انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > عقيدة أهل السنة

عقيدة أهل السنة يُدرج فيه كل ما يختص بالعقيدةِ الصحيحةِ على منهجِ أهلِ السُنةِ والجماعةِ.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-23-2010, 02:46 PM
أم حفصة السلفية أم حفصة السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله تعالى وأسكنها الفردوس الأعلى
 




3agek13 تحرير رأي ابن تيمية في حكم المستغيثين بالقبور

 

تحرير رأي ابن تيمية في حكم المستغيثين بالقبور

- مقدمة
- بيان حكم الاستغاثة بالقبور من كلام ابن تيمية
- أقوال ابن تيمية التي تدل على أنه يعذر بالجهل في الاستغاثة بالقبور
- النتيجة

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين... وبعد:

فإن من المسائل التي وقع فيها الخلاف والاختلاف بين كثير من المعاصرين مسألة: حكم المعين الذي يستغيث بالقبور جاهلاً هل يعذر بجهله أم لا يعذر بحيث يحكم عليه بالكفر الأكبر بمجرد فعله ؟
وقد كثر الخلاف في هذه المسألة وطال وأخذ كل فريق يستدل على قوله وينقل النصوص من أقوال العلماء التي يراها تؤيد ما ذهب إليه.


وكان من الأمور الغريبة في هذا الخلاف أن كل فريق ينقل عن ابن تيمية ما يراه مؤيداً لقوله ويجعل ابن تيمية ممن يذهب مذهبه فمنهم من ينقل من كلامه ما يدل على أنه يعذر بالجهل في الاستغاثة بالقبور ومنهم من ينقل من كلامه ما يراه
دليلا على أنه لا يعذر بالجهل في هذه المسألة بل يحكم بالكفر على كل من استغاث بالقبور ولا يستثنى إلا حديث العهد بالإسلام،
أو من كان يعيش في بلد بعيد عن العلم فقط
ومنهم من ينسب إليه أنه لا يكفر أحداً بالاستغاثة بالقبور أصلا وينقل من كلامه ما يرى أنه يدل على ما يقول كما فعل
ابن جرجيس وسيأتي نقد كلام المخالفين لتحرير رأي ابن تيمية في هذه المسألة في بحث آخر.


ولما كان الأمر كذلك احتاج مذهب ابن تيمية في هذه المسألة إلى تحرير يبين حقيقته، ويزيل اللبس عما أحيط به فكان هذا البحث.

وحتى يتحقق ما رام البحث تحقيقه وتظهر حقيقة قول ابن تيمية في هذه المسألة فإنه يحسن في بداية البحث أن يذكر من أقوال ابن تيمية وتقريراته ما يدل على أن الاستغاثة بالقبور من المكفرات التي توجب لصاحبها الخروج من دائرة الإسلام وعلى هذا فالبحث سيكون مكونا من مسألتين وهي:

المسالة الأولى: بيان حكم الاستغاثة بالقبور من كلام ابن تيمية.
المسألة الثانية: أقوال ابن تيمية التي تدل على أنه يعذر بالجهل في الاستغاثة بالقبور.

المسألة الأولى
بيان حكم الاستغاثة بالقبور من كلام ابن تيمية:
لقد أكثر ابن تيمية من تقرير حكم الاستغاثة بالقبور، وبيان أنها شرك أكبر مخرج من الملة بل وحكى على ذلك الإجماع وكلامه في هذه المسألة واضح جدا لا يحتاج إلى شرح أو بيان ومن كلامه في ذلك قوله:" ومن الشرك أن يدعو العبد غير الله كمن يستغيث في المخاوف والأمراض والفاقات بالأموات والغائبين فيقول: يا سيدي الشيخ فلان لشيخ ميت أو غائب فيستغيث به ويستوصيه،
ويطلب منه ما يطلب من الله من النصر والعافية فإن هذا من الشرك الذي حرمه الله ورسوله باتفاق المسلمين"(1).

ومن ذلك قوله:" فكل من غلا في حي أو في رجل صالح كمثل علي رضي الله عنه أو عدي أو نحوه أو في من يعتقد فيه الصلاح كالحلاج أو الحاكم الذي كان بمصر، أو يونس القتي ونحوهم وجعل فيه نوعا من الإلهية مثل أن يقول كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده أو يقول إذا ذبح شاة باسم سيدي أو يعبده بالسجود له أو لغيره أو يدعوه من دون الله تعالى مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي أو ارحمني أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني أو توكلت عليك أو أنت حسبي أو أنا في حسبك أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل فإن الله إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لنعبد الله وحده لا شريك له، ولا نجعل مع الله إلها آخر"(2).

ومن كلامه في هذه المسألة قوله:"و أما زيارة قبور الأنبياء و الصالحين لأجل طلب الحاجات منهم، أو دعائهم و الإقسام بهم على الله، أو ظن أن الدعاء أو الصلاة عند قبورهم أفضل منه في المساجد و البيوت فهذا ضلال و شرك و بدعة باتفاق أئمة المسلمين"(3).

