ملتقى نُصح المخالفين ، ونصرة السنة لرد الشبهات ، ونصح من خالف السنة ، ونصرة منهج السلف |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
|||
|
|||
ماشاء الله
نفع الله بك وزادك علما وحرصا -- متابعةمعك ان شاء الله |
#12
|
||||
|
||||
اقتباس:
اقتباس:
جزاكم الله خيراً ..
|
#13
|
|||
|
|||
المطلب الثاني:
الرحمة والرحمة لغة: الرِّقة والمغفرة والتعطّف(1) زفي مفردات ألفاظ القرآن "والرحمة: رقَّة تقتضي الإحسان إلى المرحموم, وقد تُستعمل تارة في الرقة المجردة, وتارة في الإحسان المجرد عن الرّقة, نحو رحم الله فلاناً"(2) فالرحمة من أخلاق الإسلام التي أمر الله بها, بل إنه سبحانه اتصف بها "كَتَبَ ربُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة" وقال أيضاً "ورحمتي وسعت كل شئ" فقد وردت الرحمة في القرآن والسنة كثيراً فمن السنة: 1- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال "من لا يَرحم لا يُرحَم" البخاري. فالرحمة أمر فطري في البشر; بل في البهائم, وخي من الأخلاق المأمور بها حتى لقد رحم -عليه الصلاة والسلام- الجمادات, كما ورد عنه رحمته للجذع الذي حنَّ لفراقه -عليه الصلاة والسلام-, حيث لما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- حنين جذع النخلة نزل من على منبره وضمّه إليه وسكَّن من روعه أما بالنسبة لتصحيح الأخطاء بهذا الخُلُق العظيم منه -عليه الصلاة والسلام- فمن ذلك: 1- حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال "دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال "ما هذا الحبل؟" قالوا: هذا حبل لزينب, فإذا فترت تعلقت. فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- "لا. حُلّوه, لُيصلِّ أحدكم نشاطه, فإذا فتر فليقعد" البخاري. ففي هذا الحديث رحمته -عليه الصلاة والسلام- بهذه المرأة وبأمته كذلك, حيث لم يكلفهم ما يجهدهم, ويسقّ عليهم. 2- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال لي النبي -عليه الصلاة والسلام- "إنك لتصوم الدهو وتقوم الليل.." وفيه "صُم يوماً وأفطر يوماً" وفيه كذلك "فإنك إن فعلت ذلك هججَمَت عينك(3) ونَفَهَت نفسك(4), وإن لنفسك عليك حقاً" متفق عليه. فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أشفق على ابن عمرو ورحمه وأرشده إلى الصواب من هذا الفعل, وفيه تصحيح للخطأ الذي وقع فيه هذا الصحابي الجليل, قال النووي -رحمه الله- "وحاصل الحديث بيان رفق رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بأمّته, وشفقته عليهم, وإرشادهم إلى مصالحهم, وحثهم على ما يُطيقون الدوام عليه" شرح مُسلم (3/225) وقد قال ابن حجر مثل هذا الكلام في الفتح (4/265). فالداعية المُخلص هو الذي تدفعه الشفقة والرحمة على المدعوين, والخوف عليهم من عاقبة ذلك الخطأ إلى ملاحظتهم وتصحيح أخطائهم, وهذا ما فعله إمام الدعاة وقدوة المربيين محمد -عليه الصلاة والسلام-... وقد احتل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بهذا الخُلُق -الرحمة- المكانة العظيمة في قلوب أصحابه, حتى فَدَوَهُ بالأموال والآباء والبنين, بل تعدَّى ذلك الفداء بأنفسهم رضوان الله عليهم, وما ذلك إلا لأنه -عليه الصلاة والسلام- كان رحيماً شفيقاً بهم ولم يكن فاحشاً ولا مُفحشاً ولا صخّاباً ولا عنيفاً, قال سبحانه وتعالى عنه {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159 3- حديث الرجل الذي أصاب أهله في نهار رمضان وجاء إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يستفتيه, وفيه : أنه لم يجد ما يُعتق به ولا يستطيع الصيام, ولا يجد ما يُطعم به, فلما جاء بعض الطعام إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره أن يتصدق به فأخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يجد أفقر من أهل بيته في المدينة, فضحك النبي -عليه الصلاة والسلام-, ورحمه ثم قال له: أطعم أهلك وهذا في حال من ندم على خطئه واشتدَّ أسفه. ------ (1)القاموس المُحيط مادة (رحم) صـ 1436 (2)مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني صـ 347 (3)هجمت عينك: غارت وضعفت لكثرة السهر (فتح الباري)(النووي) (4)نفهت نفسك: كلَّت (الفتح) وقيل ضَعُفَت (النووي)
|
#14
|
|||
|
|||
المبحث الثالث:
الحكمة والموعظة الحسنة وفيه تمهيد ومطلبان: المطلب الأول: الحكمة. المطلب الثاني: الموعظة الحسنة. تمهيد والعمدة في موضوع الحكمة والموعظة الحسنة هو قول الباري -عز وجل- " ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " فالدعوة بالحكمة, والكلام بالموعظة الحسنة مع المُخاطب, والنظر في أحوال الناس لتوصيل الدعوة, وإزاله ما يتعلق بهم من أخطاء وتصحيحها هو المنهج الأمثل, والأسلوب الأحسن لاستجابة ذلك المُخاطب, ولاستمالة قلبه وللتأثير عليه والطريقة التي يخاطبهم بها, والتنوع في هذه الطريقة حسب مقتضايتها, فلا تستبدَّ به الحماسة, والإندفاع والغيرة, فيتجاوز الحكمة في هذا كله فعليك بالموعظة الحسنة التي تدخل إلى القلوب برفق, وتتعمَّق المشاعر بلطف, لا بالزجر في غير موجب!, ولا بفضح الأخطاء التي قد تقع عن جهل, أو حسن نيّة فإن الرفق في الموعظة كثيراً ما يهدي القلوب الشاردة, ويؤلف القلوب النافرة, ويأتي بخير من الزجر والتأنيب والتوبيخ.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو مصعب السلفي ; 11-13-2010 الساعة 11:47 PM |
#15
|
|||
|
|||
المطلب الأول:
الحكمة الحكمة في الاصطلاح... قيل فيها أقوال كثيرة, ورجَّح صاحب كتاب : الحكمة في الدعوة إلى الله أن التعريف الشامل لها هو " الإصابة في الأقوال والأفعال, ووضع كل شئ في موضعه " , والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان من أحكم الخلق, يضع الشئ في موضعه, ولذا تآلفت عليه القلوب, وتواطأت الأفئدة على محبته, وتواترت الأقوال مدحه -عليه الصلاة والسلام- ومن تتبع سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وأقواله وأفعاله, وجد أنه كان ملازماً للحكمة في جميع أموره وتصرفاته, كيف لا وقد أُفرغت الحكمة في صدره -عليه الصلاة والسلام- كما ورد في الحديث المتفق عليه من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- حيث كان يحدّث أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال " فُرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل عليه السلام فشق صدري ثم غسله من ماء زمزم, ثم جاء بطست من ذهب ممتلئاً حكمة وإيماناً فأفرغها في صدري " -وللحكمة أركان ثلاثة وهي: 1-العلم 2-الحلم 3-الأناة وكلها قد وردت بها الأحاديث والمواقف منه -عليه الصلاة والسلام-, والتي دلّت على بالغ حكمته, ومن ذلك: 1- حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: تخلف عنا النبي -عليه الصلاة والسلام- في سفرة سافرناها, فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ, فجعلنا نمسح على أرجلنا, فنادى بأعلى صوته -عليه الصلاة والسلام- "ويل للأعقاب من النار" ثلاثاً ولعل الحكمة في هذا الحديث هي عدم تسميته المُخطئ بعينه, إذ ليس الجميع كلهم قد نسوا مسح أعقابهم -بالتأكيد-, فرسول الله -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث كان يرى الذين أخطأوا في وضوئهم وقصَّروا, وعند انكاره عليهم لم يقل لهم يا فلان ويا فلان, بل قال -عليه الصلاة والسلام- "ويل للأعقاب من النار", وستر على المُخطئ منهم, فدلّ ذلك على حكمته -عليه الصلاة والسلام-. 