انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


كلام من القلب للقلب, متى سنتوب..؟! دعوة لترقيق القلب وتزكية النفس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-31-2013, 02:42 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




Icon41 اهدنا الصراط المستقيم

 

قال الله تعالى: ?مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً? (النساء:79).
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (14/274): "في قوله تعالى: ?من نفسك? من الفوائد :
أن العبد لا يطمئن إلى نفسه و لا يشتغل بملام الناس و ذمهم بل يسأل الله أن بعينه على طاعته و لهذا كان أنفع الدعاء، وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة‏: ?‏اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ‏? ‏[‏الفاتحة‏:‏6، 7‏]‏، فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة‏.‏
لكن الذنوب هي من لوازم نفس الإنسان، وهو محتاج إلى الهدى في كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب‏،
ليس كما يقوله طائفة من المفسرين‏:‏ إنه قد هداه، فلماذا يسأل الهدى‏؟‏
وأن المراد بسؤال الهدى‏:‏ الثبات، أو مزيد الهداية‏؛

بل العبد محتاج إلى أن يعلِّمه ربه ما يفعله من تفاصيل أحواله،‏ وإلى ما يتولد من تفاصيل الأمور في كل يوم، وإلى أن يلهم أن يعمل ذلك‏؛ ‏فإنه لا يكفى مجرد علمه إن لم يجعله الله مريداً للعمل بعلمه، وإلا كان العلم حجة عليه، ولم يكن مهتدياً.
والعبد محتاج إلى أن يجعله اللّه قادراً على العمل بتلك الإرادة الصالحة‏؛ فإنه لا يكون مهتدياً إلى الصراط المستقيم - صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين - إلا بهذه العلوم والإرادات، والقدرة على ذلك‏.‏
ويدخل في ذلك من أنواع الحاجات ما لا يمكن إحصاؤه‏؛ ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة؛ لفرط حاجتهم إليه، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء‏.‏
وإنما يعرف بعض قدر هذا الدعاء من اعتبر أحوال نفسه ونفوس الإنس والجن، والمأمورين بهذا الدعاء، ورأى ما في النفوس من الجهل والظلم الذي يقتضي شقاءها في الدنيا والآخرة؛ فيعلم أن الله - بفضله ورحمته - جعل هذا الدعاء من أعظم الأسباب المقتضية للخير، المانعة من الشر‏.‏
ومما يبين ذلك أن اللّه تعالى لم يقص علينا في القرآن قصة أحد إلا لنعتبر بها، لما في الاعتبار بها من حاجتنا إليه ومصلحتنا،‏ وإنما يكون الاعتبار إذا قسنا الثاني بالأول، وكانا مشتركين في المقتضى للحكم‏.‏
فلولا أن في نفوس الناس من جنس ما كان في نفوس المكذبين للرسل - فرعون ومن قبله - لم يكن بنا حاجة إلى الاعتبار بمن لا نشبهه قط، ولكن الأمر كما قال تعالى‏:‏ ?‏مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ?‏ ‏[‏فصلت‏:‏43‏]‏، وكما قـال تعالى‏:‏ ?‏كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ? ‏[‏الذاريات‏:‏52‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ?‏كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ? ‏[‏البقرة‏:‏118‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ?‏يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ‏? ‏[‏التوبة‏:‏30‏]‏‏.‏
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لتسلكن سَنَنَ من كان قبلكم حَذْوَ القُذَّة بالقذة، حتى لو دخلوا جُحْر ضَبٍّ لدخلتموه‏‏.‏
قالوا‏:‏ اليهود والنصارى‏؟‏
قال‏:‏ ‏فمن‏؟‏".‏
وقال‏:‏ ‏"لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها، شِبْراً بشبر، وذراعاً بذراع‏‏.‏
قيل‏:‏ يا رسول اللّه، فارس والروم‏؟‏
قال‏:‏ ‏(‏فمن‏؟‏‏)‏" وكلا الحديثين في الصحيحين‏.‏
ولما كان في غزوة حُنَيْن كان للمشركين شجرة، يقال لها‏:‏ ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم، وينوطونها بها، ويستظلون بها متبركين فقال بعض الناس‏:‏ يا رسول اللّه، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏الله أكبر، قلتم كما قال قوم موسى لموسى‏:‏ اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، إنها السَّنَنَ، لتركبن سَنَن من كان قبلكم‏)‏‏.‏
وقد بين القرآن أن السيئات من النفس، وإن كانت بقدر اللّه‏؛‏
فأعظم السيئات :
جحود الخالق، والشرك به، وطلب النفس أن تكون شريكة ونِدا له.