ومن ذلك قوله:"فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات فهو كافر بإجماع المسلمين"(4).

وكلام ابن تيمية في هذه المسألة كثير جداً وهو صريح في أن حكم الاستغاثة بالقبور شرك أكبر يوجب أن يستتاب فاعله، فإن تاب وإلا قتل وهذا كله يرد على من زعم أن ابن تيمية لا يكفر بالاستغاثة بالقبور، أو أنه يراها كفرا أصغر كما زعم ذلك ابن جرجيس وغيره كما سيأتي بيانه في بحث آخر.


المسألة الثانية
أقوال ابن تيمية التي تدل على أنه يعذر بالجهل في الاستغاثة بالقبور:


عند التأمل في كلام ابن تيمية وفي أصوله الكلية التي بنى عليها أقواله وفي تعامله مع المخالفين له في أصول الدين لا يجد المرء شكاً في أن ابن تيمية يعذر بالجهل في مسألة الاستغاثة بالقبور فالرجل المسلم الذي يستغيث بالقبر، ويسأل منه الحاجات وجلب النفع ودفع الضر وتنفيس الكربات لا يُحكم عليه بالكفر عند ابن تيمية إلا إذا كان عالماً أما إذا فعل ما فعل وهو جاهل بحكم فعله هذا فإنه لا يكفر حتى تقام عليه الحجة التي يرتفع بمثلها وصف الجهل فيبقى له حكم الإسلام حتى يُتحقق من حاله ووضعه ولا فرق في ذلك عنده بين من كان حديث عهد بكفر، أو أنه نشأ على الإسلام منذ نعومة أظفاره فالمعتبر عنده هو تحقق وصف الجهالة فكل من تحقق فيه وصف الجهالة حين استغاث بالقبر فإنه لا يكفر حتى يرتفع عنه ذلك الوصف المانع من تكفيره.

وهذا الوصف – الجهل بحكم الاستغاثة بالقبر – عند ابن تيمية يمكن أن يقوم بكل مسلم ضعيف العلم بدينه فمناط قيام هذا الوصف بالمعين هو حصول العلم أو عدمه وليس كونه مسلما يعيش في ديار المسلمين، أو أنه حديث عهد بكفر كما قرره بعض الناظرين في كلام ابن تيمية.

وهذا التقـرير تدل عليه نصـوص كثـيرة من كلامه رحمه الله تعالى وبطرق متعددة وهي:
الطريق الأول: تنصيصه على أن من استغاث بالقبور جاهلا لا يكفر ولا يحكم عليه بكونه مشركا فقد نص في مواطن كثيرة على هذا الحكم ومن تلك المواطن:

الموطن الأول: أنه سئل عمن استغاث بالقبر فقرر أنه إذا كان جاهلا لا يكفر وفي ما يلي نص السؤال والجواب "ما تقول السادة العلماء أئمة الدين – رضي الله عنهم أجمعين – في قوم يعظمون المشايخ بكون أنهم يستغيثون بهم في الشدائد ويتضرعون إليهم ويزورون قبورهم ويقبلونها وتبركون بترابها ويوقدون المصابيح طول الليل ويتخذون لها مواسم يقدمون عليها من البعد يسمونها ليلة المحيا فيجعلونها كالعيد عندهم وينذرون لها النذور ويصلون عندها.

فهل يحل لهؤلاء القوم هذا الفعل، أم يحرم عليهم، أم يكره؟ وهل يجوز للمشايخ تقريرهم على ذلك، أم يجب عليهم منعهم من ذلك وزجرهم عنه؟، وما يجب على المشايخ من تعليم المريدين وما يوصَون به؟ وهل يجوز تقريرهم على أخذ الحيات والنار وغير ذلك أم لا؟ وماذا يجب على أئمة مساجد يحضرون سماعهم ويوافقونه هذه الأشياء؟ وما يجب على ولي الأمر في أمرهم هذا؟ أفتونا مأجورين".
فهذا السؤال بنصه وجه إلى ابن تيمية رحمه الله وهو سؤال مهم في مسألة الاستغاثة ؛ لأنه سئل عن نفس الأفعال التي يفعلها القبوريون في زمننا المتأخر من تلك الأفعال الاستغاثة بالقبور ودعائها عند الشدائد كما في نص السؤال.

وقد أجاب ابن تيمية بجواب طويل قال فيه:" الحمد لله رب العالمين من استغاث بميت أو غائب من البشر بحيث يدعوه في الشدائد والكربات ويطلب منه قضاء الحوائج فيقول: يا سيدي الشيخ فلان أنا في حسبك وجوارك أو يقول عند هجوم العدو: يا سيدي فلان يستوحيه ويستغيث به أو يقول ذلك عند مرضه وفقره وغير ذلك من حاجاته: فإن هذا ضال جاهل مشرك عاص لله تعالى باتفاق المسلمين فإنهم متفقون على أن الميت لا يدعى ولا يطلب منه شيء سواء كان نبيا أو شيخا أو غير ذلك".

