انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-20-2015, 03:41 PM
عبدالله الأحد عبدالله الأحد غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي أسباب اختيارنا لمعتقد أهل السنة والجماعة وثمرات اتباع الكتاب والسنة

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله

أسباب اختيارنا لمعتقد أهل السنة والجماعة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين... أما بعدُ.

فإن من فضل الله تعالى علينا أنْ منَّ علينا وشرفنا بالانتساب إلى معتقد أهل السنة والجماعة.
والعقيدة هي: الجَزْم القلبيُّ القاطع لكلِّ أمرٍ غيبيٍّ آكدٍ المُصدَّق بالعمل لما جاء في القرآن الكريم وصحيح السنة والموافق للعقل الصريح حيث لامجال للشك ولا التراجع ولا التردد، ومن ثَمَّ يتَّخِذُها المرء ديناً له ومذهباً يعيش ويموت في سبيل إعلائه ونصرته.

وهذه العقيدة الإسلامية تقوم على أصول راسخة في قلوب أصحابها رسوخ الجبال، ولا يختلف البشر أن لكل شيء أصولاً يقوم عليها، سواء كان هذا الشيء حسياً من بناءٍ يحتاج إلى أصول يقوم عليها أو كان معنوياً من فكرٍ أو رأيٍ أو مذهبٍ أو معتقدٍ يعتقده الإنسان، وسواء توصل هذا الإنسان إلى هذا المعتقد عن طريق النظر والتأمل في الكون أو فيما حوله أو أخذه عن طريق الأسلاف من الأجداد والآباء أو أخذه من البيئةِ المحيطةِ به فإنه ولابد أن يكون له أصول يعتمد عليها.

ومن الأشياء المعنوية أمر الاعتقاد؛ حيث إن الإنسان يحتاج لمعتقد يعتقده ويسير عليه كي يكون له نبراساً ينير له الطريق أمامه ومن ثَمَّ ينتصر له ويدافع ويكافح من أجله.

وهكذا... فعقيدتنا الإسلامية لها أصول وهذه الأصول قد تكفَّل لنا ربُّنا - سبحانه - بإرساء قواعدها والإشارة إليها في كتابه العظيم ثم بيَّنها لنا رسولنا الأمين محمدٌ صلى الله عليه وسلم.

أما الإشارة إليها من كلام ربِّنا [1] فذلك في قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ [2] وفي قوله: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [3] وفي قوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [4] وقوله: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [5].

فاتَّضح لنا من الآيات الكريمة أن أصول عقيدتنا ستة وهي:-
1- الإيمان بالله تعالى.
2- الإيمان بالملائكة عليهم السلام.
3- الإيمان بالكتب المنزلة.
4- الإيمان بالرسل عليهم السلام.
5- الإيمان باليوم الآخر.
6- الإيمان بالقدر.

وقد جمعها لنا نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم بقوله: " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره "[6] وفي رواية:
" حُلْوه ومُرِّه "[7] هذا وقد تبيَّن لنا " من هذا الحديث أن هناك أصولاً ستة للعقيدة الإسلامية "[8]، وفي كلام العلماء عبارات مرادفة لمعنى العقيدة كالإيمان مثلاً[9] فهذا ما يتعلق بأصول العقيدة إجمالاً.

وهذا الانتساب يرجع إلى أمور منها:
1- أنه معتقد النبي صلى الله عليه وسلم خاصة والأنبياء عامة؛ إذ كل الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يقرون بأصول العقيدة (أصول التوحيد) من الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره إجمالاً وتفصيلاً واعتقادهم جميعاً بأن الله - تعالى - له الأسماء الحسنى والصفات العلى واتفاقهم على الدعوة لإفراد الله بالعبودية والنَّذَارة عن الشرك؛ لأن هذه الأشياء هي دين الإسلام الذي بعث الله الرسل - عليهم الصلاة والسلام - جميعاً للدعوة إليه كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [10] وقال ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [11] ودعوة الأنبياء أقوامهم لإفراد الله بالعبادة عدد القرآن ذكره في غير ما موضع بقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [12] وقوله:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [13] فكلهم اتفقوا في دعوة أقوامهم إلى أصل الدين: التوحيد وهو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة لكن اختلفت شرائعهم فيما سوى التوحيد؛ تبعاً للحكمة الإلهية كما أخبر بذلك سبحانه بقوله: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [14] إذاً فدين الأنبياء كلهم واحد وهو التوحيد وشرائعهم متعددة وقد أكد هذا المعنى الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله "إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد"[15]، وقال: "الأنبياء إخوة[16] لعلات"[17]، حيث شبه النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء كأنهم إخوة لأمهات شتى وأبوهم واحد والمقصود به التوحيد؛ولهذا فغن عقيدتهم كلهم واحدة؛ "فدينهم واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك لـه وهو يُعبد في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت وذلك هو دين الإسلام في ذلك الوقت "[18]،هذا بدوره يدلنا على فضل معتقد أهل السنة والجماعة وأنها بالنسبة للخليقة كطوق النجاة وهو كسفينة نوح - عليه الصلاة والسلام - من كان في ركْبها نجا ومن تخلف عنها هلك مع الهالكين.

