انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-22-2015, 04:05 PM
عبدالله الأحد عبدالله الأحد غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي البدعة المكفرة والمفسقة

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
قواعد في منهاج أهل السنة والجماعة مع الآخرين ويتضمن:
1 - حكم تكفير الشخص المعين.
2 - البدع وأنواعها ومراتب أهلها.
قواعد في منهاج أهل السنة:
1 - خطورة الحكم على المسلم بالكفر وأن ذلك لا يكون إلا ببرهان واضح بيّن.
يقول شيخ الإسلام : (وليس لأحد أن يُكفر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تُقام عليه الحجة وتبين له المحجة. ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل عنه ذلك بالشك). لذا شدد أهل السنة في إطلاق الكفر على معين وأن ذلك لا يكون إلا بتوفر شروط قوية.
2 - إن المقالة قد تكون كفرًا ولكن لا يلزم تكفير قائلها وأنه لا تلازم بين البدعة وقائلها لأنه فرق بين التكفير بالعموم وتكفير المُعين.
حكم تكفير الشخص المعين
يقول شارح الطحاوية: (فإن الرجل يكون مؤمنًا ظاهرًا وباطنًا لكن تأول تأويلاً أخطأ فيه، إما مجتهدًا وإما مفرطًا مذنبًا، فلا نقول إن
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 224)
إيمانه حبط بمجرد ذلك إلا أن يدل على ذلك دليل شرعي. بل هذا من جنس قول الخوارج والمعتزلة، ولا نقول لا يكفّر بل العدل هو الوسط وهو (أن الأقوال الباطلة المبتدعة المحرمة المتضمنة نفي ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إثبات ما نفاه أو الأمر بما نهى عنه، أو النهي بما أمر به، يُقال فيها الحق ويثبت لها الوعيد الذي دلت عليه النصوص. ويُبين أنها كفر ويُقال من قالها فهو كافر) وكما قد قال كثير من أهل السنة المشاهير بتكفير من قال بخلق القرآن، وتكفير من قال إن الله لا يُرى في الآخرة ولا يعلم الأشياء قبل وقوعها.
يقول أبو يوسف ناظرت أبا حنيفة رحمه الله مدة حتى اتفق رأيي ورأيه، أن من قال بخلق القرآن فهو كافر) فيطلق المعنى العام أو اللفظ العام (من قال كذا...) ولا يُحدد الشخص، لذلك قال السلف:
وأما الشخص المُعين إذا قيل: هل تشهدون أنه من أهل الوعيد وأنه كافر؟ فهذا لا نشهد عليه إلا بأمر تجوز معه الشهادة، فإنه من أعظم البغي أن يشهد على مُعين ألاّ يُغفر له ولا يرحمه الله بل يخلده في النار، فإن هذا حكم الكافر بعد الموت. والدليل (كان رجلان متواخيين من بني إسرائيل وكان أحدهما عيّر أخاه وهو على الدين،
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 225)
فيقول: أقصر، فيقول له: دعني أبُعِثت عليّ رقيبًا، حتى مر عليه ذات يوم وقال له: أقصر، فقال: خلني وربي، قال: إن الله لا يغفر لك)
لأسباب ثلاثة: -
1 - لأن الشخص المُعين يمكن أن يكون مُجتهدًا مخطئًا مغفورًا له.
2 - ويمكن أن يكون ممن لم يبلغه ما وراء ذلك من النصوص.
1) ويمكن أن يكون له إيمان عظيم وحسنات أوجبت له رحمة الله
التوقف في أحكام الآخرة لا يمنع عقوبة الدنيا.
في صحيح البخاري عن عمر : أن رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يُلقب حمارًا، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله قد جلده في الشراب فأتي به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تلعنوه فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله
يقول شارح الطحاوية: هذا لتوقف في أمر الآخرة لا يمنعنا أن نُعاقبه في الدنيا، لمنع بدعته، وأن نستتيبه فإن تاب وإلا قتلناه. ثم إذا
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 226)
كان القول في نفسه كفرًا قيل: إنه كفر والقائل له يُكفر بشروط وانتفاء موانع، ولا يكون ذلك إلا إذا صار مُنافقًا زنديقًا. فلا يتصور أن يكفر أحد من أهل القبلة المُظهر للإسلام إلا من يكون منافقًا زنديقًا)
إن إجراء الأحكام عقوبة في الدنيا لدفع ضرر فعلهم بين الناس لكن لا ينبغي إطلاق حكم معين عليهم نتهمهم فيه إلا بحجة.
يقول شيخ الإسلام: (وكذلك يجوز قتال البغاة وهم الخارجون على الإمام أو غير الإمام بتأويل سائغ مع كونهم عدولاً. ومع كوننا ننفذ أحكام قضائهم ونسوغ ما قبضوه من جزية أو خراج أو غير ذلك إذ الصحابة لا خلاف في بقائهم على العدالة. وذلك أن التفسيق انتفى للتأويل السائغ. وأما القتال فليؤدوا ما تركوه من الواجب، وينتهوا عما ارتكبوه من المحرم وإن كانوا متأولين.
