انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-27-2015, 06:08 PM
عبدالله الأحد عبدالله الأحد غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي الشاربين من حوضه - صلى الله عليه وسلم-

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله

تتجلى رحمة الله تعالى يوم القيامة حين تدنو الشمس من الرؤوس، ويتمكن العطش من الناس، ويشتد الكرب بهم حتى يطلبوا بدء الحساب، تتجلى رحمة الله يومئذ بالمؤمنين، إذ لم يتركهم عطشى يعانون الظمأ، بل أكرمهم بحياض يشربون منها، وجعل لكل نبي من الأنبياء حوضا يشرب منه هو وأتباعه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ( إن لكل نبي حوضا، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة ) رواه الترمذي وصححه الألباني .


الحوض والكوثر

الكوثر هو النهر الذي وعد الله به نبيه – صلى الله عليه وسلم – في الجنة، والحوض هو مجمع الماء في أرض المحشر، وماؤه مستمد من الكوثر، فالكوثر والحوض ماؤهما واحد، إلا أن أحدهما في الجنة، والآخر في أرض المحشر، لذلك يطلق على كل منهما اسم الكوثر، قال – صلى الله عليه وسلم – في وصف الحوض: ( يَغُت فيه ميزابان، يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورق ). يغت: أي يدفق دفقا شديدا متتابعاً، فتبين بهذا أن ماء الحوض مستمد من نهر الكوثر في الجنة .

صفة حوض النبي صلى الله عليه وسلم

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أوصافا متعددة لحوضه، ترغيبا للأمة في بذل الأسباب الموجبة لوروده والشرب منه، فذكر من أوصافه: أن ماءه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأن طوله وعرضه سواء، وأن سعته كما بين أيلة وصنعاء، وأن عدد كؤوسه كعدد نجوم السماء، وأن من شرب منه لا يظمأ أبدا، وهذه الأوصاف ذكرها النبي – صلى الله عليه وسلم – في أحاديث، منها:

حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ( إن قدر حوضي كما بين أيله وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق بعدد نجوم السماء ) متفق عليه .

حديث ثوبان - رضي الله عنه - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم – سئل عن شراب حوضه، فقال: ( أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان، يمدانه من الجنة، أحدهما: من ذهب، والآخر من ورق ) رواه مسلم .

حديث ثوبان - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ( حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأكوابه عدد نجوم السماء، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ... ) رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم .

حديث حذيفة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( إن حوضي لأبعد من أيلة إلى عدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، ولهو أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل ... ) رواه مسلم .

اختلاف الروايات في سعة الحوض والجمع بينها

اختلفت الروايات في تحديد سعة الحوض ومساحته، فبعض الروايات ذكرت أن حوضه - صلى الله عليه وسلم- أبعد ( من أيلة إلى عدن ) وعدن معروفة، أما "أيلة" فهي مدينة بالشام على ساحل البحر، وتطلق أيضا: على جبل ينبع بين مكة والمدينة . والحديث رواه ابن ماجة عن حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وذكرت بعض الروايات أن سعة الحوض، ( كما بين المدينة وصنعاء ) وهذا في رواية البخاري عن حارثة بن وهب - رضي الله عنه -.

وفي رواية أخرى للبخاري عن ابن عمر ، قدرت ( ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح ) وجربى بالقصر من بلاد الشام، وأذرح بالحاء مدينة من أدنى الشام، ويقال: أنها فلسطين .

وفي رواية أخرى عند مسلم عن جابر بن سمرة أن ( بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة )

وفي رواية ابن ماجة عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إن لي حوضا ما بين الكعبة وبيت المقدس )، وفي رواية مسلم عن أبي ذر
( عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة )، وفي رواية أخرى عند الترمذي ( حوضي من عدن إلى عمان البلقاء ) .

