شهوةُ الكلام :
وللخروج من هذه الفتنة فإنَّها مطالبة بأمرين هما:
الأول: عدم الخضوع بالقول .
الثَّاني: القول بالمعروف.
قال تعالى:{فلا تَخْضَّعن بالقولِ فيطْمعُ الذِّي في قلبه مرض وقُلْنَّ قولاً معروفَا} الأحزاب 32
هذه الآية العظيمة جمعت أمرين:
أولهما: عدم الخضوع بالقول:
وقبل بسط القول في هذا المقام أحب أن أوضح أمرًا وهو أنَّ صوت المرأة بذاته ليس عورة، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم كلَّم النساء وكلَّمته النساء
وكان يجعل لهنَّ مجلسًا خاصًا يعظهنَّ فيه و يخُصهنَّ بتوجيهاته وكانت تأتيه المرأة تسأله عن دينها
و تسأل الصحابة من بعده ، وكان كل ذلك بالطبع يقع بصوتٍ وكلامٍ، ولم يمنع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك .
وفي حديث أم هانئ بنت أبي طالب قالت :ذهبتُ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوبٍ ، فسلَّمتُ
فقال:" من هذه؟
فقلت :أنا أم هانئ بنت أبي طالب.
فقال :" مرحبًا بأم هانئ". الحديث المشكاة 3977باب الأمان .
وفي الحديث عن جرير :" أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مرَّ على نسوة فسلَّم عليهنَّ". المشكاة 4647 باب السَّلام رواه أحمد بإسناد صحيح .
وغير ذلك ممَّا ثبت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه تحدَّث مع النساء، وأنَّ النِّساء تحدثنَّ معه ، لكن بشروط ذكرها الله سبحانه وتعالى قال عزَّ وجلَّ:{فلا تخْضعنَّ بالقول فيطمع الذِّي في قلبه مرض وقلْنَّ قولاً معروفَا}. الأحزاب 32
فالمرأة عندما تتحدث وتُخرج نبرات صوتها بميوعة أو همس أو تغنج ودلال أو ما شابه، فإنَّها يمكن أن تكون فتنة للأجنبي دون أن تشعر
فالأجنبي الذِّي تتعامل معه لا يعلم قلبه إلاَّ الله، ولا تفترضِ في القلوب أمرًا لا تعلمينه فقد يكون قلبًا سليمًا و يمكن أن يكون غير ذلك ، فلا مانع الأخذ في الحسبان الأمران معًا
بمعنى : أن تلتزمي بمـا أمر الله به فلا تُخْرجي صوتًا بخضوع إلاَّ مع زوج بشرط ألاَّ يسمع ذلك أجنبي فيتأثر قلبه فإنَّ الخضوع بالقول قد يحرك قلب الرجل الذي مرض قلبه ، بل قد يحرك قلب الرجل الذي سلم قلبه أيضًا .
إلاَّ أنَّ تحريك القلب المريض معه طمع فهو فساد ومرض قلبه يطمع فيقول :لعلِّي إذا راودتها عن نفسها قبلت،لعلِّي إذاكلمتها في الحُب والعشق استجابت ،ولعلَّه لفساد قلبه يتحدث عنها للغير فيقول: هذه امراة ليِّنة خاضعة بها ميوعة و يذكرها بسوء فتفسد سمعة المرأة دون شيء إلاَّ لخضوعها بالقول.
وحذَّر الله عزَّ وجلَّ المؤمنات من هذا السبيل الذِّي يجعل الفُجَّار ومرضى القلوب يطمعوا فيهنَّ، وهذا يلزم المرأة بطاعة ربِّها وغلق الباب جيِّدا
والذِّي لا يأتي معه إلاَّ ريح هلاك والعياذ بالله.
وليتكِ أختي المسلمة عند معاملتك للضرورة مع الأجانب أن تجعلي الحديث باللغة العربية وليس بالعامية ، فهذا من الأمور التي تمنع الخضوع بالقول ، ولا تسترسلي في الحديث دون ضرورة وراقبي نفسك ، وضعي هذا الأمر دائمًا في الحسبان فقد يقع الخضوع والليونة دون أن تشعري .
