انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-26-2015, 05:11 PM
عبدالله الأحد عبدالله الأحد غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي مكفرات الذنوب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مكفرات الذنوب والمعاصي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
أيها الناس: فإن الله رحيم بعباده، يتجاوز عن المقصرين، ويضاعف الحسنات للتائبين، ويكفر السيئات عن المسيئين، بل ويبدل السيئات إلى حسنات لمن تاب من العاصين؛ {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}[الفرقان: 70].
ولذلك فقد دعا عباده إلى التوبة، وبين أنَّ من تاب إلى الله توبة صادقة فإنه من المفلحين؛ فقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التحريم: 8].
ومهما كانت عظم المعصية فإن الله يكفرها ويمحوها، بل ويبدلها حسنات لمن تاب منها.
والتوبة عموماً مع الأعمال الصالحة تكفر الذنوب والمعاصي الصغيرة، أما الذنوب الكبيرة فلابد من التوبة من كل معصية بحد ذاتها؛ لقوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا}[النساء: 31]. وقال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ}[النجم: 32]. ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفرات ما بينهن إذا اجتنبَ الكبائر)1.
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب))2.
فدلت هذه النصوص أن الذنوب الصغيرة تكفرها الصلاة والصيام، وفعل الطاعات، أما الكبائر فلابد لها من توبة خاصة بعينها؛ لقوله: ((إذا اجتنب الكبائر))، ودلت على أنه إذا لم تجتنب الكبائر فإن الصلاة والصيام لا تكفر الذنوب الكبيرة، بخلاف الصغيرة.
فمثلاً من كان لا يصلي فلابد أن يتوب، وأن يقلع عن تركه للصلاة، ومن كان يعق والديه فلابد عليه أن يتوب إلى الله من هذه المعصية الكبيرة توبة خاصة، وهكذا..
أيها المسلمون: ولكننا هنا نذكر بعض الأعمال الصالحة التي يكفر الله بها الذنوب والمعاصي عموماً، فمن ذلك:
التوبة النصوح من جميع الذنوب والمعاصي، يقول الله جل في علاه: {وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ...}[التحريم: 8].
وعن الأغرّ المزني أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيها الناس: توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة))3. وحقيقة هذه التوبة -التي نقصدها في كلامنا- ومعناها: هي الندم على ما سلف منه في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل؛ كما ذكر ذلك العلماء ومنهم العلامة ابن القيم رحمه الله4.
أيها الناس: إن التوبة واجبة، وليست كما قد يظن البعض أنها أمر مستحب، أو ما أشبه ذلك؛ فقد نقل الإمام النووي رحمه الله عن أهل العلم فقال: "اتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبةٌ، وأنها واجبةٌ على الفور لا يجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة، والتوبة من مهمات الإسلام، وقواعده المتأكدة، ووجوبها عند أهل السنة بالشرع"5.
وقد ذكر العلماء شروطاً للتوبة لابد من توفرها في التائب حتى تقبل توبته، وهذه الشروط هي:
1. الإقلاع عن المعصية.
2. والندم على فعل تلك المعصية.
3. والعزم على أن لا يعود إليها أبداً. فإن كانت المعصية لحقّ آدمي فلها ركن رابع وهو:
4. التحلّل من صاحب ذلك الحقّ. وأصلها الندم، وهو ركنها الأعظم"6.
أيها الناس: ومن مكفرات الذنوب والمعاصي: الاستغفار؛ قال الله تبارك وتعالى على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً}[نوح: 10]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}[النساء: 64]، وعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سيّد الاستغفار أن يقول أحدكم: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت). قال: (ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة)7.
ومن مكفرات الذنوب والمعاصي: اتباع السيئة بالحسنة، ومعنى هذا أن الإنسان إذا وقع في خطأ ومعصية فإن من مكفرات ذلك الخطأ أن يعمل حسنة من صيام أو صلاة أو صدقة أو أمر بمعروف ونهي عن منكر وغير ذلك لتكفر تلك المعصية، فإن الحسنات يذهبن السيئات، قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}[هود: 114]، وفي الحديث الصحيح عن أبي ذر ومعاذ رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها))8. وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ رجلاً أصاب من امرأة قُبلةً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، قال: فنزلت: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}. قال: فقال الرجل إليّ هذه يا رسول الله؟ قال: ((لمن عمل بها من أمتي))9.