وكذلك: نُقيم الحد على من شرب النبيذ المختلف فيه، وإن كانوا قومًا صالحين . فتدبر كيف عوقب أقوام في الدنيا على ترك واجب أو فعل محرم بيِّن في الدين أو الدنيا وإن كانوا معذورين فيه لدفع ضرر فعلهم في الدنيا كما يقام الحد على من تاب بعد رفعه إلى الإمام وإن كان قد تاب توبة نصوحا، وكما يغزو هذا البيت جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم وفيهم المُكره
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 227)
فيُحشرون على نياتهم، وكما يُقاتل جيوش الكفار ومنهم المُكره كأهل بدر لما كان فيهم العباس وغيره، وكما لو تترس الكفار بمسلمين ولم يندفع ضرر الكفار إلا بقتالهم.
فالعقوبات المشروعة والمقدورة قد تتناول في الدنيا من لا يستحقها في الآخرة، وتكون في حقه من جملة المصائب كما قيل في بعضهم: القاتل مجاهد والمقتول شهيد ".
قصة قدامة بن مظعون :
شرب الخمر بعد تحريمه هو وطائفة وتأولوا قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ .
فلما ذكروا ذلك لعمر بن الخطاب اتفق هو وعلي وسائر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جُلِدوا وإن أصروا على استحلالها قُتلوا. وقال عمر لقدامة : أخطأت أما إنك لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخمر، لأن الآية نزلت بسبب أن الله لما حرم الخمر وكان تحريمها بعد أُحد فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فأنزل الله هذه الآية بين فيها أن من طعم الشيء في
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 228)
الحال التي لم يحرم فيها فلا جناح عليه إذا كان من المؤمنين الصالحين. ثم إن أولئك علموا أنهم أخطؤوا وأيسوا من التوبة فكتب عمر إلى قدامة يقول له:
حَمْ (1) تَنْـزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ .
مثال آخر:
من قال: إذا أنا مت فأحرقوني واسحقوني في اليم وقد غفر الله لهذا مع ما حصل له من الشك في قدرة الله وإعادته إذا أحرقوه
يقول شيخ الإسلام أيضًا:
(أما المُرجئة فلا يختلف قول أحمد في عدم تكفيرهم مع أن أحمد لم يُكفر أعيان الجهمية ولا كل من قال إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم وامتحنوا وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله بل كان يرى إيمانهم وإمامتهم
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 229)
ويدعو لهم ويرى الائتمام بهم في الصلوات خلفهم والحج والغزو معهم والمنع من الخروج عليهم ما يراه لأمثالهم من الأئمة وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم. وإن لم يعلموا أنه كفر، ويُنكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان. فيجمع بين طاعة الله ورسوله وإظهار السنة والدين، وإنكار بدع الجهمية الملحدين، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة. وإن كانوا جهالاً مُبتدعين وظلمة فاسقين)
سؤال يُجيب عليه ابن حزم :
إذا عذرتم من عذرتم من المجتهدين فاعذروا اليهود والنصارى والمجوس وسائر الملل فإنهم أيضًا مجتهدون قاصدون الخير؟
الجواب:
فجوابنا وبالله التوفيق أننا لم نعذر من عذرنا بآرائنا، ولا كفرنا من كفرنا بظننا وهوانا، وهذه خطة لم يؤتها الله أحدًا دونه ولا يدخل الجنة والنار أحدًا بل الله يدخلها من يشاء.
فصح أنه لا يكفر أحد حتى يبلغه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فمن بلغه فلم يؤمن به فهو كافر، فإن آمن به ثم اعتقد ما شاء الله أن يعتقده في نحلة أو فُتيا أو عمل ما شاء الله أن يعمله دون أن يبلغه في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بخلاف ما اعتقد أو قال أو عمل، فلا شيء عليه أصلاً حتى
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 230)
يبلغه، فإن بلغه وصح عنده، فإن خالفه مجتهدًا فيما لم يُبين له وجه الحق في ذلك فهذا مخطئ معذور مأجور مرة واحدة كما قال صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم .... وكل مُعتقد أو قائل أو عامل فهو حاكم في ذلك الشيء وإن خالفه بعمله مُعاندًا للحق مُعتقدًا بخلاف ما عمل فهو مؤمن فاسق، وإن خالفه مُعاندًا بقوله وقلبه فهو كافر مشرك سواء ذلك في المعتقدات والفُتيا
3 - أن كل بدعة ضلالة وانحراف عن الدين ولكن البدع تتفاوت في ضلالها وخطورتها.
(أ) البدع المُكفرة وغير المكفرة (المفسقة):
يقول الشيخ حافظ حكمي : [ ضابط البدعة المكفرة من أنكر أمرا مجمعًا عليه متواترًا من الشرع معلومًا من الدين بالضرورة من جحود مفروض أو فرض ما لم يُفرض أو إحلال محرم أو تحريم حلال أو اعتقاد ما ينزه الله ورسوله وكتابه عنه من نفي أو إثبات لأن ذلك تكذيب بالكتاب والسنة ].
وهؤلاء الحكم عليهم بنوعين:
1) كفر صريح لا خفاء فيه كقول بعض الرافضة إن عليًا إله من دون الله تعالى عن ذلك.
