انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-20-2015, 03:45 PM
عبدالله الأحد عبدالله الأحد غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي وجوب الإنتساب إلى أهل السنة ونهوض الأمة بالإلتزام بالكتاب والسنة

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله


الانتساب لأهل السنة وتقليل النزاع

طاف اثنان من الخوارج بالبيت الحرام، فقال أحدهما لصاحبه: جنة عرضها كعرض السماء والأرض لا يدخلها غيري وغيرك؟! فقال الآخر: نعم. فقال الأول: هي لك! وترك رأيه[1].

مسألة الانتساب لأهل السنة والجماعة كسائر المسائل التي تجاذبها إفراط وتفريط، فهناك من حجّر واسعاً، وحصر أهل السنة في اتباعه، وقصرهم على أصحابه، كما قال ابن تيمية: "كثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى، فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة، ويجعل من خالفها أهل البدع، وهذا ضلال مبين؛ فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى"[2].

وفي المقابل نجد أقواماً لا يميّزون بين أهل السنة وأهل القبلة، ويلحقون أهل البدع والأهواء بأهل السنة والجماعة.

ومما يقلل الاختلاف الجاثم بين طوائف من المتسنّنة: التذكير بضرورة الاجتماع والائتلاف، والنهي عن الفرقة والاختلاف، وأن ذلك لا يتحقق إلا بلزوم السنة ظاهراً وباطناً، والاعتصام بنصوص الوحيين، فسبب الاجتماع والألفة: العمل بالدين كله، وسبب الفرقة: ترك حظّ مما أُمر العبدُ به، ومتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به، وقعت بينهم العداوة والبغضاء، كما قال: ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ [المائدة: 14]. كل من كان عن السنة أبعد، كان التنازع والاختلاف في مقولاتهم أعظم[3].

فلن تجد اتفاقاً واجتماعاً إلا بأخذ الدين كله، والدخول في السلم كافة، عكس ما يتوهمه بعضهم من أن الاجتماع لا يحصل إلا بالتخلّي عما يجب التمسّك به، والتنازل عما يتعيّن الاعتصام به من أصول وقواعد لأجل مجاملات وتراجعات، أو مصالح موهومة.

وهذا يؤكد ضرورة التفقّه في دين الله، والرسوخ في العلم، والتمييز بين ما كان معلوماً من الدين بالضرورة فلا تصح مخالفته، ولا تصلح معارضته؛ وما كان محل اجتهاد تسع مخالفته، ويثاب مخطئه؛ فهناك أصول كبيرة قد هوّن من شأنها بعض متسننة العصر - مثل: الحكم بما أنزل الله وما يناقضه - لأجل جهل مشوب بهوى، وردود أفعال، ويقابل ذلك: مسائل اجتهادية فروعية اختلف فيها العلماء قديماً، ولم يتفرّقوا ولم يبدّعوا.. لكنها صارت الآن محل تهويل وتبديع وتضليل لدى بعض المنتسبين للسنة.

ثم إن أهل السنة هم من فهم النصوص الشرعية ظاهراً وباطناً، وحقق الاتباع لنصوص الوحيين ظاهراً وباطناً[4].

فالعناية بإصلاح السرائر، والقيام بتزكية النفوس وفق الهدي النبوي، والتخفف من الأهواء والحظوظ، وضبط الشهوات وإلجامها؛ لهو أعظم سبيل في إصلاح ذات البين بين طوائف أهل السنة، فإن الناظر إلى أهل السنة في الوقت الراهن قد يلحظ علماً بالشريعة، ودراية بالأحكام الظاهرة، واتفاقاً في مصادر التلقي والاستدلال.. لكن النفرة قائمة والشحناء قائمة.. وإنما ذاك لأجل شهوات خفية، وحظوظ وأثرة.

«إن الاختلاف من لوازم النشأة الإنسانية، فالشهوات والشبهات لازمة للنوع الإنساني، كما قال تعالى: ﴿ وَحَمَلَهَا الإنسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ﴾ [الأحزاب: 72]»[5].

