كلام من القلب للقلب, متى سنتوب..؟! دعوة لترقيق القلب وتزكية النفس |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
إغواء الشيطان وحبائلة لشيخ الإسلام ابن القيم ::كلام قل أن تجد نظيره::
إغواء الشيطان وحبائله:: للعلامة شيخ الإسلام ابن القيم ::
قال فى كتاب بدائع الفوائد ولا يمكن حصر أجناس شره فضلا عن آحادها إذ كل شر في العالم فهو السبب فيه ويكن ينحصر شره في ستة أجناس لا يزال بابن آدم حتى ينال منه واحدا منها أو أكثر الشر الأول شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه وهو أول ما يريد من العبد فلا يزال به حتى يناله منه فإذا نال ذلك صيره من جنده وعسكره وإستنابه على أمثاله وأشكاله فصار من دعاة إبليس ونوابه فإذا يئس منه من ذلك وكان ممن سبق له الإسلام في بطن أمه نقله إلى المرتبة الثانية من الشر وهي البدعة وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي لأن ضررها في نفس الدين وهو ضرر متعد وهي ذنب لا يتاب منه وهي مخالفة لدعوة الرسل ودعا إلى خلاف ما جاءوا به وهي باب الكفر والشرك فإذا نال منه البدعة وجعله من أهلها بقي أيضا نائبه وداعيا من دعائه فإن أعجزه من هذه المرتبة وكان العبد ممن سبقت له من الله موهبة السنة ومعاداة أهل البدع والضلال نقله إلى المرتبة الثالثة من الشر وهي الكبائر على اختلاف أنواعها فهو أشد حرصا على أن يوقعه فيها ولا سيما إن كان عالما متبوعا فهو حريص على ذلك لينفر الناس عنه ثم يشيع من ذنوبه ومعاصيه في الناس ويستنيب منهم من يشيعها ويذيعها تدينا وتقربا بزعمه إلى الله تعالى وهو نائب إبليس ولا يشعر فإن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم هذا إذا أحبوا إشاعتها وإذاعتها فكيف إذا تولوا هم إشاعتها وإذاعتها لا نصيحة منهم ولكن طاعة لإبليس ونيابة عنه كل ذلك لينفر الناس عنه وعن الإنتفاع به وذنوب هذا ولو بلغت عنان السماء أهون عند الله من ذنوب هؤلاء فإنها ظلم منه لنفسه إذا استغفر الله وتاب إليه قبل الله توبته وبدل سيئاته حسنات وأما ذنوب أولئك فظلم للمؤمنين وتتبع لعورتهم وقصد لفضيحتهم والله سبحانه بالمرصاد لا تخفى عليه كمائن الصدور ودسائس النفو س فإن عجز الشيطان عن هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الرابعة وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها كما قال النبي إياكم ومحقرات الذنوب فإن مثل ذلك مثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض // صحيح // وذكر حديثا معناه أن كل واحد منهم جاء بعود حطب حتى أوقدوا نارا عظيمة فطبخوا واشتووا ولا يزال يسهل عليه أمر الصغائر حتى يستهين بها فيكون صاحب الكبيرة الخائف منها أحسن حالا منه فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الخامسة وهي إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة وكان حافظا لوقته شحيحا به يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها وما يقابلها من النعيم والعذاب نقله إلى المرتبة السادسة وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه وقل من يتنبه لهذا من الناس فإنه إذا رأى فيه داعيا قويا ومحركا إلى نوع من الطاعة لا يشك أنه طاعة وقربة فإنه لا يكاد يقول إن هذا الداعي من الشيطان فإن الشيطان لا يأمر بخير ويرى أن هذا خير فيقول هذا الداعي من الله وهو معذور ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين بابا من أبواب الخير إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر وإما ليفوت بها خيرا أعظم من تلك السبعين بابا وأجل وأفضل وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد يكون سببه تجريد متابعة الرسول وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله وأحبها إليه وأرضاها له وأنفعها للعبد وأعمها نصيحة لله تعالى ولرسوله ولكتابه ولعباده المؤمنين خاصتهم وعامتهم ولا يعرف هذا إلا من كان من ورثة الرسول ونوابه في الأمة وخلفائه في الأرض وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك فلا يخطر بقلوبهم والله تعالى يمن بفضله على من يشاء من عباده فإن أعجزه العبد من هذه المراتب الست وأعيا عليه سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتبديع والتحذير منه وقصد إخماله وإطفائه ليشوش عليه قلبه ويشغل بحربه فكره وليمنع الناس من الإنتفاع به فيبقى سعيه في تسليط المبطلين من شياطين الإنس والجن عليه ولا يفتر ولا يني فحينئذ يلبس المؤمن لأمة الحرب ولا يضعها عنه إلى الموت ومتى وضعها أسر أو أصيب فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله فتأمل هذا الفصل وتدبر موقعه وعظيم منفعته واجعله ميزانك تزن به الناس وتزن به الأعمال فإنه يطلعك على حقائق الوجود ومراتب الخلق والله المستعان وعليه التكلان ولو لم يكن في هذا التعليق إلا هذا الفصل لكان نافعا لمن تدبره ووعاه يُتبع...بكلام هام |
