عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 08-04-2009, 11:20 PM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي عقيدة الغرب في تفتيت العالم الإسلامي – تحليل (الجزء الثالث)


عقيدة الغرب في تفتيت العالم الإسلامي – تحليل (الجزء الثالث)

أحمد الشجاع - عودة ودعوة

تقسيم العراق:


ذكر الباحث النرويجي ريدار فيسير – في ورقة علمية نشرتها مجلة (المستقبل بالعربي) العدد 347- أن دعوات إلى (تقسيم هادئ) للعراق تصاعدت في دوائر أمريكية، ويقوم التقسيم على مستوى إثني- طائفي..وتساءل الباحث: بأي حق يفرض سياسيون أجانب الحدود الإدارية الداخلية لبلد ذي سيادة؟. ثم هناك مسألة التطبيق العملي: ما هي فرص أن يثبت تقسيم (هادئ) في العراق أنه أقل عنفاً من تقسيم الهند سنة 1947م..كما أن هناك تحذيرات من خبراء بالعلاقات الدولية، إذ يرى كثير منهم تقسيم العراق بمثابة الخطوة الأولى في تأجيج العنف على نطاق أوسع بحيث يربك كل دولة مجاورة على امتداد حدود العراق..والمشكلة العراقية هي أن لها امتدادات تاريخية، يحاول البعض استدعاءها لصناعة عراق ممزق..وعلى امتداد التاريخ الإسلامي كان العراق مقسم إلى ولايات إسلامية كالبصرة والكوفة وبغداد.
ولكنها تقسيمات إدارية في ظل دولة إسلامية كاملة. ومنذ الدولة الإسلامية الأولى وحتى الدولة العثمانية كان الوضع – في الغالب – قائماً على هذا الأساس، ولم يكن في ذلك مشكلة، خاصة إذا وجد نظام قادر على إدارة شئون كافة أجزاء الدولة بالشكل الصحيح..وقد ذكر الباحث ريدار أن حالات التمرد التي قامت بها بعض الولايات العراقية ضد الدول الإسلامية الحاكمة كانت بمجملها أسرية أو قبلية، ولم تكن طائفية ومضمون كلام الباحث أن أسباب حالات التمرد كانت إما احتجاجية على أوضاع معينة أو رغبة في الانفصال وحباً للزعامة وإقامة دولة مستقلة.
وأشار الباحث – مستدركاً- إلى وجود بعض حالات التمرد الطائفي، لكنها كانت الاستثناء للقاعدة بشكل واضح، وقليلة جداً كالذي حصل في الحملة القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر الميلادي، عندما قامت قبيلة بني أسد بمحاولة إقامة دولة شيعية، ومع هذا كان لهم ولاء مبدئي للحكم في بغداد، كما أنهم لم يأتوا بنظرية سياسية شيعية محددة تمدهم بشرعية لإقامة دولة انفصالية، وفوق ذلك قامت قبائل شيعية منافسة بإخراج بني أسد من العراق الأوسط. وقد عرف العراق منذ ثلاثينات القرن العاشر الميلادي بعض حالات الصراع الطائفي الشيعي السني.
الاحتلال والطائفية:
بصفة عامة تقول الباحثة نيفين مسعد – في (المستقبل العربي - العدد 364)- إن التدخل الدولي يلعب – من الناحية التاريخية- دوراً تكوينياً في توجيه التفاعلات السياسية، ومنها العلاقات الإثنية (دينية ومذهبية وعرقية) في الوطن العربي..وهو دور يتجاوز نظيره في أي منطقة أخرى في العالم؛ بسبب الموقع الإستراتيجي والنفط وإسرائيل، فقد دعم البريطانيون تأسيس دولة آشورية شمال العراق، وأخرى درزية في لبنان بعد الحرب العالمية الأولى، وكرسوا انفصال جنوب السودان كما أن فرنسا قربت بين أمازيغ المغرب وأقباط مصر، وأدت دورها المتصل في رعاية موارنة لبنان، بدءاً من مذابح دير القمر مع الدروز سنة 1860م وصولاً إلى أزمة انتخابات الرئاسة سنة 2007م.
وكذلك كان الدور الفرنسي – البريطاني المشترك في هندسة الحدود العربية وفق اتفاقيات سايكس – بيكو، والدور الروسي وعلاقته بطائفة الروم الأرثوذكس..والدور الأمريكي في تزعم حملة حماية الأقليات، والتدخلات الأمريكية التي لا تتوقف في لبنان والصومال ومصر والسودان والعراق، ومعاييرها المزدوجة في التعامل مع أكراد العراق وأكراد تركيا. وتنسيقها مع القوى الإقليمية (تركيا، وإيران، وإثيوبيا) بدرجات متفاوتة، ومع الجماعات الإثنية في المهجر، وأثر ذلك كله في تشكيل الخرائط الإثنية في الداخل العربي.
الاحتلال والعراق:
سياسة الاحتلال الأمريكي في العراق لا تخرج عن سياسة التدخلات الدولية في العالم الإسلامي، فكلها تتفق في إنتاج الكوارث، وإن اختلفت في مواصفات كل كارثة..وكما يقول الأستاذ في كلية الإعلام بجامعة بغداد (ياس خضير البياتي) - (المستقبل العربي - العدد 345)- فإن الاحتلال الأمريكي حاول تكريس مبدأ سياسة الفوضى البناءة والطائفية والعرقية.
ولم تكن هذه الأعوام – في الرؤية الأمريكية- أعوام البناء والإعمار والديمقراطية وحقوق الإنسان (التي يروج لها الأمريكيون)، وإنما كانت أعواماً مليئة بالتناقضات السياسية والمجازر الوحشية وإشعال فتيل الحرب الطائفية – والعرقية والقومية وتكريسها، وتدمير البنية التحتية للدولة العراقية.. وافتعال الأزمات تمرير المخططات، وتعميق ظاهرة الانفلات الأمني، وفقدان الأمان النفسي والاجتماعي، وانتشار البطالة والفقر..ولم يكن احتلال العراق – والكلام للبياتي – بمعزل عن نظريات المحتل وأفكاره التي عمرها أكثر من نصف قرن، وهو الزمن الأول لبلورة فكرة احتلال العراق منذ السبعينات، واجتياحه وتقسيمه طائفياً وقومياً عبر سيناريوهات لأكثر من سياسي أمريكي، فكانت نظريات كيسنجر وبريجنسكي تتجه إلى ضرورة تفتيت العراق من الداخل عبر فكرة ضرب التوجه القومي بتوجه طائفي، وافتعال الأزمات الدينية والقومية وتطويق العراق وعزله عن بيئته العربية وإضعافه بحروب الجيران وإطالة أمد الحصار.
