انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > الفقه والأحكــام

الفقه والأحكــام يُعنى بنشرِ الأبحاثِ الفقهيةِ والفتاوى الشرعيةِ الموثقة عن علماء أهل السُنةِ المُعتبرين.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-08-2008, 08:29 PM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي التّشبّه بالكفّار في أعيادهم

 

التّشبّه بالكفّار في أعيادهم



لا يجوز التّشبّه بالكفّار في أعيادهم ، لما ورد في الحديث « من تشبّه بقوم فهو منهم » ، ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفّار في كلّ ما اختصّوا به . قال اللّه تعالى : { وَلَنْ تَرْضَى عنكَ اليهودُ وَلا النَّصَارى حتّى تَتَّبِعَ مِلّتَهم قلْ إنَّ هُدى اللّهِ هو الهُدَى وَلئنْ اتَّبعتَ أَهواءَهم بَعْدَ الّذي جَاءَكَ مِنَ العلمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِنْ وليٍّ ولا نَصِيرٍ } .

وروى البيهقيّ عن عمر رضي الله عنه أنّه قال : لا تعلّموا رطانة الأعاجم ، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم ، فإنّ السّخطة تنزل عليهم .

وروي عن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أنّه قال : من مرّ ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبّه بهم حتّى يموت وهو كذلك ، حشر معهم يوم القيامة .



ولأنّ الأعياد من جملة الشّرع والمناهج والمناسك الّتي قال اللّه سبحانه وتعالى : { لِكلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً همْ نَاسِكُوه } كالقبلة والصّلاة ، والصّيام فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المباهج ، فإنّ الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر ، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر ، بل الأعياد من أخصّ ما تتميّز به الشّرائع ومن أظهر ما لها من الشّعائر ، فالموافقة فيها موافقة في أخصّ شرائع الكفر وأظهر شعائره .

قال قاضيخان : رجل اشترى يوم النّيروز شيئاً لم يشتره في غير ذلك اليوم : إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما يعظّمه الكفرة يكون كفراً ، وإن فعل ذلك لأجل السّرف والتّنعّم لا لتعظيم اليوم لا يكون كفراً . وإن أهدى يوم النّيروز إلى إنسان شيئا ولم يرد به تعظيم اليوم ، إنّما فعل ذلك على عادة النّاس لا يكون كفراً . وينبغي أن لا يفعل في هذا اليوم ما لا يفعله قبل ذلك اليوم ولا بعده ، وأن يحترز عن التّشبّه بالكفرة .

وكره ابن القاسم - من المالكيّة - للمسلم أن يهدي إلى النّصرانيّ في عيده مكافأة ، ورآه من تعظيم عيده وعونا له على كفره . وكما لا يجوز التّشبّه بالكفّار في الأعياد لا يُعَانُ المسلم المتشبّه بهم في ذلك بل ينهى عن ذلك ، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته ، ومن أهدى من المسلمين هديّة في هذه الأعياد ، مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديّته ، خصوصا إن كانت الهديّة ممّا يستعان بها على التّشبّه بهم ، مثل إهداء الشّمع ونحوه في عيد الميلاد .

هذا وتجب عقوبة من يتشبّه بالكفّار في أعيادهم .

وأمّا ما يبيعه الكفّار في الأسواق في أعيادهم فلا بأس بحضوره ، نصّ عليه أحمد في رواية مهنّا ، وقال : إنّما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم ، فأمّا ما يباع في الأسواق من المأكل فلا ، وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم .



ولا يجوز للمسلم تهنئة النصارى بأعيادهم ؛ لأن في ذلك تعاونا على الإثم وقد نهينا عنه قال تعالى: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } كما أن فيه توددا إليهم وطلبا لمحبتهم وإشعارا بالرضى عنهم وعن شعائرهم وهذا لا يجوز، بل الواجب إظهار العداوة لهم وتبين بغضهم؛ لأنهم يحادون الله جل وعلا ويشركون معه غيره ويجعلون له صاحبة وولدا قال تعالى: { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } الآية ، وقال تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }.



معاملة أهل الذمة :

وكيف يرد عليهم إذا سلموا ؟، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه : أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ) رواه مسلم في صحيحه.

وفي الصحيحين عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا سلم عليكم اليهودي فإنما يقول أحدهم : السام عليك. فَقل : وعليك )، هكذا بالواو؛ وفي لفظ عليك بلا واو.