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 231)
2) لا يطلق عليه كفر ولا مُعتَقِه كافر وإنما هي ضلال وزيغ عن الحق وعدول عن السنة والجماعة ولا يُطلق عليه كفر ولا معتقده كافر كقول المختارية من الرافضة إن عليًا إمام من أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله
(ب) البدع الكبيرة والصغيرة:
البدع غير المكفرة أي المنقسمة إلى كبائر وصغائر، وجعل العلماء ضابط البدعة المعدودة من كبائر الذنوب: " ما أخل منها بأصل من الضروريات الخمس وهي الدين والنفس والنسل والعقل المال "
ومن الأمثلة عليها:
بدعة تعذيب الصوفية أنفسهم بالتبتل ، وبدعة تجويز نكاح أكثر من أربع لأئمة عند الرافضة، وبدعة الشيعة المفضّلة الذين يُفضلون عليًا على أبي بكر وعمر وعثمان، وأما ضابط البدعة المعدودة من الصغائر فقد حصل فيه إشكال بسبب أن كل بدعة وإن صغرت إنما هي في حقيقتها تشريع زائد ، وكل بدعة عظيمة في مجاوزتها حدود الشرع إلا أنها وإن عظمت لما ذكرناه، تتفاوت رتبتها في أن بعضها أشد من بعض فقد يكون الشيء كبيرًا في نفسه صغيرًا بالنسبة إلى ما
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 232)
هو أكبر منه.
مثال البدع المعدودة من الصغائر :
بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وبدعة لبس الصوف تدينا، وبدعة الوقوف في الشمس على وجه العبادة، وبدعة الالتزام بصلاة نافلة مطلقة في زمن معين
ضوابط وشروط وضعها العلماء لجعل البدعة من الصغائر هي:
1) ألاّ يداوم عليها كما في الحال مع صغائر الذنوب لأن الصغيرة تكون كبيرة بالمداومة والإصرار.
2) ألاّ يدعو إليها؛ لأنه إذا دعا إليها فإنه سيتحمل وزر غيره ممن تبعه.
3) ألاّ تُفعل في المواضع التي هي مجتمعات للناس أو في المواضع التي تُقام فيها السنن وتظهر فيها أعلام الشريعة لأن فعلها في تلك الأماكن يكون كالدعوة إليها.
4) ألاّ يستصغرها ولا يستحقرها؛ لأن الاستهانة بالذنب أعظم من الذنب
(ج-) البدع العملية والاعتقادية:
البدع نوعان :
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 233)
النوع الأول: في الأقوال والاعتقادات.
النوع الثاني: في الأفعال والعبادات وهذا الثاني يتضمن الأول كما أن الأول يدعو إلى الثاني
وأكثر من يقع في بدع الأفعال والعبادات عموم العباد إذا لم يعتصموا بالكتاب والسنة، لذلك نقول في الفاتحة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ والمغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى . قال سفيان : " كانوا يقولون من فسد من العلماء ففيه شبه من اليهود ومن فسد من العباد ففيه شبه من النصارى ".
مثال للبدعة الاعتقادية والقولية:
بدعة الروافض والخوارج والمُرجئة والقدرية .
ومثال البدعة العملية العبادية:
الوصال في الصيام والذكر الجماعي والتعبد بالسهر والجوع.
(د) البدع الحقيقية والإضافية:
الحقيقية: (التي لم يدل عليها دليل شرعي لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا استدلال مُعتبر عند أهل العلم).
مثالها: الذوق والكشف عند الصوفية، تقديم العقل على النص عند
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 234)
المعتزلة، عصمة الأئمة عند الرافضة .
البدع الإضافية:
لها شائبتان:
(1) متعلقة بالأدلة الشرعية فلا تكون من هذه الجهة بدعة.
(2) ليست متعلقة بالأدلة الشرعية فتكون من هذه الجهة بدعة.
ومعنى ذلك أن العمل يكون شرعيًا في أصله ثم يُضاف إليه العمل البدعي فسميت إضافية.
مثالها: (أ) بدعة الجهر بالنية في الصلاة، ففيها جانبان:
شرعي وهو مشروعية النية.
بدعي وهو الجهر بها.
(ب) بدعة الذكر الجماعي، فالذكر مشروع وكونه في جماعة مبتدع.
يقول الشاطبي في الفرق بينهما: " فإن الحقيقة أعظم وزرًا لأنها التي باشرها المنتهي بغير واسطة ولأنها مُخالفة محضة وخروج عن السنة ظاهر، كالقول بالقدر والتحسين والتقبيح ومعنى الإضافية: أنها مشروعة من وجه ورأي مجرد من وجه إذ يدخلها من جهة المخترع رأي في بعض أحوالها فلم تُناف الأدلة من كل وجه
4 - تفاوت أهل البدعة واختلاف أحوالهم وأثر ذلك في الحكم
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 235)
عليهم.
وعلى هذا لا يكون الحكم واحدًا إنما لا بد من التفريق بين مَنْ بِدعته مًُكفِّرة ومَنْ بدعته غير مُكفِّرة وبين صاحب البدعة المعدودة من الكبائر، والمعدودة من الصغائر، والحقيقة والإضافية، وبين مَن صاحبها مُستتر بها أو مُعلن ومن جهة بينة أو مشكلة، ومن جهة الإصرار عليها أو عدمه. وعليه فإن أهل البدع تختلف أحوالهم وليسوا على مرتبة واحدة.
