كلام من القلب للقلب, متى سنتوب..؟! دعوة لترقيق القلب وتزكية النفس |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
ففروا الى الله
حقيقة الفرار الهروب من شيءٍ إلى شيء ، من شيءٍ مخيف إلى شيءٍ آمن ، من شيءٍ مزعج إلى شيءٍ مُطَمْئِن . والفرار أيها الإخوة نوعان ؛ فرار السعداء وفرار الأشقياء ، فرار السعداء إلى الله عزَّ وجل، وفرار الأشقياء فرارٌ منه لا إليه ، فرارٌ منه إلى الدنيا ، إلى المعاصي ، فرار السُعداء فرارٌ من الدنيا إلى الله ، أما فرار السعداء الفرار منه إليه ، ففرار أوليائه ، قال ابن عباس في قوله تعالى: ( ففروا الى الله ) ... أي فروا منه إليه ، من عقابه إلى جنَّته ، من معصيته إلى طاعته ، فروا مما سوى الله إلى الله ، فروا من الأغيار إلى الله ، فروا من الشُركاء إلى الله ، وقال آخرون : اهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان والطاعة، عملية فرار من شيء مخيف إلى شيء مُسْعِد . فالفرار منزلةٌ من منازل السالكين إلى الله عزَّ وجل . هناك معنى آخر للفرار ، فرارٌ من الجهل إلى العلم ، عقداً وسعياً ، من الجهل إلى العلم ، أن تعتقد وأن تسعى ، ومن الكسل إلى التشمير ، جِدَّاً وعزماً ، ومن الضيق إلى السَعَةِ ، ثقةً ورجاءاً ، من الجهل إلى العلم اعتقاداً وسعياً ، من الكسل إلى التشمير جداً وعزماً ، ومن الضيق إلى السعة ثقةً ورجاءاً ، يقول عليه الصلاة والسلام : " شمروا فإن الأمر جد " شمروا هذه منزلة الفرار . " تأهبوا فإن السفر قريب " " تزودوا فإن السفر بعيد " " أخلصوا النية فإن الناقد بصير " " أكثروا الزاد فإن المسافة بعيدة " " خففوا الأثقال فإن في الطريق عقبةً كؤود " " جدد السفينة يا أبا ذر فإن البحر عميق " " شمروا فإن الأمر جد " عملية الفرار عملية فيها درجة عالية من الاهتمام والجدية والعزيمة يتبع
|
#2
|
|||
|
|||
من معاني الفرار إلى الله : أن تهرب من ضيق الصدر بالهم والغم والحزن والمخاوف التي تعتري الإنسان في هذه الدار ؛ إلى سعة الإيمان وأُفُقِ الإسلام ورحابة طاعة الرحمن .
الفرار مما يتعلق بأسباب مصالحه ، الإنسان له مصالح متشابكة ؛ في أرض لم تسجَّل ، في بيت لم يتم بيعه ، في شركة لم يتخالص فيها الشركاء ، في إرث لم يوزَّع ، هذه كلها هموم ساحقة وضاغطة وماحقة ، فالإنسان يهرب من هذه المصالح وما يتعلَّقُ بها من ماله وبدنه وأهله وعدوه ، يهرب من ضيق صدره إلى سعة فضاء الثقة بالله تبارك وتعالى ، وكأن الإنسان إذا حج بيت الله الحرام يقول : لبيك اللهم لبيك ، استجابةً لك يا رب بعد استجابة ، وكأن الله يدعوه ويقول: تعال إلي يا عبدي ، تعالَ اخرج من همومك ، ومن ضيق صدرك ، ومن ثقل مصالحك ، تعال إلي ، حُطَّ همومك عندنا . إذاً المؤمن يفر من ضيقٍ يعتريه ، من ضيق الهم ، وضيق الغم ، وضيق الحزن ؛ إلى سعة فضاء الثقة بالله تبارك وتعالى ، وصدق التوكل عليه ، وحسن الرجاء لجميل صنعه به ، وتوقع المرجو