انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


الملتقى الشرعي العام ما لا يندرج تحت الأقسام الشرعية الأخرى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-14-2016, 11:48 AM
أبو أحمد خالد المصرى أبو أحمد خالد المصرى غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي أحسن عملك .. فقد دنا أجلك !!

 






الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده، سيدنا وإمامنا ومعلمنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،
أما بعد..

فإنَّ الموت قريب منّا وليس ببعيد!!
فهل أعددنا له؟ أم مازلنا نأمل ونريد
متاعًا زائفًا في دنيا فانية، ونستزيد
ملذات وملذات؛ ليتها تنفع و تُفيد
والقبر في ذلك خير دليل وشهيد
إمَّا روضة ونعيم، وإمَّا عذابٌ شديد
فالأمر جَدّ لَقريبٌ جدًا ليس ببعيد!!

نعم نعم..
الموت قريب وليس ببعيد..

فمتى عباد الله نفيق ونستفيق وندرك اقتراب آجالنا حينما يأذن المولى لكل واحد منّا بذلك؟!

متى ندرك جيدًا معنى قوله تعالى:

{أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} الأعراف: 185.

وقوله سبحانه:
{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} الأنبياء: 1.

وقوله سبحانه:
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} آل عمران: 185.

وقوله سبحانه:
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} الجمعة: 8.

والآيات كثيرة في هذا المعنى..
فمتى نعمل لمثل هذا اليوم؟..

متى نرقى بأنفسنا، فنعلوا بالهمم جاهدين أن نُحسِن أعمالنا ونحن موقنين بدُنوِّ آجالنا؟!

متى سنستعدّ للموت؟!

متى عباد الله سنستعدّ ليوم الرحيل؟!
فالاستعداد ليوم الرحيل من معاني التقوى، كما ورد في الأثر:

" التَّقْوَى هِيَ الخَوْفُ مِنَ الجَلِيل، وَالعَمَلُ بِالتَّنْزِيل، وَالرِّضَا بِالقَلِيل، وَالاَسْتِعْدَادُ لِيَوْمِ الرَّحِيل " [1]

فمتى الاستعداد ليوم الرحيل؟!!

قال اللبيدي:
توفي أبو إسحاق رحمه الله، ووجَدتُ بعد موته رُقعة تحت حصيره، مكتوبة بخطه:
رجلٌ وقف له هاتِفٌ، فقال له:
أَحْـسِـــنْ،
أحسِن عَمَلَك. فَقَدْ دَنـَا أجَلَك.

فقال لي ولده عبد الرحمن: إنه كان إذا قصّر في العمل، أخرج الرُقعة، فنظر فيها،
ورجع إلى جِدَّه!! [2]


إذن!! فليضع كلٌّ مِنَّا في ذهنه وفي قلبه هذا الكلام:

أَحْسِنْ عَمَلَك .. فقـد دَنـَا أجَلَك

وليعمل كل منا على علوِ همته؛ فنبدأ من الآن بالاستعداد..

الاستعداد ليوم الرحيل..
الاستعداد بالعمل الدائم الدؤوب..
العمل الصالح الذي نسعى به إلى زيادة إيماننا..






ونحن نحتاج كثيرًا إلى أن نُحسِن أعمالنا لنُزيد من إيماننا، بالإكثار من الأعمال الصالحة والمداومة عليها؛
ولن نلازم الأعمال الصالحة ونداوم عليها إلَّا بتقوى الله..

إنها التقوى عباد الله التي أمرنا بها سبحانه وتعالى جلَّ في عُلاه؛

فلنتأمَّل جيدًا في كتاب الله تعالى أيها الكرام الأفاضل، لنتدبر معًا معاني هذه الآيات:
قول الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} آل عمران:102.

وقوله تعالى:
{
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
} النساء:1.

وقوله تعالى:
{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (
٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)} الأحزاب.

إنها التقوى عباد الله التي أمرنا بها سبحانه وتعالى في كثير من آي الذكر الحكيم؛
إذا قرأنا كتاب الله من أوله إلى آخره، سنجد أنَّ التقوى رأس كل خير..