مراتب أهل البدع :
فهماك المُبتدع الجاهل.
وهذا يختلف حكمه بحسب الجهل فإن كان بسبب تقصيره في طلب العلم وهو قادر فهذا غير معذور بجهله، وإن كان غير قادر على طلب العلم وهو مُقيم بدار الإسلام والمسألة مُشتهرة فهذا غير معذور أيضًا.
متى يُعذر بالجهل؟ مَن كان حديث عهد بالإسلام، أو عاش في بلاد نائية ليس فيها علماء، وكذلك العاصي الذي لم يجد سوى علماء الابتداع، أو المُقلد الذي يقتدي بعالم مُبتدع لا يجد سواه فهؤلاء معذورون
وفي آخر الزمان تكثر البدع ويكثر الجهل. كما في الحديث
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 236)
المعروف: يأتي على الناس زمان لا يعرفون صلاة ولا صيامًا ولا حجًا ولا عمرةً إلا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، ويقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون (لا إله إلا الله) فقيل: تُنجيهم من النار
يقول ابن تيمية : (ولهذا فإن كل من كان أعرف بباطن المذهب وحقيقته كان أعظم كفرًا وفسقًا) إلى أن قال: (وأما الجهال الذين يُحسنون الظن بقول هؤلاء ولا يفقهونه فهؤلاء تجد فيهم إسلامًا وإيمانًا ومتابعة للكتاب والسنة).
ويتبين من هذا:
أن المُبتدع إذا كان جاهلاً جهلاً يُعذر به لا يقع عليه الإثم إلا بعد بلوغ الحجة الصحيحة وثبوت الخطاب الشرعي في حقه وهذا يدعو إلى التريث وعدم الاستعجال في الحكم واتخاذ المواقف. ولا يُغتر اليوم بالمتعلمين وكثرتهم فكثير من خريجي الكليات والمعاهد يعدون من العوام لقلة بضاعتهم
المُبتدع المُتأول ( عنده شبهة جواز ) .
1) عنده شبهة ساقطة هي أصلاً تكذيب بالدين مثل تأويلات الباطنية بوجود إلهين قديمين فهذا تأويل غير سائغ (متضح
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 237)
كفره).
2) اعتماده على شبهة لها وجه مرجوح ومضاد للأدلة الصحيحة، كاعتمادهم على أحاديث ضعيفة أو موضوعة أو أدلة صحيحة لكن لا وجه للاستدلال بها أو اعتمادهم على أدلة غير شرعية كالرأي أو الكشف أو الذوق أو العقل أو الرؤى (معذور متأول).
3) اعتمادهم على شبهة تكون من الأدلة المُختلف في ثبوتها أو ضعفها مثل: أصحاب الدعاء الجماعي (بدعة إضافية).
حكمه:
الأول مُتضح كفره. والثاني: يُعذر بتأويله. يقول ابن حجر في فتح الباري قال العلماء كل متأول معذور بتأويله ليس بآثم إذا كان تأويله سائغًا في لسان العرب، وكان له وجه في العلم
يقول ابن أبي العز الحنفي : (والقول قد يكون مخالفًا للنص وقائله معذور، فإن المخالفة بتأويل لم يسلم منها أحد من أهل العلم، وذلك أن التأويل وإن كان فاسدًا فصاحبه مغفور له لحصوله عن اجتهاد، فإن المجتهد إذا اجتهد وأصاب فله أجران: أجر على اجتهاده وأجر على إصابته الحق؛ وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور له، فمخالفة النص وإن كانت عن قصد فهي
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 238)
كفر، وإن كانت عن اجتهاد فهي من الخطأ المغفور)
ويتضح لنا من خلال أقوال العلماء أن التأويل السائغ مضبوط بضوابط هي:
ألاّ تكون بدعته مخالفة لما هو معلوم من الدين بالضرورة (أصل).
أن يكون تأويله سائغًا له وجه مقبول من اللغة العربية أو العلم.
أن يعلم بقرائن الأحوال انه لم يقصد بفعله معارضة الشريعة أو مناورة السنة.
ألا يكون تأويله صادرًا عن هوى وتعصب وإنما صدر عن اجتهاد في معرفة الحق
يقول الشيخ ابن عثيمين : (وأما موقفنا من العلماء المؤولين فنقول من عرف منهم بحسن النية وكان له قدم صدق في الدين واتباع السنة فهو معذور بتأويله السائغ. فالقول الخطأ إذا كان صادرًا عن اجتهاد وحسن قصد لا يُذم قائله، بل يكون له أجر على اجتهاده. وأما وصفه بالضلال فإن أُريد بالضلال المطلق الذي يذم به الموصوف ويُمقت عليه، فهو لا يتوجه في مثل هذا المجتهد الذي
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 239)
عُلِم منه حسن النية، وإن أُريد بالضلال مخالفة قوله للصواب من غير إشعار بذم القائل فلا بأس بذلك.
والأولى عدم استعمال كلمة الضلال لأنها كلمة موهمة والأحسن استعمال كلمة الخطأ
قسم يختلف في كفره وإعذاره.