2- أنه معتقد الصحابة وتابعيهم بإحسان: معتقد الصحابة الذين هم أولى الناس بفهم القرآن والسنة ثم معتقد تابعيهم بإحسان والذين تربوا على أيدي الصحابة لجدير بالاتباع من غيره؛ لأنهم خير القرون في هذه الأمة المعصومة فالصحابة امتدحهم القرآن الكريم في مواضع كثيرة وهم صفوة الخلق الذين اختارهم الله ليحملوا الرسالة الخالدة: الإسلام فلا يعقل أن يذكروا في كتب الله ويمدحوا في التوراة والإنجيل والقرآن ثم في السنة المطهرة ويكون معتقدهم فاسداً أو فيه خلل أو لم يفهموا المراد من بعض النصوص! ولو خفي على بعضهم لعرفه الباقون - حاشاهم - ولو خفي عليهم أجمعين لم يخف على المعصوم بوحي السماء صلى الله عليه وسلم؛ لهذا كانت الخيرية في تلك القرون الثلاثة كما نص على ذلك نبينا الكريم بقوله: "خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"[19] فحتم هذا أخذ العقيدة منهم لا من غيرهم؛ إذ هم الذين نقلوا لنا الدين كله: قرآناً وسنة؛ لهذا فإن ديننا يقوم على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

3- أنه هو المعتقد الوسط بين الإفراط والتفريط من فِرَق الأمة التي انحرفت عن هدي القرآن والسنة: فلا يوافق أهواء المنحرفين ولا يأخذ بأقوال المغالين ولا يتماشى مع معتقدات المقصرين بل هو وسط في كل شيءٍ: في القدر أو في جانب مرتكب الكبيرة أو بالنسبة لآل البيت وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين وقد بين هذه الوسطية شيخ الإسلام الشيخ تقي الدين ابن تيمية واصفاً أهل السنة والجماعة ومنهجهم بقوله: " هُمْ الْوَسَطُ فِي فِرَقِ الْأُمَّةِ كَمَا أَنَّ الْأُمَّةَ هِيَ الْوَسَطُ فِي الْأُمَمِ. فَهُمْ وَسَطٌ فِي (بَابِ صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ أَهْلِ التَّعْطِيلِ الْجَهْمِيَّة؛ وَأَهْلِ التَّمْثِيلِ الْمُشَبِّهَةِ. وَهُمْ وَسَطٌ فِي (بَابِ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَفِي بَابِ (وَعِيدِ اللَّهِ بَيْنَ الْمُرْجِئَةِ والوعيدية: مِنْ الْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِي (بَابِ أَسْمَاءِ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ بَيْنَ الحرورية وَالْمُعْتَزِلَةِ وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّة (وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ"[20]... فهذه الوسطية جعلته المنهج الحق الذي يجب على كل مسلم اعتقاده واتباعه ونصرته.

4- أنه المنهج الوحيد الموافق للفطرة: فلا يجعل من الرسالة والنبوة شيئاً خُرافياً ولا ينتقص من حق الرسالة والرسول -صلى الله عليه وسلم- شيئاً وكذلك في مجال الغيبيات أوضح الطريق وأنار السبيل للباحثين عن حقيقة وجوهر هذا الدين: فعند تعرضه للأمور الغيبية (ما وراء الطبيعة) لم يأت بهَرطقة أو خَرْص أو تَخمين إنما خاطب الفطرة مكتملة خاطبها بكل معانيها فما في الإنسان يسير مع منظومة الفطرة حثه على فعله وما فيه خدش أو إخلال للفطرة حذر منه وأمر باجتنابه فأوجب الإيمان بالله الخالق المستحق لجميع أنواع العبودية، إذ كيف يَخْلق [21] ويُعبد غيره ويرزق ويُشكر سواه؟! وفي حياتنا الدنيا إن فعل إنسان لآخر معروفاً فإنه وحده المستحق بالشكر وكذلك صاحب العمل يعطي أجوراً لمن يعمل عنده لا لمن يعمل عند غيره فهذا يصادم العقل والفطرة ولله المثل الأعلى هو الوحيد المستحق لكل أنواع العبادة وهذا ما نادت به الرسل؛ ولهذا فالفطرة السليمة تأبى المشاركة لأنها لا تأتي بخير كما خاطب هذا المنهج العقدي الفطرة بذلك في كتاب ربنا - جل وعلا - ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ﴾ [22] وفيه أيضاً ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [23]؛ لذلك أمر صاحب الفطرة السليمة بالوحدانية بقوله: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [24] وصاحب الفطرة السليمة في أي زمان أو مكان لا يصل إلا إلى دين الفطرة: الإسلام.