وبالفعل جاءت المخططات والنظريات – التي أشار إليها البياتي – ليترجمها الواقع في سياقه العملي، وقد مهد الأمريكيون الطريق إلى ذلك منذ سنوات طويلة ، فقد دعموا العراق وغيران في حربهما التي استمرت ثمان سنوات وخرج البلدان ضعيفان مرهقان، ثم دفعوا بالعراق – بصورة غير مباشرة- إلى احتلال الكويت، فخرج العراق أكثر ضعفاً، تلا ذلك حصار وتجويع أقعده، ثم جاء قاسمة الظهر باحتلاله سنة 2003م بعد موجة واسعة من الأكاذيب والبهتان ضد العراق..ثم .. بدأت عمليات تقطيع الأوصال وإثارة النعرات الطائفية، وهي أشد النعرات خطورة على أي مجتمع.
خطوات التقسيم الطائفي:
من بين خطوات تقسيم العراق طائفياً – كما جاء في تقرير (مركز النخبة للدراسات) نشر في إسلام أون لاين-:
• حلّ مؤسسات الدولة العراقية وخصوصا العسكرية والأمنية بحجة ارتباطها بالنظام السابق، وهو الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه بشأن إعادة تركيب الدولة العراقية على أسس طائفية.
• سعي الحاكم المدني في العراق بول بريمر، بعد حل مؤسسات الدولة إلى بناء نظام سياسي على أساس طائفي بحت، فكان قانون إدارة الدولة الذي قسم العراق، ليس إلى ثلاثة أقاليم فقط، وإنما أعطى الحق لكل محافظة بالاستقلال تحت يافطة الفيدرالية أو الحكم اللامركزي.
• تثبيت نظم المحاصصة الطائفية ليس فقط على مستوى النظام السياسي وتشكيل مؤسسات الدولة بل أيضا على مستوى توزيع الثروات الاقتصادية، وتمثل ذلك في قانون النفط الذي سعى الاحتلال عبر إقراره من قبل البرلمان العراقي.
• تعزيز عملية الاستقطاب بأشكالها المختلفة: طائفياً وإثنياً بالتركيز على دفع الكتلة السكانية العراقية إلى التخلي عن تمركزها الوطني والقومي العربي، والتوجه نحو التجمع والتمركز ضمن 3 كتل فرعية، هي: الشيعة، السنة، الأكراد. وسياسيا بتدعيم عملية تسييس الكيانات الطائفية والإثنية العراقية، وذلك عن طريق دعم تكوين وتعزيز قوة الأحزاب الطائفية.
وكشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز - نشر في 2007م- عن تنامي اهتمام إدارة الرئيس بوش بخطط تقسيم العراق، خاصة الخطة التي وضعها السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن (حاليا هو نائب الرئيس الأمريكي باراك أوباما)، والتي تتحدث عن تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات: سني وشيعي وكردي، تحت مظلة حكومة مركزية واحدة، لكن ضعيفة..وأشار التقرير إلى أن مسئولا أمريكيا في إدارة بوش أكد أن الإدارة أصبحت "قريبة من خطة بايدن"، في وقت نُسب فيه التقرير إلى محلل سياسي قوله: "إن الإدارة أعطت إشارات إيجابية بشأن هذه الخطة".
وكشف تقرير الصحيفة الأمريكية عن زيارة السناتور بايدن إلى نيويورك للتباحث في هذا الشأن مع أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي الذين أبدوا استجابة جيدة للخطة..وشدّد التقرير على أن خطة تقسيم العراق إلى 3 أجزاء بمظلة حكومة مركزية غير فاعلة يحظى بتأييد متزايد وصريح من خبراء الشرق الأوسط الذين يؤشرون فشل السنة والشيعة في تحقيق المصالحة الوطنية فضلا عن التطهير الطائفي الذي يشهده العراق..ولفت إلى أنه بموجب هذه الخطة سيتشكل كيان للسنة غرب العراق، وثان للشيعة في الجنوب، فضلا عن إقليم كردستان في الشمال، مشيرا إلى أن مدن بغداد وكركوك والموصل ذات التنوع الديموغرافي شهدت تطهيرا جعلها مؤهلة بدورها لأن تنخرط في هذه الكيانات.
مراكز البحوث تروج للتقسيم:
وكانت هناك دراسة أصدرها مركز (سابن) بمعهد (بروكينجز للدراسات السياسية والإستراتيجية) في واشنطن، وأعدها جوزيف إدوار، وشاركه في إعدادها مايكل هانلون الباحث المتخصص في شئون الأمن القومي الأمريكي بالمعهد، حملت عنوان (حالة التقسيم السهل للعراق)، وحاولت الإجابة عن العديد من الأسئلة حول مدى إمكانية تطبيق الفيدرالية في العراق ونسبة النجاح مقارنة بالوضع الحالي، إلى جانب الصعوبات التي ستواجه الأطراف المختلفة إذا تم تطبيق هذا الخيار الذي أطلقت عليه الدراسة (الخطة ب).
وتقول الدراسة إن الواقع الحالي في العراق يجعل التقسيم أفضل الخيارات المتاحة، كما أن التجربة أثبتت عدم صحة المبدأ القائل إن العراقيين يريدون العيش معا داخل دولة واحدة ذات حكومة مركزية، حيث صوّت العراقيون في الانتخابات في السنوات الأخيرة وفقا لمصالح الطوائف التي يدينون لها بالولاء، إلى جانب أن العنف الطائفي كشف أن العراقيين يشعرون بالأمان حين يعيشون في منطقة معظم سكانها من نفس الطائفة، وهذا ما ظهر بوضوح خلال حركات النزوح التي قام بها آلاف العراقيين هربا من العنف.
