انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-28-2008, 02:06 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي رسالة جميلة للشيخ حمد الريس في الولاء و البراء

 

هذه عقيدتنا

الكاتب: حمد بن ريس الريس




.poem {font-size:14pt;font-family:'Simplified Arabic';color:rgb(0, 0, 0);}الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين.

وبعد...

فإن خلاصة هذا الدين؛ هي تصحيح العقيدة التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فأخرج بها العباد من الظلمات إلى النور، ومن العمى إلى الهدى، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فمن جحدها أو زاغ عنها فقد ضل سواء السبيل، وعبد هواه من دون الله.

وما زالت هذه العقيدة صافية وخالصة من جميع الشوائب، حتى ظهرت البدع والانحرافات عن المسار الصحيح على أيدي الفرق الضالة التي تنتسب إلى الإسلام، إلا أن الله عز وجل قيض لها من يحميها ويذب عنها على ضوء الكتاب والسنة من العلماء العاملين والدعاة المخلصين.

وإن مما يؤسف له ما يحدث في هذا الزمن، من هجمات متواصلة على نقض عرى الإسلام والتشكيك في أصوله، وهدم بنيانه، والنيل من علماء العقيدة، والولوغ في أعراضهم، واتهامهم بتكفير من لا يستحق ذلك، ووصفهم بالتصلب والغلو في الحكم على الآخرين، ونحو ذلك، نسأل الله العفو والعافية.

وياليت هذا التحامل صادر من جهلة الناس، لكن البلية أن يتفوه بمثل هذا بعض من ينتسب إلى العلم، فصاروا يقللون من شأن علماء الدعوة تارة، وينقضون أقوالهم تارة أخرى، ويرون أن بعض آرائهم لا تتماشى مع واقع أهل هذا الزمن، مراعين أحوالهم السياسية وظروفهم المادية، يبنون أحكامهم على نظريات مستمدة من واقعهم الذي يعيشونه، فيغيرون ويبدلون في الآيات والأحاديث والأحكام الشرعية وفق متطلبات العصر، ومسايرة لما تمليه قوانين البشر.

فيا خيبة لأولئك حين يعرضون على الله عز وجل، في موقف يتبرأ فيه المتبوع من التابع ويتحسرون في النار، وهم يقولون؛ {ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا}.

وسأعرض لك أخي بعضاً مما يجب التنبيه عليه من أصول العقيدة، التي أخل بها كثير من أهل زماننا، سائلاً الله عز وجل أن يمدني بتوفيقه وأن يلهمني الصواب في القول والعمل...


* * *

أولاً:

لقد أجمع العلماء على؛ أن من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم؛ كفر.

غير أننا نرى في هذا الزمن من يخالف هذه القاعدة، متأولين ذلك بأن العصر الذي يعيشونه لا يتلاءم مع واقع الأمة السابق، حيث المتغيرات الزمنية والتطورات الحضارية، فجعلوا من ذلك سلماً إلى تمييع العقيدة، باستعمال أساليب الخنوع والانهزامية مع أعداء الإسلام، سالكين طرقاً شتى في التعامل معهم، غير مراعين في منحاهم ذلك دينهم وعقيدتهم، فتراهم يعلنون "سماحة الإسلام" و "مرونته مع الأديان الأخرى"، بل مساوياً لها، فهي جميعها أديان عدالة ومساواة، ضاربين بالكتاب والسنة عرض الحائط، يشرعون للبشرية كيفما اتفق مع أهوائهم وإرضاء أسيادهم من طواغيت البشر.

وأنهم لم يقرءوا قوله عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، وقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}، وقال عز من قائل: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا * وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليما}.

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار) [رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].

ألم يعلم هؤلاء الذين يفترون على الله الكذب أنهم قد حرفوا وغيروا في دين الله ما لم ينزل به سلطانا؟

فعلى من كانت هذه عقيدته؛ أن يتوب إلى الله من هذا الاعتقاد الفاسد، الذي لا يخلوا عن كونه موافقة للمشركين على دينهم المنسوخ بدين الإسلام، أو تشكيكاً في كونهم كفاراً أو تصحيحاً لمذاهبهم الكافرة، فإن من وقع في واحدة مما ذكر فلا شك عندنا أنه كافر، كما هو إجماع الأمة على ذلك، إلا أن يعلن توبته وولاءه الكامل لله رب العالمين.