لأنه ارتكب بدعة مُكفرة وهو من أهل القبلة فيتوقف في كفره أو عدمه. لماذا؟ لأنه لا يخلو من أحد الأمرين:
1 - أن يكون فيه إيمان ظاهر وباطن فهذا ليس بكافر ولا منافق وقد يكون خطؤه مغفورًا بل قد يكون معه من الإيمان والتقوى ما يبلغ به ولايةَ الله.
2 - أن يكون باطنه الزيغ والمروق والعناد فهذا منافق زنديق
العالم غير المتأول: ليس له تأويل أو شبهة فهو آثم غير معذور وحكمه فاسق إن كانت بدعته مفسقة أو كانت بدعته مكفرة.
المبتدع الداعي إلى بدعته : يُفرِّق أهل السنة بين الداعي وغيره لأنه أدى إلى الاقتداء به والاجتماع حوله. والتفريق بين
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 240)
الإسرار بالبدعة والإعلان بها وعلى هذا فلا نحكم إلا بعد معرفة حال صاحب البدعة من الجهل والعلم والتأويل السائغ أو غير السائغ أو الإسرار أو الإعلان، وهذا هو ما يقتضيه العدل.
5 - أنه قد يجتمع في الشخص الواحد الإيمان والنفاق والإيمان وبعض شعب الكفر، وتجتمع السنة والبدعة ومُقتضيات الولاء والبراء.
قد يكون الرجل مؤمنًا ولكنه يرتكب خصلة من خصال النفاق أو يعمل عملاً كفريًا لا يخرجه من الملة، وقد يكون المسلم ملتزمًا بالنسبة، ولكنه مع ذلك يفعل بعض البدع.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (ليس كل من دخل عليه شعبة من شعب النفاق والزندقة فقبلها جهلاً أو ظلمًا يكون كافرًا أو منافقًا في الباطن، بل قد يكون معه من الإيمان بالله ورسوله ما يُجزيه الله عليه، ولا يظلم ربك أحدًا)
فأهل السنة والجماعة يُعطون كل ذي حق حقه فيُوالي على قدر ما فيه من الإيمان والسنة والخير، ويُعادي بقدر ما فيه من النفاق والبدعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (وإذا اجتمع في الرجل
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 241)
الواحد خير وشر وفجور وطاعة، ومعصية وسنة وبدعة استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة فيجتمع له من هذا وهذا)
ويطبق هذه القاعدة الذهبي في حكمه على الرجال: فالذهبي رحمه الله يبدأ بالثناء على الرجل وتبيين محاسنه وأعماله الطبية، ثم يُبين ما وقع فيه من الخطأ وما انتحل من البدع، فمثلاً في ترجمة " ابن تومرت البربري " بدأ بذكر ألقابه وصفاته الحسنة فقال: " الشيخ، الإمام الفقيه، الأصولي، الزاهد، كان أمَّارًا بالمعروف نهَّاءً عن المنكر، قوي النفس، شجاعًا، ذا هيبة ووقار وجلالة في المعاملة، انتفع به خلق، واهتدوا في الجملة، وملكوا المدائن وقهروا الملوك...، وكان خشن العيش فقيرًا قانعا باليسير " ومع ذلك لا ينسى الذهبي أخطاءه وما وقع فيه من البدعة فقال: " وكان لهجًا بعلم الكلام، خائضًا في مزال الأقدام، وربط البربر بادعاء العصمة، وأقدم على الدماء إقدام الخوارج "
ولا ريب أن المقصود باجتماع الإيمان والنفاق : النفاق العملي وليس الاعتقادي المُخرج من الملة، وكذلك المقصود باجتماع
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 242)
الإيمان وبعض شعب الكفر: الكفر العملي لا الاعتقادي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وحينئذ فقد يجتمع في الإنسان إيمان ونفاق وبعض شعب الإيمان وشعبة من شعب الكفر كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر
6 - الخطأ في بعض المسائل الدقيقة في العقيدة لا يوجب التضليل والتبديع.
هناك مسائل عقدية دقيقة حصل فيها خلاف بين الصحابة مثل مسألة التفضيل بين علي وعثمان رضي الله عنهما، ومسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء. . الخ. ومثل هذه المسائل الدقيقة لا توجب التضليل والتبديع، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة، وإن كان ذلك في المسائل العلمية، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء هذه الأمة.
وإذا كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل، مع كونه لم يطلب العلم، فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول بحسب
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 243)
إمكانه هو أحق أن يتقبل الله حسناته، ويُثيبه على اجتهاداته، ولا يؤاخذه بما أخطأ "
ويقول أيضًا مبينًا أن المسائل الدقيقة في مسائل الأصول كثر فيها الخلاف فقال: " فإن مسائل الدق في الأصول لا يكاد يتفق عليها طائفة، إذ لو كان كذلك لما تنازع في بعضها السلف من الصحابة والتابعين وقد ينكر الشيء في حال دون حال، وعلى شخص دون شخص ". ويضع شيخ الإسلام حدًا للمسائل التي يُبدع قائلها فيقول: " نعم من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافًا لا يُعذر فيه، فهذا يُعامل بما يُعامل به أهل البدع "
ويضرب شيخ الإسلام أمثلة للمسائل التي وقع فيها خلاف ويُعذر فيها المخالف. فقال: " فعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قد خالفت ابن عباس وغيره من الصحابة في أن محمدًا رأى ربه، وقالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، وجمهور الأمة على قول ابن عباس، مع أنهم لا يبدعون المانعين الذين وافقوا أم المؤمنين رضي الله عنها وكذلك أنكرت أن يكون الأموات يسمعون دعاء الحي، وكذلك معاوية نقل عنه في أمر المعراج أنه كان
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 244)
بروحه، والناس على خلاف معاوية ومثل هذا كثير".