5 - أنه منهج توافق نصوصه الصحيحة العقول الصريحة: الخالية من الشهوات أو الشبهات فاهتم ذلك المنهج العقدي بالعقل أيما اهتمام لكن جعل للعقل حداً ينتهي إليه لا يتعداه إذ لا طائل من وراء إقدامه على معرفة ذلك وهذا الحد الذي لا ينبغي محاولة البحث في كنهه فإدراك العقل في الحياة الدنيا لـه احتمال معين لا يتخطاه وإن تخطاه تاه في المهلكة كحال الصغير لـه إدراك معين فلو حاولنا تعليمه مصطلحات فوق قدرته ما استطعنا ولو أكل الصغير الرضيع لحماً كطعام من لهم مدركات وقدرات أعلى منه دخل في التهلكة بل إن الكبير المدرك لو مرض وحذره الطبيب الحاذق الماهر باجتناب أفعال معينة أو أقوال معينة وجب عليه اتباعها وهكذا أهل الحل والعقد لو ألزموا الشعوب بأحكام تحفظ حياتهم وأرواحهم كالتنظيمات الخاصة بالمرور والطرق... تحتم اتباعها؛ لأن فيها المصلحة ومخالفتها تؤدي إلى التهلكة ولا يأت إنسان يقول: أنا أخالف وأنجو! لو نجا كبا في أخرى فلله المثل الأعلى وهو أعلم بما يصلح العقل البشري، إذ هو خالقه كما قال سبحانه: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [25] فأوقف هذا المنهج العقل عن تخطي حد الغيب من كلام عن الخالق أو البعث أو حقيقة الموت أو الروح أو... أما ما سوى ذلك فأرشده إلى طلب المزيد في شتى العلوم النافعة للدين والدنيا والله لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الاستزادة من شيءٍ إلا من العلم كما في التنزيل:﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [26] يوضح هذا أنه بما أن للعين مدىً ينتهي في الإبصار حيث إن الإنسان لا يستطيع الرؤية لحقيقة الأشياء إلا عندها وإن جاوزها وطلب منه وصف ما يرى فإنه سيختلق أوصافاً ليست هي الحقيقة لكن إن استخدم مكبراً أو عدسة أو نظارة أو... فإنه يرى ما توقف مدى بصره عنده فكذلك العقل لـه مدىً يقف عنده لا يستطيع مجاوزته ولو تجاوزه لكان حاله مثل البصر من اختلاقٍ لأوصاف وأشياء ليست هي الحقيقة لكن إن استخدم مكبراً أو... فإنه سوف يرى ما توقف مداه عنده وإن المكبر لرؤية العقل إنما هو الوحي فبه يرى ما وراء الطبيعة حقا ًوبغيره لا يرى الحقيقة وإن بذل ما استطاع من جهود؛ لأن الغيب حجبه صاحبه وجعل الوحيد المتكلم فيه هو ذاته العلية... فهو في الدنيا عقله لا يدرك أموراً في عالم آخر وبناموس آخر لكن حينما يكون هو في ذلك العالم الآخر بحواس ذلك العالم فإن الأمر سيختلف قطعاً؛ فلهذا كان منهج أهل السنة هو الأولى والأوجب بالاتباع لمحافظته على كيان العقل الصريح الذي لو أطلق لنفسه التفكير مجرداً من الشهوات والشبهات في بداية وجوده ونهايته لعلم يقيناً بأن المنهج الرباني و الحق وأن ما سواه غيٌ وهوىً "إذ من المسلم به لدى كافة البشر أن الإنسان كغيره من الكائنات الحية في هذا الوجود لا يملك على الحقيقة شيئاً بدليل أنه يخرج أول ما يخرج إلى هذا الوجود عاري الجسم حاسر الرأس حافي القدمين ويخرج عندما يخرج منه مفارقاً له ليس معه سوى كفن يواري به جسده"[27] فهذا إعمال للعقل في معرفة من أحق بالتملك فالذي لـه حق التملك قبل وجود الإنسان ألا يستحق توجيه إرشاد عقل الإنسان بعد وجوده لما ينفعه؟! ويعني هذا أن منهج أهل السنة والجماعة ساير العقل في الوصول إلى الحق ولم يحجب نور الهداية عنه بل دعاه به وأمره باستخدامه للوصول إلى حقيقة العبودية؛ لأن العقل الصريح يلتقي مع النص الصحيح.

