يسيل منها أثناء حملها، الراجح أنه طاهر أيضاً. أما المذي والودي: المذي: سائل أبيض رقيق لزج يخرج عند الشهوة واللمس والنظر، بلا دفق ولا شهوة أثناء خروجه، ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس الإنسان بخروجه. أما الودي: ماء أبيض كدر ثخين يشبه المني، ولا رائحة له بخلاف المني، وهو كدر بخلاف المني فإنه صافٍ، وهذا الودي يخرج عقيب البول من بعض الناس في بعض الحالات، أو عند حمل شيء ثقيل فاتفق العلماء على نجاستهما. وقد جاء في حديث علي : كنت رجلاً مذاءً، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة المقداد ، فقال عليه الصلاة والسلام: (يغسل ذكره ويتوضأ) رواه البخاري ومسلم ، وغسل الأنثيين عند أبي داود . والودي يخرج عقب البول فهو ملحق بالنجاسات فهذه السوائل تغسل وجوباً بخلاف المني، وقد بينا الفرق بينهما، فلا تلتبس عليك يا عبد الله. ونجاسة المذي مخففة لحديث سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناءً، وكنت أكثر منه الاغتسال، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (إنما يجزيك من ذلك الوضوء، فقلت: يا رسول الله! كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك، حيث ترى أنه قد أصاب منه) فإذاً لو نضحه كان ذلك كافياً عند بعض أهل العلم لهذا الحديث.


أعلى الصفحة

أقسام الدماء من حيث الطهارة والنجاسة


وأما الدماء فإن العلماء قالوا: إن الدماء على ثلاثة أقسام: دم نجس لا يعفى عن شيء منه كدم الحيض وكالدم الخارج من السبيلين، وثانياً: دم نجس يعفى عن يسيره، وقد ضرب له جمهور العلماء مثلاً بدم الآدمي الذي يخرج من الجرح، والقول القوي أن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السبيلين لأدلة كثيرة، والثالث: الدم الطاهر وهو دم السمك مثلاً؛ لأن ميتته طاهرة، والدم اليسير الذي لا يسيل، كدم البعوضة والبق والذباب عند قتلها مثلاً، فلو تلوث الثوب بشيء منه فهو طاهر لا يجب غسله. ويستدل لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه) ومعلوم أن غمسه يسبب قتله، ومع ذلك قال: (فليطرحه، وليطعمه بعد ذلك إذا أراد). وكذلك الدم الذي يبقى في الشاة المذبوحة مثلاً بعد ذبحها وتذكيتها، والدم الموجود في العروق والقلب والطحال والكبد، فكل هذا طاهر قليله وكثيره، ودم الشهيد طاهر؛ حتى إن أكثر من يقول من العلماء بنجاسة دم الآدمي يقولون بطهارة دم الشهيد، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل دمائهم، وأمر أن يزملوا بها، لأنهم يبعثون بها يوم القيامة، ولها رائحة كرائحة المسك. ويغسل الدم النجس حتى يزول، وإن بقي له أثر فلا يضر ذلك، إذا اجتهد الإنسان في غسله.


أعلى الصفحة

كيفية تطهير الخف


وأما الخف إذا علقت به نجاسة، فقد جاء في الحديث الصحيح: (إذا جاء أحدكم إلى المسجد، فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى، فليمسحه- وقد كانت الشوارع والطرقات متربة- وليصل فيهما) وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى، فإن التراب له طهور) وفي لفظ: (إذا وطئ الأذى بخفيه، فطهوره التراب) رواه أبو داود وابن خزيمة ، وسنده حسن.


أعلى الصفحة

كيفية تطهير بول الغلام والجارية


فإن قلت: فما حكم بول الغلام والجارية؟ فاعلم رحمك الله أنه يجزئ في بول الغلام الذي لم يطعم الطعام، لم يأكل الطعام بشهوة ولا إرادة منه، وإنما لا زال على رضاع أمه، فإن نجاسة بوله نجاسة مخففة، ولو كان يلعق العسل أو الشيء اليسير، لحديث أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله، وقال صلى الله عليه وسلم: (ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية) فبول الغلام إذا أصاب ثوبك يكفي أن ترشه بالماء، وبول الجارية -وهي البنت الصغيرة- لا يجزئه إلا الغسل.


أعلى الصفحة

حكم استعمال آنية الكفار


وكذلك يسأل بعض الناس عن آنية الكفار وملابسهم، فاعلموا أن هذه الأعيان الأصل فيها الطهارة، فإنها طاهرة مادمنا لا نعلم فيها نجاسة، واستثنى العلماء السراويل التي تلتصق بأجسامهم، لأنهم أناس لا يتوقون النجاسات، فلا تستخدم إلا بعد غسلها، وأما الآنية فإنه يكره استخدامها لحديث أبي ثعلبة الخشني ، قال: قلت: يا رسول الله! إنا بأرض أهل الكتاب، أنأكل في آنيتهم؟ قال: (لا تأكلوا في آنيتهم إلا ألا تجدوا بدا، فإن لم تجدوا بداً فاغسلوها وكلوا فيها). فهذه الأواني -أواني الكفار- تغسل قبل استخدامها، والملابس التي عليهم إذا كانت خارجية، فإنه لا بأس باستعمالها، ومن الأدلة على أن الأصل الطهارة في أواني الكفار أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة امرأة مشركة.