#2
|
|||
|
|||
تلاعب الشيطان بالمسلم ومكائده وتلبيس فتن الشبهات عليه لتضليله لشيخ الإسلام ا بن تيمية وابن القيم
كيف تلاعب الشيطان بالأمة حتى فرقها شيعاً وتلاعب بنا نحن أبناء الصحوة الإسلامية؟ قال الله تعالى إخبارا عن عدوه إبليس : فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين [ الأعراف: 17 ] قال العلامة شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله بتصرف .... فى كتابه المتحف إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان ومن مكايده أنه يسحر العقل دائما حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله، فيزين له الفعل الذى يضره حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء، وينفر من الفعل الذى هو أنفع الأشياء له، حتى يخيل له أنه يضره، فلا إله إلا الله. كم فتن بهذا السحر من إنسان، وكم حال به بين القلب وبين الإسلام والإيمان والإحسان؟ وكم جلا الباطل وأبرزه فى صورة مستحسنة، وشنع الحق وأخرجه فى صورة مستهجنة؟ فهو الذى سحر العقول حتى ألقى أربابها فى الأهواء المختلفة والآراء المتشعبة، وسلك بهم فى سبل الضلال كل مسلك وألقاهم من المهالك فى مهلك بعد مهلك، فالأقوال الباطلة مصدرها وعد الشيطان وتمنيه، فإن الشيطان يمنى أصحابها الظفر بالحق وإدراكه، ويعدهم الوصول إليه من غير طريقه، فكل مبطل فله نصيب من قوله: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُوراً} [النساء: 120]. إخراج العبد إما لإفراط أو لتفريط.. ومن كيده العجيب: أنه قيم النفس، أى إستشمها حتى يعلم أى القوتين تغلب عليها: قوة الإقدام والشجاعة، أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة؟. فإن رأى الغالب على النفس المهانة والإحجام أخذ فى تثبيطه وإضعاف همته وإرادته عن المأمور به، وثقله عليه، فهون عليه تركه، حتى يتركه جملة، أو يقصر فيه ويتهاون به. وإن رأى الغالب عليه قوة الإقدام وعلو الهمة أخذ يقلل عنده المأمور به، ويوهمه أنه لا يكفيه، وأنه يحتاج معه إلى مبالغة وزيادة فيقصر بالأول ويتجاوز بالثانى، كما قال بعض السلف: "ما أمر الله سبحانه بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلوّ. ولا يبالى بأيهما ظفر". وقد اقتطع أكثر الناس إلا أقل القليل فى هذين الواديين: وادى التقصير، ووادى المجاوزة والتعدى. والقليل منهم جدا الثابت على الصراط الذى كان عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه. فقوم قصر بهم عن الإتيان بواجبات الطهارة، وقوم تجاوز بهم إلى مجاوزة الحد وكذلك قصر بقوم فى حق الأنبياء وورثتهم حتى قتلوهم، وتجاوز بآخرين حتى عبدوهم. وقصر بقوم فى خلطة الناس حتى اعتزلوهم فى الطاعات، كالجمعة والجماعات والجهاد وتعلم العلم، وتجاوز بقوم حتى خالطوهم فى الظلم والمعاصى والآثام. وكذلك قصر بقوم حتى منعهم من الاشتغال بالعلم الذى ينفعهم، وتجاوز بآخرين حتى جعلوا العلم وحده هو غايتهم دون العمل به. وقوم قصر بهم عن إخراج الواجب من المال، وقوم تجاوز بهم حتى أخرجوا جميع ما فى أيديهم وقعدوا كَلا على الناس، مستشرفين إلى ما بأيديهم. وقوم قصر بهم عن تناول ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب واللباس حتى أضروا بأبدانهم وقلوبهم، وقوم تجاوز بهم حتى أخذوا فوق الحاجة فأضروا بقلوبهم وأبدانهم. وقصر بآخرين حتى زين لهم ترك سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من النكاح فرغبوا عنه بالكلية، وتجاوز بآخرين حتى ارتكبوا ما وصلوا إليه من الحرام. وقصر بقوم حتى أهملوا أعمال القلوب ولم يلتفتوا إليها وعدوها فضلا، أو فضولا، وتجاوز بآخرين حتى قصروا نظرهم وعملهم عليها، ولم يلتفتوا إلى كثير من أعمال الجوارح، وهذا باب واسع جداً لو تتبعناه لبلغ مبلغا كثيراً، وإنما أشرنا إليه أدنى إشارة. ....