عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-12-2009, 03:24 AM
أمّ ليـنة أمّ ليـنة غير متواجد حالياً
« رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ »
 




افتراضي الـــحديث الأول " إنما الأعمالُ ... "



(( الحديث الأول ))


عن أمير المؤمنين أبى حفصٍ عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال :
سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل إمرئٍ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها أو إمرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " .. رواه البخارى ومسلم ..




راوى الحديث : أمير المؤمنين عمر بن الخطاب .. الذى آلت إليه الخلافة بعد أبى بكر الصديق رضى الله عنهما .. فهو حسنة من حسنات أبو بكر ..
هذا الحيث قال عنه الشافعى أنه يعدل ثلث العلم ويدخل فى سبعين باباً من الفقه
وقال الإمام أحمد : أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث :
- حديث عمر " إنما الأعمال بالنيات ...
- وحديث عائشة : " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد
- وحديث النعمان بن بشير : " الحلال بيّن والحرام بيّن .
ورُوى عن عثمان بن سعيد عن أبى عُبيد قال : جمع النبى صلى الله عليه وسلم أمر الدنيا كله فى كلمة واحدة " إنما الأعمال بالنيات " وجمع أمر الآخرة كله فى كلمة واحدة " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "

وفى قوله : " سمعتُ " دليل على أنه أخذه من النبى صلى الله عليه وسلم مباشرةً وبلا واسطة ، ولم يروِ هذا الحديث عن رسول الله إلا عمر ، فقد تفرد به عمر لكن الأمة تلقته بالقبول التام ، كما أن له شواهد من القرآن والسنة : قال الله عز وجل { وما تنفقون إلا إبتغاء وجه الله } ، { محمدٌ رسول الله والذين ءامنوا معه أشداءُ على الكفار رُحماء بينهم تراهم رُكعاً سُجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً .. }
وقال النبى صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص : " وأعلم أنك لم تنفق نفقةً تبتغى بها وجه الله إلا أُجرتَ عليها حتى ما تضع فى في إمرأتك "
والبخارى رحمه الله صدّر كتابه بهذا الحديث وجعله كأنه خطبة الكتاب إشارةً منه إلى أن كل عملٍ لا يُراد به وجه الله فهو باطل لا ثمرة له فى الدنيا ولا فى الآخرة ..





إنما الأعمال بالنيات : والأعمال :
1) أعمال قلبية : وهى ما فى القلب من أعمال مثل التوكل على الله والخشية من الله والإنابة إلى الله ..
2) وأعمال نُطقية : أى أقوال اللسان ... وما أكثرها ..
3) وأعمال جوارحية : وهى أعمال اليدين والرجلين والعينين ...
إنما الأعمال بالنيات : يعنى لازم يكون فيه عمل
النيات : جمع نية ، وهى القصد .. ومحلها القلب ، فهى عملٌ قلبى ولا تعلُق للجوارح بها

( إنما الأعمال بالنيات ) ( وإنما لكل إمرئٍ ما نوى )
هل الجملتين بمعنى واحد ؟ أم هما مختلفتان ؟
أولاً يجب أن نعلم أن الأصل فى الكلام هو التأسيس دون التوكيد .. ما معنى هذا ؟
التأسيس : يعنى الجملة الثانية غير الجملة الأولى
التوكيد يعنى : الجملة الثانية نفس معنى الأولى وتؤكده
فقال بعض العلماء : الجملتانِ بمعنى واحد
وقال آخرون ( وهذا هو الصواب ) أن الثانية غير الأولى ، فالكلام من باب التأسيس لا من باب التوكيد .. يعنى إذا دار الأمر هل الكلام تأسيس أم توكيد فإننا نجعله على الأصل .. أى على التأسيس .. وبالتالى فالجملة الثانية غير الجملة الأولى .. لأنه لو قلنا أن الثانية مثل الأولى لصار هذا تكراراً لا معنى له ، والرسول صلى الله عليه وسلم أوتى جوامع الكلم ..
فالجملة الأولى بإعتبار المنوي ( العمل ) ، والجملة الثانية بإعتبار المنوي له أو المعمول له – أنا عملت العمل دة ليه ؟ هل عملته لله أم عملته للدنيا ؟
وقد دلّ على هذا الكلام قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث نفسه : " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها أو إمرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه "
يعنى الجملة الأولى دلت على أن ( صلاح العمل أو فساده ) بحسب النية التى عملت هذا العمل من أجله
والجملة الثانية دلت على أن ( ثواب هذا العمل ) أو العقوبة على حسب النية .. فإن كانت صالحة كانت الثمرة ثواباً ، وإن كانت النية فاسدة كانت الثمرة عقوبة – والعياذ بالله –