أو أن تكون إلها من دونه.
وكلا هذين وقع؛ فإن فرعون طلب أن يكون إلها معبوداً دون الله تعالى، وقال‏:‏ ?‏مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي?‏ ‏[‏القصص‏:‏38‏]‏، وقال‏:‏ ?‏أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى‏? ‏[‏النازعات‏:‏ 24‏]‏، وقال لموسى‏:‏ ?‏لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ?‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 29‏]‏، و ?‏اسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ?‏ ‏[‏الزخرف‏:‏54‏]‏‏.‏
وإبليس يطلب أن يعبد ويطاع من دون اللّه، فيريد أن يعبد ويطاع هو، ولا يعبد اللّه ولا يطاع‏.‏
وهذا الذي في فرعون وإبليس هو غاية الظلم والجهل‏.‏
وفى نفوس سائر الإنس والجن شعبة من هذا وهذا، إن لم يعن اللّه العبد ويهديه، وإلا وقع في بعض ما وقع فيه إبليس وفرعون بحسب الإمكان‏.‏
قال بعض العارفين‏:‏ ما من نفس إلا وفيها ما في نفس فرعون، غير أن فرعون قَدَر فأظهر، وغيره عجز فأضمر‏؛‏
وذلك أن الإنسان إذا اعتبر وتعرف نفسه والناس، وسمع أخبارهم، رأى الواحد منهم يريد لنفسه أن تطاع وتعلو بحسب قدرته‏، فالنفس مشحونة بحب العلو والرياسة، بحسب إمكانها، فتجد أحدهم يوالى من يوافقه على هواه، ويعادى من يخالفه في هواه، وإنما معبوده ما يهواه ويريده، قال تعالى‏:‏ ?‏أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا?‏ ‏[‏الفرقان‏:‏43‏]‏‏، والناس عنده في هذا الباب كما هم عند ملوك الكفار من المشركين من الترك وغيرهم، يقولون‏:‏ ‏(‏يا رباعي‏)‏ أي‏:‏ صديق وعدو؛
فمن وافق هواهم كان ولياً، وإن كان كافراً مشركاً.
ومن لم يوافق هواهم كان عدوا، وإن كان من أولياء اللّه المتقين، وهذه هي حال فرعون‏.‏
والواحد من هؤلاء يريد أن يطاع أمره بحسب إمكانه، لكنه لا يتمكن مما تمكن منه فرعون من دعوى الإلهية، وجحود الصانع‏.‏
وهؤلاء - وإن كانوا يقرون بالصانع - لكنهم إذا جاءهم من يدعوهم إلى عبادته وطاعته المتضمنة ترك طاعتهم، فقد يعادونه، كما عادى فرعون موسى‏.‏
وكثير من الناس ممن عنده بعض عقل وإيمان، لا يطلب هذا الحد، بل يطلب لنفسه ما هو عنده، فإن كان مطاعاً مسلماً طلب أن يطاع في أغراضه، وإن كان فيها ما هو ذنب ومعصية الله، ويكون من أطاعه في هواه أحب إليه وأعز عنده ممن أطاع اللّه وخالف هواه، وهذه شعبة من حال فرعون، وسائر المكذبين للرسل‏.‏
وإن كان عالماً أو شيخاً، أحب من يعظمه دون من يعظم نظيره، حتى لو كانا يقرآن كتابا واحداً كالقرآن، أو يعبدان عبادة واحدة متماثلان فيها، كالصلوات الخمس؛ فإنه يحب من يعظمه بقبول قوله والاقتداء به أكثر من غيره، وربما أبغض نظيره وأتباعه حسداً وبغياً، كما فعلت اليهود لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم يدعـو إلى مثل ما دعا إليه موسى، قال تعالى‏:‏ ?‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ‏?‏ ‏[‏البقرة‏:‏91‏]‏، وقـال تعالى‏:‏ ‏?وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ‏? ‏[‏البينة‏:‏ 4‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ?‏وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ‏? ‏[‏الشورى‏:‏14‏]‏‏.‏