فقرر هنا حكم الاستغاثة بالقبور، وبيَّن أنها شرك أكبر ثم أخذ ابن تيمية يذكر الأحوال التي يجوز فيها السؤال من المخلوق والأحوال التي لا يجوز فيها توجيه السؤال إليه ثم بين أحكام زيارة القبور وبين أنواعها وبين بعض البدع التي تفعل عند القبور.

ثم بين حقيقة الشرك الذي كان مشركو العرب يفعلونه عند قبورهم وأنه إنما كان باستغاثتهم وجعلهم وسائل بينهم وبين الله تعالى فلما قرر ذلك قال:" وهذا الشرك إذا قامت على الإنسان الحجة فيه ولم ينته وجب قتله كقتل أمثاله من المشركين ولم يدفن في مقابر المسلمين ولم يصلَّ عليه وأما إذا كان جاهلا لم يبلغه العلم ولم يعرف حقيقة الشرك الذي قاتل عليه النبي صلى الله عليه وسلم المشركين فإنه لا يحكم بكفره ولا سيما وقد كثر هذا الشرك في المنتسبين إلى الإسلام ومن اعتقد مثل هذا قربة وطاعة فإنه ضال باتفاق المسلمين وهو بعد قيام الحجة كافر "(5).

فهذه الفـتوى مهمة جداً في بيان حقيقة رأي ابن تيمية في حكم المستغيثين بالقبور؛ وذلك لأمور:

1 – أنها فتوى جاءت على سؤال مخصوص وجّه إليه في المسألة عينها فهي ليست في معرض كلام عام له أو غير ذلك وإنما قيلت في جواب عن سؤال يريد صاحبه منه أن يَعرف حقيقة الحكم في هؤلاء المستغيثين وفتوى بهذه الحالة لا بد أن تكون من أوضح ما يبين حقيقة قول المجيب فكيف يحق لنا أن نـترك هذه الكلام الصريح ونذهب إلى غيره؟!.

2 – أنها فتوى مفصلة في حكم المستغيثين وفيها تفريق ظاهر بين حالة الجاهل وغير الجاهل.

3- أن السؤال كان عن حال قوم من المستغيثين من المسلمين الذين يعيشون في بلد يوجد فيه مشايخ وعلماء يفتونهم في مسائل الدين فليست متعلقة بحديث العهد بالإسلام أو بمن كان يعيش في مكان بعيد عن حاضرة المسلمين بل هي عامة في كل ما يمكن أن يتصور منه الجهل، ولو كان في بلد يوجد فيه مشايخ وهذا التقرير له أهمية بالغة في تحرير رأي ابن تيمية كما سيأتي.

الموطن الثاني:ومن المواطن التي نصّ فيها ابن تيمية على الإعذار بالجهل في مسألة الاستغاثة قوله في معرض ردِّه على البكري فقد قال:" فإن بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحدا من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة ولا يغيرها ولا بلفظ الاستعاذة ولا يغيرها كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا لغير ميت ونحو ذلك بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يخالفه ؛ ولهذا ما بينت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلا تفطن، وقال هذا أصل دين الإسلام"(6)

فهذا الكلام من ابن تيمية فيه أن الاستغاثة بالقبور كفر أكبر ولكن لا يحكم على كل من استغاث بها بالكفر حتى تقوم عليه الحجة وقرر أن هذا الإعذار يكون لكل من لم يبلغه العلم ولو لم يكن حديث عهد بالكفر كما يدل عليه نص كلامه السابق.

الموطن الثالث: قوله حين سئل عن حكم الاستغاثة بالرسول فبيّن أن من استغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله لا يكفر حتى تقوم عليه الحجة فقد سأله السائل فقال:" ما تقول السادة العلماء أئمة الدين وفقهم الله لطاعته فيمن يقول: لا يستغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم هل يحرم عليه هذا القول وهل هو كفر أم لا؟ وإن استدل بآيات من كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم هل ينفعه دليله أم لا؟ وإذا قام الدليل من الكتاب والسنة فما يجب على من يخالف ذلك؟ أفتونا مأجورين".

فأجاب بجواب طويل بين في أوله ثبوت شفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وفصل القول في ذلك ثم بين بعض أنواع الاستغاثة الجائزة ثم قال:"والاستغاثة بمعنى أن يُطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به وإما مخطئ ضال.

