انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > وسائل تحصيل العلم الشرعي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-13-2010, 12:20 AM
عبد الله مصطفي عبد الله مصطفي غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




Ramadhan05 القواعد الذهبية في أدب الخلاف

 

القواعد الذهبية في أدب الخلاف


فضيلة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق



الحمد لله الذي لا إله إلاهو له الحمد في الأولى والآخرة ، وله الحكم وإليه ترجعون ، والصلاة والسلام على النبي الكريم الذي كان يستفتح صلاته بقوله‏:‏ الله رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطرالسموات والأرض اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، وعلى آله وأصحابه ومن سار على هداهم من أهل الحق والدين إلى يوم البعث والنشور ‏.‏‏.‏

وبعد ،،

فهذه قواعد جمعتها في الأدب الواجب على أهل الإسلام عند الاختلاف عملاً بقوله سبحانه وتعالى ‏:‏‏(‏ومااختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله‏)‏الشورى‏:‏10

وقوله سبحانه‏:‏(‏يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً‏)‏ النساء‏:‏59

وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا‏)‏آل عمران‏:‏103

أسأل الله أن ينفع بها عباده المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها ، وقد جعلناها مختصرة موجزة ليسهل جمعها، ولا يعسر على طالب العلم التوسع فيها ، وفهمها ،والحمد لله رب العالمين ‏.‏


القواعد الذهبية لماذا‏؟‏

قد يسأل سائل لماذا سميت هذه القواعد الذهبية‏؟‏

والجواب

أن القاعدة الواحدة منها أفضل لطالب العلم ومبتغي الحق من اكتساب الألوف من دنانير الذهب ‏.‏

ذكرالإمام ابن كثير - رحمه الله - في ترجمته لحبر هذه الأمة وأعلمها بكتاب الله ، وهوعبد الله بن عباس رضي الله عنه هذا الخبر ‏:‏

وقال بعضهم أوصى ابن عباس بكلمات خير من الخيل الدهم ، وقال ‏:‏‏(‏لا تكَلَّمن فيما لايعنيك حتى تجد له موضعاً ، ولا تُمار سفيهاً ولا حليماً فإن الحليم يغلبك ، والسفيه يزدريك ، ولا تَذْكُرَنَّ أخاك إذا توارى عنك إلا بمثل الذي تحب أن يتكلم فيك إذا تواريت عنه ، واعمل عمل من بعلم أنه مجزي بالإحسان مأخوذ بالإجرام‏)‏ ‏.‏

فقال ابن عباس ‏:‏‏(‏كلمة منه خير من عشرة آلاف‏)‏‏.‏ البداية والنهاية 308/8

وهذه الكلمات من ابن عباس رضي الله عنهما قواعد في الأخلاق ، وآداب الجدال لا تقدر بمال ‏.‏


أولاً‏:‏ قواعد عامة في الخلاف‏:


1‏)‏ ما لا يتطرق إليه الخلل ثلاثة‏:‏ كتاب الله ، وسنة نبيه ، وإجماع الصحابة ، وماسوى ذلك ليس بمعصوم‏:‏


الأصول التي يتطرق إليها الخلل والتي يجب الرجوع إليها عند كل خلاف هي كتاب الله سبحانه وتعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الثابتة الصحيحة ، ثم ما علم يقيناً أن أمة الإسلام جميعها اجتمعت عليه ، وماسوى هذه الأصول الثلاثة فليس بمعصوم من الخطأ ‏.‏


ويترتب على القاعدة السابقة ما يلي‏:‏


أ‏)‏ لا يجوز لأحد أن يخرج عن المقطوع دلالته من كتاب الله ، وسنة رسوله ، وما علم يقيناً أن الأمة قد أجمعت عليه‏.


ب‏)‏ ظني الدلالة من الكتاب والسنة يرد إلى المقطوع ، والمتشابه يرد إلِى المحكم
لقوله تعالى ‏:‏‏(‏هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب ، وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله و******** في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يتذكر إلا أولو الألباب‏)‏ آل عمران‏:‏7


ج‏)‏ ما تنازع فيه المسلمون يجب أن يردوا الخلاف فيه إلى كلام الله ، وكلام رسوله ،
عملاً بقوله تعالى ‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً‏)‏النساء‏:‏59


