انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات العامة ::. > التاريخ والسير والتراجم

التاريخ والسير والتراجم السيرة النبوية ، والتاريخ والحضارات ، وسير الأعلام وتراجمهم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-27-2010, 11:42 PM
سجودي سجودي غير متواجد حالياً
عضو فضى
 




افتراضي مناقشة مع دكتور برهامى شيقة و ممتعة

 

حاوره وقدم له دكتور ناجح ابراهيم
1_ نشأة الشيخ فى بيت متدين ورحلته العلمية.
2_الابتلاء بالسجن فى الثمانينات ورفقة اخيه الحبيب د احمد فريد فى السجن ومواقف زنزنانية
3_ رحلته للشيخ بن باز و الشيخ بن عثيمين ومحبة الشيخين له
4_ لقاءه بالشيخ د. المقدم فى السبعينات و التنسيق الدعوى
5_فصل عن رفيق عمره و حبيب قلبه د .احمد حطيبة و شقيقه أ.د جمال برهامى
5_ الكلام على مبادرة الجماعة الاسلامية بترك الصدام المسلح مع الشرطة وامن الدولة.
6_ قضايا اخرى هامة جدا.

حوار موقع الجماعة الإسلامية مع الشيخ الدكتور ياسر برهامي
وقفات إنسانية في حياتي، ج1 من حوارنا مع د. ياسر برهامي




حاوره وقدم له د. ناجح إبراهيم
الدكتور/ ياسر برهامي من أعلام الدعوة إلى الله عامة والسلفية خاصة. وهو من القلائل الذين أكرمهم الله بالجمع بين أمور كثيرة من الخير، وعلى رأسها الدعوة إلى الله، وتربية الناس في زمن عز فيه المربون الصالحون، وتخفيف آلام المرضي، والرفق بهم ورحمتهم.
فعيادته هو وشقيقه الطيب المتواضع الأستاذ الدكتور/ جمال برهامي أستاذ جراحة التجميل من العيادات النادرة في الإسكندرية ومصر، التي ترفع شعار الزهد في الدنيا داعية المريض الفقير صراحة بأنه يمكنه ألا يدفع ثمن الكشف أو يدفع ما معه أو ما يقدر عليه منه دون حرج.
وقد سمعت بنفسي قصصاً كثيرة لإخوة وفقراء عاديين وسعهم الدكتور ياسر بشفقته ورحمته وعطفه، ولم يقتصر ذلك عن تنازله عن أجر الكشف فحسب، بل يصل في كثير من الأحيان إلى تيسير الدواء لهذا المريض، أو إرساله إلى طبيب آخر يحتاجه المريض؛ ليقوم هذا الأخير بإكرام هذا المريض وعلاجه مجاناً في زمن عز فيه الإحسان والمحسنون.
إن عطاء الدكتور ياسر برهامي في هذا قد يفوق عطاءه في الدعوة والتربية وتعليم الناس العلم النافع.
ففي كثير من الأحيان يسبق ياسر الطبيب صانع الخير ياسر الداعية المبلغ للرسالة.
وكلا العملين دعوة إلى الله، ولكن صنع الخير أقوي أثراً من الكلمات وأكثر قوة في النفوس؛ إذ أن كلمات الدعاة تنسى، ولكن مواقف الرجال لا تنسى، وصنع المعروف لا ينسى. ولذلك فإن الدعوة بالقدوة أبلغ أثراً من الخطابة والكلمة، وهذا والله ما ينبغي معرفته عند عامة الدعاة وخاصتهم.
وهذه خديجة تقول لرسول الله --: (فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ)، فذكرت معروفه، ولم تذكر تبتله للعبادة وانقطاعه لها في غار حراء.
لقد جمع الدكتور ياسر بين خصال عديدة من الخير والمعروف، قلَّ في هذا الزمان من يجمع بينهم؛ فلا الأوقات أو الصحة أو الطاقة الإيمانية أو النفسية تدرك كل هذه الخيرات، ولكن أولو العزم هم اللذينَ يستطيعون الولوج إلى الخير والبر من أبواب كثيرة، ويحاولون تحصيل أكبر قدر من شعب الإيمان.
وهذا والله يتطلب جهداً عظيماً ومجاهدة كبرى وهمة عالية. فكيف تتصور إنساناً يقوم ليصلي الفجر في وقته في المسجد، ويصوم أيام التطوع، ويحاول جهده قيام الليل، وهو في الوقت نفسه يحافظ على عمله في الوحدة الصحية، ويذهب إلى عيادته الخاصة، يقضى حاجات الناس، ويشرف على موقع صوت السلف، ويصنف الكتب، ويستقبل الناس، ويحل المشكلات.
إنها والله بركة العمر التي وهبها الله من قبل لأمثال النووي وابن تيمية، فقاموا بأعمال عظيمة للدين في سنوات قليلة. هذا والله هو التفسير الوحيد،. إنه التوفيق من الله (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
وقد أثقلنا على الدكتور ياسر وأخذنا من وقته الكثير والكثير للإجابة على هذه الأسئلة.
ونحن نشكره على استجابته لدعوتنا للحوار معه عبر الانترنت، وأرجوا له كل التوفيق.
ونعدكم قريباً بحوار أخر مع الدكتور الإنسان/ جمال برهامي.


أولا وفي البداية، نرحب بفضيلة الدكتور ياسر برهامي.
أولا: أقول لكم: جزاكم الله خيراً على هذا التواصل الذي تحتاجه حركتنا وصحوتنا الإسلامية، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعمل بطاعته ونصرة دينه، وإعلاء كتابه، وسنة نبيه ، وأن يجمعنا دائماً على ما يحب ويرضى في الدنيا، ويوم القيامة في جنته.


دكتور/ ياسر، حدثنا عن بطاقتك الشخصية بشيء من التفصيل؟
اسمي "ياسر حسين محمود برهامي حشيش".
ولدت في يوم الثلاثاء 25من صفر1378هـ، الموافق 9سبتمبر 1958م في مدينة "كفر الدوار- محافظة البحيرة"، حيث كان الوالد -رحمه الله- يعمل مهندساً في شركة "كفر الدوار للغزل والنسيج".
وبعد أشهر انتقلت الأسرة إلى "الإسكندرية" حيث قضيت معظم سني عمري.
ووالدتي -رحمها الله- ربة منزل، وكان والدها "الشيخ/ محمد الطوخي" -رحمه الله- من رجال الأزهر.
وأنا الأصغر في إخوتي: د/ آمال، ثم د/ سناء -رحمها الله-، ثم د/ جمال الدين، وبيني وبينه ثمان سنوات.
وكان خامسنا عمي د/ برهامي الذي أخذه والدي -رحمه الله- لتربيته عنده بعد وفاة والدهما -رحمه الله- فنشأ كأخ أكبر لنا، وبحمد الله كان التدين هو السمة الظاهرة في الأسرة.
انتهيت من دراستي الثانوية سـنـ1976ـة م بتفوق -بحمد الله- ودخلت كلية الطب، وانتهيت منها سـنـ1982ـة م بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف.
وتزوجت سـنـ1989ـة، ولي ثلاثة أولاد: محمد 16 سنة، والحسين 13سنة، ومريم 7 سنوات.
وحصلت على ماجستير طب الأطفال سـنـ1992ـة م، وليسانس الشريعة الإسلامية من "جامعة الأزهر" فرع دمنهور بتقدير جيد جداً سـنـ1999ـة م.


كل حواراتك السابقة لم تذكر فيها شيئاً عن زواجك وقصته، وكفاح زوجتك معك؟
كان أخي الحبيب "الشيخ/ كمال عاشور" في الدفعة الأولى لـ"معهد الفرقان لإعداد الدعاة" الذي أسسته "الدعوة السلفية" عام 86، والذي أغلق عام 94، وكان دائماً يوصلني بسيارته إلى الدرس الأسبوعي بمنطقة الدخيلة.
وذات مرة سألني عن ابنته، أو بالأحرى ربيبته التي نجحت في الإعدادية بتفوق، وما الأمثل لها؟ استكمال الدراسة أم التفرغ لطلب العلم الشرعي؟ خصوصًا أن المشاكل كانت قد بدأت في ذلك التوقيت في التعامل مع الأخوات المنتقبات في المدارس. فقلت له: "إني أفضل للأخوات الملتزمات عدم استكمال الدراسة لما في المدارس والجامعات من اختلاط يفقد المرأة حياءها في الأغلب، فأنا أختار لها -إن هي وافقت- البقاءَ بالمنزل".
وأنا في الحقيقة لست ضد تعليم البنات، ولكني أرى الثمرة ضعيفة جداً، والثمنَ باهظاً، ويمكن تحصيل المطلوب بالمنزل، مع اختيار الأصلح من العلوم بدلاً من علوم أكثرها لا ينفع، وإنما يتعلمن لأجل الشهادات التي يحتجنها لا للعمل، بل للزواج نتيجة للأعراف الاجتماعية، ونسبة ضئيلة هي التي تستطيع أن تخدم المجتمع بضوابط شرعية، وهي موجودة -بحمد الله- كالطبيبة المسلمة، والمعلمة المسلمة. "
أنا في الحقيقة لست ضد تعليم البنات، ولكني أرى الثمرة ضعيفة جداً، والثمنَ باهظاً، ويمكن تحصيل المطلوب بالمنزل، مع اختيار الأصلح من العلوم
"
ثم نسيت هذا الموضوع حوالي السنتين كان لي خلالها تجربة غير ناجحة في الزواج انتهت بالانفصال قبل الدخول.
وبدأت أبحث من جديد فتذكرت النصيحة التي نصحت بها أخي "كمال" في شأن ربيبته، فسألته عنها وماذا صنعت؟ فأخبرني أنها عملت بالنصيحة بالفعل وتركت الدراسة. فقلت في نفسي: "هل أنصحها أنا بعدم استكمال الدراسة، ثم أبحث عن حاصلة على شهادة؟!"
وكنت متخوفاً من المستوى التحصيلي، وبالتالي حصول التفاهم بيننا، فطلبت من "الشيخ كمال" أن يطلب منها قراءة كتاب منة الرحمن، وعمل ملخص له من الذاكرة بعد قراءته، وفوجئت بمستوى رائع لم أكن أتوقعه، وظننت أنه منقول من الكتاب، ولكن تأكدت مشافهة من ذلك أنه من الذاكرة، فاطمأننت تماماً، وتوكلت على الله.
وتقدمت وعلمت أنها خاضت معركة -مع عمها وخالها- من أجل النقاب، ثم من أجل الدراسة، حيث أنها نشأت يتيمة، وتزوج "الشيخ كمال" والدتها -وهي بنت عمه- من أجل تربيتها، وقد أحسن تربيتها -جزاه الله خيراً-، لكن كان لعمها وخالها اعتراض على النقاب، ثم على ترك الدراسة، وقالوا لها: "من سيتزوج فتاة بالإعدادية؟"
فلما تقدمت لها كان أمراً غريباً عليهم حتى حاول البعض عرقلة الزواج، لكنه تم -بفضل الله تعالى-.
وتأكدت أكثر أن الشهادات لا أثر لها في المستوى التحصيلي والعلمي، ولا في التفاهم، فهذه الأمور هبة من الله -تعالى- يمن بها على من يشاء من عباده، والحمد لله على نعمته.
وكنت قد تزوجت في جزء من شقة والدي -رحمه الله- لعدم وجود إمكانيات غير ذلك، فكان الأمر يحتاج إلى فقه في المعاملة، حتى لا تقع المشاكل التقليدية بين الأم وزوجة ابنها، لاسيما وقد كنت أقرب أولاد أمي إليها -رحمها الله-.
وبحمد الله -تعالى- وفق الله زوجتي ووالدتي لما يحب ثم أُحِبُ من العلاقة الحميمة الوطيدة التي كانت تماماً كعلاقة الأم بابنتها لا بكَنـَّتِها.
وابتلانا الله -تعالى- بعدم الإنجاب أربع سنوات دون سبب ظاهر، فكانت من رحمة الله بنا لندرك بذلك أنواعاً من العبادات والدعوات، أرجو الله أن تكون سبباً في صلاح الأولاد.
ثم كانت فترة التضييق على الدعوة منذ سـنـ1994ـة م، وبحمد الله كانت زوجتي دائماً سبباً في الطمأنينة داخل البيت، وعدم الاضطراب رغم كثرة المشاكل، وكذلك كانت خلال فترة الاعتقال سـنـ2002ـةم. أسأل الله أن يديم علينا نعمته ومنته، وأن يجمعنا يوم القيامة في جنته.


هل يغفل السلفيون دور المرأة في حياتهم ؟ وفي معظم كتاباتهم؟ حيث أنهم لا يتحدثون في حواراتهم عن دور أمهاتهم أو زوجاتهم في حياتهم؟
الحقيقة أن السلفيين لا يغفلون دور المرأة، ولكن كانت مهمتهم الأولى دائما هي تأكيد قضايا التوحيد والإتباع والدعوة والتربية، فكانت أكثر مصنفاتهم في هذا المجال، وأما دور المرأة فغالبا ما يذكر من خلال التراجم.
والإخوة في "الدعوة السلفية" لا يزالون -بحمد الله- أحياء، ولم يترجم لهم حتى يتسنى للناس معرفة دور الأمهات والزوجات والأخوات.
وأنا أعلم أن حضرتك تريد أن تسمع مني في ذلك، وأنا لا أمتنع؛ فكما علمنا السلف من خلال الحديث والسيرة دور زوجات النبي -- وبناته والصحابيات الفضليات، وأوضحوا بما نقلوا لنا علمهن وعملهن وسلوكهن، فلا مانع شرعاً عندنا من ذكر ذلك طالما كان للمصلحة. "
وصيتي لكل أخ له أم أو أب أحياء ألا يترك الفرصة تفوته في الاستمتاع ببرهما.
"
أما أمي -رحمها الله تعالى- "السيدة/ سعاد الطوخي"، فلا أزال إلى يومي هذا حزيناً على فوات الاستمتاع ببرها، فقد كنت -والله- مستمتعا ببرها، أساعدها في غسل الأطباق وعصر الغسيل ونشره وغير ذلك، مستمتعا به، لأنها كانت رحيمة جدا، لو نظرت إلى رَجُلَيْن يتضاربان في الشارع لا تعرفهما لسبقتها دموعها شفقة ورحمة، ومع ذلك كانت واعية قوية لا تضعف عند المحن.
عندما حصل لي اعتقالي الأول في حياتها، وحضروا للمنزل كنت أكفها عن الكلام الغليظ لمن أتوا، ورغم حبها الشديد لي وحرصها علي لم تطلب مني يوما أن أترك الدعوة أو حتى أن أقلل منها.
لقد وقفت معي بكل مشاعرها حين اخترت ترك العمل الحكومي مدة عند مشكلة حلق اللحية والتجنيد، ربما طالبني والدي بحلق اللحية، ولم تطلب هي مني ذلك يوما، بل كانت تشجعني على الخير والطاعة.
ويوم أن التحى د/ جمال -حفظه الله- وكان ذلك قبل امتحانات الماجستير بقليل، وسمع تهديدات وتوعدات بعدم النجاح من أساتذته إن لم يحلق، فاستمر، وكان ذلك بمباركتها وموافقتها.
حسن الخلق، وطيبة القلب سجية فطرية عندها تستوعب كل من حولها، وكما سبق في قصة زواجي، عاملت زوجتي كأنها ابنتها وربما أكثر، ولذا فقد شَعَرَت زوجتي عند فقدها أنها فقدت أمَّاً.
وصيتي لكل أخ له أم أو أب أحياء ألا يترك الفرصة تفوته في الاستمتاع ببرهما.