وأما بالمعنى الذي نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أيضا مما يجب نفيها ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضا كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها"(7)

فهذه النصوص في كلام ابن تيمية صريحة في أن الجهل عذر في مسائل الاستغاثة بالقبور وصريحة في أن من استغاث بالقبور وهو جاهل بأن فعله هذا مما حرمه الله تعالى؛ إما لشبهة أو لعدم بلوغ العلم الصحيح إليه أنه لا يكفر بذلك ولا فرق في ذلك من حيث التأصيل الشرعي بين حديث العهد بالكفر، وبين من نشأ في بلاد الكفر، وبين من نشأ في بلاد المسلمين فالأصل في هؤلاء كلهم أن من استغاث بالقبور وهو جاهل لا يحكم عليه بالكفر حتى تقام عليه الحجة وكل من لم تقم عليه الحجة فإنه لا يكفر ثم يبقى البحث بعد ذلك في تحديد الحال التي يقبل فيها ادعاء الجهل أو لا يقبل ؛ لأن هناك فرقا بين القول بأن الجهل عذر معتبر لمن استغاث بالقبور وبين القول بأن كل من ادعى الجهل في الاستغاثة بالقبور لا بد أن يقبل قوله ؛ وذلك أن التقرير الأول في بيان الحكم الشرعي والتقرير الثاني في بيان الموقف من المدعي للجهل وهناك فرق بين الأمرين وبيان ذلك: أن قولنا إن الجهل عذر في الاستغاثة في القبور لا يعني هذا أنه يقبل قول كل من ادعى الجهل في هذه المسألة وهذا التفريق سيأتي له مزيد بسط.

والغريب حقا أن بعض الباحثين -ممن قصد تحرير رأي ابن تيمية في هذه المسألة- أغفلوا أكثر هذه النصوص التي نُقلت هنا ولم يذكروها ومن هؤلاء الأخ / أبو العلا الراشد في كتابيه " عارض الجهل وضوابط تكفير المعين " فإنه نسب إلى ابن تيمية القول بأن الجهل لا يعذر به في مسائل الشرك الظاهرة كالاستغاثة بالقبور وغيرها وذكر نصوصا من كلام ابن تيمية ظن أنها تدل على قوله ولم يذكر شيئا من النصوص الأخرى التي فيها التصريح بالعذر بالجهل في مسألة الاستغاثة حتى ولو للجواب عنها!!.

وكان الواجب عليه أن يذكر هذه النصوص المذكورة في كتب ابن تيمية ثم يبين موقفه منها، وكيف يجمع بينها وبين ما نسبه إلى ابن تيمية ولكنه لم يفعل شيئا من ذلك! وهذا نقص كبير في البحوث العلمية التي يُراد بها تحرير أقوال الأئمة لأنه سيتوهم القراء بفعله هذا أن ابن تيمية ليس له إلا تلك النصوص التي فَهِم منها أنه لا يعذر بالجهل في المسائل الظاهرة كالاستغاثة بالقبور وأنه ليس له نصوص أخرى تدل على نقيض ما نسب إليه هذا فضلا عن أن النصوص التي نقلها لا تدل على ما نسب إلى ابن تيمية أصلا كما سيأتي تفصيل ذلك.

الطريق الثاني من الطرق التي تدل على أن ابن تيمية يعذر بالجهل في الاستغاثة بالقبور:
إطلاقه القول بأن كل من فعل ما هو كفر أو شرك لا يحكم عليه بالكفر إذا كان جاهلا ومن كلامه في هذا المعنى قوله:" كل عبادة غير مأمور بها فلا بد أن ينهى عنها ثم إن عَلِم أنها منهي عنها وفعلها استحق العقاب ؛ فإن لم يعلم لم يستحق العقاب وإن اعتقد أنها مأمور بها وكانت من جنس المشروع فانه يثاب عليها وإن كانت من جنس الشرك فهذا الجنس ليس فيه شيء مأمور به لكن قد يحسب بعض الناس في بعض أنواعه أنه مأمور به وهذا لا يكون مجتهدا ؛ لأن المجتهد لابد أن يتبع دليلا شرعيا، وهذه لا يكون عليها دليل شرعي لكن قد يفعلها باجتهادِ مِثلِه وهو تقليده لمن فعل ذلك من الشيوخ والعلماء والذين فعلوا ذلك قد فعلوه لأنهم رأوه ينفع أو لحديث كذب سمعوه فهؤلاء إذا لم تقم عليهم الحجة بالنهي لا يعذبون وأما الثواب فإنه قد يكون ثوابهم أنهم أرجح من أهل جنسهم وأما الثواب بالتقرب إلى الله فلا يكون بمثل هذه الأعمال"(8).

ومن ذلك قوله:" وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وجماهير أئمة الإسلام" الفتاوى (23/346).

