انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > الملتقى الشرعي العام

الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-24-2008, 11:37 PM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي جنايات على العلم والمنهج .أن يُذهِبَ اختلافُ الآراء ائتلافَ القلوب

 

جنايات على العلم والمنهج (7)..أن يُذهِبَ اختلافُ الآراء ائتلافَ القلوب

بسم الله والحمد لله والصلاة والصلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد..
فتتفرد هذه الجناية من بين الجنايات بكونها من أعظم الجنايات ضرراً على العلم والمنهج والدين والدنيا والعقل والقلب جميعاً..
ولا أكون مبالغاً-إن شاء الله- إذا قلتُ أنه إليها ترجع أكثر أسباب فشل وسقوط كل أمة وحضارة لطالما ملأت جنبات الدنيا حركة وحياة،ثم لم يلبث أبناؤها أن تنازعو ففشلوا فذهبت ريحهم..ولله الأمر من قبل ومن بعد.


وسأحاول تفسير الفكرة التي أصبو إلى تقريرها بهذا الموضوع عبر النقاط التالية:


1- ائتلاف القلوب هو : عقد من الحقوق الشرعية ينفي كل عداء وتشاحن وتباغض،ثبت هذا العقد بثبوت موجب وهو الانضواء تحت راية الإسلام،فيثبت عقد التآلف هذا لكل مسلم لا يُزيله عنه إلا الدخول في الكفر والعياذ بالله،


وبموجب هذا العقد يثبت حب خاص ورحمة خاصة وحقوق خاصة تثبت للمسلم على المسلم،لا تزال باقية واجبة ما بقي اسم الإسلام،قطع الله به كل افتراق يؤدي إلى التدابر والتشاحن والتعادي والتباغض ،

وتلك هي أضداد ذلك الائتلاف فلا محل لها ولا مجال بين المسلم والمسلم،وهذا الائتلاف هو الذي لا ينبغي أبداً أن يُضيعه أي اختلاف في الرأي مهما كان مبلغه مادام لم يُخرج المخالف عن الإسلام.
قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}.



2- قال الله تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِى عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِى أَنْفُسِكُمْ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ )).

نعم.فقلوب العباد بين أصابع الرحمن يُقلبها كيف يشاء،وهو وحده القادر سبحانه على إلقاء الألفة والمودة في القلوب وبين القلوب،وهو وحده القادر على انتزاعها ؛


ولكنا مأمورون بطرق الأبواب وتلمس السبل والأسباب التي تعين على حصول التآلف بين القلوب وتوكيده إذا حصل..
ومأمورون بسد ذرائع اختلاف القلوب وتنافرها،منهيون عن فعل كل شئ يؤدي إلى هذا التخالف ويكون سبباً في انتفاء التآلف..


عَنْ أَبِى الْقَاسِمِ الْجَدَلِىِّ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ « أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ». ثَلاَثًا « وَاللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ». قَالَ فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَرُكْبَتَهُ بِرُكْبَةِ صَاحِبِهِ وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ.


3- وقد هدانا الله معاشر المسلمين إلى أعظم أسباب الائتلاف وأوطدها وأرسخها =أعني اجتماع القلوب على الإيمان بالله وحده..
ثم امتن الله علينا بأن ألف بين هذه القلوب وجمعها


فقال تعالى: ** وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}

وهل يجمل بقلوب اجتمعت على الإيمان بالله ومحبته وطاعته أن يحصل بينها ما ينقض هذا الائتلاف العظيم..

4- وإن من أعظم البلاء الذي حل بالناس حتى لا يكادون يجدون عنه مخرجاً=ما يقع بينهم من تنافر القلوب تبعاً لاختلاف الآراء..


وقد اشتكى الناس في الطارف والتالد من هذا البلاء العظيم؛حتى إنك تجد في أمثال الناس المحدثة والذي يكاد أن يكون مثلاً عالمياً:


((اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية)).

وأتى دين الإسلام بأوضح وبيان وأتم تفسير لذلك المعنى،فكان الخلاف في الرأي سعة ورحمة بالأمة ،


مالم يؤدِ إلى زوال أو تضييع ائتلاف القلب =فإن الخلاف عندها يكون تفرقاً محرماً مذموماً..


قال تعالى: ** شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ }.


وفي الآية تقسيم الدين إلى قسمين كما يقول الشيخ:


الأول: الدِّينَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ الْعَامُّ.


والثاني: وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالْإِيمَانُ الْخَاصُّ.