لم تتحدث من قبل عن أولادك؟ وماذا ترجوه لهم في الدين والدنيا؟ وما هي طريقتك العملية في تربيتهم؟ مع ذكر نماذج عملية في تربية الأولاد مرت بك شخصيا وتحب أن يعرفها القراء؟ كيف يتعامل د/ ياسر الأب مع ابنه المراهق؟
محمد ابني الأكبر عمره 15 عاما في الصف الثاني الثانوي حفظ القرآن، وإن كنت أرجو له مزيد الإتقان فيه، وأرجو له أكثر صدق الالتزام، والعمل بالقرآن، وطلب العلم، والاجتهاد في العبادة، حتى يكون من العباد العاملين الدعاة إلى الله، وأدعو الله أن يوفقه لما فيه الخير له في دنياه وأخراه، فهو يريد أن يدخل كلية الطب، ولا ندري أين الخير، فأسأل الله له ولإخوته خير الدنيا والآخرة ما علمنا منه وما لم نعلم.
أما الحسين فعمره 13عاما في الصف الأول الإعدادي، أرجو الله له التوفيق في طاعته، وأن يعافيه مما يشغل عنها، وأن يوفقه في أن تكون اهتماماته في العلم النافع، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والصحبة الصالحة. "
كثير من الإخوة يطلب أن يكون أبناء الشيوخ وأبناؤهم أيضا مثاليين بلا أخطاء، بل وبلا لهو ولعب!، كيف والمجتمع يؤثر فيهم أكثر مما نؤثر نحن؟، فالتوازن والواقعية في التربية أمر لابد منه.
"
وأما الصغيرة مريم فسبع سنوات في الصف الأول الابتدائي الأزهري، مازالت زهرة بلا شوك، أسأل الله أن يحفظها، ويرزقها من فضله ورحمته عفة وحياءً وحباً لله ورسوله.
وملخص ما أرجوه لهم ما قاله أخونا الشاعر عثمان على لساني في المعتقل:


محمد يا بني دعوت ربـــي

بأن تهدى وبالتقـوى تحـــف

سلامي للحسين من فؤادي
سلام من فؤاد لــــه يــــــرف
دعوت الله أن تحيى سعيدا
مقيما في الصـــلاح وما تكف
فبحر الحب للأبناء جــــــار
فما يخفى الــــوداد وما يجف
مريم ابنتي نور العيــــــون
لها مني نصـيحة لـم تـــــزف
أذكرها الحياء مع العفـــاف
وأرجـــــــوها عن الدنيا تعف





وأما عن مثال لموقف تربوي: فأنا أحاول أن أحقق لهم التوازن بين الجد واللعب، حسب ما يقتضيه سنهم، فلا أمنعهم من مباح ممكن، مع عدم التفريط في واجبات دينهم ودراستهم.
وإن كان الأمر ليس سهلاً، ولكني أحاول استيعاب الموقف خاصة مع كثرة الممنوعات لدينا، والتي لا نستطيع أن نفرط فيها، فلا يوجد لدينا تليفزيون، ولكن يوجد كمبيوتر، ولا يمكن السماح بالسينما ولا بالشواطئ في فترات الازدحام والصيف والاختلاط والمنكر.
ولكن توجد رحلة سنوية للإجازة، ورحلات أسمح بها مع زملائهم ومدارسهم، وهم يلعبون بالمنزل فهذه طاولة الصالون والنجفة مكسرة من لعب الكرة، وأمهم حزينة لذلك، ومع ذلك لابد لهم من اللعب.
وكثير من الإخوة يطلب أن يكون أبناء الشيوخ وأبناؤهم أيضا مثاليين بلا أخطاء، بل وبلا لهو ولعب!، كيف والمجتمع يؤثر فيهم أكثر مما نؤثر نحن؟، فالتوازن والواقعية في التربية أمر لابد منه.
وفي البداية والنهاية الدعاء والتضرع إلى الله أن يكونوا صالحين من أهل الجنة.


كيف يتعامل د/ ياسر الأب مع ابنه المراهق؟ "
إن التربية بالحب وتنميته بالمشاعر الصادقة بين الطرفين هو أعظم أهمية من التوجيه المباشر والنصيحة الجافة
"
مرحلة المراهقة مرحلة حساسة جدا وتعاملي مع الأولاد فيها أجتهد فيه أن أبتعد عن العنف، ومحاولة الدفع غير المباشر إلى صحبة صالحة بعيدا عن أصدقاء السوء، مع التوازن والواقعية كما ذكرتهما في الإجابة السابقة، والتي يدل عليهما قول عائشة -رضي الله عنها-: (فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ).
ثم إن التربية بالحب وتنميته بالمشاعر الصادقة بين الطرفين هو أعظم أهمية من التوجيه المباشر والنصيحة الجافة التي يسديها البعض لأولادهم كأوامر عسكرية من قائد لجنوده في حالة حرب وطوارئ مستمرة، تجعل المنزل عند الأولاد كمعتقل يلزم الفرار منه، أرجو من الله أن أنجح.
وهناك سلسة شرائط "كيف نفهم المراهقين" للشيخ محمد إسماعيل. في فن التعامل مع المراهقين، وكتاب الشيخ سعيد عبد العظيم "الإشكالية المعاصرة في تربية الطفل المسلم" يمكن الرجوع إليهما.


كيف بدأ حبك للدين؟ وما هو أثر الوالدين في ذلك؟ وهل كان لمحنة والدك وعمك مع الإخوان سنة 1965 أثر في نشأتك الإسلامية؟
حب الله ورسوله -- وحب دينه فطرة إنسانية في قلب كل منا، غذَّاها الوالد -رحمه الله- وتوجيهه للأسرة كلها نحو الالتزام بالدين، ثم كان الوالد -رحمه الله- صديقاً لي لاسيما حيث كانت شدته التي عـُرف بها قد خفت أو زالت بتقدم السن، وكنت أنا أصغر إخوتي فانتفعت جدا بمصاحبته. وأنا قد اخترت استعمال لفظ الصديق إرشادا للآباء، فإن هذه الصداقة والمصاحبة لها أعظم الأثر في تكوين شخصية الابن.
ورغم أنه بسبب ما مر به من محن كان متحفظاً على بعض صور الالتزام، لكن كان يعوض هذا التحفظ جرأة الوالدة -رحمها الله- في هذا الجانب، وحبها الشديد الذي كان مؤيداً لي على طول الطريق.
وعلى سبيل المثال فصلاة الفجر في المسجد لم يكن يعرفها في ذلك الزمن إلا من خرج على المعاش، وربما بلغ السبعين، وأتذكر حينما كنت أدخل المسجد لصلاة الفجر لم يكن يصلي إلا حوالي الخمسة أو الستة سنهم من 60-80 سنة، فكان الوالد متحفظا على صلاة الفجر في المسجد خوفا علي، حيث أنه كان في تلك الأيام من يفعل ذلك يعدُ رجعيا على اصطلاح ذلك الزمان، ولكن سرعان ما أصبح هو يصلي الفجر في المسجد، ويوقظني إذا تأخرت وكذا الوالدة والحمد لله.
وكذا قضية اللحية، اعترض أولاً، ثم أطلق لحيته بعد ذلك، فكان اعتراض الوالد لا يصل إلى حد الغضب أو الخصام أو حتى التعنيف -والحمد لله-.
ثم كانت محنة عمي "د/برهامي" أشد أثراً على الأسرة كلها، فقد اعتقل والدي أولاً أيام سـنـ1965ـة، ولما خرج وجد عمي الذي يعتبره ابنا له بالتربية قد اعتقل، فكان يبكي بكاء شديداً خوفاً عليه مما يحدث، وأنا لا أزال أتذكر صورته إلى الآن، وكنت قد بلغت السابعة، فطلب مني المحافظة على الصلاة والدعاء أن ينجي الله عمي "برهامي".
وكنت أنا وعمي شريكان في سرير واحد قبل اعتقاله، فكان هذا الاضطهاد - الذي لا سبب له إلا مجرد التزام جزئي بالدين - من أكبر المؤثرات في دفعي نحو التدين خصوصاً أن هذا الاعتقال استمر خمس سنوات.
وكنا نزوره خلالها في مزرعة "طره"، ولا أزال أتذكر صوراً من هذه الرحلات حين كنا نمشي في حر الشمس حوالي 3كم. لم تكن هناك وسيلة انتقال داخلية في السجن مثل "الطفطف" في هذه الأيام، بل نحمل الزيارة هذه المسافة حتى نلتقيه لساعة أو ساعتين، وذلك بعد حوالي سنتين من الاعتقال دون زيارة حيث كانت ممنوعة، ثم بعد الزيارة نتغدى في أحد المطاعم غداء شهياً. "
لقد كان داخل الإخوان توجهات سلفية قوية متأثرة بجهود الشيخ "محمد رشيد رضا" الذي كان أستاذاً للشيخ "حسن البنا"، وكذا جهود الشيخ "حامد الفقي"، والشيخ "محب الدين الخطيب"
"
وكان لثبات عمي -حفظه الله- والروح المعنوية العالية التي كان وهو وإخوانه يتمتعون بها الأثر الكبير في هذه النشأة.
وكان عمي يلخص كتابي "سبل السلام" و"المغني"، والنسخة التي عندي إلى الآن من "زاد المعاد" كانت هدية منه للوالد.
لقد كان داخل الإخوان توجهات سلفية قوية متأثرة بجهود الشيخ "محمد رشيد رضا" الذي كان أستاذاً للشيخ "حسن البنا"، وكذا جهود الشيخ "حامد الفقي"، والشيخ "محب الدين الخطيب" الذين يـُعدون من قرناء الشيخ "البنا" رحمهم الله جميعاً.
وأول نسخة رأيتها من كتاب "معارج القبول" كانت أيضاً من عمي.
شقيقتي الدكتورة سناء -رحمها الله- كانت هي وأخرى الطالبتين الوحيدتين المحجبتين في الكلية -حجابا ليس بالشرعي في الحقيقة- ولكنه كان طفرة هائلة في ذلك الوقت- ثم كانت هداية الله -سبحانه وتعالى- قبل هذه الأسباب وبعدها. فالحمد لله.


ظل عمك محبوسا من سنة 1965 وحتى سنة 1970، ثم خرج بعدها لتقترب منه وتتعلم منه، فما هو أثره؟ ولماذا لم يؤدِّ ذلك إلى دخولك الإخوان رغم أن أسرتك كانت إخوانية؟
بعد خروج عمي ظل معنا حوالي سنة أو أكثر إلى أن تزوج، وكنت وقتها في المرحلة الإعدادية، وكان يعلمني بعض التجويد والصلاة من كيفية القعود ورفع اليدين ونحو ذلك.
وبعد زواجه كان تيسير الله لي بأن وجدت كتاب "رياض الصالحين"، فقرأته وعندما وجدت فيه فضل صلاة الجماعة في المسجد بدأت في المواظبة عليها.
وكانت إمكانياتي البدنية ضعيفة، ولا أحسن اللعب، فلم أنشغل بما يشغل الشباب في تلك المرحلة، ووجدت في القراءة، ثم التفوق والدراسة بديلاً عن ذلك، ولم يكن للإخوان في ذلك الوقت أي نشاط أو تنظيم، وكما ذكرت كان عمي متأثرا في الحقيقة بالتوجهات السلفية داخلهم دون تسميات طبعا، ولم يكن هناك تعصب أو محاولة استقطاب، بل كان الإخوان في ذلك الوقت يمثلون روح التدين العام، والاتجاه الذي يستوعب طاقة الشباب.
وكان لكتاب "خصائص التصور الإسلامي ومقوماته" للأستاذ/ سيد قطب أثرا كبيرا في تعميق هذا التوجه، فلذا لم يكن هناك توجه ولا رغبة في الانضمام للإخوان كتنظيم.


حدثنا عن ياسر برهامي الطالب بالمدرسة الثانوية... آمالك... نشاطاتك الدعوية... أفكارك... زملائك في الدعوة... ذكرياتك الجميلة.
ثم جاءت المرحلة الثانوية مؤكدة على نفس التوجه من خلال الاشتراك في الجماعة الدينية بمدرسة اسمها جمال عبد الناصر الثانوية العسكرية، وكانت تحت إشراف الأستاذ -الدكتور حالياً- "شاكر القطان" ذي الاتجاهات الإخوانية، مثل التي ذكرت عن عمي ووالدي، ولم يكن يحجر علينا في شيء، بل كان يمثل لنا الغطاء الآمن للعمل في المدرسة، وكان لمجموعتنا التي شاركت العمل في الجماعة الدينية الأثر الكبير على بعضنا البعض.
كان معي في الفصل 1/2، ثم 2/2، ثم 3/2، وفي الجماعة الدينية أخي الحبيب رفيق العمر، الذي له المنزلة الخاصة جداً عندي "الشيخ/ أحمد حطيبة"، وكان كل منا معيناً للآخر على زيادة العلم والالتزام والدعوة.
ولا أزال أتذكر أبيات شعره التي كتبها لي إهداء لنسخة من الجزء الثامن من الأجزاء الصغيرة من كتاب فقه السنة، وكذلك كنت أكتب له الإهداء على الكتب.
وكذا الأخ الحبيب "د/ مصطفى خليل"، وتوطدت العلاقة جدا بيننا في الدراسة والإجازة الصيفية، ورحلات المدرسة المشتركة وظلت هذه العلاقة -بحمد الله- إلى يومنا هذا، على هذا الحب الذي أرجوه صادقاً خالصاً في الله -تعالى-، وأن يجمعنا يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
أرجو أن يكون لأبنائي مثل إخواني هؤلاء تعاونا على البر والتقوى، وبعداً عن الفساد والمنكرات.
أتذكر يوم أن بلغنا وجوب إعفاء اللحية، وراجعتها من "فقه السنة"، وذلك قبل أن نلتقي بالمشايخ الكرام "د/ محمد إسماعيل"، و"د/ أحمد فريد"، و"د/ سعيد عبد العظيم"، إذ هم يكبروننا بنحو الست سنوات، فنقلت هذا الأمر لإخواني فأطلقنا اللحية جميعاً قبل أن ندخل الجامعة، وكان نجاحنا بتفوق في الثانوية العامة، حيث دخلنا أنا و"د/ مصطفى" كلية الطب، ودخل "د/ أحمد حطيبة" طب الأسنان، والتقينا بإخواننا في الجامعة فكانت مرحلة جديدة من العمل الدعوي وطلب العلم.