وعن أنس بن مالك رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم " رواه أحمد هكذا. وفي لفظ للإمام أحمد: (فقولوا: عليكم ) بلا واو.

وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: دخل رهط من اليهود على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم ، ففهمتها فقلت: عليكم السام واللعنة. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، " مهلاً يا عائشة، فإن اللّه يحب الرفق في الأمر كله " فقلت: يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (قد قلت: وعليكم ) متفق عليه ، واللفظ للبخاري. وفي لفظ آخر: " قد قلتُ: عليكم " ولم يذكر مسلم الواو، وفي لفظ للبخاري: فقالت عائشة رضي اللّه عنها: عليكم ولعنكم اللّه وغضب عليكم. قال: مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش. قالت: أوَلَمْ تسمع ما قالوا؟. قال: (أولم تسمعي ما رددَت عليهم؟ فيَستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ " .

وعند مسلم: (قلتُ: بل عليكم السامّ والدام ).

وعنده أيضاً عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال: سلم ناس من يهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: السامُّ عليك يا أبا القاسم. قال: عليكم ، فقالت عائشة رضي الله عنها وغضبت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: " بلى قد سمعتُ ، فرددتُ: عليكم ، إنا نجاب عليهم ولا يُجابون علينا " .

وعن أبي نضرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ( إنا غادون على يهود، فلا تبدؤوهم بالسلام ، فإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم " . رواه الإمام أحمد.

وله أيضاً عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " إني راكب غداً إلى يهود ، فلا تبدؤوهم بالسلام ، وإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم " .



ولما كان " السلام " اسماً من أسماء الرب تبارك وتعالى، وهو اسم مصدر في الأصل - فالكلام والعطاء - بمعنى السلامة، كان الرب تعالى أحق به من كل ما سواه ، لأنه السالم من كل آفة وعيب ونقص وذم ، فإن له الكمال المطلق من جميع الوجوه ، وكماله من لوازم ذاته ، فلا يكون إلا كذلك ؛ والسلام يتضمن سلامة أفعاله من العبث والظلم وخلاف الحكمة ، وسلامة صفاته من مشابهة صفات المخلوقين ، وسلامة ذاته من كل نقص وعيب ، وسلامة أسمائه من كل ذم ؛ فاسم " السلام " يتضمن إثبات جميع الكمالات له وسلب جميع النقائص عنه. وهذا معنى: (سبحانَ اللّه والحمد للّه )، ويتضمن : إفراده بالألوهية، وإفراده بالتعظيم؛ وهذا معنى: (لا إله إلا الله، واللّه أكبر)، فانتظم اسم " السلام " الباقيات الصالحات التي يثنى بها على الرب جل جلاله.



ومن بعض تفاصيل ذلك أنه الحي الذي سلمت حياته من الموت والسَنَة والنوم والتغير، القادر الذي سلمت قدرته من اللغوب والتعب والإعياء والعجزعما يريد ، العليم الذي سلم علمه أن يعزب عنه مثقال ذرة أو يغيب عنه مَعلوم من المعلومات ؛ وكذلك سائر صفاته على هذا. فرضاه سبحانه سلام أن ينازعه الغضب ؛ وحلمه سلام أن ينازعه الانتقام ؛ وإرادته سلام أن ينازعها الإكراه ؛ وقدرته سلام أن ينازعها العجز؛ ومشيئته سلام أن ينازعها خلاف مقتضاه ؛ وكلامه سلام أن يعرض له كذب أو ظلم ، بل تمت كلماته صدقاً وعدلاً ووعده سلام أن يلحقه خُلْفٌ . وهو سلام أن يكون قبله شيء أو بعده شيء أو فوقه شيء أو دونه شيء بل هو العالي على كل شيء ، وفوق كل شيء ، وقبل كل شيء ، وبعد كل شيء ، والمحيط بكل شيء. وعطاؤه ومنعه سلام أن يقع في غير موقعه ؛ ومغفرته سلام أن يبالي بها أو يضيق بذنوب عباده أو تصدر عن عجز عن أخذ حقه كما تكون مغفرة الناس ؛ ورحمته وإحسانه ورأفته وبره وجوده وموالاته لأوليائه وتحبُّبُه إليهم وحنانه عليهم وذكره لهم وصلاته عليهم سلام أن يكون لحاجة منه إليهم أو تعزز بهم أو تكثُّر بهم. وبالجملة فهو السلام من كل ما ينافي كلامه المقدس بوجه من الوجوه.