ومن مكفرات الذنوب والمعاصي -عباد الله- أن يبتلي الله -تعالى- العبد بمصائب تكفّر عنه تلك الذنوب والمعاصي؛ فقد جاء في حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المسلم من نصبٍ ولا وصبٍ ولا همٍ ولا حزنٍ ولا أذىً ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه))10، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة))11. أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
أيها الموحدون: إن الإنسان لا غنى له عن ربه جل وعلا طرفة عين، فإنه هو الموفق للتوبة، وهو الذي يقبلها: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [سورة: 25]. وجاء في حديث الشفاعة قوله صلى الله عليه وسلم: ((فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حُمماً فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة))[12، فلا غنى للخلق جميعاً عن رحمة أرحم الراحمين، حتى سيد البشر صلى الله عليه وسلم؛ فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لا يدخل أحداً الجنة عملُه))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة))13.
ومن مكفرات الذنوب والمعاصي: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، والتبكير إلى الصلاة وانتظارها؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط))14.
ومن مكفرات الذنوب والمعاصي: المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟)) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: ((فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا))15.
أيها المسلمون: ثم اعلموا أن هناك ذنوبا ومعاصي لا يغفرها الله لصاحبها إن لم يتب منها، ومنها: الشرك بالله؛ وهي أشد وأخطر المعاصي على الإطلاق؛ يقول الله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}[النساء: 48]، وقال: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}[المائدة: 72]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار))16، قال القرطبي رحمه الله: "إن من مات على الشرك لا يدخل الجنة، ولا يناله من الله رحمة، ويخلد في النار أبد الآباد، من غير انقطاع عذاب، ولا تصرم آماد"17. ونقل ابن حزم والقرطبي والنووي الإجماع على أن المشرك يخلد في النار18.
إيها المسلمون اعلموا أن الذنوب والمعاصي المتعلقة بحق من حقوق الآدميين، كأنواع المظالم القولية والفعلية فلا بد من أن يتحلل منها صاحباها، ويرد المظالم إلى أهلها وإلا فهو على خطر عظيم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طُرح في النار))19. وكذلك من المعاصي المتعلقة بحق الآدميين القتل، وما أكثره في هذه الأيام التي نرى فيها أبناء المسلمين يسقطون في اليوم الواحد بالعشرات، هذه المعصية وهذا الذنب يتعلق به ثلاثة حقوق:
1. حقّ الله.
2. حق الولي الدم.
3. حق المقتول. فحق الله يزول بالتوبة، والوارث مخير بين ثلاثة أشياء: القصاص، والعفو إلى غير عوض، والعفو إلى مال20. ويبقى حق المقتول سيأخذه يوم القيامة؛ عن جندب رضي الله عنه قال حدثني فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يجيء المقتول بقاتله يوم القيامة، فيقول: سل هذا فيم قتلني؟ فيقول: قتلته على ملك فلان). قال جندب: فاتَّقِها21. "أَيْ فَاتَّقِ هَذِهِ السَّيِّئَة الْقَبِيحَة الْمُؤَدِّيَة إِلَى مِثْل هَذَا الْجَوَاب الْفَاضِح"22. قال ابن القيم رحمه الله: "فالصواب -والله أعلم- أن يقال: إذا تاب القاتل من حق الله، وسلم نفسه طوعاً إلى الوارث، ليستوفي منه حق موروثه: سقط عنه الحقان. وبقي حق الموروث لا يضيّعه الله. ويجعل من تمام مغفرته للقاتل: تعويض المقتول؛ لأن مصيبته لم تنجبر بقتل قاتله، والتوبة النصوح تهدم ما قبلها. فيعوض هذا عن مظلمته، ولا يعاقب هذا لكمال توبته. وصار هذا كالكافر المحارب لله ولرسوله إذا قتل مسلماً في الصف، ثم أسلم وحسن إسلامه؛ فإن الله سبحانه يعوّض هذا الشهيد المقتول، ويغفر للكافر بإسلامه، ولا يؤاخذه بقتل المسلم ظلماً. فإن هدم التوبة لما قبلها كهدم الإسلام لما قبله. وعلى هذا إذا سلّم نفسه وانقاد، فعفا عنه الوليّ، وتاب القاتل توبةً نصوحاً، فالله تعالى يقبل توبته، ويعوض المقتول"23. فهذه المعاصي والكبائر: الشرك بالله وحقوق الآدميين، لا يغفرها الله لصاحبها إن مات مصراً عليها. وأما ما عداها فإن الله تعالى يغفرها بما مضى من المكفرات العظيمة؛ إذا فعلها الإنسان.. نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه جواد كريم. اللهم تبنا علينا، واغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، وتجاوز عن سيئاتنا، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم..