قال الإمام ابن باز رحمه الله:
[[
كل من تدبر موارد التقوى في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، علم أنها سبب كل خير في الدنيا والآخرة.

إنها رأس كل خير ومفتاح كل خير، ولاتأتي المصائب والبلايا والمحن والعقوبات إلا بسبب الإهمال أو الإخلال بالتقوى وإضاعتها،
أو إضاعة جزء منها، فالتقوى هي سبب السعادة والنجاة، وتفريج الكروب، والعز والنصر في الدنيا والآخرة،
وفي قوله جل وعلا: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } الطلاق: (2،3)

قال بعض السلف: (هذه الآية أجمع آية في كتاب الله لأن الله رتب عليها خير الدنيا والآخرة،
فمن اتقى الله جعل له مخرجاً من مضائق الدنيا ومضائق الآخرة،
والإنسان في أشد الحاجة، بل في أشد الضرورة إلى الأسباب التي تخلصه من المضائق في الدنيا والآخرة،
وأعظم الكربات وأعظم المضائق كربات يوم القيامة وشدائدها،
فمن اتقى الله في هذه الدار فرَّج الله عنه كُربات يوم القيامة، وفاز بالسعادة والنجاة،
وقد تنوعت عبارات العلماء في التقوى، منها ما رُوِي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال:
(ليس تقوى الله بقيام الليل وصيام النهار والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى أداء فرائض الله وترك محارمه،
فمن رزق بعد ذلك خيراً فهو خير إلى خير
) أ.هـ.


وقال طلق بن حبيب التابعي المشهور رحمه الله:
(تقوى الله أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تدع معاصي الله على نور من الله تخاف عقاب الله) أ.هـ.

وقال آخرون: التقوى أن تجعل بينك وبين غضب الله وعقابه وقاية تقيك ذلك بفعل الأوامر وترك النواهي.

والتقوى حقيقتها هي: دين الإسلام،
وهي: الإيمان والعمل الصالح،
وهي: العلم النافع والعمل به،
وهي: الصراط المستقيم،
وهي: الاستسلام لله والانقياد له جل وعلا بفعل الأوامر وترك النواهي
]]. أ.هـ. [3]





ورجوعًا إلى القول المأثور بأن الاستعداد ليوم الرحيل من التقوى، ورجوعًا لكلام الإمام ابن باز رحمه الله وسائر العلماء؛
فإنَّ بلوغ تقوى الله تعالى كما أمرنا، وبتوفيق منه سبحانه؛ يستلزم العمل الجاد والهِمَّة العالية،
ومن أسباب علو الهمَّة ذِكر الموت دائما؛ الذي يدفعنا لليقظة ويدفعنا إلى العمل للآخرة...

يوضح ذلك الشيخ محمد إسماعيل المقدم قائلا:

كثرة ذكر الموت يدفع إلى العمل للآخرة والتجافي عن دار الغرور، ومحاسبة النفس، وتجديد التوبة، وإيقاظ العزم على الاستقامة،
فكل هذه المقاصد الشريفة إنما تحصل بكثرة ذكر الموت، فعن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال:

بَيْنَمَا نَحْنُ نَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَبْصَرَ جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَ :
" عَلَى مَا اجْتَمَعَ هَؤُلاءِ ؟ "
قِيلَ : عَلَى قَبْرٍ يَحْفِرُونَهُ ،
قَالَ : فَفَزِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَدَرَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مُسْرِعًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ ،
فَحَثَى عَلَيْهِ ، وَاسْتَقْبَلَ مِنَ بَيْنِ يَدَيْهِ ، فَبَكَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَّ الثَّرَى مِنْ دُمُوعِهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ :

" إِخْوَانِي ، لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا".

وقيل لبعض الزهاد: ما أبلغ العظات، قال: النظر إلى الأموات.

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأوزاعي : أما بعد: فإنه من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير.

وعن عطاء قال: كان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء، فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ويبكون.

وقال الدقاق : من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة،
ومن نسي الموت عوجل بثلاثة: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة.

كما أن مشاهدة المحتضرين وملاحظة سكرات الموت، ونزعاته، وتأمل صورة الميت بعد مماته،
مما يقطع عن النفوس لذتها، ويطرد عن القلوب مسراتها، ويمسح الأجفان من النوم، والأبدان من الراحة، ويبعث على العمل، ويزيد في الاجتهاد والتعب.

