بعد استخدامها في تصنيع لعب الأطفال والأثاث
دماء المستشفيات في دباديب الأطفال!
تحقيق:عبير الضمراني 2/2/2009
في لحظة غاب فيها الضمير, وساد فيها الجشع, تسربت كميات من القطن الملوث بالدماء, والناتج من مخلفات المستشفيات, إلي أيدي بعض التجار, فقاموا باستخدامها في تصنيع لعب الأطفال, وقطع الأثاث مما يصيب المتعاملين معها بأمراض خطيرة, القضية خطيرة للغاية, مادام بعض المستشفيات والعيادات الطبية لاتتخلص من نفاياتها بالطرق الآمنة المتعارف عليها, حيث يتم التخلص منها في صناديق القمامة, ليحصل عليها جامعو القمامة, الذين يقومون بتوريدها للتجار, حيث يجري تصنيعها وترويجها في الأسواق.
والواقعة تبدأ عندما تلقت وزارة البيئة العديد من البلاغات من المواطنين, بالعثور علي قطن ملوث بالدماء داخل دباديب ولعب الأطفال, والعرائس المصنوعة من القطن, ومن ثم طرحها في الأسواق الشعبية والعشوائية بأسعار زهيدة, وذلك بعد أن داهمت لجنة التفتيش البيئي مخازن تهريب المخلفات الطبية بمنطقتي البساتين, وبطن البقر, حيث قام بعض أصحاب المخازن بتجميع القطن الموجود ضمن المخلفات الطبية, وتوريده لتجار ألعاب الأطفال, وصناعة الدباديب والعرائس من الأقمشة والأقطان, فضلا عن أن هذا القطن يستخدم في صناعة أثاث المنزل, ومعظم التنجيد الموجود بالأرياف وكذلك بعض السجاجيد التي تفرش علي الأرضيات.
ولاشك أن هذا يعرض الأطفال لمخاطر صحية شديدة حيث إن هذا القطن الناتج من المخلفات الطبية للمستشفيات يسبب أمراضا خطيرة لمن يتعامل معه أو يستخدمه, لما يحمله من فيروسات خطيرة مثل الكبد الوبائي, والإيدز والدوسنتاريا والتيفود والكوليرا, وفي نفس السياق أحالت نيابة جنح البساتين قضية بتسريب17 طنا من النفايات الطبية الخطيرة من بعض المستشفيات بمخزنين في البساتين إلي محكمة الجنايات والمنتظر عقد أولي جلساتها خلال أيام.
ورغم أنه تم فتح ملف نفايات المستشفيات عدة مرات إلا أن المواطنين يرون أنه لم يتم اتخاذ الاجراءات الرادعة تجاه مرتكبي هذه الجرائم التي تصيبهم بالخوف, والهلع, والدهشة لانعدام ضمير التجار الجشعين الذين لا يرحمون حتي الأطفال وقد وصف أحد المواطنين هذه الجريمة بالقتل العمد وافشاء الفساد الذي يجب أن يلقي مرتكبها أشد العقوبة, كما يري آخرون أن انتشار الفقر أصاب بعض المواطنين بالتوحش لدرجة انهم يبتكرون اي وسيلة للحصول علي المال حتي إذا كان الثمن هو أرواح الأبرياء, والمتاجرة بصحة البشر بالنصب والاحتيال.. ولكن هناك تعديلات تشريعية لبعض مواد قانون البيئة لتحقيق الردع العام حيث يشدد العقوبة علي كل من يرتكب جريمة بيئية تعرض حياة المواطنين للخطر.