وفي الجمع والتوفيق بين تلك الروايات يقول الإمام القرطبي : " ظن بعض الناس أن هذه التحديدات في أحاديث الحوض اضطراب واختلاف، وليس كذلك، وإنما تحدث النبي - صلى الله عليه و سلم - بحديث الحوض مرات عديدة، وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة، مخاطبا كل طائفة بما كانت تعرف من مسافات مواضعها، فيقول لأهل الشام: ما بين أذرح و جربا، و لأهل اليمن: من صنعاء إلى عدن، وهكذا، وتارة أخرى يقدر بالزمان، فيقول: مسيرة شهر، والمعنى المقصود: أنه حوض كبير متسع الجوانب والزوايا، فكان ذلك بحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهات، فخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها، والله أعلم "

ويبدو – والله أعلم – أن المعنى المقصود ليس تحديد سعة الحوض تحديدا دقيقا بقدر ما أراد - صلى الله عليه وسلم - أن يعطي انطباعا بسعة حوضه وكبر مساحته، وذلك أننا لو قارنا المسافات بين كل بلدتين ذكرهما - صلى الله عليه وسلم - لوجدنا اختلافا متباينا بينهما، فالمسافة بين أيلة إلى صنعاء تختلف عن المسافة بين أيلة وعدن بمئات الكيلومترات، وكذلك بين المدينة وصنعاء، جاء في "شرح ابن ماجة": " وهذه الاختلافات تشعر بأن ذكرها جرى على التقريب دون التحديد، وبأن المقصود بأن بعد ما بين حافتيه وسيعة لا التقدير بمقدار معين " .


أول الشاربين من حوضه - صلى الله عليه وسلم-

ذكر – صلى الله عليه وسلم – صنفين من الناس سيكونون أول الشاربين من حوضه – صلى الله عليه وسلم –، الصنف الأول: فقراء المهاجرين، ويدل على ذلك ما رواه ثوبان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ( أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين، الشعث رؤوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم السدد ) رواه الترمذي .

والصنف الثاني: أهل اليمن، فعن ثوبان - رضي الله عنه - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ( إني لبعقر حوضي، أذود الناس لأهل اليمن، أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم – يسيل عليهم - ... ) رواه مسلم ، قال الإمام النووي في شرحه: " معناه: أطرد الناس عنه غير أهل اليمن، .. وهذه كرامة لأهل اليمن في تقديمهم في الشرب منه، مجازاة لهم بحسن صنيعهم وتقدمهم في الإسلام، .. فيدفع غيرهم حتى يشربوا، كما دفعوا في الدنيا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعداءه والمكروهات " .

ولا يعني كون الأنصار والمهاجرين هم أول واردي حوضه - صلى الله عليه وسلم – أن غيرهم لا يرده، غير أنهم - في الجملة - قلة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ( بينا أنا قائم، فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، فقلت: إلى أين ؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، قال: هلم، قلت: إلى أين ؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم ) رواه البخاري ، قال الحافظ في الفتح :" قوله: فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم، يعني: من هؤلاء الذين دنوا من الحوض، وكادوا يردونه، فصدوا عنه، والهمل بفتحتين الإبل بلا راع، ... والمعنى: أنه لا يرده منهم إلا القليل؛ لأن الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره " وواضح أن القلة هنا نسبية، أي: أن نسبة من يرد الحوض كبيرة لكن الذين يطردون أكبر من الذين يشربون .


المطرودون عن حوضه - صلى الله عليه وسلم- :

وردت أحاديث كثيرة في ذكر المطرودين عن حوضه – صلى الله عليه وسلم – وهي تحمل في طياتها تحذيرات من سلوك طريقهم، منها:

ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقول: ( أنا فَرطُكُم – أي أتقدمكم - على الحوض فمن ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا . ليردنَّ علي أقوامٌ أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي ) .

وما رواه البخاري أيضا عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ليردن علي ناس من أصحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم، اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي، فيقال لي: لا تدري ما أحدثوا بعدك ) .

ومنها ما رواه مسلم عن عائشة - رضي الله عنها – قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول - وهو بين ظهراني أصحابه -: ( إني على الحوض، أنتظر من يرد علي منكم، فوالله ليقتطعن دوني رجال، فلأقولن: أي رب مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم )

قال الإمام القرطبي في "التذكرة" : " قال علماؤنا - رحمة الله عليهم أجمعين -: فكل من ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، وأشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، .. والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق، وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستحفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع، ثم البعد قد يكون في حال، ويقربون بعد المغفرة، إن كان التبديل في الأعمال، ولم يكن في العقائد " .