كيف ترى بعد عمرك الطويل في الدعوة إلى الله أمثل الأساليب لهداية الشباب وخاصة في مرحلة المراهقة؟
إن من أهم الوسائل لهداية الشباب -بعد التأثير الأساسي للأسرة- الصحبة الصالحة، ويكفي في أهمية ذلك قول الله تعالى في الحديث القدسي: (هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ)، ونصيحة العالم للتائب مِن قتلِ مائة نفس فإنه قال له: (انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ)، ثم مصاحبة الكتاب النافع، وملازمة المسجد، ولعلها كانت -بفضل الله تعالى- من أسباب التزامي، جعلنا الله من المهتدين.


من هو أول داعية نقش في قلبك وجوارحك معاني الإسلام والدعوة والتربية الإسلامية العظيمة،. وهل لنا أن تذكر لنا بعضا من ذكرياتك معه؟
الحقيقة أن زمن الشباب بالنسبة لنا كان عدد الدعاة والشيوخ فيه قليلاً، كما ذكرت في مرحلة الستينات كان الأثر الأول لوالدي وعمي.
وفي السبعينات أذكر خطيباً مؤثرا اسمه "الأستاذ صادق" لا أدري أين هو الآن؟ كان يأتي في الصيف يخطب في مسجد "الشهيد عزت" بجوار منزلنا، وكان أسلوبه يتميز بالسمو الفكري، فكانت تعجبني خطبته.
ثم "الأستاذ/ شاكر القطان" المشرف على الجماعة الدينية، ثم الشيوخ الأفاضل شيوخ "الدعوة السلفية" الحاليين "د/ محمد إسماعيل"، و"د/ أحمد فريد"، و"د/ سعيد عبد العظيم"، و"الشيخ محمد عبد الفتاح" "أبو إدريس".


لماذا اخترت كلية الطب بالذات؟ وهل ترى أن مهنة الطب هي أقرب المهن لخدمة الدعوة الإسلامية دون رياء ولا سمعة؟ "
ولا أشك أن مهنة الطب من أعظم المهن تأثيراً في الناس مع حسن الخلق، وترك الكبر والرياء
"
كنت وأنا صغير كثيراً ما أمرض، وكثيراً ما تذهب أمي بي للأطباء، وكان تعاملهم مختلفا ومتفاوتا، منهم من أحببته، ومنهم من كنت أكره الذهاب إليه، فكانت تحدثني نفسي دائما أن أكون طبيبا، وطبيب أطفال على وجه التحديد، ألاعبهم وألاطفهم، وأخفف عنهم آلامهم، وكبرت معي هذه الرغبة حتى تحققت -بفضل الله-.
ولا أشك أن مهنة الطب من أعظم المهن تأثيراً في الناس مع حسن الخلق، وترك الكبر والرياء، عافانا الله من كل أمراض القلوب.


عيادتك أنت وشقيقك صانع الخير الأستاذ الدكتور/ جمال برهامي , أستاذ الجراحة، وشقيقتك أ.د/ آمال برهامي (أستاذة الجلدية)،. هي العيادة الوحيدة التي قرأت بداخلها يافطة مكتوب عليها كلمات جميلة أعجبتني جدا وهي: "أخي إذا لم تستطع دفع الكشف فلا تستح أن تطلب الإعفاء منه أو بعضه "،. هذه الكلمات هزتني من الداخل؟ فما هي قصة هذه الكلمات؟ ومن الذي تأثرت به من الأطباء في فعل الخير حتى صارت أسرتكم الطيبة علماً في صنع الخير للناس؟
حقيقة هذه الكلمات كتبتها من أول ما افتتحت العيادة سـنـ1984ـةم، ولم تزل هذه نيتي قبل أن أتخرج، لا أتذكر أني وجدتها عند أحد، ولكنها هبة من الله مَنّ بها علي، وأوجدها في نفسي، طبقها معي أخي الحبيب "د/ جمال الدين برهامي" -حفظه الله- الذي أحبه في الله قبل كونه شقيقي؛ فنعم العون كان لي، يوم أن أطلقت لحيتي وقف بجانبي، ووقتها لم يكن هو قد التحى بعد، ثم أطلقها بعد ذلك، ويوم أن رغبت في السفر للعمرة وقف أيضا بجانبي وهو الذي أوصلني إلى الميناء، ودائما كنا معا على الخير -بحمد الله-.
وقد كانت رغبتي عجيبة عند أهل زماننا، حيث كان الحج والعمرة لكبار السن فقط، ولم يكن يطلق لقب (الحاج) إلا على كبار السن.
وأما "د/ آمال" ففي طبعها وفطرتها خدمة الآخرين خصوصاً الضعفاء والفقراء -حفظها الله وسددها-.


بماذا تنصح الطبيب المسلم لكي يجمع بين الدين والدنيا، وأنت من القلائل الذين جمعوا ذلك؛ إذ أن كثيرا من الدعاة الأطباء تركوا الطب وتفرعوا للدعوة؟
أنا أنصح بتنظيم الوقت وتقسيمه بين الواجبات المختلفة، ومع الدعاء وطلب البركة من الله وإعطاء كل ذي حق حقه يمكن الجمع -إن شاء الله- بين الطب والعلم والدعوة إلى الله.


إلى هنا ينتهي الجزء الأول من حوارنا الثري مع الداعية الشهير والطبيب الناجح د/ ياسر برهامي، مع وعد بلقائكم في الجزء الثاني من حوارنا معه قريباً إن شاء الله. وله منا كل الشكر على تفضله بالإجابة على أسألتنا؛ فقد أخذنا من وقته الثمين الكثير والكثير.


فبعد أن لاقى الجزء الأول من حوارنا مع الدكتور ياسر برهامي هذا القبول الواسع، فإنه يسعدنا أن نقدم الجزء الثاني من حوارنا معه، حيث نناقش معه في هذا الجزء ذكرياته في المعتقل، وما هي أهم ما استفاده من مدرسة الابتلاء، ومن هم شيوخه في العلم، وما هو رأيه في الدعاة الجدد، كما يحدثنا كذلك عن آماله وطموحاته، وكلها تنصب على الدين والآخرة.




فهيا بنا نتابع سويا هذا الحوار الثري مع الداعية الدكتور ياسر برهامي.


عشت فترة في السعودية في السبعينات، سمعت فيها من الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي السعودية الأسبق -رحمه الله- فهل تذكر لنا شيئاً عن أهم ما يميز هذا الرجل في العلم ومساعدة الناس وصنع الخير؟ وماذا تقول للذين يسيئون إليه اليوم؟
ـ الشيخ "عبد العزيز بن باز" -رحمه الله- كان طوال الوقت في قضاء حوائج المسلمين، لا يسد بابه عن أحد ولا شفاعته، في فترة الشهور الأربعة التي قضيتها سـنـ1979ـةم في مكة المكرمة كنت مواظباً على حضور مجالسه، وبيته كان مفتوحاً لكل داخل مع الغداء والعشاء مع الشيخ.
ودون طلب منا لما لاحظ مواظبتنا على الحضور والسؤال، بادر إلى دعوتنا عن طريق سكرتيره الخاص إلى الحج ضمن هيئة التوعية الإسلامية، ووفر لنا سكنا في شقق دار الحديث المكية.
"
إن خالفتم الشيخ في بعض الأمور فاعرفوا له قدره، وعلمه، وسبقه، ونفعه للمسلمين.
"






فما الظن بمن كان يطلب منه -رحمه الله-.




ولما حدثت أحداث الحرم المعروفة بفتنة "جهيمان" دخل بعض إخواننا إلى الحرم من باب الاستطلاع، ولم يكونوا من المشاركين في الفتنة، فحبسوا داخل الحرم حتى قبض عليهم وظن أنهم من المشاركين، وقد نجانا الله من ذلك بتزكية "الشيخ ابن باز" -رحمه الله- لمن كان يرغب منا في دخول جامعة أم القرى، فجعلها الله سبب لمعافاتنا، وكنت أيامها مريضاً لا أتحرك فلم أكن أذهب للحرم كما ذهب هؤلاء الإخوة.

وأما من يسيئون إليه، فأقول لهم: اتقوا الله فإن لحوم العلماء مسمومة، وإن خالفتم الشيخ في بعض الأمور فاعرفوا له قدره، وعلمه، وسبقه، ونفعه للمسلمين، واعلموا أن ما أجرى الله على ألسنة المؤمنين من الثناء عليه هو من علامات القبول -إن شاء الله-، وهذه جنازته شاهدة على ذلك. فنسأل الله لهم الهداية، ونسأل الله له الرحمة.



اقتربت من الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- قبل شهرته ووفاته، فهل تحدثنا عن أهم ما يميزه وأبرز خصاله؟ وماذا تقولون للذين لا يعرفون شيئاً عن مرونته في الاجتهاد العصري؟
ـ "الشيخ ابن عثيمين" -رحمه الله- عالم فذ مجتهد من أكثر العلماء المعاصرين علما بالشرع والواقع، ومن أكثر العلماء نفعاً لطلابه ولعموم المسلمين، متواضع زاهد يقبل مناقشة الصغير فضلا عن الكبير، يبدي الاحترام لمن يسمعه.
أذكر أني عرضت عليه مسألة الترتيب في أعمال يوم النحر ورأي الشوكاني في وجوب الترتيب إلا لعذر موافقا للحنفية والمالكية وخلافا للشافعية والحنابلة، -وذلك في سـنـ1979ـةم-، فقال: إن استدلاله استدلال قوي بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، والذي فيه: فما سمعته يُسأل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعضها وأشباهها إلا قال رسول الله : (افْعَلُوا وَلاَ حَرَجَ) رواه البخاري ومسلم،فتقييد الأمر بالنسيان والجهل دون العمد له وجه قوي، هذا كلامه، ورغم صغر سني في ذلك الوقت إلا أنه كان يسمع باهتمام، ويقبل الأخذ والرد ولا يحتقر من أمامه ولو كان صغيراً.
وناقشته في بيع الشقق قبل بنائها.
وناقشته أيضا في مسألة كشف الطبيب على المريضة من النساء هل هو من باب الضرورات أم الحاجات؟
فقال بمنع بيع الشقق قبل بنائها،
"
الذي ورد في مدح العالم المجتهد أو المفتي، الثبات على الحق
"
وأن كشف الطبيب على النساء من الحاجات ولا يلزم أن يكون من الضرورات، بل يجوز مع وجود البديل كطبيبة، ولكن الأولى أن تكشف الطبيبة على النساء، والطبيب على الرجال، وأحسب أن هذا هو ما تقصد بلفظ المرونة.
وإن كنت لا أدري ورود لفظ المرونة أو حتى معناها في مدح العالم المجتهد أو المفتي، بل الذي ورد مدح الثبات على الحق فقلب المؤمن في الحديث الصحيح: (أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا)رواه مسلم، أي مثل الصخر صلابة في الحق.
وإن كان هذا لا يعني إهمال الأدلة الدالة على الرخص عند ثبوتها، وكذلك كان الشيخ -رحمه الله- أحسبه كذلك يدور مع الدليل حيث دار تخفيفا أو تشديدا ومع مراعاة الواقع وحساب المصالح والمفاسد ورعاية الخلاف السائغ في المسائل.


الأستاذ الدكتور/ جمال برهامي شقيقك يحظى بحب ومكانة قد تفوق عند كثير من الناس مكانة الكثير من الدعاة، فما الذي جعله يحظى بهذا الحب الجارف؟، وهل تعلمت منه شيئا؟ وماذا تقول له؟ وهل تذكر شيئا من مواقفه تهديها لبعض أطباء اليوم الذين لا هم لهم سوى جمع المال؟ أو التكبر علي المرضى في المستشفيات؟
ـ أخي الحبيب "د/ جمال الدين برهامي" أظنه قد جعل الله له القبول في قلوب المؤمنين -والله حسيبه ولا أزكيه على الله- أحسبه قد جعل الله له هذه المكانة لشدة حرصه على الطاعة، وحبه للدين وصدق رغبته في نصرته، وإعلاء كلمته، وحبه لخدمة المسلمين حيث كانوا.
أغبطه على ما وفقه الله له من خدمة المجاهدين في الثمانينات عندما سافر ضمن "الوفد الرسمي لنقابة الأطباء" لـ "باكستان" ثم وفد"الهلال الأحمر".
لم يكن يفرق بين أحد من المسلمين بسبب انتمائه، بل كل مسلم له منه نصيب من الخير، لم يعد من هناك إلا براً بأبيه الذي أصر على عودته.
وسبحان الله قدر الله بعد عودته وفاة الوالد بحضوره -رحمه الله-. شديد الورع فيما يخشى أن يكون حراما، بل شبهة، لا يهتم بكلام الناس ولا هيئته عندهم لا يزال يصر على السيارة السيات موديل 81.
لا أظن أستاذا في الجامعة، وليس في كلية الطب غيره يرضى بهذه السيارة، كشفه إلى الآن خمسة عشر جنيها وهو أستاذ مستواه عالمي يتعلم منه الأطباء الأمريكان والألمان، ويحسن ما لا يحسنون.
ما أكثر خدمته للمسلمين؟! أظنه أكثر مني بكثير في هذا المجال، أقول له: زادك الله حرصاً، وتقوى،وهدى، وثباتاً، وعلماً، وإيماناً، وتواضعا، لولا أنه شقيقي لقلت أكثر من ذلك.


ما الأسلوب الأمثل برأيكم للتناصح بين العاملين في الحقل الدعوي لاسيما مع التباين الواضح بين بعض المناهج مما قد يؤدي بالبعض إلى سلوك عنيف بعض الشيء في نصيحته لإخوانه؟ ألا يكفيهم ما يقع من هجوم العلمانيين؟
ـ طريقة النقد الهدام لا نرتضيه أسلوباً لنا ولا لغيرنا في الدعوة إلى الله، ولنتأمل كيف قال النبي -- في ما تنتقد به المسلم قال: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ)متفق عليه، لم يقل النقد ولا الجرح ولا التشهير فضلاً عن الفضيحة والتهم الباطلة دون تثبت.
وإن كان لابد لنا من بيان الحق والرد على الباطل والبدع، لكن بالأسلوب المهذب الراغب في الإصلاح، فإن أصر المخالف على مخالفة الكتاب والسنة، بينا مخالفته بالدليل دون سباب ولا شتم.
ولنتعلم من قول النبي --: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا،)، دون أن يصرح بأسمائهم وقال عن عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين: (مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي) متفق عليه، ولم يسمه --.
فأين هذا مما نسمعه اليوم من تهم بالباطل دون تثبت، ومن هؤلاء من يزعم أنه من أهل الحديث فهل كان أهل الحديث يتهمون الناس دون تثبت؟
"
يجب بيان خطأ من أخطأ، لكن بالعدل والإنصاف وصدق الرغبة في الإصلاح لا الهدم.
"





وأنا أنصح إخواني وجميع الدعاة بالتحري والتثبت، ثم عفة اللسان، وصدق النصيحة للمسلمين خاصة الدعاة إلى الله.