ثم الأمر بِإِقَامَةِ هَذَا الدِّينِ كُلِّهِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُخْتَصِّ وَنَهَانَا عَنْ التَّفَرُّقِ فِيهِ.


ثم اعلم-هُديت للرشد-أن الاختلاف في كلام الله تعالى هو الافتراق لاغير،ولا يُطلق الخلاف في كتاب الله إلا ويُراد به هذا المعنى ،ولا يُطلق الاختلاف- أبداً-ويُراد به خلاف الرأي الذي لا يؤدي إلى الافتراق.


ومن البين المقطوع به أن الله تبارك وتعالى لم ينهانا عن مجرد اختلاف الرأي ،وإنما نهانا الله تبارك وتعالى عن التفرق،وموجب التفرق المؤدي لحصوله أمران:


الأول: التقصير في التزام الحق بعد تميزه والإعراض عن البينات بعد ظهورها.


الثاني: أن يختلف الناس في تمييزالحق فيجاوزن الحد ويبغي بعضهم على بعض.

قال تعالى: ** وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }.


وقال سبحانه: ** وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ }


وقال عز وجل: ** كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ }.


وقال الله: ** فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }


قال الشيخ: ((سَبَبُ الْفُرْقَةِ : تَرْكُ حَظٍّ مِمَّا أُمِرَ الْعَبْدُ بِهِ ، وَالْبَغْيُ بَيْنَهُمْ)).


وقال: ((وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت مَا يَقَعُ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ عُلَمَائِهَا وَعُبَّادِهَا وَأُمَرَائِهَا وَرُؤَسَائِهَا وَجَدْت أَكْثَرَهُ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ الَّذِي هُوَ الْبَغْيُ بِتَأْوِيلِ أَوْ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ


كَمَا بَغَتْ الجهمية عَلَى الْمُسْتَنَّةِ فِي مِحْنَةِ الصِّفَاتِ وَالْقُرْآنِ ؛ مِحْنَةِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ وَكَمَا بَغَتْ الرَّافِضَةُ عَلَى الْمُسْتَنَّةِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً وَكَمَا بَغَتْ النَّاصِبَةُ عَلَى عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَكَمَا قَدْ تَبْغِي الْمُشَبِّهَةُ عَلَى الْمُنَزِّهَةِ


وَكَمَا قَدْ يَبْغِي بَعْضُ الْمُسْتَنَّةِ إمَّا عَلَى بَعْضِهِمْ وَإِمَّا عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ بِزِيَادَةِ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَهُوَ الْإِسْرَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِمْ : ** رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا } .

وَبِإِزَاءِ هَذَا الْعُدْوَانِ تَقْصِيرُ آخَرِينَ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْحَقِّ أَوْ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا)).



5- إذاً فضابط الاختلاف المذموم الذي هو فرقة وعذاب=أمران:

الأول: التقصير في التزام الحق بعد تميزه والإعراض عن البينات بعد ظهورها.
الثاني: أن يختلف الناس في تمييزالحق فيجاوزن الحد ويبغي بعضهم على بعض.


ويقع هذان الأمران من المختلفين في العلميات والعمليات جميعاً ،ولا يختصان بواحد منهما..
وإنما يقعُ إثم الافتراق وتبعاته على من أحدث واحداً من موجبي الافتراق وضابطيه هذين،ولا يؤخذ بتبعة ذلك كلُ من حدث ببينهم هذا الافتراق.



6- فيا أيها الذين أمنوا إن الاختلاف في تمييز الحق وتفسير مراد الله من عباده سنة كونية،


وقد ثبت لكم ولمخالفيكم عقدُ الإسلام وظاهر الالتزام بحدود الإيمان ،وهذا من أعظم موجبات حصول ائتلاف القلوب،

ولا يجوز أن يُضيع هذا الائتلاف العظيم بخلاف الرأي في العلميات أو العمليات،وإنما تُوزن كل مسألة بحسبها،ولا يُزيل ألفة القلب إلا الكفر البواح والخروج عن شريعة الإسلام،

أما ما دون ذلك فرتب ودرجات ليسوا سواء..

وسبيل العدل.. واتقاء البغي في ذلك يتضح بأصول:



الأصل الأول: أن يُعلم أن كل من استفرغ وسعه في طلب الاجتهاد وأدواته في مسألة من مسائل العلم جلت أو دقت ،في العلميات أو العمليات ؛فأخطأ =فهو مغفور له خطأه مأجور على اجتهاده واستفراغه وسعه،

وأنه لا يُتَّبَع في خطأه ،ولا يُتْبَع ويُحط عليه بسبب خطأه.

