من صنع الازمة ؟

[محمود ميديو]

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني ايها المباركون ان ازف اليكم العام الهجري الجديد سائلا المولى سبحانه ان يجعل خير اعمالنا خواتيمها وخير ايامنا يوم نلقاه .
لاشك ان مفهوم التأزم تتجاذبه معطيات كثيرة ولاتكاد تمر حادثة او معطى ينكشف به الجانب السلبي في واقع الامة , إلا وتتعاظم الخطابات بمصطلح التأزم والازمة سواء على مستوى علية الشرائح الاجتماعية من علماء او مثقفين او حتى على مستوى احاد الامة من ذوي الشان العادي او حتى على مستوى المؤسسات ..وهذا في تقديري يستفز امتنا استفزازا غريبا لان الامة في محصلتها ليست الا هؤلاء واولئك ممن يتجاسرون ليلقوا امتهم في قضبان التيه الذي لن تنفك عنه بمجردهذه الخطابات التي ترسم بسذاجة بالغة واقعا تتوافر فيه كل التجاذبات و تتفاعل فيه صور معقدة بامتياز ..الا ترى الى المسؤول الكبير في مكتبه كيف يشهد بالازمة وهو جزء منها ,والمثقف الذي يحمل فنجان القهوة في يسراه للاسف وقلمه اللاذع في يمناه ليشهد بعد سطرين او ثلاث ان الامة تعيش ازمة , ثم انظر الى ذاك العامل البسيط كيف يلقي على الواقع عتابا هو عين الشهادة بالازمة ,ولك ان تتامل ذاك الطالب الذي لم يبذل جهدا في التحصيل او خانه التركيز فاخطا الصواب أوركب العجلة ليظهر التفوق على الاقران ولو في مدة الانجاز فاذا انسلخ الامتحان واعلنت النتائج وبانت خيبته نادى باعلى صوت ان هذه الامة امة ازمة .. ولست ادري ما حقيقة هذا المركب الامة - الازمة ؟
كم يعجبني هذا البلاغ القراني الذي يكشف عن مصدر الازمة في خطاب رائق لا يجرد احدا من مسؤوليته في وجودها اقرا قوله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ) والناس هم هؤلاء وفرق كبير بين الفساد والازمة , الاول تعبير قراني والاخر خطته انامل صاحب الفنجان الذي بسببه واشكاله ظهرت الازمة او قل ظهر الفساد..رايت كثيرا ممن يملك الجراة البالغة ليلقي االعتاب على المجموع الذي يختزله في مصطلح الامة ولم ار _الا نزرا يسيرا _ ممن قال مرة انني اعيش ازمة او شهد انه جزء من الازمة او حتى قال بعضا من بعض هذا .فلا وربك لايصدق المنادون بوجود الازمة حتى يكونوا مشاقين لها غير متلبسين بمظهر من مظاهرها .. ان الانبياء عليهم السلام وهم اولو الاصلاح بحق كانوا منزهين عن كل وصف يقتبس من الازمة او الفساد احد تفاصيلها فكانوا في اكمل الهيئات واجل الصفات فلما نادوا في اقوامهم بوجود الفساد وتحقق الازمة لم ينازعهم في صدق ذلك احد الا ماكان من قوم قال الله تعالى عنهم ( وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا) وهذا العلو هو الذي يورث الظلم للامة , والذين لم يعرف الصلاح الى انفسهم من سبيل لم تعرف منهم الامة طريقا للاصلاح لانهم كانوا عالين يحجمون الامة ويعظمون انفسهم , لكن انظر الى هذا البلاغ الرائع الماتع (قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ( 24 ) الا ترى انه عليه الصلاة والسلام وطائفة من الذين معه سادات المهتدين ومع ذلك يفترض الخطاب الاحتمال ولو على وجه التنزل فمن صنع الازمة إذن غير الذين رموا بها الامة؟ ان الذي يعيش خبلا في فكره وفسادا في حاله مع نفسه ومع ربه وفي واقع امته هو عين الازمة ..ثم اقتبس اسعدك الله للامة طريقا لتجاوز الازمة من نور قوله تعالى (إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).