وليس يعني ذلك عصمة الدعاة أو عدم نقدهم أو بيان خطأ من أخطأ منهم، لكن بالعدل والإنصاف وصدق الرغبة في الإصلاح لا الهدم، وبحب أن يجري الله الحق على ألسنتهم، وليس بصيد الأخطاء لهم، فإن لم يجد عد لهم الأخطاء النحوية، أو انتقد شكلهم وهيئتهم كما يفعل البعض.

وعلى الدعاة أن يرجعوا إلى أهل العلم فيما أشكل عليهم، ولا يتسرعوا في الإفتاء لكل ما يعرض عليهم فليس إقبال الناس على الداعية ووعظه وتذكيره بدليل على أنه بلغ مبلغ العلماء والمفتين فلابد من رد الأمور إلى أهل العلم.
أما هجوم العلمانيين فلا نتوقع أن يستجيب الأعداء لمطالبنا، ولا أن يتوقفوا عن مهاجمة الإسلاميين، فإذا كانوا لا يتوقفون عن مهاجمة الإسلام فكيف بالإسلاميين؟!


كم مرة اعتقلت فيها؟ ومتى؟ وما هي ذكرياتك في المعتقل؟ وما أصعب لحظة كانت عليك؟ وما أسعد لحظة مرت عليك بالمعتقل؟ وما أهم المواقف الإيمانية التي لا تنساها والتي شاهدتها أو عشتها في المعتقل؟
ـ اعتقلت مرتين، مرة سـنـ1987ـةم في حادثة محاولة اغتيال "حسن أبو باشا" وزير الداخلية في ذلك الوقت.
والمرة الثانية سـنـ2002ـةم، المرة الأولى كنت مع أخي الحبيب "د/ أحمد فريد" و"الشيخ/ فاروق الرحماني" -رحمه الله- وغيرهم، وكانت المدة حوالي أربعين يوما في سجن "استقبال طرة".
وكان من المعلوم ... لنا تكملة
مردف بكلمات رقيقة لدكتور العفانى
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-27-2010, 11:44 PM
سجودي سجودي غير متواجد حالياً
عضو فضى
 




افتراضي

حاوره وقدم له د.ناجح إبراهيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فبعد أن لاقى الجزء الأول من حوارنا مع الدكتور ياسر برهامي هذا القبول الواسع، فإنه يسعدنا أن نقدم الجزء الثاني من حوارنا معه، حيث نناقش معه في هذا الجزء ذكرياته في المعتقل، وما هي أهم ما استفاده من مدرسة الابتلاء، ومن هم شيوخه في العلم، وما هو رأيه في الدعاة الجدد، كما يحدثنا كذلك عن آماله وطموحاته، وكلها تنصب على الدين والآخرة.
فهيا بنا نتابع سويا هذا الحوار الثري مع الداعية الدكتور ياسر برهامي.



عشت فترة في السعودية في السبعينات، سمعت فيها من الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي السعودية الأسبق -رحمه الله- فهل تذكر لنا شيئاً عن أهم ما يميز هذا الرجل في العلم ومساعدة الناس وصنع الخير؟ وماذا تقول للذين يسيئون إليه اليوم؟
ـ الشيخ "عبد العزيز بن باز" -رحمه الله- كان طوال الوقت في قضاء حوائج المسلمين، لا يسد بابه عن أحد ولا شفاعته، في فترة الشهور الأربعة التي قضيتها سـنـ1979ـةم في مكة المكرمة كنت مواظباً على حضور مجالسه، وبيته كان مفتوحاً لكل داخل مع الغداء والعشاء مع الشيخ.
ودون طلب منا لما لاحظ مواظبتنا على الحضور والسؤال، بادر إلى دعوتنا عن طريق سكرتيره الخاص إلى الحج ضمن هيئة التوعية الإسلامية، ووفر لنا سكنا في شقق دار الحديث المكية.



فما الظن بمن كان يطلب منه -رحمه الله-.
ولما حدثت أحداث الحرم المعروفة بفتنة "جهيمان" دخل بعض إخواننا إلى الحرم من باب الاستطلاع، ولم يكونوا من المشاركين في الفتنة، فحبسوا داخل الحرم حتى قبض عليهم وظن أنهم من المشاركين، وقد نجانا الله من ذلك بتزكية "الشيخ ابن باز" -رحمه الله- لمن كان يرغب منا في دخول جامعة أم القرى، فجعلها الله سبب لمعافاتنا، وكنت أيامها مريضاً لا أتحرك فلم أكن أذهب للحرم كما ذهب هؤلاء الإخوة.
وأما من يسيئون إليه، فأقول لهم: اتقوا الله فإن لحوم العلماء مسمومة، وإن خالفتم الشيخ في بعض الأمور فاعرفوا له قدره، وعلمه، وسبقه، ونفعه للمسلمين، واعلموا أن ما أجرى الله على ألسنة المؤمنين من الثناء عليه هو من علامات القبول -إن شاء الله-، وهذه جنازته شاهدة على ذلك. فنسأل الله لهم الهداية، ونسأل الله له الرحمة.



اقتربت من الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- قبل شهرته ووفاته، فهل تحدثنا عن أهم ما يميزه وأبرز خصاله؟ وماذا تقولون للذين لا يعرفون شيئاً عن مرونته في الاجتهاد العصري؟
ـ "الشيخ ابن عثيمين" -رحمه الله- عالم فذ مجتهد من أكثر العلماء المعاصرين علما بالشرع والواقع، ومن أكثر العلماء نفعاً لطلابه ولعموم المسلمين، متواضع زاهد يقبل مناقشة الصغير فضلا عن الكبير، يبدي الاحترام لمن يسمعه.
أذكر أني عرضت عليه مسألة الترتيب في أعمال يوم النحر ورأي الشوكاني في وجوب الترتيب إلا لعذر موافقا للحنفية والمالكية وخلافا للشافعية والحنابلة، -وذلك في سـنـ1979ـةم-، فقال: إن استدلاله استدلال قوي بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، والذي فيه: فما سمعته يُسأل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعضها وأشباهها إلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (افْعَلُوا وَلاَ حَرَجَ) رواه البخاري ومسلم،فتقييد الأمر بالنسيان والجهل دون العمد له وجه قوي، هذا كلامه، ورغم صغر سني في ذلك الوقت إلا أنه كان يسمع باهتمام، ويقبل الأخذ والرد ولا يحتقر من أمامه ولو كان صغيراً.
وناقشته في بيع الشقق قبل بنائها.
وناقشته أيضا في مسألة كشف الطبيب على المريضة من النساء هل هو من باب الضرورات أم الحاجات؟
فقال بمنع بيع الشقق قبل بنائها، "
وأن كشف الطبيب على النساء من الحاجات ولا يلزم أن يكون من الضرورات، بل يجوز مع وجود البديل كطبيبة، ولكن الأولى أن تكشف الطبيبة على النساء، والطبيب على الرجال، وأحسب أن هذا هو ما تقصد بلفظ المرونة.
وإن كنت لا أدري ورود لفظ المرونة أو حتى معناها في مدح العالم المجتهد أو المفتي، بل الذي ورد مدح الثبات على الحق فقلب المؤمن في الحديث الصحيح: (أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا)رواه مسلم، أي مثل الصخر صلابة في الحق.
وإن كان هذا لا يعني إهمال الأدلة الدالة على الرخص عند ثبوتها، وكذلك كان الشيخ -رحمه الله- أحسبه كذلك يدور مع الدليل حيث دار تخفيفا أو تشديدا ومع مراعاة الواقع وحساب المصالح والمفاسد ورعاية الخلاف السائغ في المسائل.



الأستاذ الدكتور/ جمال برهامي شقيقك يحظى بحب ومكانة قد تفوق عند كثير من الناس مكانة الكثير من الدعاة، فما الذي جعله يحظى بهذا الحب الجارف؟، وهل تعلمت منه شيئا؟ وماذا تقول له؟ وهل تذكر شيئا من مواقفه تهديها لبعض أطباء اليوم الذين لا هم لهم سوى جمع المال؟ أو التكبر علي المرضى في المستشفيات؟
ـ أخي الحبيب "د/ جمال الدين برهامي" أظنه قد جعل الله له القبول في قلوب المؤمنين -والله حسيبه ولا أزكيه على الله- أحسبه قد جعل الله له هذه المكانة لشدة حرصه على الطاعة، وحبه للدين وصدق رغبته في نصرته، وإعلاء كلمته، وحبه لخدمة المسلمين حيث كانوا.
أغبطه على ما وفقه الله له من خدمة المجاهدين في الثمانينات عندما سافر ضمن "الوفد الرسمي لنقابة الأطباء" لـ "باكستان" ثم وفد"الهلال الأحمر".
لم يكن يفرق بين أحد من المسلمين بسبب انتمائه، بل كل مسلم له منه نصيب من الخير، لم يعد من هناك إلا براً بأبيه الذي أصر على عودته.
وسبحان الله قدر الله بعد عودته وفاة الوالد بحضوره -رحمه الله-. شديد الورع فيما يخشى أن يكون حراما، بل شبهة، لا يهتم بكلام الناس ولا هيئته عندهم لا يزال يصر على السيارة السيات موديل 81.
لا أظن أستاذا في الجامعة، وليس في كلية الطب غيره يرضى بهذه السيارة، كشفه إلى الآن خمسة عشر جنيها وهو أستاذ مستواه عالمي يتعلم منه الأطباء الأمريكان والألمان، ويحسن ما لا يحسنون.
ما أكثر خدمته للمسلمين؟! أظنه أكثر مني بكثير في هذا المجال، أقول له: زادك الله حرصاً، وتقوى،وهدى، وثباتاً، وعلماً، وإيماناً، وتواضعا، لولا أنه شقيقي لقلت أكثر من ذلك.



ما الأسلوب الأمثل برأيكم للتناصح بين العاملين في الحقل الدعوي لاسيما مع التباين الواضح بين بعض المناهج مما قد يؤدي بالبعض إلى سلوك عنيف بعض الشيء في نصيحته لإخوانه؟ ألا يكفيهم ما يقع من هجوم العلمانيين؟
ـ طريقة النقد الهدام لا نرتضيه أسلوباً لنا ولا لغيرنا في الدعوة إلى الله، ولنتأمل كيف قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في ما تنتقد به المسلم قال: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ)متفق عليه، لم يقل النقد ولا الجرح ولا التشهير فضلاً عن الفضيحة والتهم الباطلة دون تثبت.
وإن كان لابد لنا من بيان الحق والرد على الباطل والبدع، لكن بالأسلوب المهذب الراغب في الإصلاح، فإن أصر المخالف على مخالفة الكتاب والسنة، بينا مخالفته بالدليل دون سباب ولا شتم.
ولنتعلم من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا،)، دون أن يصرح بأسمائهم وقال عن عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين: (مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي) متفق عليه، ولم يسمه -صلى الله عليه وسلم-.
فأين هذا مما نسمعه اليوم من تهم بالباطل دون تثبت، ومن هؤلاء من يزعم أنه من أهل الحديث فهل كان أهل الحديث يتهمون الناس دون تثبت؟
وأنا أنصح إخواني وجميع الدعاة بالتحري والتثبت، ثم عفة اللسان، وصدق النصيحة للمسلمين خاصة الدعاة إلى الله.
وليس يعني ذلك عصمة الدعاة أو عدم نقدهم أو بيان خطأ من أخطأ منهم، لكن بالعدل والإنصاف وصدق الرغبة في الإصلاح لا الهدم، وبحب أن يجري الله الحق على ألسنتهم، وليس بصيد الأخطاء لهم، فإن لم يجد عد لهم الأخطاء النحوية، أو انتقد شكلهم وهيئتهم كما يفعل البعض.
وعلى الدعاة أن يرجعوا إلى أهل العلم فيما أشكل عليهم، ولا يتسرعوا في الإفتاء لكل ما يعرض عليهم فليس إقبال الناس على الداعية ووعظه وتذكيره بدليل على أنه بلغ مبلغ العلماء والمفتين فلابد من رد الأمور إلى أهل العلم.
أما هجوم العلمانيين فلا نتوقع أن يستجيب الأعداء لمطالبنا، ولا أن يتوقفوا عن مهاجمة الإسلاميين، فإذا كانوا لا يتوقفون عن مهاجمة الإسلام فكيف بالإسلاميين؟!