1 رواه مسلم (233).
2 رواه مسلم (244).
3 رواه مسلم (2702).
4 مدارج السالكين (1/182).
5 شرح صحيح مسلم (17/59).
6 شرح صحيح مسلم للنووي (17/59)، وانظر رياض الصالحين (ص 10-11).
7 رواه البخاري (5947).
8 رواه أحمد (5/153) والترمذي (1987)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (96).
9 رواه البخاري (4410) ومسلم (2763).
10 رواه البخاري (5318).
11 رواه الترمذي (2399)، وقال: "حديث حسن صحيح". والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم، وقال العلامة الألباني: "حسن صحيح" كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم (3414).
12 رواه مسلم (183).
13 رواه البخاري (6102).
14 رواه مسلم (251).
15 رواه مسلم (667).
16 رواه مسلم (93).
17 المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/290).
18 انظر: مراتب الإجماع لابن حزم، صـ (173)، والمفهم للقرطبي (1/290)، وشرح صحيح مسلم للنووي (1/277).
19 رواه مسلم (2581).
20 انظر: مدارج السالكين (1/430).
21 رواه النسائي (3998)، وصححه الألباني كما في صحيح النسائي (3/840).
22 حاشية السندي على سنن النسائي (5/ 387).
23 مدارج السالكين لابن القيم (1/430-431)

مكفرات الذنوب والمعاصي:
1- التوبة:
قال تعالى: {وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].
وعن الأغرّ المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيها الناس: توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة))[1].
معنى التوبة:
التوبة: عبارة عن ندمٍ يورث عزماً وقصداً، وذلك الندم يورث العلم بأن تكون المعاصي حائلاً بين الإنسان وبين محبوبه[2].
وحقيقة التوبة كما ذكرها ابن القيم فقال: "هي الندم على ما سلف منه في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل"[3].
حكم التوبة:
نقل النووي عن أهل العلم فقال: "اتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبةُ، وأنها واجبةٌ على الفور لا يجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة، والتوبة من مهمات الإسلام وقواعده المتأكدة، ووجوبها عند أهل السنة بالشرع"[4].
شروط التوبة:
قال النووي رحمه الله: "إن للتوبة ثلاثة أركان:
1- الإقلاع.
2- والندم على فعل تلك المعصية.
3- والعزم على أن لا يعود إليها أبداً. فإن كانت المعصية لحقّ آدمي فلها ركن رابع وهو:
4- التحلّل من صاحب ذلك الحقّ. وأصلها الندم، وهو ركنها الأعظم"[5].
قال الشيخ عثمان بن قائد النجدي رحمه الله:
شروط توبتهم إن شئت عدتها ثلاثة عُرفت فاحفظ على مهل
إقـلاعه نـدمٌ وعزمه أبـداً أن لا يعود لما فـيه جرى وقل
إن كان توبته عن ظلمِ صاحبه لا بدّ من ردّه الحقوق على عجل[6]
وزاد ابن المبارك على ما سبق من الشروط للتوبة فقال: "الندم، والعزم على عدم العود، وردّ المظلمة، وأداء ما ضيّع من الفرائض، وأن يعمد إلى البدن الذي رباه بالسحت فيذيبه بالهم والحزن حتى ينشأ له لحم طيبٌ، وأن يذيق نفسه ألم الطاعة كما أذاقها لذّة المعصية"[7].