فإن المسلم بعيد كل البعد عن محبة الكافرين وتصحيح مذاهبهم وتعظيم أديانهم، حيث أن دينه يملي عليه ذلك، بل يأمره ببغضهم وعداوتهم، وألا يخشى في الله لومة لائم، كما قال تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}.

ومنهم من يتمنى بقاء ملكهم ويدعو لهم بدوام الرخاء والسعادة، وكأنه يخاطب بذلك إخوانه في الدين والعقيدة، ويرى الدخول معهم في مجالسهم التشريعية وبرلماناتهم الكافرة، مخالفاً في ذلك قوله تعالى: {فلا تأس على القوم الكافرين}، وقوله سبحانه عن نوح عليه السلام: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً}، ومتجاهلاً لعنه سبحانه للكافرين كما قال عز وجل: {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيرا}، وقال سبحانه في حق أهل الكتاب: {أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا}، وقال سبحانه: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}.

فعلى المترحمين على أعداء الإسلام؛ أن يتقوا الله ولا يقولوا إلا الحق، قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله.

وترى - مع الأسف - أقواماً يشككون في كفرهم، بحجة؛ عدم معرفة ما هم عليه، أو عدم اعتقاده، من غير تفريق في هذه المسالة بين من ظاهره الكفر وبين من ظاهره الإسلام، وحينما تتأمل في أقوالهم لا تستطيع أن تحكم على الكافر بكفره، ولا على المرتد بردته، وكأن النصوص الشرعية الواردة في هذا المعنى ألفاظ معقدة، لا يمكن الوصول إلى معرفتها إلا عن طريق معرفة ما في القلوب - كما يزعمون - فلا يعتبر في زعمهم من قال؛ المسيح ابن الله أو أن الله ثالث ثلاثة أو أن عزيراً ابن الله؛ مشركاً! كما أن من طاف بالقبور أو سجد للأصنام أو دعا غير الله أو استنجد بالأموات وطلب منهم النفع ودفع الضر؛ لا يعد مشركاً!

فنعوذ بالله من اتباع الهوى وعمى القلب، فليحذر هؤلاء جميعاً من الوقوع فيما يوجب الكفر بالله، من عدم تكفير المشرك، أو التشكيك في كفره، أو تصحيح مذهبه.

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في معنى الكفر بالطاغوت والإيمان بالله: (أن تتبرأ من كل ما يعتقد فيه غير الله من جني أو إنسي أو شجر أو حجر وغير ذلك، وتشهد عليه بالكفر والضلال وتبغضه، ولو كان أباك أو أخاك، فأما من قال؛ أنا لا أعبد إلا الله وأنا لا أتعرض السادة والقباب على القبور، وأمثال ذلك، فهذا كاذب في قول لا إله إلا الله، ولم يؤمن بالله ولم يكفر بالطاغوت) أهـ [الدرر: 1/96].

فتأمل قوله: (وتشهد عليه بالكفر والضلال وتبغضه ولو كان أباك أو أخاك... الخ)، كيف أوجب رحمه الله الشهادة بالكفر؟ ووجوب بغض هؤلاء الكفار وتلك المعبودات من دون الله عز وجل.

ثم تأمل قوله على قول من قال؛ "أنا لا أعبد إلا الله وأنا لا أتعرض السادة والقباب"، إنه كاذب في قول لا إله إلا الله ولم يؤمن بالله ولم يكفر بالطاغوت.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن [الدرر: 1/93]: (أجمع العلماء سلفاً وخلفاً من الصحابة والتابعين والأئمة وجميع أهل السنة؛ أن المرء لا يكون مسلماً إلا بالتجرد من الشرك الأكبر والبراءة منه وممن فعله وبغضهم ومعاداتهم، بحسب الطاقة والقدرة، وإخلاص الأعمال كلها لله، كما في حديث معاذ الذي في الصحيحين؛ "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا").

وقال حسين وعبد الله ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعا: (إن الرجل لا يكون مسلماً، إلا إذا عرف التوحيد ودان به، وعمل بموجبه، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، وأطاعه فيما نهى عنه وأمر به، وآمن بما جاء به، فمن قال؛ لا أعادي المشركين، أو عاداهم ولم يكفرهم، أو قال؛ لا أتعرض أهل لا إله إلا الله، ولو فعلوا الكفر والشرك وعادوا دين الله، أو قال؛ لا أتعرض للقباب، فهذا لا يكون مسلما،ً بل هو ممن قال الله فيهم؛ {ويقولون نؤمن ببعض ٍ ونكفر ببعضٍ ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا}.