وتقترح الدراسة بناء اثنين أو أكثر من المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي، بالتوازي مع منطقة الحكم الذاتي الكردية في الجزء الشمالي من البلاد، واحدة للمسلمين السنة والثانية للشيعة..وبعبارات أخرى، فإن العراق سيصبح فيدرالية أو كونفدرالية يحكم بشكل غير محكم من بغداد حيث تتولّى السلطة المركزية مراقبة مسائل مثل الدفاع الوطني والمشاركة العادلة لعائدات النفط بين المناطق الثلاث، تاركة للحكومات المحلية إدارة باقي المسائل.
ويقترح أوهانلون حلاّ من 7 خطوات للمساعدة على جعل المرحلة الانتقالية سلمية:
1- احتفاظ الولايات المتحدة بنحو 150 ألفا من جنودها في المستقبل القريب، ومن بعدها خفض هذا العدد إلى ما بين 50 ألفا و75 ألفا، يجب أن تبقى في العراق لسنوات عديدة مقبلة. 2- السعي لرسم حدود للمناطق وأين يجب رسم هذه الحدود. 3- وضع خطط لحماية المواطنين العراقيين أثناء قيامهم بعملية التموضع والانتقال بين المناطق. 4- وضع خطط لمساعدة العراقيين على أن يبدءوا حياتهم الجديدة بعدما يقومون بإعادة التموضع. 5- وضع خطط لكيفية تقسيم عائدات النفط. 6- العمل على إصدار بطاقات هوية للعراقيين تجعل من الصعب على إرهابيي القاعدة العمل في غرب بغداد للتسلل إلى الأحياء الشيعية المجاورة. 7- إعادة بناء المؤسسات.
ويمكن وصف تلك الخطوات بأنها (مرحلة الإنتاج) لتأتي بعدها (مرحلة الاستغلال)، وهي مرحلة لا زالت مستمرة إلى الآن، ومظاهر هذه المرحلة تتمثل في زيادة الصراع الطائفي في النواحي العقدية والسياسية والأمنية، بحيث إذا هدأ الصراع في جانب من الجوانب يبقى مشتعلاً في جانب آخر على الأقل؛ ليصل الأمر إلى نتيجة مفادها أن الحل هو تقسيم البلاد وعزل الطوائف عن بعضها في دويلات أو كيانات منفصلة.
والاقتتال الطائفي في ظل الاحتلال يعد الأسوأ في تاريخ العراق؛ وبالتالي فالاحتلال الأمريكي هو المتهم الأول في هذه الحوادث؛ كونه المسيطر على مفاصل الدولة السياسية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية، طبعاً بالاشتراك مع أطراف دولية وإقليمية متغلغلة داخل المجتمع العراقي..ولا يمكن استبعاد حوادث تفجيرات المزارات الشيعية والمساجد السنية والكنائس المسيحية من دائرة مسئولية الاحتلال فهو المستفيد الأول من هذه الحوادث التي تتلاءم مع أهدافه وخططه على الأقل الظاهرة فما بالك بالأهداف والخطط المستورة.
ولن تغرنا التصريحات والأقوال الأمريكية الرسمية حول المصالحة العراقية والاستقرار الأمني، فهي تخالف الواقع المشاهد. ورغم تراجع الاقتتال الطائفي والتحسن الأمني، لكنه في الجانب السياسي والعقدي لا زال الوضع على حاله مشتعلاً..ولن تستقر الأمور وتهدأ تماماً إلا إذا شمل الاستقرار كافة جوانب الصراع، وكف الأجنبي عن تدخلاته، وكف المتصارعون عن الاستعانة بالخارج..ولا شك أن تقسيم العراق طائفياً وعرقياً لن يحل مشكلة الصراع الداخلي بل سيزيده تعقيداً؛ لأسباب منها:
إن الانقسام سيضعف كل الكيانات؛ مما يجعلها دائماً مستعينة بالخارج ومحتاجة إليه، ومن مصلحة الأطراف الخارجية أن تظل هذه الكيانات ضعيفة لممارسة النفوذ، إضافة إلى أن الأطراف الخارجية لن تكون دائماً على وفاق؛ فينعكس التنافس الخارجي على الوضع الداخلي..أيضاً المصالح التي تغري البعض للمطالبة بالانفصال أو الاستقلال قد تكون مصدراً آخر للصراع، كما هو حاصل على نفط الشمال والجنوب، إلى جانب أن البعض الآخر سيتضرر، وهذا سيكون عامل توتر آخر..أيضاً لم يعد الصراع محصوراً بين الطوائف، بل أصبح موجوداً – إلى حد كبير- داخل كل طائفة..فهناك صراع شيعي/ شيعي حول هوية التشيع العراقي (عربي أو فارسي)، وخلاف حول الموقف من الاحتلال، وصراع على المصالح، وصراع على الزعامات أيضاً.
وداخل الطائفة السنية زرع الاحتلالُ بؤراً للصراع الداخلي، تمثلت في مجالس الصحوة التي أنشأها الأمريكيون بحجة محاربة تنظيم القاعدة. وتحولت هذه المجالس إلى مصدر للقلق بين العشائر السنية، إضافة إلى النزاع بين هذه المجالس والحكومة حول التوظيف والتجنيد، وقد انعكس هذا النزاع سلباً على سُنة العراق، وهذا ما حصل قبل أشهر عندما شنت الحكومة العراقية (الطائفية) حملة عسكرية دموية ضد مساكن عراقيين سُنة بحجة البحث عن عناصر متمردة في مجالس الصحوة..أما الأكراد في الشمال فتاريخهم مشحون بالصراع الداخلي وإلى عهد قريب جداً، وأساس الصراعات التنافس على النفوذ والموارد..إضافة إلى أن تركيا لن تسمح بوجود دولة كردية بجوارها، وهي على استعداد لأن تكتسح كردستان العراق بمجرد إعلان دولة كردية مستقلة حسب قول محمد حسنين هيكل في إحدى حواراته مع قناة الجزيرة.
تفتيت باكستان:


عندما ظهرت باكستان للوجود في عام 1947م عقب استقلال شبه الجزيرة الهندية عن الحكم البريطاني وتقسيمها إلي دولتين: الأولى هي الهند وتضم سكان شبه الجزيرة من الهندوس، والثانية باكستان التي تضم سكانها من المسلمين والبالغ عددهم في ذلك الوقت 76 مليون نسمة..ولم تكن أراضي باكستان متصلة جغرافيا عند نشأتها ولكنها كانت مقسمة إلى إقليمين: هما باكستان الشرقية - وغالبية سكانها من المسلمين البنغال - وباكستان الغربية التي تضم خليطا من الأعراق والقبائل المختلفة، مثل الباشتون والبلوش والبنجابيين المسلمين، ويفصل بين الإقليمين مساحة تمتد إلى 1500 كم من الأراضي الهندية.