2‏)‏ رد المعلوم من الدين ضرورة كفر‏:‏


لا يجوزالخلاف في حكم من الأحكام المقطوع بها في الإسلام ، والمقطوع به هو المجمع عليه إجماعاً لا شبهة فيه ، والمعلوم من الدين بالضرورة كالإيمان بالله وملائكته ، وكتبه، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره من الله تعالى ، وأن القرآن الذي كتبه الصحابة ويقرؤه المسلمون جميعاً إلى يومنا هذا هو كتاب الله لم ينقص منه شيء ،والصلوات الخمس ، وصيام شهر رمضان ، ووجوب الزكاة والحج ، وحرمة الربا والزنا ،والخمر ، والفواحش ، ونحو ذلك من المعلوم من الدين بالضرورة أنه من الإسلام ، وكلذلك لا يجوز فيه خلاف بين الأمة ورد هذا ومثله كفر ‏.‏


3‏)‏ الخلاف جائز في الأمور الاجتهادية‏:‏


الأحكام الاجتهادية الخلافية التي وقع التنازع فيه بين الأمة في عصور الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا يجوز فيها الاختلاف ، ولا يجوز الحكم على من اتبع قولاً منها بكفر ولافسق ولا بدعة ‏.‏


ولمن بلغ درجة النظر والاجتهاد أن يختار منها ما يراه الحق ، ولمن عرف الأدلة وأصول الفقه أن يرجح بين الأقوال ، ولا بأس بالتصويب والتخطيء ، وبالقول إن هذا راجح ، وهذا مرجوح ، وذلك كرؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج ، وقراءة الفاتحة وراء الإمام في الجهرية ، والجهر والإسرار ببسم الله الرحمن الرحيم ، وإتمام الصلاة في السفر ‏.‏


4‏)‏ وقوع الاختلاف وكونه رحمة وسعة أحياناً‏:


الخلاف في الأمور الاجتهادية الظنية واقع من الصحابة والتابعين والأئمة وجميع علماء وفضلاء هذه الأمة ، وذلك أنه من لوازم غير المعصوم ، ولا معصوم إلارسول الله ،وأما من بعده فلا عصمة لأحد منهم ، والخطأ واقع منهم لا محالة‏.‏


وهذا الخلاف الجائز ، أو السائغ ، قد نص كثير من سلف الأمة أن فيه أنواعاً من الرحمة لهذه الأمة‏:‏


أ‏)‏الرحمة في عدم المؤاخذة‏:‏


‏(‏ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا‏)‏البقرة‏:‏286 وقد ثبت في صحيح البخاري رحمه الله أن الله قال بعد أن أنزل هذه الآية ، وتلاها الصحابة ‏:‏ قد فعلت ، والمجتهد المخطئ معذور ، بل مأجور أجراً واحداً كما جاء في الصحيحين ‏:‏ إذا حكم الحاكم ثم اجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فله أجر واحد‏.‏ متفق عليه‏.‏


ب‏)‏ الرحمة والسعة في جواز أخذ القول الاجتهادي كما نص على ذلك غير واحد من الأئمة المجتهدين‏:


قال ابن قدامة رحمه الله في مقدمة كتابه المغني ‏:‏ ‏(‏أما بعد ‏.‏‏.‏‏.‏ فإن الله برحمته وطوله جعل سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام مهد بهم قواعد الإسلام وأوضح بهم مشكلات الأحكام ‏:‏ اتفاقهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة‏)‏‏.‏


وقال الإمام الحجة القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم ‏:‏ ‏(‏لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم ، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة، ورأى أن خيراً منه قد عمل عمله‏)‏ جامع بيان العلم وفضله 80/4


وذكر ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله‏:‏ ‏(‏أن عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد اجتمعا فجعلا يتذكران الحديث فجعل عمر يجيء بالشيء مخالفاً فيه القاسم ، وجعل ذلك يشقُّ على القاسم حتى تبين فيه فقال له عمر ‏:‏ لا تفعل فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم‏)‏ جامع بيان العلم وفضله 80/2


وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‏:‏ ‏(‏أن رجلاً صنف كتاباً في الاختلاف فقال أحمد ‏:‏ لا تُسمِّه كتاب الاختلاف ،ولكن سمه كتاب السعة‏)‏ ‏.‏ الفتاوى 79/30


5‏)‏ يجب اتباع ما ترجح لدينا أنه الحق‏:‏


ما تنازع فيه الصحابة وأئمة الإسلام بعدهم ، وعلم بعد ذلك أن النص بخلافه فإنه يجب علينا فيه اتبع ما تبين أنه موافق للدليل ، وعدم اتهام السابقين بكفر أو فسق أو بدعة وذلك ‏:‏ كترك الجنب الذي لا يجد ماء للصلاة حتى يجد الماء ، وصرف الدينار بالدينارين ، ونكاح المتعة ، ومنع التمتع في الحج ، وجواز القدر غير المسكر من خمر العنب ، ومثل هذه المسائل كثير ‏.‏