والله سبحانه وتعالى؛ أوجب معاداة المشركين ومنابذتهم وتكفيرهم، فقال: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله}، وقال تعالى: {يا أيها الذي آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم}، والله أعلم) أهـ.


* * *

ثانياً:

الإخلال بعقيدة الولاء والبراء، التي هي من أهم قواعد الدين، والفارق بين المؤمنين والكافرين، وقد جاءت النصوص الشرعية مبينة هذه العقيدة مع إجماع هذه الأمة على وجوبها سلفاً وخلفاً.

فقد قال تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده}.

قال ابن كثير في تفسيره على هذه الآية: (يقول تعالى لعبادة المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم؛ {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه}، أي وأتباعه الذين آمنوا معه، {إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم}؛ أي تبرأنا منكم، {ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم}؛ أي بدينكم وطريقكم، {وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً}؛ يعني وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم ما دمتم على كفركم، فنحن أبداً نتبرأ منكم ونبغضكم، {حتى تؤمنوا بالله وحده}؛ أي إلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له وتخلعوا ما تعبدون معه من الأوثان والأنداد).

والآيات الدالة على وجوب موالاة المؤمنين والبراءة من المشركين كثيرة جداً، منها؛ قوله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم... الآية}، وقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة...}، وقال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله).

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (من أحب في الله وابغض في الله، ووالى في الله وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرة صلاته وصومه، حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي أهله) [رواه ابن جرير].

وعن علي رضي الله عنه مرفوعاً: (لا يحب رجل قوما إلا حشر معهم).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تقربوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، والقوهم بوجوه مكفهرة، والتمسوا رضا الله بسخطهمن وتقربوا إلى الله بالتباعد منهم).

وقال عيسى عليه السلام: (تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إلى الله بالبعد عنهم، واطلبوا رضا الله بسخطهم).

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من التمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه واسخط عليه الناس) [رواه ابن حبان في صحيحه].

وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جامع المشرك أو سكن معه فإنه مثله).

وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه؛ بـ (أن لا تراءي نارك نار المشركين، إلا أن تكون حرباً لهم).

ولقد ميز الله سبحانه وتعالى الكافرين عن المؤمنين والمؤمنين عن الكافرين بقوله تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض}، وقال: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله على هذا المعنى: (أن موالاة الكفار بالمواده والمناصرة واتخاذهم بطانة؛ حرام منهي عنها بنص القرآن، قال تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا}، وأخبر أنه إذا لم يكن المؤمنون بعضهم أولياء بعض، والذين كفروا بعضهم أولياء بعض، ويتميز هؤلاء عن هؤلاء، فإنها تكون فتنه في الأرض وفساد كبير، ولا ينبغي أبدا أن يثق المؤمن بغير المؤمن، مهما أظهر من المودة وأبدى من النصح، فإن الله تعالى يقول عنهم: {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء}، ويقول لنبيه: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}، والواجب على المؤمن أن يعتمد على الله تعالى في تنفيذ شرعه، وأن لا تأخذه فيه لومة لائم، وأن لا يخاف من أعدائه، فقد قال الله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}، وقال: {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}، وقال: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم}) أهـ.

وقال ابن القيم رحمه الله: (أنه سبحانه قد حكم ولا أحسن من حكمه، أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم، {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن، كان لهم حكمهم).

وقال ابن عباس: (لا تميلوا إليهم في المودة ولين الكلام).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لا يوجد مؤمن يواد كافرا، فمن واده فليس بمؤمن).

وقال الشيخ حمد بن عتيق: (قد دل القرآن والسنة؛ على أن المسلم إذا حصلت منه موالاة أهل الشرك والانقياد لهم، ارتد بذلك عن دينه).

ويقول ابن حزم: (صح أن قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، إنما هو على ظاهره، بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين).

ومع هذه النصوص وأقوال العلماء البينة الواضحة، فإنك لتعجب من أقوام ينتسبون إلى الإسلام، وهم يحاربون هذه العقيدة بألسنتهم وأقلامهم، هدانا الله وإياهم إلى صراطه المستقيم.