2-كذلك حكمته -عليه الصلاة والسلام- مع معاوية بن الحكم السُلمي الذي شمّت العاطس وهو في الصلاة فهذا الموقف من أعظم الحكم البارزة السامية التي أوتيها النبي -عليه الصلاة والسلام-, وقد ظهر ذلك في نفس ومشاعر معاوية -رضي الله عنه-, لأن النفس مجبولة على حب من أحسن إليها, ولهذا قال -رضي الله عنه- " ما رأيتُ معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه " وصدق القائل: أحْسِن إلى الناسِ تَسْتَعْبِدْ قلوبهم * فطالما استعبدَ الإحسانُ إنسانا 3- حكمته -عليه الصلاة والسلام- مع الأعرابي الذي بال في المسجد حيث تعامل معه النبي -عليه الصلاة والسلام- بكل حكمة وحلم ورفق, مع أنه أتى بأمر عظيم -وهو البول في المسجد- استحق عليه الهمّ بالضرب والأذى من الصحابة الكرام, ومع ذلك تؤثِّر فيه هذه الحكمة النبوية, فيرفع عقيرته بقوله " اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً " إنها أعظم حكمة تصدر من أعظم الخلق -عليه الصلاة والسلام-.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو مصعب السلفي ; 11-13-2010 الساعة 11:44 PM |
#16
|
|||
|
|||
من أروع مطالب الكتاب
المطلب الثاني: الموعظة الحسنة الموعظة في اللغة: كما جاء في القاموس المُحيط: وعظه, يعظه, وعظاً, وعظةً وموعظةً: ذكّره ما يليّن قلبه من الثواب والعقاب فاتّعظ. (القاموس مادة "وعَظَه صـ 903) والموعظة في الاصطلاح هي: التذكير بالخير والحق على الوجه الذي يرق له القلب, ويبعث على العمل. وقيل: هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب. (فتح القدير 3/230) وأسلوب الوعظ هو من أنفع الأساليب التي يستخدمها المرء في التأثير على الغير. ولأسلوب الوعظ أو الموعظة الحسنة صفات منها: -النصح ومنه قوله سبحانه على لسان نوح " ولا ينفَعُكُم نُصْحِي إن أردْتُ أن أنصَحَ لكم إن كانَ الله يُريدُ أن يُغْوِيَكُم " -ومنها التذكير, وأعظمه التذكير بيوم الحساب كما قال سبحانه وتعالى " ذلك يوعَظُ به من كانَ مِنكم يؤمِنُ بالله واليومِ الآخِر " وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعظ أصحابه بالمواعظ الحسان, ويتخولهم بالموعظة, ويشدُّ أفئدتهم للانتباه له, وذلك امتثالاً لتوجيه الله له بذلك, حيث قال سبحانه " وعِظْهُم وَقُل لَّهُم في أنفُسِهِم قولاً بليغاً ", وقال الله سبحانه وتعالى " ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ " فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد هذا التوجيه يعظ أصحابه ومن ذلك: -حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ذات يومٍ ثم أقبل علينا بوجهه, فوعظنا موعظة بليغة, ذرفت منها العيون, ووجلت منها القلوب..." فانظر كيف فعلت موعظة النبي -عليه الصلاة والسلام- في قلوب سامعيه, حيث وجلت من موعظته قلوبهم, ودمعت لها أعينهم, وذلك لأنه وعظهم موعظة بليغة جعلت قلوبهم تتأثر ذلك التأثر... -وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتخوّل أصحابه بالموعظة كراهة السآمة, فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتخوّلنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا.. قال