قال شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) : ((وَالْخَطَأُ الْمَغْفُورُ فِي الِاجْتِهَادِ هُوَ فِي نَوْعَيْ الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ)).


وقال: ((بل يضل عن الحق من قصد الحق وقد اجتهد فى طلبه فعجز عنه فلا يعاقب وقد يفعل بعض ما أمر به فيكون له أجر على اجتهاده وخطؤه الذي ضل فيه عن حقيقة الأمر مغفور له.


وكثير من مجتهدى السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا انه بدعة إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها وإما لرأى رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم)) 19/191.


وقال شيخ الإسلام: ((والتكفير هو من الوعيد فإنه وان كان القول تكذيباً لما قاله الرسول؛ لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة.


وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً))(الفتاوى 3/231).


ويقول الشيخ عمن خالف ما في عقيدته الواسطية: ((وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ خَالَفَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الِاعْتِقَادِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَالِكًا فَإِنَّ الْمُنَازِعَ قَدْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا يَغْفِرُ اللَّهُ خَطَأَهُ وَقَدْ لَا يَكُونُ بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ


مَا تَقُومُ بِهِ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ ، وَإِذَا كَانَتْ أَلْفَاظُ الْوَعِيدِ الْمُتَنَاوَلَةُ لَهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا الْمُتَأَوِّلُ وَالْقَانِتُ


وَذُو الْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَغْفُورُ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ : فَهَذَا أَوْلَى ، بَلْ مُوجِبُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ نَجَا فِي هَذَا الِاعْتِقَادِ وَمَنْ اعْتَقَدَ ضِدَّهُ فَقَدْ يَكُونُ نَاجِيًا وَقَدْ لَا يَكُونُ نَاجِيًا كَمَا يُقَالُ مَنْ صَمَتَ نَجَا)).

وانظر: ((مجموع الفتاوى)) (1/113،12)،(4/501)،(5/306)،و(( جامع المسائل)) (3/151)،و((الدرر السنية)) (10/93-95).



الأصل الثاني: الواجب أن يكون أعظم اشتغال العلماء والدعاة والمصلحين بنقض المقالات الباطلة،وأن يضيقوا مجاري الكلام في طلب الحكم على أعيان وأشخاص القائلين بالباطل ؛إذ أغلب أبواب الحكم على الأعيان مزلة أقدام،ولا يكاد يسلم المتكلم فيها من الخرص والتخمين وتقدير مالم يكن،

ولا يعني ذلك هجر باب الحكم على الأعيان بالكلية وإنما الغرض تضييق مجاريه وحصر وتقليل من يجوز لهم الكلام فيه.



قال شيخ الإسلام: ((وقد تنازع الناس هل يمكن مع الاجتهاد واستفراغ الوسع أن لا يبين للناظر المستدل صدق الرسول أم لا
وإذا لم يبين له ذلك هل يستحق العقوبة في الآخرة أم لا


وتنازع بعض الناس في المقلد منهم أيضا والكلام في مقامين


المقام الأول: في بيان خطأ المخالف للحق وضلاله وهذا مما يعلم بطرق متعددة عقلية وسمعية وقد يعرف الخطأ في أقوال كثيرة من أهل القبلة المخالفين للحق وغير أهل القبلة بأنواع متعددة من الدلائل


والمقام الثاني: الكلام في كفرهم واستحقاقهم الوعيد في الآخرة... وإذا كان كذلك فنحن فيما نناظر فيه أهل الكتاب متقدميهم ومتأخريهم، تارة نتكلم في المقام الأول وهو بيان مخالفتهم للحق وجهلهم وضلالهم فهذا تنبيه لجميع الأدلة الشرعية والعقلية ؛وتارة نبين كفرهم الذي يستحقون به العذاب في الدنيا والآخرة


فهذا أمره إلى الله ورسوله لا يتكلم فيه إلا بما أخبرت به الرسل كما أنا أيضا لا نشهد بالإيمان والجنة إلا لمن شهدت له الرسل)).

فقد ثبت أن طرق إبطال المقالات أكثر وأوسع وأيسر من طرق الحكم على الأعيان وما لهم في الآخرة من المآلات..


الأصل الثالث: لزوم التفريق في الحكم على الأعيان بالأسماء والأحكام بين الظاهر والباطن،والظاهر-هنا-هو ما يتعلق بنا وبظاهر الأحكام الدنيوية،والباطن هو ما يتعلق بالله عز وجل وعلمه واطلاعه على الخفيات مما يوجب الأحكام الأخروية.