فزاد رحمه الله الآتي:
1- أداء ما ضيّع من الفرائض.
2- إذابة البدن الذي رباه بالسحت بالهم والحزن.
3- الجدّ في الإكثار من الطاعات[8].
2- الاستغفار:
قال تعالى: على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} [نوح:10].
وعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سيّد الاستغفار أن يقول أحدكم: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت)) قال: ((ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة))[9].
قال ابن حجر نقلاً عن بعض أهل العلم: "لما كان هذا الدعاء جامعاً لمعاني التوبة كلها؛ استعير له اسم السيّد، وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج، ويرجع إليه في الأمور"[10].
3- عمل حسناتٍ تمحوها، فإن الحسنات يذهبن السيئات:
قال تعالى: {إ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ} [هود:114].
قال ابن كثير رحمه الله: "إن فعل الخيرات يكفّر الذنوب السالفة"[11].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها))[12].
وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً أصاب من امرأة قُبلةً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، قال: فنزلت: {أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ} قال: فقال الرجل إليّ هذه يا رسول الله؟ قال: ((لمن عمل بها من أمتي))[13].
قال النووي رحمه الله: "هذا تصريحٌ بأن الحسنات تكفّر السيئات"[14].
4- دعاء إخوانه المؤمنين والملائكة، واستغفارهم له حياً أو ميتاً:
قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإَيمَـٰنِ} [الحشر:10].
وعن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك مُوكَّل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل))[15].
وكذا دعاء الملائكة له:
قال تعالى: {ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً} [غافر:7].
يقول ابن كثير رحمه الله: "{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} أي: من أهل الأرض ممن آمن بالغيب، فقيّض الله تعالى ملائكته المقربين أن يدعوا للمؤمنين بظهر الغيب، ولما كان هذا من سجايا الملائكة عليهم السلام كانوا يؤمّنون على دعاء المؤمنين بظهر الغيب"[16].
5- ابتلاء الله تعالى إياه بمصائب تكفّر عنه:
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المسلم من نصبٍ ولا وصبٍ ولا همٍ ولا حزنٍ ولا أذىً ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه))[17].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة))[18].
6- إهداؤه ثواب الأعمال الصالحة بعد الموت:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))[19].
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت، تصدقت، أفلها أجرٌ إن تصدقت عنها؟ قال: ((نعم، تصدق عنها))[20].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفي حديث الباب من الفوائد: جواز الصدقة عن الميت، وأن ذلك ينفعه بوصول ثواب الصدقة إليه ولا سيما إن كان من الولد"[21].
7- رحمة أرحم الراحمين:
جاء في حديث الشفاعة قال: ((فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حُمماً فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة))[22].
وهذا الحديث دلالة على شفاعة أرحم الراحمين[23].
8- شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل نبي دعوة قد دعا بها فاستجيب، فجعلت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة))[24].
قال ابن الجوزي رحمه الله: "هذا من حسن تصرفه صلى الله عليه وسلم لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي، ومن كثرة كرمه لأنه آثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره لأنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين"[25].
9- يبتليه الله في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من صاحب ذهب، ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار))[26].
10- إسباغ الوضوء:
عن حمران بن أبان مولى عثمان. قال: دعا عثمان بوضوء في ليلةٍ باردةٍ، وهو يريد الخروج إلى الصلاة، فجئته بماء فأكثر ترداد الماء على وجهه ويديه، فقلت: حسبك! قد أسبغت الوضوء والليلة شديدة البرد. فقال: صُبّ! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يسبغُ عبدٌ الوضوء إلاّ غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر))[27].