ذكر عن الحسن البصري أنه دخل على مريض يعوده، فوجده في سكرات الموت، فنظر إلى كربه وشدة ما نزل به،
فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم،
فقالوا له: الطعام يرحمك الله،
فقال: يا أهلاه! عليكم بطعامكم وشرابكم، فو الله! لقد رأيت مصرعاً لا أزل أعمل له حتى ألقاه.

فبلا شك أن الإنسان الذي يتذكر الموت ويكثر ذكر الموت يتأهب للقاء الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن هذا سيثير فيه الاستيقاظ والانتباه باستمرار؛
لأن موعد خروج روحه لا يأتي نذير بين يديه وإنما يأتي فجأة، ويأتي بغتة دون نذير سابق، فروحك في يد غيرك، لا تدري متى يقبضها.
أ.هـ [4]

أحسن الله لنا ولكم خواتيم أعمالنا وتوفانا على ما يرضيه عنا ووقانا وإياكم عذاب القبر وعذاب النار.





أحسِن عَمَلَك .. فقد دنا أجَلَك
نعـــــم..
فبإحسان العمل بعون الله سيوفقنا برحمته إلى تقواه، ويوفقنا للتأهب للموت وما بعده يوم أن نلقاه
فالموت قريب جدا منا، وآت لكل واحد منا
إنه أمر محتوم على الخلائق، والكل له ذائق .. ليس له حجاب ، ولا يطرق الأبواب !!

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، والاستعداد للموت ومابعده
وأدعو الله لي ولكم أن يرزقنا حسن الخاتمة وأن يتوفانا على طاعته..

فحسن الخاتمة أيها الكرام الأفاضل لابد وأن يشغل كل عقولنا، فتأمَّلوا معي قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"يُبْعَثُ كُلُّ عبدٍ علَى ما ماتَ علَيْهِ " [5]

والمعنى:
أنْ يُختَمَ عمَلُ العبدِ بالطَّاعاتِ والقُرباتِ وما يُحبُّ اللهُ منَ الكَلماتِ، هوَ غايةٌ يُحصِّلُها السَّعيدُ لا غيرُه.
فَفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّه يُبعثُ كلُّ عبدٍ مِن ذكرٍ أو أُنثى على ما ماتَ عَليه، مِن خيرٍ وشرٍّ،
فهَذا عامٌّ في كلِّ صورةٍ وَمعنًى؛ فعَلَى كلِّ إنسانٍ أنْ يَحرِصَ على أنْ يَموتَ على خَيرِ الأحوالِ،
وفي هذا حثٌّ على دَوامِ عَملِ الصَّالحاتِ والخيراتِ؛ فإنَّه لا لا يَدْري أحدٌ متَى يموتُ.
[6]

قال الإمام الذهبي رحمه الله:
قَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ الله:
مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ إلَّا مُثِّلَ لَهُ جُلَسَاؤُهُ الَّذِي كَانَ يُجَالِسُهُمْ؛ فَاحْتُضِرَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ،
فَقِيلَ لَهُ:
قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ،
فَقَالَ: شَـاهَـك ،
ثُمَّ مَاتَ ،
فَغَلَبَ عَلَى لِسَانِهِ مَا كَانَ يَعْتَادُهُ حَالِ حَيَاتِهِ فِي اللَّعِبِ ،
فَقَالَ: ذَلِكَ اللَّغْوَ الْبَاطِلَ عِوَضَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ!!

وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي إِنْسَان آخر مِمَّن كَانَ يُجَالس شراب الْخمر ،
إِنَّه حِين حَضَره الْمَوْت ؛ فَجَاءَهُ إِنْسَان يُلقِنَه الشَّهَادَة ،
فَقَالَ لَهُ :
اشْرَبْ واسْقِنِي ،
ثمَّ مـَـــــــاتَ!..

فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم ، وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث مَرْوِيّ:
( يَمُوت كل إِنْسَان على مَا عَاشَ عَلَيْهِ وَيُبْعَث على مَا مَاتَ عَلَيْهِ )...