1- فمن تلبس بشرك أوفسق أو بدعة أو معصية بجهل أو تقليد أو حداثة عهد أو تأويل أو اجتهاد أخطأ فيه،فيجوز –عند أمن الالتباس-أن تطلق عليه أسماء الذم


(المشرك والمبتدع والعاصي) أي: بالنسبة لنا وما ظهر لنا..

2- أما أن يلحقه ما يترتب على هذه الأسماء من العقوبات الأخروية =فهذا من أحكام الباطن التي لا يُستطاع الجزم بحصولها ولا يمكن الحكم بها على الأعيان إلا من طريق الله ورسوله؛إذ استيفاء شروط حصولها وانتفاء موانع تحقيقها ،


ومعرفة هل الجاهل تمكن من العلم،وهل المقلد جاز له التقليد،وهل المجتهد استفرغ وسعه وخلت نفسه من نوازع الهوى =كل ذلك لا يُعلم على التحقيق إلا من جهة الله ورسوله.


قال شيخ الإسلام: ((وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الرِّسَالَةِ وَمَا بَعْدَهَا فِي أَسْمَاءَ وَأَحْكَامٍ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَسْمَاءَ وَأَحْكَامٍ وَذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ : عَلَى مَنْ قَالَ :


إنَّ الْأَفْعَالَ لَيْسَ فِيهَا حَسَنٌ وَقَبِيحٌ . وَمَنْ قَالَ : إنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ . أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ سَمَّاهُمْ ظَالِمِينَ وَطَاغِينَ وَمُفْسِدِينَ ؛


لِقَوْلِهِ : ** اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى }


وَقَوْلِهِ : ** وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ** قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ }


وَقَوْلِهِ : ** إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }


فَأَخْبَرَ أَنَّهُ ظَالِمٌ وَطَاغٍ وَمُفْسِدٌ هُوَ وَقَوْمُهُ وَهَذِهِ أَسْمَاءُ ذَمِّ الْأَفْعَالِ ؛ وَالذَّمُّ إنَّمَا . يَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ الْقَبِيحَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ تَكُونُ قَبِيحَةً مَذْمُومَةً قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ إلَّا بَعْدَ إتْيَانِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ ؛


لِقَوْلِهِ : ** وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } .

وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْ هُودَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ : ** اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ إنْ أَنْتُمْ إلَّا مُفْتَرُونَ }


فَجَعَلَهُمْ مُفْتَرِينَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِحُكْمِ يُخَالِفُونَهُ ؛ لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَاسْمُ الْمُشْرِكِ ثَبَتَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ ؛ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ وَيَعْدِلُ بِهِ وَيَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى


وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا قَبْلَ الرَّسُولِ وَيُثْبِتُ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ اسْمُ الْجَهْلِ وَالْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ : جَاهِلِيَّةً وَجَاهِلًا قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ وَأَمَّا التَّعْذِيبُ فَلَا..)).

3- ثم تبقى بعض العقوبات الدنيوية كهجر المبتدع وحد الواقع فيما يوجب الحدود –تأولاً-وإيقاع العقوبة على الجاهل سداً لذريعة ادعاء الناس الجهل فراراً من الاحكام=كل ذلك مما يعود تقديره لأولي الأمر من العلماء والأمراء والقضاة بحسب المصلحة وتحصيلها والمفسدة وتقليلها.


قال شيخ الإسلام: ((وَأَمَّا مَنْ أَظْهَرَ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ فَإِنَّهُ تُدْفَعُ مَضَرَّتُهُ وَلَوْ بِعِقَابِهِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَاسِقًا أَوْ عَاصِيًا أَوْ عَدْلًا مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا بَلْ صَالِحًا أَوْ عَالِمًا سَوَاءٌ


فِي ذَلِكَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ وَالْمُمْتَنِعُ.. وَكَذَلِكَ يُعَاقَبُ مَنْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ تَضُرُّ النَّاسَ فِي دِينِهِمْ ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا فِيهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِاجْتِهَادِ أَوْ تَقْلِيدٍ)).

ويقول: ((وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَعُقُوبَةُ الدُّنْيَا غَيْرُ مُسْتَلْزَمَةٍ لِعُقُوبَةِ الْآخِرَةِ وَلَا بِالْعَكْسِ . وَلِهَذَا أَكْثَرُ السَّلَفِ يَأْمُرُونَ بِقَتْلِ الدَّاعِي إلَى الْبِدْعَةِ الَّذِي يُضِلُّ النَّاسَ لِأَجْلِ إفْسَادِهِ فِي الدِّينِ سَوَاءً قَالُوا : هُوَ كَافِرٌ أَوْ لَيْسَ بِكَافِرِ)).