موضع الحوض يوم القيامة

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ( بينا أنا قائم، فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، فقلت: إلى أين ؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، قال: هلم، قلت: إلى أين ؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم ) رواه البخاري ، قال الإمام القرطبي تعليقا على الحديث: " فهذا الحديث - مع صحته - أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط؛ لأن الصراط إنما هو جسر على جهنم ممدود يجاز عليه، فمن جازه سلم من النار " فموضع الحوض قبل الصراط، إذ إن من مرَّ على الصراط كان من أهل الجنة، فلو كان الحوض بعد الصراط لامتنع أن يطرد عنه أحد .

وموضع الحوض لا يكون على هذه الأرض، وإنما يكون وجوده في الأرض المبدلة، كما قال تعالى: { يوم تبدل الأرض غير الأرض }(إبراهيم:48) .


الواردون حوضه صلى الله عليه وسلم :

يرد حوض النبي – صلى الله عليه وسلم – في الجملة كل مؤمن لم يتلبس بمانع من موانع ورود الحوض التي تضمنتها الأحاديث السابقة، غير أن النبي ذكر بعض الأعمال الخاصة التي هي أسباب لنيل شرف وردود حوضه – صلى الله عليه وسلم – منها :

1- الصبر عند الأَثَرة: ويدل على ذلك حديث عبد الله بن زيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم – في وصيته للأنصار - رضي الله عنهم -: ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) متفق عليه، ومعنى ستلقون بعدي أثرة، أي: أن الأمراء بعدي يفضلون عليكم غيركم ممن هو أقل كفاءة منكم.

2- عدم الدخول على أئمة الجور ممالأةً ونفاقاً لهم، فعن كعب بن عجرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ( أنه ستكون بعدي أمراء، من دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس يرد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد على الحوض ) رواه الترمذي والنسائي .


هذا هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ذكرناه بأوصافه، وأوصاف أهله، وأوصاف المطرودين عنه، حتى يعلم المسلم السبيل إليه، في يوم عظم خطره، واشتد حره، والله الموفق .
الشبكة الاسلامية
ملخص الخطبة
1- نفس جهنم في الصيف والشتاء. 2- ظمأ يوم القيامة. 3- حوض النبي . 4- الذين يذادون عن حوض النبي. 5- سقوط الإعلام وغرابة ما يتصدر عنه. 6- أصناف ثلاثة عارضت الشرع بعقولها القاصرة ، وهذه لأصناف لا ترد الحوض.

الخطبة الأولى


أما بعد:

فإن الوصية المبذولة لي ولكم عباد الله، هي تقوى الله ـ سبحانه ـ، في السر والعلن، في الرغبة والرهبة، في الغضب والرضا، إنما يتقبل الله من المتقين، الذين تدفعهم تقواهم إلى تقديم مرضاة ربهم على رضاء خلقه وعبيده.

أيها الناس، لقد منّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ على عباده بفصول أربعة، يتقلب فيها الزمن، على حر صيف، ويبس خريف، وبرد شتاء، وحسن ربيع، وجعل لكل فصل من هذه الفصول حكمة، يرعوي إليها من به ادكّار فهل من مدكر؟!

في الصحيحين أن النبي قال: ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم))[1].

ولقد جعل الله ـ سبحانه ـ أشياء كثيرة تذكر بالنار ولهيبها، كالأزمنة المفرطة في الحر أو البرد، فبردها يقرقف[2]، ويذكر بزمهرير جهنم، وحرها يأخذ بالأنفاس ويذكر بحر جهنم وسمومها، قال الحسن البصري: "كل برد أهلك شيئا فهو من نفس جهنم، وكل حر أهلك شيئا فهو من نفس جهنم"، وقال قتادة في معرض هذا: هل لكم بذلك يدان أم لكم عليه صبر ؟ طاعة الله ورسوله أهون عليكم يا قوم، فأطيعوا الله ورسوله .