فحاجة البشر إلى العقيدة وأنه لابد للإنسان من معتقد يعتقده: الإنسان بطبعه - كسائر المخلوقات - فقير إلى خالقه في كل شيء ومن أسمى تلك الأشياء أمر المعتقد فالإنسان لا يدري ما الذي يجعل خالقه راضياً عنه؟ وما الذي يوصله إلى خالقه؟ كيف يعبده؟.

فغير المسلم في حَيرة وتيه وشك لكن صاحب العقيدة المنبثقة من وحي السماء في أمن وأمان؛ لذلك كان لزاماً على البشر من عقيدة يعتقدونها ولهذا ما تركهم خالقهم سدىً بل أرسل إليهم الرسل وأنزل الكتب ليعلموا الناس ما يحتاجون إليه من عقيدة سليمة وعبادة صحيحة وأخلاق كريمة قويمة وبما تزكو به نفوسهم وتُعمر به الأرض مما يؤكد احتياج الإنسان لعقيدة يعتقدها حقاً كانت أم باطلاً نظراً لطبيعة الإنسان من الاجتماع والتفكر في الكون فأدى ذلك كله إلى احتياج الإنسان لعقيدة يعتقدها.

وفي القرآن الكريم إشارة إلى ذلك من خلال ذكره لأصول معبودات شتى: من عباد الأصنام وعباد الأحجار وعباد الإنسان والملائكة والجان و... حتى أهل الجحود والإلحاد الذين يقولون: إننا لا نعبد معبوداً فهم كاذبون؛ ذلك أنهم يعبدون هواهم كما في التنزيل: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [28] وفي قوله:﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [29] إذاً فلابد للبشر من عقيدة ولابد لكل إنسان من معتقد يعتقده سواء كان على حق أو على باطل فإن كانت على باطل ما زادته إلا تيهاً على تيه وحيرة على حيرة، أما إن كانت على حق كعقيدة الإسلام فإنها تأخذ بيده إلى شاطئ الأمان وبر السلامة وهي في حقه بلسم شفاء وبالنسبة إليه هو أحوج إليها من غيرها كاحتياجه الطعام والماء والهواء؛ ولذا فإن " العقيدة الإسلامية ضرورية للإنسان ضرورة الماء والهواء؛إذ هو بدون العقيدة ضائع تائه يفقد ذاته ووجوده "[30] وهذه العقيدة الصحيحة الحقة لا ُيوصل إليها بالعقل إذ العقل له مدىً لا يجاوزه " وفي أي حال من الأحوال العقل مثل العين سواءً بسواء كما أن العين لا تبصر إلا في الضوء والنور فإن العقل لا يدرك إلا على ضوء الشرع الإلهي ونور وحيه تعالى إلى أنبيائه ورسله "[31] مما يؤكد " أن دعوى العقل في إمكانه الاستقلال بهداية الإنسان إلى ما يصلحه ويسعده دعوى باطلة ساقطة لا وزن لها ولا واقع؛ وذلك لأننا رأينا الكثير من الأمم والشعوب لما فقدت هداية الوحي الإلهي لم تُغْنِ عنها هداية العقول شيئاً فضلت وهلكت ومما قاله القرآن في هذا الموضوع قوله تعالى من سورة الأحقاف:﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [32] وذلك لأن العقول لا تهدي إلى معرفة كل ما ينفع الإنسان في حياتيه ليأخذ به ولا إلى معرفة كل ما يضر الإنسان في حياتيه كلتيهما فيتجنبه "[33] وهذا لا يعرف إلا من قبل الوحي أما العقل المجرد فآخره عجزٌ كما قال بعض الشعراء توضيحاً لذلك فقال ونعم ما قال:
" لا يعرف اللهَ إلا اللهُ فاعتقدوا
والدينُ دينانِ: إيمانٌ وإشراكُ
و للعقول حدودٌ لا تجاوزها
و العجز عن دَرَكِ الإدراكِ إدراكُ."[34]

فتبين مما تقدم مدى احتياج البشر للعقيدة مع التأكيد على أن العقيدة لا يخلوا منها إنسان وأن العقيدة الجامعة لخيري الدارين هي عقيدة الإنسان.