فنسأل الله المنَّان بفضله
أَن يتوفَّانا مُسلمين لَا مُبدِّلين وَلَا مُغَيِّرين وَلَا ضَالِّينَ وَلَا زائِغين إِنَّه جواد كريم.
أ.هـ [7]


فلنتق الله عباد الله ، ولنتقي يوما ثقيلا وهو يوم القيامة، الشديد الأهوال، الذي يجعل الولدان شيبا.
ذلك اليوم الذي أمرنا الله بأن نتقيه، كما قال سبحانه:


{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} البقرة: 281

وهذه الآية من آخر ما نزل من القرآن، وجُعِلت خاتمة لهذه الأحكام والأوامر والنواهي، لأن فيها الوعد على الخير، والوعيد على فعل الشر. [8]
والمعنى:
واحذروا أيها المؤمنون يوما عظيما في أهواله وشدائده، وهو يوم القيامة الذي تعودون فيه إلى خالقكم فيحاسبكم على أعمالكم،
ثم يجازى سبحانه كل نفس بما كسبت من خير أو شر بمقتضى عدله وفضله، ولا يظلم ربك أحدا.
[9]






إنها التقوى عباد الله التي أمرنا بها سبحانه جلَّ في عُلاه..
وثمرات التقوى عظيمة؛ منها اليقين والطمأنينة، والإيمان الذي يجد الإنسان حلاوته في قلبه،
ويجد برده عليه مهما تشتد الظلمات، ومهما تشتد عليه المصائب، فإنه في طمأنينة وفي سكينة وأمان..
فمع التقوى كل شيء يهون؛ لمن يرجو ما عند الله سبحانه وَتعالى،
فيخشاه وحده سبحانه ولا يخشى أحداً سواه؛ فيطمئن قلبه أنَّ الله حافظه ، وأنَّ الله حاميه، وأنَّ الله ناصره،
ويتوكل على الله وحده لا شريك له، فيصير قلبه مطمئنًا بحول الله وقوته..


هكذا تطمئن القلوب وتنشرح الصدور
هكذا تعقل القلوب فتطمئن وتنشرح صدور أصحابها، فيُنعِم الله عليهم بالبصيرة،
البصيرة النافذة وليس العمى الذي يصيب أصحاب القلوب القاسية الميتة عياذا بالله؛

فإنَّ العمى ليس عمى البصر، وإنما العمى المُهْلِك هو عمى البصيرة عن إدراك الحق والاعتبار.

كما قال تعالى:
{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} الحج: 46.

فالتقوى إذن من ثمراتها أنها سبب لشرح الصدر؛
فما أحوجنا لانشراح صدورنا، وما أحوجنا لتعلم ذلك وتذكير أنفسنا به.. أبدًا ما حيينا..


ولنقرأ معًا بعقولٍ واعيةٍ وتفهُّم أكثر، وبقلوبٍ راغبةٍ ورجاء أكبر، أن يوفقنا الله تعالى لتمام اطمئنان القلوب وانشراح الصدور؛
اقرأوا معي مقتطفات رائعة من درر القول للإمام بن القيم رحمه الله، حيث قال:

(( فَأَعْظَمُ أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْرِ : التَّوْحِيدُ ، وَعَلَى حَسَبِ كَمَالِهِ وَقُوَّتِهِ وَزِيَادَتِهِ يَكُونُ انْشِرَاحُ صَدْرِ صَاحِبِهِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
(
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ) الزُّمَرِ: 22.
وَقَالَ تَعَالَى:

(
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) الْأَنْعَامِ: 125.

فَالْهُدَى وَالتَّوْحِيدُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ شَرْحِ الصّدْرِ ، وَالشِّرْكُ وَالضَّلَالُ مِنْ أَعْظَمِ
أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْرِ وَانْحِرَاجِهِ.


ونُورُ الْإِيمَانِ يَشْرَحُ الصَّدْرَ وَيُوَسِّعُهُ وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ .
فَإِذَا فُقِدَ هَذَا النُّورُ مِنْ قَلْبِ الْعَبْدِ ضَاقَ وَحَرَجَ ، وَصَارَ فِي أَضْيَقِ سِجْنٍ وَأَصْعَبِهِ .

والْإِنَابَةُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَمَحَبَّتُهُ بِكُلِّ الْقَلْبِ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ وَالتَّنَعُّمُ بِعِبَادَتِهِ ،
أَشْرَحُ لِصَدْرِ الْعَبْدِ .

وَمِنْ أَسْبَابِ شَرْحِ الصَّدْرِ دَوَامُ ذِكْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ،
فَلِلذِّكْرِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَنَعِيمِ الْقَلْبِ،

وَلِلْغَفْلَةِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي ضِيقِهِ وَحَبْسِهِ وَعَذَابِهِ.

وَأَمَّا سُرُورُ الرُّوحِ وَلَذَّتُهَا وَنَعِيمُهَا وَابْتِهَاجُهَا فَمُحَرَّمٌ عَلَى كُلِّ جَبَانٍ ، كَمَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى كُلِّ بَخِيلٍ ،
وَعَلَى كُلِّ مُعْرِضٍ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، غَافِلٍ عَنْ ذِكْرِهِ ، جَاهِلٍ بِهِ وَبِأَسْمَائِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَدِينِهِ ، مُتَعَلِّقِ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ .


إِنَّ هَذَا النَّعِيمَ وَالسُّرُورَ يَصِيرُ فِي الْقَبْرِ رِيَاضًا وَجَنَّةً ، وَذَلِكَ الضِّيقُ وَالْحَصْرُ يَنْقَلِبُ فِي الْقَبْرِ عَذَابًا وَسِجْنًا .

فَحَالُ الْعَبْدِ فِي الْقَبْرِ كَحَالِ الْقَلْبِ فِي الصَّدْرِ
نَعِيمًا وَعَذَابًا ، وَسِجْنًا وَانْطِلَاقًا ،
فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ .
وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ. )) أ.هـ. [10]

رحم الله الإمام ابن القيم وجزاه عنا خير الجزاء.

تدبروا معي هذه الكلمات:

(فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ)
فحمد الله تعالى في السراء والضراء أوجب للعباد،
ولا يُسَّرُ قلب العبد في الدنيا إلا بدوام التقرب إلى الله سبحانه والتزود للآخرة،
ثم يزداد قلبه فرحًا وسروًا وهو في نعيم يتمتع به في قبره، ثم يتنعم في الآخرة خالدًا في الجنة بإذن الله.

لكــــن:
(مَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ)
فاللوم والندم الشديد وهو في قبره يُعذَّب، ثم الندم لومًا يوم القيامة وهو في النار عياذًا بالله؛ سيلُازمُه لا محالة!!

لكن لو لام نفسه قبل فوات الأوان بانقضاء أجله،
وأسرع إلى التذكر والتدبر ولوم نفسه على ماضاع منه،
فيلوم نفسه لوما شديدا على فراغ قلبه من لذة القرب والتقرب إلى الله تعالى وفوات انشراح صدره!!

نعم يلوم نفسه بشدة؛ لكن بإيجابية أصحاب الهمم العالية وليس بسلبية البائسين اليائسين!!

فذلك اللوم الشديد الإيجابي سيدفعه ويحثه على إدراك مافات منه وضاع، واللحاق بركب أهل النعيم والسرور.

ذلك اللوم الإيجابي الذي لا ينقطع معه الأمل والرجاء في رحمة الله تعالى بعباده..




في عبادةٍ وطاعةٍ دوماً لله
عَسَاهُ يَرْحَمُنَا جَلَّ فِي عُلَاه





الكرام الأفاضل.. أعزَّكم الله..

أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والتزود للآخرة، كما قال عزَّ مِن قائل:
" وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ " البقرة: 197.

فالزادُ الحقيقي المُستمر نفعه لصاحبه -في دنياه وأخراه- هو زاد التقوى الذي هو زادٌ إلى دار القرار،
وهو المُوصِّل لأكمل لذة وأجلّ نعيم دائم أبدا، ومَنْ ترك هذا الزاد فهو المُنقطع به الذي هو عُرضة لكل شر وممنوع من الوصول إلى دار المتقين.
فهذا مدح للتقوى.
ثم أمر بها أولي الألباب فقال: { وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }
أي: يا أهل العقول الرزينة, اتقوا ربكم الذي تقواه أعظم ما تأمر به العقول، وتركها دليل على الجهل وفساد الرأي. [8].