وفي عام 1971 تآمرت الهند مع مجيب الرحمن زعيم باكستان الشرقية للقيام بحرب انفصالية عن باكستان الأم، كانت نتيجتها ظهور دولة بنجلاديش مقتطعة مساحة نسبتها 14.9% من إجمالي مساحة باكستان الأصلية، في حين احتفظت دولة باكستان الحالية بـ85.1 % من المساحة الأصلية بمساحة إجمالية قدرها 997 ألف كم2..وفي حين كانت باكستان الشرقية - بنجلاديش حاليا - متحدة عرقيا، حيث كان البنغال يمثلون 98.4 % من إجمالي سكانها، فإن باكستان الحالية ضمت خمس مجموعات عرقية شكلت تداخلا واسعا بين باكستان والدول المحيطة بها، إذ مثل البنجاب 26.2 % من إجمالي سكان باكستان قبل الانفصال وفقا لإحصاء عام 1961م، ومثل الباشتون 6.8%ن والسند 5%، أما الأُرديون فقد مثلوا 3.3%، فضلا عن مجموعة من الأقليات العرقية المختلفة مثل الهندوس والسيخ والتاميل يمثلون 2%.
ولعل أهم ما يميز التركيبة العرقية والقبلية في باكستان هو ذلك التمايز الجغرافي الذي تتصف به هذه المجموعات، حيث تتمركز كل مجموعة عرقية في إقليم خاص بها، ففي إقليم البنجاب يمثل العرق البنجابي حوالي 95% من سكانه، ويمثل الباشتون 90% من سكان شمال غرب باكستان، بينما يمثل متحدثو لغة السند ما بين 95-97% من سكان إقليم السند..هذا الخليط من القوميات العرقية يهدد - بسبب التدخلات الأجنبية - وحدة الدولة الباكستانية، وقد قال الكاتب الأمريكي سليغ هاريسون إن الضغوط الأمريكية للقيام بعمل عسكري حيال طالبان وحلفائها من (القاعدة) تزيد من تفاقم هذا المزيج.
وتاريخياً كانت التدخلات الأجنبية سبباً رئيسياً في تقسيم قبائل تلك المناطق، فقد كانت قبائل الباشتون - قبل الاحتلال الإنجليزي - تعيش في إقليم جغرافي متصل يمتد داخل أفغانستان والهند، وكانوا موحدين سياسياً، وكان ملوك الباشتون هم من أسسوا أفغانستان، وبسطوا نفوذ حكمهم على نطاق 40 ألف ميل مربع.. إلى أن قام الإنجليز باستئجار هذا الإقليم من حكومة كابول عام 1893م لمدة 100 عام في أعقاب احتلالهم شبه القارة الهندية، إذ قاموا بابتداع ما يعرف بخط (ديوراند)، الذي ضم أجزاءً من الأراضي الأفغانية ومن ثم سلموه إلى باكستان؛ مما أدى إلى تقسيم الباشتون - العرقية الأولى في المجتمع الأفغاني- بين البلدين. ولكن هذا الخط لم تقبل به أفغانستان مطلقاً، فمنذ ذلك الحين، وعلى فترات متنوعة، عارضت الحكومات الأفغانية أحقية باكستان في بسط نفوذها وحكم مناطق الباشتون.
حتى طالبان - أثناء حكمها - رفضت الاعتراف بخط (ديوراند) الحدودي على الرغم من ضغوط إسلام آباد. كما رفض الرئيس الأفغاني الحالي حميد كرزاي الاعتراف به أيضا، ووصفه بأنه "خط الكراهية الذي يضع حاجزاً بين الأشقاء"، على حد قول الكاتب الأمريكي سليغ هاريسون في صحيفة (الشرق الأوسط) 6/6/2009م..وتشهد منطقة القبائل حاليا في شمال غرب باكستان دعوة قومية من جانب الباشتون - تقودها الحركة القومية الباشتونية - تطالب بإقامة (باشتونستان الكبرى) بحيث تضم كل الباشتونيين الموجودين في المنطقة بأسرها.
ومما يدفع الباشتون إلى تبني هذه النزعة هو الحرب التي يشنها الجيش الباكستاني حالياً على طالبان؛ والسبب هو أن الجيش الباكستاني يتألف من البنجابيين، فيما تتألف طالبان كلية من الباشتون، وعلى مدار قرون طويلة، حارب الباشتون القاطنين بالمناطق الحدودية الجبلية بين باكستان وأفغانستان، لإسقاط وطرد الغزاة من سكان السهول البنجابية. ومن ثم، فإن إرسال الجنود البنجابيين إلى إقليم الباشتون لمحاربة الجهاديين، يدفع البلاد كاملة إلى شفير الحرب الأهلية العرقية، كما سيقوي من عاطفة الباشتون لتكوين دولة باشتونستان مستقلة لهم، ومن شأن حدوث ذلك تأسيس دولة تضم 41 مليون نسمة، على امتداد رقعة كبيرة من الأرض في باكستان وأفغانستان.
والشيء الوحيد الذي يوحد الباكستانيين هو الإسلام، حيث يعتبر الباكستانيون أن الدين الإسلامي هو المقوم الأساسي الجامع للأمة الباكستانية؛ إذ نظرا للتنوع العرقي واللغوي الكبير للشعب الباكستاني، فإنه لم يتبق له أي رابط مشترك ومجمع سوى الدين الإسلامي.. إلا أن الاختلافات العرقية والمذهبية في باكستان - التي يبلغ عدد سكانها 156 مليون نسمة - ظلت رغم ذلك عاملا مؤثرا في علاقاتها بالدول المجاورة، لاسيما الهند وأفغانستان وإيران، بحسب موقع (مفكرة الإسلام). ففي حين تسيطر الأغلبية السنية علي الحكم في باكستان فإن الشيعة الباكستانيين لا يكفون عن افتعال المواجهات مع السنة عامة، وفي إقليم البنجاب بصفة خاصة، وذلك بدعم من إيران الجارة الشيعية لباكستان، بينما السيخ الذين يمثلون أقلية ضئيلة لهم امتدادهم في ولاية البنجاب الهندية التي تسكنها أغلبية من السيخ، ويعدون أحد العوامل المغذية للتوتر المستمر بين الهند وباكستان؛ نظراً لدعمهم المستمر للحركات الانفصالية لطائفة السيخ بولاية البنجاب الهندية.