فمنهم؛ من يرى أن عقيدة الولاء والبراء تشدق وتطرف، قد أكل عليها الدهر وشرب، وأنها رجوع إلى الوراء، لا يتماشى مع عصر التطور والتحضر والانفتاح.

ومنهم؛ من يرى ذلك تراثاً متعفناً لا يصح مع حضارة أهل هذا الزمان، ولاشك عندنا في كفر من اعتقد ذلك بإجماع أهل العلم.

كما أن هناك ممن يزعم؛ أن الإسلام لا يختلف مع الأديان الأخرى ولا مع معتنقيها، ليس فيه ما يدل على عداوة الكفار، بل يحث على مودتهم والإحسان إليهم، تعال الله عن ما يقولون علواً كبيرا.

فيا هؤلاء؛ من أين استقيتم كلامك هذا؟! وأي مرجعية تعلمتم منها عقيدتكم؟! وبالله عليكم كيف تواجهون الله عز وجل وقد أعظمتم الفرية وأبعدتم النجعة، تسأل الله لنا ولكم العافية، فأعلنوا توبتكم قبل نزول العذاب واشتداد العقاب، وقبل أن يتقلب أهل النار في النار، يقولون؛ {ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول}، {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيل}.

وإذا كان الله - يا هؤلاء - قد بين وجوب عداوة الكافرين ومنابذتهم سراً وعلانية، فما هو عذركم وأنتم تتبجحون بمثل هذا الكلام؟

ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبغضون من أبغضه الله ورسوله ويعادونهم أشد العداوة، كما مر بك فيما ذكرناه من الآثار.

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (إنا لنصافح أقواماً وقلوبنا تلعنهم).

وفي هذا دليل قاطع على وجوب عداوة الكافر، حتى ولو كان معاهداً يدفع الجزية.

وحديث؛ (إذا لقيتم اليهود والنصارى في طريق فاضطروهم إلى أضيقة)، وأخذ الجزية عن يد وهم صاغرون، والنهي عن إظهار عباداتهم، والتضييق عليهم، لهو دليل قاطع على وجوب منابذتهم وعدم احترامهم، فضلاً عن موالاتهم ومحبتهم.

والله الهادي إلى سواء السبيل.


* * *

ثالثاً:

مظاهرة الكفار ومعاونتهم على قتال المسلمين؛ كفر مخرج عن الملة، حيث أنه ناقض من نواقض الإسلام العشرة، التي أجمع عليها أهل العلم، استناداً إلى ما ورد في الكتاب والسنة من وجوب معاداة الكفار وبغضهم وعدم مناصرتهم على المسلمين، ولو بأقل قليل، ولقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الركون إليهم، وجعل جزاء من فعل ذلك عذاب النار، كما قال تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}، وقال في حق نبيه: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا}.

فانظر إلى هذا الوعيد الشديد لنبيه صلى الله عليه وسلم، لو ركن إليهم ولو شيئاً يسيرا، لتعلم أن الركون إليهم معصية لله ومحادة له وتعظيم لأعدائه.

قال الطبري في تأويل قوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار...}: (يقول تعالى ذكره؛ ولا تميلوا أيها الناس إلى قول هؤلاء الذين كفروا بالله، فتقبلوا منهم وترضوا أعمالهم، فتمسكم النار بفعلكم ذلك، ومالكم من دون الله من ناصر ينصركم وولي يليكم، {ثم لا تنصرون}، يقول؛ فإنكم إن فعلتم ذلك لم ينصركم الله، بل يخليكم من نصرته، ويسلط عليكم عدوكم).

وقال ابن القيم رحمه الله على قوله تعالى: {ولولا أن ثبتناك... الآيتين}: (أي لولا تثبيتنا لك لقد كدت تركن إليهم بعض الشيء، ولو فعلت لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات، أي ضاعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة).

فإذا كان هذا هو ما توعد الله به الراكنين إلى أعدائه، مع كونه شيئاً يسيراًَ، قد لا يتجاوز ميل القلب إليهم، فما ظنك بمن اتخذهم أولياء وأصدقاء من دون المؤمنين وقام بنصرتهم عليهم؟

وكما نهى الله عز وجل نبيه عن الركون إليهم، نهاه أيضاً أن يكون ظهيراً للكافرين، وقال عن موسى عليه السلام: {فلن أكون ظهيراً للمجرمين}، ومظاهرة الكفار، ولو بأقل قليل، ظلم وعدوان ومحادة لله ولرسوله وللمؤمنين.