فهذا النص وغيره من نصوص ابن تيمية يفيد أن من فعل ما هو كفر أو شرك بالجهل أو بالتأويل فإنه لا يكفر بل يبقى على إسلامه حتى يرتفع عنه ذلك الوصف المانع من تعلق حكم الفعل الشركي به وهذا ينطبق على كل ما هو شرك كالاستغاثة بالقبور والذبح لها والنذر وغير ذلك كما هو ظاهر إطلاق النص.
فهذا النص إذن يدل على عدة أمور مهمة وهي:

1- أن باب الجهل وباب التأويل في الإعذار سواء عنده.
2- أن من فعل ما هو شرك أو كفر جهلا أو تأويلا فإنه يبقى له وصفه الأصلي وهو الإسلام ولهذا قال ابن تيمية في أثناء كلامه:"فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية".
3- أن هذا الإعذار شامل لكل المسائل العقدية والعملية.

الطريق الثالث: نصه على أن الجهل عذر في مسائل الدين كلها سواء مسائل الاعتقاد أو العمل وسواء أصول الدين أو فروعه من كلامه في هذا المعنى: قوله:" هذا مع أني دائما ومن جالسني يعلم ذلك مني: أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية ، إلا إذا عُلم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة، وفاسقا أخرى وعاصيا أخرى وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها: وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية.." (9)

فابن تيمية في هذا النص يقرر أن الجهل عذر في كل المسائل على اختلاف أنواعها سواء كانت من المسائل العملية أو الاعتقادية ولم يستثن من ذلك شيئا فلو كان يستثني من العذر بالجهل المسائل الظاهرة كالاستغاثة بالقبور لاستثنى ذلك وذلك لأنه ذكر هذا القول في معرض بيانه لحقيقة موقفه من المخالفين له، وبيان أصوله في الحكم عليهم وجاء بصيغة فيها التنصيص على العموم وهذا المقام يقتضي تفصيل القول، وذكر حكم كل ما يتعلق بالمسألة ولكن ابن تيمية لم يفعل شيئا من ذلك هنا فدل هذا على أنه لا يرى أن المسائل الظاهرة تخرج من هذا الحكم الذي قرره.

الطريق الرابع: أنه لم يكفر أعيان الطوائف التي كانت تستغيث بالقبور كالرافضة مثلا ولا أعيان العلماء الذين كانوا يرون أن الاستغاثة بالقبور ليست كفرا أكبر كالبكري وغيره فلو كانت الاستغاثة بالقبور من المسائل التي لا يعذر فيها بالجهل أو بالتأويل لكفَّر ابن تيمية هؤلاء الناس بأعيانهم ولكنه لم يفعل فدل هذا على أنه يعذر بالجهل وبالتأويل في مثل هذه المسألة.
وبيان هذا الطريق: أن ابن تيمية لم يكن يحكم على أعيان الرافضة بالكفر بل نصّ على أن منهم من هو مؤمن ظاهرا وباطنا وثمة نصوص كثيرة لابن تيمية فيها الدلالة على أنه كان يرى أن الرافضة لا يكفرون بأعيانهم حتى تقوم عليهم الحجة الرسالية وقد فصلتُ ذلك في بحث مستقل منشور في بعض المواقع.

هذا مع أنه ينسب إليهم الاستغاثة بالقبور بل يذكر أن الرافضة هم أول من ابتدع تلك المشاهد التي يشرك فيها بالله العظيم وفي هذا يقول:" وأول من وضع هذه الأحاديث في السفر لزيارة المشاهد التي على القبور أهل البدع من الروافض ونحوهم الذين يعطلون المساجد ويعظمون المشاهد التي يشرك فيها ويكذب فيها ويبتدع فيها دين لم ينزل الله به سلطانا "(10)

وكذلك فإنه لم يكن يكفر أعيان العلماء الذين كانوا يحثون الناس على الاستغاثة بالقبور، ويستدلون لهم بما يؤيد فعلهم هذا ومن أشهر الأمثلة على ذلك تعامل ابن تيمية مع البكري فإنه كان يدعو الناس إلى الاستغاثة بالقبور وكفر ابن تيمية ومع هذا فإنه لم يكفره بل قال:" لم نقابل جهله – البكري – وافتراءه بالتكفير بمثله كما لو شهد شخص بالزور على شخص آخر، أو قذفه بالفاحشة كذبا عليه لم يكن له أن يشهد عليه بالزور ولا أن يقذفه بالفاحشة "(11) فلو كان لا يعذر بالجهل أو بالتأويل في مثل هذه المسألة لكفر البكري ؛ لأنه قد خالف في مسألة ظاهرة من مسائل الشرك.

