عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 02-11-2009, 05:14 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي



قد يقول قائل:

لقد ظهرت بدعٌ كثيرةٌ حَسَنَة وقد رَضِيَ بها العلماءُ وسار عليها المسلمون إلى يومنا هذا،
مثل جَمْع عمر بن الخطاب رضي الله عنه المسلمينَ في صلاة التراويح على إمامٍ واحدٍ,
وكان النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ قد ترك ذلك وتركه أبو بكر
وتركه عمر صدرًا من خِلافته, ثم جمع المسلمين بعد ذلك
على أُبَي بن كعب رضي الله تبارك وتعالى عنه - قد يُقال هذا -.

فالجواب:

ما رواه البخاريُّ ومسلمٌ بسنديهما عن عُرْوَةَ بن الزبير
أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ
لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ - تعني: في رمضان - فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا, فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ -
يعني: في الليلة التالية -, فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ,
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ,
فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ - غَصَّ المسجدُ بأهلِهِ،
عَلِمَ الناسُ جميعًا أنَّ النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي التراويح -
قيام الليل في رمضان في المسجد جماعة -, فأتى الصحابة رضوان الله عليهم
لكي يُصَلُّوا خلف النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فماذا حدث؟

لم يخرج النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ في تلك الليلة وظَلُّوا في المسجد -
حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ, فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ
فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ
عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ».

هنا وُجِدَ مانعٌ، المقتضي للفعلِ موجود ولكن وُجِدَ المانعُ،
فإذا زالَ المانعُ يُرْجعُ إلى الأصل، ولا يُقال إنَّ هذه سُنَّةٌ تَرْكِيَّةٌ؛

لأن السُّنة التركية: أنْ يوجد الدافع وأنْ ينتفي أنْ يزول أنْ لا يكون للمانع وجود,
والزمانُ زمانُ تشريع وتنزيل للأحكام على قلبِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
هنا وُجِدَ الدافعُ والباعث والمقتضي لاجتماعِ الناسِ خلفَ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في صلاة قيام الليل في رمضان، في صلاة التراويح،

ولكن هنالك مانع وهو:
خشيةُ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُفْرَضَ ذلك على المسلمين فَيَعْجِزُوا عنه،
فلمَّا خافَ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الأمرَ على الأمة امتنعَ عن الخروج
لصلاةِ قيامِ الليل في رمضان في المسجد جماعةً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

فالمانعُ من صلاة التراويح في جماعةٍ على عهدِ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هو خشيةُ أنْ تُفْرَضَ على الأمة، والزمان زمان تشريع وتنزيل،

والرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخشى أنْ تُفرضَ فيقع العَجْزُ عنها،
وتتورطُ الأمةُ في الإثم، فَتُوفِّيَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمرُ على ذلك،
ثم كان الأمرُ على ذلك خلافةَ أبي بكر رضي الله عنه؛ لأنَّ خلافة أبي بكر كانت قصيرة،
سَنَتَان وشيء يسير من الزمان، وكان مشغولًا -رضوان الله عليه- بحروب الرِّدَّةِ
وبالحرب مع مانعي الزكاة، وبتسيير الجيوش للجهاد والفتح، فلم يتفرغ لذلك،
وكذلك كان الأمرُ صدرًا - يعني: قدرًا متقدمًا -
في خلافة عمر رضوان الله عليه لانشغاله -رضي الله عنه-
والمسلمون معه بحربِ فارسَ والروم.



فلما أنْ استقر الأمرُ جمعهم عمرُ رضوان الله عليه على أُبَي بن كعب
في مسجدِ النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ، زال المانع؛
لأنها لا يمكن أنْ تُفْرَضَ بعد موتِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.

أخرجَ البخاريُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ
فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ - يعني: جماعات - مُتَفَرِّقُونَ, يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ,

وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ - من الثلاثة إلى التسعة -,
فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ
لَكَانَ أَمْثَلَ - أي: كان أفضل -, ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه,
ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ
قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ, وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ إليها.
يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ, وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَ الليل» هذا حديثُ البخاريِّ رحمةُ اللهِ عليه.



استنبط عمر رضي الله عنه أنَّ جمعَهُم على إمامٍ واحدٍ أفضلُ -
من تقرير النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى معه في تلك الليلة -،
استنبطه من أي شيء؟ من تقرير النّبي، لا أنَّه أفضلُ من تقرير النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!

يعني: لمَّا خرجَ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان فصَلَّى وصلَّى بصلاته أُنَاسٌ،
ثم في الليلة الثانية ثم في الليلة الثالثة، لم يمنعهم النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصلاة
ذاتها على هذا النحو، وإنما امتنع خشيةَ أنْ تُفْرَضَ على الأمة،
ولكن لم يمنع النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الاجتماعِ خلفَ إمام واحد،
وإنما خَشِيَ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ مِنْ أنْ تُفْرَضَ الصلاةُ على أُمَّةِ
النّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ وحينئذٍ يَعْجِزُونَ عنها، اللهم صلِّ وسَلِّم وبارك عليه.

فَلَمَّا ماتَ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ حَصَلَ الأمنُ من ذلك؛
لأنَّه لا يمكن أنْ يُفرضَ شيءٌ على الأمة بعد موتِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ,
ولم يفعل ذلك أبو بكر رضوان الله عليه؛ لانشغاله في حروب الرِّدَّةِ وحروبِ مانعي الزكاة,
وكذلك لم يفعلْه عمرُ رضوان الله عليه صدرًا من خلافته -رضوان الله عليه
لانشغاله بحربِ فارسَ والروم، فَلَمَّا أنْ استقرَ الأمرُ رَاجَعَ عمرُ رضوان الله عليه
سُنَّةَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.

فَلَمَّا قال عمر رضوان الله عليه: «نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ», بدعةٌ هي؟!
يقولُ النّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«عليكم بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي,
عَضُّوا عليها بالنَّوَاجِذِ, وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور», هذا أولًا.


رد مع اقتباس