4- فإذا جاز إطلاق الأسماء عند أمن اللبس..
وعُلقت الأحكام الدنيوية على ما ذكر..
وعُلقت الأحكام الباطنة الأخروية على ما ذكر..
لم يَجُز –بعد مراعاة ما تقدم- البغي ولا تعدي حدود ما أمر اللهُ به،ووجب أن يكون مع ما تقدم من إحقاق الحق =رحمة بالخلق،


فلا تضيع الألفة والمحبة التي ثبتت لهذا المخالف الذي تلبس بالشرك أو البدعة أوالمعصية بعقد الإسلام السابق الذي لم يُنقض بالأحكام الدنيوية ولم يوقف على نقضه في الأحكام الأخروية،ثم لا تضيع الألفة التي ثبتت لهذا المخالف وزادت بعد الإسلام بآلاف المسائل التي وافق فيها الحق وأهله..


قال شيخ الإسلام: ((وَمَنْ لَمْ يَعْدِلْ فِي خُصُومِهِ وَمُنَازَعِيهِ وَيَعْذُرْهُمْ بِالْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ بَلْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً وَعَادَى مَنْ خَالَفَهُ فِيهَا أَوْ كَفَّرَهُ فَإِنَّهُ هُوَ ظَلَمَ نَفْسَهُ . وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ ؛ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ فَلَا يَبْتَدِعُونَ . وَمَنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ خَطَأً يَعْذُرُهُ فِيهِ الرَّسُولُ عَذَرُوهُ)).



الأصل الرابع: أنه إذا استوفي ما ذُكر في الأصل السابق وجب أن يُوزن الحب والبغض بميزان عدل تام لا يجور ومما يجب مراعاته فيه:

1- لا يُسوى بين ما يجوز فيه حصول بعض البغض للمخالفة كمسائل الخلاف غير السائغ ،وبين ما لا يُجوز حصول أدنى درجة من البغض كمسائل الخلاف السائغ،وما كان فيه تأويل سائغ.

2- لا يُسوى في البغض بين من خالف الحق لعناد وهوى أمكن الوقوف عليهما وبين غيره.


3- أن يكون محل البغض فيمن لهم أعذار ظاهرة هو نفس التلبس بالباطل والوقوع فيه،وما كانت هذه سبيلة لم يثلم الألفة والمحبة الثابتة بحق الإسلام وحق الموافقة على مسائل أخرى من الصواب ،وحق رعاية حسن قصد المجتهد المخطئ..


4- أن يُفرق بين الداعية إلى الباطل وغيره.


5- أن يُفرق بين من أقيمت عليه الحجة ومن لا.


6- أن يفرق بين من كان في مكان وزمان طمست فيه آثار الرسالة وقلت فيه دعاة الحق ومن لا.


7- وجوب التفرقة بين خطأ من عرف عنه اتباع معتقد أهل السنة وسيره على أصولهم في التلقي والاستدلال وبين غيره ممن لم تكن هذه حاله.


8- ثم ينظر بعد كل ذلك كم للمخالف من موافقات توجب الألفة والمحبة وتزيد على الألفة الأصلية الثابتة بحق الإسلام ووزن ذلك بما أخطأ فيه..


يقول الشيخ: ((وأهل السنة والجماعة، يقولون مادل عليه الكتاب والسنة والإجماع: وهو أن المؤمن يستحق وعد الله وفضله: الثواب على حسناته، ويستحق العقاب على سيئاته؛


فإن الشخص الواحد يجتمع فيه ما يثاب عليه، وما يُعاقب عليه، وما يُحمد عليه، وما يُذم عليه، وما يُحَبّ منه، وما يُبْغّض منه؛ فهذا وهذا)).


ويقول: ((والواجب على كل مسلم: أن يكون حبه وبغضه، وموالاته ومعاداته، تابعًا لأمر الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم - فيحب ما أحب اللهُ ورسولُهُ،


ويُبْغِض ما أبغضه الله ورسوله، ويوالي من يوالي الله ورسوله، ويعادي من يعادي الله ورسوله، ومن كان فيه ما يوالى عليه من حسنات، وما يُعادى عليه من سيئات؛ عومل بموجب ذلك، كفساق أهل الملة؛ إذ هم مستحقون للثواب والعقاب، والموالاة والمعاداة، والحب والبغض، بحسب ما فيهم من البر والفجور، قال تعالى: ** فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) } ،وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، بخلاف الخوارج والمعتزلة، وبخلاف المرجئة والجهمية؛ فإن أولئك يميلون إلى جانب، وهؤلاء يميلون إلى جانب، وأهل السنة والجماعة وسط...)).