الطريق الخامس: أنه لم يحكم على من اعتقد في إمامه أنه يخلق ويتصرف في الكون ولا من كان يقول بقول الفلاسفة إذا كان جاهلا بحقيقة هذا القول وكلامه في هذا كثير ومن ذلك: 1- جوابه لما سئل عمن يعتقد في شيخه أنه يخلص من سوء الحساب يوم القيامة وينجي من عذاب الله تعالى قرر أن من اتبعه وهو جاهل بحقيقة قوله أنه لا يحكم بكفره فقد سأله السائل:" عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد، وتعلق كل منهم بسبب ومنهم من قال: إن يونس القتات يخلص أتباعه ومريديه من سوء الحساب وأليم العقاب ومنهم من يزعم أن عليا الحريري كان قد أعطي من الحال ما إنه إذا خلا بالنساء والمردان يصير فرجه فرج امرأة. ومنهم من يدعي النبوة، ويدعي أنه لا بد له من الظهور في وقت فيعلو دينه وشريعته ؛ وأن من شريعته السوداء تحريم النساء، وتحليل الفاحشة اللوطية، وتحريم شيء من الأطعمة وغيرها؛ كالتين واللوز والليمون. وتبعه طائفة: منهم من كان يصلي فترك الصلاة، ويجتمع به نفر مخصوصون في كثير من الأيام إلخ".

فأجاب ابن تيمية بجواب طويل قال فيه:" أما قول القائل: إن يونس القتاتي يخلص أتباعه ومريديه من سوء الحساب وأليم العذاب يوم القيامة فيقال جوابا عاما: من ادعى أن شيخا من المشايخ يخلص مريديه يوم القيامة من العذاب: فقد ادعى أن شيخه أفضل من محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال هذا فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل".

ثم قال في بيان حكم أتباع الشيخ يونس:" وأما المنتسبون إلى الشيخ يونس: فكثير منهم كافر بالله ورسوله لا يقرون بوجوب الصلاة الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت العتيق ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله؛ بل لهم من الكلام في سب الله ورسوله والقرآن والإسلام ما يعرفه من عرفهم وأما من كان فيهم من عامتهم - لا يعرف أسرارهم وحقائقهم - فهذا يكون معه إسلام عامة المسلمين الذي استفاده من سائر المسلمين لا منهم ؛ فإن خواصهم مثل الشيخ سلول وجهلان والصهباني وغيرهم: فهؤلاء لم يكونوا يوجبون الصلاة؛ بل ولا يشهدون للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة"(12).
فابن تيمية في هذا النص قرر أن من كان من أتباع جماعة الشيخ يونس وهو من العامة الذين يجهلون حقيقة قولهم فإنه لا يكفر بل يبقى معه أصل إسلامه.

2 - ومن ذلك أنه عذر من تشبث ببعض أقوال الفلاسفة الذين لا يشك في كفر أقوالهم من له أدنى علم من المسلمين كما يقول ابن تيمية وفي هذا يقول:"ثم الفلاسفة الباطنية هم كفار كفرهم ظاهر عند المسلمين.... وكفرهم ظاهر عند أقل من له علم وإيمان من المسلمين إذا عرف حقيقة قولهم لكن لا يعرف كفرهم من لم يعرق حقيقة قولهم وقد يكون قـد تشـبث ببعض أقوالهم من لم يعلم أنه كفر فيكون معذورا لجهله "(13).

فإذا كان ابن تيمية لا يكفر الجاهل في مثل هذه الأمور العظيمة التي لا يشك مسلم في أنها من أعظم ما يناقض الإسلام فهي لا تقل ظهورا في البطلان والمناقضة لشرع الله عن الاستغاثة بالقبور إن لم تكن أعظم منها في بعض الصور فكيف يقال مع ذلك إنه لا يعذر بالجهل في الاستغاثة بالقبور وهو قد عذر فيما هو مثلها أو أعظم منها ؟!.

النتيجة:
فتحصل من كل ما سبق أن رأي ابن تيمية في المستغيثين بالقبور هو: أن من استغاث بالقبور من المسلمين وهو جاهل بحكم فعله هذا، إما لأنه لم يبلغه العلم، أو لتأويل عرض له فإنه لا يحكم عليه بالكفر وإنما يبقى له وصف الإسلام حتى تقوم عليه الحجة، فإذا علمنا أن الحجة قامت عليه قياما معتبرا فإنه حينئذ يجب علينا أن نحكم بكفره الكفر الأكبر والخروج من الإسلام وأما إذا لم نعلم أن الحجة قد قامت عليه، وأن العلم لم يبلغه فإنه لا يجوز لنا أن نحكم عليه بالكفر.