وأخطأ كل الخطأ من زعم أنه من أسماء السُّلوب ، فإن السلب المحض لا يتضمّن مالاً، بل اسم (السلامَ ) متضمن للكمال السالم من كل ما يضاده ، وإذا لم تظلم هذا الاسم ووفيته معناه وجدته مستلزماً لإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وشرع الشرائع ، وثبوت المعاد ، وحدوث العالم ، وثبوت القضاء والقدر، وعلو الرب تعالى على خلقه ، ورؤيته نعالهم ، وسمعه لأصواتهم ، وإطلاعه على سرائرهم وعلانياتهم ، وتفرده بتدبيرهم ، وتوحده في كماله المقدس عن شريك بوجه من الوجوه ، فهو السلام الحق من كل وجه ما هو النزيه البريء عن نقائص البشر من كل وجه.



ولما كان سبحانه موصوفاً بأن له يدَين لم يكن فيهما شمال ، بل كلتا يديه يمين مباركة ، كذلك أسماؤه كلها حُسْنَى ، وأفعاله كلها خير، وصفاته كلها كمال ، وقد مل سبحانه السلام تحية أوليائه في الدنيا ، وتحيتهم يوم القيامة ؛ ولما خلق آدم وكمل خلقه فاستوى قال اللّه له : اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة ، فاستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك من بعدك. وقال تعالى: (لَهُم دَارُ السلاَمِ عنْدَ رَبَهمْ) وقال: (والله يَدْعو إلى دَارِ السلاَمِ).



وقد اختلف في تسمية الجنة (دار السلام ) ، فقيل: السلام هو اللّه ، والجنة داره؛ وقيل: السلام هو السلامة، والجنة دار السلامة من كل آفة وعيب ونقص؛ وقيل: سميت " دار السلام " لأنّ تحيتهم فيها سلام، ولا تنافى بين هذه المعاني كلها.



وأما قول المسلم: (السلام عليكم ) فهو إخبار للمسلم عليه بسلامته من غيلة المسلم وغشه ومكْرِه وَمَكروهٍ يناله منه ، فيردّ الراد عليه مثل ذلك: أي فعل الله ذلك بك ، وأحله عليك. والفَرق بين هذا الوجه وبين الوجه الأول أنه في الأول خبر، وفي الثاني طلب؛ ووجه ثالث: وهو أن يكون المعنى: اذكر اللّه الذي عافاك من المكروه ، وأمنك من كنور، وسلمك مما تخاف ، وعاملنا من السلامة والأمان بمثل ما عاملك به ، فيرد الراد عليه مثل ذلك. ويستحب له أن يزيده ، كما أن من أهدى لك هدية يستحب لك أن تكافئه بزيادة عليها؛ ومن دعا لك ينبغي أن تدعو له بأكثر من ذلك. ووجه رابع: وهو أن يكون معنى سلام المسلم وردّ الراد بشارةً من اللّه سبحانه ، جعلها على ألسنة المسلمين لبعضهم بعضاً بالسلامة من الشر وحصول الرحمة والبركة ، وهي دوام ذلك وثباته ، وهذه البشارة أعْطُوها لدخولهم في دين الإسلام ، فأعظمهم أجراً أحسنهم تحيةَ ، وأسبقهم في هذه البشارة ، كما في الحديث: (وخيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام ).



واشتق اللّه سبحانه لأوليائه من تحية بينهم اسماً من أسمائه، واسم دينه الإسلام الذي هو دين أنبيائه ورسله وملائكته. قال تعالى: (أفَغَيْرَ دينِ اللّه يبغُونَ وَلَهُ أسْلَمَ مَنْ في السمواتِ وَالأَرضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَاِلِيْهِ يُرْجَعُونَ).

ووجه خامس: وهو أن كل أمة من الأمم لهم تحية بينهم من أقوال وأعمال كالسجود وتقبيل الأيدي وضرب الجُنوك وقول بعضهم: أنعم صباحاً ، وقول بعضهم: عش ألف عام ، ونحو ذلك فشرع الله تبارك وتعالى لأهل الإسلام " سلام عليكم " ، وَكانت أحسن من جميع تحيات الأمم بينها ، لتضمّنها السلامة التي لا حياة ولا فلاح إلا بها ، فهي الأصل المقدّم على كل شيء.