6- أنه منهج قام على قواعد راسخة وثابتة بثبات أصله: فمعتقد أهل السنة والجماعة لم يقم على هوىً ولا شهوة ولا شبهة بل إنه قام على أصول راسخة ثابتة جعلت له أصولاً متماسكة تمثلت فيما يلي:
أ- اعتماده على القرآن الكريم: حيث يفسر القرآن بالقرآن ولا يلغي النصوص بل إنه يجمع بينها ولا يضرب بآيات القرآن بعضها البعض فلا يأتي آتٍ لآية تنزيه ويضرب بها كل الآيات المثبتة للأسماء والصفات بدعوى التنزيه لكن يجمع بينهما فيقال: إن الله - تعالى- لا يشبه صفات المخلوقين وهذا لا يمنع أن له أسماءً وصفات تليق بجلاله وهكذا الآيات التي فيها مشاورة في الحكم لا تعني إلغاء حكم قائم بل مشاورة في كيفية تطبيقه والانقياد له وفي الأمور الدنيوية أو التي ليس فيها نص كخطط المعارك والغزوات يتم التشاور للوصول إلى النصر فحال الذي يحاول أن يضرب بعض الآيات ببعض كحال من يستدل بجزء الكلام على النهي عن الصلاة فيقول: الصلاة غير واجبة؛ لأن الله قال ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ ﴾ [35]، وقال: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ [36] ولو أكمل لعلم بأن الأولى إكمالها: ﴿ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ والثانية ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 5] وفاعل مثل هذا الشيء أو القائل به يقال له: ما دمت مؤمناً بالقرآن فالقرآن يقول: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾ [37]؛ لذلك كان منهج أهل السنة والجماعة وسط في احتكامه وفهمه واستدلاله بالقرآن الكريم.

ب- اتباعه للسنة النبوية المشرفة: إذ هي شارحة الكتاب والحاكمة عليه بتوضيح المقصود من كثير من الأحكام فعند قراءة السنة لم نجد حديثاً صحيحاً واحداً يقول: إن معنى بعض الآيات يخالف باطنه ظاهره.

أو العكس بل السنة تقدم القرآن وعلى هذا مشى الصحابة وتابعوهم تصديقاً عملاً وحكماً بالسنة وعدم معارضتها عمداً وعدم ضرب بعضها ببعض أو ضربها بالقرآن بل حمل جيل الصحابة القرآن والسنة ونشروهما وفهموهما على أحسن الأوجه فهل من أتى بعدهم أعلم منهم؟ أم أنهم خانوا الأمانة فلم يتفوهوا بالحق؟ أم جهلهم منعهم من تبليغ الحق؟! بل إن الذي عملوه هو فهمهم بأن القرآن والسنة مشكاتهما واحدة.

جـ - أن معتنقي ذلك المنهج لم يضعوا ألفاظا مخترعة مبتكرة لا يعرفها العرب أو أنها تحتمل النقص أو قابله للخطأ والصواب مثل: (العَرَض - الجَوْهَر - الجِسْم) فلم يثبت عن واحد من سلف هذه الأمة أنه تفوه بمثل تلك المصطلحات في حق الله تعالى أو أعمل عقله في الدخول في أمور الغيب.

د- أنه راعى قواعد الاستدلال الصحيحة فلم يَجْمَعْ بين مُتَفَرِّقَيْنِ ولم يُفَرِّقْ بين مُجْتَمِعَيْنِ: ولا ضرب بعض الأدلة ببعض وأن هذا المنهج ما أجملت أحكامه في موضع فصلت في آخر وكذلك هذا المنهج تعامل مع الإنسان ككيان مستقل بفطرة وعقل وروح وجسد وحياة اجتماعية وجبلة غريزية فراعى كل الأمور المتعلقة به ولو كان هذا المنهج على غير هدىً من الله لحدث فيه خلل كبير كما في التنزيل: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [38] ولكنه منهج جعل الوحي أساسه وهذا الوحي محفوظ من قبل الله تعالى فلذلك كل أحكامه متعاضدة وليست متناقضة إذ هي من حكيم حميد.

لهذا وغيره كان اختيارنا لعقيدة أهل السنة والجماعة =الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة فهي أهل السنة وباقي الفرق أهل القبلة وشتان ما بين الانتساب إلى أهل السنة والجماعة وبين الانتساب إلى أهل القبلة فقط.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين كلما ذكره الذاكرون، أو غفل عن ذكره الغافلون.