11- الصلوات الخمس:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟)) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: ((فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا))[28].
وهناك غير ما ذُكر من المكفرات[29].
أ- الفرق بين تكفير السيئات ومغفرة الذنوب:
قال ابن القيم رحمه الله: "فالذنوب المراد بها: الكبائر، والمراد بالسيئات: الصغائر. وهي ما تعمل فيه الكفارة، ومن الخطأ وما جرى مجراه، ولهذا جعل لها التكفير. ومنه أخذت الكفارة، ولهذا لم يكن لها سلطان ولا عمل في الكبائر في أصحّ القولين.
والدليل على أن السيئات هي الصغائر، والتكفير لها: قوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31].
ولفظ "المغفرة" أكمل من لفظ "التكفير" ولهذا كان مع الكبائر، والتكفير مع الصغائر. فإن لفظ "المغفرة" يتضمن الوقاية والحفظ. ولفظ التكفير، يتضمن الستر والإزالة. وعند الإفراد: يدخل كلٌ منها في الآخر، فقوله تعالى: {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيّئَـٰتِهِمْ} [محمد:2] يتناول صغائرها وكبائرها، ومحوها ووقاية شرّها، بل التكفير المفرد يتناول أسوأ الأعمال كما قال تعالى: {لِيُكَـفّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ} [الزمر:35]"[30].
ب- محو الذنوب:
1)- الذنوب والسيئات تحت مشيئة الله تعالى:
قال الشوكاني رحمه الله: "وأما غير أهل الشرك من عصاة المسلمين فداخلون تحت المشيئة يغفر لمن يشاء، ويعذّب من يشاء. قال ابن جرير: قد أبانت هذه الآية[31] أن كل صاحب كبيرة في مشيئة الله عز وجل، إن شاء عذّبه، وإن شاء عفا عنه ما لم تكن كبيرته شركاً بالله عز وجل. وظاهره أن المغفرة منه سبحانه تكون لمن اقتضته مشيئته تفضلاً منه ورحمة، وإن لم يقع من ذلك المذنب توبة"[32].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن كان من أهل الكبائر فأمره إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له"[33].
2)- هل الحسنات تمحو الكبائر:
قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] هل تدخل فيها الكبائر، أم لا؟ فيه خلاف بين أهل العلم[34].
ولعل الراجح عدم دخول الكبائر فيها، وقد ردّ ابن عبد البر على من قال: إن الكبائر تمحوها الحسنات، فقال: "وهذا جهلٌ بيّن، وموافقة للمرجئة فيما ذهبوا إليه من ذلك، وكيف يجوز لذي لبٍ أن يحمل هذه الآثار على عمومها وهو يسمع قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}، وقوله تبارك وتعالى: {وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]، في آي كثيرة من كتابه.
ولو كانت الطهارة والصلاة وأعمال البرّ مكّفرة للكبائر، والمتطهر المصلي غير ذاكر لذنبه الموبق، ولا قاصد إليه، ولا حضره في حينه ذلك أنه نادم عليه، ولا خطرت خطيئته المحيطة به بباله لما كان لأمر الله عز وجل بالتوبة معنى، ولكان كل من توضأ وصلى يُشهد له بالجنة بأثر سلامه من الصلاة، وإن ارتكب قبلها ما شاء من الموبقات الكبائر، وهذا لا يقوله أحدٌ ممن له فهمٌ صحيح.
وقد أجمع المسلمون أن التوبة على المذنب فرضٌ، والفروض لا يصحّ أداء شيء منها إلا بقصدٍ ونيّة، واعتقاد أن لاعودة، فأما أن يصلي وهو غير ذاكر لما ارتكب من الكبائر، ولا نادم على ذلك فمحال"[35].
ج- الذنوب التي لا يغفرها الله تعالى:
1- الشرك الأكبر:
قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:48]، وقال: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار))[36].
قال القرطبي رحمه الله: "إن من مات على الشرك لا يدخل الجنة، ولا يناله من الله رحمة، ويخلد في النار أبد الآباد، من غير انقطاع عذاب، ولا تصرم آماد"[37].