وانتفاع العبد بحياته إنما يحصل بشيئين: بسلامته من الشر، وحصول الخير، والسلامة من الشر مقدمة على حصول الخير، وهي الأصل ، فإن الإنسان بل وكل حيوان إنما يهتم بسلامته أولاً وغنيمته ثانياً. على أن السلامة المطلقة تتضمن حصول الخير، فإنه لو فاته حصل له الهلاك والعطب أو النقص، ففوات الخير يمنع حصول السلامة المطلقة، فتضمنت السلامة نجاة العبد من الشر، وفوزه بالخير، مع اشتقاقها من اسم الله.



والمقصود أن السلام اسمه ووِصفه وفعله، والتلفظ به ذكرٌ له، كما في " السنن " أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يرد عليه حتى تيمم ورد عليه وقال: (إني كرهت أن أذكر اللّه إلا علىِ طهارة). فحقيق بتحية هذا شأنها أن تُصان عن بذلها لغير أهل الإسلام ، وألا يحيَى بها أعداء القُدُّوس السلام. ولهذا كانت كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار: (سلام على من اتبع الهدى) ولم يكتب لكافر: (سلام عليكم ) أصلاً، فلهذا قال في أهل الكتاب: ( لا تبدؤوهم بالسلام )!0



رد السلام على أهل الذمة :

وأما الرد عليهم فأمر أن يقتصر به على " عليكم " واختلفت الرواية في إثبات الواو وحذفها، وصح هذا وهذا، فاستشكلت طائفة دخول هذه الواو ههنا إذ هي للتقرير وإثبات الأول ، كما إذا قيل لك: فعلت كذا وكذا ، فقلت: وأنت فعلته ، أو قال: فلان يصلي الخمس، فتقول: ويزكي ماله. قالوا: فالموضع موضع إضراب، لا موضع تقرير ومشاركة، فهو موضع: بل عليكم، لا موضع: وعليكم. فإذا حذف الواو كان إعادة لمثل قوله من إشعار بأنك علمت مراده؛ وإذا أتيت بلفظة " بل " أشعرته أنك فهمت مراده ورددته عليه قصاصاً، والأول أليق بالكرم والفضل، ولهذا السرّ - والله أعلم - دخلت الواو، على أنه ليس في دخولها إشكال، فإن الموت لا ينجو منه أحد، وكأن الراد يقول: الذي أخبرت بوقوعه علينا نحن وأنت فيه سواء، فهو علينا وعليك، وهذا أولى من تغليط الراوي في إثباتها إذ لا سبيل إليه.

فإن قيل: بل إليه سبيل، قال الخطابي: (يرويه عامة المحدثين بالواو. وابن عيينةَ يرويه بحذفها، وهو الصواب).

قيل: قد ضبط الواو عبد الله بن عمر، وضبطها عنه عبد اللّه بن دينار، وضبطها عنه مالك. قال أبو داود في " سننه " : (كذلك رواه مالك عن عبد اللّه ابن دينار. ورواه الثوري أيضاً عن عبد اللّه بن دينار فقال: " وعليكم " انتهى.

وهذا الحديث قد أخرجه البخاري في " صحيحه " كما تقدم؛ وحديث سفيان الثوري رواه البخاري ومسلم، وهو بالواو عندهما.

وأما قول الخطابي: " وابن عيينة رواه بحذفها " فقد اختلف على ابن عيينة أيضاً. وجواب آخر، ولعله أحسن من الجواب الأول: أنه ليس في دخول الواو تِقرير لمضمون تحيتهم، بل فيه ردها وتقريرها لهم، أي: ونحن أيضاً ندعو لكم بما دعوتم به علينا، فإن دعاءهم قد حصل ووقع منهم، فإذا رد عليهم المجيب بقوله: " وعليكم " كان في ذكر الواو سر لطيف، وهو أن هذا الذي طلبتموه لنا، ودعوتم به، هو بعينه مردود عليكم، لا تحية لكم غيره؛ والمعنى: ونحن نقول لكم ما قلتم بعينه، كما إذا قال رجل لمن يسبه: عليكم كذا وكذا، فقال: وعليك، أي وأنا أيضاً قائل لك ذلك، وليس معناه أن هذا قد حصل لي وهو حاصل لك معي، فتأمله.