[1] - ويتضمن الإيمان بالله تعالى أموراً أربعة: أ- الإيمان بوجود الله تعالى. ب - الإيمان بربوبية الله تعالى. جـ - الإيمان بألوهية الله تعالى. د - الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته. ينظر شرح أصول الإيمان للشيخ ابن عثيمين، ص 15، منهاج المسلم للشيخ أبي بكر الجزائري، ص 11، مختصر الفقه الإسلامي للشيخ محمد التويجري، ص 37.
وعند التحقيق: ثلاثة أمور؛ لأن وجود الله تعالى يندرج فيها وكذلك أيضاً الإرادي القصدي التعبدي العلمي المعرفي الخبري، لكن اشتهر بين أهل السنة والجماعة التفصيل بالثلاثة: الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
[2] - سورة البقرة الآية (177).
[3] - سورة البقرة الآية (285).
[4] - سورة النساء الآية (136).
[5] - سورة القمر الآية (49).
[6] - أخرجه الإمام أحمد في مسنده،جـ1ص51،الإمام مسلم في صحيحه:كتاب الإيمان باب بيان الإسلام والإيمان والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر وإغلاظ القول في حقه،جـ1ص36 ورواه الإمام البخاري مختصراً من رواية أبي هريرة رضي الله عنه في صحيحه في كتاب الإيمان باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة وبيان النبي له،جـ1ص27 والحديث ثابت في سنن أبي داود،كتاب السنة باب في القدر،جـ4ص223 والترمذي، في سننه كتاب الإيمان باب ما جاء في وصف جبريل للنبي الإيمان والإسلام،جـ5ص6 والنَّسائي في السنن الصغرى كتاب الإيمان وشرائعه باب نعت الإسلام،جـ8ص97 وفي الكبرى، كتاب الإيمان وشرائعه باب نعت الإسلام،جـ6ص528،وابن ماجَهْ في سننه باب في الإيمان،جـ1ص24، الحديث ثابت في صحيح ابن خزيمة في كتاب المناسك باب فرض الحج على من استطاع إليه سبيلاً،جـ4ص127، ورواه ابن حبان في صحيحه، كتاب الإيمان باب فرض الإيمان، جـ 1ص389 كما رواه البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الحج باب إثبات فرض الحج على من استطاع إليه سبيلا ًوكان حراً بالغاً عاقلاً مسلماً،جـ4ص324.
[7] - الإمام ابن مَنْدَهْ، كتاب الإيمان، تحقيق د. علي الفقيهي، جـ 1 ص 1131 رقم (7).
[8] - الأستاذ محمد قطب، ركائز الإيمان، ص 7.
[9] - ينظر كتاب الإيمان للإمام ابن مَنْدَهْ، جـ 1، ص 116،حيث بوب على ذلك باباً في كتاب الإيمان وهو الباب الأول بقوله: ذكر ما يدل على أن الإيمان الذي أمر الله - عز وجل - عباده أن يعتقدوه ما سأل جبريلُ عليه السلام رسولَ الله e ليعلم أصحابه أمر دينهم.
[10] - سورة آل عمران /19.
[11] - سورة آل عمران /85
[12] - سورة النحل /36
[13] سورة الأنبياء/25
[14] - سورة المائدة /48
[15] - رواه البخاري، الإمام ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، (10/240 - 241 فتح)، رقم (3442 - 3443)،، ومسلم (4/1837) رقم (2365).
[16] - الأبناء ثلاثة:
• إذا كان الإخوة لأب واحد وأمهات شتى = عَلَّات=لأب.
• إذا كانوا لأم واحدة وآباء شتى= أبناء أخْياف =لأم.
• إذا كانوا لنفس الأب ولنفس الأم=أعْيان =أشقاء.
[17] - نفسه.
[18] - شيخ الإسلام ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، تحقيق د. ناصر عبد الكريم العقل، جـ2 ص379.
[19] - رواه البخاري (10/517 - 518 فتح) رقم (3650) ومسلم (4/1962 - 1964) رقم (2533 - 2535).
[20] - مجموع الفتاوى للإمام ابن تيميَّة،جـ3ص141.
[21] - هذا الحديث القدسي (((ضعيف))) من جهة الإسناد ولم يصححه أحد ممن يُعتد به من أهل العلم المُعَوَّل عليهم،ولفظ الحديث:" يَقُول الله تَعَالَى: إِنِّي وَالْإِنْس وَالْجِنّ فِي نبأ عَظِيم، أخلق، ويعبد غَيْرِي؟ وأرزق ويشكر غَيْرِي".
رواه البيهقي في الشعب والحكيم الترمذي في كتابه: نوادر الأصول:(الأصل:189) ورواه الحاكم في تاريخه والطبراني في معجم الشاميين وعنه ابن عساكر ورواه الديلمي في مسند الفردوس والحديث ضعفه المُناوي و الألباني وما صححه أحد ممن يعتد به.
[22] - سورة الزمر/29
[23] - سورة الأنبياء/22
[24] - سورة النحل/51
[25] - سورة الملك/14
[26] - سورة طه/114
[27] - الشيخ أبو بكر جابر الجزائري، منهاج المسلم، ص14.
[28] - سورة الفرقان الآية (43).
[29] - سورة الجاثية الآية (23).
[30] - د. عمر سليمان الأشقر،العقيدة في الله، ص 15.
[31] - الشيخ أبو بكر جابر الجزائري،عقيدة المؤمن،ص 28.
[32] - سورة الأحقاف الآية (26 ).
[33] - الشيخ أبو بكر جابر الجزائري،عقيدة المؤمن،ص 27 - 28.
[34] - ذكر ذلك الشيخ محمد نووي، سلم المناجاة على سفينة الصلاة، ص 5.
[35] - سورة النساء/43
[36] - سورة الماعون/4
[37] - سورة البقرة /لآية (85).
[38] - سورة النساء الآية (82).