الرؤية الأمريكية:
تحدثت كثيراً مراكز البحوث الأمريكية عن الوضع الباكستان ومستقبل الدولة التي يتهددها التقسيم. ومن ذلك التقرير الذي أصدرته مؤسسة (راند للأبحاث)- المعروفة بارتباطاتها القوية بالمؤسسات العسكرية الأمريكية - في 14 أغسطس 1999م ذكرت فيه أن باكستان الإسلامية سيسودها الانفلات الأمني والقلاقل المختلفة مع حلول عام 2010م. تحديد هذا التاريخ يثير التساؤلات والشكوك حول ما يحدث حالياً في وادي سوات من موجهات عنيفة بين الجيش الباكستاني وطالبان بفعل الضغوط الأمريكية والهندية الممارسة على الحكومة الباكستانية.
وحسب التقرير فإنه بعد عام 2010م، تتحول باكستان إلى دولة تتناحر فيها الجماعات العرقية والدينية والطائفية وتسود فيها النعرة العرقية، وتؤدي إلى تفكيكها إلى إمارات صغيرة في كل من السند وسرحد وبلوشستان والبنجاب وستحولها هذه الصراعات إلى دولة فاشلة، وسينتهي حلم باكستان بإبقائها دولة موحدة في عام 2020م حسب التقرير الأمريكي، وبذلك يكون هذا التاريخ هو نهايتها وتغيب دولة باكستان عن خريطة العالم، لتتحول إلى دويلات صغيرة منها: دولة السند ودولة البشتون، ودولة بلوشستان..وقريب مما جاء في تقرير راند أصدرت مؤسسة (ريجان للدراسات) - القريبة من التيار الصهيوني - تقريرًا في عام 2007م تحدثت فيه عن أن باكستان مهددة بالقلاقل الأمنية بعد عام 2010م. وأن الصراعات الطائفية والعرقية ستنخرها في الأعوام القادمة، وتجعل الداخل مهددًا..وحسب هذا التقرير الأمريكي فإنه بعد عام 2010م تتحول باكستان إلى دولة تتناحر فيها الجماعات العرقية والدينية والطائفية، وتسود فيها النعرة العرقية وتؤدي إلى تفكيكها بين جماعات سندية وبشتونية وبلوشستانية وبنجابية وستهددها كدولة وأمة.
أفغانستان وخطر التقسيم:


وعلى خطى باكستان تهدد أفغانستان مخاطر التقسيم العرقي؛ كونها أيضاً تضم مجموعة من العرقيات (البشتون - الطاجيك - الأوزبك - الهزارة، وغيرها). وفي ظل عدم وجود دولة قائمة وقوية، تبقى نزعات الانفصال العرقي خطراً على البلاد، يضاف إلى ذلك وجود الاحتلال الأجنبي الذي اعتاد على إضعاف أي بلد محتل بتدميره وزرع بذور الصراع الداخلي..يقول الباحث في مؤسسة راند الأمريكية جراهام فولر - في مقالة للجزيرة نت - إن أحداث السنوات العشرين الأخيرة تهدد أفغانستان بخطر التقسيم بين المجموعات العرقية المختلفة، ويدعم هذا الاتجاه عدة أمور، من بينها:
* كل جماعة من المجاهدين كانت خلال الحرب الأهلية تستمد تنظيمها بشكل رئيسي من مجموعة عرقية معينة.
* على مدى أكثر من عشرين عاما، لم تكن هناك حكومة مركزية مقبولة تمثل جميع الأفغان.
* كانت أفغانستان مفصولة عن شعوب آسيا الوسطى خلال حكم الشيوعيين وفترة (الستار الحديدي)، لكن انهيار الاتحاد السوفياتي أوجد دولاً عرقية جديدة شمالي أفغانستان من بينها أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان. وربما يفضل الأوزبك والطاجيك والتركمان في أفغانستان الاتحاد في نهاية المطاف مع تلك الدول في الشمال إذا لم يكن هناك نظام في أفغانستان يحميهم ويدعم مصالحهم.
* عودة تحالف الشمال إلى كابل الآن يقوي مرة أخرى غير البشتون على البشتون.
* كل دولة حول أفغانستان لها أتباعها الخاصون بها من الأفغان: أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان، وإيران (تدعم الشيعة الهزارة) وباكستان (تدعم البشتون).
ولكن الشيء الذي لم يذكره الباحث الأمريكي هو أن الاحتلال الغربي لأفغانستان ساهم في تعزيز النزعة العرقية، فالدعم الغربي لتحالف الشمال ضد طالبان عسكرياً وسياسياً لا شك أنه سيساهم في زيادة حدة الخصومية بين البشتون وقبائل الشمال؛ مما يدفع البلاد إلى حروب عرقية ما لم توجد دولة توفر تضمن الحقوق العادلة للجميع، وهذا لن يحدث قطعاً في ظل الاحتلال القائم.
التدخلات الأجنبية في إندونيسيا:


يقول مدير معهد البحوث والدراسات الآسيوية في كلية العلوم السياسية (جامعة القاهرة) الدكتور محمد السيد سليم - في دراسة للجزيرة نت - تعتبر إندونيسيا من أوائل البلاد الإسلامية التي تعرضت لتدخلات القوى الاستعمارية، مما خلفت آثاراً مهمة على السياسة الإندونيسية المعاصرة تمثلت في الطابع التقليدي للسياسة والحكم وتهميش دور الإسلام في النظام السياسي لجاكرتا.
وبعد الاستقلال دخلت إندونيسيا معترك السياسة الدولية، وتأثرت حركتها السياسية الداخلية بأنماط التدخلات الأجنبية. فبعد انتهاء الحرب الباردة سنة 1991 عادت التدخلات الأجنبية لتطرح آثارها بشدة على إندونيسيا، ويتمثل ذلك في الأزمة المالية الإندونيسية، وأزمة انفصال تيمور الشرقية، وتفاقم الصراع الإسلامي المسيحي في إندونيسيا، ودور البعثات التبشيرية في إذكاء الصراع الطائفي في تلك الدولة.