وتفكَّري أختي المسلمة في أنَّ رجلاً لا يرى منك إلا الثياب ، ولا يعرف ما هو وصفك ولا شكلك ، ثمَّ هو يسمع ليونة ودلال ، فيتخيل بمرض قلبه و بوحي من الشيطان أنَّك كذا وكذا . ما الذِّي دفعه إلى ذلك؟ إن كان وقع في ذلك بغير دافع منك ، فإنَّ الله عزَّوجلَّ يُدافع عنك و يحفظك و لا يؤاخذك بذلك لأنَّ هذا من فعل الشيطان وبدافع من إبليس ـ والعياذ بالله ـ أمَّا إذا كان بدافع منكِ فإنَّك قد أدليت في المسألة بدلو و ستؤاخذين بحسب دلوكِ، فالمرأة التِّي تخضع هي التِّي تفتح بابًا لهذه الذنوب التِّي يمكن ان تجر إلى فسادٍ عظيم فاغلقي هذا الباب تمامًا ، واجعلي المسلك الشرعي هو الذِّي يحكمك .
وسأقص عليك قصة وقعت بالفعل ،أقصها ليس من باب التسلية وقضاء الوقت ، ولكن من باب العظة والانتباه إلى النفس:
كانت امرأة مع زوجها في أحد المواصلات العامة ـ وتعلمين ما هي المواصلات العامة ـهي تلك المملوءة بالأجانب ، ثمَّ أخذت هذه المرأة تتحدث مع زوجها ثمَّ بدأ الضحك والميوعة ، فإذا رجل من خلفها وكان مخمورًا يهجم عليها و يحتضنها إلى آخر ما وقع، علمًا بأنَّ هذه المرأة لم تكن سافرة بحيث نقول أنَّها بما هي عليه أثارت فيه شهوة ، فعلى الشيطان به حرَّكت هذه المرأة التِّي كانت ساترة لبدنها بداخله الرغبة بخضوعها بالقول مع زوجها.
قدْ تسأل إحداكنَّ: وهل فعلت هذه المرأة جرْمًا؟
أقول: هي شاركت بخضوعها بالقول ونبرات صوتها ، فحرَّكت قلبه المريض مع تلبس الشيطان به فطمِع ، لم تتقِ الله عزَّ وجلَّ وتلتزم بما ينبغي عليها أمام الأجانب فكانت هذه النتيجة.
شيء آخر على المرأة أن تحتاط له و تحذر أشدَّ الحذر وهو التحدث في الهاتف فقد يتصل أجنبي هاتفيًا للسؤال عن زوج أو أب أو ما شابه فترُد المرأة بميوعة وليونة فيطمعُ الأجنبي و يعاود الاتِّصال لسماع صوتها لإشباع متعة خفية لحب سماع أصوات النِّساء من غير محارمه و استشعار طريقة الأخريات في الحديث مما يجُر إلى مفاسد عظيمة.
وقد تتحدَّثُ المرأة مع الأجنبي لضرورة كسؤال عن مسألة شرعية أو تحكيم في نزاع أو ما شابه فتبدأ بأقل الكلمات يمنعها حياؤها ، ثمَّ بعد فترة من الحديث تعتاد المرأة ذلك ويسقط حياؤها فتجدها وقد انطلقت في الكلام وقد تفضي بأمورٍ قد لا يستلزم مقام الحديث ذكرها ولكن شهوة الكلام وحب السماع يدفع إلى ذلك مما يُفسد القلب ويُبدِّد الحياء.
وقد يكون الحديث بالمعروف لا شيء فيه، ثمَّ لا يلبث أن ينقلب إلى غير ذلك فتضحك وتخضع و إلى غير ذلك من الامور التِّي لا تصِّح ، وحتَّى صارالهاتف فتنة خفية في البيوت يتحدث الأجانب مع النِّساء بغير محارمهنَّ في كلامٍ لا يجوز وحتَّى كادت أن تصبح المحادثات الهاتفية في حكم الخلوة.
ولا يُفْهم من كلامي هذا أنَّ الحديث في الهاتف مُحرَّم و لكن أقول بمراقبة النَّفس و الحذر أشدَّ الحذر فلا يخفى عليكِ ما يحدث من مفاسد بسب اعتياد الرجل سماع صوت امرأة ما قد لا يعرفها و لم يراها قط، وقد تكون إجابته على الهاتف بطريق الخطأ في رقم الهاتف ولكن سمع صوتها فتحرَّك قلبه وتأججت الشهوة فعاود الكرة فاعتاد الحديث معها إلى ما وراء ذلك من المفاسد.
نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن .