انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقى نُصح المخالفين ، ونصرة السنة

ملتقى نُصح المخالفين ، ونصرة السنة لرد الشبهات ، ونصح من خالف السنة ، ونصرة منهج السلف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 09-29-2012, 02:53 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

17) عبودية الديمقراطية وبداية الزلل
السلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام في الحلقات الماضية كنا نقول: الإسلاميون البرلمانيون تنازلوا تنازلات ذريعة مقابل مكتسبات موهومة. ما هي هذه التنازلات.
التنازل الأول والأكثر خطورة: الانخراط في اللعبة الديمقراطية التي تجعل التشريع لغير الله تعالى.
لذا فعندما نقول أن البرلمانيين تنازلوا فإن أول تنازل هو دخولهم البرلمان أصلا وقبولهم بالشروط التي أدخلتهم البرلمان. تركوا الشريعة على الباب قبل دخول البرلمان.
فكرة البرلمان تقوم على أن الشعب ينتخب من يمثله ليقوم بتشريع القوانين له. وطبعا القوانين التي نتكلم عنها ليست محصورة في أمور إدارية وفنية تركها الشرع لتقدير البشر، بل هي استفتاء للبشر في أمور حكم فيها رب البشر سبحانه وتعالى. وهذا مستند إلى مبدأ أن الشعب هو الذي له الحق أن يشرع لنفسه من القوانين ما يريد. لذا فالديمقراطية هي نقض للإسلام. فالإسلام هو الاستسلام والخضوع التام لحكم الله عز وجل، والاعتراف بأن حق التشريع هو له وحده سبحانه، وهذا من توحيد الربوبية، فكما أنه هو الخالق فهو صاحب الأمر المطاع: ((ألا له الخلق والأمر)). وطاعته في تشريعه سبحانه هي من توحيد الألوهية، فتوحيد الألوهية يقتضي إفراده تعالى بالعبادة، التي هي الطاعة والمحبة.
والديمقراطية نقض لهذا كله، فهي تجعل التشريع لغير الله وتوجب الطاعة لغير الله.

- في دين الله تعالى:
((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا))
وفي دين الديمقراطية:
(إذا قضى الله ورسوله أمرا فيعرض هذا الأمر على البرلمان ليختار. وللبرلمان الحق الكامل في أن يقبل حكم الله أو أن يرده. فإذا عصى البرلمان الله ورسوله فرأيه محترم لأنه يمثل الأغلبية).
- في دين الله تعالى:
((إنما كان قولَ المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا))
وفي دين الديمقراطية:
(إنما كان قول الديمقراطيين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا: سنعرض حكم الله على البرلمان، فإن أذن البرلمان لحكم الله أن ينفذ نفذ).
- في دين الله تعالى:
((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما))
وفي دين الديمقراطية:
(فلا وربك لا يؤمنون بالديمقراطية إيمانا صادقا حتى يحكموا البرلمان فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم نية لاستغلال اللعبة الديمقراطية أو التخلي عنها مستقبلا لفرض الشريعة. بل عليهم أن يسلموا بقواعد اللعبة الديمقراطية تسليما).
- في دين الله تعالى:
((إن الحكم إلا لله))
وفي دين الديمقراطية:
(إن الحكم إلا للبرلمان، يحكم حتى على حكم الله).
فالديمقراطية مناقضة للإسلام حيث أن تعريف الإسلام هو: الاستسلام والانقياد التام والإذعان لحكم الله تعالى، وتطبيق أمر الله تعالى لأنه أمر الله.
والديمقراطية هي جعل البرلمان حكما على كل شيء، حتى على شريعة الله. فإن طبق حكم من الأحكام فلا يُطبق لأنه واجب التطبيق من حيث هو حكم الله، بل لأن البرلمان أذن لهذا الحكم أن يُطبق. وهذا لا يمكن بحال تسميته انقيادا واستسلاما لله.

وهنا إخواني ينبغي أن ننتبه إلى أن الغرب ما صدر الديمقراطية إلى العالم الإسلامي إلا ليطمس بها الدعوة إلى تطبيق الشريعة مرحليا. حتى إذا نال هذه الغاية انقلب على الديمقراطية ودعم أنظمة مستبدة تنفذ أجنداته غير ملتفتة إلى إرادة الشعب ولا حريته ولا كرامته.
ترى البلد من بلاد المسلمين يرزح تحت نظام مجرم يستبيح الأرواح والأموال والأعراض عقودا طويلة بدعم من أمريكا والدول الأوروبية، حتى إذا سقط هذا النظام وتعالت الأصوات بإقامة دولة إسلامية وتطبيق الشريعة أسرعت الدول الغربية للتدخل في المشهد السياسي وحركت أذنابها في الداخل لينادوا بالديمقراطية، وانضم إليهم بقصد أو غير قصد بعض المنتسبين إلى العمل الإسلامي. ثم ترى متابعة أمريكية حثيثة لإجراء الانتخابات وتغطية للعرس الديمقراطي وثناء أمريكيا على نزاهة الانتخابات واحترام إرادة الشعب! هذه الإرادة التي كانت أمريكا ذاتها تقدم الرشاوى للأنظمة الفاسدة بمقدار ما تقمع الشعب وإرادته كما بين المؤلف نعوم تشاومسكي في كتابه (What Uncle Sam Really Wants ) (ما يريده العم سام في الواقع).
http://www.thirdworldtraveler.com/Chomsky/WhatUncleSamWants.html


كل هذا لطمس الدعوة إلى تحكيم الشريعة تحكيما صحيحا يقوم على أساس أنها شريعة الله، وليس استنادا لأهواء البشر. حتى إذا ما تم للغرب وأذنابه ذلك وسحب اعترافات من الإسلاميين المغرر بهم ومن جماهير الناس بالديمقراطية ومبدئها الشركي واستدرجهم لمواقف معادية لتطبيق الشريعة انقلب الغرب ذاته على الديمقراطية ودعم رئيسا أو جيشا يتفنن في قمع الشعب واحتقار إرادته ويسخر البلاد والعباد لخدمة المصالح الأجنبية. فلم يكن للشعب إلا مرارة الديمقراطية التي فوتت عليه الشريعة، ولم يجن من حلو حريتها شيئا.
وإن لم يتدخل الغرب بشكل سافر كما فعل في الجزائر، فإنه يسعى على الأقل أن توصل الديمقراطية إلى الحكم نماذج ممسوخة تستعلن بعدم نية تطبيق الشريعة أو تضحي بالشريعة من أجل الحكم في طريقها الديمقراطي الذي سلكته.


لذا فعلينا أن ننتبه نحن الذين نعارض الديمقراطية وننقضها إلى أن خطابنا للشعوب يشوه من الآلة الإعلامية ومن أذناب الغرب الذين يقولون للشعوب: هؤلاء يريدون فرض الشريعة عليكم، هؤلاء لا يريدون الحرية لكم، لا يحترمون إرادتكم، هؤلاء يرروجون لشكل آخر من أشكال الاستبداد الذي ثُرتِ عليه أيتها الشعوب. يعني باختصار: يظهروننا أعداء للشعب وحريته.


ينبغي أن نركز في خطابنا على أنه لا حرية حقيقية لك أيتها الشعوب إلا بالعبودية المطلقة لله تعالى بتطبيق شرعه، وهذا يخلصك من العبودية للغرب وأذنابه.


نحن دعاة الشريعة دعاة حرية وكرامة وسيادة للشعوب الإسلامية، سيادةٍ على أهل الأرض بالشريعة التي يحملونها. قال تعالى: ((لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون)) يعني فيه شرفكم وعزكم بين الأمم. بينما الديمقراطية هي عبودية دنسة لغير الله، فهي في الظاهر عبودية العبيد للعبيد، فعبيد يشرعون لعبيد، وفي الحقيقة عبودية للغرب الذي يستخدم الديمقراطية لتمرير مخططاته الاستعبادية للعالم الإسلامي.
في الحديث الذي حسنه الألباني أن عديا بن حاتم جاء إلى النبي و كان قد عدي دان بالنصرانية قبل الإسلام. فلما سمع النبيَّ يقرأ قوله تعالى: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم))
قال: يا رسول الله إنهم لم يعبدوهم. فقال رسول الله: ((بلى. إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم))


فما استقر في ذهن الكثيرين من المسلمين أن الديمقراطية هي الحرية، هذا وهم. بل الصحيح أنها عبودية، بدلا من أن تكون عبودية لدكتاتور واحد فإنها تصبح عبودية لمجموعة من المشرعين وللغرب الذي يحرص على ألا يستعز المسلمون بعبوديتهم لله تعالى.
الإسلاميون عندما انخرطوا في العملية الديمقراطية قبلوا بقواعد هذه اللعبة الاستعبادية، الاستعبادية للبشر في ظاهرها وللغرب في حقيقتها. ولنأخذ مثالا لذلك الحالة المصرية. قبل سقوط رمز النظام السابق كان كثير من الإسلاميين يقرون بحرمة المشاركة في برلمان قائم على جعل حق التشريع للشعب، ومحتكم في تشريعاته إلى دستور وضعي. ثم بعد الثورة افترضوا حدوث حالة من الفراغ التشريعي الدستوري. وبالتالي فقد اعتبروا أنهم لم يعودوا مطالبين بالتنازلات التي منعت من مشاركتهم في العمل البرلماني من قبل.


فسادت في أذهان البعض صورة مبسطة جدا وهمية للمشاركة البرلمانية على النحو التالي:
البلد في حالة من الفوضى. الشعب متعارض المطالب، فمنه المسلم والنصراني والعلماني، وكل واحد يريد أن يُحكم بغير ما يريده الآخر. إذن فليس هناك طريقة للخروج من الخلاف إلا بأن يقوم الناس بترشيح نواب، هؤلاء النواب سيجتمعون تحت قبة البرلمان ليوصل كل منهم صوت شريحة من الشعب. والمأمول أن يغلب الصوت الإسلامي لأن الأكثرية تدعمه، فيُتخذ القرار بكتابة دستور إسلامي صرف يجعل الشريعة المصدر الوحيد للتشريع. فتقوم دولة إسلامية، ويخضع الجيش ويسلم الإسلاميين مقاليد الحكم. ويقتصر دور الناس والبرلمان بعدها على الخضوع والانقياد للشريعة من حيث هي حكم الله عز وجل. وتتحقق هذه المصلحة العظيمة دون مفاسد تذكر.


فدخول البرلمان في هذه الحالة لا يعني الإقرار بالمبادئ الشركية للديمقراطية، بل إنما تُفَرَّغ الديمقراطية من مضمونها وتتخذ كوسائل وآليات، والنائب الإسلامي دوره إنما هو إيصال صوت الشعب أننا نريد تحكيم الشريعة، والنائب لن يلتزم بدستور وضعي، بل الإسلاميون هم الذين سيكتبون الدستور.
طبعا هذا التبرير الذي سنظهر بطلانه احتفى به من كان يرى أصلا حرمة سلوك طريق البرلمان وأنه مزلة عقدية، وإلا فهناك أحزاب إسلامية كانت منخرطة في العمل البرلماني ومقدمة للتنازلات قبل الثورات ولا ترى فيما سبق جميعا أية مزلة عقدية.
وعلى كل فالصورة الساذجة المذكورة قد توهمها البعض عند الحديث عن الفراغ الدستوري. فهل هذا هو الذي حصل بالفعل؟
بل الذي حصل أن الإسلاميين الجدد على العمل البرلماني ومن اللحظة الأولى التزموا قواعد اللعبة الديمقراطية، مهما رقعوا لذلك بمواقف ثانوية وتصريحات عاطفية لا تغير حقيقة الأمر.
فأولا: التزموا المادة الرابعة من الإعلان الدستوري والتي جاء فيها: (ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني). حتى قال قائلهم: (أرى أنه ما داموا قد اتفقوا على أنه لا تكون هناك أحزاب دينية لأن هذا قد يؤدي إلى احتقان طائفي خلاص يبقى ما فيش أحزاب دينية. لا أرى أن تكون الأحزاب دينية)!




وهذا بداية الزلل! تفاديا لإغضاب حفنةٍ من النصارى المتغطرسين وعملا بإعلان دستوري قائم على الديمقراطية وافقوا على ألا يكون الحزب دينيا. وبالتالي، تبعه الانصياع للقانون الوضعي الذي يحرم استخدام شعارات دينية في الحملات الانتخابية. إذن ما توهمه البعض من أن دورهم مقتصر على إيصال رغبة الشعب في تحكيم الشيعة هذا لا علاقة له بالواقع. لو كان هذا دورَهم فإن الحزب لن يكون إلا دينيا شعاره المعلن تطبيق الشريعة، إذ أنه ما أنشئ بزعمهم إلا من أجل ذلك.


لكن الإسلاميين خلعوا الشريعة على أعتاب البرلمان! فإنه في الحالة الوهمية الافتراضية التي تصورها البعض كانت الشريعة سبب وجود البرلمانيين كممثلين للشعب وكانت الشريعة هويتهم وقضيتهم وسبب شرعيتهم، يستمدون شرعيتهم من الشريعة التي يحملونها ويريدون تطبيقها...مرة أخرى: يستمدون شرعيتهم من الشريعة. لكن بخضوعهم لهذه المواد فإنهم يستمدون شرعيتهم من الشعب الذي انتخبهم، وليس من الشريعة. وهذا تسليم منهم بمبدأ الديمقراطية.




يعني تصور النائب الإسلامي واقفا على باب البرلمان يريد الدخول، فيقال له: بأية صفة تريد أن تدخل؟ فيقول: باسم الشريعة التي نريد أنا ومن انتخبوني تطبيقها، فيقال له: لا! هذا لا يعطيك شرعية لدخول البرلمان. عليك أن تقر بأنك إنما تدخل البرلمان باسم الشعب الذي انتخبك، وتستمد شرعيتك من انتخاب الشعب لك كمشرع، لا من الشريعة. لن يُقبل تصويتك على تشريع ولن يسمح لك باقتراح قانون إلا بصفتك ممثلا عن الشعب المشرع.
فيخلع النائب الإسلامي الشريعة على الباب ويدخل البرلمان بهذا الشرط. ويصول من ثم ويجول باسم الشعب الذي يستمد وجوده في البرلمان منه. تماما كما ترك صاحبنا الملابس على باب دار الأيتام في حلقة (نجحت العملية ومات المريض).


هذا الفرق الذي يراه البعض ثانويا هو مربط الفرس وأصل المسألة وبداية الانحراف وصرف حق التشريع من الله إلى عبيده. بل إن بعض الدول العربية عدلت بعد الثورات العربية في قوانين الأحزاب بحيث تمنع الاحزاب الدينية. وهذا استكمال لأركان دين الديمقراطية.
ومع ذلك فالذين حبكوا النظام البرلماني سدا منيعا أمام تطبيق الشريعة لم يكتفوا بذلك. بل وضعوا أمام النائب أبوابا أخرى ليضمنوا أن يخلع عندها أية بقية من دعوى تطبيق الشريعة قبل أن يجلس تحت قبة البرلمان. ما هي هذه الأبواب؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله.




خلاصة الحلقة: الديمقراطية تجعل النائب يستمد شرعيته من البشر، لا من شريعة رب البشر. وتمعن في استعباد الغرب للعالم الإسلامي.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 09-29-2012, 10:59 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

18) هل المادة الثاني من الدستور المصري تؤسلمه؟


السلام عليكم ورحمة الله.


إخوتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن الديمقراطية تفرض على النائب الإسلامي أن يستمد شرعيته من الشعب لا من الشريعة، وأن قوانين الأحزاب والانتخاب تكرس ذلك. فخضوع النائب الإسلامي لهذه القوانين هو تخلٍّ عن الشريعة من الخطوة الأولى.




وقلنا أنه مع ذلك فإن الذين حبكوا النظام البرلماني وضعوا أمام النائب أبوابا أخرى ليضمنوا أن يخلع عندها أية بقية من دعوى تطبيق الشريعة. الباب التالي هو القسم على احترام الدستور الوضعي. ففي مصر مثلا، المـــادة 42 من الإعلان الدستوري تقول:
يقسم كل عضو من أعضاء مجلسي الشعب والشورى أمام مجلسه قبل أن يباشر عمله اليمين الآتية :
"أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على سلامة الوطن والنظام الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب، وأن أحترم الدستور والقانون".
طبعا الدستور الأخير هو دستور 1971 الذي جرت عليه تعديلات عديدة ومن ثم تبعه الإعلان الدستوري ولواحقه. تعالوا الآن نرى بنودا من الإعلان بصيغته الأخيرة التي أقسم النواب الـ"إسلاميون" على احترامها:


مادة 1: جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة
إذن فالنظام ديمقراطي يقوم على جعل التشريع للبرلمان، لا لله، ويقوم على أساس المواطنة، إذن لا اعتبار للدين في حقوق وواجبات حكم الشرع بالتفريق فيها، وبالتالي فالدستور يمَكِّن النصراني والمرتد أن يتولى الحكم أو القضاء مع الإجماع الشرعي على عدم جواز ذلك. وهذه المخالفة الصارخة تؤكدها مرة أخرى المــــــادة 7 التي تقول:
المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.




نتجاوز المادة الثانية لنعود إليها بعد قليل.

