(صحابى احب الله ورسولة )
أبو ذر الغفاري
إنه الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة -رضي الله عنه-، ولد في قبيلة غفار، وكان من السابقين إلى الإسلام
إسلامه
عَنْ أَبي ذر، قال: كنت رابع الإسلاَم، أَسلم قبلي ثلاثة، فأتيت نبي الله، فقلت: سلام عليك يا نبي الله. وأسلمت، فرأيت الاستبشار في وجهه، فَقَال:"من أَنت؟"قلت:جندب، رجل من غفار. قال:فرأيتها في وجه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم-.
وضحك أبو ذر، فهو يعرف سر العجب الذي كسا وجه الرسول عليه السلام فغفار هذه قبيلة لا يدرك لها شأن في قطع الطريق..!!وأهلها مضرب الأمثال في السطو غيرالمشروع.. انهم حلفاء الليل والظلام. فيجيء منهم اليوم، والاسلام لا يزال دينا غصّا مستخفيا، واحد ليسلم..؟! ".. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرفع بصره ويصوّبه تعجبا، لما كان من غفار، ثم قال: "إن الله يهدي من يشاء"
وكان أبو ذر قد أقبل على مكة متنكرًا، وذهب إلى الرسول وأعلن إسلامه،وكان الرسول يدعو إلى الإسلام في ذلك الوقت سرًّا، فقال أبو ذر للنبي : بم تأمرني؟ فقال له الرسول : "ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري".
فقال أبو ذر: والذي نفسي بيده لأصرخنَّ بها (أي الشهادة) بين ظهرانيهم،فخرج حتى أتى المسجد ونادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. فقام إليه المشركون فضربوه ضربًا شديدًا، وأتى العباس بن عبد المطلب عم النبي فأكب عليه، وقال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأنه طريق تجارتكم إلى الشام؟ فثابوا إلى رشدهم وتركوه، ثم عاد أبوذر في الغد لمثلها فضربوه حتى أفقدوه وعيه، فأكب عليه العباس فأنقذه.(متفق عليه).
ورجع أبو ذر إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام، فأسلم على يديه نصف قبيلةغفار ونصف قبيلة أسلم، وعندما هاجر النبي إلى المدينة، أقبل عليه أبو ذرمع قبيلته غفار وجارتها قبيلة أسلم، ففرح النبي وقال ":غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله.( "مسلم)
أخلاقه
وخصَّ النبي صلى الله عله وسلم أبا ذر بتحية مباركة فقال: "ما أظلت الخضراء (السماء)، ولا أقلت الغبراء (الأرض) من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر" (الترمذي وابن ماجه).
وكان أبو ذر من أشد الناس تواضعًا، فكان يلبس ثوبًا كثوب خادمه، ويأكل ممايطعمه، فقيل له: يا أبا ذر، لو أخذت ثوبك والثوب الذي على عبدك وجعلتهما ثوبًا واحدًا لك، وكسوت عبدك ثوبًا آخر أقل منه جودة وقيمة، ما لامك أحدعلى ذلك، فأنت سيده، وهو عبد عندك، فقال أبو ذر: إني كنت ساببت (شتمت) بلالاً، وعيرته بأمه؛ فقلت له: يا ابن السوداء، فشكاني إلى رسول الله ،فقال لي النبي : " يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية"، فوضعت رأسي على الأرض، وقلت لبلال: ضع قدمك على رقبتي حتى يغفر الله لي، فقال لي بلال: إني سامحتك غفر الله لك، وقال : "إخوانكم خولكم (عبيدكم)، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممايأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم"(البخاري)
حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان أبو ذر - رضي الله عنه- يحب الله ورسوله حبًّا كبيرًا، فقد روى أنه قال للنبي : يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل بعملهم،فقال له النبي : "أنت مع مَنْ أحببت يا أبا ذر" فقال أبو ذر: فإني أحب الله ورسوله، فقال له النبي : "أنت مع مَن أحببت"(أحمد)، وكان يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده يسأل عنه إذا غاب.
وروى ابو ذر أيضا : بينما أنا ذات ليلة نائم في المسجد إذ مر بي رسول الله فضربني برجله وقال: لا أراك نائما في المسجد فقلت: بأبي أنت وأمي غلبتني عيني فنمت فيه فقال: كيف تصنع إذا أخرجوك منه ؟ فقلت: إذن الحق بالشام فإنها أرض مقدسة وأرض بقية الاسلام وأرض الجهاد فقال: فكيف تصنع إذا أخرجت منها ؟ فقلت: أرجع إلى المسجد قال: فكيف تصنع إذا أخرجوك منه ؟ قلت: إذن آخذ سيفي فأضرب به فقال صلى الله عليه وآله: ألا أدلك على خير من ذلك ؟ انسق معهم حيث ساقوك وتسمع وتطيع.
ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم لم يستطع أبو ذر أن يعيش في المدينة بعد أن أظلمت بموت الحبيب صلى الله عليه وسلم وخلت من صوته العذب ومجالسه المباركة فرحل إلى البادية وعاش فيها مدة خلافة الصديق والفاروق رضي الله عنهما.
وفى خلافة عثمان رضى الله عنه نزل فى دمشق فلما رأى أن كثيرا من المسلمين أقبلوا على الدنيا وانغمسوا فى الترف قام فيهم ناصحا ومذكرا. ولما استدعاه عثمان رضى الله عنه يوما طالبا منه ان يجاوره بالمدينة قال أبو ذر لا حاجة لي في ذلك ثم طلب منه أن يأذن له فى أن ينزل بالربذة فأذن له.
من أقواله : والذي نفسي بيده, لو وضعتم السيف فوق عنقي, ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله قبل أن تحتزوا لأنفذتها.
وكان يقول: لباب يتعلمه الرجل (من العلم) خير له من ألف ركعة تطوعًا.
عن سفيان الثوري قال : قام أبو ذر الغفاري عند الكعبة فقال : يا أيها الناس , أنا جندب الغفاري هلموا إلى الأخ الناصح الشفيق, فاكتنفه الناس, فقال :أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفرا أليس يتخذ من الزاد مايصلحه ويبلغه؟ قالوا : بلى. قال : فإن سفرالقيامة أبعد ما تريدون, فخذوا ما يصلحكم. قالوا : وما يصلحنا؟ قال : حجوا حجة لعظائم الأمور, وصوموا يوما شديدا حره لطول النشور, وصلوا ركعتين فى سوادالليل لوحشة القبور....كلمة خير تقولها, أو كلمة شر تسكت عنها لوقوف يوم عظيم. تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرتها. اجعل الدنيا مجلسين مجلسا فى طلب الحلال, ومجلسا فى طلب الاخرة. الثالث يضر ولا ينفعك لا نرده.
زهده
وكان -رضي الله عنه- زاهدًا في الدنيا غير متعلق بها لا يأخذ منها إلا كما يأخذ المسافر من الزاد، فقال عنه النبي :" أبو ذر يمشى في الأرض بزهد عيسى بن مريم عليه السلام"(الترمذي).
وكان أبو ذر يقول: قوتي (طعامي) على عهد رسول الله ( صاع من تمر، فلستبزائد عليه حتى ألقى الله تعالى. ويقول: الفقر أحب إليَّ من الغنى، والسقم أحب إليَّ من الصحة.
وقال له رجل ذات مرة: ألا تتخذ ضيعة (بستانًا) كمااتخذ فلان وفلان، فقال: لا، وما أصنع بأن أكون أميرًا، إنما يكفيني كل يوم شربة ماء أو لبن، وفي الجمعة قفيز (اسم مكيال) من قمح.
وكان يحارب اكتنازالمال ويقول: بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاوٍ من نار تكوىبها جباههم وجنوبهم يوم القيامة.وكان يدافع عن الفقراء، ويطلب من الأغنياء أن يعطوهم حقهم من الزكاة؛لذلك سُمي بمحامي الفقراء، ولما عرض عليه عثمان بن عفان أن يبقى معهويعطيه ما يريد، قال له: لا حاجة لي في دنياكم.
وفاته
وعندما ذهب أبو ذر إلى الرَّبذة وجد أميرها غلامًا أسود عيَّنه عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ولما أقيمت الصلاة، قال الغلام لأبي ذر: تقدم يا أبا ذر،وتراجع الغلام إلى الخلف، فقال أبو ذر، بل تقدم أنت، فإن رسول الله أمرني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا أسود. فتقدم الغلام وصلى أبو ذر خلفه.
وظل أبو ذر مقيما في الربذة هو وزوجته وغلامه حتى مرض فلما حضره الموت بالربذة، فبكت امرأته، فقال: وما يبكيك؟ قالت: أبكي أنه لا بد من تغييبك، وليس عندي ثوب يسعك كفنا. قال: لا تبكي، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وأنا عنده في نفر يقول: (لَيَمُوْتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاَةٍ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ).فَكلهم مات في جماعة وقَرية، فَلم يبق غيري، وقَد أصبحت بِالفلاة أموت فَراقبي الطريق، فإنك سوف ترين ما أقول، ما كَذبت، ولا كُذبت. قَالت: وأنى ذَلك، وقَد انقطع الحاج؟! قَال: راقبِي الطريق.
فبينما هي كَذَلك، إِذ هي بالقَوم تخب بِهم رواحلهم ، فأقبلوا حتى وقفوا عليها. و إذا عبد الله بن مسعود في رهط من أَهل الكوفة، فقَال: ما هذا؟ قيل: جنازة أَبِي ذَر. فَاستهل ابن مسعود يبكي، وقَال: صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم :" يرحم الله أَبا ذر! يمشي وحده، ويموت وحده،ويبعث وحده." فصلى عليه، ودفنه بنفسه.
__________________