فقد بدأ التدخل الأجنبي في إندونيسيا أوائل القرن السادس عشر؛ نظراً لثراء بعض الجزر الإندونيسية وهي جزر الملوك (أو جزر التوابل)، ورغبة الدول الأوروبية في الحصول على تلك الموارد. وقد تمركز البرتغاليون منذ سنة 1516م في منطقة ملقا على الساحل الغربي لشبه جزيرة الملايا، ومن هذا الموقع حاولوا السيطرة على مناطق إنتاج التوابل في الجزر الإندونيسية. ونتيجة للتدخل البرتغالي ظهرت مجموعة من الإمارات الإسلامية (حيث إن الإسلام كان قد انتشر في الجزر الإندونيسية مع نهاية القرن الثالث عشر) حاولت الرد على هذا التدخل ونجحت في ذلك.
وفي أوائل القرن السابع عشر ظهر الهولنديون على المسرح في الجزر الإندونيسية في إطار شركة الهند الشرقية الهولندية التي تأسست سنة 1602م.. ومن خلال استعمال القوة المسلحة والتحالفات مع القيادات المحلية استطاع الهولنديون أن يمدوا نطاق الهيمنة الهولندية؛ مما أدى إلى منع الإمارات الإسلامية الإندونيسية من الاشتغال بالتجارة الدولية للتوابل، واستطاعت الشركة الهولندية أن تحتكر تجارة التوابل حيث سمحت بزراعة التوابل في جزر آمبون وباندا وحظرتها في الجزر الأخرى. كذلك أدخلت الشركة نظام التوريد الإجباري للمحاصيل، ولتحقيق ذلك شجعت الهجرة الصينية إلى الجزر الإندونيسية، إذ تعاون معها التجار الصينيون. ويعد ذلك بداية وجود الأقلية الصينية في إندونيسيا التي أصبحت فيما بعد إحدى القوى الاقتصادية المحورية في إندونيسيا، وأداة من أدوات التدخل الأجنبي في الشأن الإندونيسي.
من ناحية أخرى أدى التدخل الهولندي في شؤون إمارة ماترام الإسلامية في وسط جاوا إلى تقسيم تلك الإمارة سنة 1755م إلى قسمين سوراكرتا ويوجياكرتا. ومع تدهور شركة الهند الشرقية الهولندية وإفلاسها في نهاية القرن الثامن عشر، ثم حل الشركة سنة 1799م واستيلاء الحكومة الهولندية على أملاكها في الجزر الإندونيسية، تم تدشين التدخل الهولندي الصريح..وفي سنة 1927م كون بعض الزعماء الإندونيسيين مثل أحمد سوكارنو، ومحمد حتي (الحزب القومي الإندونيسي)، وقد طالب الحزب لأول مرة بالاستقلال الكامل عن هولندا.
وإبان الحرب العالمية الثانية أصبحت إندونيسيا مسرحا للتنافس الاستراتيجي بين القوى المتحاربة، ففي عام 1942م احتلت اليابان الجزر الإندونيسية. وقد أسهم الاحتلال الياباني في تقوية الحركة القومية الإندونيسية، إذ إن اليابانيين أعطوا سوكارنو قدراً من الحرية السياسية في محاولة منهم لاجتذاب ولاء الإندونيسيين. كذلك أنشأ اليابانيون مليشيات إندونيسية مدربة عسكرياً في جاوا وبالي وسومطره لمساعدتهم في مواجهة احتمالات هجوم الحلفاء على إندونيسيا. وقد أصبحت تلك المليشيات نواة الحركة القومية الإندونيسية المسلحة بعد الحرب. كذلك أقام اليابانيون نظاماً للحكم الذاتي..وفي 17 أغسطس سنة 1945 أي بعد يومين من استسلام اليابان أعلن سوكارنو وحتي استقلال إندونيسيا وأصبح الأول رئيسا للجمهورية والثاني نائباً له.
رغم طول فترة التدخل الأجنبي في إندونيسيا فإنها ظلت تقريبا تحت حكم دولة واحدة هي هولندا، مما أنشأ روابط قوية بينهما ما زالت مستمرة حتى اليوم. فلم تتعرض إندونيسيا لصراعات القوى الأجنبية حولها باستثناء فترة الاحتلال الياباني أثناء الحرب العالمية الثانية.
من ناحية أخرى فقد أدى الاحتلال الهولندي إلى تحويل المسلمين في إندونيسيا إلى مواطنين من الدرجة الثالثة في السلم الاجتماعي، حيث احتل الأوروبيون المرتبة الأولى، ومثل الصينيون المرتبة الثانية. وأصبح من يمثلون الدرجتين الأولى والثانية هم صلب النخبة الإندونيسية، واستمر هؤلاء يشكلون نواة النخبة الحاكمة حتى بعد الاستقلال. وفي هذا الإطار جرى الترويج لفكرة أن وحدة إندونيسيا تستند إلى تهميش دور الدين الإسلامي. ولذلك فإن الدستور الإندونيسي الصادر بعد الاستقلال والذي مازال قائما لا يشير إلى الإسلام من قريب أو بعيد، وإنما يشير إلى أن إندونيسيا تقوم على مبادئ البانجاسيلا وهي مبادئ خمسة (الربانية، الإنسانية، والوحدة، والعدالة، والشورى).
وفي ظل الاحتلال الهولندي بدأت عمليات التنصير المسيحي بين المسلمين، واستمرت تلك العمليات حتى بعد الاستقلال. وذهبت إلى حد محاولة تنصير أول وزير إندونيسي للشؤون الدينية بعد الاستقلال وهو محمد رشيد. ويمكن أن نلمس هنا جذور العلاقات العدائية بين المسلمين والمسيحيين في إندونيسيا حيث يشكل المسلمون 88% على الأقل من السكان.. وابتداء من سنة 1997 بدأت إندونيسيا تشهد نمطا جديداً من التدخلات الأجنبية يجمع بين خصائص التدخل الاستعماري التقليدي الهادف إلى السيطرة على الموارد الطبيعية وخصائص الصراع الحضاري الإسلامي المسيحي الهادف إلى إبعاد إندونيسيا عن العالم الإسلامي وتسهيل عملية التبشير المسيحي فيها والتقريب بين إندونيسيا وإسرائيل. وقد تمثلت تلك التدخلات في اندلاع الأزمة المالية الإندونيسية سنة 1997م، وتغاضي الغرب عن سقوط حليفه الاستراتيجي سوهارتو سنة 1998م، ثم ضغوط الغرب على إندونيسيا للقبول باستقلال تيمور الشرقية عنها.
