الفقه والأحكــام يُعنى بنشرِ الأبحاثِ الفقهيةِ والفتاوى الشرعيةِ الموثقة عن علماء أهل السُنةِ المُعتبرين. |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
رد مختصر على بعض شُبُهات من أباح سماع الموسيقى والمعازف
انتشرت الموسيقى والمعازف في هذا الزمان انتشاراً هائلاً، فلا تكاد تذهب إلى أي مكان إلا وتُبتلى بسماع الموسيقى، سواء في الأسواق أو الطرقات أو وسائل المواصلات أو وسائل الإعلام بأنواعها أو نغمات التليفون وغيرها. ومما زاد البلاء قيام بعض من ينتسبون إلى العلم الشرعي بالقول بجواز سماع الموسيقى والمعازف، وأن الغناء كسائر المباحات حلالها حلال وحرامها حرام. وغاب عنهم أن الغناء الذين يتكلمون المعاصرون يتكون من ثلاث عناصر: الموسيقى، والكلمة، والأداء الصوتي؛ والكلمة هي التي ينطبق عليها القول "حلالها حلال وحرامها حرام". أما الموسيقى والمعازف فلا يُعلم أحد من عُلماء المسلمين، المتقدمين منهم والمتأخرين، خالف في حرمتها، باستثناء ابن حزم الظاهري ومن تابَعَه. وكل من أفتى من المعاصرين بجواز سماع الموسيقى، كمحمد الغزالي ود. يوسف القرضاوي، إنما هو ناقل عن ابن حزم. وقد طعن ابن حزم في صحة إسناد حديث المعازف (الذي سنذكره لاحقاً)، والذي أورده الإمام البخاري في صحيحه. ولا يخفى على أهل العِلم فقر ابن حزم الشديد في علم الحديث، وكما قال الشيخ أبو إسحق الحويني في إحدى محاضراته: "ابن حزم على جلالته لكنه كان ظاهرياً في كل شيء، حتى في الحديث". وتنحصر شبهات الطاعنين في حديث المعازف في وجهين: الوجه الأول: الطعن في صحة الحديث. الوجه الثاني: الطعن في دلالة الحديث على التحريم. · الوجه الأول: بيان صحة حديث المعازف ووجوب الاحتجاج به فقال المجيزون أن حديث المعازف الوارد في صحيح البخاري هو حديث مُعَلَّق منقطع الإسناد، ومِن ثَمَّ لا يصح الاحتجاج به!! والحديث المُعَلَّق هو: (ما حُذِفَ مِن مُبتدأ إسناده واحد أو أكثر ولو إلى آخر الإسناد). مِن كتاب "تحقيق الرغبة في توضيح النُخبة" ص81 – د. عبد الكريم الخُضير. قال ابن القيم رحمه الله: (عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثني أبو عامر، أو أبو مالك الأشعري رضي الله عنهما - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:“ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف”. هذا حديثٌ صحيح أخرجه البخاري في صحيحه محتجاً به، وعلقه تعليقاً مجزوماً به فقال: “باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه”، وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطاء بن قيس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عامر، أو أبو مالك الأشعري - والله ما كذبني - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم لحاجة فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله تعالى ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة”. ولم يصنع مَن قَدَح في صحة هذا الحديث شيئاً، كابن حزم، نُصرةً لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي، وزَعَم أنه منقطع لأن البخاري لم يَصِل سنده به). من كتاب "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان"، فصل “في بيان تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلام الصريح لآلات اللهو والمعازف، وسياق الأحاديث في ذلك” ص247، 248. ثم ساق ابن القيم، بعد إيراده الحديث السابق، خمسة أوجه للرد على وهم ابن حزم في تضعيف الحديث منها: (وجواب هذا الوهم من وجوه: أحدها: أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه، فإذا قال: "قال هشام" فهو بمنزلة قوله: "عن هشام"). والأحاديث المُعَلَّقة في صحيح البخاري لها حُكمٌ خاص في التصحيح يختلف عن سائر المُعَلَّقات في كتب الحديث. وهذا الحديث، كما ذكر ابن القيم، علقه البخاري بصيغة الجزم، و(ما كان منها بصيغة الجزم فإنه صحيح النسبة إلى مَن أُضيف إليه؛ فإن البخاري لا يستجيز أن يَجْزِم عنه بذلك ما لم يصح عنده عنه). مِن كتاب "تقريب عِلم الحديث: المستوى الأول" ص147 – فضيلة الشيخ طارق بن عِوَض الله. وقال الشيخ الألباني، رحمه الله: (فأعله ابن حزم