من لطفه وبره ، ومن أحسن كلام العامة : لا هم مع الله ، أي أنه على كل شيء قدير ، كل من حولك بيد الله ، الأقوياء بيده ، والضُعفاء بيده ، وأهلك بيده ، أعضاؤك بيده ، أجهزتك بيده ، خلاياك بيده ، نمو الخلايا بيده ، أعضاؤك النبيلة بيده، لا هم مع الله ، من عرف الله ليس له هم ، الأمر كله عائدٌ إليه ، وقال تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا . ويرزقه من حيث لايحتسب ) يارب نازلةٍ ضاق بها الفتى ذرعا وعنـد الله مـنها المخـرج نزلت فلما استحكمت حلقاتهـا فرجت وكان يظن أنها لا تفرج أحد العلماء في تفسير قوله تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) قال : يجعل له مخرجاً من كل ما ضاق على الناس . وقال بعضهم : مخرجاً من كل شدة ، وهذا جامعٌ لشدائد الدنيا والآخرة ، ومضائق الدنيا والآخرة ، فإن الله جلَّ جلاله يجعل للمتقي من كل ما ضاق على الناس واشتد عليهم في الدنيا والآخرة مخرجاً . وقال بعضهم والإمام الحسن منهم : مخرجاً مما نهاهم عنه ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه . الآن كلما كان العبد حسن الظن بالله ، حسن الرجاء له ، صادق التوكُّل عليه ، فإن الله لا يخيب أمله فيه البَتَّة ، سبحانه لا يخيِّبُ أمل آمل، ولا يضيع عمل عامل ، وعبر عن الثقة وحسن الظن بالسعة فإنه لأشرح للصدر وأوسع له بعد الإيمان من ثقته بالله ورجائه له وحسن ظنه به ، هذا معنى : ( ففروا الى الله ) من الضيق إلى السَعَة ، من الخوف إلى الطمأنينة ، من هموم الدنيا إلى التطلع للآخرة . الآن لو تعمقنا قليلاً ، هناك فرار من الرسوم إلى الأصول ، من مظاهر الدنيا ، من قصورها ، من بيوتها ، من نسائها ، من مركباتها ، من تجارتها ، من أموالها ، من حدائقها ، من بساتينها ، من الرسوم إلى الأصول ، ومن الحظوظ إلى التجريد ، أرباب العزائم لا يقنعون برسوم الأعمال وظواهرها ؛ بل يعتدَّون بأرواحها وحقائقها ، فلا يرضى أن يصلي صلاة جوفاء، ولا أن يصوم صياماً لا معنى له ، ولا أن يحج البيت سائحاً، ولا أن ينفق ماله رئاءاً ، الصور لا تعنيه كثيراً تعنيه الحقائق ، وهم حينما عملوا بهذه الحقائق جعلوها هي المطلوبة ، ولم يجعلوا هذه الصور من مقصدهم ولا منتهى آمالهم بل جعلوا حقائقها هي المطلوبة . يتبع
|
#3
|
|||
|
|||
أيها الإخوة ... الفرق بين واقع المسلمين اليوم أنهم تعلقوا بالصور ، وتعلقوا بالمظاهر ، وتعلقوا بالألقاب العلمية ، وتعلقوا بالكتب، ولكن الإيمان الحقيقي أن تتعلق بالله جل جلاله ، وأن تصل إليه ، من الممكن أن تقيس إيمانك بقدرتك على الاتصال بالله عزَّ وجل ، فالذي لا يقدر أن يتصل بالله فمعنى ذلك أن عنده مشكلة ، في عقبات ، هناك عقبات كأداء تحول بينه وبين أن يتصل بالله عزَّ وجل ، هذه العقبات ينبغي أن تُزال ، فالمؤمن حكيم نفسه ، فإذا صلى ولم يشعر بشيء ، وقرأ القرآن فلم يشعر بشيء ، وذكر الله ولم يشعر بشيء ، فهنالك مشكلة