انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


الأسئلة والطلبات إن كان لديك سؤال في اللغة أو إن كنت تبحث عن كتاب بعينه أو عن أي شيء يتعلق باللغة العربية فضع حاجتك هنا حتى يجيبك من كان لديه علم بمسألتك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-28-2007, 02:08 PM
أم سلمة أم سلمة غير متواجد حالياً
عضو جديد
 



افتراضي السلام عليكم

 

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
انا الصراحه كنت ببحث علي كتاب عيون الاخبار لابن قتيبه فلقيته هنا بس معرفتش انزله
ممكن حد يجيبهولي ؟
وجزاكم الله خيرا كثيرا
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-28-2007, 02:21 PM
أبو سيف أبو سيف غير متواجد حالياً
اللهم يامُقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
 




افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

تفضلى هذا هو رابط تحميل الكتاب

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-28-2007, 02:33 PM
أم سلمة أم سلمة غير متواجد حالياً
عضو جديد
 



افتراضي

جزاكم الله خيرا علي المجهود
هو حضرتك انا وصلت للحته دي وحملته بس لما باجي عشان افتحه مش بيفتح
لو ممكن حضرتك تجيب لي جزء كتاب النساء او الزهد كتابه عشان اخده كوبي
وجزاكم الله الفردوس اجرا علي المساعده
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10-28-2007, 02:53 PM
أبو سيف أبو سيف غير متواجد حالياً
اللهم يامُقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
 




افتراضي

كتاب النساء
في أخلاقهن وخلقهن وما يختار منهن وما يكره
للنبي صلى اللّه عليه وسلم
عن مجاهد عن يحيى بن جعدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " تنكح المرأة لدينها وحسبها وحسنها فعليك بذات الدّين تربت يداك". ثم قال: "ما أفاد رجلٌ بعد الإسلام خيراً من امرأةٍ ذات دين تسرّه إذا نظر أليها وتطيعه وتحفظه في نفسها وماله إذا غاب عنها".
لعائشة رضي اللّه عنها وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: لا تدخل المرأة على زوجها في أقلّ من عشر سنين.
قالت عائشة: وأدخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأن بنت تسع سنين.
في أصناف النساء والرجال الأصمعيّ قال: أخبرنا شيخٌ من بني العنبر قال: كان يقال: النساء ثلاث: فهينّةٌ ليّنةٌ عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش على أهلها، وأخرى وعاءٌ للولد، وأخرى"غلٌ قملٌ" يضعه اللّه في عنق من يشاء ويفكّه عمن يشاء. والرجال ثلاثة: فهينٌ ليّنٌ عفيفٌ مسلمٌ، يصدر الأمور مصادرها، ويوردها مواردها، وآخر ينتهي إلى رأي ذي اللّبّ والمقدرة فيأخذ بأمره، وينتهي إلى قوله، وآخر حائرٌ بائرٌ، لا يأتمر لرشدٍ، ولا يطيع مرشداً.
لعلي بن أبي طالب في خير النساء عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: خير نسائكم العفيفة في فرجها، الغلمة لزوجها.
لعروة بن الزبير وعن عروة بن الزّبير قال: ما رفع أحدٌ نفسه بعد الإيمان باللّه بمثل منكح صدقٍ، ولا وضع نفسه بعد الكفر باللّه بمثل منكح سوء. ثم قال: لعن اللّه فلانة، ألقت بني فلان بيضاً طوالاً فقلبتهم سوداً قصاراً.
لبعض الشعراء قال بعض شعراء بني أسد:

وأوّل خبث الماء خبث ترابـه

وأوّل خبث القوم خبث المناكح

لابن زبير، ثم لعمر قال الأصمعيّ: قال ابن زبير: لا يمنعكم من تزوّج امرأةٍ قصيرةٍ قصرها، فإنّ الطويلة تلد القصير والقصيرة تلد الطويل؛ وإياكم والمذكّرة فإنها لا تنجب.
أبو عمرو بن العلاء قال: قال رجل: لا أتزوّج امرأةً حتى أنظر إلى ولدي منها. قيل له: كيف ذاك? قال: أنظر إلى أبيها وأمهّا فإنها تجرّ بأحدهما.
عن ابن ملكية أنّ عمر قال: يا بني السائب، إنكم قد أضويتم فانكحوا في النزائع.
في أنواع النساء
الأصمعيّ قال: قال رجل: بنات العمّ أصبر، والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأبطال كابن أعجميّة.
عن أوفى بن دلهم أنه كان يقول: النساء أربع، فمنهنّ معمع لها شيئها أجمع، ومنهن تبع تضرّ ولا تنفع، ومنهنّ صدع تفرّق ولا تجمع، ومنهن غيث همع إذا وقع ببلد أمرع.
قال الأصمعيّ: فذكرت بعض هذا الحديث لأبي عوانة فقال: كان عبد اللّه بن عمير يزيد فيه: ومنهن القرثع: وهي التي تلبس درعها مقلوباً، وتكحل إحدى عينيها وتدع الأخرى.
لعمر بن الخطاب في ثلاث دواهي عن عليّ بن يزيد قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: ثلاث من الفواقر: جار مقامةٍ، أن رأى حسنةً سترها، وإن رأى سيئةً أذاعها؛ وامرأةٌ إن دخلت لسنتك، وإن غبت عنها لم تأمنها؛ وسلطانٌ إن أحسنت لم يحمدك، وإن أسأت قتلك.
الزبرقان في أحب كنائنه وأبغضهم إليه الأصمعيّ قال: حدّثنا جميع بن أبي غاضرة - وكان شيخاً مسناً من أهل البادية من ولد الزّبرقان بن بدر من قبل النساء - قال: كان الزبرقان يقول: أحبّ كنائني إليّ الذليلة في نفسها، العزيزة في رهطها، البرزة الحييّة التي في بطنها غلام ويتبعها غلام. وأبغض كنائني إليّ الطّلعة الخبأة، التي تمشي الدّفقّى وتجلس الهبنقعة، الذليلة في رهطها، العزيزة في نفسها، التي في بطنها جارية وتتبعها جاريةٌ.
لخالد بن صفوان بلغني عن خالد بن صفوان أنه قال: من تزوجّ امرأةً فليتزوّجها عزيزةً في قومها، ذليلةً في نفسها، أدّبها الغنى وأذّلها الفقر. حصاناً من جارها، ماجنةً على زوجها.
الفرزدق يصف النساء وقال الفرزدق يصف النساء:

يأنسن عند بعولهنّ إذا خلوا

وإذا هم خرجوا فهنّ خفار

لخالد بن صفوان يطلب امرأة، ولآخرين وقال خالد بن صفوان "الدلال": أطلب لي بكراً كثيّب أو ثيباً كبكر، لا ضرعاً صغيراً ولا عجوزاً كبيرة "لم تقر فتحنن ولم تفت فتمحن"، قد عاشت في نعمة وأدركتها حاجةٌ، فخلق النعمة معها وذلّ الحاجة فيها، حسبي من جمالها أن تكون ضخمةً من بعيد، مليحةً من قريب، وحسبي من حسبها أن تكون واسطةً في قومها، ترضى مني بالسنّة، إن عشت أكرمتها وإن متّ ورّثتها.
وقال رجل لصاحب له: ابغني امرأةً بيضاء البياض، سوداء السواد، طويلة الطول، قصيرة القصر. يريد: كلّ شيء منها أبيض فهو شديد البياض، وكل شيء منها أسود فهو شديد السواد، وكذلك الطول والقصر.
وقال آخر: ابغني امرأةً لا تؤهل داراً "أي لا تجعل دارها آهلة بدخول الناس عليها"، ولا نؤنس جاراً "أي لا تؤنس الجيران بدخولها عليهم"، ولا تنفث ناراً "أي لا تنم وتغري بين الناس" قال الأصمعيّ: قال أعرابيّ لابن عمّه: اطلب لي امرأة بيضاء، مديدةً فرعاء. جعدةً، تقوم فلا تصيب قميصهامنها إلا مشاشة منكبيها، وحلمتي ثديها ورانفتي أليتيها ورضاف ركبتيها، إذا استلقت فرميت تحتها بالأترجّة العظيمة نفذت من الجانب الآخر. فقال له ابن عمه: وأنّى بمثل هذه إلا في الجنان!.
ونحو قوله في الأترجّة قوم أمّ زرعٍ: خرج أبو زرعٍ والأوطاب تمخض، فلقي امرأةً معها ولدان لها كالفهدين يلعبان تحت خصرها برمّانتين فطلّقني ونكحها.
في اختيار الجواري وقال آخر: ابغني امرأةً شقّاء مقّاء، طويلة الإلقاء، منهوسة الفخذين، نافحة الصّقلين.
شعر لابن الأعرابي أنشد ابن الأعرابيّ:

إذا كنت تبغي أيّمـاً بـجـهـالة

من الناس فانظر من أبوها وخالها
فإنهما منها كما هي مـنـهـمـا

كقدّك نعلا إن أريد مـثـالـهـا
فإن الذي ترجو من المال عندهـا

سيأتي عليه شؤمهاوخبـالـهـا

في البكر والثيب وكان يقال: البكر كالذّرة تطحنها وتعجنها وتخبزها، والثّيب عجالة راكبٍ تمرٌ وسويقٌ. لابن الأعرابي في تطليق زياد لزوجته وقال ابن الأعرابيّ: طلقّ زيادٌ امرأته حين وجدها لثغاء، وقال: أخاف أن يجيء ولدي ألثغ، وقال:
لثغاء تأتي بحيفـسٍ ألـثـغ

تميس في الموشيّ والمصبّغ

أقوالهم في المرأة ويقال: المرأة غلٌّ فانظر ماذا تضع في عنقك؛ وهو من قول ابن المقفّع: الدّين رقٌّ فانظر عند من تضع نفسك.
أنشد ابن الأعرابيّ:

أحبّ الخلاويّ النزيه من الـهـوى

وأكره أن أسقى على عطشٍ فضلا

يقول: أكره المرأة التي أكثرت الأزواج وإن كنت مضطراً إليها.
خالد الحذاء وامرأة خطبها وعن خالد الحذّاء قال: خطبت امرأةً من بني أسد فجئت لأنظر إليها وبيني وبينها رواقٌ يشفّ، فدعت بجفنةٍ مملوءة ثريداً مكلّلة باللحم فأتت على آخرها، وأتت بإناء مملوءٍ لبناً أو نبيذاً فشربته حتى كفأته على وجهها، ثم قالت: يا جارية ارفعي السّجف؛ فإذا هي جالسةٌ على جلد أسدٍ وإذا شابةٌ جميلةٌ، فقالت: يا عبد اللّه: أنا أسدة من بني أسد على جلد أسد وهذا مطعمي ومشربي، فإن أحببت أن تتقدّم فافعل، فقلت: أستخير اللّه وأنظر. فخرجت ولم أعد.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمّ سليم تنظر إلى امرأة فقال:"شمّي عوارضها وانظري إلى عقبها".
شعر للنابغة وقال النابغة:

ليست من السّود أعقاباً إذا انصرفت

ولا تبيع بجنبي نخـلةالـبـرمـا

وقال الأصمعيّ: إذا اسودّ عقب المرأة اسودّ سائرها.
رد علي بن الحسين على عبد الملك في جارية تزوجها تزوّج عليّ بن الحسين أمّ ولدٍ لبعض الأنصار، فلامه عبد الملك في ذلك، فكتب إليه: إن اللّه قد رفع باالإسلام الخسيسة وأتمّ النقيصة، وأكرم به من اللؤم فلا عار على مسلم، هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد تزوّج أمته وامرأة عبده. فقال عبد الملك:إن عليّ بن الحسين يتشرّف من حيث يتّضع الناس.
للأصمعي في رغبة الناس بالسراري الأصمعيّ قال: كان أهل المدينة يكرهون اتّخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم عليّ بن الحسين والقاسم بن محمد"بن أبي بكر"، وسالم بن عبد اللّه"بن عمر"، ففاقوا أهل المدينة فقهاً وورعاً فرغب الناس في السّراري.
لمسلمة بن عبد الملك وقال مسلمة بن عبد الملك: عجبنا من رجل أخفى شعره ثم أعفاه، أو قصّر شاربه ثم أطاله، أو كان صاحب سراريّ فاتّخذ المهيرات.
شعر لمديني قال رجلٌ من أهل المدينة:

لا تشتمنّ امرأً في أن تكون له

أمّ من الروم أو سوداء عجماء
فإنما أمّهات الـنـاس أوعـيةٌ

مستودعات وللأحساب آبـاء
وربّ واضحةٍ ليست بمنجـبةٍ

وربما أنجبت للفحل سـوداء

لرجل شاور حكيماً في التزوّج بلغني أن رجلاً شاور حكيماً في التّزوّج فقال له: افعل، وإيّاك والجمال الفائق، فإنه مرعىً أنيق. فقال: ما نهتني إلا عما أطلب. فقال: أما سمعت قول القائل:
ولن تصادف مرعىً ممرعاً أبدا

إلا وجدت به آثار منـتـجـع

عمر بن الوليد والوليد بن يزيد وقال عمر بن الوليد للوليد بن يزيد: إنك لمعجب بالإماء. قال: وكيف لا أعجب بهنّ وهنّ يأتين بمثلك.
لأبي الدرداء في خير النساء وشرهنّ ويروى عن أبي الدّرداء أنه قال: خير نسائكم التي تدخل قيساً وتخرج ميساً وتملأ بيتها أقطاً وحيساً، وشرّ نسائكم السّلفعة، التي تسمع لأضراسها قعقعة، ولا تزال جارتها مفزّعة. وقد فسرت هذا في كتاب غريب الحديث.
بين معاوية وعقيل بن أبي طالب في أشهى النساء وأسوأهن وقال معاوية لعقيل بن أبي طالب: أيّ النساء أشهى? قال: المؤاتية لما تهوى. قال: فأيّ النساء أسوأ? قال: المجانية لما ترضى. قال معاوية: هذا واللّه النّقد العاجل. قال عقيل: بالميزان العادل.

الأكفاء من الرجال
للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن أبي هريرة قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم:"إذا جاءكم من ترضون خلقه وخلقه فزوّجوه إنكم إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريض.
وعن الحسن عن سمرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال:"الحسب المال والكرم التقوى".
وعن أنسٍ قال: قالت أمّ حبيبة: يا رسول اللّه، المرأة منّا يكون لها الزوجان في الدنيا فتموت فلأيّهما تكون في الآخرة? قال:"لأحسنهما"خلقاً" يا أمّ حبيبة، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة".
عن عطيّة بن قيس قال: خطب معاوية أمّ الدّرداء فقالت: قال أبو الدّرداء: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:"المرأة لآخر زوجيها" فلست بمتزوّجة بعد أبي الدرداء حتى أتزوّجه في الجنة إن شاء اللّه تعالى.
ويقال: إنما حرم أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وسلم على من بعده لأنّهنّ أزواجه في الجنّة.
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: لا تكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح فإنّهنّ يحببن ما تحبّون.
لابنة الخُسّ ابن الأعرابيّ قال: قيل لابنة الخُسّ: ألا تتزوّجين? فقالت: بلى، لا أريده أخا فلان ولا ابن فلان ولا الظريف المتظرّف ولا السمين الألحم، ولكن أريده كسوباً إذا غدا، ضحوكاً إذا أتى.
بينها وبين أبيها وكان أبوها قد كفّ بصره فقال: ما بال ناقتك? قالت: عينها هاجّ وملؤها راجّ وتمشي وتفاجّ؛ فقال: يا بنيّة عقليها. فعقلتها؛ فقال: ما صنعت حتى اضطرمت.
لأعرابي في كفاية الزوج قيل لعرابيّ: فلانٌ يخطب فلانة. قال: أموسر من عقلٍ ودينٍ? قالوا: نعم. قال: فزوّجوه.
عن عيسى بن عمر قال: قال رجل لأعرابيّ: أمنكحي أنت? قال: لا. قال: ولم? قال: لأنك أصبح اللّحية.
عقيل بن علفة وعبد الملك بن مروان وكان عقيل بن عّلفة غيوراً، فخطب إليه عبد الملك بن مروان ابنته على حد بنيه، وكانت لعقيل إليه حوائج، فقال له: إن كنت لا بدّ فاعلاً فجنّبني هجناءك.
وله مع إبراهيم بن هشام وخطب إليه إبراهيم بن هشام بن إسماعيل- وكان"إبراهيم بن" هشام ولي المدينة وخال هشام بن عبد الملك- فردّه لأنه كان أبيض شديد البياض، فقال:

رددت صحيفة لقرشيّ لمّا

بت عرقه إلاّ احمـرارا

يعني العجم يسمّون الحمراء.
بين عبد الملك بن مروان وقرشية بن الأعرابي قال: قال عبد الملك بن مروان لامرأةٍ من قريشٍ تزّوجت رجلاً مغموصاً عليه: أتنكح الحرّة عبدها? فقالت: يا أمير المؤمنين

إنّ المهور تنكح الأيامـي

النّسوة الأرامل اليتامـى
المرء لا تبغي له سلاماً



لابن الأعربي وقال ابن الأعرابي: خطب رجلٌ إلى رجلٍ فلم يرضه فأنشأ يقول:
قل للذين سعوا يبغون رخصتهـا

ما رخّص الجوع عندي أمّ كلثوم
الموت خير لها من بعل منقصةٍ

ساقت إليه أباهـا جـلّةٌكـوم

عمر الخير وكان عمر الخير نكّاحاً "فكن" في عام سنةٍ يقول: لعل الضيفة تحملهم على أن ينكحوا غير الاكفاء.
بين المساور والمرّار وقال المساور للمرّار:

ما سرني أن أمي من بني أسدٍ

وأن ربّي ينجيني من النـار
وأنهم زوّجوني من بناتـهـم

وأن لي كل يومٍ ألفدينـار

فأجابه المرار:
فلست للأم من عبسٍ ومن أسدٍ

وإنما أنت دينار ابـن دينـار
وإن تكن أنت من عبس وأمهم

فإن أمكم من جارةالـجـار

دينار ابن دينار: عبد ابن عبد. وجارة لجار: الاست. والجار: الفرج.
لأعرابي في امراة دلته على زوجة وقال بعض الاعراب:

أقول لها لما أتتني تـدلّـنـي

على امرأةٍ موصوفةٍ بجمـال
أصبت لها ولله بعلاً كما اشتهت

إن اغتفرت مني ثلاث خصال
فمنهن فسقٌ لا يبـارى ولـيده

ورقّة إسـلامٍ وقـلّةمــال

بين ابن هبيرة ورجل وقال رجل لابن هبيرة: أنا ابن الذي خطب إلى معاوية؛ فقال ابن هبيرة: أفزوّجه? قال: لا؛ فقال ما صنعت شيئاً.
لشيخ في رجل من بني كلاب خطب امرأة أبو الحسن المدائني قال: خطب رجل من بني كلاب امرأة، فقالت له أمها: حتى أسأل عنك. فانصرف فسأل عن أكرم الحيّ عليها، فدلّ على شيخ فيهم كان يحسن المحضر في الأمر يسأل عنه، فسأله أن يحسن عليه الثناء وانتسب له فعرفه؛ ثم إن العجوز شمرت فسألته عنه فقال: أنا ربيته، قالت: كيف لسانه? قال: مدرة قومه وخطيبهم. قالت: كيف شجاعته? قال: حامي قومهم وكهفهم. قالت: فكيف سماحته? قال: ثمال قومه وربيعهم. فأقبل الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما أقبل! ما انثنى ولا انحنى. فدنا الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما سلّم! ما جار ولا خار. ثم جلس، فقال: ما أحسن والله ما جلس! ما دنا ولا ثنى. فذهب الفتى ليتحرك فضرط، فقال الشيخ: ما أحسن والله ما ضرط! ما أغنها ولا أطنها. ولا بربرها ولا فرفرها. فنهض الفتى خجلاً فقال: ما أحسن والله ما نهض! ما انفتل ولا انخزل. فأسرع الفتى، فقال: ما أحسن والله ما خطا! ما ازور ولا اقطوطى. قالت العجوز: وجّه إليه من يرده لو سلح لزوّجناه.
خالد بن صفوان يخطب امرأة
خطب خالد بن صفوان امرأة فقال: أنا خالد بن صفوان؛ والحسب على ما قد علمتيه، وكثرة المال على ما قد بلغك، وفيّ خصال سأبينها لك فتقدمين عليّ و تدعين. قالت: وما هي? قال: إن الحرة إذا دنت مني أملتني، وإذا تباعدت عني أعلتني، ولا سبيل إلى درهمي وديناري، ويأتي عليّ ساعةٌ من الملال لو أن رأسي في يدي نبذته. فقالت: قد فهمنا مقالتك ووعينا ما ذكرت، وفيك بحمد الله خصالٌ لا نرضاها لبنات إبليس، فانصرف رحمك الله.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10-28-2007, 02:57 PM
أبو سيف أبو سيف غير متواجد حالياً
اللهم يامُقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
 




افتراضي

لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
ألا يا ليل إن خيّرت فـينـا

بعيشك فانظري أين الخيار
فلا تستنكحي قدما غـبـيا

له ثارٌ وليس علـيه ثـار

وقال آخر لامرأته:
فإما هلكت فلا تنكحـي

ظلوم العشيرة حسّادهـا
يرى مجده ثلب أعراضها

لديه ويبغض من سادها

وقال آخر:
فلا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا

أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعـا
من القوم ذا لونين وسّع بطنـه

ولكن أذيّا حلمه ما توسّـعـا
ضروباً بلحييه على عظم زوره

إذا لقوم هشّوا للفعالتقنـعـا

لإبراهيم بن النعمان وقد زوّج ابنته لمولى عثمان بن عفان زوّج إبراهيم بن النعمان بن بشير يحيى بن "أبي" حفصة مولى عثمان بن عفان ابنته على عشرين ألف درهم، فعيّر فقال:
فما تركت عشرون ألفـاً لـقـائل

مقالاً فلا تحـفـل مـقـالة لائم
فإن أك قد زوّجت مولى فقد مضت

به سنةٌ قبلـي وحـبّالـدراهـم

ويحيى هذا جدّ مروان الشاعر، وكان يهودياً فأسلم على يد عثمان. وتزوج أيضاً خولة بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم سيّد أهل الوبر. فقال القلاخ:
نبئت خولة قالت حين أنـكـحـهـا

لظالماً كنت منك العار أنـتـظـر
أنكحت عبدين ترجو فضل مالهمـا

في فيك مما رجوت الترب والحجر
للّـه درّ جـيادٍ أنـت سـائسـهـا

برذنتها وبها التحجـيلوالـغـرر

بين ابن عباس ورجل خطب يتيمة له خطب رجلٌ إلى ابن عباس يتيمةً له؛ فقال ابن عباس: لا أرضاها لك. قال: ولم، وفي حجرك نشأت? قال: لأنها تتشرف وتنظر. قال: وما هذا! فقال ابن عباس: الآن لا أرضاك لها.
زياد وسعيد بن العاص كتب زيادٌ إلى سعيد بن العاص يخطب إليه أمّ عثمان بنت سعيد وبعث إليه بمالٍ كثير؛ فلما قرأ الكتاب أمر حاجبه بقبض المال والهدايا، فلم قبضه أمره بقسمه بين جلسائه. فقال الحاجب: إنه أكثر من ذلك. فقال: أنا أكثر منها. ففعل؛ ثم كتب إلى زيدٍ: بسم اللّه الرحمن الرحيم. أما بعد، فإنّ الإنسان ليطغى ن رآه استغنى.
بين لقيط بن زرارة وقيس بن خالد خطب لقيط بن زرارة إلى قيس بن خالد ذي الجدّين الشّيبانيّ؛ فقال له قيس: ومن أنت? قال: لقيط بن زرارة. قال: وما حملك أن تخطب إليّ علانيةً? فقال: لأنّي عرفت أنّي إن عالنتك لم أفضحك وإن ساررتك لم أخدعك. فقل: كفء كريم، لا تبيت واللّه عندي عزباً ولا غريباً.
فزوّجه ابنته وساق عنه.
للحسن في الزوج قال رجل للحسن: إن لي بنيّة وإنها تخطب، فممّن أزوّجه? فقال: زوّجها ممن يتقي اللّه، فإن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
أمّ أبان وخطّابها قال أبو اليقظان: خطب عمر بن الخطّاب أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة بعد أن مات عنها يزيد بن أبي سفيان، فقالت: لا يدخل إلا عابساً ولا يخرج إلا عابساً، يغلق أبوابه ويقلّ خيره. ثم خطبها الزّبير، فقالت: يدٌ له على قروني ويدٌ له في السّوط. وخطبها عليّ، فقالت: ليس للنساء منه حظّ إلا أن يقعد بين شعبهن الأربع لا يصبن منه غيره. وخطبها طلحة فأجابت فتزوّجها؛ فدخل عليها عليّ بن أبي طالب فقال لها: رددت من رددت منّا وتزوّجت ابن بنت الحضرميّ! فقالت: القضاء والقدر. فقال: أما إنك تزوّجت أجملنا مرآةً وأجودنا كفّاً وأكثرنا خيراً على أهله.