ويقول: ((وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور، وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة؛ استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بِحَسَبِ ما فيه من الشر؛ فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير: تُقْطَع يده لسرقته، ويُعْطَى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه، فلم يجعلوا الناس إلا مستحقًّا للثواب فقط، وإلا مستحقًّا للعقاب فقط، وأهلُ السنة يقولون: إن الله يعذِّب بالنار من أهل الكبائر من يعذِّبه، ثم يخرجهم منها بشفاعة من يأذن له في الشفاعة بفضل رحمته...)).


الأصل الخامس: أن يُعلم أن ما يقع في الردود والمناقشات العلمية من شدة في العبارة أو إغلاظ في اللفظ،لا يجب أن يثلم أو ينقض الألفة القلبية ،بل يجب أن يُعفى عنه وأن يُعلم ((ان ما يجرى من نوع تغليظ أو تخشين على بعض الأصحاب والاخوان ما كان يجرى بدمشق ومما جرى الان بمصر فليس ذلك غضاضة ولا نقصا فى حق صاحبه ولا حصل بسبب ذلك تغير منا ولا بغض بل هو بعد ما عومل به من التغليظ والتخشين أرفع قدرا وأبنه ذكرا وأحب وأعظم وإنما هذه الأمور هى من مصالح المؤمنين التى يصلح الله بها بعضهم ببعض فان المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الاخرى وقد لا ينقلع الوسخ الا بنوع من الخشونة لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين)) 28/53-54
وهذا اعتذار منا عن هذه الشدة وليس تقريراً لها وإلا فالأولى عدمها أو تقديرها بحسبها..
المهم أنه لا يجب أن يغضب منها من أُغلظ عليه غضباً يقود إلى النفرة وزوال الألفة القلبية،بل الواجب أن تبقى وأن يعذر هو أخاه..


الأصل السادس: أن من أجناس الخلاف ما يُحكم عليه بأنه سائغ بيقين،ومنها ما يحكم عليه بأنه غير سائغ بيقين،وبينهما أنواع هي محل اجتهاد ونظر فيُلحقها البعض بهذا ويلحقها آخرون بذاك،فمتى حصلت الشبهة لك فلم تستطع إلحاق الصنف المجتهد فيه بأيهما أو كان إلحاقك إياها بالصنف غير السائغ مبني على عدم العلم الجازم =جاز لك التحذير من القول الذي تراه باطلاً ،ولم يجز لك إيقاع العقوبات الدنيوية بهذا الظن...


قال شيخ الإسلام: ((وَمَنْ اشْتَبَهَ أَمْرُهُ مِنْ أَيِّ الْقِسْمَيْنِ هُوَ . تُوُقِّفَ فِيهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ إنْ يُخْطِئْ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ لَكِنْ لَا يُتَوَقَّفُ فِي رَدِّ مَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ** مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } . فَلَا يَسُوغُ الْخُرُوجُ عَنْ مُوجَبِ الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا يَسُوغُ الذَّمُّ وَالْعُقُوبَةُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا يَسُوغُ جَعْلُ الشَّيْءِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا أَوْ صَوَابًا أَوْ خَطَأً بِالشُّبُهَاتِ)).


الأصل السابع: ولو كان المخالف من الفرق الثنتين والسبعين الخارجة عن أهل السنة والجماعة،فلا ينبغي أبداً أن يؤدي ذلك إلى ترك الائتلاف ،بل الألفة باقية بيننا وبينه وإن أباها هو،وإذا ما تجاوزنا ساحة الخلاف بمقتضياتها=فلا ينبغي أن يُرى بيننا وبين المسلم من هذه الفرق إلا موجبات هذا الائتلاف وإلا الحذر مما ينافيه..
يقول شيخ الإسلام متحدثاً عن أهل البدع من أهل القبلة: ((وإذا لم يكونوا في نفس الأمر كفارا لم يكونوا منافقين فيكونون من المؤمنين فيستغفر لهم ويترحم عليهم وإذا قال المؤمن : {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}؛ يقصد كل من سبقه من قرون الأمة بالإيمان، وإن كان قد أخطأ في تأويل تأوله فخالف السنة أو أذنب ذنبا فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان فيدخل في العموم وإن كان من الثنتين والسبعين فرقة فإنه ما من فرقة إلا وفيها خلق كثير ليسوا كفارا بل مؤمنين فيهم ضلال وذنب يستحقون به الوعيد كما يستحقه عصاة المؤمنين
والنبي صلى الله عليه و سلم لم يخرجهم من الإسلام بل جعلهم من أمته ولم يقل إنهم يخلدون في النار فهذا أصل عظيم ينبغي

مراعاته)).