كم مرة اعتقلت فيها؟ ومتى؟ وما هي ذكرياتك في المعتقل؟ وما أصعب لحظة كانت عليك؟ وما أسعد لحظة مرت عليك بالمعتقل؟ وما أهم المواقف الإيمانية التي لا تنساها والتي شاهدتها أو عشتها في المعتقل؟
ـ اعتقلت مرتين، مرة سـنـ1987ـةم في حادثة محاولة اغتيال "حسن أبو باشا" وزير الداخلية في ذلك الوقت.
والمرة الثانية سـنـ2002ـةم، المرة الأولى كنت مع أخي الحبيب "د/ أحمد فريد" و"الشيخ/ فاروق الرحماني" -رحمه الله- وغيرهم، وكانت المدة حوالي أربعين يوما في سجن "استقبال طرة".
وكان من المعلوم يقينا أننا لا دخل لنا بحادثة الاغتيال، ولذا لم يكن تحقيق ولا سؤال ولا شيء. والله -سبحانه- إذا ابتلى عبده ببلاء لم يستجلبه لنفسه يسر له من أنواع اليسر والراحة والسعادة في هذا البلاء رغم الألم ما لا يخطر بباله، ولقد كانت هذه المرة في رمضان وقضينا العيد في المعتقل.
أتذكر من الطرائف أننا كنا في "عنبر أ" في الدور الرابع، وكان الماء كثيراً ما يقطع عن العنبر كله، فكان الإخوة يعترضون بكل قوة وبهتافات قوية، وذات مرة أخذوا المفتاح من الشاويش عنوة، وفتحوا كل الزنازين، ومن لم يفتح له حاول كسر الأبواب، وكانوا يحرقون الأغطية، وخرج العنبر كله خارج الزنازين -طبعا حدث ذلك قبل المبادرة- ورفضنا نحن الخروج من زنزانتنا.
وكان معنا أحد الإخوة شيخ أزهري كان ينظر من باب الزنزانة فيسمع الهتافات فيقول متهللا: "الأمة صحيت يا ولاد"، فنقول له: "تعال يا شيخ محمد انظر من الشباك الآخر المطل على الساحات المحيطة بالعنابر والأسوار والأبواب المغلقة"، فكنا نرى عربات الأمن المحملة بالجنود وهي تتحرك ناحية العنبر بكميات هائلة لفض التمرد وإدخال الإخوة إلى الزنازين، وكنت أعد عدد الأبواب التي تغلق وراءنا بعد الباب الرئيسي للسجن فكان باب الزنزانة هو الباب رقم 19 فأقول له: "يا شيخ محمد لو فتحنا باب واحد أو اثنين فماذا سنفعل في ال18 أو ال17 الأخرى، هذه محاولة فاشلة".
ومع ذلك استمر التمرد حتى وصلت القوات ونادوا بالميكروفونات، بأنه إذا لم تـَعُد المفاتيح فسيتم إطلاق النار فلم يستجب أحد والحماسة كانت وصلت غايتها، وبالفعل تم إطلاق الرصاص الخرطوشي، ففي لحظة واحدة سكت الجميع وجرى الكل إلى الزنازين وأغلقها على نفسه.
ورغم أننا لم نفتح زنزانتنا، ولم نخرج منها إلا أن العقاب العام كان قد تقرر وقطع الغذاء والكهرباء بالإضافة إلى المياه.
وأخذ السجن كله "علقة ساخنة بالعصا" أعقبها الدخول إلى زنازين انفرادية.
وكانت -بحمد الله- فرصة عظيمة لاستغلال العشر الأواخر من رمضان بدلاً من الضحك المستمر في الزنزانة الكبيرة.
وكان معي الشيخ محمد الأزهري نفسه -اثنان في الزنزانة الانفرادية- فقلت له: الأمة صحيت يا شيخ محمد؟! فقال لي:" دي نايمة وفي سابع نومة".
أما في المرة الثانية سـنـ2002ـةم، فكانت قضيتنا نحن، فكان فيها تحقيق، ولا شك أن أيام التحقيق التي استمرت نحو عشرين يوما لمراجعة خمسة وعشرين سنة من الدعوة كانت أطول أيام العمر فإن ليل السجن وليل المرض طويل.
واستمر الاعتقال بعدها بالنسبة لي نحو السنة، خففه الله علينا بحسن استقبال إخواننا لنا، ثم بحسن صحبتهم.
ولا شك أن إخوة الجماعة الإسلامية خصوصا الأخ "علاء الخولي" -حفظه الله- كانوا نعم العون لنا في هذه الفترة، جزاهم الله خيراً.
ورغم آلام هذه الفترة فقد كانت من أفضل أيام عمري، لا تفوقها إلا فترات الاعتكاف والحج والعمرة، وفيها لحظات لا نظير لها. نسأل الله أن يغفر لنا ويتقبل منا.
أما أسعد لحظة فلا أحددها بالضبط إلا أنها لحظات كان للصلاة ولقراءة القرآن فيها طعم لا يوصف، وكما ذكرت لا نظير لها، فخلاصتها أنها لحظات في الصلاة.
أما عن المواقف الإيمانية فهي نابعة من أن الروح مع البلاء تسمو فوق حدود الجسد، وفوق أسوار السجن حتى ينظر الإنسان إلى العالم صغيراً كما خلقه الله والدنيا لا تساوي شيئا كما هي عند الله، لا تساوي جناح بعوضة، ورؤية ملكوت السماوات والأرض يصعب بغير خلوة وعبادة، ويتعسر في ازدحام الحياة، ويستحيل مع الشهوات والشبهات.
فأين يجد الإنسان الفرصة أحسن من هذا البلاء الذي هو كما ذكرت بغير استدعاء، ثم روح الأخوة العالية التي لا تنمو ولا تكبر إلا في مثل هذه الظروف.
أتذكر موقف أحد إخواننا وقد عدنا من النيابة، وقد أمرت بإخلاء سبيله، واستمر حبسنا فكان في سيارة الترحيلات يبكي على فراق إخوانه، وهو الأخ الحبيب "أحمد الشريف" من العامرية، وكذلك كان كل أخ لحظة مغادرته السجن وحين وداع إخوانه الباقين، أتذكر كيف نمت المحبة بين جميع الإخوة بصورة أظنهم لا يجدون مثلها الآن.
ولا تزال ذكرى هذه الأيام مستقرة في القلوب، حاولت جمعها في كتابي رسائل إلى الأحبة حيث كانت رسائلي إلى الأهل والأولاد خلال هذه المدة معبرة عن المشاعر الإيمانية التي تجول بالقلب.
وأتذكر ليلة قدم "الشيخ سيد حسن العفاني" إلى زنزانتنا، وكيف ملأ العنبر كله مرحاً وسروراً بروحه الطيبة ومواعظه الجميلة وذكرياته التاريخية الحافلة،
ويوم قدم "الشيخ شريف الهواري" وإخوة العامرية والفرصة الطيبة التي حصلت لهم ولنا بانتقالهم إلى عنبرنا، أسأل الله أن يجمعنا يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله.



الجماعة الإسلامية تشعر بالامتنان لكم حيث أنكم أيدتم مبادرتها لمنع العنف فما رأيكم في المبادرة وكتبها، وماذا ترى لتفعيل دورها بين الشباب المسلم؟
ـ لقد كانت فترة عصيبة على الحركة الإسلامية كلها ما بين اغتيال السادات إلى تفعيل المبادرة، لقد كنا نتألم أشد الألم كلما سمعنا عن سفك الدماء المعصومة من المسلمين وما يتبع ذلك من مفاسد وفتن، فكان لابد من وقفة.
وكما كانت الجماعة الإسلامية جريئة في مواجهتها كانت جرأتها أعظم في الاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الحق.
قد يخطئ الإنسان ولكن الخطأ الأكبر أن يصر على ذلك، حين قرأت الكتب الأربعة للمبادرة وجدتها في جملتها تعبر عن فكرنا الذي كنا ننادي به طيلة هذه الفترة، وقد كنت أرسلت إلى حضرتك نسخة من كتابي "فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" من "استقبال طرة" إلى "سجن دمنهور" مع أحد إخواننا من الجماعة وقلت له أن يقول لك: "هذه الرسالة هي الأخت الكبرى للمبادرة إذ أنها ولدت قبلها بعشر سنين "
فكتابة هذه الرسالة كانت موقفا يعبر عن قناعات ومبادئ الدعوة ككل ومنذ نشأتها الأولى من سنين بعيدة.
لقد كانت المبادرة ضرورية لوقف نزيف الدم والفتن والمفاسد المترتبة على مواجهة في غير موطنها وغير زمانها، فبلادنا كانت تحتاج إلى مثل هذا الموقف.
وكان لازما وواجبا علينا أن نؤيدها في جملتها، وأن نشجع إخواننا سواء من كان منهم في الجماعة الإسلامية أو غيرها من الجماعات كإخوة الجهاد على قبول خطوطها العامة وتفعيلها بين الشباب والقيام بمثلها إن لم يكونوا موافقين على بعض ما فيها.
فالحمد لله على تيسير هذه المبادرة، وأظن أن المناقشات العلمية المستمرة المفتوحة الصادقة هي من أهم ما يؤدي إلى تفعيل هذه المبادرة بين الشباب.



ما هي مؤلفاتك؟ وما هو أحبها إلي قلبك؟ وما هي ذكرياتك مع كل كتاب منها؟ وهل تدعو لمؤلفاتك كما تدعو لأولادك؟
ـ أستغفر الله أن يكون لي مؤلفات، وإنما هي محاولات لجمع فوائد وتيسير مسائل بلغة معاصرة وطريقة سهلة، تسهل على إخواني طلبة العلم.
وكان أولها مذكرة التوحيد التي صارت بعد ذلك كتاب "فضل الغني الحميد"، وكان جمعها كمخلص لكتاب التوحيد وشرحه "فتح المجيد"، مع إضافة تعليقات مهمة حول مسائل العذر بالجهل والتوسل والحكم والولاء والبراء والقضاء والقدر
ثم كان "منة الرحمن في نصيحة الإخوان" سـنـ1988ـة ثم "قصة أصحاب الأخدود"،وكذلك مجموعة مقالات "فقه الخلاف"، التي نشرت في مجلة "صوت الدعوة".
ومن أحبها إلى قلبي "رسائل إلى الأحبة"، و"رسائل على طريق النور"، و"قصة يوسف "-عليه السلام- والمنة.
الكتاب الأول فضل الغني الحميد كان الإخوة في "الدعوة السلفية" سـنـ1980ـةم يبحثون عن كتاب مختصر في التوحيد ليدرس للإخوة في لقاءاتهم.
أقترح بعض الإخوة كتاب "دعوة التوحيد" "للشيخ هراس" واقترح البعض "تطهير الجنان" واقترحت "كتاب التوحيد" لأنه شامل لقضايا كثيرة، فاعترض بعض المشايخ، لأنه طويل، ولأن بعض العبارات في الشروح قد تفهم خطأ في أبواب التكفير، وليس فيه ما يوضح قضية العذر بالجهل.
فاقترحت عمل تلخيص له وإضافة المسائل المطلوبة فأسندوا ذلك إلي، فقمت به بحمد الله، ولقي قبولا عاما من الإخوة المدرسين والدارسين وتوسعت فيه بعد ذلك في بعض المسائل حتى وصل إلى الصورة الحالية.
أما كتاب المنة فكان المقصود منه وضع ما يجمع القضايا الكلية التي تميز منهج أهل السنة.
وكان أول مرة يظهر فيها للناس يوم عقد زواجي الأول وزعته على الإخوة الحاضرين كهدية، ثم شرحته بعد ذلك.
أما كتب رسائل إلى الأحبة ورسائل على طريق النور وقصة يوسف -عليه السلام- فهي مؤلفات المعتقل.
وأنا أدعو الله أن يعلمني ما ينفعني، وأن ينفعني بما علمني، فقد دخل في ذلك كتب ودروس وأستغفر الله من الزلل.



ما التطور الذي ترجوه لموقع صوت السلف؟
ـ أرجو الله أن يتسع صوت السلف ليشمل لغات عدة لتوصيل المنهج الإسلامي النقي لشعوب الأرض.
وأن يتسع ليشمل المكتبة الصوتية لدعاة أهل السنة.
وأن يوجد فيه أقسام لمقارنة الأديان ولدعوة أهل الأديان الأخرى للإسلام، وأقسام متخصصة في الرد على أهل البدع ودعوتهم إلى منهج أهل السنة.
وأن أراه من أوسع المواقع انتشارا في العالم.