الحضّ على النكاح وذمّ التبتّل
للنبي صلى اللّه عليه وسلم في الحض على النكاح عن عكّاف بن وداعة الهلاليّ: أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال له: "يا عكّاف ألك امرأة?" قال: لا. قال: "فأنت إذاً من إخوان الشياطين إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم وإن كنت منّا فمن سنّتنا النكاح".
عن طاوس أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا زمام ولا خزام ولا رهبانيّة في الإسلام ولا تبّتل ولا سياحة في الإسلام".
طاوس لإبراهيم بن ميسرة عن إبراهيم بن ميسرة قال: قال لي طاوس: لتنكحنّ أو لأقولنّ لك ما قال عمر لأبي الزوائد. ما يمنعك من النكاح إلا عجزٌ أو فجور.
علقمة لامرأته عن إبراهيم قال: قال علقمة لامرأته: خذي أحسن زينتك ثم اجلسي عند رأسي، لعلّ اللّه أن يرزقك من بعض عوّادي خيراً.
وفي بعض الأخبار: أربعٌ من سنن المرسلين: التّعطّر، والنّكاح، والسّواك، والختان.

باب الحسن والجمال
بين الرسول صلى اللّه عليه وسلم وعائشة رضي اللّه عنها عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة من كلبٍ، فبعثني أنظر إليها؛ فقال لي: "كيف رأيت"? فقلت: ما رأيت طائلاً؛ فقال: "لقد رأيت خالاً بخدّها اقشعرّ كل شعرةٍ منك على حدةٍ". فقالت: ما دونك سرّ.
بين أبي الأسود الدؤلي وعبيد اللّه بن زياد القحذميّ:ّ قال: دخل أبو الأسود على عبيد اللّه بن زياد فقال: أصبحت جميلاً، فلو تعلّقت معاذةً فظنّ أنه يهزأ به فقال:

أفني الشباب الذي أبليت جدّته

مرّ الجديدين من آتٍ ونطلق
لم يبقيا لي في طول اختلافهما

شيئاً يخاف عليه لذعةالحدق

قتادة بن ملحان وحيان بن عمير عن حيّان بن عمير قال: دخلت على قتادة بن ملحان، فمرّ رجل في أقصى الدار فرأيته في وجه قتادة، فقال: إنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم مسح وجهه.
لعون بن عبد اللّه عن عون بن عبد للّه قال: كان يقال: من كان في صورةٍ حسنةٍ ونصب لا يشينه ووسّع عليه في الرزق، كان من خالصة اللّه.
أبيات في الحسن والجمال وقال الحكم بن قنبر:

ليس فيها ما يقال لـه

كملت لو أنّ ذا كملا
كلّ جزءٍ من ملاحتها

كائنٌ من حسنها مثلا
لو تمنّت في متاعتها

لم ترد من نفسها بدلا

وقال بعض المحدثين:
فلما رأوك العاذلون حججتهم

بحسنك حتّى كلّهم لي غادر

وقال أيضاً:
تحيّر من حسنه فهمـه

وتاه وحقّ له أن يتيها
رأى غيره ورأى نفسه

فلم ير فيه لشيءٍ شبيها

وقال الأعشي في وصف امرأة:
فأفضيت منها إلى جنّةٍ

تدلّت عليّ بأثمارهـا

لعائشة رضي اللّه عنها فيمن يؤم القوم عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه، فإن كانوا في القراءة سواءً فأصبحهم وجهاً.
لجميل بن معمر في حسن مصعب وقال جميل بن معمر: ما رأيت مصعباً يختال بالبلاط إلا غرت على بثينة، وبينهما ثلاثة أيّام.
مصعب بن الزبير والشعبي عن الشّعبيّ قال: دخلت المسجد باكراً، وإذا بمصعب بن الزّبير والناس حوله، فلما أردت الإنصراف قال لي: أدن. فدنوت منه حتى وضعت يدي على مرفقته؛ فقال: إذا أنا قمت فاتبعني؛ وجلس قليلاً، ثم نهض فتوجّه نحو دار موسى بن طلحة فتتبّعته؛ فلما أمعن في الدار التفت إليّ وقال: أدخل. فدخلت"معه ومضى نحو حجرته وتبعته، فالتفت إليّ فقال: أدخل، فدخلت معه" فإذا حجلةٌ، فطرحت لي وسادةٌ فجلست عليها، ورفع سجف القبّة، فإذا أجمل وجهٍ رأيته قطّ؛ فقال: يا شعبيّ، هل تعرف هذه? قلت: نعم، هذه سيّدة نساء العالمين عائشة بنت طلحة؛ فقال: هذه ليلى، ثم تمثّل:

وما زلت من ليلى لدن طرّ شاربي

إلى اليوم أخفي إحـنةً وأداجـن
وأحمل في ليلى قـومٍ ضـغـينةً

وتحمل في ليلى عليّالضغـائن

ثم قال: إذا شئت يا شعبيّ "فقم". فخرجت؛ "فلما كن العشيّ رحت" إلى المسجد فإذا مصعبٌ بمكانه؛ فقال لي: ادن. فدنوت؛ فقال لي: هل رأيت مثل ذلك لإنسانٍ "قطّ"? قلت: لا؛ قال: أتدري دخلناك? قلت: لا؛ قال: لتحدّث بما رأيت. ثم التفت إلى "عبد اللّه بن" أبي فروة فقال: أعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوباً.فما انصرف "يومئذٍ" أحدٌ بمثل ما انصرفت به: بعشرة آلاف"درهم"، وبمثل كارة القصّار، ونظري إلى عائشة.
لأبي الغصن الأعرابي
أبو الغصن الأعرابيّ قال: خرجت حاجّاً، فلمّا بقباء تداعى أهله وقالوا: الصّقيل الصّقيل! فنظرت وإذا جارية كأنّ وجهها سيفٌ صقيلٌ، فلمّا رميناها بالحدق ألقت البرقع على وجهها، فقلنا: إنّا سفرٌ وفينا أجرٌ، فأمتعينا بوجهك؛ فانصاعت وأنا أعرف الضّحك في وجهها وهي تقول:

وكنت متى أرسلت طرفك رائداً

لقلبك يوماً أتعبتك المنـاظـر
رأيت الذي لا كلّه أنـت قـادرٌ

عليه ولا عن بعضه أنت صابر

بين فتاة حسناء وعمتها ومرّ رجلٌ بناحية البادية فإذا فتاة كأحسن ما تكون؛ فوقف ينظر إليها، فقالت له عجوز من ناحية: ما يقيمك على الغزال النّجدي ولا حظّ لك فيه? فقالت الجارية: يا عمتاه، يظنّ كما قال ذو الرّمّة:
وإن لم يكن إلاّ تعلّل ساعةٍ

قليلاً فإنّي نافع ليقليلها

وقال بعض المحدثين:
الخال يقبح بالفتى فـي خـدّه

والخال في خدّ الفتاة مـلـيح
والشّيب يحسن بالفتى في رأسه

والشيب في رأس الفتاةقبـيح

وقال جعفر بن محمد: الجمال مرحومٌ: بين شريح ورجل رأى رجلٌ شريحاً يجول في بعض الطّرق فقال: ما غدا بك? فقال: عسيت أن أنظر إلى صورة حسنة.
بين خالد بن صفوان وامرأة قالت امرأة خالد بن صفوان له يوماً: ما أجملك! قال: ما تقولين ذاك وما لي عمود الجمال، ولا عليّ رداؤه ولا برنسه. قالت: ما عمود الجمال وما رداؤه وما برنسه? قال: أما عمود الجمال فطول القوام وفي قصرٌ؛ وأمّا رداؤه فالبياض ولست بأبيض؛ وأما برنسه فسواد الشعر وأنا أصلع. ولكن لو قلت: ما أحلاك وما أملحك، كان أولى.
لأبي اليقظان في جيش ابن الأشعب أبو اليقظان قال: كان يسمّي جيش ابن الأشعب جيش الطواويس، لكثرة من كان فيه من الفتيان المنعوتين بالجمال.
عمر بن الخطاب ومعقل بن سنان قال: وقال أبو اليقظان: سمع عمر بن الخطاب قائلاً بالمدينة يقول:

أعوذ بربّ الناس من شرّ معقلٍ

إذا معقلٌ راح البقيعمرجّـلا

يعني معقل بن سنان الأشجعيّ، وكان قدم المدينة؛ فقال له عمر: إلحق بباديتك.
في جمال نصر بن حجاج البهزيّ وسمع امرأةً ذات ليلة تقول:

ألا سبيل إلى خمرٍ فأشـربـهـا

أم هل سبيلٌ إلى نصر بن حجّاج

وهذا نصر بن حجّاج بن علاط البهزيّ، وكان من أجمل الناس، فدعا به عمر فسيره إلى البصرة - فأتى مجاشع بن مسعود السّلميّ فدخل عليه يوماً وعنده امرأته شميلة وكان مجاشع أميّاً، فكتب نصر على الأرض: أحبّك حبّاً لو كان فوقك لأظلك أوتحتك لأقلّك. فكتبت هي وأنا واللّه كذلك. فكبّ مجاشعٌ على الكتابة إناءً ثم أدخل كاتباً فقرأه، فأخرج نصراً وطلّقها - فقال نصر بن حجّاج:
وما لي ذنبٌ غير ظنّ ظننـتـه

وفي بعض تصديق الظنون أثام
لعمري إن سيّرتني أو حرمتني

وما نلت ذنبـاً إنّ ذا لـحـرام
أأن غنّت الذّلفاء ليلاً بـمـنـيةٍ

وبعض أمانيّ النسـاء غـرام
ظننت بي الظنّ الذي ليس بعده

بقاءٌ وما لي في النّـديّ كـلام
فأصبحت منفيّاً على غـير ريبةٍ

وقد كان لي بالمكّتين مـقـام
ويمنعني ممّا تمنّت تكـرّمـي

وآباء صدقً سالـفـون كـرام
ويمنعها ممّا تمنّـت حـياؤهـا

وحالٌ لها مع عـفّةٍ وصـيام
وهاتان حالانا فهل أنت راجعي

وقد خفّ منّي كاهلٌوسـنـام

وأنا أحسب هذا الشعر مصنوعاً: شعر للقيط بن زرارة، ولغيره قال لقيط بن زرارة:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههـم

دجى الليل حتى نظّم الجزع ثاقبه

قال أبو الطّمحان القيني:
يكاد الغمام الغرّ يرعد أن رأى

وجوه بني لأمٍ وينهلبارقـه

وقال آخر:
وجوهٌ لو أنّ المعتفين اعتشوا بـهـا

صدعن الدّجى حتى ترى الليل ينجلي

لعمر بن الخطاب، ثم لعلي بن أبي طالب قال عمر بن الخطاب "رضي اللّه عنه": إنّا سمعنا بكم شعرنا أحسنكم وجوهاً، وإذا اختبرناكم كانت الخبرة أولى بكم.
قال عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه: خصصنا بخمس: بصباحة، وفصاحة، وسماحة، ورجاحة، وحظوة"يعني"عند" النساء". وسئل عن أميّة فقال: هم أغدر وأفجر وأمكر؛ ونحن أفصح وأصبح وأسمح.
لامرأة في الزبير وعليّ ومصعب رأت امرأة الزبير فقالت: من هذا الذي هو أرقم يتلمّظ? ورأت عليّاً فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر? ورأت طلحة فقالت: من هذا الذي كأنه دينارٌ هرقلي? لسكينة بنت الحسين في ابنتها ألبست سكينة بنت الحسين ابنةً درّاً كثيراً وقالت: واللّه ما ألبستها أيّاه إلاّ لتفضحه.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء يذكر نساءً مع جارية:

أقبلن في رأد الضّحاء بـهـا

وسترن وجه الشمس بالشمس

ذكر بعض الأعراب امرأةً قال: خلوت بها والقمر يرينيها، فلمّا غاب أرتينه.
وقال بعض الشعراء:

غلامٌ رماه اللّه بالحـسـن يافـعـاً

له سيمياء لا تشقّ على الـبـصـر
كأنّ الثّريّا علّقـت فـي جـبـينـه

وفي أنفه الشّعري وفي وجهه القمر
ولمّا رأى المجد استعـيرت ثـيابـه

تردّى بثوبٍ واسـع الـذّيل وأتـزر
إذا قيلت العوراء أغضـى كـأنـه

ذليل بلاً ذلّ ولو شاءلانـتـصـر

بين أعرابي وأمه قال غلامٌ من الأعراب لأمّه:
نشدتك باللّه هل تعلمين

بأنّي طويلٌ وأنّي حسن

قالت: قبحك اللّه!فكان ماذا! قال:
وأنّي أقمّص بالـدّار عـين

غداة الصّباح وأحمي الظعّن

قال عمّه: فهلاّ كان ذا قبل! قال الشاعر:
بيضاء تسحب من قيام شعرها

وتغيب فيه وهو جثل أسحـمٌ
فكأنّها فيه نهـارٌ سـاطـع

وكأنه ليلٌ عليها مـظـلـم

وقال الطائيّ:
بيضاء تبدو في الظلام فيكتسي

نوراً وتبدو في النهارفيظلـم

أعرابي يصف امرأة وصف أعرابيّ امرأة فقال: كاد الغزال يكونها، لولا ما تمّ منها ونقص منه لابن الأعرابي في الحلاوة والجمال والملاحة قال ابن الأعرابيّ: الحلاوة في العينين، والجمال في الأنف، والملاحة في الفم.
قال أعرابيّ يصف امرأةً:

خزاعّية الأطراف مرّية الحشا

فزاريّة العينين طائّيةالـفـم

المقنع الكندي كان المقّنع الكندي من أجمل الناس وكان يتقنع لأنه كان متى سفر لقع" أي أصيب بعينٍ" ، وهو القائل:
وفي الظّعائن والأحداج أملح من

حلّ العراق وحلّ الشام واليمنا
جنيّةٌ من نساء الإنس أحسن من

شمس النهار وبدر الليل لو قرنا

الحكم بن صخر وجارية الحكم بن صخر الثّقفيّ قال: خرجت حاجّاً مختفياً، فلمّا كنت ببعض الطريق أتتني جاريتان من بني عقيل لم أر أحسن منهما وجوهاً، ولا أظرف ألسنةً ولا أكثر علماً وأدباً، فقصّرت بهما يومي فكسوتهما. ثم حججت من قابلٍ ومعي أهلي، وقد أصابتني علّةٌ فنصل لها خضابي، فلمّا صرت إلى ذلك الموضع فإذا أنا بإحداهما، فدخلت عليّ، فسألت مسألة منكر فقلت: فلانة! قالت: فدىً لك أبي وأمي! تعرفني وأنكرك?! قلت: أنا الحكم بن صخر. قالت: إني رأيتك عاماً أوّل شابّاً سوقةً وأراك العام ماكاً شيخاً، وفي دون هذا ينكر المرء صاحبه. قلت: ما فعلت أختك? قالت: تزوجها ابن عمٍّ لها وخرج بها إلى نجد فذلك حيث يقول:
إذا ما قفلنا نحو نجـدً وأهـلـه

فحسبي من الدّنيا قفولٌ إلى نجد

فقلت: لو أدركتها لتزوّجتها. فقالت: ما يمنعك من شقيقتها في حسبها، ونظيرتها في جمالها? - تعني نفسها - قلت: يمنعني من ذلك ما قال كثيّر:
إذا وصلتنا خلّةٌ كي تزيلنا

أبينا وقلنا الحاجبيّةأوّل

فقالت: فكثيّر بيني وبينك، أليس هو القائل:
هل وصل عزّة إلا وصل غانـيةٍ

في وصل غانيةٍ من وصلها خلف

فسكت عيّاً عن جوابها.
أبو حازم المدني وامرأة حسناء التقاها في موسم الحج قل أبو حازم المدنيّ: بينا أنا أرمي الجمار رأيت امرأة سافرةً من أحسن الناس وجهاً ترمي الجمار، فقلت: يا أمة اللّه، أما تتقين اللّه! تسفرين في هذا الموضع فتفتنين الناس! قالت: أنا واللّه يا شيخ من اللواتي قل فيهنّ الشاعر:

من اللاّء لم يحججن يبغين حسبة

ولكن ليقتلن لبريء المغـفّـلا

قلت: فإنّي أسأل اللّه ألاّ يعذّب هذا الوجه بالنار.
شعر لأعرابي، ولآخرين قال أعرابيّ:

يا زين من ولدت حوّاء من ولدٍ

لولاك لم تحسن الدنيا ولم تطب
أنت التي من أراه اللّه صورتها

نال الخلود فلم يهرم ولميشب

وقال أعرابيّ:
إذا هنّ أبدين الخدود وحسّرت

ثغورٌ عن الأفواه كي تتبسّما
أجاد القضاة العادلون قضاءهم

لهنّ بلا وهمٍ وإن كنّأظلما

"وقال عروة بن أذينة":
إنّ التي زعمت فؤادك مـلّـهـا

خلقت هواك كما خلقت هوىً لها
فإذا وجدت لها وساوس سـلـوةٍ

شفع الفؤاد إلى الضمير فسلّهـا
بيضاء باكرها النعيم فصاغـهـا

بلبـاقةٍ فـأدقّـهـا وأجـلّـهـا
وقال أعرابيّ يرقص ابناً لـه:


يا ربّ ربّ مالكٍ بارك فيه

بارك لـمـن يحـبّـه ويدينـه
ذكرني لمّا نـظـرت فـي فـيه

أجزع نـورٍ غـربـت أواخـيه
والوجه لما أشرقـت نـواحـيه

دينـار عـينٍ بـيدٍتـبـــريه

لابن شبرمة وقال ابن شبرمة: ما رأيت لباساً على رجل أزين من فصاحةٍ، ولا رأيت لباساً على امرأةٍ أزين من شحمٍ.
لأعرابي حسن الكدنة قيل لأعرابيّ: إنك لحسن الكدنة فقال: ذلك عنوان نعمة اللّه عندي.
للحجاج قال الحجّاج: لا يحسن نحر المرأة حتى يعظم ثدياها.
شعر للمرار العدوي وقال المرّار العدويّ:

صلته الخدذ طويلٌ جيدها

ضخمة الثّدي ولمّا ينكسر

لعلي بن أبي طالب وقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: لا تحسن المرأة حتى تروي الرضيع، وتدفىء الضّجيع.
بين أسدي وامرأة عن رجل من بني أسدٍ قال: أضللت إبلاً لي، فخرجت في طلبهنّ، فهبطت وادياً وإذا أنا بفتاةٍ أعشى نور وجهها نور بصري؛ فقالت لي: يا فتى، ما لي أراك مدلّها? فقلت: أضللت إبلاً لي فأنا في طلبها. قالت: أفأدلّك على من هي عنده وإن شاء أعطاكها? قلت: نعم ولك أفضلهنّ. قالت: الذي أعطاكهنّ أخذهنّ وإن شاء ردهنّ، فسله من طريق اليقين لا من طريق الإختبار. فأعجبني ما رأيت من جمالها وحسن كلامها، فقلت: ألك بعلٌ? قالت: قد كان، ودعي فأجاب فأعيد إلى ما خلق منه. قلت: فما قولك في بعل تؤمن بوائقه، ولا تذمّ خلائقه? فرفعت رأسها وتنفّست وقالت:

كنّا كغصنين في أصلٍ غذاؤهما

ماء الجداول في روضات جنّات
فاجتثّ خيرهما من جنب صاحبه

دهرٌ يكرّ بترحاتٍ وفـرحـات
وكان عاهدني إن خانني زمـنٌ

ألاّ يضاجع أنثى بعد مثـواتـي
وكنت عاهدته إن خانـه زمـنٌ

ألاّ أبوء ببعل طول محـياتـي
فلم نزل هكذا والوصل شيمتنـا

حتى توفّي قريباً مذ سـنـيّات
فاقبض عنانك عمّن ليس يردعه

عن الوفاء خلافٌبالتـحـيّات

بين متمّم بن نويرة وعمر بن الخطاب قال أبو اليقظان: دخل متمّم بن نويرة على عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال له عمر: ما أرى في أصحابك مثلك! قال: يا أمير المؤمنين، أما واللّه إنّي مع ذلك لأركب الجمل الثّفال، وأعتقل الرّمحٍ الشّطون، وألبس الشّملة الفلوت. ولقد أسرني بنو تغلب في حديث، فأطلقوني له بغير فداءٍ.
كان يقال: المنظر محتاجٌ إلى القبول، والحسب محتاجٌ إلى الأدب، والسّرور محتاجٌ إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودّة، والمعرفة محتاجة إلى التّجارب، والشرف محتاج إلى التّواضع، والنجدة محتاجةٌ إلى الجدّ.
قال الحسن بن وهب:

ما لمن تمّت محـاسـنـه

أن يعادي طرف من نظرا
لك أن تبدي لنا حـسـنـاً

ولنا أن نعمل البـصـرا

باب القبح والدّمامة
لأمير من أمراء العراق في امرأة قبيحة أخبرنا بعض أشياخ البصرة أنّ رجلاً وامرأته اختصما إلى أمير من أمراء العراق، وكانت المرأة حسنة المنتقب قبيحة المسفر، وكان لها لسانٌ، فكأن العامل مال معها، فقال: يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوّجها ثم يسيء إليها. فأهوى الزوج فألقى النّقاب عن وجهها، فقال العامل: عليك اللعنة، كلام مظلوم ووجه ظالم.
لرجل من البصرة تزوج ومنع من الخروج
أبو زيد الكلابيّ: قدم رجلٌ منّا البصرة فتزوّج امرأةً، فلمّا دخل بها وأرخيت السّتور وأغلقت الأبواب عليه، ضجر الأعرابيّ وطالت ليلته، حتى إذا أصبح وأراد الخروج منع من ذلك وقيل له: لا ينبغي لك أن تخرج إلا بعد سبعة أيام؛ فقال:

أقول وقد شدّوا عليها حجابـهـا

ألا حبّذا الأرواح والبلد القـفـر
ألا حبّذا سيفي ورحلي ونمرقـي

ولا حبّذا منها الوشاحان والشّذر
أتوني بها قبل المحـاق بـلـيلةٍ

فكان محاقاً كلّه ذلك السـهـر
وما غرّني إلاّ خضابٌ بكفّـهـا

وكحلٌ بعينيها وأثوابها الصّفـر
تسائلني عن نفسها هل أحبّـهـا

فقلت ألا لا والذي أمره الأمـر
تفوح رياح المسك والعطر عندها

وأشهد عند اللّه ما ينفعالعطـر

لبعض الشعراء يصف امرأة قبيحة وقال آخر:
أعوذ باللّه مـن زلاّء فـاحـشةٍ

كأنما نيط ثوباها عـلـى عـود
لا يمسك الحبل حقواها إذا انتطقت

وفي الذّنابي وفي العرقوب تحديد
أعوذ باللّه من ساقٍ لهـا حـنـبٌ

كأنها من حديد القـينسـفّـود

وقال أخر:
موتّرة العـلـبـاء الـقـفـا

لها ندبٌ من حكّها غير دارس
إذا ضحكت حالت غضونٌ كأنها

غباب حرباءٍ تحوّز شـامـس
كأن وريديها رشـاء مـحـالةٍ

مغاران من جلدٍ من القدّيابس

وقال آخر:
يا عجبا والدّهـر ذو تـعـاجـيب

هل يصلح الخلخال في رجل الذّيب
اليابس الكعب الحديدالعـرقـوب



لأخر في عجوز تزوّجها وقال آخر:
لهـا جـسـم بـرغـوثٍ وسـاقـا بـعـــوضةٍ

ووجـهٌ كـوجـه الـقـرد بـل هـو أقـبــح
وتـبـرق عـينـاهـا إذا مــا رأيتـــهـــا

وتعـبـس فـي وجـه الـضّـجـيع وتـكـلـح
وتفتحلا كانت فماً لو رأيتهتوهّمته باباً من النار يفتح


فما ضحكت في الناس إلا ظننتها

أمـامـهـم كـلـبـاً يهـــرّ وينـــبـــح
إذا عـاين الـشـيطـان صـورة وجـهـهـــا

تعـوّذ مـنـهـا حـين يمـسـي ويصـبـــح
وقد أعجـبـتـهـا نـفـسـهـافـتـمـلّـحـت

بأيّ جـمـال لـيت شـعـريتـمـــلـــحّ

لأعرابي في امرأة كالغول رأى أعرابيّ امرأة في شارةٍ وهيئة، فظّن بها جمالاً، فلما سفرت فإذا هي غولٌ؛ فقال:
فأظهرها ربيّ بـمـنّ وقـدرةٍ

عليّ ولولا ذاك متّ من الكرب
فلمّا بدت سبّحت من قبح وجههـا

قلت لها السّاجور خيرٌ من الكلب

بين سعيد بن بيان والأخطل كان سعيد بن بيانٍ التغّلبيّ سيدّ بني تغلب، وكانت تحته برّة وكانت من أجمل النساء، فقدم الأخطل الكوفة على بشر بن مروان، فدعاه سعيد بن بيانٍ واحتفل ونجّد بيوته واستجاد طعامه وشرابه، فلما شرب الأخطل جعل ينظر إلى وجه برّة وجمالها، وإلى وجه سعيد وقبحه، فقال له سعيد: يا أبا مالك، أنت رجل تدخل على الخلفاء والملوك فأين ترى هيئتنا من هيئتهم! فقال الأخطل: ما لبيتك عيبٌ غيرك. فقال سعيد: أنا واللّه أحمق منك يا نصرانيّ حين أدخلك منزلي. وطرده فخرج الأخطل وهو يقول:
وكيف يداويني الطبيب من الجوى

وبرّة عند الأعـور ابـن بـيان
فهلاّ زجرت الطّير إذ جاء خاطباً

بضيقة بين النّجـموالـدّبـران

عبد بني الحساس يذكر قبحه قال عبد بني الحسحاس يذكر قبحه:
أتيت نساء الحارثيّين غدوةً

بوجهٍ براه اللّه غير جميل
فشبّهنني كلباً ولست بفوقه

ولا دونه إن كان غير قليل

بين الأحنف ورجل عابه بقبحه قال رجل للأحنف: "تسمع بالمعتديّ لا أن تراه"؛ فقال: ما ذممت منّي يابن أخي? قال: الدّمامة وقصر القامة. قال: لقد عبت عليّ ما لم أؤامر فيه.
قبح الأحنف قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة مع مصعب بن الزّبير، فما رأيت خصلةً تذمّ إلا وقد رأيتها في الأحنف: كان صعل الرأس، متراكب الأسنان، أشدق، مائل الذّقن، ناتىء الوجه، غائر العين، خفيف العارض، أحنف الرّجل، ولكنه إذا تكلّم جلا عن نفسه.
شعر لهبنّقة في قبح محارش أبو اليقظان قال: كان المحارش قبيحاً فقال فيه هبنّقة:

لو كان وجهي مثل وجه محارشٍ

إذاً ما قربت الدّهر بابأمـير

قال:وأخذ محارش قذاةً عن عبيد اللّه بن زياد؛ فقال: صرف عنك السّوء؛ فقال جلساؤه: إذاً يصرف عنه وجهه.


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10-28-2007, 03:00 PM
أم سلمة أم سلمة غير متواجد حالياً
عضو جديد
 



افتراضي

والله اعجز عن الشكر
جزاكم الله الفردوس اجرا علي المجهود الطيب
جعله الله في ميزانك
بوركت اخي الكريم
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10-28-2007, 03:06 PM
أبو سيف أبو سيف غير متواجد حالياً
اللهم يامُقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
 




افتراضي

كتاب الزهد.
الحمد للهّ رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله أجمعين.
صورة ما كتبه الناسخ بخطه في آخر النسخة كتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة.
وقال بعضهم: بُنِي الإسلامُ على خمسة: التواضع عند الدولة، والعفو عند القدرة، والسخاء مع القِلّة، والعطيّة من غير مِنّة، والنصيحة للعامّة.
لبعض الشعراء في الصبر وقال بعض الشعراء في الصبر:

وإذا ابتُلِيتَ بمِحْنةَ فالبس لـهـا

ثوبَ السكوتِ فإن ذلك أسلـمُ
لا تشكوَن إلى العباد فـإنـمـا

تشكو الرحيمَ إلى الذي لا يَرْحَم

للشافعي رضي الله عنه وُيرْوَى للشافعيّ رضي اللّه عنه:
نَعِيبُ زمانَنا والعيبُ فـينـا

وما لزماننا عيبٌ سـوانـا
وقد نهجُو الزمانَ بغير جُرْم

ولو نطق الزمانُ بنا هجانا
فدُنْيانا التصنُعُ والـتـرائيً

ونحن به نُخادع من يرانـا
وليس الذئبُ يأكل لحمَ ذئبٍ

ويأكلُ بعضُنا بعضاً عِيانـا

كتاب الزهد
ما أوحى الله عز وجل إلى أنبيائه عليهم السلام
لوهب بن منبه في ما أوحى اللّه تعالى به إلى أرمياء
حدثني محمد بن عُبَيد قال: حدّثنا خَلَف بن تَميم عن أبي عِصْمة الشاميّ عن ابن أخت وهب بن منبه عن وهب قال: أوحَى الله إلى نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له إرمِياء حين ظهرت فيهم المعاصي: أن قُمْ بين ظَهْرانَيْ قومِك فأخبِرهم أن لهم قلوباً ولا يفقهون، وأعيناً ولا يبصرون، أذاناً ولا يسمعون، وأنِّي تذكرتُ صلاحَ آبائهم، فعطفني ذلك على أبنائهم، سلهم كيف وجدوا غب طاعتي، وهل سعِد أحد ممن عصاني بمعصيتي، وهل شقِي أحدٌ ممن أطاعني بطاعتي؛ إن الدواب تذكُرُ أوطانَها فتنزعُ إليها، وإن هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمتُ عليه آباءهم، والتمسوا كرامةَ من غير وجهها. أما أحبارهم فأنكروا حقي؛ وأما قرّاؤهم فعبدوا غيري وأما نساكهم فلم ينتفعوا بما عُلَمُوا من حكمتي؛ وأما وُلاتهم فكذَبوا علي وكذَبوا رُسُلي، خزنوا المكر في قلوبهم، عودوا الكذبَ ألسنتَهم، وإني أقسم بجلالي وعزتي لاهيّجن عليهم جنوداً لا يفقهون ألسنتهم، ولا يعرفون وجوههم، ولا يرحمون بكاءهم؛ ولأبتعِثن فيهم ملِكاً جناراً قاسياً، له عساكر كقِطَع سحاب، ومواكبُ كأمثال العَجَاج، كان خَفَقانَ راياتِه طَيَرانُ النسور، وكأنْ حمل فُرسانه كرّ العِقبان، يعيدون العُمران خراباً، ويتركون القُرى وحشةً. فيا ويلَ إيلياء وَسُكانِها كيف أذلَلهم للقتل، واسلَط عليهم السباء، وأعيدُ بعد لَجَبِ الأعراس صُراخَ الهام، وبعد صهيل الخيل عُواءَ الذئاب، وبعد شُرفات القصور مساكنَ السباع، وبعد ضوءِ السرُج رَهَجَ العَجَاج. ولأبدلنّ رِجالهم بتلاوةِ الكتاب انتهارَ الأرباب، وبالعزّ الذلَّ، وبالنعمةِ العبوديةَ. ولأبدلن نساءهم بالطيبِ التراب وبالمشي على الزرابي الخِبَبَ؛ ولأجعلنً أجسادهم زبلاً للأرض، وعظَامهم ضاحيةً للشمس وفي رواية أخرى: ولأدوسنَّهم بألوان العذاب، حتى لو كان الكائنُ خاتَماً في يميني لوصلتَ الحربُ إليه؛ ثم لآمرنَ السماءَ فلتكوننَ طبَقاً من حديد، والأرضَ فلتكونن سبيكة من نحاس، أمطرت السماءُ وأنبتت الأرضُ شيئاً في خلال ذلك فبرحمتي للبهائم، ثم أحبِسه في زمن الزرع وأرسله في زمن الحِصاد، فإن زرعوا خلال ذلك شيئاً سلطتُ علِيه الآفةَ، فإن خَلص منه شيء نزعتُ منه البركةَ، فإن دعَوْني لم أجبهم، وإن سألوا لم أعطِهم، وإن بكَوْا لم أرحمهم، تضرّعوا صرفت وجهي عنهم.
في ما أوحى الله تعالى به إلى موسى بن منسى بن يوسف حدّثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب: أن الله عزّ وجل أوحى إلى موسى بن مَنسَّى بن يوسف أن قُلْ لقومك: إني بريء ممن سَحَر أو سُحِر له، أو تَكَفَنَ أو تُكُفَنَ له تَطَيرَ أو تُطُيرَ له؛ من آمن بي صادقاً فليتوكل عليّ صادقاً، فكفى بي مثيباًة ومن عدل عنّي، بغيري فإني خير شريك أردّ عليه ما توسّل به إليّ، وأكِلُه إلى من توكل عليه؛ ومن وكَلَته غيري فليستعذَ للفتنة والبلاء.
ما أوحى اللّه به إلى داود عليه السلام وحدّثني بهذا الإسناد قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام في الزَّبور: يا عبدي الشكور إني قد وهبتُ لك الزبورَ، وأتبعتُه بنصح منّي من أعين السطور، ومن الوحي المحفوظ المحجوب من وراء الستور، فاعبدْني به في الأيام والليالي والشهور؛ وأحببْني من كل قلبك، وحببْني خَلْقي، وأبغِضْ من عبادي كل منافقٍ جهول. قال: يا ربّ، كيف أَحَببُكَ إلى خلقِك؛ قال: تُذكرهم آلائي.
في ما أنزل على إبراهيم عليه السلام وبهذا الإسناد قال: أنزل الله على إبراهيم عليه السلام عشرين صحيفة، وكانت صُحُفه أمثالاً وعِبَراً وتسبيحاً وتمجيداً وتهليلاً، فكان فيها: أيها الملك المسلَّط المغرور المبتلَى، إني لم أبعثك لتردَّ عني دعوةَ المظلوم، فإني لا أرُدّها ولو كانت من كافر.
ما أوحى اللّه تعالى به لشَعْيا
وبهذا الإسناد أن الله تعالى قال لِشَعْيا: قم في قومك أوح على لسانك؛ فلما قام شَعْيا أنطق اللُه لسانَه بالوحي، فقال: يا سماءُ اسْتَمِعي، يا أرضُ أنْصِتي، فأنصتت الأرضُ واستمعت السماءُ؛ فقال: إن اللّه يقول لكم: إني استقبلتُ بني إسرائيلَ بالكرامةِ وهم كالغنم الضائعةِ لا راعيَ لها، فآويتُ شاذَّتَها، وجمعتُ ضالَتها، وجبرتُ كسِيرها، وداويتُ مريضَها، وأسمنتُ مهزولَها؛ فبطِرْت فتناطحتْ، فقتل بعضُها بعضاً حتى لم يبقَ منها عظمٌ صحيح يُجبر إليه آخرُ كسيرٌ. إن الحمار مما يتذكر ارِيَّه الذي شَبع عليه فيراجعه، وإنّ الثور مما يتذكر مَرْجَه الذي سَمِنَ فيه فينتابه، وإنّ البعير مما يتذكر وطنَه الذي نُتِج فيه فينرع إليه، وإن هؤلاء القومَ لا يذكرون أنَى جاءهم الخيرُ وهم أهلُ الألباب وأهل العقول، ليسوا بإبلِ ولا بقر ولا حميرٍ. وإني ضاربٌ لهم مثلاً فاسمعوه: قل لهم: كيف تروْن في أرضٍ كانت زماناً من زمانها خربةً مواتاً لا حَرْثَ فيها، وكان لها رب قويٌ حليم، فأقبل عليها بالعِمارة وكرِه أن تخرَبَ أرضُه وهو قويٌ وأن يقال له ضيًع وهو عليم، فأحاط عليها سياجاً وشَيَد فيها قصراً وأنبط فيها نهراً وصنف فيها غِراساً من الزيتون والرُمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار، وولَّى ذلك ذا رأيٍ وهمةٍ حفيظَاَ قوياً أميناً؛ فلما جاء إبَّانُ إثمارها أثمرت خَرًوباُ، ما كنتم قائلين له ومشيرين عليه? قالوا: كنا نقول: بئست الأرض أرضُك، ونشير عليه أن يقلَع سياجها، ويهدِمَ قصرها، ويدفِنَ نهرها، ويحرِق غراسَها حتى تعودَ خربِةً مَواتاً لا عُمرانَ فيها. قال الله تعالى: قل لهم، إن السياجَ ذمتي، وإن القصرَ شريعتي، وإن النهر كتابي، وإن القيم نبييّ، وإن الغرسَ مثَلٌ لهم، والخروبَ أعمالُهم الخبيثةُ، وإني قد قضيتُ عليهم قضاءَهم على أنفسهم، يتقربون إلي بذبح الغنم والبقر وليس ينالني اللحمُ ولا آكُلُه، ويَدَعون أن يتقربوا إليّ بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرَّمتُها ويُشيِّدون لي البيوتَ ويُزَوًقون لي المساجدَة وأي حاجة بي إلى تشييد البيوت ولستُ أسكنُها، وإلى تزويق المساجد ولست أدخلُها? إنما أمرتُ برفعها لأذكَرَ فيها وأسَبًحَ، ويُنَجسون أنفسهم وعقولَهم وقلوبهم ويخرًبونها، يقولون: لو كان يقدِرُ على أن يجمعَ ألفتَنا لجمعَها، ولو كان يقدر على أن يُفقه قلوبنا لفقهها. فاعمِدْ إلى عودَين يابسَينِ فاكتب فيهما كتاباً ثمَّ ائتِ ناديَهم أجمعَ ما يكونون، فقل للعودين: إن اللّه يأمركما أن تعودا عُوداَ واحداً؛ فقال لهما ذلك، فاختلطا فصارا عُوداً واحداً، وصار الكتاب في طَرَفَي العودِ كتاباً واحداً: يا معشر القبائل، إن اللّه يقول لكم: إني قدرت على أن أفقَه العيدان اليابسة وعلى أن أؤلِّفَ بينها؛ فكيف لا أقدِرُ على أن أجمعَ ألْفَتكمِ إن شئت! أم كيف لا أقدِر على أن أؤلَف قلوبكم! يقولون: صمنا يُرفَع صيامُنا وصلَّينا فلم تُنوَّرْ صَلاتُنا وزكَينا فلم تَزْك زكاتُنا، ودعَونا بمثل حنين الحمام، و بمثل عُواء الذئاب، في كلّ ذلك لا يُسمعُ منّا ولا يُستجابُ لنا. قال اللّه تبارك وتعالى: "سلهم ذلك وما الذي منعني أن أجيبَهم? ألستُ أسْمَعَ السامعين وأبصَر الناظرين وأقرَبَ المجيبين وأرحم الراحمين! ألِأنّ خزائني فَنِيَتْ? كيف ويداي مبسوطتان بالخير انفِق كيف أشاء! أم لأن ذاتَ يدي قلتْ. كيف ومفاتيح الخير بيدي لا يفتحها ولا يُغلقها غيري! أم لأن رحمتي ضاقت? كيف ورحمتي وسِعتْ كل شيء، وإنما يتراحم بفضلها المتراحمون! أم لأنّ البخل يعتريني. كيف وأنا النفاح بالخيرات أجوَدُ مَن أعطَى وأكرمُ من سُئل! ولكن كيف أرفعُ صيامَهم وهم يَلْبِسونه بقول الزور ويتقوّون عليه بطُعْمة الحرام! كيف أنوِّر صلاتَهم وقلوبهم صاغيَةٌ إلى من يُحَادّني وينتهك محارمي أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قولٌ بألسنتهم والعملُ في ذلك بعيد! أم كيف تزكو صدقاتهم وهي من أموال غيرهم! إنما أجزِي عليها المغصوبين. وإن من علامة رضاي رضا المساكين.
في ما ناجى الله تعالى به موسى عليه السلام
قال وهب: وفيما ناجى الله به موسى عليه السلام: لا تُعْجبكما زينة ولا ما مُتِّعَ به، ولا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترَفين. ولو شئت أن أزيِّنكما بزينة يعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تَعجِز عما اوتيتما فعلتُ، ولكنّي أرغب بكما عن ذلك وأزوِيه عنكما؛ وكذلك أفعل بأوليائي، إني لأذودُهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيقُ غنَمه عن مراتع الهَلَكَة، وإني لأحميهم عيشَها وسَلوتها كما يُجنَبُ الراعي الشفيقُ إبلَه مباركَ العُر، وما ذاك لهَوَانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالماً موفَّراً لم يَكْلِمْه الطمعُ ولم يطبعه الهوى. واعلم أنه لن يتزينُ العبادُ بزينة أبلغَ فيما عندي من الزهد في الدنيا، إنما هي زينة الأبرار عندي، وأنْقَى ما تَزَينَ به العبادُ في عيني عليهم منها، لباسٌ يُعرَفون به من السكينة والخضوع، سيماهم النحولُ والسجود، أولئك أوليائي حقاً. فإذا لقيتَهم فاخفِضْ لهم جناحَك، وذلل لهم قلبك ولسانَك.
وأعلم أنه من أهان لي ولياً أو أخافه، فقد بارزني بالمحاربة وبادأني وعرَّضني لنفسه ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نُصرة أولياء، أفيظنّ الذي يحاربني فيهم أنه يقوم لي! أم يظنّ الذي يعاديني فيهم أنه يعجِزني! أم يظن الذي يبادرني إليهم أنه يسبقني أو يفوتني! كيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة، لا أكل نصرَهم إلى غيري! ما أوحى الله به إلى موسى عليه السلام بطور سيناء وفي التوراة: أوحى اللّه تعالى إلى موسى عليه السلام بطور سيناء: يا موسى بن عمران صاحب جبل لُبنان، أنت عبدي وأنا إلهك الديان؛ لا تستذلَّ الفقير، ولا تَغبِط الغني بشيء يسير؛ وكن عند ذكري خاشعاً، وعند تلاوة وحيي طَائعاً؛ أسْمِعْني لذاذةَ التوراة بصوتٍ حزين.
ما أوحى الله تعالى به إلى عيسى عليه السلام وفيما أوحى اللّه إلى عيسى عليه السلام: أنزلْني من نفسك كهمِّك، واجعلْني ذخرَك في مَعَادك، وتقرًبْ إلي بالنوافل أدْنِك، وتوكَل عليَّ أكفِك، ولا تَوَلَّ غيري فأخذُلك؛ إصْبر على البلاء، وارضَ بالقضاء، وكن كمسَرّتي فيك، فإنّ مَسرّتي أن أطاعِ، وأحْي ذكري بلسانك، وليكن وُدي في قلبك تيقَظْ لي في ساعات الغفلة؛ وكن راهباً لي وراغباَ إلي. أمِتْ قلبَك بالخشية؛ راع الليلَ لتحري مَسَرّتي، واظمأ لي نهارَك لليوم الذي عندي؛ نافسْ في الخيرات جُهدك. قُمْ في الخليقة بعدلي، واحكم فيهم بنصيحتي، فقد أنزلتُ عليك شفاءَ وساوِس ما في الصدور من مرض الشيطان، وجلاءَ الأبصارِ من غِشاء الكَلال؛ ولا تكن حِلْساً كأنك مقبورٌ وأنت حيّ تتنفَس. إكحَلْ عينيك بمُلمولِ الحزن إذا ضحِك البطّالون. إبكِ على نفسك أيام الحياة بكاءَ مَنْ قد ودّع الأهلَ وقَلَى الدنيا، وتركَ اللذاتِ لأهلها، وارتفعتْ رغبتُه فيما عند إلهه. طوبَى لك إن نالك ما وعدتُ الصابرين تَرجَ من الدنيا يوماً فيوماً، وارضَ بالبُلْغَة، ولْيكفِك منها الخَشِنُ. تذوَّق مذاقةَ ما قد خلا أين طعمُه! وما لم يأت أين لذّتُه! لو رأت عيناك ما أعددتُ لأوليائي لذاب قلبك وزهِقَتْ نفسُك شوقاً إليه.
فيما قال عيسى للحواريين
وفيما قال للحواريين: بحقٍّ أقول لكم: إنّ شجر الأرض بمطر السماء تعيش وتزكو، وكذلك القلوب بنور الحكمة تُبصِر وتَهتدي؛ بحق أقول لكم: إنه من ليس عليه دَينٌ أروَحُ وأقل همًّا ممن عليه دين وإن حَسُنَ قضاؤه، وكذلك من لم يعمل الخطيئةَ أروحُ وأقلُّ هَمًّا ممن عمل بها وإن حسُنْت توبتُه. إن الدابة تزداد على كثرة الرياضة خيراً، وقلوبكم لا تزداد على كثرة الموعظة إلا قسوةً. إنّ الجسدَ إذا صلَح كفاه القليل من الطعام، وإنّ القلب إذا صح كفاه القليل من الحكمة. كم مِن سراجٍ قد أطفأته الريحُ، وكم من عابد قد أفسده العُجْب. يا بني إسرائيل، استمعوا قولي فإن مَثَل من يستمع قولي ثم يعمَلُ به مثلُ رجلٍ حكيم أسس بنيانَه على الصفا، فمطرت السماء وسالت الأوديةُ وضربته الرياحُ فثبت بنيانُه ولم يَخِر، وَمَثل الذي يستمع قولي ثم لا يعمَل بهَ مثل رجلٍ سفيهٍ أسَسَ بنيانَه على الرمل، فمطرت السماءُ وسالت الأوديةُ وهاجت الريحً فضربته فسقط بنيانُه. يا بني إسرائيل، ما يُغنِي عن الأعمَى سَعَةُ نورِ الشمس وهو لا يُبصرها! وما يغني عن العالم كثرةُ العلم وهو لا يعمَل به!. بحق أقول لكم: إن قائلَ الحكمة وسامعَها شريكان، وأوْلاهما بها من حقّقها بعمله. بحقٍّ أقول لكم: لو وجدتم سراجاً يتوقد بالقَطِران في ليلة مظلمةٍ لاستضأتم بنوره ولم يمنعكم منه نتْنُ قَطرَانه، فكذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمةَ ممن وجدتموها عنده قول عيسى عليه السلام لأصحابه بلغني عن محمد بن فُضَيل عن عمران بن سليم قال: بلغني أنّ عيسى بن مريم قال لأصحابه: إن كنتم إخواني وأصحابي فوطنوا أنفسَكم على العداوة والبغضاء من الناس؛ إنكم لا تُدرِكون ما تطلبون إلا بترك ما تشتهون، ولا تنالون ما تُحبون إلا بالصبر على ما تكرهون. إياكم والنَظْرَة، فإنها تزرع في القلب الشهوةَ. طوبى لمن كان بصرُه في قلبه ولم يكن قلبه في بصره! بين عيسى عليه السلام وأصحابه قال: وبلغني أن عيسى خرج على أصحابه وعليه جُبًةٌ من صوف وكساءٌ وتبانٌ حافياً مجزوز الرأس والشاربين باكياً شَعِثاً مصفَرً اللون من الجوع يابسَ الشًفتين من العطش، طويلَ شعر الصدر والذراعين والساقين؛ فقال: السلام عليكم يا بني إسرائيل أنا الذي أنزلتُ الدنيا منزلَها، ولا عجَب ولا فخر، أتدرون أين بيتي? قالوا: أين بيتك يا رُوحَ الله? قال: بيتي المساجد، وطيبي الماء وإدامي الجوعُ، ودابتي رجلي، وسراجي بالليل القمرُ، وصِلاتي في الشتاء مشارقُ الشمس وطعامي ما تيسَّر، وفاكهتي ورَيْحاني بُقُولُ الأرض، ولباسي الصوفُ، وشِعَاري الخوف، وجُلَسا الزَمْنى والمساكينُ، أصبحُ ليس لي شيء، وأمْسي وليس لي شيء، وأنا طيب النفس غنيّ مُكْثر فمن أغنى وأربح مني.
وقرأت في بعض الكتب: عبدي! ما يزال مَلَكٌ كريم قد صعِد إليِّ منك بعمل قبيح، أتقرب إليك بالنّعم، وتتمقَّتً إليَّ بالمعاصي خيري إليك نازلٌ، وشرك إليّ صاعدٌ.
وفي التوراة: لعلّكَ يا إسرائيلُ إذا أنت خرجتَ من البرية فدخلتَ الأرضَ المقدسة، أرض بني آبائك إبراهيم وإسحاقَ، فإنها تَفِيضُ بُراً وشعيراً ولبناً وعسلاً، فَورِثتَ بيوتاً بناها غيرُك وعصرتَ كروماً غرسها غيرك، فأكلتَ وشربتَ وتنعَمتَ بشحم لُبابِ القمح، ضربتَ بيدك إلىِ صدرك ورمحتَ كما ترمح الدابّةُ برجليها، وقلتَ: بشدّتي وبقوّتي وبأسي ورِثتُ هذه الأرض وغلَبتُ أهلَها، ونسِيتَ نعمتي عليك! فأقذف الرُّعبَ في صدرك إذا أنت لقِيتَ عدوك، وإذا هبت الريحُ فتقعقعِ لها ورِقُ الشجر انهزمتَ، فأقِل رجالكَ، وأرمَلُ نساءك، وأيتَم أبناءك، وأجعلُ السماءَ عليك نُحاسَاً والأرض حديداً، فلا السماءُ تُمطِر ولا الأرضُ تُنبِت، واقِلُّ لك البركةَ حتى تجتمع نِسوةٌ عَشْرٌ يختبزن في تَنُّورٍ واحدٍ .
لوهب بن منبه بلغني عن عبد الرحمن المحاربيّ عن جعفر بن بُرْقان قال: بلغني عن وهب بن منبه قال: أجُد في الكتاب أنّ قوماً يتديّنون لغير العبادة، ويختِلون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون مُسُوك الضأن على قلوب الذئاب، ألسنتهم أحلى من العسل وأنفُسهم أمرّ من الصبر، ألي يغترُّون! أم إياي يخادعون! أقسمتُ لأبعثن عليهم فتنةً يعود الحليمُ فيها حَيْران.

