عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 06-04-2009, 04:19 AM
أبو أنس الأنصاري أبو أنس الأنصاري غير متواجد حالياً
II كَانَ اللهُ لَهُ II
 




افتراضي







المهدي وبداية الفتنة وعهد ملوك الطوائف




من قريب كنا نتحدث عن الجهاد والفتوحات وعصر القوة والنفوذ، وها هو التاريخ يدير لنا ظهره ويبدأ دورة جديدة من دوراته في الأندلس، اتُّفق على تسميتها بعهد ملوك الطوائف، فكان من سنن الله عز وجل في كونه ألا تقوم أمة إلا ويكون لها سقوط كما كان لها قيام، يطول عهدها أو يقصر بحسب قربها أو بعدها من منهج من يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.



بعد خلع هشام بن عبد الملك بن عَبْد الرَّحْمَن النَّاصِر وولاية محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عَبْد الرَّحْمَن النَّاصِر الذي تلقب بالمهدي انفرط العقد تمامًا في الأندلس، فلم يكن يملك المهدي من لقبه إلا رسمه، فكان فتى لا يحسن قيادة الأمور وليس له من فن الإدارة شيء، فكان من أول أعماله في الحكم ما يلي:



أولًا: ألقى القبض على كثير من العامريين ثم قتلهم.
وثانيًا: بدأ ينتقم من البربر الذين كانوا العون الرئيس لمحمد بن أبي عامر (الرجل الأول في الدولة العامرية) ولمن خلفه في الحكم من أولاده، فبدأ يقتّل أيضًا فيهم ويقيم عليهم الأحكام حبسًا وتشريدًا.

أثار هذا الفعل غير الحصيف من قبل المهدي غضبًا عارمًا لدى البربر والعامريين، بل وعند الأمويين أنفسهم الذين لم يعجبهم هذا القتل وذاك التشريد، وهذه الرعونة في التصرف، فبدأ يحدث سخط كبير من جميع الطوائف على المهدي.

لم يكن ليقف الأمر عند هذا الحد، فقد تجمع البربر وانطلقوا إلى الشمال وهناك أتوا بسليمان بن الحكم بن عَبْد الرَّحْمَن النَّاصِر، وهو أخو هشام بن الحكم بن عَبْد الرَّحْمَن النَّاصِر الخليفة المخلوع منذ شهور قليلة، فنصّبوه عليهم ولقبوه بخليفة المؤمنين، وبدأ يحدث صراع بين سليمان بن الحكم هذا ومن ورائه البربر وبين المهدي في قرطبة.


بين المهدي وسليمان بن الحكم وحدث غريب



وجد سليمان بن الحكم ومن معه من البربر أن قوتهم ضعيفة ولن تقوى على مجابهة قوات المهدي، فقاموا بعمل لم يُعهد من قبل في بلاد الأندلس، فاستعانوا بملك قشتالة.

كانت مملكة قشتالة هذه هي أحد جزئي مملكة ليون في الشمال الغربي بعد أن كان قد نشب فيها (مملكة ليون) حرب داخلية وانقسمت على نفسها في سنة 359 هـ= 970 م إلى قسمين، فكان منها قسم غربي وهو مملكة ليون نفسها، وقسم شرقي وهي مملكة قشتالة، وكلمة قشتالة تحريف لكلمة كاستولّة، وتعني أيضًا قلعة باللغة الأسبانية، فحرفت في العربية إلى قشتالة، وكانت قد بدأت تكبر نسبيًا في أول عهد ملوك الطوائف فاستعان بها سليمان بن الحكم والبربر على حرب المهدي.

وبين المهدي من ناحية وسليمان بن الحكم والبربر وملك قشتالة من ناحية أخرى دارت موقعة كبيرة، هُزم فيها المهدي أو محمد بن هشام بن عبد الجبار، وتولى سليمان بن الحكم مقاليد الحكم في بلاد الأندلس، وبالطبع كانت فرصة من السماء لملك قشتالة لضرب الأندلسيين بعضهم ببعض ووضع قاعدة لجيشه وجنده في أرض الأندلس، تلك البلاد التي لطالما دفعت الجزية كثيرًا للمسلمين من قبل.