عباد الله وإمائه.. أيها الكرام الأفاضل

فلنتزود بخير زاد مستعينين بالله؛ فلا فائدة لحياة بلا انتباه؛ نهايتها ندم شديد، ثم شقاء ومعاناه!!

وكما قال الشاعر:
تزوّد للذي لا بُدَّ مِنْهُ ... فإن الموت ميقاتُ العبادِ
وتُبْ مِمَّا جَنَيْتَ وأَنْتَ حيٌّ ... وكُنْ مُتَنَبِهاً قَبْلَ الرُّقَادِ
ستنْدَمُ إنْ رَحَلْتَ بِغَيْرِ زَادٍ ... وتَشْقَى إذْ يُناديك المُنَادِ
أَتَرْضَى أن تكونَ رَفِيقَ قَوْمٍ ... لهمْ زادٌ وأنْتَ بِغَيْرِ زَادِ ؟!








أسأل الله لي ولكم أن يصلح قلوبنا وأحوالنا، وأن ينعم علينا وإياكم بكمال الإيمان، بزيادة العمل الصالح والمداومة عليه،
وأسأله جل وعلا لي ولكم الهُدى والتُقى والعفاف والغِنَى،
اللهم رحمتك نرجو، فاملأ قلوبنا ثقة بك وحسن التوكل عليك، وحسن الظن بك يا أرحم الراحمين

فاشرح صدورنا يا ذا الجلال والإكرم؛ باحتوائها قلوبًا سليمة مطمئنة،
ووفقنا برحمتك يا ربنا للتأهب ليوم نرجو فيه رحمتك وعفوك،
يوم نخرج من قبورنا ونقف بين يديك للحساب والجزاء،
يوم لا ينفع أحد من العباد، إلا مَن أتاك ربنا بقلب سليم.

سبحانك نعوذ بك من الكفر والنفاق والرذيلة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

دُمتم في رعاية الله وحفظه
،،،
و دُمْــتُــــم







___________________
[1]من الآثار المشهورة بين العامة والخاصة، وقد أُسند هذا القول لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ ولم أقف على سند له.
[2] ترتيب المدارك وتقريب المسالك: 2/ 516 ، للقاضي عياض.
[3] بتصرف من: التقوى سبب كل خير - للإمام بن باز رحمه الله. (الموقع الرسمي).
[4] بتصرف من: أسباب الارتقاء بالهمة، من سلسلة محاضرات: علو الهمة، للشيخ محمد إسماعيل المقدم.
[5] رواه الإمام مسلم في صحيحه، الصفحة أو الرقم (2878).
[6] شرح الحديث من موقع الدرر السنية.
[7]
الكبائر ، للإمام الذهبي - صــــ 91.
[8] تفسير الإمام السعدي.
[9] تفسير الوسيط للشيخ طنطاوي.
[10] زاد المعاد، بتصرف من: فَصْلٌ فِي أَسْبَابِ شَرْحِ الصُّدُورِ وَحُصُولِهَا عَلَى الْكَمَالِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
التوقيع



{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } سورة الطلاق

جَعَلَنَـاَ اللهُ وإيِّاكُم مِنَ المُتَّقِيِـن
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-16-2017, 01:12 AM
نصرة مسلمة نصرة مسلمة غير متواجد حالياً
" مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان "
 




افتراضي

جزاكم الله خيرا
التوقيع

ياليتني سحابة تمر فوق بيتك أمطرك بالورود والرياحين
ياليتني كنت يمامة تحلق حولك ولاتتركك أبدا

هجرة







رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-17-2017, 11:52 AM
أبو أحمد خالد المصرى أبو أحمد خالد المصرى غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 




افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نصرة مسلمة مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خيرا
وجزاكم الله خير الجزاء
التوقيع



{ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } سورة الطلاق

جَعَلَنَـاَ اللهُ وإيِّاكُم مِنَ المُتَّقِيِـن
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 05:15 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.