وقرأتُ في الإنجيل: "لا تجعلوا كنوزكم في الأرض حيث يفسِدها السوسُ والدودُ وحيث ينقُبُ السراقُ، ولكن اجعلوا كنوزكم في السماء فإنه حيث تكون كنوزكم تكون قلوبكم. إنَّ العينَ هي سِراجُ الجسد فإذا كانت عينك صحيحةً فإن جسدَك كلَّه مُضِيء. وإنه لا يستطيع أحد أن يعملَ لربيْن اثنيْن إلا أن يُحب أحدَهُما وُيبغِضَ الآخر، ويُوقِّر أحدهما ويُهينَ الآخرَ، فكذلك لا تستطيعون أن تعمَلوا لله وللمال. ولا يُهمَنًكم ما تأكلون وما تشربون وما تلبسون، أليست النفسُ أفضل من الطعام، والجسدُ أفضلَ من اللباس انظروا إلى طَير السماءِ فإنهن لا يزرعن ولا يَحصدن ولا يَجمعنَ في الأهْراءِ، وأبوكم الذي في السماء هو الذي يرزقُهنَ، أفلستم أفضلَ منهنَّ ! وأيكم الذي إذا جهِد قدر أن يزيدَ في طوله ذراعاً واحداً! فلِمَ تهتمون باللباس? اعتبروا بسُوس البرية فإنه لا يعملَ ولا يغزِل، أنا أقول: إن سليمانَ بوقاره لم يستطع أن يلبسَ كواحده منه، فإذا كان اللهّ يُلبِسُ عُشبَ الأرض الذي ينبت اليوم ويُلقَى في النارِ غداً، أفلستم يا قليلي الإيمانِ أفضلَ منه! ولا تهتفُوا فتقولوا: ماذا نأكل وماذا نشربُ وماذا نلبَسُ، فإنه إنما يهتمُّ لذلك ابن الدنيا؛ وإن أباكم الذي في السماء يَعْلم أنَّ ذلك ينبغي لكم، فابدأوا فالتمسوا ملَكوتَ الله وصِدِّيقيّته، فإنكم سوف تُكْفَون. ولا يُهمَنّكم ما في غدٍ، فإن غداً مكتفٍ بهمّه، وحَسْبُ اليوم شرهُ. وكما تَدِينون تُدانون، وبالمكيال الذي تكيلون يُكال لكم. وكيف تُبصِر القذاةَ في عين أخيك ولا تُبصر الساريةَ في عينك! لا تُعطوا الكلاب القُدْسَ، ولا تُلقما لؤلؤكم للخنازير. سَلوا تُعْطواَ وابتغُوا تجِدوا، واستفتحُوا يُفتحْ لكم، وانظروا الذي تُحبُّون أن يَأتِيَ الناسُ إليكم فأتوا إليهم؛ أدخلوا البابَ الضيق، فإن البابَ والطريقَ إلى الهَلَكةِ عَرِيضان، والذين يسلُكونَهما كثيرٌ. وما أضيق البابَ والطريقَ اللذين يُبلَغان إلى الحياةِ! والذين يسلكونَهما قليلٌ".
بين عيسى عليه السلام ورجل وقال له رجل: أتْبعُك حيث ذهبتَ. فقال له عيسى: للثعالبِ حِجرَةٌ، ولطير السماء كِنَان وليس لابن الإنسانِ مكان يُسنِدُ فيه رأسَه.
وبينه وبين رجل من الحواريين وقال له رجل من الحَوارِيين: أتأذن لي أن أدفِنَ أبي? فقال له: دع الموتَى يَدفنون موتاهم واتْبَعْني.
من أقوال عيسى للحواريين وقال للحوارِيين: لا تَتزودوا شيئاً، فإن العائلَ محقوقٌ أن يُطْعَم قُوتَه، وإني أرسلكم كالخِرفان بين الذئاب، فكونوا حُلَماء كالحياتِ وبُلْهاً كالحَمام. وإذا دخلتم البيتَ فسلموا على البيتِ، فإن كان ذلكَ البيت أهلَاَ لسلامكم فليُصِبْهم، وإن لم يكن أهلاً لسلامكم فإنه يرجع إليكم. ومن لم يُؤوِكم ويستمَعْ لقولكم، فإذا خرجتم من قَريته فانفُضُوا الغبارَ عن أرجُلِكم ما ناجى به عُزير ربه حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وَهْب قال: كان فيما ناجَى به عُزَير ربه: "اللهَم فإن لك من كلِّ خَلْقٍ خلفتَه خِيْرَةً اخترتها، وإنك اخترتَ من النابت الحبْلة؛ ومن المواشي الضائنةَ، ومن الطير الحمامةَ، ومن البيوت بيتَ إيلياء، ومن إيلياءَ بيتَ المقدِس، ومن جميع الخلائق آدمَ، ومن وَلَدِ آدمَ نوحاً، ومن وَلَد نوحٍ إبراهيمَ، ومن وَلَد إبراهيمَ إسماعيلَ وإسحاقَ، من وَلَد إسحاقَ إسرائيل؛ اللهمً فأصبحتْ خِيْرَتُك قد تمَت ونفذَتْ في كل ما اخترتَ إلا ما كان من وَلَد خليلك إبراهيم، فإنهم أصبحوا أعبُداً لأهل معصيتك وخَوَلًا لأعدائك، فما الذي سلَط علينا ذلك? أمن أجل خطايانا. فالخاطئون ولَدونا، أو من أجل ضعفنا? فمن ضعفٍ خلِقْنا. قال: فجاءني الملَكُ فكلمني، فبينما أنا كذلك سمعت صوتاً هالني فنظرت، فإذا امرأةٌ حاسرةٌ عن رأسها، ناشرةٌ شعرَها، شاقَّة جبيْها، تَلطِمُ وجهَها، وتصرُخُ بأعلى صوتِها، وتحثُو الترابَ على رأسها، فأقلبتُ عليها وتركتُ ما كنتُ فيه، فقلتُ لها: ما بالُكِ أيتها المرأةُ وما الذي دهاكِ? أخبريني خبرَكِ، فقد أصابت المصائبُ غيرَك.
قالتْ: إليك عنّي أيها الرجلُ، فإن ربّي هو الذي أبكاني، ومصيبتي أعظمُ مما ترى. فقلتُ: فإن في اللهّ عزاءً من كلّ مصيبة، وخَلَفَاً من كلّ هالك، وعوضاً من كل فائتٍ، فإياه استعيني، وإلى نظره لك فانظري.

قالت: إني كنتُ امرأة كثيراً مالي، عظيماً شرَفي، وكنت عاقراً لا وَلَدَ لي، وكنتُ عند بعلٍ له نِسوة معي وكلهن وُلدَ له غيري، فملنَ به لحب الولد فصرفَ وجهَه عنّي، فحزنتُ وحزن أهلي وصديقي، فلما رأيت هواني عليه وسقوطَ منزلتي عنده، رغِبتُ إلى ربي ودَعَوْتُه فأجابني، واستوهبتُه غلاماً فوهبه لي، فقرتْ به عيني، وفرح أهلي، وعطَف اللُه به زوجي، وقطعَ عنّي ألسنةَ ضرائري، فربيْتُ غلاماً لم تحمِلْ أنثى مثلَه حُسناً وجمالاً ونضَرة وتماماً، فلما بلَغ أشُده وكمَل به سروري خطبتُ عليه عظيمةَ قومي، وبذلتُ دونه مالي، وخرجتُ من خُلعتي، وجمعت رجالَ قومي، فخرج يَمشي بينهم حتى دخلَ بيتَه، فلما قَعد على سريره، خر منه فاندقت عنقُه فمات ابني وضلَّ عملي وبطَلَ نصيبي وتَلِفَ مالي، فخرجتُ إلى هذه البَريًة أبكيه فيها لا أريدُ أن أرى أثراً من آثاره ولا أحداً من أصحابه، ولن أبرَحَ أبكيه حتَّى ألحقَ به.
قال عُزَيرٌ: اذكري ربك وراجعيه، فقد أصابت المصائبُ غيرَك أما رأيتِ هلاكَ إيلياءَ وهي سيدةُ المدائن وأمُّ القُرَى? أوَ ما رأيتِ مصيبة أهلها وهم الرجال? قالت: إي رحِمك اللُه! إن هذا ليس لي بعزاء وليستْ لي بشيء منه أسوةٌ، إنما تبكي مدينةً خرِبَتْ، ولو تُعمَرُ عادتْ كما كانت، وإنما تبغِي قوماً وعدَهم الله الكَرَّةَ على عدوهم، وأنا أبكيَ على أمرٍ قد فات، وعلى مُصيبة لا أستقيلُها.
قال عُزَير: فإنه خُلِقَ لما صار إليه، وكل شيء خُلِقَ للدنيا فلا بد أن سيَفْنَى، أمَا رأيتِ مدينتنا أصبحتْ خاويةً على عروشها بعد عِمارتها، وأوحشتْ بعد أنسها وأثاثها؛ أوَ ما رأيت مسجدَنا كيف غُير حسنُه، وهُمَ حِصنُه، وأطفئ نورُه! أوَ ما رأيتِ عزَ أهلها كيف ذَلَّ، وشرفَهم كيف خَمُلَ ومجدَهم كيف سقَط، وفخرَهم كيف بطَل! أو ما رأيتِ كتاب اللّه كيف أحْرِقَ، ووليَ اللّه كيف رُفِعَ، وتابوتَ السكينةِ كيف سُبي! أو ما رأيتِ نساءَ الملوك وبناتِهم في بُطون الأسواقِ حاسرات عن السُوق والوجوه والأشعار! أو ما رأيت الأشياخ الذين على وجوههم النورُ والسكينةُ مقَرَّنِين في الحبال والقِطار! أو ما رأيتِ الأحبارَ والرهبانَ مصفدين في الإسار، أو ما رأيتِ أبناءَ موسى وهارون تُضرب عليهم السهامُ ويقتسمُهم الأشرارُ، وولدانَ الملوك خَدماً للكُفْار? أو ما رأيتِ قتلانا لم يوار أحداً منهم قبرٌ، ولم يَعهَدْ أحد منهم إلى ولد، فالحكماء مبهوتون، والعلماء يموجون، والحلماء متحيّرون، وأهلُ الرأي مُلْقُون بأيديهم مُستسلِمون.
قال: فبينا أنا أكلَمها غشى وجهَها نورٌ مثلُ شعاع الشمس حال بيني وبين النظر إليها فخمرتُ من شدته وجهي ورددتُ يدي على بصري، ثم كشفتُ وجهي فإذا أنا لا أحِسّها ولا أرى مكانَها، وإذا مدينة قد رُفعتْ لي حصينةٌ بسورها وأبوابها، فلما نظرتُ إلى ذلك خَرَرتُ صَعِقاً؛ فجاءني الملَك فأخذ بضَبْعي ونعشني وقال لي: ما أضعفك يا عُزَيْر! وقد زعمتَ أن بك من القوة ما تخاطبُ به ربك وتُدلِي بالعذر عن الخاطئين من بني إسرائيل.
قال له عُزَيْر: مثل الني رأيتُ وعاينتُ أضعفني وأذهب روحي.
قال الملَك: فإن المرأةَ التي كلمتْك هي المدينة التي تبكي عليها، صورها الله لك في صورة أنثى فكلمتك، فافقَهْ عنها: أما قولها: إنها عُمَرتْ زماناً من دهرها عاقراً لا ولد لها، فكذلك كانت إيلياءُ صعيداً من الأرض خرابَاً لا عُمرانَ فيها أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وأمّا قولها: إن اللّه وهب لها غلاماً عند اليأس، فذلك حين أقبل الله عليها بالعُمران فابتعث اللُّه منها أنبياءه وأنزل كتابه. وأما قولها: إنه هلك ولدُها حين كمل فيه سرورُها، فذلك حين غيَّر أهلُها نعَم اللّه وبدّلوها ولم يزدادوا بالنعم عليهم إلا جُرأة على الله وفساداً، فغير اللّه ما بهم وسلّط عليهم عدوَّهم حتى أفناهم، وقد شفَعك اللّه في قومِك وكتابك ومدينتك، وسيُعيدها الله عامرة كما رأيت عليها حيطانُها وأبوابُها، نجيها مساجدُها وأنهارها وأشجارها.
بين إبراهيم عليه السلام وصديق له يُدعى العازر
وحدثني بهذا الإسناد قال: لما أمر الله إبراهيم أن يذبح إسحاقَ عليهما السلام ويجعلَه رباناً، أسر ذلك إلى خليلٍ له يقال له: العازر؛ فقال له الصديق: إن الله لا يَبتلي بمثل هذا ملَك، ولكنَّه يريد أن يُجرَبك ويختبرَك، وقد علمتَ أنه لم يبتلِك بهذا ليَفتِنك ولا ليُضلَك ولا ليعنتك ولا لينقُص به بصيرتَك وإيمانَك ويقينَك، ولا يروعنَك هذا ولا تَسُوءنّ باللّه ظنّك، وإنما رَفع ذلك اسمكَ في البلاء على جميع أهل البلاء، حتى كنت أعظمهم في نفسك وولدك، ليرفعَك بقدر لك عليهم في المنازل والدرجات والفضائل؛ فليس لأهل الصبر في فضيلة الصبر إلا فضلُ صبرك، وليس لأهل الثواب في فضيلة الثواب إلى فضل ثوابك، وليس لأهل البلاء في جسيم شرف البلاء إلا فضلُ شرفك. وليس هذا من وجوه البلاء الذي يبتلي الله به أولياءه، لأن الله أكرمُ في نفسه وأعدلُ في حكمه وأعدل في عبادة من أن يجعل ذبح الولد الطيِّب بيد الوالد النبيّ المصطفَى؛ وأنا أعوذ بالله من أن يكون هذا منّي حتماً على اللّه أو ردّاً لأمره أو سُخْطاً لحكمه على عباده، ولكن هذا الرجاءُ فيه والظن به. فإن عزم ربك على ذلك فكن عبداً أحسن علمه بك ة إني أعلم أنه لم يُعرضك لهذا البلاء العظيم إلا لحُسن علمه بك وبصدقك وبصبرك، ليجعلك لناس إماماً، ولا حول ولا قوة إلا باللّه.
بين جبريل ويوسف عليهما السلام وحدثني بهذا الإسناد أن يوسف عليه السلام لما لبِث في السجن سبع سنين أرسل الله عز وجل إليه جبريلَ عليه السلامِ بالبشارة بخروجه، فقال له: أتعرفني أيها الصديق? قال له يوسف: أرى صورةً طاهرةً وروحاً طيباً لا يشبه أرواح الخاطئين. قال جبريل: أنا الروح الأمين، رسول رب العالمين. قال يوسف: فما أدخلك مداخل المذنبين وأنت سيد المرسلين ورأس المقربين. قال جبريل: أوَ لم تعلم أيها الصدّيقُ أن الله يطفَر البيوت بطُهر النبيين، وأن البقعة التي يحلون بها هي أطهر الأرضين، وأنه قد طهّر بك السجنَ وما حوله يابن الطاهرين. قال يوسف: كيف تشبّهني بالصالحين، وتسمّيني بأسماء الصدّيقين، وتُعدّني مع آبائي المخلصين، وأنا أسيرٌ بين هؤلاء المجرمين? قال جبريلُ: لم يَكلِم قلبَك الجزعُ، ولم يغير خُلُقَك البلاءُ، ولم يتعاظمك السجنُ ولم تطأ فراش سيّدك، ولم يُنسك بلاءُ الدنيا بلاءَ الآخرة، ولم تُنسك نفسُك أباك ربك ولا أبوك ربَّك؛ وهذا الزمان الذي يفُكُّ الله به عنوّك، ويُعْتِق به رِقك، ويُبيَن للناس فيه حكمتك، ويُصدق رؤياك وُينصفك ممن ظلمك، ويجمع إليك أحبّتك، ويهب لك مُلك مصرَ: يملكك ملوكها ويُعبِّد لك جبابرتها، ويُذلّ لك أعزّتها، ويُصغَر لك عظماءها، ويخدِمُك سُوقتها، ويخوّلك خوَلَها ويرحَم بك مساكينَها، ويُلقيِ لك المودةَ والهيبةَ في قلوبهم، ويجعل لك اليدَ العليا عليهم والأثر الصالحَ فيهم، ويُري فرعون حلْماً يفزَع منه ويأخذه له كربٌ شديد حتى يُسهرَه ويُذهَب نومَه ويعمّي عليه تفسيره وعلى السحرة والكهنة ويعلَمك تأويلَه.
وفي بعض الكتب: أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء: إذا أردت أن تسكنَ معي غداً في حظيرة القُدس فكن في الدنيا وحيداً فريداً مهموماً حزيناً، كالطائر الوحدانيّ يظلُّ بأرض الفلاة ويرِد ماء العيون ويأكل من أطراف الشجر، فإذا جَنً عليه الليل أوى وحده استيحاشاً من الطير واستئناساً بربه جلّ وعزّ.
الحجاج وصندوق عبد الله بن الزبير لما قُتِلَ عبدُ الله بن الزبَير وجد الحَجاجُ فيما ترك صُندوقاً عليه أقفال حديد، فتعجْب؛ وقال: إنّ في هذا شيئاً. ففتحه فإذا صندوقٌ آخرُ عليه قُفْل ففتحه فإذا سَفَطٌ فيه درج، ففتحه فإذا صحيفة فيها: إذا كان الحديث حَلفاً، والميعادُ خُلْفاً، والمِقْنبُ ألفاً، وكان الولدُ غيظاً، والشتاء قيظاً؛ وغاض الكرامُ غيضاً، وفاض اللئام فيضاً، فأعنزٌ عُفْرٌ، في جبل وَعْر، خير من مُلك بني النضّر. حدثني بذلك كعب الحِبر.