ابن حجر تعليقاً على الحديث: وفيه رفق النبي -عليه الصلاة والسلام- بأصحابه(1), وحُسن التوصل إلى تعليمهم وتفهيمهم; ليأخذوا عن نشاط لا عن ضجر ولا ملل, ويُقتدى به في ذلك, فإن التعليم بالتدريج أخفُّ مؤنة, وأدعى إلى الثبات من أخذه بالكدِّ والمغالبة. (الفتح 11/232) وقال العلامة الطيبي: المعنى أنه كان يتفقدنا بالموعظة في مظان القبول(2), ولا يُكثر علينا لئلا نسأم. وهكذا كان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يعظ أصحابه, ويوجز في الموعظة ويتخولهم بها, ومن تلك المواعظ ما استخدمه -عليه الصلاة والسلام- في تصحيح الأخطاء, وقد كان هذا المنهج -منهج تصحيح الخطأ بالموعظة- من المناهج التي أثَّرت في الصحابة -رضوان الله عليهم- ووقرت في نفوسهم, وبالتالي انقادوا لها ومن هذه المواقف ما يلي: 1- قصة أسامة بن زيد -رضي الله عنه- حين قتل الرجل الذي قال: لا إله إلا الله, فلما قدموا وبلغ النبي -عليه الصلاة والسلام- ما فعل أسامة قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام- "أقتلته؟" قال نعم قال "فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذ جاءت يوم القيامة؟" قال: يارسول الله استغفر لي قال "وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذ جاءت يوم القيامة؟" ثلاثاً علّق ابن حجر -رحمه الله- على هذا الحديث بقوله: قال ابن التِّين: وفي هذا اللوم تعليم وإبلاغ في الموعظة, حتى لا يقوم أحد على قتل من تلفظ بالتوحيد. (الفتح 12/203) والنبي -عليه الصلاة والسلام- زجر أسامةوكرر عليه الإنكار لفداحة ما صنع, بل وزاده -عليه الصلاة والسلام- موعظة بليغة, حيث وعظه وذكّره باليوم الآخر, وأن ذلك اليوم تبلى فيه السرائر, ولا يخفى على الله فيه خافية!, فوعى أسامة هذ الدرس الكبير(3) حتّى تمنى أنه لم يُسلم إلا ذلك اليوم مخافة وقوعه في العذاب الشديد يوم القيامة. قال ابن بطّال: كانت هذه القصة سبب حَلِفِ أسامة أن لا يقاتل مسلماً بعد ذلك, ومن ثم تخلف عن عليٍّ في الجمل وصِفِّين. (الفتح 12/204) 2- قصة أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- حينما ضرب غلامه, واشتدَّ عليه في الضرب حتى أنه لم يسمع نداء النبي -عليه الصلاة والسلام- له من أول وهلة, ثم سمعه يقول له " اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام " فقال أبو مسعود: يارسول الله هو حُرٌ لوجه الله, فقال -عليه الصلاة والسلام- " أما لو لم تفعل للفحتك النار, أو لمستك النار " ففي هذا الحديث وعظُ النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي مسعود وتضكيره بالله تبارك وتعالى, قال النووي -رحمه الله-: فيه الحثُّ على الرِّفق بالمملوك, والوعظ, والتنبيه على استعمال العفو, وكظم الغيظ, والحكم كما يحكم الله على عباده. (شرح مسلم 4/290) فالنبي -عليه الصلاة والسلام- وعظه, وأبلغ في الموعظة بالتذكير بالله سبحانه وبقدرته على العبد. ----- (1) ونحن لنا في رسولنا إسوة حسنة -عليه الصلاة والسلام-, فعلينا بالرفق مع مَن حولنا, والحرص على هدايتهم لا مُجرد تلقينهم الحجة فقط ولو كانت بغلظة!. (2) وما أحلى هذا التأسي بالنبي في هذا الموطن, فبه تكون الفتوحات لفتح القلوب لرب البريات. (3) وياليت شعري ليتنا نتعلمه نحن أيضاً ونتقي الله في أنفسنا وفي الخوض في المسلمين والعلماء بالسوء, فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- "المُسلم من سلم المُسلمون من لسانه" والله المستعان.