وكان شيخ الإسلام –رحمه الله-من أعظم الناس مراعاة لهذا الأصل،ومن المعلوم أن أعداء شيخ الإسلام يوشك أن يكون أغلبهم من أئمة أهل البدع والخلافات غير السائغة؛لذا فأنا أحب أن أنقل شيئاً من سيرته معهم مما يدل على مراعاته –رحمه الله-لموجبات الائتلاف وما يُساعد و يتضح به مرادنا بهذا الائتلاف ويكون كالمثال الذي يُقتدى به..

1- قال شيخ الإسلام: ((فأهل السنة يستعملون معهم-أي المخالفين-العدل والإنصاف،ولا يظلمونهم،فإن الظلم حرام مطلقاً)).

2- قال ابن القيم: ((وكان بعض أصحابه الأكابر يقول : وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه وما رأيته يدعو على أحد منهم قط وكان يدعو لهم وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له فنهرني وتنكر لي واسترجع ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم وقال : إني لكم مكانه ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه ونحو هذا من الكلام فسروا به ودعوا له وعظموا هذه الحال منه)).


3- قال شيخ الإسلام: ((وَابْنُ مَخْلُوفٍ لَوْ عَمِلَ مَهْمَا عَمِلَ وَاَللَّهِ مَا أَقْدِرُ عَلَى خَيْرٍ إلَّا وَأَعْمَلُهُ مَعَهُ وَلَا أُعِينُ عَلَيْهِ عَدُوَّهُ قَطُّ . وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ . هَذِهِ نِيَّتِي وَعَزْمِي ، مَعَ عِلْمِي بِجَمِيعِ الْأُمُورِ . فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَنْ أَكُونَ عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى إخْوَانِي الْمُسْلِمِينَ)).
4- وقال: ((وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْحَنْبَلِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَحْشَةٌ وَمُنَافَرَةٌ . وَأَنَا كُنْت مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبًا لِاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ وَاتِّبَاعًا لِمَا أُمِرْنَا بِهِ مِنْ الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ وَأَزَلْت عَامَّةَ مَا كَانَ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْوَحْشَةِ وَبَيَّنْت لَهُمْ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ كَانَ مِنْ أَجَلِّ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَحْوِهِ الْمُنْتَصِرِينَ لِطَرِيقِهِ كَمَا يَذْكُرُ الْأَشْعَرِيُّ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِ)).


5- قال ابن عبد الهادي: ((فلما كان في رابع شهر رجب من سنة إحدى عشرة وسبعمائة جاء رجل فيما بلغني إلى أخيه الشيخ شرف الدين وهو في مسكنه بالقاهرة فقال له إن جماعة بجامع مصر قد تعصبوا على الشيخ وتفردوا به وضربوه
فقال حسبنا الله ونعم الوكيل وكان بعض أصحاب الشيخ جالسا عند شرف الدين قال فقمت من عنده وجئت إلى مصر فوجدت خلقا كثيرا من الحسينية وغيرها رجالا وفرسانا يسألون عن الشيخ فجئت فوجدته بمسجد الفخر كاتب المماليك على البحر واجتمع عنده جماعة وتتابع الناس وقال له بعضهم يا سيدي قد جاء خلق من الحسينية ولو أمرتهم أن يهدموا مصر كلها لفعلوا
فقال لهم الشيخ لأي شيء(؟)
قالوا: لأجلك
فقال لهم: هذا ما يحق
فقالوا: نحن نذهب إلى بيوت هؤلاء الذين آذوك فنقتلهم ونخرب دورهم فإنهم شوشوا على الخلق وأثاروا هذه الفتنة على الناس فقال لهم هذا ما يحل قالوا فهذا الذي قد فعلوه معك يحل هذا شيء لا نصبر عليه ولا بد أن نروح إليهم ونقاتلهم على ما فعلوا
والشيخ ينهاهم ويزجرهم.
فلما أكثروا في القول قال لهم: إما أن يكون الحق لي أو لكم أو لله فإن كان الحق لي فهم في حل منه وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني ولا تستفتوني فافعلوا ما شئتم وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه إن شاء كما يشاء
قالوا : فهذا الذي فعلوه معك هو حلال لهم
قال هذا الذي فعلوه قد يكونون مثابين عليه مأجورين فيه
قالوا فتكون أنت على الباطل وهم على الحق فإذا كنت تقول إنهم مأجورين فاسمع منهم ووافقهم على قولهم.
فقال لهم ما الأمر كما تزعمون فإنهم قد يكونون مجتهدين مخطئين ففعلوا ذلك باجتهادهم والمجتهد المخطىء له أجر)).