طفق قلمه السيال رحمه الله ينضح بفصول من تلاعب الشيطان ببنى آدم ...فليراجع فإنه هام جداً ... قال... إن الشيطان ملحاح بطيء اليأس، وهو يترصد للمؤمن ويقعد له في طريق سيره إلى الله ثم ينصب له فخاخاً وأشراكا، لا يتدلى إلى الأدنى إلا إذا عجز عن الأعلى، فيبدأ له بنصب فخ الشرك والكفر فإن نجا منه، نصب له شَرك البدعة، فإن جاوزه أعد له شَبكة الكبائر، فإن تخطاه أعد له شَرك الصغائر، فإن نجا شغله بالمباح، فإن عجز ترصد وكمن له في عقبة العبادات المفضولة، فشغله بها وحسنها بعينه وزينها له و أراه ما فيها من الفضل والربح ليشغله بها عما هو أفضل منها وأعظم كسباً وربحا، لأنه لمّا عجز عن تخسيره أصل الثواب طمع في تخسيره كماله وفضله ودرجاته العالية، فشغله بالمرضي عن الأرضى له، فيشغله بطلب علم الكفاية عن فرض العين من الجهاد، ويزين له جهاد الدعوة وقد انفتح باب جهاد السيف على مصراعيه. ومن كيده للإنسان : أنه يورده الموارد التى يخيل إليه أن فيها منفعته، ثم يُصْدِرهُ المصادر التى فيها عطبه، ويتخلى عنه ويسلمه ويقف يشمت به، بإختصار شديد من كتاب إغاثة اللهفان التى لا غنى لمسلم عنه قال شيخ الإسلام مجموع الفتاوى مجلد 14 بتصرف.... فالعبد كما أنه فقير إلى اللّه دائماً ـ فى إعانته وإجابة دعوته وإعطاء سؤاله وقضاء حوائجه ـ فهو فقير إليه فى أن يعلم ما يصلحه وما هو الذي يقصده ويريده،.....إلى أن قال ...ولكن هذا المجمل لا يغنيه إن لم يحصل له هدى مفصل فى كل ما يأتيه ويذره من الجزئيات التى يحار فيها أكثر عقول الخلق، ويغلب الهوى والشهوات أكثر عقولهم لغلبة الشهوات والشبهات عليهم . والإنسان خلق ظلوما جهولا، فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر، فيحتاج دائماً إلى علم مفصل يزول به جهله، وعدل فى محبته وبغضه ورضاه وغضبه وفعله وتركه وإعطائه ومنعه وأكله وشربه ونومه ويقظته، فكل ما يقوله ويعمله يحتاج فيه إلى علم ينافى جهله، وعدل ينافى ظلمه، فإن لم يمن الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل وإلا كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم، فحاجة العبد إلى سؤال هذه الهداية ضرورية فى سعادته ونجاته وفلاحه، بخلاف حاجته إلى الرزق والنصر، فإن الله يرزقه، فإذا انقطع رزقه مات، والموت لابد منه، فإذا كان من أهل الهدى به كان سعيداً قبل الموت وبعده، وكان الموت موصلا إلى السعادة الأبدية، وكذلك النصر إذا قدر أنه غلب حتى قتل فإنه يموت شهيداً، وكان القتل من تمام النعمة، فتبين أن الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق، بل لا نسبة بينهما؛ لأنه إذا هدي كان من المتقين { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [ الطلاق : 2، 3 ] ، وكان ممن ينصر الله ورسوله، ومن نصر الله نصره الله، وكان من جند الله، وهم الغالبون؛ ولهذا كان هذا الدعاء هو المفروض .أى:: اهدنا الصراط المستقيم ومن موانع قبول العبد الهدى وتمكن الشيطان من إضلاله قال.. ...وسبب عدم هذا العلم والقول عدم أسبابه ،من النظر التام ، والإستماع التام لآيات الحق وإعلامه. وسبب عدم النظر والإستماع : إما عدم المقتضى فيكون عدماً محضاً ، وإما وجود مانع من الكبر أو الحسد فى النفس والله لا يحب كل مختال فخور.... رحمهما الله ... يُتبع ببحث هام عن فقه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر |
#3
|
|||
|
|||
|
#4
|
|||
|
|||
تلاعب الشيطان بالمسلم فى اختيار العبادة وإثار بعضها على بعض قال العلامة ابن القيم فى مدارج السالكين ثم أهل مقام " إياك نعبد " لهم في أفضل العبادة وأنفعها وأحقها بالإيثار والتخصيص أربع طرق ، فهم في ذلك أربعة أصناف : الصنف الأول : عندهم أنفع العبادات وأفضلها أشقها على النفوس وأصعبها . قالوا : لأنه أبعد الأشياء عن هواها ، وهو حقيقة التعبد . قالوا : والأجر على قدر المشقة ، ورووا حديثا لا أصل له " أفضل الأعمال أحمزها " أي أصعبها وأشقها . [ ص: 107 ] وهؤلاء : هم أهل المجاهدات والجور على النفوس . قالوا : وإنما تستقيم النفوس بذلك ، إذ طبعها الكسل والمهانة ، والإخلاد إلى الأرض ، فلا تستقيم إلا بركوب الأهوال وتحمل المشاق . الصنف الثاني ، قالوا : أفضل العبادات