|
#17
|
|||
|
|||
جزاك الله خيراً أبا مصعب ونفع بك
واصل وصلك الله . |
#18
|
|||
|
|||
المبحث الرابع
الحوار والإقناع -مبحث متميز- والحوار والإقناع من أساليب ووسائل تصحيح الأخطاء, وهما دآلّان على الاتصاف بالخُلُق الحسن لأنهما لا يصدران إلا من إنسان قد اتّصف بهذه الأخلاق الفاضلة; لأن الناس تختلف عقولهم, ومداركهم من حيث الفهم وسرعة الإستجابة, ويختلف الناس أيضاً من حيث الانقياد والتسليم لشرع الله; أمره ونهيه. لذا كان لزاماً على المُصحح للأخطاء اتخاذ أسلوب الحوار والإقتاع ليتمكن من عقول المدعوين لإفهامهم بما يجب أن ينقادوا له من شرع الله وحكمه. والإقناع هو الإرضاء للشخص عن طريق الحوار والنقاش. و "أقنعه:أرضاه, وقنّعه تقنيعاً: رضّاه"(1) والإقناع الفكري من أول الطرائق التي سلكها القرآن, وسلكها الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن الأمثلة التي سلكها القرآن في هذا الأمر -الإقناع- قول الله تبارك وتعالى " قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ "(2) ففي هذه الآيات يُبيِّن سبحانه وتعالى ماكان عليه المُشركون, ثم " يأخذهم بمسلمَّاتهم التي يُقِرُّون بها, ليُصحِّح ذلك الاضطراب في العقيدة, ويردّهم إلى التوحيد الخالص الذي تقود إليه مسلَّماتهم لو كانوا يستقيمون على الفطرة, ولا ينحرفون" وهذا نوع من طرق الإقناع, ويُسمى كذلك بتقرير المُخاطب بأصول وقواعد, ثم البناء عليها بعد إقرار المُخاطب بها(3) ومن الأمثلة التي في هذا الباب عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في تصحيحه للأخطاء, والتي كانت من أبلغ الطُرُق التي أثَّرت في الصحابة, فصححوا أخطاءهم, وانقادوا لأمر الله وأمر رسوله -عليه الصلاة والسلام- 1-حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- في قصة الأنصار الذين قالوا يوم حنين, حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء, فطفق رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يُعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل, فقالوا: يغفر الله لرسول الله, يُعطي قريشاً ويتركنا, وسيوفنا تقطر من دمائهم..., فَحُدِّث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بذلك فجمعهم في قبّة من أَدَم, وفيه: فقال -عليه الصلاة والسلام- "ما حديث بلغني عنكم؟.. أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون برسول الله؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به.." وفي رواية البخاري " ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي, وكنتم متفرقون فألّفكم الله بي, وعالة فأغناكم الله بي؟ كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمنّ. قال: لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا. ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير, وتذهبون بالنبي -عليه الصلاة والسلام- إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنتُ امرءاً من الأنصار, ولو سلك الناس وادياً وشِعْباً لسلكتُ وادي الأنصار وشِعبها, الأنصار شعار والناس دثار.." وفي رواية "فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم.." متفق عليه. وفي هذا الحديث يتبين بجلاء أهمية الحوار والإقناع في تغيير سلوك الآخرين إلى الصواب, حيث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تعامل مع هذه الفئة المؤمنة -التي قالت ما قالت- بكل هدوء حتى أقنعهم, فأثَّر هذا الإسلوب فيهم حتى أنهم بكوا من تأثّرهم, وأعلنوها بقولهم "رضينا برسول الله -عليه الصلاة والسلام- قِسماً وحظّاً" وفي هذا الإسلوب تبرز قوة النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحوار, وإثارة العواطف, والتّأنيب والاسترضاء. وهذا الكلام من النبي -عليه الصلاة والسلام- للأنصار رضي الله عنهم فيه من اللين والِّرفق بهم والخلق العظيم ما فيه, ولذا رضّاهم, وأقتعهم حتى اقتنعوا ورضوا. قال الإمام الكرماني -رحمه الله- "إنما أراد به -عليه الصلاة والسلام- تألّف الأنصار, واستطابة نفوسهم, والثناء عليهم في دينهم ومذهبهم, حتى رضي أن يكون واحداً منهم, لولا مايمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها"(4) وهذا الأمر يؤكِّد للدعاة أن يتحلوا بهذه الصفة العظيمة, وأهمية ذلك في حياة الداعية. 