ختاماً..

ثم اعلم بارك الله فيك أن نفراً من أهل زماننا ركبوا في أنفسهم مذهباً عجيباً..فتجدهم مع الواحد المعين من أهل العلم ممن يخالفهم ويرون له وفيه ضلال وشذوذ=من أقل الناس قياماً بالنصح وشرحاً لبطلان المقالة،ومن أكثر الناس تعرضاً للحكم على هذا الواحد المعين بمختلف الأسماء والأحكام التنفيرية،وليس في كلامهم قول بالحق ولا قيام بالعدل،فضيعوا خيره،وأذاعوا شره،ولا تجد الواحد منهم –إلا ما رحم ربك-يذكر في تضاعيف كلامه ما يدل على حرصه على الألفة وحبه الخير والهدى للمخالف ،مع نسيان الفضل وهدر الحسنات..وخاتمة أمرهم..أن يسلكوا بالسني مسلك غير السني وبغير الداعية مسلك الداعية وبالمجتهد مسلك المعاند..حيف وجور وسوء كيلة..
فاللهم إنا نبرأ إليك مما يفعلون..






منقول
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-25-2008, 12:58 AM
قـَسْوَرَةُ الأَثَرِيُّ قـَسْوَرَةُ الأَثَرِيُّ غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

مـــا شاء اللهُ

كلام عزيز هذه الأيام

نفع اللهُ بك يا مولانا

نقل رائع جدا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-25-2008, 01:26 AM
أبو مصعب السلفي أبو مصعب السلفي غير متواجد حالياً
الراجي سِتْر وعفو ربه
 




افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الوليد المصري مشاهدة المشاركة


وبموجب هذا العقد يثبت حب خاص ورحمة خاصة وحقوق خاصة تثبت للمسلم على المسلم،لا تزال باقية واجبة ما بقي اسم الإسلام،قطع الله به كل افتراق يؤدي إلى التدابر والتشاحن والتعادي والتباغض ،


لله دره من هذه الكلمات!,
جزاك الله خيراً أخى الحبيب الوليد -حفظك الله-,
ولى عودة إن شاء الله للإستمتاع بالبقية,
إنى أحبك فالله
..
التوقيع

قال الشاطبي في "الموافقات":
المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المُكَلَّف عن داعية هواه, حتى يكون عبداً لله اختيارًا, كما هو عبد لله اضطراراً .
اللـــه !! .. كلام يعجز اللسان من التعقيب عليه ويُكتفى بنقله وحسب .
===
الذي لا شك فيه: أن محاولة مزاوجة الإسلام بالديموقراطية هى معركة يحارب الغرب من أجلها بلا هوادة، بعد أن تبين له أن النصر على الجهاديين أمر بعيد المنال.
د/ أحمد خضر
===
الطريقان مختلفان بلا شك، إسلام يسمونه بالمعتدل: يرضى عنه الغرب، محوره ديموقراطيته الليبرالية، ويُكتفى فيه بالشعائر التعبدية، والأخلاق الفاضلة،
وإسلام حقيقي: محوره كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأساسه شريعة الله عز وجل، وسنامه الجهاد في سبيل الله.
فأي الطريقين تختاره مصر بعد مبارك؟!
د/أحمد خضر

من مقال
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-02-2008, 07:21 PM
الوليد المصري الوليد المصري غير متواجد حالياً
مراقب عام
 




افتراضي

جزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 08-03-2008, 12:41 AM
ابو سالم ابو سالم غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

اقتباس:
5- إذاً فضابط الاختلاف المذموم الذي هو فرقة وعذاب=أمران:

الأول: التقصير في التزام الحق بعد تميزه والإعراض عن البينات بعد ظهورها.
الثاني: أن يختلف الناس في تمييزالحق فيجاوزن الحد ويبغي بعضهم على بعض.
هذا هو ما يجب علينا معرفته
نفع الله بك اخى الوليد
جعله الله فى ميزان حسناتك
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 08:18 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.