وفي فترة مدتها اثنتان وعشرون سنة يتولى حكم المسلمين في الأندلس ثلاثة عشر خليفة متتاليين، بدأت هذه الفترة بهشام بن الحكم في سنة 359 هـ= 970 م، ثم المهدي، ثم سليمان بن الحكم بن عَبْد الرَّحْمَن النَّاصِر الذي تولى الحكم ولقب نفسه بالمستعين بالله (وكان قد استعان بملك قشتالة) وذلك في سنة 400 هـ= 1010 م.


بين المهدي وسليمان بن الحكم وحدث أغرب



وتدور الأحداث بعد ذلك، حيث يفرّ المهدي الذي انهزم أمام سليمان بن الحكم أو المستعين بالله إلى الشمال حيث طرطوشة، وفي طرطوشة وحتى يرجع إلى الحُكم الذي انتزعه منه سليمان بن الحكم والذي لم يبق فيه غير شهور قليلية فكّر المهدي في أن يتعاون مع أحد أولاد بني عامر، ذلكم الذين كان منذ قليل يذبّح فيهم جميعًا.

كان المهدي قد قابل في طرطوشة رجلًا من قبيلة بني عامر يدعى الفتى واضح، والذي أقنع المهدي بأنه سيتعاون معه ليعيده إلى الملك من جديد ويبقى هو على الوزارة كما كان عهد الدولة العامرية من قبل، الأمر الذي وافق قبولًا لدى المهدي، فقبل عرض الفتى واضح وبدأ يتعاونان سويًا لتنفيذ مخططهما هذا.

في بداية الأمر وجد الفتى واضح والمهدي أنهما لن يستطيعا أن يصمدا أمام قوة كبيرة مثل التي يملكها سليمان بن الحكم والبربر ومعهما ملك قشتالة، فهداهما تفكيرهما في الاستعانه بأمير برشلونة، وبرشلونة هذه كانت ضمن مملكة أراجون التي تقع في الشمال الشرقي للأندلس، والتي كان يدفع حاكمها الجزية لعَبْد الرَّحْمَن النَّاصِر ولابنه وأيضا للحاجب المنصور، فلما حدثت هذه الهزة في بلاد المسلمين انخلعت من هذه العباءة، وقامت من جديد، فكان أن استعان بجيشها المهدي والفتى واضح في حرب سليمان وملك قشتالة.

وافق أمير برشلونة على أن يساعدهم لكن على شروط هي:

أولًا:مائة دينار ذهبية له عن كل يوم في القتال.
ثانيًا: دينار ذهبي لكل جندي عن كل يوم في القتال، وقد تطوع الكثير لحرب المسلمين، فكان عدد الجيش كبيرًا.
ثالثًا: أخذ كل الغنائم من السلاح إن انتصر جيش برشلونة مع المهدي والفتى واضح.
رابعًا: أخذ مدينة سالم، وكانت مدينة سالم قد حررها قديما عَبْد الرَّحْمَن النَّاصِر في عهد الخلافة الأمويّة، وهي بلا شك شروط قبيحة ومخزية، ولا ندري كيف يوافق مسلم على مثلها؟!

لكن الذي حدث هو أنهم وافقوا على هذه الشروط، وبدأت بالفعل موقعة كبيرة جدًا في شمال قرطبة بين المهدي (محمد بن هشام بن عبد الجبار) ومعه الفتى واضح العامري ومعهم أمير برشلونة من جهة، وسليمان بن الحكم الخليفة الملقب بالمستعين بالله ومعه البربر من جهة أخرى، انتصر فيها المهدي ومن معه، وانهزم سليمان بن الحكم وفرّ ومن بقي معه من البربر، وسلمت مدينة سالم لأمير برشلونة، ومثلها الغنائم، وتولى المهدي الحكم من جديد في قرطبة.


الفتى واضح وعودة هشام بن الحكم الخليفة المخلوع


ولأنه زمن فتنة، فما فتئ المهدي يصل إلى الحكم في قرطبة حتى انقلب عليه الفتى واضح ثم قتله، وبدأ هو في تولى الأمور.

كان الفتى واضح أذكى من عبد الرحمن بن المنصور، هذا الذي طلب ولاية العهد من هشام بن الحكم قبل ذلك، فقد رفض أن يكون هو الخليفة؛ حيث اعتاد الناس أن يكون الخليفة أموي وليس عامري، ومن ثم فإذا فعل ذلك فسيضمن ألا تحدث انقلابات عليه، وأيضا يكون محل قبول لدى جميع الطوائف.