فلا بد من مدافعة الشبهات بالعلم واليقين، ولا بد من معالجة الشهوات بالصبر والترويض، فغالب الاختلاف الواقع بين الأمة هو جحد للحق الذي مع المخالف.. وهذا أقرب للشهوات والغي منه إلى الشبهات والجهل.

يقول ابن تيمية في هذا الشأن:
"واعلم أن أكثر الاختلاف بين الأمة الذي يورث الأهواء تجد من هذا الضرب، و هو أن يكون كل واحد من المختلفين مصيباً فيما يثبته أو في بعضه، مخطئاً في نفي ما عليه الآخر.. فإن أكثر الجهل إنما يقع في النفي الذي هو الجحود والتكذيب.."[6].

إن التخوّف والهلع من الذوبان في محيط المخالفين، قد يكون عجزاً وضعفاً، ولا يكون مسوغاً في تهويل الخلاف، وإيثار المناكفة والنزاع.. وإنما تكون المدافعة للزلات بالعلم بالحق والرحمة بالخلق، فالرسوخ في العلم بالله وأحكامه يحفظ أهل السنة من الانفلات والذوبان، ويحقق لهم النفع والقبول والإصلاح.

وإن تحريك الوجدان بما يرضي الرحمن، وإحياء واعظ الله في قلب كل مؤمن، وإزالة سخائم القلوب، والسعي لسلامة الصدور؛ إن ذلك كفيل بالتخلّص من ركام كثير في خلاف مفتعل، لا حظّ له من العلم والتحقيق. ورحم الله الإمام الشافعي القائل: "ألا يستقيم أن تكون إخواناً، وإن لم تتفق في مسألة"[7].

إن جملة من الخلاف الواقع في الأمة سببه الذنوب، وإن الاستغفار والتوبة إلى الله يرفع البلاء ويجلب الرحمة[8].

وإن الحديث عن لزوم السنة والاتباع ينبغي أن يقترن بالحديث عن ضرورة الألفة والاجتماع، فابن تيمية - مثلاً - كان أعظم الناس دعوة لمنهج أهل السنة تقريراً وتأصيلاً، ونقضاً ونسفاً لأصول البدع والانحراف، ومع ذلك كان يقول: "إن الله أمرنا بالجماعة والائتلاف، ونهانا عن الفرقة والاختلاف، قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]، ﴿ إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إنَّمَا أَمْرُهُمْ إلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الأنعام: 159].. ربنا واحد، وكتابنا واحد، ونبينا واحد، وأصول الدين لا تحتمل التفرق والاختلاف، وأنا أقول ما يوجب الجماعة بين المسلمين"[9].

ومما يحقق الاجتماع، ويقلّص دائرة الفرقة والنزاع؛ أن يحرر ويظهر ضابط المفارقة لأهل السنة والجماعة، سواء في المسائل أو الدلائل، ومتى يحكم على الفرقة أو الطائفة بأنها خارج أهل السنة.

وقد بيّن ذلك ابن تيمية - في غير مواطن - فقال: "وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والإجماع، فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والإجماع"[10].

فهذا ضابط المفارقة في الدلائل، فمن كان يتلقى دينه من العقل والقياس - مثل المعتزلة ونحوهم من المتكلمة -، أو يتلقى دينه من الذوق والوجد - كحال المتصوفة -؛ فليس هذا سبيل أهل السنة.

وأما ضابط المفارقة في المسائل، فقد حرره الشاطبي بقوله: "هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزئي من الجزئيات؛ إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرّق شيعاً.. ويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات، فإن المبتدع إذا كثّر من إنشاء الفروع المخترعة، عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة"[11].

وقرر ابن تيمية قريباً من ذلك، فقال: "والبدعة التي يعدّ الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة، كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة"[12].

واستصحاب أن أهل السنة يعلمون الحق ويرحمون الخلق.. مما يحجّم النزاع ويقلل الخلاف، وكلما ازداد العلم واليقين، كلما عظمت الرحمة والإشفاق، "وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم، كما قال تعالى: ﴿ كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]، ويرحمون الخلق، فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، ولا يقصدون الشرّ لهم ابتداءً، بل إذا عاقبوهم وبيّنوا خطأهم وجهلهم وظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق"[13].