معنى العذر بالجهل في هذه المسألة:
ومما ينبغي أن ينبه عليه هنا هو معنى العذر بالجهل في هذه المسألة وذلك أن بعضهم قد فهم أن العذر بالجهل في مسألة الاستغاثة يعني أنه لا يكفر أحد بهذا الفعل، أو أنه يُقبل قول كل من ادعى أنه جاهل بحكم الاستغاثة بالقبور وهذا معنى غير صحيح وإنما الصحيح في معنى العذر بالجهل هو: أن كل من فعل فعلا فإنه لا ينطبق عليه حكمه إلا إذا كان عالما بحكمه فمن فعل فعلا وهو لا يعلم بحكمه فإنه لا ينطبق عليه ذلك الحكم حتى يتحصل له العلم به وأما إذا لم يكن عنده علم بحكم فعله فإنه لا ينطبق عليه.
وعلى هذا فمعنى العذر بالجهل في مسألة الاستغاثة وغيرها إذن هو: أنه لا يصح لنا أن نحكم على المسلم المستغيث بالقبر بالكفر حتى نعلم أنه حين استغاث بالقبر كان يعلم حكم فعله هذا وأما إذا لم نكن نعلم فإنه لا يجوز لنا أن نحكم عليه بما يقتضيه فعله فالمناط في الحكم على المعين بما يقتضيه فعله إنما يكون بعد علمنا بحاله، وأنه كان يعلم بحكم الفعل وهذا بخلاف من لم يعذر بالجهل في الاستغاثة بالقبر فإن المناط عنده في الحكم على المعين هو الفعل فقط وهذا هو الفرق الجوهري بين القولين وحاصله: الاختلاف في تحديد مناط الحكم على المعين بالكفر فعلى القول الأول – الإعذار بالجهل – فالمناط هو علمنا بحال الفاعل فلا يحكم على المعين حتى نعلم أنه فعل ما فعل وهو يعلم حكم ما فعل وعلى القول الثاني – عدم الإعذار – فالمناط هو مجرد الفعل فالحكم ينطبق على المعين بمجرد الفعل.
وهذا القول الثاني غير صحيح وبيان ذلك: هو أن من المعلوم بالضرورة أنه لا يصح أن نحكم على الناس ونحن نجهل حالهم بل لا بد في الحكم – وهو انتفاء الإيمان هنا - من العلم بحال المحكوم عليه والعلم بحاله لا يتحصل بمجرد الفعل فقط دائما فإنه لو كان يتحصل بمجرد الفعل فقط لما اشترط السلف في الحكم على المعين شروطا معينة وانتفاء موانع معينة وإنما كانوا يحكمون على المعين بمجرد فعله فاشتراط السلف لهذه الأمور إنما كان لأنهم أدركوا أن الحكم على المعين بالكفر لا يمكن أن يتحصل بمجرد فعله للكفر.

وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا بد لنا من العلم بحال المستغيث بالقبر بحيث يصح لنا أن ننفي علمنا بإسلامه والعلم بإسلام المعين لا يصح أن يدفع إلا بعلم يساويه في الدرجة كما هو معلوم بالضرورة.
وعلى هذا فمن كان عندنا علم يقيني بإسلامه فإنه لا يصح لنا أن ننفي هذا العلم إلا بيقين مثله يحكم بانتفاء ما ثبت له أولا للقاعدة الشهيرة " أن ما ثبت بيقين لا يزول بالشك " ومجرد الفعل لا يحصّل عندنا اليقين بانتفاء الإيمان من قلبه دائما فلا بد من التحقق من حاله، وأنه حين فعل ما فعل كان يعلم بحكم فعله فإذا علمنا ذلك حينها نحكم بكفره وانتفاء الإيمان من قلبه وهذا المعنى ذكره ابن تيمية حين قال:" وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة" الفتاوى (12/ 466).

فتحصل إذن: أن غاية ما يقتضيه القول بالعذر بالجهل في الاستغاثة بالقبر هو: أنه لا يصح أن يُحكم على المعين بما يقتضيه فعله إلا إذا كان عالما بحكم فعله وأما إذا لم يكن عالما فإنه لا يصح أن يُحكم عليه.

وبهذا التقرير يُعلم أن العذر بالجهل لا يعني أن كل من استغاث بالقبر لا بد أن يكون جاهلا حتى يقول من يقول: إذا عُذر بالجهل في الاستغاثة بالقبر فإنه لا يتصور أن يكفر أحد.

ولا يعني أيضا أن كل من ادعى الجهل في هذه المسألة لا بد أن يكون قوله صحيحا ويسلم له ما ادعاه حتى يقول من يقول: إن هذه مسألة ظاهرة فكيف يقبل فيها قول كل أحد.

ولا يعني أيضا أن حكم الاستغاثة في الشرع قد ارتفع حتى يقول من يقول: إذا لم نكفر بالاستغاثة بالقبر فقد خالفنا النصوص التي فيها الحكم على المستغيث بغير الله تعالى بالكفر.

ولا يعنى أيضا أنه لا يمكن لأحد أن يتحقق من بعض أحوال المستغيثين بالقبر فيعلم بحقيقة حاله حتى يقول من يقول: إن العذر بالجهل في هذه المسألة يعني إغلاق باب التكفير.