وكذلك إذا قال: غفر اللّه لك، فقلت: ولك، ليس المعنى أن المغفرة قد حصلت لي ولك، فإن هذا علم غيب، وإنما معناه أن الدعوة قد اشتركت فيها أنا وأنت؟ ولو قال: غفر اللّه لك، فقلت: لك، لم يكن فيه إشعار بذلك. وعلى هذا فالصواب إثبات الواو، وبه جاءت أكثر الروايات، وذكرها الثقات الأثبات. واللّه أعلم.



إذا تحقق من قول الذمي سلام عليك :

هذا كله إذا تحقق أنه قال: السامّ عليكم، أو شك فيما قال، فلو تحقق السامع أن الذمي قال له: " سلام عليكم " لا شك فيه، فهل له أن يقول: وعليك السلام، أو يقتصر على قوله: " وعليك " ؟ فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام، فإن هذا من باب العدل، والله يأمر بالعدل والإحسان. وقد قال تعالى: (وإذَا حيَيتُمْ بِتَحية فَحيوا بأحْسنَ مِنهْا أوْ ردوها) فندب إلى الفضل، وأوجب العدل.



ولا ينافي هذا شيئاً من أحاديث الباب بوجه ما، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالاقتصار على قول الراد " وعليكم " بناء على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم، وأشار إليه في حديث عائشة رضي اللّه عنها فقال: " ألا ترينني قلتُ: وعليكم، لما قالوا: السامّ عليكم " ؟ ثم قال: " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم " والاعتبار وإن كان لعموم اللفظ فإنما يعتبر عمومه في نطير المذكور، لا فيما يخالفه. قال تعالى: (وإذَا جاؤوكَ حيوْكَ بما لَمْ يُحيك به الله، وَيَقولُونَ في أنْفُسهِمْ لوْلاَ يُعَذبُنا الله بما نَقُولُ) فإذا زال هذا اَلسبب وقال الكتابي: سلام عليكم ورحمة اللّه، فالعدل في التحية يقتضي أن يردّ عليه نظير سلامه. وباللّه التوفيق.



عيادة أهل الذمة :

قال المروذي: بلغني أن أبا عبد الله سئل عن رجل له قرابة نصراني: يعوده؟ قال: نعم. قال الأثرم: وسمعت أبا عبد اللّه يُسألُ عن الرجل له قرابة نصراني يعوده. قال: نعم. قيل له: نصراني. قال: أرجو ألا تضيق العيادة.

قال الأثرم: وقلتَ له مرة أخرى: يعود الرجل اليهود والنصارى؟ قال: أليس عاد النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي، ودعاه إلى الإسلام؟ وقال أبو مسعود الأصبهاني: سألت أحمد بن حنبل عن عيادة القرابة والجار النصراني، قال: نعم.

وقال الفضل بن زياد: سمعت أحمد سئل عن الرجل المسلمِ يعود أحداً من المشركين، قال: إن كان يرى أنه إذا عاده يعرض عليه الإسلام يقبل منه فلْيَعدْه، كما عاد النبي صلى الله عليه وسلم الغلام اليهودي، فعرض عليه الإسلام. وقال إسحاق ابن إبراهيم: سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يكون له الجار النصراني، فإذا مرض يعوده؟ قال: يحيّى فيقوم على الباب ويعذر إليه، وقال مهنأ: سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يعود الكافر، فقال: إذا كان يرتجيه فلا بأس به، ويعرض عليه الإسلام؛ قلت له: وترى إذا عاده يدعوه إلى الإسلام؟ قال: نعم.

وقال أبو داود: سمعت أحمد يسأل عن عيادة اليهودي والنصراني، فقال: إذا كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم. وقال جعفر بن محمد: سئل أبو عبد الله عن الرجل يعود شريكاً له يهودياً أو نصرانياً، قال: لا ولا كرامة!.



فهذه ثلاث روايات منصوصات عن أحمد: المنع، والإذن، والتفصيل، فإن أمكنه يدعوه إلى الإسلاَم ويرجو ذلك منه عاده. وقد ثبت في البخاري من حديث أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلمْ، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال اسه: أطع أبا القاسم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (الحَمد لله الذي أنقذه من النار).