لقد سام المعتصمُ الإمامَ أحمدَ أصناف العذاب من جلد وسجن، لكن الإمام أحمد كان يقول: "كل من ذكرني ففي حلّ إلا مبتدعاً، وقد جعلت أبا إسحاق - المعتصم - في حلّ.. - إلى أن قال - ما ينفعك أن يعذّب الله أخاك المسلم في سبيلك"[14].

وأمر مهمّ يسهم في تقليص الخلاف، وهو مراعاة عوارض الأهلية كالجهل والتأوّل ونحوهما، فليس كل من زلّ فقارف بدعةً يكون مبتدعاً، وكذا مراعاة اختلاف الأحوال والبلدان، كما حرره ابن تيمية بقوله: "وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة، ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم"[15].

وقال - في مراعاة أحوال الأماكن والبلدان -: "فإنهم [الكلابية والأشاعرة] أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة، والحديث عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة ونحوهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها المعتزلة والرافضة"[16].

فاللهم اجمع على الحق كلمتنا، ولا تجعل في قلوبنا غلّاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

مجلة البيان العدد 311 رجب 1434هـ، مايو - يونيو 2013م.

[1] هذه القصة رواها اللالكاني في أصول الاعتقاد، 6/1234هـ.
[2] الفتاوى، 3/346.
[3] ينظر: الدرء، 1/157؛ الفتاوى لابن تيمية، 1/17، 3/421؛ والاقتضاء، 2/840.
[4] ينظر: الفتاوى لابن تيمية، 4/95.
[5] بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية، 8/367.
[6] الاقتضاء، 1/125.
[7] السير للذهبي، 10/16.
[8] ينظر: الفتاوى، 35/83.
[9] الفتاوى، 3/182.
[10] الفتاوى، 3/346، وانظر: الواسطية، ص 23
[11] الاعتصام، ت: مشهور، 3/177.
[12] الفتاوى، 35/414.
[13] الرد على البكري لابن تيمية، ص 256.
[14] السير للذهبي، 9/261.
[15] الفتاوى، 19/191.
[16] بيان تلبيس الجهمية، 3/538.

أهل السُّنة والجماعة.. آلام المخاض وبدايات النهوض



كانوا منذ فجر التاريخ الإسلامي وما زالوا... هم الأمة، كنخلة مثمرة جذورها ضاربة في أعماق الأرض...



إنهم أهل السُنة والجماعة[1]؛ وما هم بالمكوِّن الطائفي اللبناني، وإنما هم أهل الالتزام... الذين اتبعوا تلك "المَحجة البيضاء"؛ بها ارتفعوا وسادوا العالم... هم الذين فَهموا عن الله ورسوله؛ فأنتج فَهمهم حضارة إنما هي دُرة الحضارات...



كتب عمر لأبي عبيدة - رضي الله عنهما - يقول له: "إنا كنا أذَلّ قوم فأعزّنا الله بهذا الدين، فمهما نطلب العز في غيره أذلّنا الله"... لقد بلغ عزّ المسلمين وملكهم وتقدمهم في ظلّ المنهج الإسلامي مبلغاً لم تنعم به أمة، ودام قروناً... حتى وصل الأمر بالخليفة هارون الرشيد إلى أن خاطب السحابة قائلاً: "سيري أينما شئت أن تسيري سيأتيني خَراجُكِ".



نعم... هكذا بِتنا... وعلى ضدّه أصبحنا!!



لقد تحققت نبوءته - صلى الله عليه وسلم - في أمته إذ دخلت مرحلة الغثائية التي كانت مقدمة لسقوط الخلافة... ثم انفرط العِقد، وخاضت الأمة معارك استعادة الهوية، وبرز قادة مصلحون وعلماء ربانيون مجدِّدون... وهم ممن حفظ الله بهم هذا الدين: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]... وما زالت الأمة في مخاضها تقاتل على مختلف الجبهات الداخلية والخارجية...



