عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 05-30-2009, 02:04 AM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي



قيام وسقوط الدول والحضارات.. وقفةٌ متأنية.


بعدَ الوصول إلى هذه المرحلة من الضعف والتفتت والهوان، هناك تعليقٌ عامٌ، وتحليلٌ، واستراحةٌ على طولِ طريقِ الأندلس منذ الفتح وحتى هذه المرحلة، نستجلي فيه سنةً من سننِ اللهِ سبحانهُ وتعالى في كونِهِ بصفةٍ عامة، وفي الأمةِ الإسلاميةِ بصفةٍ خاصةٍ، وهي سنّة قياموسقوط الأمم، وسنة الارتفاع والهبوط، تلك التي لوحظت بشكل لافت في الدولة الإسلامية خاصة.

وحقيقةُ الأمرِ أنه منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، بل حتى قيام الساعة، اقتضت سنّة اللهِ في الأمم والحضارات بصفة عامة أن تقوم ثم تسقط وتزدهر ثم تندثر، فمن سنن الله أن كانت هناك قوانين اجتماعية وإنسانية عامة تتصل مباشرة بضبط مسيرة الحياة الإنسانية ومسيرة الأمم والشعوب، فإذا ما التزمت الأمم والحضارات بهذه القواعد دامت وكانت في خير وسعادة، وإذا حادت عنها لقيت من السقوط والاندثار ما هي أهل له، قال تعالى: [وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ] {آل عمران:140}.
وليست الأمة الإسلامية بمنأى عن هذه السنن الكونية، فمنذ نزول الرسالة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدولة الإسلامية تأخذ بأسباب القيام فتقوم، ثم تحيد عنها فيحدث الضعف ثم سقوط.
وأسباب قيام الدولة الإسلامية كثيرة على نحو ما ذكرنا فيما مضى، والتي كان من أهمّها:


أولًا: الإيمان بالله سبحانه وتعالى والاعتقاد الجازم بنصرته وقدرته.
ثانيًا:الأُخوة، والوحدة، والتجمّع ونبذ الفرقة.
ثالثًا: العدل بين الحاكم والمحكوم.
رابعًا:العلم، ونشر الدين بين الشعوب.
خامسًا: إعداد العدة، والأخذ بالأسباب [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ] {الأنفال:60}.
فإذا أخذ المسلمون بهذه الأسباب فإنهم سرعان ما يقومون، وغالب الأمر يكون القيام بطيئًا ومتدرجًا، وفيه كثير من الصبر والتضحية والثبات، ثم بعد ذلك يكون القيام باهرًا، ثم يحدث انتشار للدولة الإسلامية بصورة ملموسة، حتى تفتح الدنيا على المسلمين، وهنا يصبر القليل على الدنيا وزينتها ويقع الكثيرون في الفتنة، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ )).
ومن جديد يحدث الضعف فالسقوط، وعلى قدر الفتنة بالمادة والمدنية يكون الارتفاع والانحدار، والسقوط والانهيار.
وأمر الفتنة هذه هو الذي فقهه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في سنة 17 هـ= 735 م حين أمر بوقف الفتوحات في بلاد فارس، في عمل لم يتكرر في تاريخ المسلمين إلا لدى قليل ممن هم على شاكلته، وذلك حين فتحت الدنيا على المسلمين وكثرت الغنائم في أيديهم.
خاف عمر - رضي الله عنه - أن تتملك الدنيا من قلوب المسلمين، وخشي أن يُفتَنوا بالدنيا ويخسروا الآخرة فيخسروا دولتهم، وكان همه أن يُدخل شعبه الجنة لا أن يُدخله بلاد فارس، فإذا كان دخول فارس على حساب دخول الجنة: فلتقف الفتوح، ووددت لو أن بيني وبين فارس جبل من نار، لا أقربهم ولا يقربوني. ولم يعد رضي الله عنه إلى مواصلة الفتوح إلا بعد أن هجم الفرس على المسلمين وخاف على المسلمين الهزيمة والضياع.
والأمة الإسلامية تنفرد بأنها أمة لا تموت ودائمًا في قيام، فإذا سقطت أتبع السقوط قيام،أما ألا يُتبَع السقوطُ قيامٌ فهذا ليس من سنن الله مع المسلمين، ولا يحدث إلا مع أمم الأرض الأخرى غير الإسلامية، تلك الأمم التي يغلب عليها سقوط واندثار لا يتبعه رجعة، حتى وإن طال أجل القيام والازدهار، ومن أصدق الأمثلة على ذلك حضارة الفراعنة، واليونان، وامبراطوريتي فارس والروم، وامبراطورية إنجلترا التي لا تغرب عنها الشمس...وهذه السُّنة الكونية يمثلها قوله تعالى: [كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] {المجادلة:21}. [وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ] {النور:55}. ومما يُثبت سنة الله هذه في الدولة الإسلامية ذلك الحديث الذي رواه أبو داود في سننه وصححه الحاكم ورواه في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا )). فمعنى هذا أنه سيحدث سقوط، ومن بعد السقوط ارتفاع وعلو، وهذا الارتفاع سيكون على يد مجدد أو مجموعة مجددين، وهكذا إلى قيام الساعة.
والتاريخ الإسلامي مليء بمثل هذه الفترات، ففيه الكثير من أحداث الارتفاع والهبوط ثم الارتفاع والهبوط، ولم يكن هذا خاصًّا بتاريخ الأندلس فقط؛ بل إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهدوا ذلك بأعينهم، فبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - مباشرةً حدث سقوط ذريع وانهيار مروّع، وردّة في كل أطراف جزيرة العرب التي لم يبق منها على الإسلام سوى مكة والمدينة وقرية صغيرة تسمى هَجَر ( هي الآن في البحرين ).