من ثمرات اتِّباع السُّنَّة

لاتباع السُّنَّة - أخي الحبيب - ثمرات كثيرة، منها:
1) الوصول إلى درجة المحبة، فبالتقرب لله - عزّ وجلَّ - بالنوافل تنال محبة الله - عزّ وجلَّ- للعبد.

قال ابن القيِّم رحمه الله: "ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهراً وباطناً، وصدَّقته خبراً، وأطعته أمراً، وأجبته دعوةً، وآثرته طوعاً، وفنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته، وعن طاعة غيره بطاعته، وإن لم يكن ذلك فلا تتعنَّ، وارجع من حيث شئت، فالتمس نوراً فلست على شيء"[1].

2) نيل معيَّة الله - تعالى - للعبد، فيوفقه الله - تعالى - للخير، فلا يصدر من جوارحه إلا ما يرضي ربه - عزّ وجلَّ -؛ لأنه إذا نال المحبة نال المعيَّة.

3) إجابة الدعاء المتضمِّنة لنيل المحبة، فمن تقرَّب بالنوافل نال المحبة، ومن نال المحبَّة نال إجابة الدعاء.

ويدلّ على هذه الثمرات الثلاث:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الَّله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ قال: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصرهُ الَّذِي يُبْصر بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شيءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ"[2].

4) جبر النَّقص الحاصل في الفرائض، فالنوافل تجبر ما يحصل في الفرائض من خَلَل.

ويدلّ عليه: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسر، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شيءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ"[3].

5) حياة القلب كما تقدّم، فالعبد إذا كان محافظاً على السُّنَّة كان لِمَا هو أهم منها أحفظ، فيصعب عليه أن يفرِّط بالواجبات أو يقصر فيها، وينال بذلك فضيلة أخرى، وهي: تعظيم شعائر الله - تعالى -، فيحيا قلبه بطاعة ربه، ومن تهاون بالسُّنَن عوقب بحرمان الفرائض.

6) البعد والعصمة من الوقوع في البدعة؛ لأنَّ العبد كلما كان متبعاً لِمَا جاء في السُّنَّة كان حريصاً ألَّا يتعبد بشـيء إلا وفي السُّنَّة له دليل يُتَّبع، وبهذا ينجو من طريق البدعة.

وللحفاظ على السُّنَّة ثمرات كثيرة، قال ابن تيمية رحمه الله: "فكل من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فالله كافيه، وهاديه، وناصره، ورازقه"[4]، وقال تلميذه ابن القيِّم رحمه الله: "فمن صحب الكتاب والسُّنة، وتغرَّب عن نفسه وعن الخلق، وهاجر بقلبه إلى الله فهو الصادق المصيب"[5].

إفادات قبل عرض ما تيسر جمعه من السُّنَنِ اليومية:
أخي القارئ: وقبل الشروع في عرض ما تيسر لي جمعه من السُّنَنِ اليومية، أفيدك بما يلي:
أولاً: جمعتُ في هذه الكلمات كل ما تتبعته من السُّنَنِ اليومية، وقد أُغفل بعض السُّنَنِ عمداً للخلاف في ثبوتها؛ لضعف دليل، أو لخلاف في فهم الاستدلال على السُّنَّة، وقد حرصتُ على تقييد ما صحّ به الخبر من السُّنَّة النبويَّة على صاحبها أفضل صلاة وأزكى تحيَّة.