الاختلاف في بعض أمور العقائد:
وقد ذكر أمثلة أخرى في موضع آخر فقال: " والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية كما قد بسط في غير موضع، كمن اعتقد ثبوت شيء بدلالة آية أو حديث، وكان لذلك ما يُعارضه، ويبين المراد ولم يعرف، مثل من اعتقد أن الذبيح إسحاق لحديث اعتقد ثبوته، أو اعتقد أن الله لا يُرى، لقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، ولقوله: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ، كما احتجت عائشة بهاتين الآيتين على انتفاء الرؤية في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وكما نقل عن بعض التابعين أن الله لا يُرى، وفسروا قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، إنها تنتظر الثواب كما نقل عن مجاهد وأبي صالح . أو اعتقد أن عليًا أفضل الصحابة، لاعتقاده صحة حديث الطير، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم ائتني بأحب الخلق إليك
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 245)
يأكل معي هذا الطائر
وقد بين شيخ الإسلام أن بعض مسائل الاعتقاد لا يجب معرفتها على جميع المسلمين؛ لأن ذلك فيه فتنة لبعضهم لعدم اتساع مداركهم لفهمها، فقال: " ومما يتصل بذلك أن المسائل الخبرية العلمية قد تكون واجبة الاعتقاد، وقد تجب في حال دون حال، وعلى قوم دون قوم، وقد تكون مستحبة غير واجبة، وقد تكون معرفتها مضرة لبعض الناس، فلا يجوز تعريفها بها، كما قال علي رضي الله عنه: " حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ ". وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " ما من رجل يحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلا كان فتنة لبعضهم". وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنه لمن سأله عن قوله تعالى " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ، فقال: " ما يؤمنك أني لو أخبرتك بتفسيرها لكفرت؟ وكفرك تكذيبك بها، وقال لمن سأل عن قوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ هو يوم أخبر الله به، الله أعلم به. وقد بوب البخاري بابا عنوانه: باب من ترك بعض الأخبار مخافة أن يقصر فهم بعض
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 246)
الناس عنه فيقعوا في أشد منه. وباب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألاّ يفهموا
وعليه فقد تبين لك أن القول قد ينكر في حال دون حال، وعلى شخص دون شخص وأن العالم قد يقول القولين الصوابين كل قول مع قوم لأن ذلك هو الذي ينفعهم مع أن القولين صحيحان لا منافاة بينهما، لكن قد يكون قولهما جميعا فيه ضرر على الطائفتين، فلا يجمعهما إلا لمن لا يضره الجمع".
ومما يؤكد النهي عن امتحان الناس في المسائل الدقيقة من العقيدة أن أهل البحرين أرسلوا إلى شيخ الإسلام رسالة يسألونه فيها عن مسألة (رؤية الكفار ربهم يوم القيامة) وأنه وقع في ذلك خلاف أدى إلى التنازع، فبين أن هذه المسألة لا توجب التنازع، والأمر فيها خفيف، وأن الخلاف فيها لا يوجب التهاجر والتقاطع قال رحمه الله: " وليست هذه المسألة فيما علمت ما يوجب المهاجرة والمقاطعة فإن الذين تكلموا فيها قبلنا بما فيهم أهل سنة واتباع، وقد اختلف فيها من لم يتهاجروا ويتقاطعوا، كما اختلف الصحابة رضي الله عنهم، والناس من بعدهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في الدنيا
(الجزء رقم : 93، الصفحة رقم: 247)
وكذلك لا يفاتحون فيه عوام المسلمين الذين هم في عافية وسلام من الفتن، ولكن إذا سئل الرجل عنها، أو رأى من هو أهل لتعريفه ذلك ألقى إليه مما عنده من العلم ما يرجو به النفع.