ولو أردنا الوقوف على أبرز أسباب أزمنة التراجع، لواجهتنا قضايا ثلاث:

الأولى: فتنة الدنيا التي أقبلت على كثير من المسلمين إثر الفتوحات الإسلامية، ومنهم الأمراء وولاة الأمور، بل حتى من العلماء والدعاة، إلا مَن رحم الله... لدرجة أنه كان يقتتل فيها الإخوة الأشقّاء على تقاسم السلطة والأملاك... ووصل الضعف والهوان ببعضهم إلى حدّ تسليم المدن والبلاد التي ارتوت من دماء الفاتحين، والتي أشرقت بأنوار أخلاقهم وعلومهم... تسليمها طواعيةً لأعداء الأمة! ولله دَر (عائشة الحُرّة) التي نظرت إلى ولدها (أبي عبد الله الصغير) عندما سمعا معاً صهيل الخيل فوق هضبة غرناطة التي سُميت فيما بعد بـ (هضبة زَفْرة العربيّ الأخيرة) حيث نزلت على إثر تنهُّداتها دموعٌ من عينَيْ ولدها الأمير المخلوع، الذي سلّم غرناطة - آخر ممالك المسلمين في الأندلس - للإسبان النصارى... نظرت إليه وقالت: نعم، ابك كالنساء مُلكاً مُضاعاً لم تحافظ عليه كالرجال"...



وما زالت هذه الفتنة بين المسلمين المعاصرين مستحكمة بشكل أكثر شراسة في القلوب والعقول والأرواح... حتى أصبحنا نشاهد في صفوف متديِّنين الشَّره للدنيا: زينتها أو مالها أو مناصبها!!!



الثانية: داء الفُرقة والتشتت... ومن نتائجه كسر شوكة المسلمين وضياع هَيْبتهم وتفرّق شملهم... لدرجة أنهم وصلوا إلى حدّ تحالف بعض المنتسبين للأمة مع الأعداء نِكايةً بأبناء ملّتهم.



الثالثة: التخلّف العلمي؛ فبالعلم المؤسَّس على المنهج الإسلامي: ساد أجدادُنا الفاتحون، فكان لهم السَّبْق في انتشال أوروبا من لُجَج الجهل التي تسربلنا فيها بعد ذلك... أجل، تراجعنا حيث تقدم الآخرون.



ولعل نظرة متأملة في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تُعيننا على فَهم واقعنا المعاصر الذي استشرفه لنا – صلى الله عليه وسلم - منذ أكثر من 14 قرن... مع تقديم توصيف تشريحي وعلاج عملي: قال - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكَلة إلى قصعتها".. فقال قائل: ومِن قِلّة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غُثاء كغثاء السيل، ولَينزعنّ الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم الوَهْن". قال قائل: يا رسول الله وما الوَهْن؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "حب الدنيا وكراهية الموت" رواه أبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبيّ.



فالغثائية هي مرحلة التراجع الحضاري... وهي داء منشؤه خلل نفسي وسلوكي واجتماعي أصبح ظاهرة في الأمة...



فأعداء الداخل والخارج أغراهم بالمسلمين فُقدانُهم لأهم شروط الاستخلاف ألا وهو العبادة بمختلف أبعادها، قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].




كما أغراهم تفرُّقهم... الأمر الذي سهّل مهمتهم فعمدوا إلى تقطيع أوصال الوطن الإسلامي... وشُغل كل بلد بشؤونه بعيداً عن هموم الأمة، وداخل البلد الواحد انقسم المسلمون مجموعاتٍ وأفراداً، وكلٌّ له مشروعه وبرنامجه ومصالحه...



وعليه، فقد غابت المرجعية العالمية التي تقود أهل الحق وتُوجّههم وتدافع عن حقوقهم وتصدّ أي عدوان عليهم... كما غابت المرجعية الموحّدة في العديد من البلدان ذات الطوائف المتعددة مثل: لبنان، سوريا، العراق... مما مكّن أعداء الداخل والخارج من استضعافهم وتهميشهم واستلاب مكانتهم والهيمنة على دوائر صُنع القرار عندهم، ودَفَع بهم لاستنبات تلك الطُفَيْليات وتغذيتها وتضخيمها لتكون شَوكة في خاصرة الإسلام؛ ولم يؤتَ أهل الإسلام طيلة فترات حكمهم إلا من قِبَل هؤلاء.