الدعاء
للنبي صلى الله عليه وسلم
حدثني أبو مسعود الدارمي: قال: حدثنا جريرٌ عن أنس بن مالك قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "قال ربكم عزّ وجلّ ثلاثة: واحدةٌ لي، وواحدةٌ لك يا بن آدم، وواحدة بيني وبينك، فأما التي لي فتخلِصُ لي لا تُشرِك بي شيئاً، وأما التي لك فأحوجُ ما تكون إلى عملك أوفيكه، وأمما التي بيني وبينك فمنك الدعاءُ وعلي الإجابة".
ما يفتتح به النبي صلى الله عليه وسلم صلاته في قيام الليل حدّثني عَبْدةُ بن عبد اللّه قال: أخبرنا زيد بن الحُبَاب قال: حدثنا معاوية قال: حدثني أزهرُ ابن سعيد عن عاصم بن حميد قال: سألتُ عائشةَ رضي اللّه عنها، ما كان يفتتح به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم به صلاتَه في قيام الليل? قالت: كان يُكبر عَشْراً ويحمَدُ عشرا ويسبح عشراً ويهلَل عشراً ويستغفرُ الله عشراً، وثم يقول: "اللهم اغفرْ لي واهدني وارزقني وعافني"، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة.
للنبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: حدثنا الخُفَافُ عن أبي الوَرْقاء عن عبد الله بن أبي أوفَى قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: " أصبحنا وأصبح الملكُ والكبرياءُ والعظمةُ والخَلقُ والأمرُ والليلُ والنهارُ وما يسكن فيهما لله رب العالمين وحده لا شريك له. اللهم اجعل أوّلَ هذا النهار صلاحاً وأوسطه فلاحاً وآخرَه نجاحاً. اللهم إني أسألك خيرَ الدنيا وخير الآخرة يا أرحمَ الراحمين".
دعاء الاستسقاء للحسين حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا حسين بن عليّ الجُعْفِيِ عن إسرائيلي عن الحسين أنه كان إذا استسقى قال: "اللهم اسقنا سُقْيا واسعةً وادعةً عامةً نافعةَ غيرَ ضارة تعم بها حاضرَنا وبادينَا وتزيد بها في رزقنا وشكرنا. اللهم اجعله رزقَ إيمانٍ وعطاءَ إيمانٍ إن عطاءك لم يكن محظوراً. اللهم أنزل علينا في أرضنا سكنها، وأنبِتْ فيها زينتها ومرعاها".
دعاء الاستسقاء للعباس روى الكلبيّ عن أبي صالح أن العباس قال: يوم استسقى عمر رضي اللّه عنه: "اللهم إنه لم ينزلْ بلاء إلا بذنب، ولا يُكشَف إلا بتوبةٍ، وقد توجّه بي القوم إليك لمكاني من نبيّك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة، فاسقنا الغيث،. فأرخت السماءُ شابيب مثلَ الجبال بديمةٍ مُطبِقَةٍ.
دعاء عمر بن عبد العزيز عشية عرفة بعرفة وروى سفيان بن عيينة عن أبي عبد الملك قال: سمعت عمر بن عبد العزيز عشية عرفه بعرفة وهو يقول: "اللهم زِدْ في إحسان محسنهم، وراجعْ بمسيئهم إلى التوبة، وحُطْ من ورائهم بالرحمة".
دعوات النبي صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من مجلس حدّثنا حسين بن حسين قال: حدّثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يحيى بن أيوب عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران عن عبد اللّه بن عمر قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يكاد يقوم من مجلس إلا دعا بهؤلاء الدعوات: لا اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تُبلغنا به إلى رحمتك، ومن اليقين ما تهونُ به علينا مصيباتُ الدنيا ومَتِّعنا بأسماعنا، أبصارنا، واجعل ذلك الوارثَ منا، وانصرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلَط علينا من لا يرحمنا".
لشدّاد بن أوس ثم للنبي صلى الله عليه وسلم بلغني عن يونس عن الأوزاعيّ عن حسّانَ بن عُطَيًة قال: كان شدّاد بن أوس في سفر، فنزلنا منزلاً فقال لغلامه: ائتِنا بالسفرة نَعبث بها، فأنكرت منه، فقال: ما تكلمت بكلمة مذ أسلمت إلا وأنا أخطِمها وأزّمها غير كلمتي هذه فلا تحفظوها عني، واحفظوا عني ما أقول لكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كنز الناسُ الذهبَ والفضّة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثباتَ في الأمر والعزيمةَ في الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسنَ عبادتك أسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، أستغفرك لِما تعلم، إنك أنت علام الغيوب".
من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم
بلغني عن الوليد بن مسلم قال: حدّثنا أبو سلمة الحوسيّ عن سالم بن عبد الله قال: كان من دعاء رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارزقني عينين هطّالتين تبكيان بذروف الدموع وتشفيانني من خشيتك قبل أن تكون الدموع دماً والأضراس جمراً".
حدّثني أبو سفيان الغَنْوِيّ قال: حدثنا عمر بن عِمران قال: حدّثني الحارث بن عِنبة عن العلاء بن كثير عن أبي الأسقع: أنه كان يحفظ من دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم: "يا موضعَ كلّ شكوى ويا شاهدَ كلّ نَجْوَى بكل سبيل أنت مقيم تَرَى ولا تُرَى وأنت بالمنظَر الأعلى".
دعاء عيسى عليه السلام للمرض والعميان والمجانين حدّثنا عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبّه قال: كان دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى والزِّمْنَى والعميان والمجانين وغيرهم: "اللهم أنت إله مَنْ في السماء وإله مَنْ في الأرض لا إله فيهما غيرُك، وأنت جبار مَنْ في السماء وجبار مَنْ في الأرض لا جبارَ فيهما غيرك، وأنت حَكَمُ مَنْ في السماء وحَكَمُ مَنْ في الأرض لا حَكَمَ فيهما غيرُك، وأنت ملِك منْ في السماء وملِك مَنْ في الأرض لا ملِك فيهما غيرك؛ قُدرتُك في الأرض كقدرتِك في السماء، وسلطانُك في الأرض كسلطانك في السماء؛ أسألك باسمك الكريم ووجهِك المنير إمُلكِك القديم، إنك على كلّ شيء قدير،. قال وهب: هذا يُقرأ للفزع على المجنون ويُكتب له ويغسل ويسقى، فيبرأ بإذن اللهّ أيّ ذلك شاء فعل.
من دعاء المسيح حين أخذه اليهود وحدّثني أيضاً بهذا الإسناد قال: كان من دعاء المسِيح حين أخذه اليهود ليصْلُبوه بزعمهم فرفعه الله إليك: "اللهم أنت القريب في علوك، المتعالي في دنوّك، الرفيع على كل شيء خَلْقك، أنت الذي نفذ بصرك في خلقك، وحَسِرَت الأبصار دون النظر إليك وعَشِيَتْ دونك وشمخ بك العلوّ في النور؛ أنت الذي جَلّيت الظُّلَمَ بنورك فتباركت اللهم خالق الخلق بقدرتك مقدر الأمور بحكمتك، مبتدِعَ الخلق بعظمتك، القاضي في كل شيء بعلمك؛ أنت الذي خلقتَ سبعاً في الهواء بكلماتك، مستوِياتِ الطباق مذعِناتٍ لطاعتك، سَمَا بهنّ العلوّ بسلطانك فَأجبْنَ وهنّ دخان من خوفك، فأتَيْنَ طائعاتٍ بأمرك، فيهن ملائكتك يسبّحون قدسَك بتقديسك وجعلتَ فيهنّ نوراً يجلو الظلام، وضياءً أضوا من شمس النهار، وجعلتَ فيهنّ مصابيحَ يُهتد بها في ظُلمات البحر والبر ورجوماً للشياطين، فتباركتَ اللهم في مفطور سمواتك، وفيها دَحَوت من أرضك، ودَحوتها على الماء، فأذللت لها الماء المتظاهر فذل لطاعتك وأذعن لأمرك وخضع لقوتك أمواجِ البحار، ففجّرتَ فيها بعد البحار الأنهارَ، وبعد الأنهار العيونَ الغِزار والينابيعَ؛ ثم أخرجت منها الأشجارَ بالثمار، ثم جعلتَ على ظهرها الجبالَ أوتاداً فأطاعتا أطوادُها، فتباركت اللهم في صنعك، فمن يبلغ صفةَ قدرتك ومن يُنعَتُ نعتك. تُنزِل الغيث وتُنشِئ السحابَ، وتفُك الرقابَ وتَقْضِي الحقّ وأنت خير الفاصلين. لا إله إلا أنت سبحانك أمرتَ أن يستغفرك كلُّ خاطئ. لا إله إلا أنت إنما يخشاك من عبادك العلماء الأكياس. أشهد أنك لست بإله استحدثناه، ولا رب يبيد ذِكرُه، ولا كان لك شركاءُ يقضون معك فندعو ونَدَعُك، ولا أعانك أحدٌ على خَلْقِك فنشك فيك. أشهدُ أنك أحد صمدٌ لم تلِد ولم يكن لك كفواً أحدٌ، ولم تتخذ صاحبةً ولا ولدا. اجعل لي من أمري فرجاً ومخرجا".
قال وهب: وهذا الدعاء عُوذَةٌ للشقيقة وغيرها من قولك: "أشهد أنك لستَ بإله استحدثناه، إلى آخره".
لابن عباس في كيفية الدعاء حدّثني محمد بن عُبَيد قال: حدّثنا سفيان بن عُيَينة عن ابن عباس قال: "الإخلاص هكذا، وبسط يده اليمنى وأشار بإصبعه من يده اليسرى، والدعاء هكذا، وأشار براحتيه إلى السماء، والابتهال هكذا، ورفع يديه فوق رأسه ظهورُهما إلى وجهه".
دعاء داود في الليل حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبّه قال: كان داود إذا دعا في جوف الليل قال: "اللهم نامتِ العيونً وغارتِ النجومُ وأنت حيّ قيّوم اغفر لي ذنبي العظيم إنك عظيم. وإنما يغفر العظيمَ العظيمُ، إليك رفعتُ رأسي عامرَ السماء نظرَ العبيد إلى أربابها. اللهمّ تساقطت القُرَى وأبطِل ذكرُها وأنت دائبٌ الدهرَ مُعد كرسيَّ القضاء".
من تحميد داود
قال: وكان من تحميده: "الحمد للّه عدد قطَر المطر، وورق الشجر، وتسبيح الملائكة، وعددَ ما في البرّ والبحر. والحمد للّه عددَ أنفاس الخَلْق ولَفْظهم وطَرْفهم وظِلالهم، وعددَ ما عن أيْمانِهم وشمائِلهم، وعددَ ما قهره ملكُه، ووسِعه حِفظُه، وأحاطت به قُدرته، وأحصاه علمُه. والحمد للّه عددَ ما تجري به الرياحُ، وتحمله السحابُ، وعددَ ما يختلِف به الليلُ والنهارُ، وتسير به الشمسُ والقمرُ والنجومُ. والحمدُ للّه عددَ كل شيء أدركه بصرُه، ونفذَ فيه علمًه، وبلغ فيه لطفًه. والحمد للّه الذي أدعوه فيُجِيبُني وإن كنتُ بطيئاً حين يدعوني. والحمد للّه الذي أسأله فيعطيني، وإن كنتُ بخيلاً حين يَستقرِضًني. والحمد لله الذي أستعفِيه فيُعافيني، وإن كنتُ متعرضاً لما يُهلِكني. والحمد للّه الذي حَلُم في الذنوب عن عقوبتي حتى كأني لا ذنبَ لي، ولو يؤاخِذُني لم يظلِمني سيدي. والحمد للّه الذي أرجوه أيامَ حياتي، وهو ذُخْرِي في آخرتي، ولو رَجوتُ غيره لانقطع رجائي. والحمد لله الذي تُمسِي أبواب الملوك مغلقةً دوني، وبابُه مفتوح لكل ما شئتُ من حاجاتي بغير شفيع فيقضيها لي. والحمد لله الذي أخلو به في كل حاجاتى، وأضعُ عنده سرّي في أي ساعة شئتُ من ساعاتي. والحمد لله الذي تحبب إليَّ وهو عني غَنِي، فربّي أحمدُ شيء عنده وأحقُه بحمده".
دعاء يوسف عليه السلام وكان من دعاء يوسفَ: "يا عُدَتي عند كربتي، ويا صاحبي في وَحْدَتي، ويا غِياثي عند شدتي، ومَفزَعي عند فاقتي، ورجائي إذا انقطعتْ حيلتي، إلهي وإله آبائي إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ، اجعل لي فرجاً ومخرجاً واقض حاجتي!.
دعاء بكّاء بني إسرائيل وكان بَكاء بني إسرائيل يقول: "اللهم لا تؤدبْني بعقوبتك، ولا تمكُرْ بي في حيلتك، ولا تؤاخذني بتقصيري عن رضاك، عظيم خطيئتي فاغفِرْ، ويسير عملي فتقبل، كما شئتَ تكون مشيئتك، وإذا عزمتَ يمضي عزمُك؛ فلا الذي أحسنَ استغنى عنك وعن عَونك، ولا الذي أساء استبد بشيء يخرُج به من قُدرتِك؛ فكيف لي بالنجاة ولا توجدُ إلا من قِبَلِك! إلهُ الأنبياء وولي الأنبياء، وبديعُ مرتبة الكرامة، جديد لا يبلى، حفيظٌ لا يَنْسَى؛ دائمٌ لا يبيد، حي يموت، يقظانُ لا ينام؛ بك عرفتُك، وبك اهتديتُ إليك، ولولا أنت لم أعْرِ ما أنتَ؛ فتباركت وتعاليتَ".