6‏)‏ أسباب الخلاف التي يعذر فيها‏:‏


أسباب الخلاف التي يعذر فيها المخالفون كثيرة ‏:‏ كمعرفة بعضهم بالدليل ،وجهل بعضهم له والاختلاف حول صحة الدليل ، وضعفه ، وكونه نصاً على المسألة أوظاهراً أو مؤولاً، وتفاوت فهمهم للنص وتقديم بعضهم دلالة من دلالات النص على أخرى ،كمن يقدم الفحوى على الظاهر ، وكمن يقدم الظاهر على الفحوى،كما اختلفوا في قوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا يصلين أحدٌ العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيهم وقال بعضهم ، بل نصلي ، لم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي فلم يعنف واحداً منهم‏)‏ متفق عليه


ومثل هذه الأسباب يعذر أصحابها إذا اجتهد كل منهم لمعرفة الحق ‏.‏


7‏)‏ أسباب الخلاف التي لا يعذر فيها المخالف‏:‏


وأماالأسباب الأخرى التي لا يعذر فيها المخالف فهي الحسد والبغي ، والمراءاة والانتصار للنفس ومن كانت هذه دوافعه للخلاف ، حرم التوفيق والإنصاف ، ولم يهتد إلا للشقاق والخلاف كما قال تعالى‏:‏‏(‏كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم ، فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‏)‏البقرة‏:‏213


فالذين هداهم الله هم الذين لا يبغون ‏.‏


8‏)‏ وجوب طاعة الإمام في الأمور العامة وإن أساء مالم يخرج من الإسلام‏:


منهج أهل السنة والجماعة الصلاة خلف أئمة الجور والجهاد معهم ، وإن كانوا فجاراً ، والصوم بصومهم والحج بحجهم ، وإعطاء الزكاة لهم ‏.‏


ففي الصلاة صلى المسلمون خلف الذين حاصروا الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وصلى السلف خلف الحجاج والوليد ، والمختار بن أبي عبيد ، وأمر النبي بالصلاة خلف الولاة وإن كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها ‏.‏


وفي الزكاة قال النبي ‏:‏‏(‏أدوا إليهم حقهم ، وسلوا الله حقكم‏)‏متفق عليه


9‏)‏ لا يجوز للإمام أن يحجر نشر علم يخالفه‏:‏


ليس لإمام المسلمين أن يحجر الناس من نشر علم يخالف رأيه ، أو مذهبه ، بل عليه أن يترك كل مسلم وما تولى، كما ترك عمر رضي الله عنه عماراً وغيره يذكر مايأثره عن الرسول رضي الله عنه في التيمم‏.‏


وأفتى ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم بخلاف رأي عمر رضي الله عنه في متعة الحج ، وأفتى حذيفة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين بخلاف رأي عثمان رضي الله عنه في إتمام الصلاة بعرفة ومنى ‏.‏


ولكن يجب على الإمام أن يمنع نشر الكفر والبدع والزندقة ، وأن يقيم الحدود الشرعية في ذلك ، فسب الله وسب رسوله وسب دينه يوجب القتل لقوله ‏:‏ من بدل دينه فاقتلوه» رواه البخاري ، والساعي في المتشابهات ، والتشكيك في الدين يجب تعزيره كما فعل عمر رضي الله عنه مع صبيغ بن عسل ‏.‏


والمسلم المتأول المخطئ يناقش في خطئه ، وتأوله كما فعل عمر رضي الله عنه أيضاً مع الذين شربوا الخمر تأولاً ‏.‏


ولا يجوز الحكم على متأول إلا بعد قيام الحجة عليه ‏.‏


10‏)‏ لكل مسلم الحق بل عليه الواجب في إنكار المنكر والأمر بالمعروف‏:


لما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً من الله على كل مسلم وجب على ولي الأمر إطلاق يد المسلم في ذلك إلا ما كان من حقوقه هو كإقامة الحدود ، والتعازير ، وأما ما كان تحت ولاية المسلم فهذا له كتأديب الزوجة ، والولد في حدود ما شرعه الله في ذلك ، وكذلك إنكار المنكر باللسان ، لوكان هو منكر الإمام نفسه عملاً بقوله تعالى ‏:‏‏(‏إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأناالتواب الرحيم‏)‏البقرة‏:‏159-160


فلا يجوز للمسلم أن يكتم علماً ،ولا أن يقر على باطل إذا علم أن إقراره رضا ومتابعة ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حيث يقول ‏:‏ ‏(‏ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن عرف برئ ، ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع، قالوا ‏:‏ أفلا نقاتلهم ‏؟‏ قال ‏:‏ لا‏.‏ ما صلوا‏)‏ رواه مسلم


