التربية هي بناءٌ ورعايةٌ وإصلاحٌ، وحرص على تنمية مدارك الأولاد والتدرج في تعليمهم الخير، وإبعادهم عن السوء منذ الطفولة حتى البلوغ؛ ولذلك اعتنى الإسلام برعايتهم، وحسن تربيتهم؛ لأنهم أمل المستقبل.
ويرجع حرص الآباء والأمهات على توجيه الأبناء التوجيه السليم لينجحوا في حياتهم، حيث حمل الإسلام مسؤولية تربية الأولاد على عاتق الوالدين والأقارب؛ لأنهم المؤثر الأول في التربية..
ولكن قد يشتكي كثير من الآباء والأمهات من انحراف أبنائهم وميلهم إلى الفساد، وفعل المعاصي، وعدم الاستماع للنصائح والإشارات والتوجيه، ويعود انحرافهم إلى الأسباب التالية:
1- سوء معاملة الأبوين للأولاد:
إن إساءة معاملة الأطفال ليست ظاهرة خاصة بزماننا هذا؛ بل هي موجودة بشكل أو بآخر خلال معظم حقب التاريخ، والأطفال الأكثر عرضة للإساءة هم :
- الأطفال الصغار سناً، الذين تتراوح أعمارهم بين الولادة إلى السنة الخامسة.
- الطفل الذي هو نتيجة حمل غير مرغوب فيه لأسباب اقتصادية أو حياتية أو قانونية.
- الطفل الصعب - الأكثر صياحاً، وشديد الانفعال، وقليل النوم - وكذلك الطفل المشاكس والبطيء والمعوق، والطفل الذي يكون في جنسه مخالفاً للمأمول من الأبوين كأن تكون بنتاً ووالداها يريدان ابناً...إلخ.
وبغض النظر عن خصائص الطفل، إلا أن ثمة عوامل بيئية وعائلية وتصورات حضارية، وأخرى سلوكية تساهم في إساءة معاملة الأطفال، ولذا حث الإسلام الوالدين على أن يحسنوا معاملة الأولاد حتى ينشأوا على الاستقامة، ويتربوا على حسن الأخلاق،
فقد ورد عن رسول الله أنه قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه الترمذي.
وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: "من لا يرحم لا يُرحم" رواه مسلم .
رواه مسلم .
2- الفراغ الذي يعيشه الأطفال والمراهقون:
من جملة الأسباب التي تقف وراء وقوع الأولاد في الانحراف والفساد هي:
- عدم توجيه الأولاد بشكل سليم في أمور حياتهم.
- عدم استغلال أوقات فراغهم بشكل سليم ودقيق؛ مما يؤدي إلى مصاحبة رفقاء السوء، ومصاحبتهم تلحق أضراراً بالغة الأثر، كما قال رسول الله : "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" رواه الترمذي.
وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تبتاع منه أو تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحترق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة" رواه البخاري.
وقد حث الإسلام على حسن اختيار الصديق، وحذر من صحبة الأشرار، ومما ورد عن رسول الله في ذلك : قوله: "لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي" رواه أحمد .
وأخبر الله تعالى أن صحبة الأشرار تكون سبباً للعداوة بينهم يوم القيامة كما قال الله سبحانه: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين {الزخرف: 67}.
3- حالات الطلاق بين الزوجين:
إن أهم عوامل انحراف الأولاد وتشردهم، هي حالات الطلاق بين الزوجين، مما يدفع بالأولاد في أوحال الرذيلة والجريمة، أو الانحراف، أو تحول الأولاد إلى أدوات استخدام لإيصال رسائل الكره بين الزوجين المطلقين، وقد دعا الإسلام إلى حسن المعاملة بين الزوجين، ودرء الخلافات جانباً، فقد ورد عن رسول الله أنه قال: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" رواه ابن ماجه.
4- إهمال النفقة على الأولاد:
إن ظاهرة إهمال النفقة على الأولاد، وعدم الاهتمام بمطالبهم أصبحت متفشية في زماننا هذا؛ مما يدفع الأولاد إلى سلوك غير سوية لتلبية احتياجاتهم من السرقة، أو العدوان على غيره، ولقد حذر الإسلام الآباء والأمهات من تضييع الأولاد أو إهمالهم، قال رسول الله : "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول" رواه أبو داود.
ولقد نهى الله تعالى عن الإسراف بشتى أنواعه؛ لأنه يسبب الفساد والدمار والانحراف. قال الله تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا {الإسراء: 29}.
5- النزاع والشقاق بين الوالدين:
إن ظاهرة النزاع والشقاق بين الوالدين خصوصاً أمام أولادهما، تؤدي إلى انحراف الأولاد، فينبغي على الوالدين ألا يثيرا الخلاف والشقاق أمام أولادهما، وعلى كل منهما أن يلتمس العذر للآخر، ولا يبادر في إظهار الأخطاء وإشاعتها؛ لئلا يتصدع بنيان الأسرة، وننصح الأمهات بعدم الإفراط في تأنيب الطفل، أو فرض مراقبة شديدة على تحركاته العفوية قبل بلوغه عامه الثالث؛ لأن ملازمة جميع تحركاته، والتدخل في جميع مراحل نموه في المنزل أو خارجه، والعمل على إجباره على استيعاب بعض المعلومات الجديدة، لا يساعد على تربية الطفل تربية حسنة كما تريد الأم، بل هو سبب في تقويض شخصيته وزعزعة أركان مستقبله، وبالتالي يتعرض الطفل إلى انحرافات نفسية.
مسؤولية الأبوين:
يظهر من خلال الاتهامات المتبادلة في كثير من الخلافات الزوجية، أن كل واحد من الأبوين قد أخطأ، وأن الولد هو الذي يدفع ثمن الأخطاء، وأن التربية السليمة لها قواعد معينة، لابد من اتباعها وتوافرها حتى يتحقق الجو التربوي السليم الذي يعيش فيه الأولاد، على أسس إسلامية متينة صلبة لا تتعرض للانحرافات، وعلى الأبوين إدراك مسؤوليتهما في تكوين الأسرة، نظراً للدور الهام للأم في تربية الأولاد، فلو صلحت صلح الأولاد، ولو فسدت فسد الأولاد، ولذلك اعتنى الإسلام باختيار الزوجة،
قال الله تعالى يصف الزوجات الصالحات: فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله {النساء: 34}.
ويقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "... وينبغي أن يكون النظر إلى باب الدين قبل النظر إلى الحسن، فإنه إذا قل الدين لم ينتفع ذو مروءة بتلك المرأة"(8).
والإسلام اهتم بالأم، كونها المدرسة الأولى للأولاد، والمعلم الأول لهم منذ المهد، فبصلاحها يصلح المجتمع كونها تهدف إلى غرس القيم والأخلاق الحميدة، كالصدق والأمانة والعفة، والشجاعة في نفوس أولادها وهم صغار.
وكذلك الأب مسؤول عن أسرته، وقد ورد عن رسول الله { أنه قال: "الرجل من أهله راع وهو مسؤول عن رعيته"رواه البخاري في الأدب المفرد.
ويجب أن تكون التربية وفق كتاب الله وسنة رسوله ، وهؤلاء الأولاد عقولهم صفحة بيضاء تستوعب ما ينقش عليها،
قال الله تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون {النحل: 78}.
وإن رُبي الولد على الخير نشأ صالحاً نافعاً، وهذه التربية أمانة لا يجوز التفريط فيها وقد قال الله تعالى: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون {المؤمنون: 8}.
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون {التحريم: 6}.