خاطرة وحكاية عن قول الله تعالى "لانفرق بين أحدٍ من رسله"

[أبو عمر الأزهري]

 

خاطرة طريفة،وحكاية ممتعة، عن قوله تعالى : "لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ..."

1-خاطرة طريفة:

من الطريف أن نلحظ أن رسل الملل الثلاث لم يكن حظهم متساويا في أقوال الأمم فيهم:
موسى عليه السلام :اتحدت في وصفه الأقوال،فليس إلا قول واحد:
-فهو نبي عظيم عند اليهود.
-ونبي عظيم عند النصارى.
-ونبي عظيم عند المسلمين.
عيسى بن مريم اختلفت فيه الأقوال، فهي ثلاثة:
-فهو نبي مزيف عند اليهود.
-ابن الله عند النصارى.
-نبي عظيم عند المسلمين.
محمد صلى الله عليه وسلم فيه قولان اثنان:
-نبي مزيف عند اليهود والنصارى
-نبي عظيم عند المسلمين.

ولو اعتبرنا الأقوال الصادرة عن الأمم في الرسل الثلاثة لوجدنا توزيعا طريفا:
-اليهود صدر منهم قولان:
تزييف نبوة عيسى ومحمد عليهما السلام وتصحيح نبوة موسى عليه السلام.
-النصارى صدرت منهم أكثر الأقوال :
تصحيح نبوة موسى.
تزييف نبوة محمد .
تأليه عيسى.
-المسلمون صدر عنهم قول واحد:
صححوا نبوة موسى، ونبوة عيسى، ونبوة محمد- صلى الله عليهم وسلم أجمعين-

وقد يقال هل لاتحاد الأقوال في موسى عليه السلام وإجماع الأمم الثلاث على تصحيح نبوته فضيلة انفرد بها عن أخويه وخاصة محمد صلى الله عليه وسلم؟
جوابه ما رواه ابن الجوزي-رحمه الله-في هذه المناظرة الشيقة المنقولة من كتابه"الأذكياء"

2-حكاية ممتعة:

حدثنا إبراهيم بن محمد بن شهاب العطار قال: روى يعقوب الشحام قال، قال لي أبو الهذيل بلغني أن رجلاً يهودياً قدم البصرة وقد قطع وغلب عامة متكليميهم، فقلت لعلي امضي إلى هذا اليهودي أكلمه ،فقال يا بني قد غلب جماعة متكلمي البصرة. فقلت لا بد. فأخذ بيدي فدخلنا على اليهودي فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه نبوة موسى عليه السلام ثم يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، فيقول نحن على ما اتفقنا عليه من نبوة موسى إلى أن نتفق على غيره فنقربه. فدخلت إليه فقلت له أسألك أو تسألني
فقال يا بني أو ما ترى ما أفعله بمشايخك.
فقلت دع عنك هذا واختر.
قال بل أسألك أخبرني أليس موسى نبياً من أنبياء الله قد صحت نبوته وثبت دليله تقر بهذا أو تجحده فتخالف صاحبك .
فقلت له أن الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي على أمرين:
أحدهما أني أقر بنبوة موسى الذي أخبر بصحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمرنا باتباعه وبشر نبوته ، فإن كان عن هذا تسألني فأنا مقر بنبوته ،
وإن كان الذي سألتني عنه لا يقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولم يأمر باتباعه ولا بشر به فلست أعرفه ولا أقر بنبوته وهو عندي شيطان مخزي .
فتحير مما قلت له
فقال لي فما تقول في التوراة
فقلت أمر التوراة أيضاً عندي على وجهين
إن كانت التوراة التي أنزلت على موسى الذي أقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهي التوراة الحق
وإن كانت الذي تدعيه فباطل وأنا غير مصدق بها.
فقال احتاج أن أقول لك شيئاً بيني وبينك فظنت أنه يقول شيئاً من الخير فتقدمت إليه فسارني
وقال: أمك كذا وكذا وأم الذي علمك لا يكني وقد رأى أني أثب به فيقول وثبوا علي.
فأقبلت على من كان في المجلس فقلت أعزكم الله أليس قد أجبته؟
قالوا نعم.
فقلت أليس عليه أن يرد جوابي ؟
فقالوا نعم. فقلت إنه لما سارني شتمني بالشتم الذي يوجب الحد وشتم من علمني وأنه ظن أني أثب به فيدعي أنا أثبناه وقد عرفتكم شأنه.
فأخذته الأيدي بالنعال فخرج هارباً من البصرة وقد كان له بها دين كثير فتركه وخرج هارباً لما لحقه من الانقطاع.