قال عطاء رحمة الله: (فلا يحل لأحد أن يعين ظالماً، ولا يكتب له ويصحبه، وأنه إن فعل شيئاً من ذلك فقد صار معيناً للظالمين).

وفي الحديث (ينادي مناد يوم القيامة؛ أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة؟ حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما، فيجمعون في تابوت من حديد، فيرمى به في جهنم).

وقال الثوري: (ومن لاق لهم دواة أو برى لهم قلماً أو ناولهم قرطاساً؛ دخل في هذا).

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مشى مع مظلوم ليعينه على مظلمته، ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة، يوم تزل فيه الأقدام، ومن مشى مع ظالماً ليعينه على ظلمه، أزل الله قدميه على الصراط، يوم تدحض فيه الأقدام).

قال الطبري في تفسيره [3/140]: (وأما مظاهرة الكفار على المسلمين، فالمقصود بها أن يكون أولئك أنصاراً وظهوراً وأعواناً للكفار ضد المسلمين، فينضمون إليهم، ويذبون عنهم بالمال والسنان والبيان، فهذا كفر يناقض الإيمان).

وقال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: (وقد أجمع علماء الإسلام؛ على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم، بأي نوع من المساعدة، فهو كافر مثلهم، كما قال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم}).

وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمة الله: (التولي؛ كفر مخرج من الملة، وهو كالذب عنهم، وإعانتهم بالمال والبدن والرأي) [الدرر: 7/201].

قال الشيخ عبد العزيز محمد العبد اللطيف حفظه الله في كتابه "نواقض الإيمان" [ص: 382]: (فالمهم؛ أن مظاهرة الكفار ونصرتهم والذب عنهم، يناقض الإيمان، سواء سمي ذلك تولياً أم موالاة، إن مظاهرة الكفار ضد المسلمين؛ خيانة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، قال تعالى: {ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم...}، إلى قوله: {... ولكن كثيراً منهم فاسقون}، فتولي الكفار موجب لسخط الله تعالى والخلود في عذابه، ولو كان متوليهم مؤمناً ما فعل ذلك) أهـ.

فإذا تبين لك هذا؛ فاعلم أن ما عليه الأمة الإسلامية اليوم منذر بخطر عظيم، على أيدي اليهود والنصارى ومن تحالف معهم من المنافقين المتلبسين بالإسلام، الذين يتولون اليهود والنصارى بشتى أنواع التولي، وإن من عنده إدراك بواقع الأمة يعلم ذلك، فتمكينهم من بلاد المسلمين، وفتح الطريق لهم، وتخذيل أهل العلم عن فضح مخططاتهم، ورمي المجاهدين بأنهم يشعلون فتيل الفتنة، والزج بهم في غياهب السجون، وإعطاء تنازلات في دين الله إرضاء لمطالب الكفار، لهو دليل واضح على تأييدهم ومناصرتهم لهم على أولياء الله وحزبه، فعلى هؤلاء الذين هذه صفاتهم والساكتين عن بيان الحق الذي يكاد أن يندرس وتطمس معالمه، أن ينتظروا جزائهم الذي توعدهم الله به في كتابه، حيث يقول: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم}، وقال تعالى: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحاً وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}.

وهذه سنه الله التي لا تتغير ولا تتبدل في إهلاك الأمم الظالمة، الناكصة عن هدي ربها، وما جاء به المرسلون، فالحذر الحذر من التمادي في مجانبة الحق، وإعطاء الدنية في دين الله لأعداء الله ورسوله.


* * *

ولعلي أختم هذه الرسالة بهذه التوجيهات، نصحاً للأمة، وخروجاً من المسؤلية أمام الله عز وجل، وإن كان ينبغي أن نبين الحق أكثر من ذلك، ولكن خشية الإطالة جعلتنا نقتصر على الإيجاز...

فأول هذه التوجيهات؛ أقدمها إلى حكام المسلمين في كل مكان، مذكراً إياهم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً، فشق عليهم، فاشقق عليه)، وحديث/ (من استرعاه الله رعيه، ثم يموت وهو غاش لرعيته، إلا لقي الله وهو عليه غضبان).

فاحذروا من عذاب الله ونقمته وأليم عقابه، وارفقوا بشعوبكم، ولا تسلموها إلى أعدائكم الذين يبغضونكم، مهما جاريتموهم وتلطفتم معهم، فهم يكرهون المسلم لإسلامه، بل يكرهون كل عربي لأصالته.