بِعِلَّتَيْن: الانقطاع بين البُخاري وهِشام! والأخرى جهالة الصحابي الأشعري). ثم قال: (فإن الانقطاع – لو صح – لا يلزم منه الحُكم على المتن بالوضع، لا سيما وقد جاء من طريق أخرى عنده). من كتاب "تحريم آلات الطرب" ص81. فهذا جواب العِلة الأولى التي أوردها ابن حزم رحمه الله، وهي عِلة الانقطاع. وقال الألباني رحمه الله في الجواب عن العِلة الثانية التي أوردها ابن حزم: (وبقي الجواب عن العِلة الأُخرى؛ وهي الشك في اسم الصحابي، فهي شبهة أشد ضعفاً عند العلماء، قال الحافظ في الفتح (ج10، ص24): "الشك في اسم الصحابي لا يضر، وقد أعله بذلك ابن حزم وهو مردود".). من كتاب "تحريم آلات الطرب" ص85. وقد وَصَلَ الحافظ ابن حجر إسناد الحديث في كتابه "تغليق التعليق"، وقد لخص الجواب عن شبهات الطاعنين في إسناد حديث المعازف في قوله: (وهذا حديثٌ صحيح لا عِلة فيه ولا مَطعن فيه، وقد أعله أبو محمد ابن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة بن خالد، وبالاختلاف في اسم أبي مالك، وهذا كما تراه قد سُقْتُه من رواية تسعة عن هشام مُتصلاً... وأما الاختلاف في كنية الصحابي، فالصحابة كلهم عدول). من كِتاب "تغليق التعليق" ج5، ص21. · الوجه الثاني: بيان دلالة الحديث على تحريم سماع الموسيقى والمعازف فأنكر المجيزون لسماع الموسيقى أن يكون في الحديث ما يدل على تخصيص استحلال المعازف بالوعيد والذم، وأن الجمع بين الزنا والحرير والخمر والمعازف في الحديث لا يلزم اشتراكها في الحُكم بالتحريم. قال ابن القَيِّم في استدلاله بالحديث على التحريم: (ووجه الدلالة منه: أن المعازف هي آلات اللهو كلها، لا خِلاف بين أهل اللغة في ذلك، ولو كانت حلالاً لما ذمهم على استحلالها، ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والخز). من كتاب "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان"، فصل “في بيان تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلام الصريح لآلات اللهو والمعازف، وسياق الأحاديث في ذلك” ص249. وقد رد الشوكاني رحمه الله على هذه الشبهة بقوله: (ويُجاب، بأن الاقتران لا يدل على أن المُحَرَّم هو الجمع فقط، وإلا لزم أن الزنا المُصرَّح به في الحديث لا يُحَرَّم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف، واللازم باطل بالإجماع، فالملزوم مثله. وأيضاً يلزم في مثل قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} سورة الحاقة [الآيات 33 و34] أنه لا يحرم عدم الإيمان بالله إلا عند عدم الحض على طعام المسكين، فإن قيل: تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد عُلِم من دليل آخر، فيُجاب بأن تحريم المعازف قد عُلِم من دليلٍ آخر أيضاً كما سلف، على أنه لا مُلجيء إلى ذلك حتى يُصار إليه). من كتاب "نيل الأوطار" ج8، ص85. وختاماً، يُرجى التنبيه إلى أن الحديث السابق ذكره لا يُعَد الدليل الوحيد الذي استدل به أهل العلم على تحريم الموسيقى والمعازف. وقد عقد ابن القيم رحمه الله في كتابه “إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان” فصولاً في بيان حرمة الغناء والمعازف مع سوق الأدلة على ذلك. ولمن أراد التوسع، يُرجى الرجوع إلى تلك الفصول من الكتاب، وهي: "فصل في مكيدة اصطياد قلوب الجاهلين والمبطلين"، "فصل في مذهب الإمام أحمد في الغناء"، "فصل في السماع من المرأة الأجنبية أو الأمرد"، "فصل في سماع اللهو الشيطاني المضاد للسماع الرباني"، "فصل في لهو الحديث"، "فصل في الزور واللغو"، "فصل في زهق الباطل"، "فصل في المكاء والتصدية"، "فصل في رقى الزنا"، "فصل في منبت النفاق"، "فصل في تسمية قرآن الشيطان"، "فصل في الصوت"، "فصل في تسمية صوت الشيطان"، "فصل في تسمية مزمور الشيطان"، "فصل في تسميته بالسمود"، "فصل في تحريم الرسول صلى الله عليه وسلم لآلات اللهو". والله أسأل ان يبدل مزامير الشيطان بكلام الرحمن فهما فى قلب عبد لا يجتمعان وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين. |
الكلمات الدلالية (Tags) |
آباد, مختصر, من, الموسيقى, بعض, رد, سماع, شُبُهات, على, والمعازف |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|