والنتيجة... أوضاع مُزرية اقتصادية واجتماعية وسياسية يعاني منها أهل السُّنة، في لبنان خاصة، اعتداء على مكانة وهيبة العلماء وكذا الشباب الملتزم، ضَعف شديد في المؤسسة الدينية التي يُفترض بها القيام على مصالحهم الدينية، اختزال "السُّنة" - بالمفهوم الطائفي الضيِّق - بعائلات أنفقت عقوداً في بناء أمجادها الشخصية!



غير أن قناعات جديدة بدأت تتشكل لدى أهل السُّنة مع انطلاق ثورات الربيع العربي... التي قادها شبابهم وتَبِعهم مفكروهم ثم علماؤهم... ضد الطغيان والظلم والفساد... ضد العنصرية وسياسات القمع والتفقير والتجهيل والتهميش المتعمّد...



ففي لبنان، وفي خطوة غير مسبوقة، اجتمع شمل العلماء لأول مرة في التاريخ الحديث ضمن إطار هيئة علماء المسلمين، فضلاً عن التعاون والتنسيق المستمرّين في الأمور العامة بين الجماعات العاملة على الساحة الإسلامية.



وفي سوريا، الثورة إسلامية خالصة... يدفع أبناء السُّنة فيها فاتورة ثورتهم الباهظة... مقابل بضاعة مرتفعة الثمن: الحرية.



والانتفاضة العراقية انطلقت متأسية بثورة الشام المباركة؛ ضد الظلم وانتهاك الحُرُمات والأعراض... بانتظار تشكيل جبهة إسلامية صافية الراية موحَّدة تلمّ شتات قيادات أهل الحق على امتداد وجودهم في محافظات العراق.



إذاً، هذا الحراك الشعبي العام في مختلف بلدان المسلمين إنما هو بدايات النهوض الحضاري على طريق التمكين بإذن الله... ولكي تكون له فعاليته ونتائجه العملية، لا بد من مقوِّمات تتوفر بالعلماء والشباب والنساء:

فللعلماء دورهم المهم في التسلّح بالحكمة والوعي بالواقع وبمتطلباته، وبالتالي، عليهم واجب التوعية وتوجيه الشباب وقيادتهم لتحقيق مصالح الأمة.



وللشباب دورهم بما عندهم من فاعلية ودينامية وحماسة "منضبطة" بضوابط "الشرع" و"المصلحة" في إحداث التغيير المنشود متسلحين بالوعي والإيمان والعلم، منضوين في أُطر عمل جماعي؛ فالأعمال الفردية التي تأتي عفو الخاطر ووليدة اللحظة ضررها أكبر من نفعها.



وللمرأة دور خطير جداً في تثبيت تلك المعاني في جيل الشباب وهم أبنائها وإخوانها و... وفي توعية بنات جنسها... وفي العمل على إعادة قَوْلبة شخصيتها وفق ما تقتضيه متطلّبات هذه المرحلة.



تُنشر بالتعاون مع مجلة (منبر الداعيات)



--------------------------------------------------------------------------------

[1] يرجع تاريخ إطلاق هذا اللفظ إلى صدر الإسلام؛ فقد أخرج اللالكائيّ بسنده عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قوله في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [آل عمران: 106]: "فأما الذين ابيضّت وجوههم: فأهل السُّنة والجماعة وأولو العلم، وأما الذين اسودّت وجوههم: فأهل البدعة والضلالة" اللالكائي "شرح أصول السُّنة" 72:1، وابن كثير "التفسير" 72:2.


موقع الألوكة
التوقيع

اكثروا قراءة الاخلاص وسبحان الله عدد ما خلق سبحان الله ملء ما خلق سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء سبحان الله عدد ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه سبحان الله ملء ما أحصى كتابه،سبحان الله عدد كل شيء سبحان الله ملء كل شيء الحمد لله مثل ذلك وسبحان الله وبحمده عددخلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته واكثروا الصلاة على النبي واكثروا السجود ليلاونهارا
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 05:10 AM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.