أنسيت لظى عند ارتكابك للهوى وأنت توقى حر شمس الهواجر

أيها المسلمون، إن الله ـ جل وعلا ـ سيحشر الأموات جميعا، من قبورهم بعد البعث إلى الموقف حفاة عراة غرلا، كما بدأ أول خلق يعيده وَحَشَرْنَـٰهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً [الكهف:47]. يجمع الناس في عرصات القيامة، أولهم وآخرهم على صعيد واحد، فيموج بعضهم في بعض، وتدنو الشمس منهم حتى تكون كمقدار ميل، فيبلغ الناس من الكرب والغم ما لا يطيقون ولا يحتملون، فمنهم من يبلغ به العرق إلى كعبيه، ومنهم من إلى ركبتيه، ومنهم من إلى حَقْوَيْه[3]، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، فيكون الناس أحوج ما يكونون إلى ما يروون به غليلهم، ويشفون عليلهم، أحوج ما يكونون إلى ما يقطعون به ظمأ الهاجرة، وغصة الحشر المهول، إنهم ـ يا رعاكم الله ـ يطمعون في ورود حوض نبيهم، بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ [سورة الكوثر]. قال رسول الله : ((هل تدرون ما الكوثر؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((هو نهر أعطانيه ربي ـ عز وجل ـ في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة..)) الحديث.. [رواه أحمد][4].

إننا بحاجة ماسة ـ عباد الله ـ إلى أن نلبث مليا حول هذه النعمة المسداة المنصوبة في عرصات القيامة، لنأخذ منها دروسا وعبرا، علها أن توقظ غافلنا، وأن تبصر جاهلنا، بأنه لا عيش إلا عيش أهل الآخرة، إنا لنعمى مرات والعيون ناظرة، فالله مولانا ونعم المولى، وقل لمن يعصيه أولى أولى، ما هو إلا عفوه وحلمه، سبحان من لا حكم إلا حكمه.

جاء عند مسلم في صحيحه :أن الحوض يشخب فيه ميزابان من الجنة[5]. الحوض ـ عباد الله ـ قبل الصراط، عند وجود الناس في المحشر، يرده المؤمنون ويذاد عنه الكافرون، طوله شهر، وعرضه شهر، كما بين المدينة وصنعاء، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه[6] كنجوم السماء في عددها ونورها ولمعانها، وهو أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، من شرب منه لا يظمأ بعدها أبدا، يصب فيه نهر الكوثر الذي حافتاه قباب الدر المجوّف، وطينه مسك أذفر، وهو موجود الآن لقوله : ((وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن)) [رواه البخاري][7].

كل هذه الصفات ـ عباد الله ـ صح بها الخبر عن الصادق المصدوق في الصحيحين وغيرهما مما يوجب الإيمان به والطمع في وروده، بيد أن ثمة قضية تحتاج إلى إمعان النظر فيها، والصدق مع الله في طرحها، والأخذ بأسباب التوقي من أن يكون مسلم ما في عداد الملتاثين فيها، ألا وهي ما يقع يوم القيامة من المفاجآت في أناس يطمعون أن يكونوا ممن يرد حوض نبيهم، فإذا هم يذادون عنه ويحرمون النهل منه، بل إنهم بذلك يفقدون مفتاح الجنة، وهو الشرب من هذا الحوض، قال رسول الله : ((إني فَرَط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، لكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها)) [رواه البخاري][8].

والنكتة اللطيفة ـ عباد الله ـ أنه ذكر الحوض قبل التحذير الذي بعده، ليشير إلى التخويف من فعل ما يقتضي الإبعاد عن الحوض.

وجاء عن البخاري في صحيحه أن رسول الله قال: ((إني على الحوض، حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم)) وكان ابن أبي مليكة راوي الحديث يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن في ديننا[9].

وجاء عند مسلم في صحيحه أنه قال: ((إني لأذود عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة عن الإبل))[10]، والمعنى ـ عباد الله ـ أنه يطرد من لا يستحق الشرب من الحوض.

أيها المسلمون، إن الأمة الإسلامية لهي في أشد الحاجة إلى أن ترد حوض نبيها، وإن هذه الأجيال المتأخرة ليخشى عليها من ظلمات لا يجد فيها الحاذق بصيص نور يهتدي به إلى سواء الصراط، أو يخلص به من ضلاله، وإن الإحداث والتغيير الذي دب في صفوف المسلمين، لهو خير شاهد على هذه القضية، ونحن اليوم ـ معاشر المسلمين ـ نعيش معركة حامية مع الازدواجية في كثير من أجوائنا الحياتية ـ إلا من رحم الله ـ يجمع بين الحق والباطل، والصحيح والضعيف، والزين والشين.