وفي " الصحيحين " عن سعيد بن المسيَب أن أباه أخبره قال: لما حضرت أبا طالب الوفاةُ جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: " أي عم، قل لا إله إلا اللّه كلمة أشهد لك بها عند اللّه " . فقال أبو جهل وعبد اللّه بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟. فلم يزل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعودان بتلك المقالة حتى قال آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب؛ وأبى أن يقول: لا إله إَلا اللّه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما وِاللّه لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك ) فأنزل اللّه عز وجلِ: (ما كانَ للنبي والذينَ آمنوا أنْ يسْتَغْفروا للمُشْرِكينَ وَلو كانوُا أولي قرْبَى منْ بعْد ما تَبَينَ لهمْ أنهمْ أصْحَابُ الجَحِيمَ).



وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عاد عبد الله بن أبيّ ابن سلول، رأس المنافقين. وقال الأثرم: حدثني مصرف بن عمروٍ الهمداني، حدثنا يونس - يعني بن بكير - حدثنا سعيد بن ميسرة قال: سمعت أنس بن مالك رضي اللّه عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد رجلاً على غير دين الإسلام لم يجلس عنده وقال: كيف أنت يا يهودي، يا نصراني؟.



حضور جنائزهم :

قال محمد بن موسى: قلتُ لأبي عبد اللّه: يشيع المسلم جنازة المشرك. قال: نعم.

وقال محمد بن الحسن بن هارون: قيل لأبي عبد الله: ويشهد جنازته؟ قال: نعم، نحو ما صنع الحارث بن أبي ربيعة، كان يشهد جنازة أمه، وكان يقوم ناحية ولا يحضر لأنه ملعون.

وقال أبو طالب: سألت أبا عبد اللّه عن الرجل يموت وهو يهودي، وله ولد مسلم، كيف يصنع؟ قال: يركب دابته ويسير أمام الجنازة، ولا يكون خلفه، فإذا أرادوا أن يدفنوه رجع مثل قول عمر.

قلتُ: أراد ما رواه سعيد بن منصور قال: حدثني عيسى بن يونس عن محمد ابن إسماعيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال: ماتت أمي نصرانية، فأتيت عمر فسألته فقال: اركب في جنازتها، وسر أمامها. قال الخلال: حدثنا علي بن سهل بن المغيرة قال: حدثني أبي سهلُ بنُ المغيرة حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القُرظي عن عبد اللّه بن كعب بن مالك عن أبيه قال: جاء قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمه توفيت وهي نصرانية، وهو يحب أن يحضرها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( اركب دابتك، وسر أمامها، فإذا ركبت وكنت أمامها فلست معها " .

قال علي بن سهل: رأيت أحمد بن حنبل يسأل أبي عن هذا الحديث، فحدثه به.

وقال حنبل: سألت أبا عبد اللّه عن المسلم تموت له أم نصرانية أو أبوه أو أخوه أو ذو قرابته، ترى أن يليَ شيئاً من أمره حتى يواريه؟ قال: إن كان أباً أو أماً أو أخاً أو قرابة قريبة وحضره فلا بأس، قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أن يواري أبا طالب.

قلتُ: فترى أن يفعل هو ذلك؟ قال: أهل دينه يلونه وهو حاضر يكون معهم، حتى إذا ذهبوا به تركه معهم، وهم يلونه.

قال حنبل: وحدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مِهْران أن عبد الله بن ربيعة قال لعبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما: إن أمي ماتت، وقد علمت الذي كانت عليه من النصرانية. قال: أحسن ولايتها، وكفِّنها، ولا تقم على قبرها. قال يوسف: كنا معه في ناحية، والنصارى يعجون مع أمه.

وقال إسحاق بن منصور: قلت لأبي عبد اللّه: الرجل يكون له جار مسلم ماتت أمه نصرانية، يتبع هذا جنازتها؟ قال: لا يتبعها، يكون ناحية منها. وقال الأثرم: سمعت أبا عبد اللّه يسأل عن شهود جنازة النصراني الجار، قال: على نحو ما صنع الحارث بن أبي ربيعة، كان شهد جنازة أمه، فكان يقوم ناحية ولا يحضر لأنه ملعون. وقال صالح بن أحمد: قلت لأبي: رجل مسلم ماتت له أم نصرانية، يتبع جنازتها؟ قال: يكون ناحيةً منها. وقال سعيد بن منصور: حدثنا سفيان عن أبي سنان عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل مات أبوه نصرانياً، قال: يشهده ويدفنه.قال الخلال: كأن أبا عبد الله لم يعجبه ذلك. ثم روى عن هؤلاء الجماعة أنه لا بأس به، واحتج بالأحاديث. يعني أنه رجع إلى هذا القول، والله أعلم.