التجرد ، والزهد في الدنيا ، والتقلل منها غاية الإمكان ، واطراح الاهتمام بها ، وعدم الاكتراث بكل ما هو منها . ثم هؤلاء قسمان : فعوامهم ظنوا أن هذا غاية ، فشمروا إليه وعملوا عليه ، ودعوا الناس إليه ، وقالوا : هو أفضل من درجة العلم والعبادة ، فرأوا الزهد في الدنيا غاية كل عبادة ورأسها . وخواصهم رأوا هذا مقصودا لغيره ، وأن المقصود به عكوف القلب على الله ، وجمع الهمة عليه ، وتفريغ القلب لمحبته ، والإنابة إليه ، والتوكل عليه ، والاشتغال بمرضاته ، فرأوا أن أفضل العبادات في الجمعية على الله ، ودوام ذكره بالقلب واللسان ، والاشتغال بمراقبته ، دون كل ما فيه تفريق للقلب وتشتيت له . ثم هؤلاء قسمان ، فالعارفون المتبعون منهم إذا جاء الأمر والنهي بادروا إليه ولو فرقهم وأذهب جمعيتهم ، والمنحرفون منهم يقولون : المقصود من العبادة جمعية القلب على الله ، فإذا جاء ما يفرقه عن الله لم يلتفت إليه ، وربما يقول قائلهم : يطالب بالأوراد من كان غافلا فكيف بقلب كل أوقاته ورد . ثم هؤلاء أيضا قسمان ، منهم من يترك الواجبات والفرائض لجمعيته ، ومنهم من يقوم بها ويترك السنن والنوافل ، وتعلم العلم النافع لجمعيته . وسأل بعض هؤلاء شيخا عارفا ، فقال : إذا أذن المؤذن وأنا في جمعيتي على الله ، فإن قمت وخرجت نفقت ، وإن بقيت على حالي بقيت على جمعيتي ، فما الأفضل في حقي ؟ فقال : إذا أذن المؤذن وأنت تحت العرش فقم ، وأجب داعي الله ، ثم عد إلى موضعك ، وهذا لأن الجمعية على الله حظ الروح والقلب ، وإجابة الداعي حق الرب ، ومن آثر حظ روحه على حق ربه فليس من أهل " إياك نعبد " . الصنف الثالث : رأوا أن أنفع العبادات وأفضلها : ما كان فيه نفع متعد ، فرأوه [ ص: 108 ] أفضل من ذي النفع القاصر ، فرأوا خدمة الفقراء ، والاشتغال بمصالح الناس وقضاء حوائجهم ، ومساعدتهم بالمال والجاه والنفع أفضل ، فتصدوا له وعملوا عليه واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم الخلق كلهم عيال الله ، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله رواه أبو يعلى . واحتجوا بأن عمل العابد قاصر على نفسه ، وعمل النفاع متعد إلى الغير ، وأين أحدهما من الآخر ؟ . قالوا : ولهذا كان فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب . قالوا : وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم وهذا التفضيل إنما هو للنفع المتعدي ، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم إن الله وملائكته يصلون على معلمي [ ص: 109 ] الناس الخير وبقوله صلى الله عليه وسلم إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في البحر ، والنملة في جحرها . واحتجوا بأن صاحب العبادة إذا مات انقطع عمله ، وصاحب النفع لا ينقطع عمله ، ما دام نفعه الذي نسب إليه . واحتجوا بأن الأنبياء إنما بعثوا بالإحسان إلى الخلق وهدايتهم ، ونفعهم في معاشهم ومعادهم ، لم يبعثوا بالخلوات والانقطاع عن الناس والترهب ، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أولئك النفر الذين هموا بالانقطاع للتعبد ، وترك مخالطة الناس ، ورأى هؤلاء التفرق في أمر الله ، ونفع عباده ، والإحسان إليهم ، أفضل من الجمعية عليه بدون ذلك . الصنف الرابع ، قالوا : إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته ، فأفضل العبادات في وقت الجهاد : الجهاد ، وإن آل إلى ترك الأوراد ، من صلاة الليل وصيام النهار ، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض ، كما في حالة الأمن . والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا القيام بحقه ، والاشتغال به عن الورد المستحب ، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل . [ ص: 110 ] والأفضل في أوقات السحر الاشتغال بالصلاة والقرآن ، والدعاء والذكر والاستغفار . والأفضل في وقت استرشاد الطالب ، وتعليم الجاهل الإقبال على تعليمه والاشتغال به . والأفضل في أوقات الأذان ترك ما هو فيه من ورده ، والاشتغال بإجابة المؤذن . والأفضل في أوقات الصلوات الخمس الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه ، والمبادرة إليها في أول الوقت ، والخروج إلى الجامع ، وإن بعد كان أفضل . والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه ، أو البدن ، أو