ولعل الازدواجية الصحافية في مثل هذه الأيام هي مقبض الرحى في كثير من الأقطار الإسلامية والعربية، والتي اندلعت نارها وطار في كثير من أرض الإسلام شرارها، لقد أهمل كثير من الأقلام، فلم تسخّر للإسلام، بل ما فتئ بعضها يلهو ويلعب ويسخر، وكأنه مدافع الأعياد، تتفجر بالبارود الكاذب، وسط مجتمعات مقرومة مجعومة، يتيه فيها اللبيب، وإن تعجبوا ـ عباد الله ـ فعجب أن يكون الاسم مسلما، وما يخطه البنان غريبا كل الصحفي الغرابة عنه! أين تلك الأقلام؛ لتدل الناس على ما يحفظ لهم دينهم ويحصي كيانهم، وتحذرهم من شرور الكفرة الحاقدين، وتقيم لهم الميزان العادل، فيرجعون عقلاء مميزين، يعرفون ما يأخذون وما يذرون.

واخجلتاه!! من أقلام محسوبة على المسلمين يموت فيهم العالم، وتبلى الأمة ببلايا ورزايا ثم لا تكتب فيها حرفا، بل هذا زاهد في حق هذا، وهذا فيه أزهد منه فيه. لقد شغلها عنها شواغل الصبيان في الأوحال، ومباهج أحلام شبابهم، وملذات الغرام التي يسمونها حتى في حال الوفاة ((أسطورية)) أيا كان هذا المتوفى رجلا أو امرأة، كافرا أو ملحدا، بغيا أو خبيث الطبع.

إن مثل هذه المشاعر الصحفية في تضخيم وفاة شخص ما، نفسها أو أحر منها، موجودة عند رواد الصحافة، وعشاق الورق في بلاد الإسلام وللأسف، وهي مشاعر يأباها الدين جملة وتفصيلا، ما دامت توهن إيمان المرء بالله وترده إلى غيره من الأحياء أو الأموات، ويالله! كم يحزننا أن يكون قلب امرئ ما فارغا من الله، مملوءا بغيره ـ بقوا أو هلكوا ـ؟

إن الانسياق مع مثل هذا جرم، وإحسان الحديث عنه زور، وإذا حكم ذوقهم على المرء بأنه حلو أو بالعكس فهو مدلس مخوف، هو وأمثاله كشجرة ((الدلفى)) تُعْجِبُ من رآها وتقتل من أكلها، وما محبوهم إلا أنوف أزكمها الغبار فاستوت عندها الروائح، أو جسوم تندت ولم ينزع مبلولها فما هي إلا الحمى ما منها بد.

عن جابر أن عمر بن الخطاب أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه، فغضب وقال: ((لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني )) [رواه أحمد وابن أبي شيبة][11].

فالعجب ـ عباد الله ـ ممن يعلم خطورة الركون إلى غير الإسلام، أو ميل القلب أو العاطفة، مع أحياء غير المسلمين أو أمواتهم ـ مهما كانت الظروف التي تحيط بهم، ودوافع الرغبة أو الرهبة، التي تنبعث من قبلهم ـ؛ فإن ذلك كله لا يسوغ تحبير الأقلام فيهم، ولا خلع الجلباب الساتر، والانتماء الزائف، مهما نعق الناعقون، بأن لهذه الشخصية أعمالا خيرة، بل وإن بلغ التجرؤ ببعضهم من وصف مثل هذه الشخصية بأنها طبقت الإسلام وإن لم تكن مسلمة، في صحافة المسلمين المتنوعة.

وما علم مَنْ جَهْلُهُ مُرَكَّب أن عملا ما بلا إسلام مهما كان خيرا، فلن ينفع صاحبه في أخراه، يقول الله ـ جل وعلا ـ في حق الكافرين: وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً [الفرقان:23]، مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَىْء ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ [إبراهيم:18]. وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَـٰلُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْانُ مَاء حَتَّىٰ إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ [النور:39].

قدم أبو سفيان المدينة قبل أن يسلم، فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله طوته عنه، فقال: يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله وأنت رجل مشرك نجس[12].

هكذا فعلت أم المؤمنين في أبيها بكلمة حق، خرقت بها مثلا عربيا: كل فتاة بأبيها معجبة . ما دام أن الإيمان لم يخامر قلبه، وكلمة التوحيد لم ينطق بها لسانه.

