عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 02-04-2009, 01:58 AM
أم مريم* أم مريم* غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

وأخبرنا الموظف بأنّ جواز السفر يجب أن يُوثّق من المدينة التي وُلدت فيها زوجتي.

فاعتبرنا أنّ هذه فرصة لزيارة أهلها. عندما وصلنا هناك استأجرنا غرفة، ثم وثّقنا جواز السفر، وبعد ذلك

ذهبنا لزيارة أهلها. وعندما فتح أخوها الباب فرح برؤية أخته، مع أنه اندهش لما كانت ترتديه.

أما زوجتي فدخلت ضاحكةً مُعانقةً أخاها ودخلتُ وراءها... ثم دخلا معاً إلى غرفةٍ أخرى.

كان البيت متواضعاً، وسادت في المكان مظاهر الفقر.

كانوا كلهم في الغرفة الأخرى يتحدَّثون الروسيّة فلم أفهم ما كان يُقال، ولكني لاحظت بأنّ الأصوات آخذةٌ في

الارتفاع. ثم سُمِع صراخٌ قويٌ في الغرفة التي كانوا فيها: شبان ثلاثةٌ ومعهم رجلٌ كبير السن.

وبدلاً من الترحيب بي كصهرٍ لهم انهالوا عليَّ ضرباً، حتى ظننت بأنّ تلك اللحظات ستكون الأخيرة في

حياتي. ولم يكن أمامي إلا خيارٌ واحدٌ... فتحت الباب وهربت إلى الشارع وهم يعدون خلفي، ثم اختلطت

بالمارَّة واختفيت عن أنظارهم. ذهبت إلى النُّزل الذي كنا نسكنه والذي لم يكن بعيداً عن منزل أصهاري.

كانت آثار اللكمات على جبهتي وأنفي، وكان الدم ما زال يتدفّق من فمي، وملابسي كانت ممزقة.

فكرت في نفسي: "لقد نجوت منهم، ولكن ما هو حال زوجتي الآن؟ إنني لا أستطيع العيش بدونها... فأنا

أحبها كثيراً. ربما ستنتحر؟ أو أن تتركني؟ أو سترتدُّ عن الإسلام؟". بالتأكيد، كان الشيطان يقوم بالوسوسة

في تلك اللحظات خير قيام.

فدارت الأفكار في رأسي حتى سلّمت بأن زوجتي ضاعت مني. "ماذا أفعل؟ هل أعود إلى بيتها؟! مستحيل! إن

حياة الإنسان في هذه البلاد رخيصة! فمن الممكن أن يستأجروا رجلاً يقتلني مقابل عشرة دولارات.

إذن يجب أن أبقى في الغرفة...". وهكذا بقيت غارقاً في الوساوس طيلة تلك الليلة. وفي الصباح بدّلت

ملابسي وخرجت لتقصّي ما آل إليه حالها. راقبت ما كان يحدث حول البيت من بعيد. ثم بعد قليل فُتح الباب

وخرج من البيت أربعة رجال، إنهم أولئك الذين ضربوني بالأمس؛ الشبان الثلاثة والرجل المسن. ونظرت

قبل أن يُغلق الباب مُحاولاً رؤية زوجتي... لكني لم أرها. ثم عاد الرجال إلى البيت بعد وقتٍ قصير. وبقيت

أتمشّى في الشارع لساعاتٍ طوالٍ دون جدوى. وكرّرت ذلك لمدّة ثلاثة أيام. ثم فقدت الأمل وفكرت في

نفسي: "إما أن زوجتي كرهتني، أو أنها ربما قُتلت. لكنها لو ماتت فإنني كنت سألاحظ حركة في البيت، أو

زياراتٍ من الأقارب. إذن هذا يعني أنها ما زالت على قيد الحياة!".

في اليوم الرابع -وبعد أن خرج الرجال إلى أعمالهم- فُتح الباب وظهرت زوجتي باحثةً بنظرها يَمْنةً

ويَسرة، وكان وجهها مُحمرّاً تماماً ومُغطّى بالدماء، وعندما اقتربت منها أصابني الهلع لما رأيت، فلم تكن

تلبس إلا خرقةً باليةً كانت تُغطي جسمها، وكانت مُكبّلة اليدين والقدمين. نظرت إليها بإشفاقٍ ولم أستطع أن

أتمالك نفسي فأخذت أبكي. فقالت لي: "اسمع يا زوجي العزيز، أولاً: لا تقلق لحالي، فأنا ما زلت على

إسلامي. ووالله إنّ هذا الذي أعانيه الآن من العذاب لا يساوي قَدْر شعرةٍ مما عاناه رسول الله صلى الله عليه

وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم والمؤمنون من قبلهم. ثانياً: أرجوك يا زوجي العزيز، لا تتدخّل

فيما يحدث بيني وبين أهلي. وثالثاً: انتظرني في النُّزل حتى أوافيك هناك إن شاء الله تعالى! وصلِّ لله تعالى

وادعه ما استطعت في الثلث الأخير من الليل حين تكون الفرصة أكبر لاستجابة الدعاء".

رجعت إلى غرفتي... ومضى اليوم الأول والثاني، وفي آخر اليوم الثالث طُرق الباب. "من تُراه يكون

الطارق؟" ثم اخترق صوت زوجتي السكون قائلة: "هذا أنا... افتح الباب!" وما أن فتحت الباب حتى قالت:

"هيا بنا، يجب أن نتحرك على الفور". فلبست جلبابها الاحتياطي الذي كان في حقيبتها، ثم خرجنا وأوقفنا

سيارة أجرة، فقلت للسائق: "المطار"، لأني كنت قد تعلمت هذه الكلمة بالروسية. لكنها قالت: "لا! فإن أهلي

سيبحثون عني هناك. لذلك يجب علينا التوجُّه عبر إحدى القرى ثم عبر أخرى... وهكذا حتى نعبر خمس

قرىً ثم نتوجّه إلى مدينةٍ أخرى يوجد فيها مطار". وهكذا وصلنا إلى المطار واشترينا التذاكر. لكن الإقلاع

كان في وقتٍ متأخر، فاستأجرنا غرفةً لنرتاح فيها قليلاً.

رد مع اقتباس