كل هذه المعاني غير داخلة في معنى العذر بالجهل في الاستغاثة بالقبر وذلك أن الإعذار في الاستغاثة لا يعني إلا أنا لا نحكم على المعين إلا إذا علمنا أنه فعل ما فعل وهو يعلم بحكم فعله فقط فمن تحصل عنده علم بحال رجل ما استغاث بالقبر بأنه حين استغاث يعلم حكم الاستغاثة بغير الله تعالى فإنه في هذه الحالة يصح أن يحكم عليه بالكفر.

ولكن السؤال المهم هنا هو: من يستطيع أن يعلم بحال الملايين من المسلمين الذين يستغيثون بالقبور في أنحاء العالم الإسلامي حتى يحكم عليهم بالكفر بأعيانهم؟!.

ولا يصح أن يقال هنا إن العلم الصحيح قد بلغ كل من كان يعيش في بلاد المسلمين ؛ لأنه قد وجدت وسائل الاتصال من الإذاعات وغيرها وذلك أنه لا يستطيع أحد أن يجزم بأن صوته قد بلغ كل هؤلاء الناس ولا يستطيع أن يجزم بأن الحجة قد بلغت على الوجه الصحيح الذي يرتفع به العذر وهذا الكلام سيأتي له مزيد شرح في المسألة الثانية.

وهذا التقرير السابق إنما هو شرح وبسط للقاعدة الشهيرة التي تفرق بين حكم الفعل وحكم الفاعل وأكثر الإشكالات في هذه المسائل حصل بسبب الغفلة عن حقيقة هذه القاعدة ولهذا فقد أكثر ابن تيمية من شرح هذه القاعدة تدليلا وتأصيلا وتطبيقا وتمثيلا.

وبيان حقيقتها هو أن يقال: إن الحكم على الفعل المعين بكونه كفرا لا يلزم منه أن كل من فعله فهو كافر وعدم تكفير المعين الذي وقع في الفعل المكفر لا يلزم منه أن ما وقع فيه ليس كفرا فانطباق حكم الفعل المعين على فاعله لا بد فيه من توفر شروط معينة وانتفاء موانع معينة فإذا لم تتوفر الشروط وتنتفي الموانع فإنه لا يحكم بانطباق حكم هذا الفعل المعين على فاعله وإذا لم ننزل حكم الفعل على فاعله فإن هذا لا يلزم منه أن حكم الفعل في نفسه قد ارتفع.

فتحصل من هذا: أن هناك فرقا بين حكم الفعل في نفسه وبين تحقق حكم هذا الفعل في فاعله فرفع الحكم الثاني لا يلزم منه رفع الحكم الأول فإذا قلنا: إن فاعل هذا الفعل ليس كافرا لا يعني هذا أن الفعل لا يمكن أن يكفر به أحد بل قد يفعله رجل آخر فنحكم بكفره لأنه قد توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع.

فالمعتبر في انطباق حكم الفعل على فاعله ليس حكم الفعل فقط بل لا بد مع حكم الفعل من توفر شروط أخرى وانتفاء موانع وعلى هذا فإذا حكمنا على فعل ما بأنه كفر لا يلزم منه أن يكون هذا حكما منا على كل فاعل له بأنه كافر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

منقول


------------------------------------------------
(1) الفتاوى (11/664)
(2) الفتاوى (3/395)
(3) الفتاوى (17/471)
(4) الفتاوى (120/13)
(5) جامع المسائل لابن تيمية جمع عزير شمس (3/145 – 151) .
(6) الرد على البكري (629) .
(7) الفتاوى (1/108 – 112) .
(8) الفتاوى (20/23) .
(9) الفتاوى (3/229 ).
(10) الفتاوى (27/224) .
(11) تلخيص الاستغاثة (2/494)
(12) الفتاوى (2/104 – 106) .
(13) شرح الأصفهانية (127) .
التوقيع

اسألكم الدعاء لي بالشفاء التام الذي لا يُغادر سقما عاجلآ غير آجلا من حيث لا احتسب
...
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ، فَإِنَّهُ لا يَمْلِكُهَا إِلا أَنْتَ
...
"حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله.انا الي ربنا راغبون"
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-25-2010, 01:27 AM
أم الزبير محمد الحسين أم الزبير محمد الحسين غير متواجد حالياً
” ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب “
 




افتراضي

جزاكِ الله خيراً
التوقيع



عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ )
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-25-2010, 07:07 AM
أم حفصة السلفية أم حفصة السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله تعالى وأسكنها الفردوس الأعلى
 




افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم الزُبير السلفية مشاهدة المشاركة
جزاكِ الله خيراً

وخيـــــــــــــرا جزاك ونفع بك
التوقيع

اسألكم الدعاء لي بالشفاء التام الذي لا يُغادر سقما عاجلآ غير آجلا من حيث لا احتسب
...
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ، فَإِنَّهُ لا يَمْلِكُهَا إِلا أَنْتَ
...
"حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله.انا الي ربنا راغبون"
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المستغيثين, ابن, بالقبور, تيمية, تحرير, حكم, رمى, في


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 10:38 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.