أعلى الصفحة

ما صبغ بالنجاسة أو طبخ بها


وأما المصبوغ بالنجاسة، فإنه لا يطهر بغسله، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يطهر بغسله وإن بقي لونه. وأما اللحوم المطبوخة بالنجاسات، كما يفعل بعض الكفرة في الطبخ بدهن الخنزير أو يخلطون الخمر معه، فقد ذهب عدد من أهل العلم إلى أنه لا سبيل إلى تطهيرها، وقال بعضهم: تغلى وتغلى ويسكب عليها الماء الطهور وتغلى إلى أن يخرج منها كل شيء.


أعلى الصفحة

لا يكلف الإنسان بغسل ما في داخله من النجاسات


والنجاسات -يا عباد الله- إذا لم تخرج خارج الإنسان فلا حكم لها، فلا يكلف الإنسان بغسل ما بداخله من النجاسة، مادامت لم تخرج، ولو أحس بانتقال شيء من البول ولم يخرج خارج الذكر فلا غسل، ولا وجوب لإزالة النجاسة، وكل آدمي داخله نجاسة، ألم يقل القائل: أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وفيما بين ذلك بول وعذرة؟! ففي داخل كل إنسان نجاسات، لكن لا يكلف بها إلا إذا خرجت، وهذا علاج ناجع للوسوسة والموسوسين الذين يحاولون إدخال الأشياء لإخراج النجاسة أو غسلها ونحو ذلك، وهذا تنطع لم يأت في دين الله تعالى. هذه طائفة من أحكام النجاسات، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لتطهير قلوبنا وتطهير أبداننا وثيابنا من سائر النجاسات. ونسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.


أعلى الصفحة

ذم الوسوسة في الطهارة


الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، شرع لنا هذه الشريعة، وأنزل علينا الكتاب، وأرسل إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم، أشهد أنه رسول الله، وحجة الله على خلقه، علمنا فأحسن تعليمنا، وأدبنا فأحسن تأديبنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى ذريته والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله: إن ما ذكرنا بصحة الاهتمام بغسل النجاسات لا يصح أن يدفع أبداً إلى الوقوع في الوسوسة التي مرض بها كثير من الناس، حتى صار الواحد منهم يغسل ويفرك ويتأكد من وصول الماء إلى بدنه، ثم يشك بعد ذلك أنه تطهر، وربما مكث الساعات الطوال في دورة المياه والحمامات والمراحيض، وربما فاتته تكبيرة الإحرام، أو فاتته صلاة الجماعة، وأحياناً فاتته الصلاة كلها، ولبعضهم أفعال كأفعال المجانين، لا يمكن أن نصدق أنهم عقلاء، وهم يقومون بها. واعلموا أن الشريعة قد جاءت بالأدلة البينة على ذم الوسوسة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيء فأشكل عليه أخرج منه شيئاً أم لا، فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) رواه مسلم . فإذاً لا تجوز الوسوسة بحال، وهي اتباع للشيطان، ولعلاجها نُهينا عن البول في المستحم؛ وهو المكان الذي نغتسل فيه، لأجل قطع الوسوسة، وكذلك أرشدنا إلى نضح ما أمام مكان خروج النجاسة بالماء ورشه، حتى إذا حس الإنسان ببلل، قال: هذا من الماء الذي رششته قبل قليل، وكذلك فإنه ينهى عن الإسراف في استخدام الماء الذي هو شعار الموسوسين. قال محمد بن عجلان رحمه الله: الفقه في دين الله إسباغ الوضوء وقلة إهراق الماء، وقال الإمام أحمد : كان يقال: من قلة فقه الرجل ولَعه بالماء. واعلم يا عبد الله أن الوسوسة داء لا علاج له إلا بإهماله وقطعه.
إن التنطع داء لا دواء له إلا تركك إياه برمته
......


من أعاجيب الموسوسين في الطهارة


وقد ابتدع البعض إجراءات عجيبة لأجل الطهارة من البول بزعمهم، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله، فقال: يفعلون بعد البول عشرة أشياء: السلت، والنتر، والنحنحة، والمشي، والقفز، والحبل، والتفقد، والوجور، والحشو، والعصابة، والدرجة. فأما السلت: فهو عصر الذكر ليخرج منه البول، والنتر: نفضه ليخرج ما بداخله بزعمهم بعد الاستنجاء، والنحنحة لإخراج الفضلة، والقفز بالارتفاع عن الأرض ثم الجلوس فجأة وبسرعة، والحبل يتخذه بعضهم يتعلق به حتى يكاد يرتفع ثم يقعد، والتفقد النظر في المخرج، هل بقي فيه شيء أم لا، والوجور: أن يفتح الثقب ويصب الماء فيه، والحشو: أن يدخل قطناً ونحوه، والعصابة: أن يعصبه بخرقة لئلا يخرج منه شيء، والدرجة أن يصعد في السلم قليلاً ثم ينزل بسرعة. فهذا هراء، وهو من استدراج إبليس، ولا شك أنه فعل المجانين، والشريعة لم تأمر بذلك، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وذلك كله وسواس وبدعة، فأنت تغسل ما خرج فقط. عباد الله: إذا وطئ الإنسان على نجاسة جافة وهو جاف فهو لا ينجس، يقول الفقهاء: جاف على جاف طاهر بلا خلاف، فانظر كم من الناس يوسوسون

رد مع اقتباس