ومن هنا فقد رأى الفتى واضح أن يُنصّب خليفة أموي ويحكم هو من ورائه، وبالفعل وجد أن أفضل من يقوم بهذا الدور ويكون أفضل صورة لخليفة أموي هو هشام بن الحكم الخليفة المخلوع من قبل، هذا الذي ظل ألعوبة طيلة ثلاث وثلاثين سنة في يد محمد بن أبي عامر ثم في يد عبد الملك بن المنصور، ثم في يد عبد الرحمن بن المنصور على التوالي.

ذهب الفتى واضح إلى هشام بن الحكم وعرض عليه أمر الخلافة من جديد، وأنه سيكون رجله الأول في هذه البلاد، وعلى الفور وافق هشام بن الحكم الذي كان ملقبًا بالمؤيد بالله، وعاد من جديد إلى الحكم، لكن زمام الأمور كانت في يد الفتى واضح.




سليمان بن الحكم وأعمال يتأفف من ذكرها التاريخ


كان سليمان بن الحكم لم يُقتل بعد وما زال في البلاد يدبر المكائد؛ يريد أن يعود إلى الحكم من جديد، لم يجد أمامه إلا أن يعود مرة أخرى إلى ملك قشتالة (المرة الأولى كان قد ساعده على هزيمة المهدي والوصول إلى الحكم) ويعرض عليه من جديد أن يكون معه ضد الفتى واضح وهشام بن الحكم حتى يصل إلى الحكم.

ولأن ملك قشتالة ذلك الخبيث كان يطمع فيما هو أكثر مما عند سليمان بن الحكم، فقد رد عليه بأن يمهله عدة أيام حتى يعطيه الجواب، وخلال هذه الأيام كان قد ذهب ملك قشتالة إلى هشام بن الحكم (الحاكم في ذلك الوقت) وأخبره بما كان من أمر سليمان بن الحكم منتظرا الجواب والمقابل في عدم مساعدته له (لسليمان) في حربه إياه، وهنا كان العجب العجاب، فما كان من هشام بن الحكم إلا أن خيّر ملك قشتالة بين عدة أمور، كان من بينها: إعطائه كل الحصون الشمالية التي كانت للمسلمين في بلاد الأندلس، ذلك الخيار الذي قبله ملك قشتالة؛ فتوسعت قشتالة جدا حتى أصبحت حدودها أكبر من حدود مملكة ليون، بالرغم من أنها كانت جزءا صغيرا منفصلا عن مملكة ليون، وعظمت بذلك البلاد النصرانية في الشمال.

وإنها لكارثة كبيرة قد حلت بديار الإسلام، فقد حدثت كل هذه الأحداث من القتل والمكائد والصراعات والاستعانة بالنصارى ثم دخولهم بلاد المسلمين، كل ذلك في ثلاث سنوات فقط.

وفي سنة 403 هـ= 1012 م حيث هشام بن الحَكم على الحُكم، قام سليمان بن الحكم ومن معه من البربر بعمل لم يحدث في تاريخ المسلمين من قبل وحتى هذه اللحظة، فقد هجموا على قرطبة وعاثوا فيها، فسادا، وقتلا، واغتصابا للنساء، ثم من جديد يتولى سليمان بن الحكم (المستعين بالله) الحكم في بلاد الأندلس، وطرد هشام بن الحكم من البلاد، ثم قتل بعد ذلك، وكان مقر الحكم آنذاك هو قرطبة، لكن البلاد كانت مفككة تماما، وقد فر العامريون إلى شرق الأندلس في منطقة بلنسية وما حولها.

المفاجأة الكبيرة والمثيرة حقا أن كل هذه الأحداث السابقة والمليئة بالمكائد والمؤامرات، والتي حملت الأسى والألم لكل المسلمين، كانت بين أخوين لأب واحد هو القائد المظفر الحكم بن عَبْد الرَّحْمَن النَّاصِر، وكان خطأه والذي يدركه الجميع الآن هو أنه وسد الأمر لغير أهله، واستخلف على الحُكم من لا يملك مؤهلات الحُكم، وهو هشام بن الحَكم.