تعزية أهل الذمة :

قال حمدان الوراق: سئل أبو عبد اللّه: نعزي أهل الذمة؟ فقال: ما أدري، أخبرك ما سمعت في هذا. وقال الأثرم: سئل أبو عبد اللّه: أيعزي أهل الذمة. فقال: ما أدري، ثم قال الأثرم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا إسحاق بن منصور السلولي، حدثنا هُريم قال: سمعت الأجلح عزي نصرانياً، فقال: عليك بتقوى اللّه والصبر.

وذكر الأثرم: حدثنا منجاب بن الحارث، حدثنا شريك عن منصور عن إبراهيم قال: إذا أردت أن تعزي رجلاً من أهل الكتاب فقل: أكثر الله مالك وولدك وأطال حياتك أو عمرك. وقال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد اللّه كيف يعزى النصراني. قال: لا أدري. ولم يعزه. وقال حرب: حدثنا إسحاق، حدثنا مسلم بن قتيبة، حدثنا كثير بن أبان عن غالب قال: قال الحسن: إذا عزيت الذمي فقل: لا يصيبك إلا خير.

وقال عباس بن محمد الدوري: سألت أحمد بن حنبل، قلت له: اليهودي والنصراني يعزيني، أي شيء أرد إليه؟ فأطرق ساعة ثم قال: ما أحفظ فيه شيئاً. وقال حرب: قلت لإسحاق: فكيف يعزى المشرك. قال: يقول: أكثر اللّه مالك وولدك.



تهنئة أهل الذمة بزوجة أو ولد :

أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد، فأباحها مرة ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة، ولا فرق بينهما، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه، كما يقول أحدهم: متعك الله بدينك أو نَيحَك فيه ، أو يقول له: أعزك الله أو أكرمك ، إلا أن يقول: أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك.

فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة ، وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول: عيد مبارك عليك ، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات ، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب ، بل ذلك أعظم إثماً عند الله ، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.



وكثير ممَن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت اللّه وسخطه ، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات ، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه. وإن بُلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعاً لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيراً، ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك، وبالله التوفيق.



المرأة الكافرة تموت وفي بطنها ولد رجل مسلم :

قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول في امرأة نصرانية حملت من مسلم فماتت وفي بطنها حمل من مسلم ، فقال: يروى عن واثلة : تدفن بين مقابر المسلمين والنصارى. وقال حنبل في موضع آخر: قلت: فإن ماتت وفي بطنها ولد منه ، أين ترى أن تدفن؟ قال: قد قالوا: تدفن في حجرة من قبور المسلمين.

قال أبو داود: سألت أحمد عن النصرانية تموت حبلى من مسلم ، قال: فيها ثلاثة أقاويل، وقال: أرى أن تدفن ناحية من قبور المسلمين، لو كانت مقبرة على حدة! قلت: ما الذي تختار؟ فذكر قوله هذا.

وقال إسحاق بن منصور: قلت لأبي عبد اللّه : المرأة النصرانية إذا حملت من المسلم فماتت حاملاً؟ قال: حديث واثلة. وقال الفضل بن زياد: سمعت أحمد، وسئل عن المرأة النصرانية تموت وفي بطنها ولد مسلم، قال: " فيها ثلاثة أقاويل: تدفن في مقبرة المسلمين، ويقال في مقابر النصارى. قال الفضل بن زياد: وقال أبو الحارث: قال سمرة: تدفن ما بين مقابر المسلمين والنصارى " قيل له فما ترى؟ قال: لو كان لهؤلاء مقابر على حدة ما كان أحسنه! قال الخلال: أخطأ أبو الحارث في قوله: سمرة، إنما هو واثلة.

وقال أبو طالب: سألت أحمد عن أم ولد نصرانية في بطنها ولد مسلم ، قال: تدفن في ناحية ، ولا تكون مع النصارى لمكان ولدها ، ولا مع المسلمين فتؤذيهم. وقال المَرْوذي: سألت أبا عبد اللّه عن النصرانية ، ويكون في بطنها المسلم ، فتبسم وقال: ما أحسن أن تدفن بين مقبرتين! يغني مقابر المسلمين والنصارى.