حدثنا عن بعض ذكرياتك مع الشيوخ د/ محمد إسماعيل، ود / أحمد فريد، ود/ سعيد عبد العظيم، ود/ أحمد حطيبة.
ـ أذكر أول لقاء بفضيلة "الشيخ محمد إسماعيل" في دورة إعداد لمعسكر الجماعة الإسلامية بجامعة الإسكندرية صيف عام 77 بإستاد الجامعة.
حيث درس لنا رسالة في الرد على جماعة التكفير الذين قتلوا الشيخ الذهبي في هذا العام، وأتذكر أنه الذي رشحني لعمل بحث عن قضية التأويل بين السلف والخلف والذي ضمه كتاب فضل الغني الحميد.
أما "الشيخ أحمد فريد" فأول لقاء معه كان في مسجد السلام بسيدي بشر، وكان يقيم بالمسجد وهو أول شيخ قابلته من شيوخ الدعوة، حيث كنت في الثانوية العامة، ثم كانت لنا اللقاءات الدافئة النافعة في توطيد أركان الأخوة بما لا تحققه غيرها وهي لقاءات المحن في مرتي الاعتقال الأولى عام 87 والثانية عام 2002، حيث وجدته في الزنزانة مع الشيخ "شريف الهواري" حيث جدد لي الاعتقال بعد إخلاء السبيل من النيابة.
ومن طرائف المرة الأولى، أننا أفرج عنا في يوم واحد، وكان ترحيلنا في يوم واحد، وكنا معا في "كلبش حديد واحد"، وكانت يد الشيخ رقيقة جدا فاستطاع تخليص يده من القيد الحديدي، وترك القيد في يدي وذلك في قسم ترحيلات الخليفة.
وأما مسيرة العمل الدعوي فهي بفضل الله مليئة بالندوات واللقاءات المشتركة نفعنا الله بها.
أما "الشيخ سعيد عبد العظيم" فكانت لقاءاتي معه في شقته فوق مسجد السلام أسبوعية، نتدارس المسائل الفقهية معا، ونبحث عما أُشكل علينا في الكتب، فكان ذلك من أكبر أسباب التقارب والتوافق والمعرفة الدقيقة لكل منا بالأخر، وفي صقل المعلومات وترجيح المسائل.
ثم كان الشيخ سعيد ولم يزل من أكثر المشايخ تحملا لمسئولية العمل الدعوي، والتواجد والتواصل مع الناس، والواقعية، والبذل والتضحية بالوقت والجهد من أجل استمرار الدعوة.
أما "الشيخ أحمد حطيبة" فهو رفيق العمر كما سبق أن ذكرت زمالتنا في المرحلة الثانوية، ولا يزال أقرب الإخوة إلى نفسي وعلاقتي به وحبي له لا أستطيع أن أحده.
وتبقى العلاقة بهؤلاء المشايخ الأفاضل وغيرهم، والذكريات المشتركة معهم مستعصية على أن تستوفيها كلمات سريعة كتلك، فهي رحلة عمر ورفقة طريق طويل تملؤه الآمال والآلام، والأفراح، والأتراح.
وأسأل الله -تعالى- كما جمعنا في الدنيا على طاعته أن يظلنا بظله يوم لا ظل إلا ظله وأن يجمعنا وإياكم وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا والمسلمين والمسلمات في جنته
وأقول في نهاية حديثي: جزاكم الله خيرا، وسددكم، وهداكم، وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، ورزقنا حبه، وأذاقنا من نعيم قربه.
اليوم هناك دعوة موجودة في الفضائيات والنت والبعض يقول: إنها دعوة بلا تربية فهي ضعيفة الأثر، والدعوة بدون التربية تكون قيمتها بسيطة فما رأيكم في هذه القضية؟
لا شك أن كل مسلم يفرح لكل صور الخير، والدعوة في الفضائيات فيها خير كثير، كما أن فيها دخن ونقص، ولكن في الماضي لم يكن إلا الدخن. حتى ولو كانت الدعوة في الفضائيات ضعيفة الأثر في باب التربية، وليست منعدمة الأثر، فالخير فيها أكثر من الشر.
وعلينا أن نتكامل في تحصيل الخير، لا أن يقطع بعضنا طريق بعض فيه، فالمساجد لابد من التربية فيها، والبيوت أهم، والصداقة والصحبة في الخير أعظم الأمور أهمية، والفضائيات تمهد الطريق، وعلى بعضنا تكملة البناء.
- هل ترى معي أن الأجيال السابقة من المتدينين من كل الجماعات أقوى تدينا وأصلب عوداً وأكثر تمسكاً وفهماً للدين وإخلاصاً له؟ أم ماذا ترون؟
كل جيل فيه سابقون كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (في كل قرن من أمتي سابقون)، فلا نبخس أحداً فضله، لأنه صغير أو التزم حديثاً، كما لا ننسى للسابق فضل السبق، ولا شك أن السير بالليل صاحبه أسبق، فالذي يعمل في جو لم يكن فيه التزام وسط ظلام الفتن وغربة الدين، أفضل ممن دخل في الالتزام بعد أن طلعت شمس الدعوة ودخل الناس في دين الله أفواجاً.
وأظن أن الغربة في زماننا بالنسبة للملتزمين حقاً -لا مظهرياً- ما زالت شديدة، إن لم تكن أشد، لكن الالتزام الحقيقي من الداخل، وتغيير الأحوال الباطنة والأخلاق والسلوك والمعاملات وأداء العبادات من القلب -وهذه حقيقة الالتزام- ليس بالأمر الهين.
فاللحية والقميص رغم صعوبتهما هي أسهل أمور الالتزام، فلو نظرنا إلى المنتديات المسماة بالإسلامية -وبالمناسبة من جنسها جاءت التعليقات المؤلمة على هذا الحوار- لوجدنا كم نحن بحاجة إلى حقيقة الالتزام، وإن كانت هذه الظاهرة ظاهرة على الإنترنت أكثر منها على أرض الواقع، فأظن -بحمد الله- أن أكثر أبناء الاتجاهات الإسلامية ليسوا كذلك، ولا يكنون هذا القدر الكبير من البغضاء والكراهية لبعضهم.
.
وقديماً قال ابن القيم -رحمه الله-: "شيخ الإسلام -يعني الهروي- حبيب إلينا، والحق أحب إلينا منه"، مع أن الهروي له زلات منكرة لا يرتضيها أحد من أهل السنة، وبيـّنها ابن القيم -رحمه الله-، ومع ذلك قال هذه الكلمة في مدارج السالكين.
وأقول لإخواننا الذين يرموننا بالقسوة عليهم أو على جماعتهم: هل سمعتم منا تسمية لمن ننقد كلامهم؟، فنحن -بحمد الله- نجتهد ما استطعنا في استعمال الأسلوب النبوي الكريم: (مَا بَالُ أَقْوَام... )، ولا يصرح بأسمائهم حتى في ابن أبي بن سلول قال: (مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي)، ولم يصرح باسمه، والقرآن في عامة المواطن كذلك، فقال -سبحانه وتعالى-: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ... )(التوبة:58)، وقال -تعالى-: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُو أُذُنٌ... )(التوبة:61)، وقال -تعالى-: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ... )(التوبة:75).
"
فنحن نريد أن نحافظ على علاقة الأخوة الإسلامية وإن اختلفت مواقفنا، ولا يعني ذلك أن نتهاون في الحق أو أن نميع القضايا
"ولو شاء الله لسماهم بأسمائهم، ولكنه لم يفعل، فنحن نجتهد في ذلك قدر استطاعتنا وننصح إخواننا به ونلتمس العذر للمسلمين ما أمكن، ونفرق بين النوع والعين ليس في التكفير فقط، بل أيضاً في التبديع والتفسيق، حتى تقام الحجة وتستوفى الشروط وتنتفي الموانع وتسقط المعاذير.
ولا نرضى بأذية مسلم، ولا نتسبب فيها، وما نُتهم به من الأكاذيب الباطلة في هذا فحسبنا الله ونعم الوكيل، وأنا عن نفسي أسامح من قال ذلك، مع النصيحة له بالتثبت وتجنب سوء الظن، فضلاً عن الغيبة والنميمة، يبقى عليه بينه وبين الله التوبة الصادقة.
وأنا أنصح جميع إخواني بما نصح به أخونا الفاضل "رجب حسن" في كلمته في موقعكم الكريم على مثل هذه التعليقات التي كان أحب إلي أن يستفيد أصحابها من روح الحوار وغرضه، فنحن نريد أن نحافظ على علاقة الأخوة الإسلامية وإن اختلفت مواقفنا، ولا يعني ذلك أن نتهاون في الحق أو أن نميع القضايا، بل نقول الحق وندعو إليه ونعذر المسلمين والله حسيبهم وهو يجازيهم على ما في قلوبهم وأعمالهم وهو أعلم بهم.
ولسنا بالذين ننزل الناس ولا أنفسنا جنة ولا ناراً، والأعمال بالخواتيم، ونحذر على أنفسنا وإخواننا من سوء الخاتمة، ومن الإعصار الذي فيه نار يحرق الجنة التي تجري من تحتها الأنهار، فيها من كل الثمرات، ونعوذ بالله من محبطات الأعمال، ونسأل الله أن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا وأخواتنا والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات زلاتنا وذنوبنا وسيئاتنا.
وجزاكم الله خيراً، وعسى أن تكون الرسالة من هذا الحوار قد وصلت للجميع، وأن يجمعنا الله في الدنيا على طاعته، ويوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
- ألم يأن الأوان لبعض الأخوة السلفيين بمراجعة أنفسهم في هضمهم للدكتور يوسف القرضاوي حقه كعالم مجتهد من علماء المسلمين، وأن يعرفوا قدره العلمي حيث كتب في كل فروع الإسلام وأحيا فقه الإمام العز بن عبد السلام حينما أحيا فقه المصالح والمفاسد وفقه الأولويات وفقه المآلات ونحو ذلك من ألوان الفقه فضلا عن جهده وجهاده في خدمة الدين؟!
أنا أعلم أن دكتور ناجح معجب جدا بالدكتور يوسف القرضاوي، .
ونحن لا يرضينا ما يقوله بعض من ينتسب للسلفية من سب وشتم كأمثال: "الحجر الكاوي والكلب العاوي"، فهذا ليس من هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه ولا السلف الصالح، ولا شك أن هذه الممارسات لابد أن يراجعها أصحابها.
وإن كنا نرى أن المدرسة التي يمثلها د/ القرضاوي في منهج الاستدلال والتي ترى في الاختلاف حجة للمجتهد ينتقي من الأقوال بما يظنه مصلحة واقعية وتسمح بمخالفة النصوص -ولو علم صحتها ودلالتها- قد أخرجت للعالم الإسلامي مسائل خارجة عن حيز الاجتهاد السائغ، وليست بطريقة أهل الحديث، ولا أهل الرأي.
كنحو فتواه بجواز مقاتلة المسلم الأمريكي في صف الجيش الأمريكي المحتل لأفغانستان وقد قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأولَئِكَ مَأواهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرً)(النساء:97)، وقال -تعالى-: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا . وَدُّوا لَو تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أو لِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(النساء:88-89).
وهل يرى الدكتور يوسف لعرب 48 جواز المقاتلة في الجيش الإسرائيلي ضد إخوانهم المسلمين في حماس أو لبنان أو غيرهما؟!!
"




"وكنحو ترحمه على بابا الفاتيكان الأسبق "يوحنا بولس الثاني" عند موته جزاء على ما قدمه لدينه من جهود! فهل يترحم على كافر ويثنى عليه على ما ساهم في نشر الكفر وإقامته في العالم؟؟!! وقد قال -تعالى-: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَو كَانُوا أولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)(التوبة:113).
فنحن نقول: هذا المنهج وهذه المسائل تحتاج لمراجعة من الدكتور القرضاوي مع تقديرنا له ومعرفتنا بمنزلته وأن توزن المصالح والمفاسد بميزان الشريعة الثابتة بالنصوص وتعرف أولوياتها بتقديم ما قدمه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتأخير ما أخره الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحينها بلا شك سيغير كل السلفيين موقفهم وسيراجعون كلامهم.
- ما الذي ينقص الحركة الإسلامية اليوم؟ وما الذي ينبغي على دعاتها عمله لتصحيح مسيرتها وتطويرها إلى الأفضل والأحسن؟
الذي ينقص الحركة الإسلامية مزيد من التربية الإيمانية، ومزيد من العلم النافع، مزيد من الدعوة الواعية، مزيد من التواصل والحب في الله والأدب والتهذيب للسلوكيات.
- ألا ترى معي أن دور المسجد الدعوي والتربوي قد اضمحل كثيرا فما هي الأسباب؟ وكيف يعود المسجد إلى سابق عهده؟
دور المسجد حجر الزاوية في العمل الإسلامي، وحين يوجد المربي، والعالم الرباني، وروح الأسرة الواحدة، والجسد الواحد، والمنهج المستقيم، وترك التعصب الجاهلي، والتقليد الأعمى سوف يعود إلى سابق عهده وزيادة.
- ما هي أهم الأخطاء التي وقعت فيها الحركة الإسلامية في الربع قرن الأخير؟
الشيخ ناجح يريد تأريخاً كاملاً للدعوة الإسلامية، وتحليلاً شاملاً لعملها وفصائلها في هذا الحوار، وهذا يحتاج لمؤتمرات وليس لملاحظات عبد فقير عاجز مثلي.
إن يسر الله بمثل هذه اللقاءات فسوف يكون فيها الخير الكثير، وأظن أن قد سأم الأخوة من كثرة كلامي وطوله، فأسأل الله أن يغفر لي ولكم ولهم وللمسلمين خطيئاتنا وجهلنا وخطأنا وعمدنا وزللنا وعلانيتنا وسرنا وإسرافنا في أمرنا وما علمنا وما لم نعلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا.كلام الشيخ سيد حسين العفانى فى الشيخ



*********

التعديل الأخير تم بواسطة أبو مصعب السلفي ; 04-28-2010 الساعة 02:35 AM سبب آخر: حذف الرابط لعدم وجود هذا الحوار به.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-28-2010, 04:06 AM
أم الزبير محمد الحسين أم الزبير محمد الحسين غير متواجد حالياً
” ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب “
 




افتراضي

جزاكِ الله خيراً
التوقيع



عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ )
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-03-2010, 12:37 PM
سجودي سجودي غير متواجد حالياً
عضو فضى
 




افتراضي

بارك الله فيك يا فاضلة
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-20-2010, 03:03 PM
رحيق الورد رحيق الورد غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 05-31-2010, 07:51 AM
سجودي سجودي غير متواجد حالياً
عضو فضى
 




افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-03-2010, 01:09 PM
سجودي سجودي غير متواجد حالياً
عضو فضى
 




افتراضي

حوار الشيخ ياسر برهامي مع موقع لواء الشريعةد. ياسر برهامي: الهجمة على الإسلام فرصة لاستخراج طاقاتنا للمزيد من الالتزام وحب الله
أجرى الحوار/ أسامة عبد الرحيم
د. ياسر برهامي، داعية إسلامي واسع الشهرة، خاصة بين صفوف التيار السلفي، وهو صاحب رؤية وعلم يضيفه لثقافة الحركة الإسلامية.
وفي هذه السطور نحاور فضيلة الدكتور في جملة هامة من قضايا العمل الدعوي والإسلامي، ليدلي فيها بدلوه، ناصحًا ومضيفاً، وموضحًا للكثير من الأمور التي من شأنها زيادة خبرة وثقافة الشباب المسلم.
وإلى نص المقابلة:
ما هو سر تسارع وتتابع الهجمة على الإسلام، ديناً ومنهجاً ونبياً، بعد أن تبنتها مؤسسات رسمية غربية، وكذلك الفاتيكان، وبعد أن كانت بالأمس القريب مقتصرة على أفراد هنا وهنالك، وما سر تزامنها مع اجتياح العديد من بلدان المسلمين؟ وما هو الرد العملي الناجع عليها في رأيكم؟
هذه الهجمة على الإسلام هي حلقة من هجمات سابقة، أخطأ من يظن أنها كانت مقتصرة على أفراد، بل منذ أظهر الله دينه وكتابه وأهلَ الإسلام على اليهود والنصارى، لا يزال حقدهم على الإسلام والمسلمين وحسدهم ومكرهم، كما بينه الله -تعالى- في كتابه: (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)(آل عمران:69)، (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)(البقرة:109)، والحروب الصليبية المتتابعة هي هجمات وراءها مؤسسات دينية ودنيوية، واحتلال العالم الإسلامي قبل وبعد الحرب العالمية الأولى من ورائه دول ومؤسسات، لا ننسى قول قائدهم حين دخل دمشق عند قبر صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله-: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"، ولكن هذه الهجمة أسفرت عن وجهها القبيح وأعلنت ما كانت تستره بالأمس لأنهم صُدِموا ببقاء الإسلام حياً في نفوس أبنائه ومجتمعاتهم، وفوجئوا بالصحوة الإسلامية تنبعث في كل مكان رغم كل محاولات طمس الهوية، وتبديل الانتماء، ومحاربة الشريعة، وتضييع الولاء للدين، إذا بهم يجدون أنفسهم أمام خصم عنيد لا ينثني. وصراع الحضارات لا تحسمه القوة المادية والعسكرية مهما بلغ التفاوت بين الخصوم فيها.
إنما هو صراع مناهج وأساليب حياة، وهو صراع عقيدة في المقام الأول، والإسلام الذي جاء به جميع الأنبياء قد اضمحل أمامه الباطل عبر العصور مهما بلغ من قوة ظاهرة وانتفاش. فهو وحده المنهج الحق الذي ارتضاه الله لعباده، وهو وحده الذي لا يستطيع الباطل بكل قواه أن يقف أمامه، بل لابد أن يضمحل.
فحضارتهم رغم أنها انتصرت على شعوب العالم، وانتهت تقريباً من الشيوعية بعد النازية والفاشية -مع إنها إفرازات حضارتهم ونتاجها- إلا أنهم لا يستطيعون هزيمة الإسلام، وهو بالفعل يهدد هذه الحضارة من جذورها، ويمثل البديل الحقيقي النافع لشعوب الأرض، وكل يوم يكتسب أرضاً جديدة (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا)(الرعد:41)، وكل يوم يزداد قوة في بلاد المسلمين وفي بلادهم أيضاً، فلذلك تسارعت الهجمة المعاصرة، وأسفرت عن نفسها. وهي تحاول إيقاع الهزيمة بالمسلمين معنوياً بالهجوم على مبادئ الإسلام وشرائعه، وعلى النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ثم عسكرياً باحتلال بلاد المسلمين مرة أخرى بعد فشل المشروع العلماني في أن يكون بديلاً عن الإسلام في بلاد المسلمين.
أما الرد العملي على هذه الهجمات فهو دعوة المسلمين إلى العودة إلى التمسك بإسلامهم فـَهْماً وعملاً وخلقاً ودعوةً، فهذه الهجمات فرصة عظيمة لاستخراج طاقات كامنة في المسلمين نحو مزيد من الالتزام وحب الله -تعالى- ، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولنتذكر أن إسلام حمزة -رضي الله عنه- كان عقب سب أبي جهل للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له حمزة: "أتسبه؟ فأنا على دينه".
فالله يقيض لمن عادى نبيه -صلى الله عليه وسلم- أو طعن فيه أو أبغضه من يقطع دعوته (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)(الكوثر:3). فلو وعى المسلمون حقيقة دينهم وأحسنوا الرد على شبهات أعدائهم، وأدركوا ما هو أغلى من الجواهر والذهب والفضة والدنيا بأسرها من عظمة دينهم وشرائعه لتمسكوا به وما فرطوا فيه، ولما وجد منهم من يجعل الغرب قبلته وتقليده ديدنه.
فالخلاصة أن مزيد العلم والعمل والدعوة والتربية هو أعظم رد على هذه الهجمات.