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10-28-2007, 03:14 PM
أبو سيف أبو سيف غير متواجد حالياً
اللهم يامُقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
 




افتراضي

للنبي صلى الله عليه وسلم قال الأزديّ: حدَثتُ عن محمّد بن النضر الحارثي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقطعوا الشهادة على أهل القبلة فإنه من يقطع الشهادةَ عليهم فأنا منه بريءٌ إنّ الله كتمنا ما يصنع بأهل القبلة وقال: "من عَلّم آيةً! كتاب اللّه أو كلمةً من سنّة في دين الله حثا الله له من الثواب حثواً".
قال: وقال الأوزاعيّ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أسألك التوفيق لمحَابِّك الأعمال وحسن الظن بك وصحة التوكل عليك".
لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقد سمع رجَلاً يدعو عند الكعبة محمد بن بشر العَبْدِي قال: حدثنا بعض أشياخنا قال: اعتمر علي عليه السلام ورجلاً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغَلُه سمعٌ عن سمع، ولا تُغلِطه المسائل ولا يبرمه إلحاحُ الملحين؛ أذقْني بَرْدَ عفوك وحلاوةَ مغفرتك. فقال علي: والذي نفسي بيده لو قلتها وعليك ملءُ السموات والأرَضين ذنوباً لغُفِر لك.
دعاء أعرابي عند الملتزم دعا أعرابي عند الملتزَم فقال: اللهم إن لك علي حقوقاً فتصدَقْ بها علي، وللناس تَبِعاتٍ فتحملها عني، وقد أوجبتَ لكل ضيف قِرى، وأنا ضيفُك فاجعلْ قِراي الليلة الجنةَ.
مثله لآخر وقال آخر: اللهم إليك خرجِتُ، وما عندك طلبتُ، فلا تحرمني خيرَ ما عندك لشرّ ما عندي. اللهم وإن كنتَ لم ترحم نصَبي وتَعَبي فلا تحرمني أجرَ المصابِ على مصيبته.
من كتاب لشيخ للمؤلف
وقرأتُ في كتابٍ لشيخ لنا: اللهمّ إنه من تهيأ و تعبأ، وأعد واستعدّ لوِفَادة مخلوقٍ رَجاءَ رفدِه وطَلَبَ نَيلِه، فإن تهيّئي وتعبئي وإعدادي واستعدادي لك رجاءَ رِفدك وطلبَ نائلك الذي لا خطَر ولا مِثلَ. اللهمّ إني لم آتَك بعمل صالح قدّمتُه، ولا شفاعةِ مخلوقٍ رجوته، أتيتك مُقِرا بالظُلم والإساءةِ على نفسي، أتيتُك بأنّي لا حجةَ لي، أرجو عظيمَ عفوك الذي عدتَ به علي الخَطّائين، ثم لم يمنعك عكوفُهم على عظيم الجُرم أن جُدتَ لهم بالمغفرة. فيا مَنْ رحمته واسعةٌ، وفضلُه عظيم اغفر الذنبَ العظيم.
للفضل بن عيسى الرقاشي ابن عائشة قال: قال الفضل بن عيسى الرٌقاشِي: اللهم لا تُدخِلنا النارَ بعد إذ أسكنتَ قلوبَنا توحيدَك؛ وإني لأرجو ألا تفعلَ، ولئن فعلتَ لتجمعنَ بيننا وبين قوم عاديناهم فيك.
لأبي حازم بلغني عن ابن عيَيْنةَ عن أبي حازم قال: لأنا مِنْ أن أمنَع الدعاءَ أخوفُ منّي من أن أمنَع الإجابةَ.
لبعض الشعراء في وصف دعوة أنشدنا محمد بن عمر لبعض الشعراء في وصف دعوة:

وسارية لم تَسْرِ في الأرض تبتغي

مَحَلاً ولم يقطع بها البيد قـاطـعُ
سَرتْ حيث لم تَسْرِ الركابُ ولم تُنَخْ

لِورْد ولم يَقصُصْ لها القيْدَ مانـعُ
تَحل وراءَ الليل واللـيلُ سـاقـط

بأوراقه فيه سـمـيرٌ وهـاجـعُ
تَفَتَحُ أبوابُ الـسـمـاء ودونَـهـا

إذا قَرَع الأبوابَ منـهـن قـارعُ
إذا أوفدتْ لم يروُرِ اللُه وفـدَهـا

على أهلها واللـه راءٍ وسـامـع
وإني لأرجو اللَه حتى كـأنـنـي

أرى بجميل الظنَ ما اللهصانـع

وقال آخر:
وإني لأدعو الله والأمرُ ضـيَق

علي فما ينفك أن يتـفـرًجـا
ورُث فتى سُدًتْ عليه وجوهُـهُ

أصاب له في دعوةِ الله مَخرجا

ونحوه:
إذا تضايقَ أمرٌ فانتظر فرجـاً

فأضيقُ الأمر أدناه من الفرج

كتاب رجل من العرب لآخر أخذ له مالاً أخِذَ لرجلٍ من العرب مالٌ فكتبَ إلى آخِذه: يا هذا، إن الرجلَ ينام علىِ الثكْل، ولا ينام على الحَرَبِ؛ فإمّا رددتَه، وإما عرضتُ اسمَك على الله تعالى كل يوم وليلةٍ خمْسَ مراتٍ رد بكر بن عبد اللّه على رجل طلب منه أن يدعو له قال عبد الرحمن بن زياد: اشتكَى أبي فكتب إلىِ بكر بن عبد الله يسأله أن يدعُوَ فكتب إليه بكر: يحقّ لمن عمِل ذنباً لا عُذر له فيه، وتوقَع موتاً لا بد له منه، أن يكون وجلاً مشفِقاً، سأدعو لك، ولستُ أرجو أن يُستجابَ لي بقوة في عملٍ، ولا براءةٍ من ذنبٍ، والسلام لإبراهيم بن أدهم خَلَفُ بنُ تميم عن عبد الجبّار بن كُلَيب قال: قال لنا إبراهيم بن أدهم حين عَرض لنا السبعُ: قولوا: اللهم احرُسْنا بعينك التي لا تنامُ، واجعلنا في كَنَفك الذي لا يُرام، وارحمنا بقدرتك علينا، لا نَهلِكُ وأنت رجاؤنا. قال خَلف: فما زلتُ أقولُها مذ سمعتُها، فما عَرض لي قط لِصٌ ولا غيرُهُ.
لأعرابي في الاستغفار قال أعرابيّ: من أقام بأرضنا فليُكثر من الاستغفار، فإنْ مع الاستغفار القُطَارَ .
كلمات عبر بهنّ العلاء بن الحضرمي البحر إلى أهل دارين بلغني عن موسى بن مسعود النًهْدي عن سفيان الثوري عن قُدامة بن حَمَاطَة الضَبيّ عن خالد بن مِنْجاب عن زياد بن حُدَير الأسديّ أن العلاء بنَ الحضرَميّ عبرَ إلى أهل دَارِينَ البحر بهذه الكلمات: يا حليمُ يا حكيمُ يا عليُ يا عظيمُ.
دعاء لقضاء الحاجة حدّثني محمد بن عُبَيد قال: حدّثنا يزيد بن هارون عن هشام الدَّسْتَوَائيّ عن حمّاد عن إبراهيم عن عبد الله في الرجل إذا أراد الحاجةَ صلَى ركعتين ثم قال: اللهم إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرُك بقُدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدِرُ ولا أقدِرُ، وتملِك ولا أملِك، وتعلَمُ ولا أعلَمُ، إن كان هذا الأمرُ الذي أريده - وتسميّه - خيراً لي في دِيني وخيراً لي في معيشتي وخيراً لي فيما أبتغي فيه الخِيَرَةَ فيَسرْه لي وباركْ لي فيه، وإن كان شرَاً لي في دِيني شرّاً لي في معيشتي وشرّاً لي فيما أبتغي فيه الخيرَ فاصرفه عنّي، ويسَرْ لي الخيرَ حيث كان ثم رضَني به.
من دعاء لبعض الصالحين
ومن دعاء بعض الصالحين: اللهم إنًي أستغفرك من كل ذنبِ قَوِيَ عليه بدني بعافيتك، ونالته يدي بفضل نعمتك، وانبسطتُ إليه بسَعَة رزقك، واحتجَبتُ فيه عن الناس بسَتْرك، اتّكَلْتُ فيه على أنَاتِكَ وحِلْمك، وعولتُ فيه على كريم عفوك.
الأوزاعي في دعاء الأوزاعيّ قال: مَن قال: "اللهمّ إني أستغفرك لمَا تبتً إليك منه ثم عدتُ فيه، وأستغفِرُك مَا وعدتُك من نفسي وأخلفتُك، وأستغفرك لمَا أردتُ به وجهَك فخالَطَه ما ليس لكَ، وأستغفرك للنًعم التي أنعمتَ بها عليّ فتقويْتُ بها على معصيتك، وأستغفرك لكل ذنبٍ أذنبتُه أو معصيةٍ ارتكبتها" غفر الله له ولو كانت ذنوبُه عَدَدَ ورق الشجر، ورمل عالج، وقَطْرِ السماء.
دعاء مطرف وكان مُطَرِّف يقول: اللهمّ إني أعوذً بك من شر السلطان، ومن شرّ ما تجرِي به أقلامُهم وأعوذ بك أن أقولَ قولًا حقّاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك، وأعوذ بك أن أتزيًن للناس بشي يَشينُني، وأعوذ بك أن أكونَ عِبرةً لأحدٍ من خَلْقك، وأعوذ بك أن يكونَ أحدٌ من خَلْقك أسعد بما علّمتَني منّي، وأعوذ بك أن أستغيثَ بمعصيةٍ لك من ضُر يُصيبني.
بين مالك بن دينار وقوماً سألوه أن يدعو الله للاستسقاء الأزديّ عن عبد الواحد بن زيد قال: شهدتُ مالكَ بن دينار يوماً وقيل له: يا أبا يحيى ادعُ اللَه أن يَسقيَنَا. قال: تستبطِؤون المطرَ! قالوا: نعم قال: إنني والله أستبطئُ الحجارَة.
لعطاء السُلمي قال أبو كعب: سمعتُ عطاءً السُلَمِيّ يقول: اللهم ارحَمْ غُرْبتي في الدنيا، ومَصرعي عند الموت ووحدتي في القبور، ومُقامي بين يديك.
في أن اللّه تعالى قسمَ الأخلاق على العباد كما قسم الأرزاق حدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدّثنا زُهير عن زُبيد اليامي عن مُرةَ عن عبد الله قال: إن الله تعالى قسمَ بينكم أخلاقَكم كما قسمَ بينكم أرزاقَكم، إن الله يُؤتِي المالَ مَنْ يحب ومن لا يحب، ولا يؤتي الإيمانَ إلا من يُحِب. فمن ضن بالمال أن يُنفقه، وهاب العدوً أن يُجاهده، والليلَ أن يكابدهَ فليُكثِرْ من سبحان الله والحمد لله ولا إلهَ إلا الله والله أكبر".
ومن جامِع الدعاء: اللهمّ أغنني بالعِلْم، وزيني بالحِلْم، وجفَلني بالعافية، وأكرمني بالتقوى.
من دعاء أبي المجيب وكان من دعاء أبي المجيب: اللهم لا تَكِلْنا إلى أنفسنا فنعجِز، ولا إلى الناس فنَضِيعَ، اللهمّ اجعلْ خيرَ عملي ما قاربَ أجلي.
من دعاء عمرو بن عبيد ومن دعاء عمرو بن عبيد: اللهم أغنِني بالافتقار إليك، ولا تُغنِني بالاستغناء عنك.
لابن عون فيما كانوا يستحبون من الدعاء ابن عائشة عن سلام بن أبي مُطِيع قال: سمعت ابن عون يقول: كانوا يَستحبون من الدعاء: اللهم عبدُك وابن عبدك وابن أمَتِك لعبيدك وإمائك، أنا الذليلُ ولا أنتصر، وأنا الظالم ولا أغتفر، عملتُ سوءا وظلمتُ نفسي وإلّا تغفر لي وترحمْني أكنْ من الخاسرين. فما أتمها ابن عون حتى أجهشَ بالبكاء .
من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلْني لك شَكاراً، لك ذَكّاراً، لك رهاباً، لك مطيعاً، إليك مُخبِتاً، لك أواهاً مُنيباً، رب تَقبلْ توبتي واغسِلْ حَوْبتي وأجبْ دعوتي وثبت حجتي واهدِ قلبي وسددْ لساني".

المناجاة
دعاء لبعضهم حدثني عبد الله بن هارون عن سُلَيم بن منصور عن أبيه قال: كنتُ بالكوفة فخرجتُ في بعض الليل لحاجة وأنا أظنُ أني قد أصبحتُ فإذا علي ليلٌ فمِلْتُ إلى بعض أبوابها أنتظر الصبحَ فسمعتُ من وراء الباب كلامَ رجلٍ وهو يقول: فوعزتك وجَلالِك ما أردتُ بمعصيتي مخالفتَكَ، وما عَصَيتُك إذ عصيتُك وأنا بنَكالِكَ جاهل، ولا بعقوبتك ولا بنظركَ مُستخِفٌ، ولكن سولتْ لي نفسي، وأعانني على ذلك شِقْوَتي، وغرني سَتْرُك المرْخَى علي، فعصيتُك بجهل وخالفتُك بجهل، فالآنَ من عذابك مَنْ يستنقِذُني وبحبل مَنْ أعتصمُ إن قطعتَ حبلَك عني، فوا سوأتاه من الوقوف بين يديك غدا! إذا قيل للمِخفَين: جُوزُوا، وللمثْقِلين: حُطُوا؛ أفمع المثقلين أحُط أم مع المخفَين أجُوز! ويلي! كلمّا كَبِرتْ سِني كَثُرتْ ذنوبي؛ ويليِ! كُلما طال عمري كثُرت مَعاصِي فمِنْ كَمْ أتوبُ! وفي كم أعودُ! أما آن لي أن أستحييَ من رَبيَ!.
من مناجاة داود عليه السلام بلغني عن الوليد بن مُسلم عن عثمان بن أبي العاتكة قال: كان داودُ النبي عليه السلامُ يقول في مناجاته: سبحانكَ إلهي! إذا ذكرتُ خطيئتي ضاقت علي الأرضُ برُحْبها، وإذا ذكرت رحمتَك ارتد إلي رُوحي، سبحانك إلهي! أتيتُ أطباءَ عبادك ليُداووا لي خطيئتي فكلهم عليك يَدُلُني.
لداود الطائي حدّثني بعضُ أشياخنا قال: كان داودُ الطائي يقول: همك عطًلَ علي الهمومَ، وحالف بيني وبين السُّهادِ، وشدّةُ الشفَق من لقائك أوبقَ عليَّ الشهواتِ، ومنعني اللذْاتِ، فأنا في طلبك أيها الكريمُ مطلوبٌ.
لضيغم وقال: تعبدَ ضيغم قائماً حتى اقعِدَ، وقاعداً حتى استلقَى، ومُستلقياً حتى أفحم؛ فلما جَهِد رفع بصرَه إلى السماء وقال: سبحانك، عجباً للخليقة كيف أرادتْ بك بدَلاً! وسبحانك عجباً للخليقة كيف استنارت قلوبُها بذكر غيرك! وعجباً للخليقة كيف أنسَتْ بسواك.
لامرأة من التابعين عُتبة أبو الوليد قال: كانت امرأة من التابعين تقول: سبحانك، ما أضيقَ الطريقَ على من لم تكن دليلَه، سبحانك ما أوحشَ الطريقَ على لم تكن أنيسَه.
مناجاة عروة بن الزبير أبو الحسن قال: كان عُروة بن الزُبير يقول في مناجاته بعد أن قُطِعتْ رجلُه ومات ابنُه: كانوا أربعةً، يعني بنيه، فأخذتَ واحداً وأبقيتَ ثلاثةً، وكن أربعاً يعني يديْه ورِجليه؛ فأخذتَ واحدةً وأبقيتَ ثلاثاً،. لَيْمُنُكَ لئن كنتَ أخذتَ لقد أبقيتَ، ولئن كنتَ ابتليتَ عافيتَ.
بين يونس وجبريل عليهما السلام وأعبد أهل الأرض وفي حديث بني إسرائيل أن يونُس عليه السلامُ قال: لجبريلَ عليه السلام: دُلني على أعبِد أهل الأرض. فدلَه على رجل قد قَطَع الجُذامُ يديه ورِجليْه، وذهب ببصرَه، فسمِعه يقول: متّعتَني ما شئتَ، وسلبتَني حين شئتَ، وأبقيتَ لي فيك الأملَ يا بارُ يا وَصُولً.
من دعاء لبعض الصالحين ومن دعاء بعض الصالحين: اللهمّ اقطع حوائجي من الدنيا بالشوق إلى لقائك، واجعل قُرَّةَ عيني في عبادتك، وارزقني غَم خوفِ الوعيدِ، وشوقَ رجاءِ الموعود، الَلهمّ إنك تعلم ما يصلِحُني في دنياي وآخرتي فكن بي حفِيًّا.

باب البكاء
بين النبي صلى الله عليه وسلم وفتى من الأنصار حدّثني أبو مسعود الدارِميّ قال: حدثني جدّي عن أنَس بن مالك قال: جاء فتًى من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن أمي تُكثر البكاءَ وأخاف على بصرها أن يذهب، فلو أتيتَها فوعَظتَها! فذهب معه فدخل فقال لها في ذلك؛ فقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن ذهب بصري في الدنيا ثم صرتُ إلى الجنة، أيُبدلني الله خيراً منه. قال: "نعم". قالت: فإن ذهب بصري في الدنيا ثم صرت إلى النار، أفيُعِيد الله بصري? فقال النبيّ عليه السلام للفتى: لا إن أمّك صِدَيقةٌ".
لثابت بن سعيد في ثلاث أعين لا تمسها النار حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعي عن ثابت بن سعيد قال: ثلاث أعينٍ لا تمسها النار؛ عين حرَسَتْ في سبيل اللّه؛ وعينٌ سهِرتْ في كتاب الله، وعينٌ بكتْ في سواد الليل من خشية الله.
لأبي إبراهيم أبو حاتم عن العُتبي قال: حدثنا أبو إبراهيم قال: لا يكون البكاءُ إلا من فضل فإذا اشتد الحزنُ ذهب البكاء وأنشد:

فلئن بكيناه يَحِقُّ لـنـا

ولئن تركنا ذاك للكِبر
فلمثله جرت العيونُ دَماً

ولمثله جمَدتْ فلم تَجرِ

عن عَمْرو بن العاص في يحيى بن زكريا
بلغني عن أبي الحارث الليث بن سعد عن أبيه عن ابن لَهِيعَة عن أبي قَبِيلٍ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : دخل يحيى بن زكريّا بيتَ المقدس وهو ابن ثَمانِي حجج، فنظر إلى عبادِ بيت المقدس قد لبِسُوا مدارعَ الشعرَ، وبَرانسَ الصوف، ونظر إلى متهجِّديهم، أو قال مجتهديهم، قد خرقوا التراقيَ، وسلكوا فيها السلاسلَ، وشدّوها إلى حنايا بيت المقدس، فهاله ذلك؛ فرجع إلى أبوبه فمر بصِبيانٍ يلعبون فقالوا: يا يحيى هلمَّ فلنلعبْ قال: إني لم أخلق للَّعب، فذلك قول الله تعالى: "وآتيناه الحكمَ صبيّا" فأتى أبويه فسألهما أن يُدَرِّعاه الشعر ففعلا، ثم رجع إلى بيت المقدس فكان يخدُمه نهاراً ويَصيحُ فيه ليلاً، حتى أتت له خمسَ عشرة سنة، وأتاه الخوفُ فساح ولزم أطرافَ الأرض وغِيرَانَ الشَعاب، وخرج أبواه في طَلبه فوجداه حين نزلا من جبال التِّيهِ على بُحيرة الأردنّ وقد قعد على شَفِير البُحَيرة وأنقعَ قدميه في الماء وقد كاد العطشُ يذبحهُ وهو يقول: وعزتِك لا أفوقُ باردَ الشراب حتى أعلَم أين مكاني منك فسأله أبواه أن يأكلَ قُرصاً كان معهما من شَعير، ويشربَ من الماء ففعلَ وكفَر عن يمينه فمدحُ بالبِرّ، قال اللّه عز وجل: "وَبَراً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَباراً عَصِيًا" ورده أبواه إلى بيت المقدس فكان إذا قام في صلاته بكى، ويبكي زكريا لبكائه حتى يُغمَى عليه، فلم يزل كذلك حتى خر دموعُه لحمَ خَدّيه، وبدَتْ أضراسُه، فقالت له أمه: يا يحيى " لو أذنتَ لي لاتخذتُ لك لبداً لِيواريَ أضراسكَ عن الناظرين". قال: أنتِ وذاكِ، فعَمَدَتْ إلى قِطْعَتيْ لًبودٍ فألصقتهما على خدّيه، فكان إذا بكى استنقعتْ دموعُه في القطعتين فتقومُ إليه أمُّهُ فتعصِرهُما بيديها، فكان إذا نطر إلى دموعه تجري على ذراعَيْ أمَهِ قال: اللهَم هذه دموعي وهذه أمَي وأنا عبدُك وأنت أرحمُ الراحمين.
ليزيد الرقاشيّ بلَغني عن أبي معاوية عن أبي إسحاق الخَمِيسيّ قال: كان يزيدُ الرقاشي يقول: ويحك يا يزيدُ! مَن يصومُ عنك! مَن يصلَي عنك! ومن ذا يترضَى لك ربك من بعدك! ثم يقول: يا معشر مَنِ الموت موعده، والقْبرُ بيتُه ألا تبكون! قال: فكان يبكي حتى تسقطَ أشفارُ عينيه.
للنبي صلى الله عليه وسلم في البكاء من خشية الله بلَغني عن محمد بن فُضَيل عن العَلاء بن المسيًب عن الحَسن قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَا منْ قطرةٍ أحب إلى الله مِنْ قطرةِ دمٍ في سبيله وقطرةِ دمعٍ في جوف الليل من خشيته، وما من جرْعةٍ أحبُّ إلى الله من جَرْعةِ مصيبة مُوجِعة ردّها بصبرٍ وحسُن عزاؤه، وجرعةِ غيظٍ كظَم عليها".
لمعتمر بن سليمان عن رجل في بكاء ابن عباس مُعتَمِر بن سليمان عن رجلٍ قال: كان في وجنتَي ابن عباس خطَّان من أثر الدموع.
بين سيار بن جعفر ومحمد بن واسع حدثني محمدُ بن داود عن سعيد بن نُصَيْر قال: حدثنا سَنار عن جعفرٍ قال: كنتُ إذا أحسستُ من قلبي بقسوة أتيتُ محمدَ بن واسعٍ فنظرتُ إليه نظرةً؛ قال: وكنت إذا رأيت وجهَه حسبتُه وجهَ ثَكلَى.
وكان يقال: أخوك مَنْ وعَظَك برؤيته قبلَ أن يعظَك بكلامه.
تكلم الحسَن يوماً حتى أبكَى مَن حولَه فقال: عَجيج كعجيج النساء ولا عزم، وخدعةٌ كخدعة إخوة يوسف جاءوا أباهم عِشاءً يبكون.
لمالك بن دينار وقد فقد مصحفه في مجلسه أبو عاصم قال: فقَدَ مالكُ بن دينار مصحفَه في مجلسه؛ فنظر إليهم كلَهم يبكون؛ فقال كلُّكم يبكي فمن سرَق المصحف? لعبد العزيز بن مرزوق قال عبد العزيز بن مرزوق: الكمد أبقَى للحزن. وكانت له شُعَيرات في مُقدمَّ صُدْغه فإذا رق نتفها أو مدَها إلى فوق فتقلصَ دمعُه.
لغالب بن عبيد اللّه قيل لغالب بن عبيد الله: إنا نخاف على عينك العمى من طول البكاء. فقال: هُوَ لها شفاعة.
لبعض الشعراء في البكاء قال بعض الشعراء:

سأبكيك حتى تُنْفِدَ العينُ ماءَها

ويَشفِيَ مني الدمعُ ماأتوجعً

مثله لبعض الكتاب وقال بعض الكتابِ في مثله:
إبك فمن أنفع ما في البكا

أنّه للأحزان تـسـهـيلُ
وهو إذا أنت تأمـلـتَـه

حُزْنٌ على الخدّين محلول

لعفيرة العابدة في البكاء
قيل لعُفَيْرةَ العابدة: ألا تسأمين من طول البكاء؛ فبكت ثم قالت: كيف يسأم ذو داء من شيء يرجو أن يكونَ له فيه من دائه شفاء!.
بين ابن أبي الحواري وأبي سليمان الداراني قال ابن أبي الحوَارِي: رأيت أبا سليمان الدارانيّ يبكي، فقلت له: ما يُبكيك? فقال: إنما أبكِي لذلك الغم الذي ليس فيه فرحٌ، وذلك الأمدِ الذي ليس له انقطاعٌ.
بين بعضهم وراهب بدير حرملة قال بعضهم: أتيتُ الشأمَ، فمررتُ بدير حَرْمَلَة، وبه راهبٌ كأن عينيْه عِدْلاً مَزادٍ؛ فقلتُ: ما يُبكيك. فقال: يا مسلمً، أبكِي على ما فرطتُ فيه من عمري، وعلى يومٍ مضى من أجلي لم يَتبيَّنْ فيه عملي. قال: ثم مررتُ بعد ذلك فسألتُ عنه؛ فقالوا: أسلمَ وغَزَا فقُتِل في بلاد الروم.
ليزيد الرقاشي أشعث قال: دخلتُ على يزيد الرقَاشيّ فقال لي: يا أشعثُ، تعالَ حتى نبكيَ على الماء البارد في يوم الظمأ. ثم قال: والهفاه! سبقني العابدون وقُطِعَ بي. وكان قد صام ثلاثين أو أربعين سنة.
بين زيد الحميري وثوبان الراهب زيد الحميريّ قال: قلتُ لثوبانَ الراهب: أخبرني عن لُبْس النصارى هذا السوادَ، ما المعنى فيه? قال: هو أشبه بلباس أهل المصائب. قال فقلتُ: وكلّكم معشرَ الرهبان قد أصيبَ بمصيبة? فقال: يرحمك الله! وأيّ مصيبةٍ أعظمُ من مصائب الذنوب على أهلها! قال زيد: فلا أذكر قولَه ذلك إلا أبكاني.
أيضاً بين ابن أبي الحواري وأبي سليمان الداراني ابن أبي الحوَاريّ قال: دخلت على أبي سليمان وهو يبكي، فقلت: ما يُبكيك. قال: يا أحمد، إنه إذا جَن الليلُ وهدأت العيونُ وأنسَ كلُ خليلَ بخليله، فرَشَ أهلُ المحبة أقدَامهم، وجرت دموعُهم على خدودهم يُسمع لها وقعٌ على أقدامهم، وقد أشرف الجليلُ عليهم فقال: بعيني مَنْ تلذَذَ بكلامي واستراح إليَّ، فما هذا البكاء الذي أراه منكم! هل أخبركم أحدٌ أن حبيباً بعذَبُ أحباءَه! أم كيف أبيتُ قوماً، وعند البيات أجدهم وقوفاً يتملقونني! فبي حلفتُ أن أكشفَ هم يومَ القيامة عن وجهي ينظرون إلي.
للخنساء في بكائها على أخيها صخر قالت خنساء: كنتُ أبكي لصخر من القتال، فأنا أبكي له اليوم من النار.
بين عمر بن ذر وأبيه قال عمر بن ذَرٍّ لأبيه: يا أبتِ، ما لَكَ إذا تكلمت أبكيتَ النساَ، وإذا تكلّمَ غيرُك يُبكهم? فقال: يا بني، ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المسأجرَة.
بعض ما أوحى به اللّه تعالى إلى نبي من أنبيائه وفي بعض ما أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبيائه: هبْ لي من قلبك الخشوعَ، ومن بَدَنك الخضوعَ، ومن عينك الدموعَ، وادعُني، فإني قريب.
لعمر وكان عمر يقول: استغزروا العيون بالتذكر.