هل يخرج من ابتدع بدعة مكفرة أو بدعة غير مكفرة من أهل السنة ؟ (الشيخ اﻷلباني)
التفريغ:
بالنسبة للأسئلة كلها تصب في مصب واحد شيخنا، فالآن الإجابة تقصر لأن المنهج والإطار العام واضح، [فقط جزئيات صغيرة في الجوانب] المتعلقة بالتبديع. البعض يقول: أن من ابتدع بدعة مكفرة يخرج عن أهل السنّة، ومن ابتدع بدعة مفسقة لا يخرج عن أهل السنة، وحتى لو أقيمت عليه الحجّة، وأصرّ عليها؛ هل يعدّ مِن أهل السنّة حينئذ ؟. الشيخ : أوّلاً: ما هي البدعة المكفّرة ؟. وما هي البدعة الغير المكفرة ؟. السائل: بدعة مفسقة، وبدعة مكفرة. الشيخ : ما هي؟. السائل : المكفرة كأن يبتدع بدعة كفرية مثل القول بعدم استواء الرب جل وعلا على العرش ومثل ذلك، والبدعة المفسقة كأن يقع في بدعة من بدع العبادات كالمولد مثلاً. الشيخ: هذا الكلام غير صحيح ، هذا الكلام منشؤه من علم الكلام، التفريق بين البدعة في الأصول، والبدعة في الفروع، أو البدعة في الأحكام، والبدعة في العبادات، هذا التفريق هو بدعة. أرأيتَ لو أن رجلاً جاء إلى سنة من سنن الرسول، كسنّة الفجر مثلاً فجعلها أربعاً وأصرّ على ذلك، من أي نوع هذه البدعة ؟. آلأولى المكفرة ؟. أم المفسقة ؟. السائل: على هذا التقسيم تكون من المفسقة. الشيخ: هذا كلام باطل، من الأشياء التي ورثها الخلف عن السلف، وأعني هنا بكلمة السلف غير المعنى الاصطلاحي بيننا، هو التفريق بين الخطأ في الفروع، والخطأ في الأصول، الخطأ في الفروع مغتفر، والخطأ في الأصول غير مغتفر، والحديث المعروف صحته:« إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد »؛ هذا في الفروع. أما في الأصول: الخطأ غير مغفور، هذا لا أصل له لا في الكتاب ولا في السنّة ولا في أقوال السلف الصالح، وما يوجد في أقوال السلف الصالح فيها ترهيب شديد عن البدعة مطلقاً سواء كانت في العقيدة أو كانت في العبادة. أنا ذكَّرت آنفاً في الحقيقة من كفّر مسلما فهو قد كفر، وألحقته بها من بدّع مسلماً إلى آخره ، لأنه في الحقيقة لا فرق عندي بين كفر وبين بدعة. لو أنّ مسلماً ابتدع بدعة وتبيّنت له بدعتُه وأصرّ عليها كالمثال الذي أوردته لك آنفاً، فهو كما لو أنكر استواء الله على خلقه، أو أنكر أن القرآن مِن كلامِه أو.. أو ، لا فرق بين هذا وهذا إطلاقاً ، لا سلباً ولا إيجاباً. إيجاباً: نقول: هذا كفر بالشرط المذكور آنفاً وأقيمت عليه الحجّة، وذاك كفر بالشرط المذكور آنفاً أي بعد إقامة الحجّة. هذا إيجاباً. سلباً: لا تكفير لا في هذا ، ولا في هذا إلاّ بالشرط المذكور. أعود، المعتزلة والخوارج يلتقون في بعض الضلالات، ويختلفون في بعض. مثلاً: الخوارج يلتقون مع المعتزلة في القول: بأن القرآن مخلوق. تعلم هذا ؟. وقد ذكرتُ لك آنفاً أنّ المحدثين لا يكفرون الخوارج، إذاً كيف نجمع في ذهننا أنّ مَن أنكرَ عقيدةً فهو كافر ، أما مَن ابتدع بدعةً في العبادة فهو فاسق ؟. وها نحن نرى أئمة الحديث يروون عن الخوارج وعن المعتزلة مع أنهم يخالفون العقيدة الصحيحة في غير ما مسألة. فهم مثلاً هؤلاء الذين قالوا: بأن كلام الله مخلوق ، يُنكرون أيضاً رؤية الله في الآخرة. تدري هذا ؟. طيب، هذا الإنكار والذي قبله يَنصَبُّ عليهما تعريفنا السابق، هو كفر، لكن ليس كل من وقع في الكفر وَقَع الكفر عليه. كيف نوفِّق حينما نجد أئمة الحديث، وأئمة السلف كابن تيمية وابن القيّم يحكمون بضلال الخوارج والمعتزلة ولا شك، لكن لا يقولون: بأنهم كفّار، مرتدّون عن دينهم. لأنهم يضعون احتمال أنّ الأمر شُبِّهَ لهم أوّلاً، وأنّ الحجّة لم تقم عليهم ثانياً. نرجع لأصل، موضوعنا الأول؛ أنّ هؤلاء مبتدعة، لكن ما ندري هل هم قصدوا البدعة ؟، هل أقيمت الحجّة عليهم إلى آخره ؟. هذا هو منهج العلماء يحكمون بضلال المعتزلة وبضلال الخوارج وبضلال الأشاعرة في غير ما مسألة، لكنهم لا يكفّرونهم، لا يُخرجونهم من دائرة الإسلام للاحتمال الذي ذكرناه آنفاً، وهو يعود إلى أمرين أُذكّر بهما: الأول: أنهم ما قصدوا الابتداع والمخالفة والمعاكسة. ثانياً: أنّنا لا ندري أُقيمت الحجّة عليهم أو لا . فإذاً حسابهم إلى الله، ولنا ظاهرهم، ظاهرهم الإسلام ، وماتوا على هذا الإسلام، ودُفنوا في مقابر المسلمين، فإذن هم مسلمون. فالتفريق إذاً بين البدعة المكفرّة والبدعة المفسقة هذا: أولاً: تفريق اصطلاحي ناشئ من علماء الكلام. وثانياً: لا دليل عليه إطلاقاً. وأختم الكلام على هذه المسألة بالتذكير بحديث يدلُّك على ما ذكرتُ آنفاً أنّ ليس كلّ من وقَعَ في الكفر تلبَّسَه الكفر ووقع الكفر عليه، أعني به حديث البخاري من رواية صحابيين جليلين وهما أبو سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:« كان فيمن كان قبلكم رجل حضرته الوفاة فجمع أولاده حوله فقال لهم: أيّ أبٍ كنتُ لكم ؟. قالوا: خير أبٍ. قال: فإني مذنبٌ مع ربي ولإن قدِرَ الله عليّ ليعذبني عذاباً شديداً، فإذا أنا متُّ فخذوني وحرِّقوني بالنار ثم ذروا نصفي في البحر ونصفي في الرياح، فمات حرقوه بالنار فذروا نصفه في الريح ونصفه في البحر. فقال الله عز وجل لذراته: كوني فلاناً فكانت. قال الله عز وجل: أي عبدي ما حملك على ما فعلتَ ؟. قال: ربي خشيتُك. قال: اذهب فقد غفرتُ لك ». فالآن نحن نتساءل، كفر هذا الرجل ولا ما كفر ؟. كفر، لكن الله غفر له. متدخل: قال: ما كفر. الشيخ : ما كفر قال، أنا ما سمعته، بقوله: لإن قدِرَ الله عليّ، ما كفَرَ ؟. المتدخل: إي نعم. هذا القول نعم. الشيخ : فإذا أنا ما حدثتك، قلت كفر أم لا؟ المتدخل: نعم. الشيخ : طيِّب، ونحن نعلم من القرآن الكريم : ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [النساء : 48]. كيف الجمع ؟. الجمع يُفهم من الكلام السابق : ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ﴾ [النساء : 48]؛ ﴿ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾ عامداً متعمّداً، شو رأيك بهذا القيد ؟. السائل : جيد. الشيخ : كويس، لكن موجود في الآية ؟. السائل : غير موجود. الشيخ : غير موجود، من كيسنا جبناه ؟. السائل : لا. الشيخ : لا ، هكذا الشريعة لا تؤخذ مِن نص من آية من حديث واحد، وإنما مِن مجموع ما جاء في المسألة. لذلك ليس فقط المسائل الفقهية يجب أن تُجمَع كل نصوصها حتى نعرف الناسخ مِن المنسوخ، والخاص من العام، والمطلق مِن المقيد ووو إلى آخره، بل العقيدة أولى بذلك بكثير. فحينما يشرح العلماء هذه الآية :﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾؛ عادةً لا يتعرّضون لمثل هذه التفاصيل، لأن الأمر فيما يبدو لهم واضح ما يحتاج إلى مثل هذا التفصيل، لكن حينما تأتي الاشكالات والشبهات فهنا يضطر العالم أن يبيّن ما عنده مِن علم، فهذا الرجل الذي أوصى بالوصية لا أتصوّر أنها في الجور والظلم والضلالة يُمكن أن يكون لها مثل، يُحرّقوه في النار مشان يضل على ربّه، والله يقول: ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾ [يس : 78]، مع ذلك غفَرَ له لماذا ؟. لأن الكفر ما انعقد في قلب هذا الإنسان، وإنما هو تصوّر ذنوبه مع الله عز وجل، وخوفه منه، وأنّ الله عز وجل إذا وَصَل إليه أنه سيعذبه عذاباً شديداً. هذه الرهبة وهذه الخشية أعمت عليه العقيدة الصحيحة فأمَر بهذه الوصية الجائرة، والحديث واضح :« اذهب فقد غفرتُ لك ». إذاً ما ينبغي نحن أن نتصوّر أن سيّد قطب وقع في وحدة الوجود مثلاً كما نعتقد، أنه قاصدها وعاقد القلب عليها مثل ابن عربي هذا الذي أضلّ ملايين من المسلمين الصوفيين إلى آخره. ربما هذه سانحة فكرية صوفية وهو سجين خطرَت في باله، وما أحاط بالمسألة علماً ، فكتَبَ تلك العبارة التي كنتُ أنا من أوّل من انتقدها. ما نحكم عليه بالكفر، لأننا ما ندري انعقد الكفر في قلبه، ثم هل أقيمت الحجّة عليه وبخاصة وهو في سجنه أنّى له ذلك. لهذا لا نربط بين كون المسلم وقَعَ في الكفر وبين كون هو كافر، ما نربط بين أمرين، هذا أولاً وقد تكرّر هذا تحذيراً. وثانياً: لا نفرّق بين البدعة في العقيدة، وبين البدعة في العبادة ، كلاهما إمّا ضلال وإمّا كفرُ. ولعلّ في هذا القدر كفاية، أبا عبد الرحمن.
التوقيع

اكثروا قراءة الاخلاص وسبحان الله عدد ما خلق سبحان الله ملء ما خلق سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء سبحان الله عدد ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه،سبحان الله عدد كل شيء سبحان الله ملء كل شيء الحمد لله مثل ذلك وسبحان الله وبحمده عددخلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته واكثروا الصلاة على النبي واكثروا السجود ليلاونهارا
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 12:18 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.