ما المقصود بالنية :
1) النية تُميز العادات عن العبادات : يعنى تميز صلاة العصر عن صلاة الظهر عن صلاة العشاء .. فكلها رُباعية .. ولكن تتميز بالنية ، وكذلك تمييز صوم رمضان عن ترك الطعام والشراب بغرض الحمية أو طلباً للصحة وإنقاص الوزن .. وتمييز الأكل لمجرد شهوة الطعام عن الأكل للتقوى على العبادة وعلى خدمة الزوج والأولاد .. وهكذا
2) كذلك النية تُميز العبادات بعضها من بعض : كتمييز الغسل لرفع الحدث الأكبر من الغسل للتبرد أو النظافة
فنحن نجد شخصين : أحدهما يصلى ركعتين تطوعاً وآخر يصلى ركعتين فريضة .. هل هناك فرق بين العملين ؟ هل تميز العملين ؟
بالطبع : فهذا نفل ، وذاك واجب
وقلنا أن النية محلها القلب لا يُتلفظ بها إطلاقاً لأننا نتعبد من يعلم خائنة الأعين وما تُخفى الصدور
والنبى صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية أبداً ، وكذلك أصحابه لم يؤثر عن أحد منهم النُطق بها
فالنطق بها بدعة يُنهى عنها – ولكن بهدوء – فأقول لمن يتلفظ بها أن هذا لم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه وأنه يجب إتباع النبى فى أفعاله فنحن مأمورون بذلك ..

فالنية لغةً : القصد
وإصطلاحاً : نية العمل والمراد من العمل ، ومحلها القلب ، والنطق بها بدعة

وجملة ( وإنما لكل إمرئٍ ما نوى ) هى التى يتفاوت فيها الناس تفاوتاً عظيماً .. فنجد الرجلان يُصليان فى نفس المسجد وخلف نفس الإمام ولكن تجد بينهما مثل ما بين المشرق والمغرب فى الثواب لأن أحدهما مخلص وخاشع والآخر غير مخلص أو لاهي ..
وكذلك تجد الرجلين أحدهما يطلب العلم الشرعى ويدرس الدين لا ليعمل به ولكن ليتعين فى الوظيفة الفلانية فى الوزارة الفلانية براتب كذا .. ونجد الآخر يطلب العلم الشرعي ليُعلم نفسه ويعلم الأمة ويفقههم فى الدين .. أليس بينهما فرق ؟ .. فرقٌ عظيم كما بين السماء والأرض ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من طلب علماً وهو مما يُبتغى به وجه الله لايريد إلا أن ينال عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة " ..والعياذ بالله
فلنُخلص النية لله عز وجل ، ونستعين بالله
والعمل يُرجى قبوله بشرطين :
(1) الإخلاص لله وحده ، فلا يُشرك مع الله أحداً ( اللهم اجعل عملنا لوجهك خالصاً ولا تجعل فيه لغيرك منه شيئاً .. آمين )
(2) المتابعة والموافقة للشرع الذى شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فنحن نجد رجلاً مخلصاً جداً فى نيته ولكنه يعمل عملاً بدعياً ، فهذا من حيث نيته طيب ولكن من جهة العمل عمله مردود لأنه ليس موافقاً للشرع
وكذلك نجد الرجل يقوم بالعمل على أتم وجه ولكنه يُرائى به : فهذا أيضاً مردود لأنه فقد الإخلاص ..
والإخلاص هو الركيزة التى خُلق الإنسان من أجلها ، قال الله عز وجل { وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون }

ثم ضرب النبى صلى الله عليه وسلم مثلاً للمهاجر فقال :
" فمن كانت هجرته ... " والهجرة هى التركُ ، والمراد بها : الإنتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ، كهجرة المسلمين من مكة إلى الحبشة ، وهجرتهم من مكة إلى المدينة ..
" فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله " :
هجرته إلى الله : يعنى يريد ثواب الله وما عند الله من الأجر العظيم ، كقول الله تعالى لزوجات النبى { .. إن كنتن تُردن الله ورسوله ... } .. والهجرة إلى الله تكون فى كل وقتٍ وحين ..
ورسوله : يعنى يريد الفوز بصحبته ويريد الذب عن سنته ويريد نشر دينه
فهجرته إلى الله ورسوله : فالله تعالى يقول : من تقرّب إلىّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً .. فمن يريد الله إن الله يُكافئه على ذلك بأعظم مما عمل ويزيده من فضله..
بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم هل يصلح أن تكون هناك هجرة إلى الرسول ؟
الجواب : أما إلى شخصه فلا .. وأما إلى سنته وشرعه فهذا وارد .. قال الله عز وجل { فإن تنازعتم فى شئٍ فردوه إلى الله ورسوله } : إلى الله فى كل وقت ، وإلى الرسول فى حياته ثم إلى شريعته بعد وفاته
والهجرة سُنة مؤكدة ، وهى الإنتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، وإذا كان الإنسان فى بلد كفر ولا يستطيع إظهار شعائر دينه مثلاً يُمنع من الصلاة أو من الصيام أو من قراءة القرآن .. فإنه وجب عليه أن يُهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ..
أيضاً من هاجر من بلد إلى بلد ليتعلم الحديث والعلم الشرعى : فهذا هجرته مشروعة ، وهذا هجرته إلى الله ورسوله
أما من يهاجر من بلد لبلد بسبب التجارة والثروة أو الزواج بأمرأة جميلة أو ما شابه .. فهذا هجرته للدنيا ، ولن يكون له إلا ما أراد ، ولن يأخذ منها إلا ما كتبه الله له ..

فوائد من الحديث :
هذا الحديث ركن من أركان الإسلام ( ليس من الأركان الخمسة ولكن على الإسلام مداره ) ولهذا قال العلماء مدار الإسلام على حديثين :
1) هذا الحديث " إنما الأعمال بالنيات " فهذا الحديث عمدة أعمال القلوب ، فهو ميزان الأعمال الباطنة
2) وحديث عائشة " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " : وهذا الحديث هو عمدة أعمال الجوارح ..

ومن فوائد هذا الحديث : الحث على الإخلاص لله عز وجل ، فالنبى صلى الله عليه وسلم قسّم الناس إلى قسمين :
- قسم يريد بعمله الله ورسوله والدار الآخرة
- وقسم يريد الدنيا

أيضاً من فوائد الحديث : مشروعية الهجرة .. كما سبق وبينا
ومن فوائد الحديث : حُسن تعليم النبى صلى الله عليه وسلم ، وذلك بتنويع الكلام حيث قسّم الناس لصنفين ، وقسّم الهجرة لهجرة مشروعة يُثاب المرء عليها ، وهجرة لا يُثاب المرء عليها
وهذا من حُسن التعليم ، ولذلك ينبغى للمعلم ألا يسرد المعلومات سرداً على الطالب لأن هذا أدعى لنسيانها سريعاً .. ولكن ينبغى للمعلم أن يؤصل ويضع أُصولاً وقواعد وتقسيمات لأن هذا أدعى لثبوت العلم ..

ومن فوائد الحديث أيضاً : قَرْن النبى عليه الصلاة والسلام مع الله بالواو " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ..." ولم يقل " ثم رسوله " كما ورد فى الحديث الآخر أن رجلاً قال للنبى عليه الصلاة والسلام ما شاء الله وشئتَ فقال له النبى : أجعلتنى لله نداً .قل ما شاء الله وحده ، وفى رواية قل : ما شاء الله ثم شئتَ
فما الفرق ؟
أن ما يتعلق بالشريعة فيجوز أن نقرن بالواو لأن ما صدر عن النبى صلى الله عليه وسلم من الشرع كالذى صدر من الله كما قال الله عز وجل { من يُطع الرسول فقد أطاع الله }
وأما الأمور الكونية فلا يجوز أن نقرن مع الله أحداً بالواو أباً .. لأن كل شئ تحت إرادة الله ومشيئته ..
فمثلاً إذا سأل سائل : هل ينزل المطر غداَ ؟
لا يصح أن يقول أحد : الله ورسوله أعلم .. بل نقول : الله أعلم .. لماذا ؟
لأن الرسول ليس عنده علمٌ بهذا
وإذا سأل سائل : هل هذا حلال أم حرام ؟
نقول : الله ورسوله أعلم لأن حُكم الرسول فى الأمور الشرعية حكمٌ لله { من يُطع الرسول فقد أطاع الله } { وأطيعوا الله والرسول .. }








وأكتفى بهذا القدر .. جزاكن الله خيراً
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
رد مع اقتباس