أين تقف الحركة الإسلامية الآن في مسيرتها؟ وهل قدمت للناس حلولاً لنوازلهم؟ فبعض أبناء الحركة يرفع شعار: "الإسلام هو الحل"، والبعض الآخر يرفع شعار: "الجهاد هو الحل"، ترى ما هو الحل الأمثل من وجهة نظركم للخروج من أزمتنا الراهنة؟ "
الذي أراه أن يرفع الإسلاميون شعار: "الإسلام هو الحق"
"

تـُظلَم الحركة الإسلامية لو طـُلِبَ منها في هذه الظروف حلولاً كاملة لكل نوازل المسلمين، وهي إنما تتحرك مضطهدة مطاردة معنوياً وحسياً، لا شيء بأيدي أبنائها إلا اليسير من الكلمات والتوجيهات،، وإنما الذي تستطيعه توصيف الواقع من الناحية الشرعية، وتوضيح المواقف التي ينبغي أن تتخذ من هذه النوازل، وإن عجزت عن تطبيق ذلك بصورة كاملة، فهي لا تزال لا تملك مفاتيح وموازين القوى في بلادها أو العالم، ولعل هذا من الخير لها فإنها مازالت تحتاج إلى تهذيب وتعديل. تحتاج إلى وضوح في الرؤية العقدية والمنهجية فيما تريد أن تقدمه للعالم وفق تصورها عن كيفية تطبيق الإسلام، ثم تحتاج إلى إصلاح وتنقية في السلوك والعمل أفراداً وجماعات.
لا يزال الطريق طويلاً أمامها حتى تصبح مهيأة لقيادة أمتها فضلاً عن العالم، تحتاج إلى إيمان صادق، وعبادة خالصة، وأخلاق سوية، والتزام واعٍ بالحرص على الحلال وتجنب الحرام، فما قدره الله عليها من استضعاف وبلاء هو من الخير لأفرادها وجماعاتها (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)(النساء:19).
أما الشعارات المطروحة فلا أراها تمثل حقيقة المشكلة، فما أسهل رفع الشعارات! وما أصعب تحقيقها في الواقع فهماً ثم عملاًَ!، والذي أراه أن يرفع الإسلاميون شعار: "الإسلام هو الحق"؛ لأن الناس في حاجة إلى الالتزام به سواء حل مشاكلهم الدنيوية أم لم يحلها، سواء جلب لهم الرخاء أو الفقر، فقد يقع للناس ابتلاء من الله رغم التزامهم بالإسلام، فهل سيتركون الدين والالتزام به لأنهم لم يجدوا حلاً لمشاكلهم؟!
فالناس تظن أنها بمجرد رفعها لشعار: "الإسلام هو الحل" سوف تحل كل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا وهم كبير وخطر كبير كذلك. ثم ما هو الفهم المقصود للإسلام الذي يطرح على أنه الحل؟ أهو الإسلام الذي يقبل العلمانية ولا يراها تعارضه كما يقول الأتراك، أم ذاك الديمقراطي المتحرر كما يقول بعضهم؟ وإنما يكفي عند الكثيرين أن نضيف كلمة "إسلامي" لكل صور الحياة مع بقائها على ما هي عليه في الحقيقة. فلابد من تحرير معالم واضحة لهذا الفهم مأخوذة من الكتاب والسنة الصحيحة، في العقيدة والعمل والسلوك، وقضايا الأمة كلها.
أما شعار: "الجهاد هو الحل"، فإننا لابد أن ندرك أن ذروة السنام لا يمكن أن ترتفع إلا على قوائم، فلو أهملنا القوائم التي لم ترتفع بعد، ثم طالبنا الأمة بما هي عاجزة عنه لعدم ارتفاع القوائم، وقلنا لها: فرض عين على كل مكلف أن يقاتل الكفار في عقر دارهم، أو حتى أن يدفعهم عن بلاده وهو عاجز، كلفناه بما لا طاقة له به، فإذا استشعر أنه لابد أن يقوم بشيء من هذا الواجب العيني، قام فنطح رأسه في الصخور، فأدمى نفسه ولم يكسر الصخرة. مع أننا نقر أن الجهاد في بلاد المسلمين المحتلة فرض على كل قادر وفرض على القادرين أن يتعاونوا على إقامته لدفع عدو المسلمين، لكنهم لا يتمكنون من ذلك من غير إقامة القوائم من الإسلام والإيمان والإحسان.

"
ولا تعني المرونة المطلوبة التنازل عن الثوابت والنصوص، وتمرير المشروعات العلمانية والبدعية والانحرافات إلى داخل العمل الإسلامي
"ما مدى تفاؤلكم بمرونة الحركة الإسلامية مع الأنظمة السياسية الحالية؟ وهل تستطيع الحركة بعد صدامات قضت على مشروع بعض فصائلها، وصدامات أخرى تضغط لتقضي على مشاريع قائمة بالفعل، هل تستطيع الحركة الإسلامية رغم هذا أن توازن بين ما هو مفروض وما هو ممكن؟

لابد لأبناء الحركات الإسلامية أن يستوعبوا الدروس التي دفعوا لها ثمناً غالياً من دماء أبنائها وحرماتهم وحرياتهم، بل ومن دعوتهم نفسها، فالله -تعالى- لم يكلفنا إلا ما نقدر عليه (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا)(البقرة:286)، والمعجوز عنه يصبح مقدوراً عليه بعد حين، إذا صدقنا في أدائنا لما نقدر عليه. والصدام غير محسوب العاقبة الذي يترتب عليه سفك الدماء المعصومة وانتهاك الحرمات، ولا يترتب عليه تغيير للواقع ولا إصلاح، بل إفساد، هو من سبيل الغواية لا سبيل الهداية.
ولابد كذلك في المصادمة السياسية -لمن سلك هذا الطريق- من نفس الموازين في المصالح والمفاسد، ولن يجدوا الأبواب مفتوحة لهم لمجرد أنهم لم يرفعوا السلاح، لا بل لابد من مراعاة موازين القوى محلياً ودولياً قبل المشاركة أو المصادمة، حتى لا ندفع الثمن من ديننا أو دعوتنا أو مبادئنا -التي هي من نصوص الكتاب والسنة- في أمر لا يلزمنا ولا يتحقق منه كبير فائدة.
ولا تعني المرونة المطلوبة التنازل عن الثوابت والنصوص، وتمرير المشروعات العلمانية والبدعية والانحرافات إلى داخل العمل الإسلامي كما مررها الاستعمار إلى داخل المجتمعات المسلمة، فلابد من الثبات على المنهج الحق أما الوسائل فهي قابلة للأخذ والرد، والفعل والترك.

تعددت نوازل الأمة ومآسيها من الشيشان إلى أفغانستان ثم السودان والعراق والصومال، وقائمة لا تكاد تنتهي، وكلما تراجعت نازلة أفسحت المجال لأخرى... فهل تراجع مشروع تحكيم الشريعة كعنوان رئيسي على أجندة الحركة الإسلامية لصالح صد العدوان عن بلاد المسلمين؟
تحكيم الشريعة جزء من صد العدوان على بلاد المسلمين، لا يتصور أن يتراجع أحدهما لصالح الآخر، فإنهم لو تنازلوا عنه لأفسح العدو لهم المجال أن يكونوا هم المنفذين لخططه، لكن المشكلة أن كثيراً من الحركات الإسلامية تراجع عندها هذا الهدف تحت ضغط الظروف والمحن والبلاء الذي تمر به هذه الحركات، وهذا خطر عظيم بلا شك. فلا يلزمنا ما لا نقدر عليه من حدود أو حقوق، لكن اللازم علينا أن ننقل الحق إلى الأجيال القادمة ناصعاً كما جاءنا ووصلنا، رغم شدة وشراسة الهجمات السابقة، لكن وصل إلينا صوت الحق. أفبعد أن وصل إلينا صوت الحق ناصعا نلبّسه نحن على من بعدنا؟!
لا يجوز لنا ذلك، وإذا تمكنت طائفة من المسلمين من صد العدوان على جزء من بلادنا، وجب عليها إقامة الحق فيه وليس تأجيله، وتجربة طالبان ثم المحاكم الإسلامية في الصومال تجربة صادقة في هذا المجال، حتى ولو كانت النتائج الحالية غير سارة، فلم تأتنا الهزيمة بسبب إقامة الشرع، وإنما من عند أنفسنا أُتيِنا (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)(آل عمران:165)، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)(الشورى:30)، فبسبب خلل في صفوف هذه الحركات حصل تسلط الأعداء حتى يتم التمحيص، والله المستعان.

تتهمكم بعض الكتابات بالتقصير في خوض غمار العمل السياسي، وأنكم تعدونه رجساً من عمل الشيطان!! وأن السلفية سماؤها سقف المسجد، وفضاؤها جدرانه فقط، كيف تردون على هذه الاتهامات التي توجه إليكم؟ وهل حقاً أن السلفية منشغلة عن المعترك السياسي الإسلامي بالقلم والمحبرة؟ ولا زالت كما يقول البعض: تفترش النص وتلتحف بالأوراق؟!
العمل السياسي في حسنا جزء من ديننا، لأنه يشمل كل نواحي الحياة (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(الأنعام:162-163)، ولكن أي عمل سياسي، وبأي موازين نشارك، إذا كانت موازين القوى العالمية والمحلية تفرض علينا حتى نشارك في عملهم السياسي ولُعبتهم السياسية أن نقبل معطياتهم التي تتناقض مع عقيدتنا ونصوص كتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
هم لابد عندهم من الحرية والمساواة والديمقراطية، ونحن لابد عندنا من عبودية لله -عز وجل- لا نرى بها حقاً لأحد من الخلق أن يتحرر من الرجوع إلى الوحي، لا في عقيدته، ولا في عمله، ولا في سلوكه. ألا ترى إصرارهم في الغرب على الوقوف مع الدانمرك رغم الخسائر الاقتصادية وغيرها من أجل مبدأ الحرية عندهم؟ فقد قبله على ما هو عليه بعض المشاركين الإسلاميين حتى أهوى قلماً لكاتب معروف بالتطاول في قصته التي نال عليها جوائزهم على ذات الرب ثم على الأنبياء واحداً واحداً؛ ليروج بها لفكرة موت الإله ومولد "السوبرمان" وانتهاء الحاجة إلى الدين، ويقول كذلك: إنه لم يزل الشعراء والكتاب الإباحيين والزنادقة لهم مكانهم عبر السيرة الإسلامية فنحن -على كلامه- لن نمنع ذلك. هل يرى أحد من الصادقين جواز دفع هذا الثمن من أجل السماح بالمشاركة مع أنها لم تثمر شيئاً؟!
هم يريدون منا أن نقبل أن المرجعية في التشريع للناس لا لله!! وينصون على ذلك فيقولون: "لو أن الشعب قـَبـِل إلغاء مادة الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع هل تقبلون"؟! هناك من قبل ليشارك. هذه ديمقراطيتهم.
هم يريدون أن يساوي المسلم الكافر في الدنيا والآخرة، ونحن لا نقبل إلا ما دل عليه قول الله: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(القلم:35-36)، بل هم يريدون حذف كلمة الكفر والنفاق من قواميس الاستعمال، وتحل محلها كلمة "الآخر"؛ ليتسع المقام للاحترام والتبجيل والحب والود، والتناصر والتعاون، وسائر صور الموالاة مع الخلاف الذي لا يفسد للود قضية، وقد قـَبـِل الكثيرون ذلك!
فهل نضحي بكلام ربنا من أجل مشاركة لتجميل الصورة، أو لنهرب من ذم الاتهامات التهكمية التي ذكرت؟! نحن نقول: إن وضع أسس البناء في المراحل الأولى هو الواجب وليس الانشغال بلون "السيراميك" وطاقم الحمام في الدور التاسع عشر.
إن طريق التمكين إنما يبدأ بتحقيق العبودية في البيت والأسرة والمسجد والعمل. وإن الاهتمام بالعلم هو أول خطوة في طريق التمكين؛ فالعلم قبل العمل (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)(محمد:19)، ولا يتنافى الاهتمام بالعلم وطلبه مع ما نقرره من أن السياسة من الدين، ولكن العبرة هنا هي أي سياسة المقصودة كما بينا قبل ذلك.