من أشد الجرائم
والجريمة البيئية تعتبر من أشد الجرائم كما يوضح المستشار مجدي الجندي النائب العام الأسبق وعضو مجلس ادارة جهاز شئون البيئة لأن هذه الجريمة تؤثر علي الصحة العامة للمواطنين, والمجتمع بأكمله, وتصنيع لعب الأطفال من القطن الملوث بالدماء يعتبر كارثة حقيقية لانها تؤذي الأطفال, وتنقل اليهم العدوي بأمراض خطيرة, وأن تداول المخلفات الطبية للمستشفيات من خلال غير المتخصصين, وبدون ترخيص يعتبر جناية يعاقب عليها القانون بالسجن المشدد, فلا يمكن التعامل مع المخلفات الخطيرة للمستشفيات مثلها مثل المخلفات العادية بل يجب أن تخضع طرق التخلص منها لاجراءات آمنة, بحيث يقوم بنقلها أشخاص مؤهلون للتعامل معها بطريقة آمنة, فيتم وضعها في أكياس خاصة ونقلها في سيارات مخصصة لهذا الشأن, والتخلص منها إما بالتعقيم أو الحرق الآمن ولهذا تم وضع تعديلات علي قانون البيئة أمام مجلس الشعب لردع المخالفين لبنوده أو تعريض حياة المواطنين للخطر, وعلي كل منشأة ينتج عنه مخلفات خطيرة لابد أن يكون لها سجل بيئي يقوم فيه بتدوين حجم الملوثات الناتجة عنها وكيفية معالجتها, ولا يجوز أن يزاول الأعمال البيئية البحتة ذات تخصص معين إلا من كان لديه ترخيص لمزاولة هذه الأعمال, فلابد أن يكون مؤهلا لهذا العمل ويصدر الترخيص من جهاز شئون البيئة اللجنة العليا للتقييم والاعتماد برئاسة وزير البيئة, ويشكل أعضاؤها علماء البيئة, وعلي صاحب كل منشأة أن يتخلص من النفايات الخطيرة بطريق أمنة, وتسليمها للجهات المختصة التي تقوم بحرقها ودفنها في المدفن الوحيد في مصر الموجود في العامرية أو بفرمها وتعقيمها حتي لا يتعرض للمساءلة القانونية.
الفرم والتعقيم
د. سامية جلال الأستاذ بالمعهد العالي للصحة العامة جامعة الإسكندرية ومستشارة الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية ومعهد ناصر ومستشفي سرطان الأطفال تقول ـ لابد أن يمر التخلص من نفايات المستشفيات بمراحل عديدة عن طريق فرم, وتعقيم هذه المخلفات داخل جهاز أوتوكلاف حيث يتم رفع درجة الحرارة إلي138 درجة مئوية تحت ضغط جوي3,8 لتخرج منتهية الشكل
ولا يمكن تحديد ماهيتها سواء كانت قطنا أو حقنا أو خراطيم أو مواد بلاستيكية أو بقايا أعضاء بشرية أو غيرها وتكون معقمة تماما ولا يمكن إعادة تدويرها ويمكن التخلص منها في القمامة, حيث لو تداولها أحد لا يصاب بالمرض.
وتعتبر الهيئة العامة للمستشفيات من أوائل الجهات التي طبقت هذا النظام في مستشفياتها والتي يصل عددها إلي13 مستشفي وكذلك المعهد القومي للأورام بالاضافة إلي مستشفيات جديدة نعمل علي دعمها بأجهزة التعقيم, ويقوم معهد ناصر حاليا بشراء جهاز ليعقم النفايات الناتجة من المعهد, أو غيره من المستشفيات, لأن تشغيل الوحدات لمستشفيات أخري مجاورة يعتبر خدمة وطنية, بالاضافة إلي العائد المادي الذي يعود علي المستشفي نتيجة استخدام آخرين للجهاز وقد ثبت أن التعقيم أفضل بكثير من الحرق, لأن العالم كله أصبح يمنع نظام حرق نفايات المستشفيات, لأن المخلفات لم يكن فيها هذا الكم المهول من المواد البلاستيكية الذي نجده الآن, والمحارق العادية لا تحمي البيئة من التلوث بالمواد السامة مثل الدايكسون والبنزوفيران والبنزوبايرين, وتلك المواد التي لا تتحلل وتعتبر غاية من السمية, وتسبب الاصابة بالأمراض السرطانية, والعيوب الخلقية للأطفال, والضعف الجنسي للرجال, وتشوه الأجنة.