ألا فاعلموا ـ رحمكم الله ـ أن رسالة المصطفى كفراشه، فمن أجلس عليه من ليس من دينه فلن يرد حوض النبي لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلإيمَـٰنَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا رَضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22].

اللهم ارزقنا شفاعة نبيك ، وأوردنا حوضه، واسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبدا يا رحمن.



[1] صحيح البخاري ح (537)، صحيح مسلم ح (617).

[2] قرقف: أرعد (القاموس ، مادة قرقف).

[3] حَقويه: تثنية (حَقْو) بمعنى الكشح (القاموس ، مادة حقو).

[4] صحيح، مسند أحمد (3/102)، وأخرجه مسلم ح (400).

[5] صحيح مسلم ح (2300).

[6] كيزان: جمع كوز (القاموس ، مادة كوز).

[7] صحيح البخاري ح (6590).

[8] المرجع السابق، الحديث نفسه.

[9] صحيح البخاري ح (6593).

[10] صحيح مسلم ح (2302)، وأخرجه أيضًا البخاري ح (2367).

[11] حسن، مسند أحمد (3/338)، مصنف ابن أبي شيبة (6/ 228).

[12] أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/79) بسنده إلى الزهري. وفي إسناده محمد بن عمر الواقدي شيخ محمد بن سعد. قال ابن حجر في الواقدي: متروك مع سعة علمه. التقريب (6215).

وفيه انقطاع أيضًا فالزهري لم يدرك أبا سفيان ولا أم حبيبة رضي الله عنهما.


الخطبة الثانية


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد:

فاتقوا الله معاشر المسلمين، ثم اعلموا أن بعض أهل البدع أنكر حوض النبي ممن عرفوا بالمكابرة بعقولهم أمام نصوص الشارع الحكيم، فجعلوا آراءهم مقدمة عليها، فما وافق العقل منها قبلوه، وما لا فلا، وهذه بلية كبرى اتسع نطاقها في بقاع شتى من أراضي المسلمين، يعرفون باسم أهل الفكر المستنير، أو العقلانيين الذين يخضعون نصوص الشريعة لعقولهم لا العكس، وقد أشار ابن القيم ـ رحمه الله ـ إلى جملة ممن خالفوا الوحي بآرائهم وعقولهم، فكان من أهمهم ثلاثة أصناف:

صنف عارضوا الوحي والأخبار بعقولهم، فقالوا لأهل الشريعة: لنا العقل ولكم الشرع، فجعلوا أهل الأرض اثنين، ذا عقل بلا دين، وآخر دَيِّناً لا عقل له، وعلى هذا ثلة ممن اغترفوا من حضارة الغرب وفلسفاتها، ورضعوا من أثدائها حتى أنشزت عظامهم وأنبتت لحومهم.

والصنف الثاني: قالوا: لكم الشريعة، ولنا الحقيقة والأذواق، وهؤلاء هم أهل التصوف الذين لا يعتمدون على الوحي الصحيح.

وصنف ثالث: خالفوا الوحي بسياساتهم، فقالوا لأصحاب الشريعة: لكم الشريعة ولنا السياسة، والتي يعبر عنها آخرون بفصل الدين عن الدولة، أو دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، أو بعبارة أخرى: الدين لله والوطن للجميع.

فهذه الأصناف ـ عباد الله ـ كلها، ممن لن يرد حوض نبينا ، ليس له إلا الحميم الغساق، وآخر من شكله أزواج، إلا أن يتداركهم الله برحمة منه وفضل، ويكونوا من المؤمنين المصلحين، البعيدين كل البعد عن الشح المطاع، والهوى المتبع، وإعجاب ذي الرأي برأيه؛ استجابة لقول النبي : ((إنكم سترون بعدي أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض)) [رواه البخاري][1].


[1] صحيح البخاري ح (3147). وأخرجه أيضًا مسلم ح (1059).
المنبر
التوقيع

اكثروا قراءة الاخلاص وسبحان الله عدد ما خلق سبحان الله ملء ما خلق سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء سبحان الله عدد ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه،سبحان الله عدد كل شيء سبحان الله ملء كل شيء الحمد لله مثل ذلك وسبحان الله وبحمده عددخلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته واكثروا الصلاة على النبي واكثروا السجود ليلاونهارا
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 10:28 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.