ولهذا أخبر اللّه تعالى عنهم بنظير ما أخبر به عن فرعون، وسلط عليهم من انتقم به منهم، فقال تعالى عن فرعون‏:‏ ?‏إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ‏? ‏[‏القصص‏:‏4‏]‏، وقال تعالى عنهم‏:‏‏?وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا?‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 4‏]‏؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ?‏تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا‏? ‏[‏القصص‏:‏83‏]‏‏.‏
واللّه - سبحانه وتعالى - إنما خلق الخلق لعبادته، ليذكروه ويشكروه ويعبدوه، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب ليعبدوا اللّه وحده، وليكون الدين كله لله، ولتكون كلمة اللّه هي العليا، كما أرسل كل رسول بمثل ذلك، قال تعالى‏:‏ ?‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ‏? ‏[‏الأنبياء‏:‏25‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ?‏وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ‏? ‏[‏الزخرف‏:‏ 45‏]‏‏.‏
وقد أمر اللّه الرسل كلهم بهذا، وألا يتفرقوا فيه، فقال‏:‏?‏إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ‏? ‏[‏الأنبياء‏:‏92‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏ ?‏وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ‏?‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 51 ـ 53‏]‏‏.‏
قال قتادة‏:‏ أي دينكم دين واحد، وربكم رب واحد، والشريعة مختلفة‏.‏
وكذلك قال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ ?‏إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً?‏ أي‏:‏ دينكم دين واحد‏.‏
قال ابن أبي حاتم‏:‏ وروى عن سعيد بن جبير، وقتادة وعبد الرحمن بن زيد نحو ذلك‏.‏ وقال الحسن‏:‏ بين لهم ما يتقون وما يأتون، ثم قال‏:‏ إن هذه سنتكم سنة واحدة‏.‏
وهكذا قال جمهور المفسرين ‏.‏
والأمة‏:‏ الملة والطريقة، كما قال تعالى‏:‏ ?‏قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُون‏?‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 22‏]‏، ?‏مُّقْتَدُونَ?‏ ‏[‏الزخرف‏:‏23‏]‏، كما يسمى الطريق‏:‏ إماماً؛ لأن السالك فيه يأتم به، فكذلك السالك يؤمه ويقصده‏.‏
والأمة - أيضاً -‏:‏ معلم الخير، الذي يأتم به الناس، كما أن الإمام‏:‏ هو الذي يأتم به الناس‏.‏ وإبراهيم - عليه السلام - جعله الله إماماً، وأخبر أنه ?‏كَانَ أُمَّةً‏? ‏[‏النحل‏:‏ 120‏]‏‏.‏
وأمر اللّه الرسل أن تكون ملتهم ودينهم واحداً، لا يتفرقون فيه، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ "‏إنا معشر الأنبياء ديننا واحد"‏، وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ?‏شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ‏? ‏[‏الشورى‏:‏13‏]‏؛ ولهذا كان جميع رسل الله وأنبيائه يصدق بعضهم بعضاً، لا يختلفون، مع تنوع شرائعهم‏.‏
فمن كان من المطاعين - من العلماء والمشايخ والأمراء والملوك - متبعاً للرسل‏: ‏أمر بما أمروا به، ودعا إلى ما دعوا إليه، وأحب من دعا إلى مثل ما دعا إليه، فإن اللّه يحب ذلك، فيحب ما يحبه اللّه تعالى، وهذا قصده في نفس الأمر أن تكون العبادة للّه - تعالى - وحده، وأن يكون الدين كله للّه‏.‏
وأما من كان يكره أن يكون له نظير يدعو إلى ذلك، فهذا يطلب أن يكون هو المطاع المعبود، فله نصيب من حال فرعون وأشباهه‏.‏
فمن طلب أن يطاع دون اللّه، فهذا حال فرعون.