ونص الحديث أن المسلم لا يبرأ إلا بالإنكار ، وقد يسلم بالسكوت وعدم الرضا إذا لم يستطع الإنكار باللسان ‏.‏
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-13-2010, 12:21 AM
عبد الله مصطفي عبد الله مصطفي غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي

ثالثاً‏:‏ ما بعد الخلاف‏.‏

إذا وقع الخلاف بين مسلم وآخر في المسائل التي يسوغ فيها الخلاف ، وهي الأمور الاجتهادية ، أو الأمور التي اختلف الصحابة والأئمة فيها قديماً فإن الواجب الشرعي هو اتباع الخطوات السابقة في أدب الخلاف والمناظرة‏.‏

ولا شك أنه لو اتبعت الخطوات السابقة قضي على الخلاف بإذن الله ، ووصل المختلفان إلى الاتفاق ، ووفقا بحول الله إلى الحق ‏.‏

وأما إذا ظهر لكل منهما صحة نظره وسلامة قوله ،وأنه لا يستطيع أن يدين الله إلا بما يراه ، فإن واجب المختلفين مايأتي‏:

1‏)‏ إعذار المخالف وترك أمره لله سبحانه وتعالى‏:

الأدب الشرعي الأول هو إعذار من يخالفك الرأي من المسلمين في الأمور الاجتهادية ، وإيكال أمره لله ، وتنزيهه من فساد النية ،وإرادة غير الحق ما دام ظاهره هو الدين والعدل‏.‏

2‏)‏إبقاء الأخوة‏:‏

لا يجوز لمسلم أن يقاطع أخاه المسلم لرأي ارتآه ،أو اجتهاد اجتهد في ما دام يعلم أنه تحرى الحق ، واتبع ما يظن أنه الصواب ، ولايجوز في مثل هذه الحالة هجران أو تعزير ، ولا شك أنه لو أن كل مختلفين تهاجرا لم يبق مسلم مع مسلم ‏.‏

3‏)‏ لا تشنيع ولا تفسيق ولاتبديع للمخالف في الأمور الاجتهادية‏:‏

لا يجوز اتهام المخالف ولا التشنيع عليه ، ولا ذكره من أجل مخالفته ، ولا تبديعه ، ولا تفسيقه ومن صنع شيئاً من ذلك فهو المبتدع المخالف لإجماع الصحابة‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ‏:‏ ‏(‏وقد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم ، كمسائل في العبادات ، والمناكح والمواريث والعطاء ،والسياسة ، وغير ذلك ، وحكم عمر أول عام في الفريضة الحمارية بعدم التشريك ، وفي العام الثاني بالتشريك في واقعة مثل الأولى ، ولما سئل عن ذلك قال ‏:‏ تلك على ماقضينا وهذه على ما نقضي‏.‏ وهم الأئمة الذين ثَبَتَ بالنصوص أنهم لا يجتمعون على باطل ولا ضلالة ، ودل الكتاب والسنة على وجوب متابعتهم‏)‏ مجموع الفتاوى‏.‏

وقال الإمام الذهبي في ترجمة الإمام محمد بن نصر المروزي‏:‏ ‏(‏ولوأنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه ،وهجرناه ، لما سلم معنا ابن نصير ، ولا ابن مندة ، ولا من هو أكبر منهما ، والله هوهادي الخلق إلى الحق ، هو أرحم الراحمين ، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة‏)‏ سيرأعلام النبلاء 40/14

4‏)‏ لا يجوز التشنيع ولا التبديع ولا التفسيق لأحد من سلف الأمة ومجتهديها إذا خالف بعض الأمور القطعية اجتهاداً‏:‏

ولا يجوز لنا التشنيع ولا التبديع ولا التفسيق لأحد من سلف الأمة المشهود لهم بالخير ، إذا علم أنه خالف في بعض الأمور القطعية اجتهاداً منه ‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‏:‏ ‏(‏وليس في ذكر كون المسألة قطعية طعن على من خالفها من المجتهدين كسائر المسائل التي اختلف فيهاالسلف ، وقد تيقنا صحة أحد القولين مثل كون الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد لوضع الحمل ، وأن الجماع المجرد عن الإنزال يوجب الغسل ، وأن ربا الفضل حرام ، والمتعة حرام‏)‏ الآداب الشرعية 186/1

5‏)‏ يجوز بيان الحق وترجيح الصواب وإن خالف اجتهاد الآخرين‏:‏

لكل من المختلفين أن يذكرما يراه حقاً ، وينشر ما يراه صواباً ، ويرجح ما يراه الراجح ، وله أن يبين أن قول معارضه مرجوح لأن كلمتان العلم لا يجوز ، وعلى كل مجتهد أن يذكر ما يعتقد أنه الحق، وإن خالف من خالف من الأئمة والعلماء والأقران ‏.‏