ثانياً: هناك من السُّنَن التي تتبع الأحوال، أو الأماكن، أو الأزمان، تُعدُّ لأشخاص من السُّنَنِ اليومية بخلاف غيرهم، لم أذكرها عمداً؛ لأن غالب النَّاس لا تتكرر عليهم، فمثلاً: من كان في مكة، أو المدينة فإنه يستطيع كل يوم أن يزور المسجد الحرام، أو النَّبوي، ويصلِّي فيه فينال فضيلة مضاعفة الصَّلاة، وكذا هناك بعض السُّنَن لا تكون إلا للأئمَّة، أو المؤذنين، ونحو ذلك من السُّنَن التي تتعلَّق بأمر معيَّن، ربما لا تتأتَّى لكثير من النَّاس، وهناك سُنَن تختلف باختلاف الحال: كالزيارة الأخوية في الله -تعالى-، وعبادة التفكُّر، والشُّكر، وعيادة المريض، والصلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وزيارة المقابر، وصِلة الرَّحم، وطلب العلم، والصدقة، وسُنَن الاغتسال ونحوها من السنن التي أغفلتها عمداً؛ لعدم الجزم بأنها سُنَن يومية، مع استطاعة العبد الإتيان بها متى شاء من أيامه، ولكن كما سبق حرصتُ على الذي يتكرر في اليوم والليلة.

ثالثاً: اعلم -أيُّها المفضال- أنَّ اتِّباع هديه صلى الله عليه وسلم يشمل اتِّباع أخلاقه، وتعامله، وأدبه مع ربه -تعالى-، ومع سنَّته، ومع النَّاس، فلا تغفل -أيها المبارك- عن هذا المطلب المهم، فالأخلاق عماد مهم يحتاجه واقعنا اليوم كثيراً.

نسأل الله -سبحانه- أن يهدينا لأحسن الأخلاق، ويصرف عنَّا سيئها.

• واعلم أنَّ التقرُّب لله -تعالى- بالفرائض مقدَّم على النوافل وأعظم أجراً، فالله -عزّ وجلَّ- يقول: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ».

رابعاً: إنني أخاطب بهذه السُّنَن نفسي المقصرة؛ لأنفعها بعرض السُّنَن اليومية أمام عينيَّ، والنظر فيما كنت مقصراً فيه؛ لأحملها على الإصابة من هذه السُّنَن، والمحافظة على هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومن ثَمَّ نفع إخواني، وحثهم على اقتفاء هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم.

فبادر أخي لاغتنام العمر، قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل، بالاستكثار من السنن وصالح العمل؛ لتحمد العاقبة يوم اللقاء، بعظم الجزاء، في دار البقاء؛ لحسن اقتفائك الأثر، باتباع هدي سيد البشر صلى الله عليه وسلم.

وأخيراً...أوصيك أخي في تعاملك مع السُّنَن بوصيتين ذكرهما النَّووي -رحمه الله تعالى-:
الأولى: لا تدع سُنَّة من السُّنَن إلا وقد كان لك منها نصيب، ولو لمرة واحدة.

قال النَّووي رحمه الله: «اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرَّة واحدة، ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقاً؛ لحديث: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بَشيءٍ فأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطعْتُمْ[6]»[7].

والثانية: إذا أنعم الله عليك بطاعة، وكنت من أهلها المواظبين عليها، وفاتت عليك يوماً، فحاول أن تأتي بها إن كانت مما تُقضى، فإنَّ العبد إذا اعتاد على التفويت وتساهل فيه ضيع العمل.

يقول النَّووي رحمه الله في فائدة قضاء الذِّكر: «ينبغي لمن كان له وظيفة من الذِّكر في وقتٍ من ليلٍ، أو نهار، أو عقب صلاة، أو حالةً من الأحوال ففاتته، أن يتداركها، ويأتي به إذا تمكَّن منها، ولا يهملها فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها»[8].

أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن يتبعون هدي النَّبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، ويقتفون أثره ويحشرون في زمرته، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلَّى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

مستلة من كتاب: المنح العلية في بيان السنن اليومية

[1] مدارج السالكين (3 /37).
[2] رواه البخاري برقم (6502).
[3] رواه أحمد برقم (9494)، وأبو داود برقم (864)، والترمذي برقم (413)، وصححه الألباني (صحيح الجامع 1 /405).
[4] القاعدة الجليلة (1 /160).
[5] مدارج السالكين (2 /467).
[6] رواه البخاري برقم (7288).
[7] الأذكار (1 /16).
[8] الأذكار (1 /23).

موقع الألوكة
التوقيع

اكثروا قراءة الاخلاص وسبحان الله عدد ما خلق سبحان الله ملء ما خلق سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء سبحان الله عدد ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه،سبحان الله عدد كل شيء سبحان الله ملء كل شيء الحمد لله مثل ذلك وسبحان الله وبحمده عددخلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته واكثروا الصلاة على النبي واكثروا السجود ليلاونهارا
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 10:41 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.