وإن الذي يحدث اليوم على أيديكم، من القهر والتعسف والظلم والبطش بمن تحت أيديكم، لهو كاف في تسلط عدوكم عليكم، حيث أن المرء إنما يؤتى من قبل نفسه، والجزاء من جنس العمل، وما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}، وقال تعالى: {وما أصابك من سيئة فمن نفسك}.

ألا تعتبرون أيها الحكام بمن مضى قبلكم؟ قد كانت لهم صولات وجولات، فلما تجبروا وبطشوا وظلموا دمرهم الله بأنواع من العقوبات، ليكونوا عبرة لمن خلفهم، فتأملوا كتاب الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخرن وتصفحوا تاريخ الماضين، ففيهما عظة وعبرة لأولى الألباب.

ولعل من ذلك قصة أصحاب الفيل، حيث أهلكهم الله عز وجل لما أرادوا هدم الكعبة، التي هي محط أنظار المؤمنين في كل مكان، وليس للبشر يد في إهلاكهم وتمزيقهم شر ممزق، ولا تنسوا قول الجبار سبحانه: {وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}، وقوله تعالى: {فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}، وقال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}.

وإنكم - والله - لن تفلتوا من قبضه الله وسطوته، وأنتم على هذه الحال تحاربون الله بأفعالكم، بإرضاء عدوكم، ومحاربة أولياء الله، الذين أذن الله بالدفاع عنهم، ومحاربة من حاربهم، قال تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور}، وقال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا ً}.

وفي الحديث القدسي أن الله عز وجل يقول: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب).

فما تمالئكم مع الأعداء لينجيكم من سخط الله في الدنيا والآخرة، ولا بطشكم ولا جبروتكم ليحفظ عليكم جاهكم وسلطانكم، ولا تلتفتوا إلى من يزينون لكم أعمالكم من علماء السوء والبطانات الفاسدة، فإنهم لن يغنوا عنكم من الله شيئا.

فها هي نذر البلاء والدمار تلوح في الأفق، فإن أردتم الخلاص فعودوا إلى الله وتوبوا إليه، وإن لم تفعلوا، فأذنوا بحرب من الله يصبحكم أو يمسيكم، وعند ذلك لا ينفع الندم، {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله والله بصير بالعباد}.

ثانياً:

إلى العلماء في كل مكان، والدعاة والمصلحين، أناشدكم الله عز وجل، أن تنصحوا لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم، وتتقوا الله حق تقاته، قبل الوقوف بين يديه سبحانه وتعالى فيسألكم عن علمكم، ماذا عملتم به؟

وإن من أعظم ما يهدد كيان الأمة، تمالأ بعض العلماء مع الحكام والإفتاء لهم بما يتماشى مع مصالحهم، دون الرجوع إلى الكتاب والسنة، متذرعين بدرء المفاسد وجلب المصالح، مما جعل هذه القاعدة سلماً يصعد من خلاله إلى المطامع الدنيوية والأغراض الشخصية، ولو أدى ذلك إلى الردة عن الإسلام بمؤاخاة الكافرين ومناصرتهم على المسلمين.

مع أنهم يعلمون؛ أن من ساعد الكفار، ولو بري الأقلام وإعطائهم الورق ليكتبوا فيها ما يريدونه من ظلم وبطش وفتك بالمسلمين، منتصرة لهم، وكما يعلمون أيضاً؛ أن الركون إلى الكفار ولو بالقلب موجب لعذاب النار، فالمصلحة والمفسده ليست مطية تتخذ إلى المقاصد الشخصية.

وتعلمون أيضاً؛ أن أخذ أقوال المخلوق دون الخالق، والحكم بها بدلاً من حكم الله؛ ردة عن الإسلام، ومظاهرة للظلمة على أولياء الله، فمتى يعي هؤلاء ما هم واقعون فيه ويرجعون عن هذا التصرف المفضي إلى هلاك الأمة وحلول الويلات بها؟

وعلى القضاة المخولين للحكم بما أنزل الله؛ أن يحذروا من الجور والظلم بالمدعى عليهم، فإن كثيراً ممن يقبعون في السجون ويعيشون تحت القهر والتعذيب ظلماً وجوراً، إنما هو بسبب حكم الحاكم، فيا ليت هؤلاء يحاسبون أنفسهم قبل الفضيحة بين يدي الله، يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً، قال تعالى: {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}.