البربر والانقلاب على سليمان بن الحكم وتأجج الصراعات


من سنة 403 هـ= 1012 م ظل سليمان بن الحكم يتولى الحكم، وكان غالبية جيشه من البربر، وفي سنة 407 هـ= 1016 م وبعد مرور أربع سنوات على حكمه، وفي هذا الزمن المثخن بالصراعات والفتن فكر البربر: لماذا لا نتملك نحن الأمور؟
وعلى الفور أسرعوا وكونوا قوة أساسية كبيرة، واستعانوا بالبربر من بلاد المغرب، ثم هجموا على سليمان بن الحكم وأخرجوه من الحكم، بل وقتلوه، وتولى الحكم في بلاد الأندلسعلي بن حمود الذي كان من البربر، وتسمى بالناصر بالله.

استقر الأمر لعلي بن حمود في قرطبة وقام بتعيين أخاه القاسم بن حمود على إشبيلية في سنة 407 هـ= 1016 م، وأصبح البربر هم الخلفاء الذين يتملكون الأمور في قرطبة وما حولها.

لم يرض العامريون الذين فروا إلى شرق الأندلس بهذا الوضع، فما كان منهم إلا أن بحثوا عن أموي آخر وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله، أحد أحفاد عَبْد الرَّحْمَن النَّاصِر، ثم بايعوه على الخلافة، وقد تلقب بالمرتضي بالله.

جاء العامريون ومعهم المرتضي بالله إلى قرطبة لحرب علي بن حمود البربري، وبالفعل دارت حرب كبيرة بين العامريين وخليفتهم المرتضي بالله، والبربر وعلى رأسهم علي بن حمود، كان من أعجب ما نتج عن هذه الموقعة أن قُتل الخليفتان علي بن حمود والمرتضي بالله، لكن البربر تمكنوا من الانتصار في نهاية المعركة، وتولى حكم الأندلس منهم القاسم بن حمود الذي كان حاكما لإشبيلية من قِبَل أخيه الذي قُتل.

أحضر العامريون أمويًا آخر، وقامت بعد ذلك صراعات كثيرة، واستمرّ الوضع على هذا الحال حتى سنة 422 هـ= 1031م.



انتهاء عهد الخلفاء والأمراء وتولّي مجلس شورى للحكم


في محاولة لحل هذه الأزمة التي تمرّ بها البلاد، وفي محاولة لوقف هذه الموجة من الصراعات العارمة، اجتمع العلماء وعلية القوم من أهل الأندلس، وذلك في سنة 422 هـ= 1031م، ووجدوا أنه لم يعد هناك من بني أمية من يصلح لإدارة الأمور؛ فلم يعد من يأتي منهم على شاكلة من سبقوهم، فاتفقوا على عزل بني أمية تمامًا عن الحكم، وإقامة مجلس شورى لإدارة البلاد.

وبالفعل كونوا مجلس شورى في هذه السنة، وولوا عليه أبا الحزم بن جهور لإدارة البلاد، وكان أبو الحزم هذا من علماء القوم، كما كان يشتهر بالتقوى والورع ورجاحة العقل، وظل الحال على هذا الوضع ما يقرب من ثلاث سنوات.

لكن حقيقة الأمر أن أبا الحزم بن جهور لم يكن يسيطر هو ومجلس الشورى الذي معه إلا على قرطبة فقط من بلاد الأندلس، أما بقية البلاد والأقاليم الأخرى فقد ضاعت السيطرة عليها تماما، وبدأت الأندلس بالفعل تُقسّم بحسب العنصر إلى دويلات مختلفة ليبدأ ما يسمى بعهد دويلات الطوائف، أو عهد ملوك الطوائف.

وقد ذكرنا سابقا أن مساحة الأندلس كانت ستمائة ألف كيلو متر مربع، فإذا طرحنا منها ما أخذه النصارى في الشمال؛ فإن النتيجة هي أربعمائة وخمسون ألف كيلو متر مربع (أقل من نصف مساحة مصر) مقسمة إلى اثنتين وعشرين دولة، كل منها بكل مقومات الدولة المتكاملة من رئيس، وجيش، ووزارات، وعملة، وسفراء، فتفتت المسلمون في الأندلس تفتتا لم يُعهد من قبل في تاريخهم، وفقدوا بذلك عنصرا مهما جدا من عناصر قوتهم وهو الوحدة، فكان الهبوط على أشد ما يكون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


المرحلة التي يعيشها المسلمون الآن وتصنيفها


قد يتساءل المرءُ: ما هو تصنيفنا كمسلمين في هذا العصر وفقًا للمراحل السابقة ما بين الارتفاع والهبوط أو القيام والسقوط؟

وواقع الأمر وكما هو واضح للعيان أن الأمة الإسلامية تمرّ الآن بمرحلة من مراحل السقوط، سقوط كبير وضعف شديد وفرقة للمسلمين، سقوط مباشر لسقوط الخلافة العثمانية في عشرينات القرن الماضي، وهو أمر طبيعي ودورة طبيعية من دورات التاريخ الإسلامي، وسنّة من سنن الله تعالى كما رأينا.