وإذا كانت مخلفات المستشفيات تمثل مطمعا للبعض كما تقول د. سامية جلال ـ فيجب التخلص منها حتي لا يحصل عليها أحد, وتنتقل اليه العدوي, ولكن للأسف الشديد تقوم بعض المستشفيات الصغيرة بالقطاع الخاص وبعض العيادات بالقاء نفاياتها الطبية في صناديق القمامة العادية وأول من يتعرض للخطورة والإصابة المؤكدة بالعدوي هو جامع القمامة, الذي يقوم بفرز النفايات واستخراجها من القمامة, وغسلها بطريقة عشوائية في أماكن متنامية الأطراف عن القاهرة وذلك في بعض المصارف ويضيف اليها البعض مادة الصودا الكاوية لتبييض القطن مثلا وتعريضها للشمس, ويظن بذلك أنه قام بتعقيمها لكن في الحقيقة انها تكون غاية في الخطورة.
وتشير الي تجربة ايجابية قامت بها محافظة الاسكندرية تحت اشراف وزارة الصحة, لغلق الطريق أمام التخلص العشوائي من نفايات المستشفيات حيث تم شراء ثلاثة أجهزة أوتوكلاف كمفارم ضخمة جدا تخدم جميع مستشفيات المحافظة, حيث تقوم كل مستشفي بسداد أجر رمزي مقابل هذه العملية, ثم يتم نقل هذه النفايات الي أجهزة الفرم والتعقيم ويتم دفنها أو التخلص منها بمعرفتهم, ولا يتم تجديد ترخيص أي منشأة طبية الا بعد التأكد من تعاقدها علي فرم وتعقيم النفايات الطبية في هذه الاجهزة.
توفير النفقات
ويؤكد د. محمد الزرقا خبير البيئة الدولي أن هناك نظاما معمولا به في عديد من المستشفيات لتداول المخلفات الطبية بداية من سرير المريض, وغرف العمليات, والمعامل, والصيدليات حتي المحرقة ــ مثل مستشفي قصر العيني ــ أو الاوتوكلاف, للتخلص منها بطريقة آمنة, في الوقت الذي نجد فيه بعض المنشآت الطبية الأخري غير ملتزمة بهذه الطرق ويشير إلي ان القانون رقم(4) لسنة1994 لا يسمح بتداول المخلفات, والمواد الخطيرة الا بتصريح, أي لا يقوم بنقل النفايات إلا شــخص متخصــص لديه ترخيـــص للقيام بهذا العمل, وفي التعديل الأخير للقانون سوف يتم تغليظ العقوبة لمن يقوم بجمع نفايات المســتشفيات بدون ترخيص.
ويطالب د. محمد الزرقا مديري المستشفيات أصحاب العيادات الخاصة أو كل الجهات التي ينتج عنها مخلفات طبية خطيرة من غرف عمليات, ومعامل, وصيدليات.. الخ أن يقوم المدير المسئول بمتابعة خط سير هذه المخلفات وأنه يتم تداولها والتخلص منها بشكل آمن وألا يتم توجيهها الي متعهد القمامة العادي, فطبقا للقانون يجب أن يكون المتعهد لديه ترخيص من جهاز شئون البيئة, وكذلك كل من المركبة, أو وسيلة النقل, والجهة التي تقوم بالتخلص منها لديها ترخيص بذلك, كما يجب فرز المخلفات الطبية عن المخلفات العادية الناتجة من المكاتب, والمطابخ عن غيرها حتي لا يزيد حجم المخلفات المطلوب حرقها أو تعقيمها لتقليل التكلفة المادية المطلوبة للتخلص منها, ولكن في حالة عدم الفرز لابد من التعامل معها كلها علي إنها مخلفات خطيرة وحرقها في المحارق الخاصة أو فرمها وتعقيمها بطريقة أمنة حرصا علي سلامة المواطنين.