وبعد هذا السقوط يحدث قيام عظيم وفتوحات وانتصارات، كان قد جدّد أمرها وغرس بذرتها أبو بكر رضي الله عنه بعد أن أجهض على الردّة، ثم فتحت الدنيا على المسلمين في عهد سيدنا عثمان - رضي الله عنه - فحدثت الفتنة والانكسارات في الأمة الإسلامية، مما أدّى إلى مقتله - رضي الله عنه - وهو الخليفة الراشد وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وظلّت طيلة خلافة سيدنا علي رضي الله عنه.
ومن جديد يستتبّ الأمر وتقوم الدولة الأموية وتستكمل الفتوح، ثم فترة من الزمان ويحدث سقوط آخر حين يفسد أمر بني أمية، وعلى أَثَره يقوم بني العباس فيعيدون من جديد المجد والعزّ للإسلام، وكالعادة يحدث الضعف ثم السقوط، وعلى هذا الأمر كانت كل الدول الإسلامية الأخرى التي جاءت من بعدها، مرورًا بالدولة الأيوبية وانتهاءً بالخلافة العثمانية الراشدة التي فتحت كل شرق أوروبا، وكانت أكبر قوة في زمنها.
فهي إذن سنة من سنن الله تعالى ولا يجب أن تفُتّ في عضد المسلمين، ولا بدّ للمسلمين من قيام بعد سقوط كما كان لهم سقوط بعد قيام، وكما ذكرنا سابقًا فإنه ليس بين الله سبحانه وتعالى وبين أحد من البشر نسبًا، يَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا.


فإن ضل المسلمون الطريق وخالفوا نهج نبيهم؛ فستكون الهزيمة لا محالة، وسيكون الانهيار المرّوع الذي شاهدناه في الأندلس، والذي نشهده في كل عهود المسلمين.


وأدعوكم لمشاهدةِ هذا الفيديو القصير الذي يختصرُ ما قيلَ في أنشودةٍ أظنُّ الكثيرَ منّا يعرفها، وهيَ رثاءُ الأندلسِ لأبي البقاء الرنديِّ رحمهُ اللهُ، بصيغة flv
http://www.megaupload.com/?d=4LCK09BU

ورابط مباشر لها بصيغة wmv..
http://ia341235.us.archive.org/3/ite...a_almulook.wmv

رد مع اقتباس