تَنُوحُ وَتَبْكِي بُكَاءَ الْحَنُونِ *** بِدَمْعٍ غَزِيرٍ يُذِيبُ الْجُفُونْ
وَتَنْظُرُ بَيْنَ الزُّرُوعِ مَليًّا *** وَتَبْحَثُ بَحْثَ الدَّؤُوبِ الْأَمِينْ
فَبَيْنَ الْخَمَائِلِ فَرْخٌ صَغِيرٌ *** بِعُشٍّ جَمِيلٍ يُبَاهِي الْغُصُونْ
وَقَدْ خَلَّفَتْهُ لِوَقْتٍ قَصِيرٍ *** يَنَامُ سَعِيدًا قَرِيرَ الْجُفُونْ
وَعَادَتْ إِلَيْهِ فَأَيْنَ تَرَاهُ؟ *** وَمَاذَا دَهَاهُ وَأَيْنَ يَكُونْ؟
فَيَا لَوْعَتَاهُ فَدَيْتُكَ فَرْخِي *** وَمَا مِنْ جَوَابٍ فَتَهْمِي الظُّنُونْ
وَظَلَّتْ تُنَقِّبُ عَنْهُ طَوِيلاً *** إِلَى أَنْ تَبَدَّلَ صَمْتُ السُّكُونْ
فَتَحْتَ الشُّجَيْرَةِ طَيْرٌ جَرِيحٌ *** يَئِنُّ وَيَبْكِي بِدَمْعٍ سَخِينْ
كَسِيرُ الْجَنَاحِ نَزِيفُ الْجِرَاحِ *** فَهَبَّتْ إِلَيْهِ بِقَلْبٍ حَزِينْ
وَضَمَّتْ إِلَيْهَا الصَّغِيرَ الْغَرِيرَ *** وَقَالَتْ: أَسَأْتَ، بِكُلِّ يَقِينْ
فَقَالَ: صَدَقْتِ وَإِنِّي الْمَلُومُ *** فَلَمْ أُصْغِ حَقًّا لِأُمٍّ حَنُونْ
ضَرَبْتُ بِنُصْحِكِ عُرْضَ الْفَضَاءِ *** فَكَانَ جَزَائِي بِمَا تَعْلَمِينْ
رَأَيْتُ الطُّيُورَ تَطِيرُ وَتَعْلُو *** تُحَرِّضُ رِيشِي بِمَكْرٍ دَفِينْ
دَعَوْنِي لِحَتْفِي فَكُنْتُ الْمُلَبِّي *** فَكَانَ سُقُوطِي بِهَذَا الْكَمِينْ
فَقَدْ خِلْتُ نَفْسِي أَمِيرَ الطُّيُورِ *** أَجُوبُ السُّهُولَ وَأَطْوِي الْحُزُونْ
جَهِلْتُ مَكَانِي وَأَغْفَلْتُ قَدْرِي *** دَعَانِي غُرُورِي لِفِعْلٍ مَشِينْ
فَقَالَتْ: سَلاَمًا وَعَفْوًا صَغِيرِي *** فَمَا كُنْتَ يَوْمًا بِقَلْبِي تَهُونْ
أَرَاكَ أَتَيْتَ ذُنُوبًا لَعَمْرِي *** فَلَمْ تَرْضَ مِنِّي دُرُوسَ السِّنِينْ
وَكُنْتَ تُغَامِرُ دُونَ تَرَوٍّ *** وَسُوءُ العَوَاقِبِ دَوْمًا يَبِينْ
وَطِرْتَ تُقَلِّدُ مِنْهُمْ كَبِيرًا *** وَذَاكَ وَرَبِّي لَعَيْنُ الْجُنُونْ
وَهَذِي التَّجَارِبُ دَرْسٌ مُفِيدٌ *** وَفِيهَا الْفَوَائِدُ رَغْمَ الشُّجُونْ
فَمَنْ لَمْ تُفِدْهُ الدُّرُوسُ كَثِيرًا *** فَسَوْفَ يُلاَقِي رِيَاحَ الْمَنُونْ
وَتِلْكَ الْوَصَايَا لِتَحْيَا كَرِيمًا *** وَتَبْقَى عَزِيزًا وَتَبْقَى مَصُونْ
نوال مهنى