المال الاشتغال بمساعدته ، وإغاثة لهفته ، وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك . والأفضل في وقت قراءة القرآن جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه ، حتى كأن الله تعالى يخاطبك به ، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره ، والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك . والأفضل في وقت الوقوف بعرفة الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك . والأفضل في أيام عشر ذي الحجة الإكثار من التعبد ، لاسيما التكبير والتهليل والتحميد ، فهو أفضل من الجهاد غير المتعين . والأفضل في العشر الأخير من رمضان لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم ، حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم ، وإقرائهم القرآن ، عند كثير من العلماء . والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته عيادته ، وحضور جنازته وتشييعه ، وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك . والأفضل في وقت نزول النوازل وأذاة الناس لك أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم ، دون الهرب منهم ، فإن المؤمن الذي يخالط الناس ليصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه . والأفضل خلطتهم في الخير ، فهي خير من اعتزالهم فيه ، واعتزالهم في الشر ، فهو [ ص: 111 ] أفضل من خلطتهم فيه ، فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله أو قلله فخلطتهم حينئذ أفضل من اعتزالهم . فالأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال ، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه . وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق ، والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد ، فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته ، فهو يعبد الله على وجه واحد ، وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره ، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت ، فمدار تعبده عليها ، فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية ، كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها ، واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى ، فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره ، فإن رأيت العلماء رأيته معهم ، وإن رأيت العباد رأيته معهم ، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم ، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم ، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم ، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم ، فهذا هو العبد المطلق ، الذي لم تملكه الرسوم ، ولم تقيده القيود ، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات ، بل هو على مراد ربه ، ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه ، فهذا هو المتحقق ب " إياك نعبد وإياك نستعين " حقا ، القائم بهما صدقا ، ملبسه ما تهيأ ، ومأكله ما تيسر ، واشتغاله بما أمر الله به في كل وقت بوقته ، ومجلسه حيث انتهى به المكان ووجده خاليا ، لا تملكه إشارة ، ولا يتعبده قيد ، ولا يستولي عليه رسم ، حر مجرد ، دائر مع الأمر حيث دار ، يدين بدين الآمر أنى توجهت ركائبه ، ويدور معه حيث استقلت مضاربه ، يأنس به كل محق ، ويستوحش منه كل مبطل ، كالغيث حيث وقع نفع ، وكالنخلة لا يسقط ورقها وكلها منفعة حتى شوكها ، وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله ، والغضب إذا انتهكت محارم الله ، فهو لله وبالله ومع الله ، قد صحب الله بلا خلق ، وصحب الناس بلا نفس ، بل إذا كان مع الله عزل الخلائق عن البين ، وتخلى عنهم ، وإذا كان مع خلقه عزل نفسه من الوسط وتخلى عنها ، فواها له ! ما أغربه بين الناس ! وما أشد وحشته منهم ! وما أعظم أنسه بالله وفرحه به ، وطمأنينته وسكونه إليه ! ! والله المستعان ، وعليه التكلان |
#5
|
|||
|
|||
أول ذى الحجة لعام 1436 تقبل الله منا ومنكم
|
#6
|
|||
|
|||
قال ابن القيم
نور العقل يضيء في ليل الهوى فتلوح جادة الصواب .. فيتلمح البصير في ذلك عواقب الامور. |
#7
|
|||
|
|||
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|