ولا يسوغ لأي أحد أن يقول على الله ما لم يقل، وكان حريا بكم أيها العلماء بدلاً من أن تتذرعوا إلى الأهواء بمطية المصلحة والمفسدة، أن تبينوا عقيدة الولاء والبراء، التي هي مله نبينا إبراهيم عليه السلام، وتحذروا الحكام مما يوجب الكفر بالله عز وجل، وتأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر، الذي هو صمام أمان الأمة وحفظ كيانها، من دون مراعاة لأحد في ذلك، وتبينوا أهمية الجهاد في سبيل الله، الذي هو عز الأمة وشرفها، وتربئوا بأنفسكم عن التشبه بأعدائكم في رمي المؤمنين بالتطرف والغلو والأصولية، واتهام المجاهدين بعدم الفهم والإدراك والخروج على الإمام ومعصيته، وتقولون فيهم كما قال أهل الصليب؛ بأنهم "إرهابيون"، وتتجاهلون قوله تعالى: {لأننتم أشد رهبة في صدورهم من الله}، وقوله عز وجل: {وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوا الله وعدوكم}.

وأنتم تعلمون أن المراد بالإعداد في هذه الآية هو الإعداد للجهاد، والقوة هنا هي الرمي، والمراد من ذلك إرهابهم وإخافتهم، وقد نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالرعب، فهم يخافونه ويرهبونه، فعلى من علم هذا أن يحفظ لسانه وقلمه من الخوض في الباطل ومجاراة أعداء الدين في أقوالهم وأفعالهم.

وتتمة للفائدة؛ أسوق لكم معشر العلماء خاصة، وكل من ينشد الفائدة عامة، أمور عدة ذكرها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، تذكيراً للناسي، وتنبيها للغافل، وتعليماً للجاهل، لما يترتب عليه موالاه أعداء الإسلام من الخطر العظيم والبلاء الجسيم.

قال رحمه الله: (قد نهى الله سبحانه عن موالاة الكفار، وشدد في ذلك، وأخبر أن من تولاهم فهو منهم، وكذلك جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أحب قوماً حشر معهم.

ويفهم مما ذكرنا من الكتاب والسنة والآثار عن السلف أمور من فعلها دخل في تلك الآيات، وتعرض للوعيد بمسيس النار، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه.

أحدها؛ التولي العام.

الثاني؛ المودة والمحبة الخاصة.

الثالث؛ الركون القليل، قال تعالى: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا}، فإذا كان هذا الخطاب لأشرف مخلوق صلاة الله وسلامه عليه فكيف بغيره؟

الرابع؛ مداهنتهم ومداراتهم، قال تعالى: {ودوا لو تدهن فيدهنون}.

الخامس؛ طاعتهم فيما يقولون وفيما يشيرون، كما قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}، وقال تعالى: {ولا تطع كل حلاف مهين... الآيات}.

السادس؛ تقريبهم في الجلوس والدخول على أمراء الإسلام.

السابع؛ مشاورتهم في الأمور.

الثامن؛ استعمالهم في أمر من أمور المسلمين، أي أمر كان، إمارة أو عمالة أو كتابة أو غير ذلك.

التاسع؛ اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين.

العاشر؛ مجالستهم ومزاورتهم والدخول عليهم.

الحادي عشر؛ الإكرام العام.

الثالث عشر؛ استئمانهم، وقد خونهم الله.

الرابع عشر؛ معاونتهم في أمورهم، ولو بشيء قليل، كبري القلم وتقريب الدواة ليكتبوا ظلمهم.

الخامس عشر؛ مناصحتهم.

السادس عشر؛ إتباع أهوائهم.

السابع عشر؛ مصاحبتهم ومعاشرتهم.

الثامن عشر؛ الرضى بأعمالهم والتشبه بهم والتزيي بزيهم.

التاسع عشر؛ ذكر ما فيه تعظيم لهم، كتسميتهم "سادات" و "حكماء"، كما يقال للطاغوت "السيد فلان"، أو يقال لمن يدعي علم الطب "الحكيم"، ونحو ذلك.

العشرون؛ السكنى معهم في ديارهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من جامع المشركين وسكن معهم فإنه مثلهم" [رواه أبو داود]).