2-حديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقالت: يارسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر. أفأصوم عنها؟ قال " أرأيت لو كان على أمِّك دين فقضيته, أكان يؤدى ذلك عنها؟ " قالت: نعم, فقال "فصومي عن أمّك" مسلم. ففي هذا الحديث صَحَّحَ النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قد يقع فيه الإنسان ويُخطئ فيه, وهو عدم القضاء عن نذر الميت... فالتصحيح جاء بالحوار والإقناع, حيث استخدم النبي -عليه الصلاة والسلام- أسلوب المحاورة مع هذه المرأة ليضمن وصول المعلومة إلى ذهنها, وكان بإمكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن يجيب بكلمة نعم وينتهي الأمر! ولكنه أراد -عليه الصلاة والسلام- من هذه السائلة الاستجابة المبنية على الفهم والإقناع التام. وبهذا يُعلم أن هذا الإسلوب من أنفع الأساليب للتصحيح, حيث يتضمّن الخُلُق العظيم الذي استخدمه -عليه الصلاة والسلام- في تصحيحه للأخطاء. و"بهذا المنهج استطاع النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يربِّي جيلاً صالحاً, مترجماً لإيمانه عاملاً بعلمه", فبلغ هذا الجيل مابلغ في الإيمان, والعمل الصالح بتوفيق الله ثم بأسلوب النبي معهم -عليه الصلاة والسلام- وطرق تصحيحه لأخطائهم.(5) ---- (1) القاموس المحيط مادة (قَنَع) صـ 978 (2) المؤمنون (89:84) (3) بتصرف من: فقه الأخلاق والمعاملات: مصطفى العدوي 2/33 (4) شرح الكرماني للبخاري (5) راجع كتاب: الرسول يسأل والصحابي يُجيب: سلمان الدحدوح صـ 36, وكتاب الجوانب الإعلامية في خطب الرسول -عليه الصلاة والسلام- للدكتور: سعيد بن علي ثابت -الفصل الثالث: أصول الإقناع في خطب الرسول -عليه الصلاة والسلام- صـ 126.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو مصعب السلفي ; 11-13-2010 الساعة 11:49 PM |
#19
|
|||
|
|||
المبحث الخامس:
التعريض والإكتفاء بالبيان العام -هام جداً- وكذلك يُسمى بالتلميح. والتعريض في اللغة: خلاف التَّصريح... ومنع المعاريض في الكلام; وهي التورية بالشئ عن الشئ(1) ... وقد ورد التَّعريض في كثير من آيات القرآن ومن ذلك ما ورد في سورة التوبة حيث قال الله تعالى "وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " وقال سبحانه كذلك "وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ" وقال سبحانه "وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي" إلى غير ذلك من الآيات التي عرَّض فيها بالمنافقين, واكتفى بالبيان العام لأخطاء أولئك القوم, وترك ذكر أسمائهم قال السعدي -رحمه الله-: كانت هذه السورة الكريمة تُسمى (الفاضلحة) لأنها بيّنت أسرار المنافقين, وهتكت أسنارهم, فما زال الله يقول: ومنهم ومنهم, ويذكر أوصافهم, إلا أنه لم يعيّن أشخاصهم لفائدتين: إحداهما: أنّ الله ستير يُحب الستر على عباده. والثانية: أن الذمَّ على ما اتصف بذلك الوصف من المنافقين الذين توجّه إليهم الخطاب, وغيرهم إلى يوم القيامة, فكان ذكر الوصف أعمّ وأنسب حتى خافوا غاية الخوف. اهـ رحمه الله(2) وقال العلامة محمد المناوي -رحمه الله- عن عدم ذكر رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لأسماء المنافقين مع معرفته لهم: لأن عدم التعيين أوقع في النصحية, وأجلب للدعوة إلى الإيمان, وأبعد عن النّفور والمُخاصمة, ويحتمل كونه عاماً لينزجر الكل عن هذه الخصال على آكد وجه. اهـ(3) أما ما ورد في السنّة من التّعريض والإكتفاء بالبيان العام فكثير, وخصوصاً ما كان في بيان تصحيح الأخطاء; إذ أنه -أي التعريض والبيان العام- ماهو إلا نتيجة الخثلُق العظيم الذي اتّصف به رسول الله -عليه الصلاة والسلام-, وكذلك استفادته من منهج القرآن -كما مرّ آنفا-, وقد استخدم النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الإسلوب لتوجيه الصحابة, والأمة من بعدهم إلى تجنب بعض الأعمال المكروهة التي تؤدي إلى إيذاء المُجتمع, أو إلى فساد العبادة, أو إلى غيرها من الآداب التي ينبغي التحلي بها, ومن ذلك ما يلي: يُتبع إن شاء الله .. ----- (1) الصِّحاح للجوهري (3/1087) (2) تيسير الرحمن صـ 342 (3) فيض القدير للمناوي (1/464)
التعديل الأخير تم بواسطة أبو مصعب السلفي ; 11-13-2010 الساعة 11:51 PM |
#20
|
|||
|
|||
جزاك الله كل خير
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|