لماذا فضلتم المنهج السلفي، رغم أن الانتماء للإخوان ضارب بجذوره في عائلتكم الكريمة؟!
انتماء الوالد -رحمه الله-، والعم -حفظه الله- للإخوان لم يكن عن تعصب؛ إنما كان لأنها كانت الجماعة الوحيدة على الساحة التي تلبي احتياجات الشباب، وتعايش واقعه وتغيره -إلى حد ما-، ثم إن الحال في زمانهم كان غير الحال فلم أتشرب -بحمد الله- عصبية جاهلية منهما، بل حب الحق والانتصار له، وكان الوالد -رحمه الله- يقبل كل ما نقول له بالدليل، ولا أعلمه مات إلا على عقيدة السلف -رحمه الله-، ولا يزال عمي -حفظه الله- إذا وقع له أمر يحتاج فيه إلى سؤال أو مشورة يقبل ما نقوله له بالدليل، فالمنهج السلفي منهج الكتاب والسنة، وعدم التقليد والتعصب الأعمى مع حب الدين والانتصار له والعمل به ومن أجله، ولا أظن أحداً يخالف في ذلك من جهة المبدأ -فالحمد لله-.
وأما لماذا اخترت المنهج السلفي؟ فالحقيقة أني نشأت في ظروف يـُحارب فيها الدين جملة، وتنشر الاشتراكية والقومية العربية مع الهزائم المتلاحقة والنكسات والنكبات على الأمة التي من أعظمها سقوط القدس في يد اليهود ودخولهم إلى المسجد الأقصى، فكان رد الفعل الدفاعي لكل من يحب الإسلام العودة إلى هذا الدين بمصادره الصافية، ولم يكن ثم مناهج مختلفة، فكان البحث عن الكتاب والسنة، فكان أول كتاب وجدته في مكتبة المنزل رياض الصالحين، ثم فقه السنة، ثم زاد المعاد، -وبحمد الله- هي كتب تستمد جذورها من الكتاب والسنة مباشرة، ثم لما تعددت المناهج واختلفت كان ظاهراً بجلاء أن المنهج الذي يعظم الكتاب والسنة ويستمد منه العقيدة والعمل والسلوك هو المنهج السلفي.
ثم كانت لكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية التي كنت أحرص على قراءتها، وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله- كذلك، أكبر الأثر في تعميق حبي لهذا المنهج؛ لأنه يعظم الدليل ويبني عليه كل مواقفه، ويتخلص من الخرافات وأنواع الغلو، ثم هو منهج شامل يعالج كل القضايا الواقعية من نفس منطلق المرجعية للكتاب والسنة. فقضايا الحكم بالشريعة والولاء والبراء، بالإضافة إلى نبذ عبادة القبور والغلو في أصحابها كلها موضحة في هذا المنهج بالأدلة الواضحة.
ثم كانت لكتابات ابن القيم -رحمه الله- في التهذيب والسلوك جاذبيتها الخاصة التي لا أظن أحداً من أبناء الصحوة الإسلامية المعاصرة يستطيع مقاومتها، أو ينكر أثرها عليه وعلى غيره، مع كون هذا المنهج ينبذ التقليد حتى لهؤلاء الأئمة الكبار، بل يربي أتباعه على قبول الحق من كل من قال به، ونبذ العصبية وجمع القلوب والهمم على نصرة الدين والتعاون على البر والتقوى. "
فلا يلزمنا ما لا نقدر عليه من حدود أو حقوق، لكن اللازم علينا أن ننقل الحق إلى الأجيال القادمة ناصعاً كما جاءنا ووصلنا
"


كيف ترون مستقبل التصالح بين السلفية بما تمثله من تيارات، وبين فصائل دعوية أخرى عاملة على الساحة الإسلامية تخالفكم في بعض النقاط؟ هل هناك إمكانية لالتقاء فصائل العمل الإسلامي المختلفة على منهج عمل وثوابت واحدة تقلل الخلافات وتدعم العلاقات الإسلامية بينها؟ أم أنه حلم بعيد المنال كحلم الغراب بالريش الأبيض؟!!
أرى أن تراجع في هذا كتاب: "فقه الخلاف بين المسلمين" الذي أوضحت فيه حدود خلاف التنوع الذي يجب استثماره، وخلاف التضاد الذي ينقسم إلى خلاف غير سائغ لمخالفة النص من الكتاب أو السنة، أو الإجماع القديم، أو القياس الجلي، وهو الذي يجب محاربته وإزالته. وإلى خلاف سائغٍ غيرِ مصادمٍ للنص أو للإجماع، فهذا يجب احتماله، ويسعنا ما وسع السلف، وسوف تجد في هذا الكتاب أمثلة عديدة لأنواع الاختلاف.

أين أنتم من قنوات البث الفضائي التي تبحث عمن يسد ثغرها الممتد على مدار أربع وعشرين ساعة؟ لماذا لا نرى الداعية "ياسر برهامي" في هذه الفضائيات؟ هل له موقف منها؟ خصوصاً مع دعوى وقف فوضى الفتاوى الفضائية، هل تتركون الساحة الفضائية بثقلها وتأثيرها لفقهاء ودعاة معهد "راند" الأمريكي؟!!
أمر الفضائيات ليس بأيدينا، ولكن الاختيار بين المسجد والفضائيات لا يمكن أن يكون عندي في صالح الفضائيات، فضلاً عن أنها تستهلك وقتا هائلاً، مما قد يدفع الداعية إلى تغيير نظام حياته بما لا يبقى معه شيء لغيرها. وهناك من إخواننا من يؤدي المهمة، وفقهم الله.

بعد مرور أكثر من قرن على ظهور دعوات التغريب والعلمنة، وتأسيس المشروع العلماني في العالم العربي... ما هو تقييمكم لأداء هذا المشروع، وهل ترون أن المشروع الإسلامي هزمه؟ أم لازال الوقت مبكراً لتأكيد ذلك؟
إن المشروع العلماني هو من الباطل بلا شك؛ فهو مضمحل في نفسه تلقائياً، وإنما المسألة أن يجيء الحق في مواجهته فيضمحل (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)(الإسراء:81)، فهذا المشروع قد هُزم هزيمة نكراء من جهة المنهج، فهو لم يستطع أن يحتفظ بأكبر مبادئه في مواجهة المشروع الإسلامي، فهو لا يستطيع تطبيق الحرية المزعومة مع الإسلاميين وإلا انتهى، وهو لا يستطيع تطبيق الديمقراطية على حقيقتها عندهم حتى في مجرد نزاهة صناديق الانتخابات، وهو لا يستطيع تطبيق المساواة؛ فلا يزال الاضطهاد لأهل الإسلام حتى في أعرق الدول العلمانية الديمقراطية، فضلاً عن بلاد الإسلام التي أخذت الاسم دون شيء من الحقيقة، وما معتقلات "جوانتانامو" و"بجرام" و"أبو غريب" عنا ببعيد.
فهذا أدل شيء على فشل هذا المشروع العلماني أن يعجز عن مواجهة المشروع الإسلامي بغير هدم كل مبادئه في حين لا يتنازل أهل الإسلام الحق عن شيء من مبادئهم في مواجهة العلمانية، وهم يحققون كل يوم تقدماً -بإذن الله- على أرض الواقع.
أما متى يهزم المشروعُ الإسلامي المشروعَ العلماني على أرض الواقع حتى تعود الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة؟ فكما ذكرنا في إجابة السؤال السابق هذا مرتبط بمدى تحقيقنا للإيمان والعمل والعبودية.

ما هو موقف الحركة الإسلامية من الحوار الإسلامي مع الغرب، خصوصاً بعد أن قام الفاتيكان علناً بتنصير وتعميد صحفي إيطالي من أصل مصري وبث ذلك حيا على شاشات الفضائيات لدول العالم، مما جعل الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي يصرح يائسا بأن الغرب لا يسعى للحوار مع الإسلام، وأن ما تم الاتفاق بشأنه عبث ثبت فشله؟ "
توضيح صورة الإسلام الحقيقية مطلوب، أما المداهنة والسكوت عن باطلهم، وترك دعوتهم إلى الإسلام فغير مقبول.
"

للحوار الإسلامي مع الغرب -والذي يسمونه حوار الأديان أو الحضارات- حقيقته القائمة، وهي تمييع القضايا، وتقديم التنازلات عبر المساومات الرخيصة، والبحث عن نقاط التقاء لا قيمة لها في الحقيقة؛ لأن شركهم وكفرهم محبط لجميع أعمالهم، فالواجب في مثل هذا الحوار دعوتهم -بالتي هي أحسن- إلى الدخول في الإسلام، وليس اتخاذ موقف المدافع عن الإسلام، الذي يحاول أن يبرئه من أمور هي عندهم تـُهَمٌ، وعندنا فضائل.
فالجهاد مثلاً: هم يرونه تدخلاً في الشئون الداخلية. فالبعض يرد ويقول: هو عندنا جهاد دفع فقط، والحقيقة أننا نرى أن الجهاد بنوعيه -الدفع والطلب- هو حق لشعوب العالم على أمة الإسلام، فرضه الله -تعالى- عليها؛ لتـُزال عبادة الطواغيت من الأرض، الذين يحولون بين الناس ونور الحق، والذين يحرمون الأجيال القادمة من حقها في أن يصلها الإسلام كما أنزله الله.
ومثال آخر في أمر البغضاء والعداوة مع الكفار لأجل كفرهم: كثير من المحاورين يتبرأ منها، والحقيقة أنها جزء من اعتقادنا بنص القرآن (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتحنة:4)، فلا نستطيع أن نقول لهم كما يقولون: "بيننا وبينكم كل مودة"، أو "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية".
فالحوار مطلوب، وتوضيح صورة الإسلام الحقيقية مطلوب، أما المداهنة والسكوت عن باطلهم، وترك دعوتهم إلى الإسلام فغير مقبول. ولا نأمل في أن يعترفوا بالإسلام كدين سماوي -كأحد البدائل- فهذا مطلب ليس بغالٍ، ولا يحقق لنا شيئاً.

ما تقييمكم لتجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا العلمانية؟ وهل أفلح القائمون عليه بعد صراعهم للوصول إلى سدة الحكم والبرلمان في وضع الشريعة على خارطة الطريق؟
أنا متحفظ على تجربة حزب العدالة التركي، وأرى أنه قدم ثمناً باهظاً للحصول على أشياء كان يمكن فرضها على الواقع شاء العلمانيون أم أبوا. فالحزب أعلن مرات أن العلمانية لا تعارض الإسلام، وهذا معناه أن الكفر لا يعارض الإسلام؛ لأن العلمانية التركية علمانية عارية كما ولدت، سوءاتها لا يسترونها. لا يزال عندهم قانون فيه أن الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية جريمة تستحق السجن. الحزب مرر في البرلمان الذي يسيطر عليه إلغاء تجريم الزنا من أجل الحصول على موافقة أوروبا لتركيا للدخول في الاتحاد الأوروبي.
هل يسع مسلماً أن يصوِّت بنعم على إلغاء تجريم الزنا، مع أنه كان في القانون السابق من جنس ما حرفه اليهود في حد الرجم إلى الجلد والتحميم، بل أشد من ذلك، وقد أنزل الله في ذلك: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا)(المائدة:41)، والقاعدة عندنا أن الكفر هو أعظم المفاسد، فلا يصح لمسلم أن يتلفظ بالكفر أو يكتبه أو يفعله لمصلحة راجحة، حتى لو لم تدخل المحجبات الجامعات، فكان الواجب أن نقول: إن فصل الدين عن الدولة بل عن الحياة كلها كفر تحرمه الشريعة وتحظره في أشد درجات الحظر والتحريم.
ثم هل رضي العلمانيون بذلك؟! ها هم يحاولون استخدام العلمانية لهدم حزب العدالة من أصل قيامه، والحقيقة أن الموازين التي تحكم الصراع هي مدى ضرب الحزب بجذوره في أرض المجتمع التركي؛ لذلك أقول: لو كانت الدعوة الحقة ضاربة بجذورها في أرض المجتمع بحيث لا يمكن اقتلاعها، فالقوانين والأحكام القضائية يهون أمرها، ولا ينبغي أن نحترم منها ما أمرنا الشرع بإهداره.

ما تقييمكم لدور المقاومة في فلسطين والعراق الآن، والتي تتخذ الشريعة سنداً لها في مواجهة الطغيان الصهيوني الأمريكي؟ وهل تتشابه عمليات المقاومة ضد الاحتلال في البلاد الإسلامية المنكوبة في التوصيف الشرعي مع مثيلتها في بلد المحتل ذاته كأحداث الحادي عشر من سبتمبر؟
"
لابد أن نحذر من البدع والانحراف في المنهج والغلو والجرأة على الدماء المحرمة، والتكفير بغير سند وحجة،
"المقاومة للاحتلال -انطلاقاً من الشرع- أمر واجب، لا يختلف عليه العلماء، ولقد كانت كل حركات التحرر من الاحتلال في الماضي تتخذ من الشريعة سندا ومرجعا، لكن سرق العلمانيون الثمرة في اللحظات الأخيرة؛ نتيجة عدم وضوح قضية الولاء والبراء في ذلك الوقت لكثير من حركات المقاومة، فقبلت التحالف مع العلمانيين والاشتراكيين وغيرهم. فلنتعلم من الدرس.

ثم لابد أن نحذر من البدع والانحراف في المنهج والغلو والجرأة على الدماء المحرمة، والتكفير بغير سند وحجة، فإن هذه الأمراض من أخطر ما يهدد المقاومة، وكذا التنافس على الرئاسة، والشهوات الدنيوية، أما قياس عمليات المقاومة على مثل أحداث 11سبتمبر فقياس غير صحيح؛ لأن المسلم إذا دخل بلاد الكفار -ولو كانوا محاربين، ولو كانوا محتلين لبلاد المسلمين- إذا دخلها بعهد وأمان -وتأشيرة الدخول لبلادهم عقد أمان عند عامة علماء المذاهب-، لم يجز له نقض هذا العهد، ولا الغدر بهم، وإذا كان لا يمكنه النيل منهم إلا بذلك فليس له ذلك، بل هو عاجز يخاطب بآيات الصبر والصفح.
ولقد دخل النبي -صلى الله عليه وسلم - مكة المكرمة وهي وطنه، وهو والمؤمنون أولياء المسجد الحرام والكفار المحتلون له ليسوا أولياءه، دخل الرسول مكة في عمرة القضية بمقتضى العهد، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، كما كانت يوم الفتح، فما كسر منها شيئا، إنما كسرها لما دخل مكة فاتحا لما نقضوا هم العهد. فضلا عن أن مثل أحداث 11سبتمبر أدت إلى مفاسد جمة للمسلمين في بلادهم، وفي بلاد الكفار التي هي محل للدعوة، كان لابد من حسابها، ولقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لحذيفة لما أمره أن يأتي بخبر الأحزاب: (اذْهَبْ فَأْتِنِى بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلاَ تَذْعَرْهُمْ عَلَىَّ)رواه مسلم، ولقد كان يمكن لحذيفة أن يقتل أبا سفيان -صيد ثمين جداً بمقاييس الموافقين على أحداث 11 سبتمبر والمتبنين لها ولمشروعيتها- ومع ذلك امتنع لقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: (لاَ تَذْعَرْهُمْ عَلَىَّ).
فنقول لإخواننا: لا تغدروا، ولا تذعروهم علينا وعلى المسلمين.
أما في بلاد المسلمين المحتلة فهم دخلوا البلد بقوة سلاحهم لا بعهد ولا أمان، فلا حرمة لأحد منهم فيها.

هل أنتم متفائلون بقيام نهضة إسلامية عالمية في الدخل والخارج من بين براثن هذا الركام وذلك التداعي الأممي على قصعة الإسلام والمسلمين؟ وما هو مستقبل هذا الدين في ظل صراعه مع منتسبيه الجاهلين، ومع أعدائه العالمين بقوته وقدرته على الصمود والصعود؟
يجب علينا أن نوقن بالنهضة الإسلامية وظهور الدين وانتصاره وسط الركام، فإن هذا وعد الله الذي لا شك فيه (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)(الصافات:173)، وستعود الخلافة على منهاج النبوة كما أخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 06-25-2010, 11:52 AM
رحيق الورد رحيق الورد غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي

جزاك الله خيرا نقل طيب ونافع وهادف
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 06-25-2010, 12:12 PM
أم دلال أم دلال غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

جزاك الله خيرا ونفع بكم
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 07-02-2010, 10:41 PM
سجودي سجودي غير متواجد حالياً
عضو فضى
 




افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
ممتعة, مع, مناقشة, برهامي, دكتور, صدقة, و


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 06:45 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.