ثالثاً:

أيها المسلمون، إن الذي تشاهدونه اليوم من تكالب الأعداء وحشد قواتهم، لهو منذر بشر يحيق بالأمة، ولا مخرج منه إلا بعودة صادقة إلى الله عز وجل.

وأحب أن أنبه هنا إلى ما ينبغي للمسلمين أن يتخذونه تجاه هذه الأحداث، من باب التعاون على البر والتقوى، ومحبة المسلم لإخوانه.

فأقول، وبالله أستعين...

1) تصحيح العقيدة، وذلك بالإيمان بأصولها، والعمل بمقتضى ذلك الإيمان، وذلك بتكفير من كفره الله وعدم التشكيك في كفره، والبراءة من جميع المعبودات وأهلها، وإن مناصرة الكفار على المسلمين كفر مخرج من الملة، وإن هذه الأمور وغيرها من المكفرات كلها من لوازم "لا إله إلا الله"، حيث أن من قالها يجب عليه العمل بمقتضاها، ومن لم يفعل فهو كافر حلال الدم والمال، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه)، ولا يفرق في ذلك التكفير بين قريب وبعيد ولا شريف ووضيع، فالحق لا يقاس بالرجال، بل هم الذين يقاسون بالحق.

واعلموا؛ أنه لا دين للمرء مهما كثر صومه وصلاته وحجة وزكاته إلا بسلامة عقيدته، التي أنزلت من أجلها الكتب، وأرسلت من أجلها الرسل، وسلت من أجلها السيوف، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.

2) وجوب الرجوع إلى الله عز وجل، والتجرد من الهوى وطاعة الشيطان، بتحليل الحلال وتحريم الحرام، ونبذ المنكرات، والتعاون على البر والتقوى، وطرح الخلافات وما يسبب الشحناء والفرقة، فإن هذا الأمور سبب في حلول النقمة من الله عز وجل.

فإن الذنوب والمعاصي سبب في نزول البلاء وتسلط الأعداء، وإن الذي تعانيه الأمة اليوم من تحالف أعدائها إنما هو من جراء أفعال العباد، ولن يرفع هذا البلاء وهذه المحنة إلا بالاعتصام بحبل الله والاستمساك بالعروة الوثقى وتحكيم الكتاب والسنة، على الوجه الذي يرضاه سبحانه وتعالى، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}.

3) الإعداد لمواجهة أعداء الإسلام، وذلك بالإقبال على الله عز وجل والتوبة النصوح، ثم العمل بقوله عز وجل: {وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا إنما القوة الرمي...) - ثلاث مرات –

ومع الأسف الشديد أن غالبية المسلمين - ولا سيما في هذا الزمن - لا يعرفون هذا الآية وما المراد منها، لذا تجدهم بعيدين كل البعد عن معرفة أساليب الجهاد، من رماية وكر وفر وغير ذلك، مما تتحتم معرفته على كل مسلم، إذ أن الجهاد واجب من واجبات هذا الدين، بل هو ذروة سنامه.

ونسأل الله بمنة وكرمة أن يصلح أحوال المسلمين، وأن ينصر المجاهدين في سبيله، وأن يخذل أعداء الدين، إنه على ذلك قدير.


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم


كتبه الفقير إلى عفو ربه
حمد بن ريس الريس
9/12/1423هـ
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-27-2008, 08:55 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

بارك الله في الشيخ
وبارك الله ونفع بالناقل
جزيت اخي الفاضل الفردوس الأعلي
وعذرا سأنقل الموضوع الي قسم العقيدة لتتم الاستفادة
ويختم بخاتم التميز
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-30-2008, 05:53 PM
أبو عمر الأزهري أبو عمر الأزهري غير متواجد حالياً
الأزهر حارس الدين في بلاد المسلمين
 




افتراضي

أحسنَ اللهُ إليكَ ياأبا الفداء وجزاك خيرَ جزاء .
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-22-2009, 02:46 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


بارك الله فيكم


نحن بحاجة لمثل هذه الكلمات في هذا الوقت بالذات.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 01-22-2009, 05:29 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

صدقت اخي الكريم
نحن في اشد الحاجة لهذه الكلمات
من هؤلاء العلماء المخلصين
نحسبهم ولا نزكيهم علي الله
ولكن ايضا عليك بالمشاركات التي طالما عودتنا عليها
فهذا من الواجبات عليك في هذه الايام
جزاك الله خيرا
ونفع الله بك
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 06:07 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.