التهجد
للنبي صلى الله عليه وسلم حدثنا حسين بن حسن المَرْوَزي قال: حدثنا عبد اللّه بن المبارك قال: أخبرني مَعْمرَ والأوزاعيُ عن يحيى بن أبي كَثِير عن أبي سلَمة عن أبي زَمَعة بن كعب الأسلميّ قال: كنت أتيتُ عند حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعُ، إذا قام من الليل: "سبحانَ الله رب العالمين" الهَوِي من الليل، ثم يقول: "سبحانَ اللِه وبحمده" الهَوِيً.
حدثنا حسين قال: حدثنا سفيان بن عُيَينة عن زياد بن عِلاَقَة قال: سمعتُ المُغيرةَ بن شعْبة يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توزمت قدَماه فقيل: يا رسول الله، قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؛ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً".
حدّثنا حسين قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا حمّاد بن سلَمة عن ثابت البُنَاني عن مُطَرف بن عبد الله عن أبيه قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المِرْجَل.
ليزيد الرقاشي بلغني عن رَبَاح عن معْتمِر عن رجل قد سمّاه قال: قال يزيد الرًقَاشيٌ: إذا أنا نمتُ ثم استيقظتُ ثم نمتُ فلا نامت عينايَ، وعلى الماءِ الباردِ السلامُ. يعني بالنهار.
بين عمر وعبيدة بن هلال الثقفي وروى جَرير عن عطاء بن السائب قال: قال عبيدة بن هلال الثَّقفي: لا يشهد عليّ ليل بنومٍ ولا شمسٌ بإفطارٍ. فبلغ ذلك عمرَ فأقسم عليه ليُفطرن العيدين.
قول عبيدة بن هلال لأهله
وروى حمَاد بن سَلَمة عن أبي جعفر الخَطميّ عن جده عُمَير بن حبيب قال: كان يقول لأهله: يا أهلاه، الدُلْجَةَ الدُلْجَةَ، إنه من يسبِق إلى الماء يظمأ؛ يا أهلاَ، الدلجةَ الدُّلجةَ، إنه من يسبق إلى الظلّ يَضْحَى.
لأي سليمان الداراني قال أبو سليمان الدارانيّ: أهلُ الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاء.
قول عيسى عليه السلام للحواريين خرج عيسى عليه السلام على الحواريين، وعليهم العَبَاءُ وعلى وجوههم النور، فقال: يا أبناء الآخرة، ما تنغَم المتنغَمون إلا بفضل نعيمكم.
للحسن في المتهجّدين وقيل للحسن: ما بالُ المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؛ فقال: إنهم خَلَوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
لهمام حُصَيْن بن عبد الرحمن عن إبراهيم قال: كان رجل يقال له همام يقول: اللهمً اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهراً في طاعتك. وكان يُصبح وجُفَتُه مُرَخلة؛ فيقول بعضُهم لبعض: إن جُمَةَ همام تخبركم أنه لم يتوسَدها الليلة.
لعبد اللّه بن داود قال عبد الله بن داود: كان أحدُهم إذا بلغ أربعين سنةً طوى فراشَه، وكان بعضهم يحيي الليلَ، فإذا نظر إلى الفجر قال: "عند الصباح يَحْمَدُ القومُ السرَى".
بين الفضيل بن عياض وحسين بن حسن حدّثنا حسين بن حسن قال: أخذ الفُضَيل بن عياض بيدي ثم قال: يا حسين، يقول الله: كذَبَ من ادعى محبتي وإذا أجَنَّه الليلُ نام عني، أليس كل حبيبٍ يُحب خلوةَ حبيبه! هأنذا مطلع على أحبّائي، إذا أجَمًهم الليلُ جعلتُ أبصارَهم في قلوبهم، ومثلتُ نفسي بين أعينهم فخاطَبوني على المشاهدة وكلَموني على الحضور.
لعطاء الخراساني الوليد بن مسلم قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد قال: كنَّا نعازي عطاء الخُراساني فكان يُحيي الليلَ صلاةً، فإذا مضى من الليل ثُلُثُه أو أكثرُ نادانا ونحنُ في فِسطاطنا: يا عبد الرحمن بن يزيد، ويا يزيد بن يزيد، ويا هشام بن الغاز، قوموا فتوضَؤوا وصلُّوا، فإن قيامَ الليل وصيامَ هذا النهار أيسرُ من شرب الصديدِ ومن مُقطّعات الحديد، فالوَحَا الوحا ثم النجاءَ النجاء، ويُقبل على صلاتِهِ.
لعلي كرم الله وجهه في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مِغْوَل عن رجل في جُعْفي عن السديّ عن أبي أراكة قال: صلفى عليُّ الغداة ثم جلس حتى ارتفعت الشمسُ كأن عليه كآبةً، ثم قال: واللهّ، لقد رأيتُ أثرأ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأى أحداً يُشبِههم، واللّه إن كانوا لَيُصبحون شُعْثاً غُبْراً صُفْراً، بين اعْينهم رُكَبِ المِعْزَى، قد باتوا يتلُون كتابَ الله، يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكروا الله مادوا كما يميدُ الشجر في يوم ريح، وانهملت أعينُهم حتى تُبل ثيابَهم، وكأنهم والله، باتوا غافلين. يريد أنهم يستقلّون ذلك.
لأبي هريرة في أهل السماء وأهل الذكر المحاربي عن الإفريقي قال: حدثنا أبو عَلْقَمَة عن أبي هريرة قال: إن أهلَ السماء ليرَوْن بيوتَ أهل الذكر تُضيءُ لهم كما تضيء الكواكبُ لأهل الأرض.
لعبد الله بن عيسى يَعْلَى بن عُبَيْد عن محمد بن عَوْن عن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله بن عيسى قال: كونوا ينابيعَ العلم، مفاتيحَ الهدى، أحلاس البيوت، جددَ القلوب، خُلقانَ الثياب، سرُجَ الليل، تعْرَفوا في أهل السماء، وتَخْفَوا في أهل الأرض.
لإبراهيم النخعي في الرجل يرى الضوء بالليل حدثني محمد بن داود قال: حدثنا أبو الربيع الزَّهْراني قال: حدثنا أبو عَوَانة عن المغيرة بن إبراهيم، في الرجل يرى الضوءَ بالليل؛ قال: هو من الشيطان، لو كان هذا فضلاً لأوثر أهلُ بدر.

الموت
بين محمد بن كعب وعمر بن عبد العزيز حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدثني عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب قال: نطرت إلى عمر بن عبد العزيز فأدمتُ النظرَ إليه؛ قال: ما تنظُر يا محمد? قلت: أنظر إلى ما ابيض من شعرك، ونحَلَ من جسمك، وتغيَّر من لونك. فقال: أمَا واللّه لو رأيتني في القبر بعد ثالثة؛ وقد سالتْ حدقتاي على وجنتيّ، وسال منخراي صديداً ودوداً، لكنتَ أشد نَكرَة.
لجارية ترثي ميتا وقال الأصمعي: دخلتُ بعضَ الجَبَابين، فإذا أنا بجاريةٍ ما أحسبها أتت مكليها عَشْرُ سنينَ، وهي تقول:

وروى حمَاد بن سَلَمة عن أبي جعفر الخَطميّ عن جده عُمَير بن حبيب قال: كان يقول لأهله: يا أهلاه، الدُلْجَةَ الدُلْجَةَ، إنه من يسبِق إلى الماء يظمأ؛ يا أهلاَ، الدلجةَ الدُّلجةَ، إنه من يسبق إلى الظلّ يَضْحَى.
لأي سليمان الداراني قال أبو سليمان الدارانيّ: أهلُ الليل في ليلهم ألذُّ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاء.
قول عيسى عليه السلام للحواريين خرج عيسى عليه السلام على الحواريين، وعليهم العَبَاءُ وعلى وجوههم النور، فقال: يا أبناء الآخرة، ما تنغَم المتنغَمون إلا بفضل نعيمكم.
للحسن في المتهجّدين وقيل للحسن: ما بالُ المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؛ فقال: إنهم خَلَوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
لهمام حُصَيْن بن عبد الرحمن عن إبراهيم قال: كان رجل يقال له همام يقول: اللهمً اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهراً في طاعتك. وكان يُصبح وجُفَتُه مُرَخلة؛ فيقول بعضُهم لبعض: إن جُمَةَ همام تخبركم أنه لم يتوسَدها الليلة.
لعبد اللّه بن داود قال عبد الله بن داود: كان أحدُهم إذا بلغ أربعين سنةً طوى فراشَه، وكان بعضهم يحيي الليلَ، فإذا نظر إلى الفجر قال: "عند الصباح يَحْمَدُ القومُ السرَى".
بين الفضيل بن عياض وحسين بن حسن حدّثنا حسين بن حسن قال: أخذ الفُضَيل بن عياض بيدي ثم قال: يا حسين، يقول الله: كذَبَ من ادعى محبتي وإذا أجَنَّه الليلُ نام عني، أليس كل حبيبٍ يُحب خلوةَ حبيبه! هأنذا مطلع على أحبّائي، إذا أجَمًهم الليلُ جعلتُ أبصارَهم في قلوبهم، ومثلتُ نفسي بين أعينهم فخاطَبوني على المشاهدة وكلَموني على الحضور.
لعطاء الخراساني الوليد بن مسلم قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد قال: كنَّا نعازي عطاء الخُراساني فكان يُحيي الليلَ صلاةً، فإذا مضى من الليل ثُلُثُه أو أكثرُ نادانا ونحنُ في فِسطاطنا: يا عبد الرحمن بن يزيد، ويا يزيد بن يزيد، ويا هشام بن الغاز، قوموا فتوضَؤوا وصلُّوا، فإن قيامَ الليل وصيامَ هذا النهار أيسرُ من شرب الصديدِ ومن مُقطّعات الحديد، فالوَحَا الوحا ثم النجاءَ النجاء، ويُقبل على صلاتِهِ.
لعلي كرم الله وجهه في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مِغْوَل عن رجل في جُعْفي عن السديّ عن أبي أراكة قال: صلفى عليُّ الغداة ثم جلس حتى ارتفعت الشمسُ كأن عليه كآبةً، ثم قال: واللهّ، لقد رأيتُ أثرأ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأى أحداً يُشبِههم، واللّه إن كانوا لَيُصبحون شُعْثاً غُبْراً صُفْراً، بين اعْينهم رُكَبِ المِعْزَى، قد باتوا يتلُون كتابَ الله، يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكروا الله مادوا كما يميدُ الشجر في يوم ريح، وانهملت أعينُهم حتى تُبل ثيابَهم، وكأنهم والله، باتوا غافلين. يريد أنهم يستقلّون ذلك.
لأبي هريرة في أهل السماء وأهل الذكر المحاربي عن الإفريقي قال: حدثنا أبو عَلْقَمَة عن أبي هريرة قال: إن أهلَ السماء ليرَوْن بيوتَ أهل الذكر تُضيءُ لهم كما تضيء الكواكبُ لأهل الأرض.
لعبد الله بن عيسى يَعْلَى بن عُبَيْد عن محمد بن عَوْن عن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله بن عيسى قال: كونوا ينابيعَ العلم، مفاتيحَ الهدى، أحلاس البيوت، جددَ القلوب، خُلقانَ الثياب، سرُجَ الليل، تعْرَفوا في أهل السماء، وتَخْفَوا في أهل الأرض.
لإبراهيم النخعي في الرجل يرى الضوء بالليل حدثني محمد بن داود قال: حدثنا أبو الربيع الزَّهْراني قال: حدثنا أبو عَوَانة عن المغيرة بن إبراهيم، في الرجل يرى الضوءَ بالليل؛ قال: هو من الشيطان، لو كان هذا فضلاً لأوثر أهلُ بدر.

الموت
بين محمد بن كعب وعمر بن عبد العزيز حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدثني عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب قال: نطرت إلى عمر بن عبد العزيز فأدمتُ النظرَ إليه؛ قال: ما تنظُر يا محمد? قلت: أنظر إلى ما ابيض من شعرك، ونحَلَ من جسمك، وتغيَّر من لونك. فقال: أمَا واللّه لو رأيتني في القبر بعد ثالثة؛ وقد سالتْ حدقتاي على وجنتيّ، وسال منخراي صديداً ودوداً، لكنتَ أشد نَكرَة.
لجارية ترثي ميتا وقال الأصمعي: دخلتُ بعضَ الجَبَابين، فإذا أنا بجاريةٍ ما أحسبها أتت مكليها عَشْرُ سنينَ، وهي تقول:

عَدِمتُ الحياةَ ولا نـلـتـهـا

إذا كنت في القبر قد ألحدوكا
وكيف أذوق لـذيذ الـكـرى

وأنت بيمناك قد وسّـدوكـا

قال الأزديّ: بلغني أن داود الطائيّ مر بامرأة تبكي عند قبرٍ وهي تقول: يا أخاه! شعري:
بأيَ خديك تبدي البِلى

وأيُ عينيك إذاً سالا

شعر لمالك بن دينار وقد أتى القبور حدّثني محمد بن مرزوق قال: حدّثنا محمد بن نصر المعلم قال: حدّثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار أنه قال:
أتيت القبـورَ فـنـاديتُـه

ن أين المعظَّم والمحتقَـرْ
وأين المدلُ بسلـطـانـه

وأين المزكَى إذا ما افتخَرْ

قال: فنوديتُ من بينها ولا أرى أحداً:
تفانَوْا جميعاً فما مُـخـبِـرٌ

وماتوا جميعاً وماتَ الخبَرْ
تروحُ وتغدو بناتُ الـثـرى

وتُمْحَى محاسنُ تلك الصُّوَرْ
فيا سائلي عن أناس مَضَـوْا

أمَالك فيما ترىمُعتـبَـرْ

قال: فرجعت وأنا أبكي.
شعر على قبر بالشام بلغني أنه قرئ على قبرٍ بالشام:

باتوا على قُلَل الأجبال تحرُسُـهـم

غُلْبُ الرجال فلم تنفعهم القُـلَـلُ
واستُنْزِلوا بعد عزٍّ من معاقلـهـم

فأسكِنوا حُفْرهًّ يا بئس ما نزلـوا
ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما دُفـنـوا

أين الأسرةُ والتيجانُ والـحُـلَـلً
أين الوجوهُ التي كانت مُحـخـبةً

من دونها تُضرَبُ الأستارُ والكِلَلُ
فأفصحَ القبرُ عنهم حين ساء لهـم

تلك الوجوهُ عليها الدودُ تقتـتـلُ
قد طال ما أكلوا دهراً وما نَعِمـوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكِلُوا

وقال آخر:
ربَّ قوم عَبَروا من عيشهم

في نعيم وسرور وغَـدَقْ
سكتَ الدهرُ زمانا عنهُـمُ

ثم أبكاهم دماً حيننَطَـقْ

بين النعمان وعدي بن يزيد نزل النُعمان ومعه عِدي بن زيد في ظل شجرةٍ عظيمةٍ ليَلْهُوَا، فقال له عدي بن زيد: أتدري ما تقولُ هذه الشجرةُ. قال: لا؛ قال تقول:
رب شَرْب قد أناخوا عنـدنـا

يشربون الخمرَ بالماءِ الزلازل
ثم أضحًوْا لَعب الدهرُ بـهـم

وكذاك الدهرُ حالاً بعدحـال

لإبراهيم بن مهدي وقال إبراهيم بن المهدي:
بالله ربك كم بيتٍ مـررتَ بـه

قد كان يُعْمَر باللذات والطربِ
طارتْ عُقابُ المنايا في سقائفه

فصار من بعدها للويل والحربِ

شعر للخليل بن أحمد الفراهيدي أنشدنا أبو عبد الرحمن صاحب الأخفش عن الأخفش للخليل بن أحمد العروضي:
كن كيف شئتَ فقَصرُك الموتُ

لا مَزْحَلٌ عـنـه ولا فَـوْت
بينا غِنَى بـيِتِ وبـهـجـتُـه

زال الغنَى وتقوَضَالـبـيتُ

شعر لمالك بن دينار وقد كان يخرج إلى القبور كل خميس حدّثني يزداد بن أسد عن الطَّنَافسيّ قال: حدّثنا أبو محمد قال: كان مالك بن دينار يخرج إلى القبور كل خميس على حِمار قوطرانيّ؛ ويقول:
ألا حَي القبورَ ومن بِهِنَّـهْ

وجوه في القبورِ أحِبُّهنَـهْ
فلو أنّ القبور سمعنَ صوتي

إذاً لأجبنني من وجدِهِنَـهْ
ولكنّ القبورَ صمتنَ عنـي

فابْتُ بحسرةٍ منعندِهِنَـهْ

ثم يبكي ونبكي.
بين معاوية بن أي سفيان وعُبَيْد بن شرية الجُرْهميّ قال معاوية بن أبي سفيان لعُبَيد بن شرية الجُرْهُميّ: أخبِرْني بأعجبِ شيءٍ رأيتَه الجاهليَّة. فقال: إني نزلتُ بحي من قُضاعة فخرجوا بجنازةِ رجل من عُفرَة يقال له حُريث وخرجتُ معهم، حتى إذا وارَوْه في حفرته انتبذتُ جانباً عن القوم وعيناي تذْرِفان ثم تمثلت بأبياتِ شعرٍ كنتُ أرويها قبل ذلك بزمانٍ طويلٍ:

تجري أمور ولا تَـدْرِي: أوائلُـهـا

خَيْرٌ لنفسك أم مـا فـيه تـأخـير

فاستقدرِ اللـه خـيراً وارضَـيَنَ بـه

فبينما العـسـرُ إذ دارت مـياسـر

وبينما المرءُ في الأحياءِ مغتـبـطـاً

إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير

يبكي الغريبُ عليه ليس يعرفه

وذو قرابته في الحيّ مسرور

قال: وإلى جانبي رجلٌ يسمع ما أقول، فقال لي: يا عبدَ الله، هل لك علم بقائل الأبيات. قلتُ: لا والله؛ إلا أني أرويها منذُ زمانٍ . فقال: والذي تحلِفُ به إن قائلَها لصاحبنا الذي دفنَّاه آنفاً، وهذا الذي ترى ذو قرابته أسر الناس بموته، وإنك لغريب وتبكي عليه وصفتَ. فعجبتُ لما ذكره في شعره وما صار إليه من أمره وقوله، كأنه ينظر إلى مكاني جنازته، فقلت: "إنً البلاء موكُل بالقول" فذهبتْ مثلاً.
لأعرابي فيما هو خير من الحياة وشر من الموت قال أعرابي: خيرٌ من الحياة ما إذا فقدتَه أبغضتَ لفقده الحياةَ، وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت لنزوله الموت.
شعر لأبي زبيد ولأبي العتاهية وقال أبو زُبَيد:

يملِكُ المرءُ بالرجاءِ وُيضحي

غَرَضا للمنون نَصْبَ العودِ
كلّ يومٍ ترميه منها برَشْـقٍ

فمصيبٌ أو صاف غير بعيد

وقال أبو العتاهية:
وَعَظَتْك أحداث صُمُتْ

وَنَعَتْك أزمنة خُفُـتْ
وتكلَّمتْ عـن أوجـهٍ

تَبلى وعن صور شُتُتْ
وأرتك قبرَكَ في القبو

رِ وأنت حي لم تمًتْ

لأعرابي وقال أعرابي: أبْعدَ سفر أولُ مَنْقَلةٍ منه الموتُ.
وقيل لأعرابيّ: مات فلانٌ أصح ما كان. فقال: أوَ صحيحٌ مَن الموتُ في عُنقِه! وقال بعض المحدَثين:

اسمعْ فقد أسمعك الصـوتُ

إن لم تبادر فهو الـفـوت
بل كُلْ إذا شئت وعِشْ ناعما

آخرُ هذا كلَـه الـمـوتُ

ما كان يقوله صالح المرّي في قصصه وكان صالح المرّي يقول في قَصَصه:
مؤمِّل دنيا لتـبـقَـى لـه

فماتَ المؤفَلُ قبل الأمَـلْ
وباتَ يُروِّي أصولَ الفَسيل

فعاش الفسيلُ ومات الرجُلْ

لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد:
كم رأينا من أناس هلكـوا

وبكَى أحبَابُهم ثم بُـكُـوا
تركوا الدنيا لمن بعـدهُـمُ

ودُفُم لو قدموا ما تركـوا
كم رأينا من ملوكٍ سـوقةَ

ورأينا سُوقةً قد مَلَـكـوا
قَلَب الدهرُ عليهم وَرِكـا

فاستداروا حيث دار الفلَكُ

بيتان كانا على جدار من جُدر القسطنطينية حدثني أبي عن أبي العتاهية أنه قرئ له بيتان على جدارٍ من جُحُر كنيسة القسطنطينية ما اختلف الليلُ والنهار ولا دارتْ نجومُ السماء في الفلَكِ إلا بنقل السلطانَ عن مَلكٍ كان يحدث الدنيا إلى مَلِكِ وقال آخر:
ما أنزل الموتَ حق منزلِـهِ

من عَدً يوماً لم يأتِ من أجَلِهْ
والصدق والصّبرُ يبلُغان بمن

كانا قرينيْه منتهَـى أمـلِـهْ
عليك صدق اللسان مجتهـدا

فإنّ جُل الهلاك فيزللِـهْ

للطرماح وقال الطِّرماح:
فيا ربّ لا تجعلْ وفـاتـيِ إن أتـت

على شَرجَع يُعْلَى بدُكنِ المطـارف
ولكن أجِزْ يومي شهيداً وعُـصْـبةً

يصابون في فجٍّ من الأرض خائف
عصائبُ من شتَّى يؤلـفُ بـينـهـم

هُدى الله نزَّالون عند الـمـواقـف
إذا فارقوا دنياهُـم فـارقـوا الأذى

هُدى الله نزَّالون عند الـمـواقـف
فأقتل قَعْصاً ثم يُرمَى بأعـظـمـي

كضِغْثِ الخَلاَ بين الرياح العواصِف
ويصبِح لحمي بطنَ طـير مـقـيلة

دُوينَ السماء في نسـورٍعـوائِف

لنوح عليه السلام وقد بنى بيتاً من خص وُهَيب بن الوَرْد قال: اتّخذ نوح بيتاً من خُصٍّ، فقيل له لو بنيت بيتاً. فقال: هذا لمن يموت كثيرٌ.
لأبي الدرداء إذا رأى جنازة، وشعر للبيد بلغني عن إسماعيل بن عَيّاش عن شُرحَبيْل بن مسلم أن أبا الدَرداء كان إذا رأى جنازةً قال: إغْدِي فإنّا رائحون، أو قال: روحي فإنا غادون. وهذا مثل قول لبيد:

وإنا وإخواناً لنا قد تتابعـوا

لكالمغتدي والرائح المتهجرِ

لهلال بن إساف بلغني عن وَكِيع عن شَريك عن منصور عن هلال بن إِساف قال: ما من مولود يولد إلا وفي سرّته من تربة الأرض التي يموت فيها.
أول شعر قيل في ذم الدنيا قال الأصمعي: أوّل شعر قيل في ذم الدنيا قول ابن خَذّاق:

هل للفتى من بناتِ الدهر من راقي

أم هل له من حِمَام الموت من واقي
قد رجَّلوني وما رُجِّلتُ من شَـعَـثٍ

وألبسونـي ثـيابـاً غـيرَ أخـلاقِ
وطيَّبونـي وقـالـوا أيّمـا رجـلٍ

وأدرجوني كأنّي طـي مـخـراقِ
هوَن عليك ولا تُولَـع بـإشـفـاقِ

فإنما مالُنا لـلـوارثالـبـاقـي

بين النبي صلى الله عليه وسلم ورجل لا يحب الموت محمد بن فُضَيل عن عُبيد الله بن عُمَير قال: جاء رجل إلى النبي عليه السلام فقال: يا نبيً الله، ما لي لا أحبُّ الموت? فقال له: "هل لك مال?" قال: نعم. قال: "قدمه بين يديك".
قال: لا أطيق ذلك. قال: فقال النبي عليه السلام: "إنّ المرءَ مع ماله إن قدمه أحبَّ أن يَلْحق به وإن أخَّره أحب أن يتخلَف معه".
للربيع بن خيثم في مرضه المحاربيّ عن عبد الملك بن عُمَير قال: قيل للربيع بن خيْثم في مرضه: ألا ندعو لك طبيباً? قال: أنظِروني؛ ثم فكر فقال: "وعادٍ وثَمُودَ وأصحابَ الرَسَ وقُرُوناً بينَ ذلكَ كثيراً" قد كانت فيهمِ أطباءُ، فما أرى المداوى بَقِي ولا المداوَى؛ هلك الناعتُ والمنعوتُ له، لا تدعوا لي طبيباً.
شعر كان يتمثل به عمر بن عبد العزيز دائماً إسحاق بن سليمان عن أبي أحمد قال: كان عمر بن عبد العزيز ليس له هِجيرَى إلا أن يقول:

تُسَر بما يَبلَى وتفرَحُ بالمـنـى

كما اغترّ باللذاتِ في النوم حالمُ
نهارُك يا مغرورُ سهوٌ وغَفْـلةٌ

وليلُك نومٌ والـردىَ لـك لازمُ
وسعيُك فيما سوف تكره غبـهُ

كذلك في الدنيا تعيشُالبهـائمُ

كم من مستقبل يوماً ليس بمستكمله، ومنتظِرٍ غدا ليس من أجله، لو رأيتم الأجل ومسيرَه، لأبغضتم الأمل وغرورَه.
لا يلبث القُرنَاء أن يتفرّقوا

ليل يَكُرّ عليهمُونهـارُا

لأبي هريرة يحيى بن آدم عن عبد اللّه بن المبارك عن عبد الوهاب بن وَرْد عن سالم بن بَشير بن حَجَل عن أبي هريرة: أنه بكى في مرضه فقال: أمَا إني لا أبكي على دنياكم ولكني أبكي على بُعْدِ سفري وقلّة زادي، وأني أمسيتُ في صُعودٍ مهبِطُه على جنةٍ أو نار، ولا أدري على أيّهما يؤخذ بي.
لمعاذ لما احتُضِر أبو جَنَاب قال: لما احتُضِر معاذٌ قال لجاريته: ويحكِ! هل أصبحنا? قالت: لا؛ ثم تركها ساعةً ثم قال لهًا: أنظُرِي! فقالت: نعم؛ فقال: أعوذ باللّه من صباح إلى النار ثم قال: مرحباً بالموت، مرحبا بزائر جاء على فاقةٍ، لا أفلَح مَنْ نَدِم! اللهمّ إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاءَ في الدنيا لكَرْي الأنهارِ ولا لغرس الأشجارِ، ولكن كنت أحب البقاءَ لمكابدة الليل الطويل ولظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمةِ العلماء بالرُّكَبِ في حلَق الذَكر.
لعمرو بن العاص عند احتضاره أبو اليَقْظان قال: لما احتُضِر عمرُو بن العاص جعل يده في موضع الغُل من عنقه ثم قال: اللهم إنك أمرتَنا ففَرّطْنا، ونهيتنا فركِبنا، اللهم إنه لا يَسعُنا إلا رحمتُك؛ فلم يزل ذلك هِجيراه حتى قُبضَ.
لأزاذمرد في احتضاره وقد سُئِل عن حاله قيل لأزاذمَرْد بن الهِرْبذ حيني احتًضِر: ما حالُك? فقال: ما حال من يريد سفراً بعيداً بلا زاد، وينزلُ حفرةً من الأرض مُوحِشة بلا مؤنس، ويَقْدَمُ على ملكٍ جبّارٍ قد قَدم إليه العذرَ بلا حُجةٍ.
لأمية بن أبي الصلت عند وفاته حدثني عَبدةُ الصفارُ قال: حدّثني العَلاء بن الفضل قال: حدّثني محمد بن إسماعيل عن أبيه عن جده عن جد أبيه قال: سمعتُ أميةَ بن أبي الصلْت عند وفاته وأغميَ عليه طويلاً ثم أفاق، ورفع رأسه إلى سقف البيت وقال: لبيكما لبيكما، هأنذا لديكما، لا عشيرتي تَحمِيني، إلا مالي يَفدِيني. ثم أغميَ عليه طويلاً ثم أفاق فقال:

كل عيش وإن تـطـاولَ دهـراً

صائرٌ مـرة إلـــى أن يزولا
ليتني كنتُ قبل ما قـد بـدا لـي

في رؤوس الجبال أرعَى الوُعُولا

ثم فاضت نفسُه.
للمنصور عند موته
الحكَم بن عثمان قال: قال المنصور عند موته: اللهمّ إن كنتَ تعلمَ أني قد ارتكبتُ لأمورَ العظامَ جُرأة منّي عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتُك في أحب الأشياء إليك شهادةِ أن لا له إلا أنت، مَنًا مِنْك لا مَنُّا عليك.
وكان سببُ إحرامه من الخضراء أنه كان يوماً نائماً، فأتاه آتٍ في منامه فقال:

كأنّي بهذا القصر قد بادَ أهلُـه

وعُرِّيَ منه أهلُه ومنـازلُـه
وصار عميدُ القوم من بعد نعمةٍ

إلى جَدَثٍ تُبنَى عليه جنادلـه
فلم يبق إلا رسمـهُ وحـديثُـه

تُبَكِّي عليه مُعْوِلاتٍحـلائلـه

فاستيقظ مرعوباً ثم نام فأتاه الآتي فقال:
أبا جعفرٍ حانت وفاتك وانقضت

سنُوكَ وأمرُ الله لا بـد واقـع
فهل كاهن أعددتَه أو منـجـم

أبا جعفرٍ عنك المنـيةَدافـع

فقال: يا ربيع آئْتِني بطَهوري. فقام واغتسل وصلَى ولبى وتجهًز للحج، فلما صار في الثلث الأؤل اشتدت علتُه، فجعل يقول: يا ربيع ألقِني في حرم اللّه، فمات ببئر ميمون.
فيمن يذهله احتضاره عن قول: لا إله إلا اللّه حدثني محمد بن داود عن سعيد بن نصير عن العباس بن طالب قال: قال الربيع بزة: كنتُ بالشامٍ فسمعتُ رجلاً وهو في الموت يقال له: قل لا إله إلا الله، فقال: اشرب واسقني.
ورأيت رجلاً بالأهواز قيل له: قل لا إلهَ إلا الله؛ فقال: ده يا ذده وده وداوزده . وقيل لرجل بالبصر: قل لا إله إلا الله، فقال:

يارب قائلة يوماً وقد لَـغِـبـتْ

كيف الطريقُ إلى حمفَام مِنجاب

لأبي معمر فى تلقين الميت حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن معمر عن أبيه قال: لقَن ميتَك، فإذا قالها فدعه يتكلم بغيرها من أمر الدنيا ولا تُضجِرْه.
وصية والد مالك بن ضيغم لبنيه قال مالك بن ضيغم: لما احتُضِر أبي قلنا له: ألا تُوصي قال: بلى، أوصيكم بما أوصى به إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ: "يَا بَنِيً إنً الله اصطَفَى لَكُمُ الدينَ فَلاَ تَمُوتن إلا وأنتُمْ مسْلِمُونَ" وأوصيكم بصلة الرحم وحسنِ الجوار وفعل ما استطعتم من المعروف، وادفنوني مع المساكين.
بين عمر بن عبد العزيز وابنه وقال عمر بن عبد العزيز لابنه: كيف تَجدك. قال: في الموت؛ قال: لأن تكونَ في ميزاني أحبّ إلي من أن أكون في ميزانك. قال: وأنا والله لأن يكون ما تُحبّ أحبّ إليَّ من أن يكون ما أحِبّ.
لسيبويه النحويّ في احتضاره احتضر سيبويه النحوي فوضع رأسه في حجر أخيه فقطَرت قَطرةٌ من دموع أخيه على خدّه، فأفاق من غشيته وقال:

أخيينْ كنّا فـرّق الـدهـر بـينـنـا

إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهرا!

وصية هَرِم بن حبان أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال: قيل لهَرِم بن حبئان: أوص؛ فقال: قد صدَقَتني نفسي في الحياة، ما لي شيء أوصِي فيه، ولكن أوصيكم بخواتيم سورة النحل.
قال الشاعر:

ما ارتدّ طرفُ امرىء بلحظته

إلا وشيء يموتُ من جسـدهْ

وقال آخر:
المرء يشقَى بما يسعَى لـوارثـه

والقبرُ وارثُ ما يسعى له الرجُلُ

وصية الربيع بن خيثم حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن أبي حيّان التيميّ عن أبيه قال: أوصَى الربيعُ بن خيثم وأشهدَ على نفسه وكفَى بالله شهيداً وجازياً لعباده الصالحين ومُثيباً: إني رضيت بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وأوصِي نفسي ومن أطاعني أن يعبُدَ اللّه في العابدين ويحمده فيٍ الحامدين وينصحَ لجماعة المسلمين؛ وأوصَى أهله: ألًا تُشعِروا بي أحداً وسُلُوني إلى ربّي سَلاً.
لعمر بن ذرّ عند موت ابنه ذز حدثني محمد بن أحمد بن يونس قال: سمعتُ عمر بن جرير المهاجري يقول: لما مات ذرّ بن عمر بن ذر قال لأصحابه: الآن يضيع الشيخ لأنه كان به بارّاً؛ فسمعها الشيخُ فقال: أنَى
أضيعُ والله حيّ لا يموت! فلما واراه الترابَ وقف على قبره وقال: رحمك الله يا ذراً ماعلينا بعدك من خصاصةٍ وما بنا إلى أحدٍ مع الله حاجةٌ، وما يسرُّني أنَي كنت المقدمَ قبلَك، ولولا هولُ المطًلَع لتمنيّتُ أن أكون مكانَك، لقد شغلني الحزنُ لك عن الحزن عليك، فيا ليت شعري ماذا قلتَ وما قيل لك! ثم رفع رأسَه إلى السماء فقال: اللهمّ إنّي قد وهبتُ حقَي في بيني وبينه له، فهبْ حقَك فيما بينك وبينه له. ثم قال عند انصرافه: مضينا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك.
لعائشة رضي اللّه عنها في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولها أيضاً على قبر أبيها حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا شُرَيح بن النّعمان عن عبد العزيز بن أبي سَلمة الماجِشُون عن عبد الواحد بن أبي عَوْن عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: "تُوِّفي رسولُ الله؛ فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضَها، إشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العربُ، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وغَنَائها في الإسلام وكانت مع هذا تقول: "من رأى عمرَ بن الخطاب عرفَ أنه خُلِقَ غَنَاءً للإسلام، كان والله أحوزِيّاً نسيجَ وحده، قد أعد للأمور أقرانَها".
وقالت عند قبره: "رحِمك الله يا أبتِ! لقد قمتَ بالدين حين وهى شَعْبهُ وتفاقم صَدْعه؛ ورجفت جوانبُه؛ إنقبضتَ مما أصغَوْا إليه، وشمرت فيما وَنُوا فيه واستخففتَ من دنياك استوطنوا وصغَّرتَ منها ما عظموا ورعَيت دينك فيما أغفلوا، أطالوا عِنان الأمن واقتَدت مطي الحذر، ولم تهضِم دينك ولم تَشِنْ غدَك ففاز عند المساهمة قِدْحُك وخفً مما استوزروا ظهرُك".
وقالت أيضاً عند قبره: "نَضر اللّه وجهك يا أبتِ! فلقد كنتَ للدنيا مُذُلاً بإدبارِك عنها وللآخرة مِعزاً بإقبالك عليها؛ ولئن كان أجل الرزايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رُزْؤك وأكبرَ المصائب فقدُك إنّ كتابَ الله ليَعِدُ بجميل العزاءه عند أحسنِ العِوَض منك، فأنا أتنَجَز من الله مَوعده فيك بالصبر عليك، وأستعيضُه منك بالاستغفار لك؛ عليك سلامُ الله ورحمتُه، توديعَ غير قاليةٍ لحياتك ولا زاريةٍ على القضاء فيك".
للحسين بن علي على قبر أخيه الحسن قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن: "رحِمك الله أبا محمد! إن كنتَ لَتُباصِرُ الحق مَظَانًه، وتؤلِر اللّه عند تداحُض الباطل في مواطن التقية بحسن الروية، وتستشف جليلَ مَعاظم الدنيا بعينِ لها حاقرة، وتُفيضُ عليها يداً طاهرةَ الأطرافِ نقيةَ الأسرةِ، وتردَعُ بادرةَ غربِ أعدائك بأَيسرٍ المؤونة عليك؛ ولا غَروَ وأنت ابن سلالة النبوة ورضيعُ لِبان الحكمةِ، فإلي رَوْح ورَيحانٍ وجنةِ نعيم؛ أعظمَ الله لنا ولكم الأجرَ عليه، ووهبَ لنا ولكم النبوةَ وحُسْنَ الأسَى عنه".
تأبين ابن السماك لداود الطائي
حدثني عبد الرحمن بن الحسين السعيديّ عن محمد بن مُصْعَب: أن ابن السفَاك قال يوم مات داودُ الطائيّ في كلام له: إن داود رحمه الله نظر بقلبه إلى ما بين يديه من آخرته، فأعشَى بصرُ القلب بصرَ العين، فكًان كأنه لا ينظر إلى ما إليه تنظرون، وكأنكم لا تنظرون إلى ما إليه ينظر، فأنتم منه تعجَبون وهو منكم يعجَب، فلما رآكم راغبين مذهولين مغرورين قد أذهلت الدنيا عقولَكم وأماتت بحتها قلوبَكم استوحش منكم، فكنتُ إذا نظرتُ إليه نظرت إلى، حي وسطَ أمواتٍ. يا داود ما أعجب شأنك بين أهل زمانك؛ أهَنت نفسَك وإنما تريد إكرامَها، وأتعبتهِا وإنما تريد راحتَها، أخشنتَ المطعمَ وإنما تريد طِيبَه وأخشنتَ الملبسَ وإنما تريد لِينَه، ثم أمتَ نفسَك قبل أن تموتَ، وقبَرتَها قبلَ أن تُقبَر، وعذَبتها ولما تُعذب، وأغنيتها عن الدنيا لكيلا تُذكَر، رغبتْ نفسُك عن الدنيا فلم ترها لك قدراً إلى الآخرة، فما أظنُّك إلا وقد ظَفِرت بما طالبت؛ كان سيماك في سرك ولم يكن سيماك في علانيتك، تفقًهتَ في دينك وتركت الناس يُغَنُّون، وسمعتَ الحديثَ وتركتهم يُحدَثُون، وخَرِسْتَ عن القول وتركتهم ينطقون، لا تَحسُد الأخيارَ، ولا تعيبُ الأشرارَ، ولا تقبل من السلطان عطية، ولا من الإخوان هدية؛ آنسُ ما تكون إذا كنتَ بالله خالياً، وأوحشُ ما تكون آنسُ ما يكون الناس؛ فمن سمِع بمثلك وصبرَ صبرَك وعزَم عزمَك! لا أحسَبُك إلا وقد أتعبت العابدين بعدَك، سجنتَ نفسَك في بيتك فلا مُحدَثَ لك ولا جليسَ معك ولا فراشَ تحتك ولا سترَعلى بابك ولا قلةَ يُبَرْد فيها ماؤك ولا صحفةَ يكون فيها غَداؤك وعَشاؤك، مِطْهَرَتُك قلبُك وقَصْعتُك تَوْرُك. داود ما كنتَ تشتهي من الماء باردَه ولا من الطعام طيبَهُ ولا من اللباس ليِّنَه، بلى! ولكن زَهِدتَ فيه لما بين يديك، فما أصغرَ ما بذلت وما أحقرَ ما تركتَ في جنب ما أملتَ، فلما مِتَّ شَهَرَك ربك بموتك، وألبسَك رداءَ عصلك وأكثرَ تبعَك، فلو رأيتَ من حضَرك عرفتَ أنّ ربَّك قد أكرمك وشرفك، فَلْتتكلّم اليوم عشيرتُك بكلِّ ألسنتها، فقد أوضحَ ربك فضلَها بك، ووالله لو لم يَدْعُ عبداً إلى خيرٍ بعمله إلا حُسْنُ هذا النَشرِ من كثرة هذا التَبَع، لقد كان حقيقاً بالاجتهاد والجهد لمن لا يُضيع مُطيعاً ولا ينسى صنيعاً شاكراً ومُثيباً.
لمحمد بن سليمان عند قبر ابنه وقف محمد بن سليمان على قبر ابنه فقال: اللهم إني أرجوك له وأخافك عليه، فحقق رجائي وآمن خوفي.


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11-04-2007, 04:19 PM
أم سلمة أم سلمة غير متواجد حالياً
عضو جديد
 



افتراضي

جعله الله في ميزانك
بوركت اخي الكريم
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 10:47 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.