كبيرة ، معنى هذا أن الطريق إلى الله غير سالك ، معناه في سوء ظن بالله ، أو في شبهة ، أو في معصية ، أو في مخالفة ، والإنسان حكيم نفسه . فمن يومين زارني أخ ، وقال لي : لصوص اقتحموا بناء لي وأخذوا حاجات بمئة ألف ، أعجبني منه هذا الورع ، قال لي : والله لم آسف على ما ضاع مني ، ولكنني قلقٌ على مكانتي عند الله ، لعل هذا عقابٌ أستحقه بذنبٍ لا أعلمه ، فقلقه لا من ضياع هذا المبلغ ؛ ولكن خوف أن تكون مكانته عند الله مهزوزة ، قلت له : والله إني أكبرتك ، أكبرت فيك هذا الورع ، وذاك الحرص . فالمؤمن الصادق يقلقه ألا يكون الله راضياً عنه ، ولو رضي عنه كل الناس ، الأصل أن يرضى الله عنك ، الأصل أن يحبك الله ، الأصل أن يقبلك الله ، الأصل أن يقبل عملك ، فهؤلاء الذين ـ أنا اقول مما يعمل في الحقل الديني ، رواد المساجد ، المؤمنون ، طلاب العلم ـ هؤلاء ينبغي ألا تعنيهم المظاهر ، يجب أن تعنيهم الحقائق ، ينبغي ألا تعنيهم الرسوم ، ينبغي أن تعنيهم الحقائق . فِر ، حركة سريعة ، حركة فيها عزيمة ، حركة فيها جِد ، حركة فيها اهتمام ، حركة فيها بطوله ، فروا إلى الله ، فهل من الممكن أن تحاسب نفسك قبل عشرين سنة عن شيء أكلته ولم تدفع ثمنه في مطعم ؟ ممكن ، من الفرار ، هل من الممكن أن تحاسب نفسك حساب عسير عن كلمة قلتها لا ترضي الله ، عن درهمٍ أنفقته في ما لا يرضي الله ؟ فهذا الذي فر إلى الله له اهتمامه الشديد ، وعزيمته الصادقة ، وإقباله على الله ، ولا تعنيه الرسوم . " رب أشعث أغبر ذي طمرين تنبو عنه أعين الناس لو أقسم على الله لأبره " . ( كنز العمال : عن " أبي هريرة " ) " رب درهمٍ سبق ألف درهم درهمٌ أنفق في إخلاص خيرٌ من مئة ألف درهم أنفقت في رياء " والعبرة أن تبتغي الرفعة عند الله ، الرفعة عند الناس سهلة ، كن غنياً يعظمك الناس ، كن قوياً يخافك الناس ، كن وسيماً ينظر الناس إليك بكل عيونهم ، أعطهم سؤلَهُم يحبك الناس ، العبرة أن تبتغي الرفعة عند الله، هذا معنى الفرار إلى الله .. الفرار فيه سرعة ، لا إنسان يفر ببطء ، هارب من عدو وماشٍ خطوة خطوة ، ليس هذا هو الفرار ، الفرار فيه سرعة ، والفرار من شيء مخيف إلى شيء مسعد ، من مكان مقلق إلى مكان آمن ، الفرار من ضيق إلى سَعَة ، من خوف إلى طمأنينة ، من قهر إلى سيطرة ، الفرار الذهاب من هَم إلى سعادة ، هذا هو الفرار ، فروا إلى الله ، فروا منه إليه، فروا من معصيته إلى طاعته ، فروا من شركائه إليه ، من الأغيار إليه ، الفرار إلى الله منزلة من منازل السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين . والحمد لله رب العالمين
المصدر : مدارج السالكين
|
#4
|
|||
|
|||
بارك الله فيك اختي وإن شاء الله في موازين حسناتك |
#5
|
|||
|
|||
جُزيتي خيراً
|
#6
|
|||
|
|||
بارك الله في عمرك
|
#7
|
|||
|
|||
جزاكم الله خيرا جميعا ووفقكم الله
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|