قال المروذي: وكأن كلام أبي عبد اللّه أنه لا يرى بأساً أن تدفن في مقابر المسلمين لأجل الذي في بطنها. وسئل أيضاً: ما تقول في النصرانية تموت وفي بطنها ولد مسلم أين تدفن؟ قال: فيها ثلاثة أقاويل ، عن عمر: تدفن مع المسلمين، وعن واثلة: تدفن بين مقابر المسلمين والنصارى، وذكر آخر أنها تدفن مع النصارى. قال: أعجب إليّ أن تدفن بينهما. قلتُ: فإن لم يوجد إلا مقابر المسلمين. فتبسم ولم يكرهه.

قلت: أما أثر واثلة فقال ابن أبي شيبة: حدثنا جعفر بن عون عن ابن جرُيج عن سليمان بن موسى عن واثلة بن الأسقع في امرأة نصرانية ، في بطنها ولد من مسلم ، قال: تدفن في مقبرة بين مقابر المسلمين والنصارى.

وأما أثر عمر فقال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمر قال: ماتت امرأة بالشام وفي بطنها ولد من مسلم وهي نصرانية، فأمر عمر أن تدفن مع المسلمين من أجل ولدها. قالوا: ويكون ظهرها إلى القبلة على يسارها، لأن وجه الجنين إلى ظهر أمه، فيكون حينئذ وجهه إلى القبلة على جنبه الأيمن. قال أبو عبد اللّه بن حمدان في " رعايته " : دُفنت منفردة كالمرتد.

قلتُ: ووجه هذا أنه لم يثبت له حكم الدين الذي انتقل إليه من التوارث والموالاة، ودفعه إلى الكفار يتولونه، وقد زال حكم الدين الذي كان عليه ، فيدفن وحده.

ولأصحاب الشافعي في الذمية تموت وفي بطنها ولد مسلم أربعة أوجه أصحها ما ذكرناه؛ والثاني: تدفن في مقابر المسلمين. قال أصحاب هذا الوجه: وتكون للولد بمنزلة صندوق مودع فيه؛ والثالث: تدفن في مقابر أهل دينها، لأن الحمل لا حكم له يُثبت أحكام أموات المسلمين، فتفرد بهذا الحكم وحده؛ والرابع: أنها تدفن في طرف مقابر المسلمين.



عدم استخدام اليهود والنصارى في شيء من ولايات المسلمين وأمورهم :

قال أبو طالب: سألت أبا عبد الله: يستعمل اليهودي والنصراني في أعمال المسلمين مثل الخراج؟ قال: لا يستعان بهم في شيء. وقال أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا مالك بن أنس عن عبد اللّه بن زيد عن ابن إنسان عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ( إنا لا نستعين بمشرك ).

قال عبد اللّه: قال أبي: هذا خطأ أخطأ فيه وكيع، إنما هو عن الفضل بن أبي عبد اللّه عن عبد الله بن إنسان عن عروة عن عائشة أنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين، فلحقه عند الحرَة فقال: إني أردت أن اتبعك وأصيب معك، قال: " تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: لا. قال: " ارجِعْ، فلن أستعين بمشرك " . ثم لحقه عند الشجرة، ففرح بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له قوة وجلد، قال: جئت لأتبعك وأصيب معك. قال: " تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: لا. قال: " ارجع، فلن أستعين بمشرك " ؛ ثم لحقه حتى ظهر على البيداء، فقال له مثل ذلك. قال: أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم، فخرج معه. رواه مسلم في " صحيحه " بنحوه.



شبكة طريق السلف
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-09-2008, 04:16 AM
حفيدة الصحابة حفيدة الصحابة غير متواجد حالياً
عضو جديد
 



افتراضي

جزاك الله كل خير
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-10-2008, 11:52 AM
سمير السكندرى سمير السكندرى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

جزانا الله واياك الخير اختاه
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-29-2008, 10:05 AM
الشافعى الصغير الشافعى الصغير غير متواجد حالياً
لا تهاجم الناجح وتمتدح الضعيف .. لا تنتقد المجتهد الذي يعمل وتربت علي كتف الكسول
 




افتراضي

جزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 01-04-2009, 03:37 AM
أم عبد الرحمن السلفية أم عبد الرحمن السلفية غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


جزاكم الله خير الجزاء, ونفع بكم .
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 06:59 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.