إلا أن مرحلة السقوط الأخيرة هذه قد شابها أمران لم تعهدهما الدولة الإسلامية ولم يتكررا من قبل في مراحل سقوطها المختلفة...

الأمر الأول
هو: غياب الخلافة، إذ حدث ولأول مرة في التاريخ أن يصبح المسلمون بلا دولة واحدة تجمعهم، فرغم ما كان وما يكون من السقوط والانهيار على مدى فترات الضعف التي مرت بها الأمة الإسلامية، إلا أنه لم تكن لتغيب صورة الخلافة عن الأذهان بحالٍ من الأحوال، منذ الدولة الأموية في القرن الأول الهجري وحتى سقوط الخلافة العثمانية في القرن الرابع عشر الهجري؛ حيث كان الإسلام سياسيًا (دين ودولة) طيلة أربعة عشر قرنًا من الزمان.

الأمر الثاني
وهو: غياب الشرع الإسلامي، فلم يكن أيضًا في أي من عصور السقوط السابقة للدول الإسلامية، مع ما يصل المسلمون إليه من تدنٍ وانحدار لم يكن أبدا يُلغى الشرع أو يغيب، نعم قد يُتجاوز أحيانًا في تطبيق بعض أجزائه، لكن لم يظهر على الإطلاق دعوة تنادي بتنحية الشرع جانبًا، وتطبيق غيره من قوانين البشر مما هو أنسب وأكثر مرونة على حسب رؤيتهم.

وإن مثل هذين العاملين ليجعلان من مهمة الإصلاح والتغيير أمرًا من الصعوبة بمكان، ورغم ذلك فإنه وكما وضحنا ليس بمستحيل؛ لأن المستحيل هنا هو التعارض مع سنن الله سبحانه وتعالى التي تقول بأن دولة الإسلام في قيام حتى قيام الساعة.

وهناك من المبشّرات نحو قيام الدولة الإسلامية الآن الكثير والكثير، فمنذ سقوط الخلافة العثمانية سنة 1342 هـ= 1924 م كان قد حدث انحدار كبير - ولا شك - في معظم أقطار العالم الإسلامي إن لم يكن كله (بعد سقوط الخلافة العثمانية أُقيمت الدول العربية عدا السعودية على أساس علماني شبيه بالدول الغربية)، وظلّ هذا الوضع حتى أوائل السبعينيات، ثم كانت الصحوة في كل أطراف الأمّة الإسلامية في منتصف السبعينيات وإلى يومنا هذا.

ونظرة واحدة إلى أعداد المصلين في المساجد خاصة الشباب، وإلى أعداد المحجبات في الشوارع في كل أطراف العالم الإسلامي، وانتشار المراكز الإسلامية في كل بلاد أوروبا وفي أمريكا، والصحوة الجهادية في البلاد المحتلة مثل فلسطين والعراق والشيشان وغيرها، وحال الإسلام في جمهوريات روسيا السابقة بعد احتلال نصراني وشيوعي دام لأكثر من ثلاثمائة عام نظرة واحدة إلى مثل هذه الأمور وغيرها يبشر بالقيام من جديد.

وهو ولا شك قيام ينحو الخطى البطيئة المتدرجة لكنه لا ينفي العلو والانتشار المرجو منه، وهذه سنة أخرى من سنن الله عز وجل فلا يجب أن يُستعجل التمكين، ولنا فيما مضى من تاريخ الأندلس، وفي التاريخ الإسلامي بصفة عامة، ومنذ أن أسّس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقل من عشر سنين الدولة الإسلامية التي ناطحت أكبر قوتين في زمنهما، وكان قد أوذي وطرد وهو وأصحابه من بلدهم، منذ ذلك التاريخ وحتى سقوط الخلافة العثمانية لنا خير دليل ومعين. [فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا] {فاطر:43}.



التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 06-04-2009 الساعة 04:21 AM
رد مع اقتباس