ونقل ابن حزم والقرطبي والنووي الإجماع على أن المشرك يخلد في النار[38].
2- الشرك الأصغر:
وقد اختلف في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه تحت المشيئة، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[39]، كما يظهر ميل الإمام ابن القيم إليه في الجواب الكافي[40].
القول الثاني: أنه تحت الوعيد، وهو الذي مال إليه بعض أهل العلم[41].
3- حقوق الآدميين:
أ- أنواع المظالم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه))[42].
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل ما لهذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طُرح في النار))[43].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وحقّ غير الله يحتاج إلى إيصالها لمستحقها، وإلا لم يحصل الخلاص من ضرر ذلك الذنب، لكن من لم يقدر على الإيصال بعد بذله الوسع في ذلك فعفو الله مأمول، فإنه يضمن التبعات[44]، ويبدل السيئات حسنات"[45].
ب- القتل:
ذلك لأن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق:
1- حقّ الله.
2- حق الولي والوارث.
3- حق المقتول.
فحق الله يزول بالتوبة، والوارث مخير بين ثلاثة أشياء: القصاص، والعفو إلى غير عوض، والعفو إلى مال[46].
ويبقى حق المقتول، عن جندب رضي الله عنه قال حدثني فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يجيء المقتول بقاتله يوم القيامة، فيقول: سل هذا فيم قتلني؟ فيقول: قتلته على ملك فلان)) قال جندب: فاتَّقِها[47].
قال ابن القيم رحمه الله: "فالصواب والله أعلم أن يقال: إذا تاب القاتل من حق الله، وسلم نفسه طوعاً إلى الوارث، ليستوفي منه حق موروثه: سقط عنه الحقان. وبقي حق الموروث لا يضيّعه الله. ويجعل من تمام مغفرته للقاتل: تعويض المقتول. لأن مصيبته لم تنجبر بقتل قاتله، والتوبة النصوح تهدم ما قبلها. فيعوض هذا عن مظلمته. ولا يعاقب هذا لكمال توبته. وصار هذا كالكافر المحارب لله ولرسوله إذا قتل مسلماً في الصف، ثم أسلم وحسن إسلامه؛ فإن الله سبحانه يعوّض هذا الشهيد المقتول، ويغفر للكافر بإسلامه، ولا يؤاخذه بقتل المسلم ظلماً. فإن هدم التوبة لما قبلها كهدم الإسلام لما قبله. وعلى هذا إذا سلّم نفسه وانقاد، فعفا عنه الوليّ، وتاب القاتل توبةً نصوحاً، فالله تعالى يقبل توبته، ويعوض المقتول"[48] .
[1] رواه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: استحباب الاستغفار (2702).
[2] مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (ص 259).
[3] مدارج السالكين (1/182).
[4] شرح صحيح مسلم (17/59).
[5] شرح صحيح مسلم للنووي (17/59)، وانظر رياض الصالحين (ص 10-11).
[6] لوامع الأنوار البهيّة للسفاريني (1/372).
[7] فتح الباري (11/103).
[8] انظر: المعاصي وآثارها (ص 332).
[9] رواه البخاري في الدعوات، باب أفضل الاستغفار (6306).
[10] فتح الباري (11/99).
[11] تفسير القرآن العظيم (2/462).
[12] رواه أحمد (5/153) والترمذي في البر، باب ما جاء في معاشرة الناس (1987) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (96).
[13] رواه البخاري في تفسير القرآن، باب قوله: {وأقم الصلاة طرفي النهار...} (4687)، ومسلم في التوبة، باب قوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} (2763).
[14] شرح صحيح مسلم (17/79).
[15] رواه مسلم في الذكر والدعاء، باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب (2733).
[16] تفسير القرأن العظيم (4/71).
[17] رواه البخاري في المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض (5642)، ومسلم في البر، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن (2572).
[18] رواه الترمذي في الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء (2401) وقال: حديث حسن صحيح.
[19] رواه مسلم في الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (1631).
[20] رواه البخاري في الوصايا، باب ما يستحب لمن توفي فجأة أن يتصدقوا عنه (2760)، ومسلم في الزكاة، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه (1004).
[21] فتح الباري (5/458).
[22] رواه مسلم في الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية (183).
[23] المعاصي وآثارها (ص 359).
[24] رواه البخاري في الدعوات، باب لكل نبي دعوة مستجابة (6305) واللفظ له، ومسلم في الإيمان، باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته (200).
[25] فتح الباري (11/100).
[26] رواه مسلم في الزكاة، باب إثم مانع الزكاة (987).
[27] رواه البزّار كما في كشف الأستار (262)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (1/237)، وقال: رواه البزار ورجاله موثوقون، والحديث حسن إن شاء الله. وحسّنه المنذري أيضاً في الترغيب والترهيب (1/103).
[28] رواه البخاري في مواقيت الصلاة، باب: الصلوات الخمس كفارة (528)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تُمحى به الخطايا (667) واللفظ له.
[29] انظر: المرض والكفارات لابن أبي الدنيا ومعرفة الخصال المكفّرة لابن حجر العسقلاني، و، وغيرهما. وانظر أيضاً: منهاج السنة (6/205-238)، وشرح العقيدة الطحاوية (ص 327-330).
[30] مدارج السالكين (1/338-339) باختصار.
[31] وهي قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
[32] فتح القدير للشوكاني (1/718)، وانظر: روح المعاني للآلوسي (4/240) (13/196).
[33] مجموع الفتاوى (8/271).
[34] انظر: تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك للسيوطي (1/53-54).
[35] التمهيد (4/44-45).
[36] رواه مسلم في الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئاً (93).
[37] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/290).
[38] انظر: مراتب الإجماع لابن حزم (ص 173)، والمفهم للقرطبي (1/290)، وشرح صحيح مسلم للنووي (1/277، 430) (2/20).
[39] انظر: تفسير آيات أشكلت لابن تيمية (1/361-365).
[40] الجواب الكافي (ص 317)، وانظر: عقيدة المسلمين للبليهي (1/339)، والشرك في القديم والحديث (1/176) لأبي بكر محمد زكريا.
[41] انظر: ما قاله ابن تيمية في تلخيص كتاب الاستغاثة (1/301)، وما قاله الشيخ عبد العزيز السلمان في الكواشف الجلية (ص 322).
[42] رواه البخاري في الرقاق، باب القصاص يوم القيامة (6534).
[43] رواه مسلم في البر والصلة والآداب باب تحريم الظلم (2581).
[44] أورد الحافظ ابن حجر في كتابه قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج حديثاً في فضائل الحج بأن الله يتحمّل حتى التبعات وهو حسنٌ بطرقه.
[45] فتح الباري (11/103).
[46] انظر: مدارج السالكين (1/430).
[47] رواه النسائي في تحريم الدم، باب تعظيم الدم (3998)، والترمذي في تفسير القرآن باب ومن سورة النساء (3029)، وصححه الألباني كما في صحيح النسائي (3/840)، وانظر: جامع الأصول (2/97-98).
[48] مدارج السالكين لابن القيم (1/430-431)، وانظر: تفاصيل الكلام على قاتل العمد هل له توبة؟ في العواصم والقواصم لابن الوزير (9/21-68)، فقد أطال الكلام عليه ومدارج السالكين (1/424-431) وفتح الباري (3/269) والكلام على حقيقة الإسلام والإيمان لابن تيمية بتحقيق د.محمد حسن الشيباني (ص241).منقول المنبر
التوقيع

اكثروا قراءة الاخلاص وسبحان الله عدد ما خلق سبحان الله ملء ما خلق سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء سبحان الله عدد ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه،سبحان الله عدد كل شيء سبحان الله ملء كل شيء الحمد لله مثل ذلك وسبحان الله وبحمده عددخلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته واكثروا الصلاة على النبي واكثروا السجود ليلاونهارا
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 07:24 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.