وكانت أمريكا - خلال الحرب الباردة - تنتهج سياسة مختلفة بغرض كسب إندونيسيا في مواجهاتها للاتحاد السوفييتي، فقد دبرت انقلابا ضد سوكارنو تزعمه قائد الجيش الإندونيسي آنذاك سوهارتو. وقد قام الأخير بتصفية الحزب الشيوعي الإندونيسي تصفية دموية كاملة. ومقابل ذلك ساندت الولايات المتحدة حكم سوهارتو، بل وتغاضت عن ضمه تيمور الشرقية سنة 1975م، وعن حكمه الدكتاتوري. وقامت الولايات المتحدة بمنح المعونات إلى إندونيسيا مما أدى إلى تحويلها لتكون إحدى دعائم النفوذ الغربي في جنوب شرق آسيا.
الأزمة المالية الإندونيسية:
في يوليو1997م شهدت تايلاند هبوطا مفاجئا في أسعار عملاتها وأوراقها المالية، وما لبث هذا الهبوط أن انتشر إلى دول أخرى في جنوب شرق آسيا أبرزها إندونيسيا..وللتعامل مع الأزمة وافق الرئيس الإندونيسي سوهارتو على التوقيع على اتفاق مع صندوق النقد الدولي يقوم الأخير بموجبه بتوفير قروض من مصادر مختلفة قيمتها 43 مليار دولار لمساعدة إندونيسيا على الخروج من الأزمة مقابل التزام إندونيسيا "بروشتة" الإدارة الاقتصادية التي يقدمها الصندوق للجميع، وهي تحرير التجارة الخارجية، وتخفيض التعريفات الجمركية، والإسراع في الخصخصة بالسماح للشركات الأجنبية بشراء الشركات المحلية، وإلغاء مشروعات التصنيع الكبرى في إندونيسيا، ولما تفاقمت الأزمة في يناير1998م حاول سوهارتو أن يتحلل من بعض التزاماته إزاء الصندوق، ولكن قادة الدول الغربية الكبرى (الولايات المتحدة، وأستراليا، وألمانيا) واليابان تدخلوا بشكل فوري وشخصي لحث سوهارتو على الالتزام باتفاقه مع الصندوق رغم الآثار الاجتماعية السيئة التي كان الاتفاق قد أثمرها.
وقد اختلف الباحثون حول تحديد مصادر الأزمة المالية الآسيوية عموما. وعزا بعضهم هذه الأزمة (وفي مقدمتهم مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا، وساكاكيبارا نائب وزير مالية اليابان السابق) إلى تدخل الولايات المتحدة من ناحية، والخطأ الذي ارتكبته الدول الشرق آسيوية بالاندماج المبكر مع تيار العولمة. هذا بينما عزا البعض الآخر الأزمة (مدرسة صندوق النقد الدولي عموما) إلى خطأ الأصول الاقتصادية التي تأسست عليها النماذج الشرق آسيوية للتنمية.
والراجح - في رأي الدكتور محمد سليم - أن الأزمة المالية الإندونيسية لم تكن بعيدة عن مخططات القوى الغربية مستعملة صندوق النقد الدولي واجهة للتدخل، وأن الهدف كان هو السيطرة على الاقتصاد الإندونيسي من خلال إجبار إندونيسيا على فتح أسواقها أمام التجارة الغربية وشراء الشركات الإندونيسية التي تضررت من الأزمة، ودفع إندونيسيا إلى إيقاف مشروعاتها الاقتصادية العملاقة (كبناء الطائرات والتصنيع الحربي).
التدخل الأجنبي ومشكلة تيمور الشرقية:
يواصل الدكتور محمد سليم حديثه قائلاً: تعتبر مشكلة تيمور الشرقية نموذجا لأثر التدخلات الأجنبية في الشأن الإندونيسي من ناحية، ولازدواجية المعايير في "النظام العالمي الجديد" من ناحية أخرى..ففي سنة 1975 انسحبت البرتغال من مستعمرة تيمور الشرقية التي تقع إلى الجنوب الشرقي من إندونيسيا، وقد سلمت البرتغال السلطة في تيمور الشرقية للجبهة الثورية لتيمور الشرقية (فريتلين). ولكن حكومة سوهارتو في إندونيسيا قامت بالاستيلاء على تيمور الشرقية في ديسمبر من السنة نفسها، وقامت بضمها باعتبارها المحافظة الرابعة والعشرين.
لم تساند الولايات المتحدة وأوروبا فريتلين في السعي نحو الاستقلال، وساندت إندونيسيا بالسكوت. وقد كان ذلك راجعا إلى ظروف الحرب الباردة؛ حيث كانت إندونيسيا أحد أركان النفوذ الأمريكي في منطقة جنوب شرق آسيا بعد أن قام سوهارتو بتصفية الحزب الشيوعي الإندونيسي سنة 1965م،وقد حدث ذلك رغم أن أغلبية سكان تيمور الشرقية من المسيحيين.
بعد اختفاء الاتحاد السوفييتي فقدت إندونيسيا تدريجيا قيمتها الإستراتيجية للولايات المتحدة. ومن ثم فإن الأخيرة وأوروبا وأستراليا بدأت تساند حركة استقلال تيمور الشرقية، وتمارس ضغوطا على إندونيسيا للموافقة على منح تيمور الشرقية الاستقلال. وقد انتهزت الدول الغربية فرصة الهزة الاقتصادية التي أصابت إندونيسيا نتيجة الأزمة المالية ثم توقيعها على اتفاق مع صندوق النقد الدولي يوفر أداة للضغط الاقتصادي عليها، انتهزت ذلك كله للضغط على حكومة الرئيس يوسف حبيبي للموافقة على مبدأ استقلال تيمور الشرقية.