ومن طلب أن يطاع مع اللّه، فهذا يريد من الناس أن يتخذوا من دون اللّه أنداداً يحبونهم كحب الله‏.‏ والله - سبحانه وتعالى - أمر ألا يعبد إلا إياه، وألا يكون الدين إلا له، وأن تكون الموالاة فيه، والمعاداة فيه، وألا يتوكل إلا عليه، ولا يستعان إلا به‏.
فالمؤمن المتبع للرسل يأمر الناس بما أمرتهم به الرسل، ليكون الدين كله لله، لا له، وإذا أمر أحد غيره بمثل ذلك أحبه وأعانه، وسر بوجود مطلوبه‏.‏
وإذا أحسن إلى الناس، فإنما يحسن إليهم ابتغاء وجه ربه الأعلى، ويعلم أن الله قد مَنَّ عليه بأن جعله محسناً، ولم يجعله مسيئاً، فيرى أن عمله لله، وأنه باللّه‏.‏
وهذا مذكور في فاتحة الكتاب، التي ذكرنا أن جميع الخلق محتاجون إليها أعظم من حاجتهم إلى أي شيء‏.‏
ولهذا فرضت عليهم قراءتها في كل صلاة دون غيرها من السور ولم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها، فإن فيها‏:‏ ?‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏?‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏5‏]‏.
فالمؤمن يرى أن عمله لله؛ لأنه إياه يعبد.
وأنه بالله؛ لأنه إياه يستعين، فلا يطلب ممن أحسن إليه جزاء ولا شكوراً؛ لأنه إنما عمل له ما عمل لله، كما قال الأبرار‏:‏ ?‏إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا‏?‏ ‏[‏الإنسان‏:‏9‏]‏، ولا يمن عليه بذلك ولا يؤذيه؛ فإنه قد علم أن اللّه هو المانّ عليه، إذ استعمله في الإحسان، وأن المنة لله عليه، وعلى ذلك الشخص، فعليه هو أن يشكر الله، إذ يسره لليسرى، وعلى ذلك أن يشكر اللّه، إذ يسر له من يقدم له ما ينفعه من رزق أو علم أو نصر، أو غير ذلك‏.‏
ومن الناس من يحسن إلى غيره ليَمُنّ عليه، أو يرد الإحسان له بطاعته إليه وتعظيمه، أو نفع آخر، وقد يمن عليه، فيقول‏:‏ أنا فعلت بك كذا، فهذا لم يعبد الله ولم يستعنه، ولا عمل لله، ولا عمل بالله، فهو المرائي‏.‏
وقد أبطل الله صدقة المنَّان، وصدقة المرائي، قال تعالى‏:‏ ?‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير‏?‏ ‏[‏البقرة‏:‏264، 265‏]‏‏.‏
قال قتادة‏:‏‏?تَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ?‏‏:‏ احتساباً من أنفسهم‏.‏
وقال الشعبى‏:‏ يقيناً، وتصديقاً من أنفسهم‏.‏
وكذلك قال الكلبى‏.‏
قيل‏:‏ يخرجون الصدقة طيبة بها أنفسهم، على يقين بالثواب، وتصديق بوعد اللّه، يعلمون أن ما أخرجوه خير لهم مما تركوه‏.‏
قلت‏:‏ إذا كان المعطى محتسباً للأجر عند الله، مصدقاً بوعد اللّه له، طالباً من اللّه، لا من الذي أعطاه، فلا يمن عليه‏.‏ كما لو قال رجل لآخر‏:‏ أعط مماليكك هذا الطعام، وأنا أعطيك ثمنه، لم يمن على المماليك، لاسيما إذا كان يعلم أن الله قد أنعم عليه بالإعطاء‏.
وعن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته‏:‏ ‏"اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليما، ولسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم"‏ رواه النسائي‏"اهـ
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 04:29 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.