وقد خالف ابن عمر وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهما - عمر بن الخطاب ، وأبا بكر الصديق - في متعة الحج ،وأفتيا بخلافهما ، هذا مع كمال الموالاة للصديق والفاروق‏.‏

وكان كل إمام وعالم يفتي بما يراه الصواب وإن خالف غيره ، وقد قال الإمام مالك ‏:‏ ‏(‏ما منا إلارد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر‏)‏ يعني النبي ‏.‏

6‏)‏ لا يجوز حمل الناس على الرأي الاجتهادي‏:‏

لا يجوز لعالم مجتهد ، ولا لإمام عام أن يحمل الناس على رأيه واجتهاده ‏.‏

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن ولي أمراً من أمور المسلمين ، ومذهبه لا يجوِّز شركة الأبدان فهل يجوز له منع الناس ‏؟‏

فأجاب ‏:‏ ليس له منع الناس من مثل ذلك ، ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد ، وليس معه بالمنع نص من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا ما هو في معنى ذلك ، لا سيما وأكثر العلماء على جواز مثل ذلك ، وهو مما يعمل به عامة المسلمين في عامة الأمصار ‏.‏

وهذا كما أن الحاكم ليس له أن ينقض حكم غيره في مثل هذه المسائل ، ولا للعالم والمفتي أن يلزم الناس باتباعه في مثل هذه المسائل، ولهذا لما استشار الرشيد مالكاً أن يحمل الناس على موطئه في مثل هذه المسائل منعه من ذلك ‏.‏

وقال ‏:‏ إن أصحاب رسول الله تفرقوا في الأمصار ، وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم ، وصنف رجل كتاباً في الاختلاف ، فقال أحمد ‏:‏ لا تسمِّه كتاب الاختلاف ، ولكن سمه كتاب السعة‏.‏ ولهذا كان بعض العلماء يقول ‏:‏ إجماعهم حجة قاطعة ، واختلافهم رحمة واسعة ، وكان عمر بن عبد العزيز يقول‏:‏ ما يسرني أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً ، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ، ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة ، وكذلك قال غير مالك من الأئمة‏:‏ ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ‏.‏

ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي رحمه الله وغيره ‏:‏ إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لاتنكر باليد ، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها ، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية ، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه ، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكارعليه ، ونظائر هذه المسائل كثيرة ‏:‏ مثل تنازع الناس في بيع الباقلا الأخضر في قشريه ، وفي بيع المقاثي جملة واحدة ، وبيع المعطاة والسلم، الحال ، واستعمال الماء الكثير بعد وقوع النجاسة فيه إذا لم تغيره ، والتوضؤ من ذلك ، والقراءة بالبسملة سراً أو جهراً ، وترك ذلك ، وتنجيس بول ما يؤكل لحمه وروثه ، أو القول بطهارة ذلك ،وبيع الأعيان الغائبة بالصفة ، وترك ذلك ،والتيمم بضربة أو ضربتين إلى الكوعين ، أوالمرفقين والتيمم لكل صلاة أو لوقت كل صلاة أو الاكتفاء بتيمم واحد ، وقبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض ، أو المنع من قبول شهادتهم ‏.‏

ومن هذا الباب الشركة بالعروض ، وشركة الوجوه ، والمساقاة على جميع أنواع الشجر والمزارعة على الأرض البيضاء فإن هذه المسائل من جنس الأبدان بل المانعون من هذه المشاركات أكثرمن المانعين من مشاركة الأبدان، ومع هذا فما زال المسلمون من عهد نبيهم وإلى اليوم في جميع الأعصار والأمصار يتعاملون بالمزارعة والمساقات ، ولم ينكره عليهم أحد ولومنع الناس مثل هذه المعاملات لتعطل كثير من مصالحهم التي لا يتم دينهم ولا دنياهم إلا بها ‏.‏


ولهذا كان أبو حنيفة رحمه الله يفتي بأن المزارعة لا تجوز، ثم يفرع على القول بجوازها ، ويقول ‏(‏إن الناس لا يأخذون بقولي في المنع ، ولهذا صار صاحباه إلى القول بجوازها كما اختار ذلك من اختار من أصحاب الشافعي وغيره‏)‏الفتاوى الكبرى 79/30-81



هذا والحمد لله على منه وإحسانه

تم بحمد الله
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
آية, الذهبية, الخلاف, القواعد, في


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 02:14 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.