ولعل من أهم الشواهد على ذلك هو أنه في اليوم الذي أعلن فيه الرئيس السابق حبيبي موافقته في 28 أبريل 1999م على تحديد موعد للاستفتاء حول مستقبل تيمور الشرقية في 8 أغسطس 1999م وافق البنك الدولي للإنشاء والتعمير على تقديم قرض لإندونيسيا قيمته 600 مليون دولار. وتحت إشراف دولي أجري استفتاء في تيمور الشرقية في أغسطس1999م أسفر عن رغبة 78% من السكان في الاستقلال، وهو ما اضطرت إندونيسيا إلى التسليم به.
إن أهمية هذا التطور هو أنه فتح الباب على مصراعيه للحركات الأخرى الراغبة في الاستقلال، وخاصة الحركات المتمركزة في إقليم آتشه وجزر آمبون وجزر الملوك، مما أدى إلى دخول إندونيسيا في دوامة العنف السياسي التي مازالت تعاني منه حتى اليوم..من ناحية أخرى فإن استقلال تيمور الشرقية لم يكن كافيا لدى الغرب، وإنما بدأ يطالب بمحاكمة القادة العسكريين الإندونيسيين المتهمين بقمع حركة الاستقلال في تيمور الشرقية. وكانت المطالبة هي أن تتم المحاكمة أمام محكمة دولية، وهو ما رفضه الرئيس الإندونيسي حبيبي، ولكن خليفته عبد الرحمن واحد اضطر إلى التضحية بوزير الدفاع ويرانتو وبعض القادة العسكريين للتخفيف من الضغوط الغربية.
ومن المفيد أن نقارن بين الضغوط التي مورست على إندونيسيا للتسليم باستقلال تيمور الشرقية وإجراء استفتاء تحت حماية دولية، ورفض الغرب أن يمارس أي ضغط على إسرائيل للتسليم باستقلال فلسطين أو مجرد إرسال قوة حماية دولية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة..كذلك فإنه لأول مرة قبلت إندونيسيا أن تجرى الانتخابات التشريعية التي أجريت في يونيو 1999م تحت إشراف 500 مراقب دولي كان منهم الرئيس الأمريكي السابق كارتر.
ختاماً:
ذكرتُ في الجزء الأول أن الأديان والمعتقدات والأجناس جزء من طبيعة الحياة البشرية، فلا مناص من تنوع المعتقدات والأفكار وتعدد الاتجاهات، واختلاف التوجهات، والعبرة هي كيفية التعامل مع المخالف بما يحقق الأمن والاستقرار للناس، بدرء المفاسد وجلب المصالح، وهو مقصد الشرع الإسلامي.
فالمشكلة الكبرى هي أن يتحول هذا التعدد والتنوع إلى بؤر مشتعلة تحرق ذاتها وغيرها، وهناك أسباب وعوامل داخلية وخارجية تخلق هذا المناخ الملتهب، فالأهواء والتصورات الخاطئة والجهل وتضارب المصالح، وغياب العدل والتدخلات الاستغلالية.. وغيرها، هي جملة من تلك الأسباب الخاطئة والعوامل السيئة..ومن بين أسوأ هذه العوامل التدخلات الخارجية الاستغلالية، مع العلم أن التدخل الخارجي لا يمكن له أن ينجح إلا بعد أن تصبح البيئة الداخلية المستهدفة مهيأة لهذا التدخل بفعل العوامل الذاتية.
والمجتمع الإسلامي من أكثر المجتمعات عرضة للتدخلات الخارجية منذ صدر الإسلام، وقد أنعم الله على المسلمين بكافة وسائل الدفاع التي تحصنهم }واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا{، [المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً]..وأرشدهم الله تعالى إلى كيفية الحفاظ على ذلك: }واعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا{. فحبل الله هو العاصم الوحيد من الفرقة وتبعاتها.
إذاً، كانت البداية إلغاء أسباب العداء ومظاهره (الصراع والضعف والفرقة) بواسطة الإسلام، فتحول الحال إلى الضد (الأخوة) ومظاهرها (التآلف والتكاتف)؛ أي تغير الأمر – كما يقال - من (التآكل) إلى (التكامل)، وبتآلف القلوب صفت النفوس وازدهرت العقول؛ فأصبح المجتمع شديد البنيان لا يضره معول الهدم. وظهر أثر ذلك في التاريخ الإسلامي العظيم..ولكن للأسف عادت مظاهر ما قبل الإسلام: ترك المسلمون حبل الله العاصم، فتفرقوا، فغزى الجهلُ العقلَ فتاه، وغزت الأهواء القلوب فهوت وخلت؛ فوجد العدو قلباً خالياً فتمكن، وعقلاً تائهاً فتحكم، وبنياناً متصدعاً فهدّم، ومجتمعاً مفككاً فهيمن. فعادت المشكلة إلى أصلها (رجعتم أعداء).. وبين (كنتم) و(رجعتم) نظل في الماضي.. ولا عزاء للضعفاء.
المصادر:
- الإستراتيجية الإسرائيلية إزاء شبه الجزيرة العربية – إبراهيم خالد عبد الكريم – مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية -ط2000 - صدام الحضارات إعادة صنع النظام العالمي – صامويل هنتنجتون – ترجمة طلعت الشايب- ط ثابتة 1999م - الجزيرة العربية والنظام العالمي الجديد – عبد الجليل محمد حسين كامل- ط 2003م.
حلف الأطلنطي – مهام جديدة في بيئة أمنة مغايرة – الدكتور عماد جاد – مركز الدراسات السياسية الإستراتيجية في مؤسسة الأهرام- القاهرة / مصر.
- الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم – دراسة تاريخية دينية سياسية اجتماعية – سعد رستم- ط 2004م.
* المجلة / 1463 – 24 /2 /2008م * المجلة / 1468 – 3 /3 2008م * نيوزوبك / 432 – 30 9 / 2008م * صحيفة (لوموند ديبلوماتيك) الفرنسية ( الطبعة العربية) – يونيو 2009م * المستقبل العربي 345 – نوفمبر 2007م * المستقبل العربي 347 – يناير 2008م * المستقبل العربي 357 – نوفمبر 2008م * المستقبل العربي 364 – يونيو 2009م * نيوزويك العدد 143 – 11 / 3 / 2003م - التقرير الارتيادي الإستراتيجي الثاني (مجلة البيان).

المصدر : http://www.awda-dawa.com/pages.php?ID=12420
إسم الموقع : مآساتنا و الحل عودة و دعوة
رابط الموقع : www.awda-dawa.com
رد مع اقتباس