المادة الثالثة:
(السيادة للشعب وحده و هو مصدر السلطات –أي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية).
هذه المادة تأكيد على أن السيادة ليست للشرع والخضوعَ ليس لله، بل الشعب هو الذي يشرع لنفسه.
مــــــادة 24: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب)...لاحظوا، لاتنفذ من حيث هي حكم الله بل لأن الشعب أرادها. أي يكون صدور الاحكام تابعا لسلطة الشعب واستقلاله بحق التشريع من دون الله.
مـــــادة 33: (يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع):
تأكيد رابع على أن المشرع ليس ربَّ الشعب سبحانه، بل الشعب ومن ينوب عنه.


إخواني هذه المواد هي أحجار الأساس في النظام الديمقراطي، هي أركان دين الديمقراطية المصادم لدين الله تعالى القائل: ((أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله))،

والقائل: ((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون))
تحكيم الشعب والبرلمان هو اتباع لأهواء البشر الذين إن انقطعوا عن الوحي فهم لا يعلمون.


وهذا هو الدستور الذي يقسم النائب الإسلامي على احترامه. يعني مؤدى قسمه: أقسم بالله العظيم أن أحترم جعل التشريع للشعب بدلا من الله العظيم!

قسمٌ بالله على احترام دين غير دين الله! قسم بالله على احترام اشتراك بشر مع الله في صفتة من صفات ألوهيته وربوبيته، وهي التشريع ووجوبُ الطاعة لهذا التشريع. هذا هو مؤدى القسم.
بل قد أقر البرلمانيون "الإسلاميون" الإعلان الدستوري ووافقوا عليه بصورته هذه والله المستعان!


وطلب القسم هذا من التناقض العجيب في دين الديمقراطية، فهي تمنع النائب من الانتساب لحزب ديني أو رفع شعار ديني في حملته، ثم لتضمنَ الديمقراطية لنفسها التزام النائب بها تجعله يقسم قسما دينيا!

سيقول قائل: لكن المادة الثانية من الدستور المصري ذاته، وكذلك من الإعلان الدستوري تنص على أن (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع).


فنقول إخواني هذه المادة إمعان في الضلال. لماذا؟ دعونا بداية نتناول نص المادة فقرة فقرة بمعزل عن الدستور، ثم نضعها في سياق الدستور المصري لنرى هل هذه المادة موافقة لدين الله تعالى:


أولا: نص المادة:
أما (الإسلام دين الدولة) فمعروف أن هذه العبارة لا تحمل عند أرباب الدستور أي معنى تشريعي، بل هي ديكور وتلبيس وإلجام للأفواه وضحك على الذقون. إذا أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى من يسب الله جهارا في وضح النهار في بلاد المسلمين ومن يسخر من أحكامه... في هويته عبارة: (الديانة: الإسلام). لو تقدمنا بشكوى ضده في المحاكم فهل تستطيع أن تقنعها ولو بحذف هذه العبارة من هويته؟ لن تستطيع. إذا مات أبوه فهل تستطيع أن تقنع المحاكم بألا تورِّثه لأن الكافر لا يرث المسلم؟ لا تستطيع. إذا أراد الزواج بمسلمة هل تمنعه الدولة؟ لا تمنعه...لماذا كل هذا؟ لأن دين هذا الرجل رسميا عندها الإسلام. بل لعلك إن اتهمته بالكفر والردة وقدم ضدك دعوى تشهير فإنه يكسب القضية!


فالدولة التي تصر على أن دين هذا الرجل رسميا هو الإسلام هي ذاتها التي تكتب في دستورها (الإسلام دين الدولة). ومدلول كلمة
دين في هوية هذا الرجل هو كمدلولها في الدستور. فهذه الفقرة لا تحمل أية أهمية تشريعية أو غير تشريعية.


الشق الثاني من المادة:
ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. إذا علمنا أن رد التشريع إلى الله
هو من توحيد الربوبية وتوحد الألوهية كما أسلفنا، فإن معنى هذه المادة بالضبط: (الله هو الإله الرئيسي)، أو: (لا إله رئيسي إلا الله)! وهذا لا يختلف كثيرا عن منطق العرب في الجاهلية حين كانوا يرون ان الله إله رئيسي لكن معه آلهة أخرى!
قال تعالى: ((ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير))...إذا دعي إلى تحكيم الشريعة فحسب رفضوا، وقالوا بل لا بد من إشراك مصادر أخرى معها.



((وإذا ذُكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون))


هذا النص (المصدر الرئيسي) يعني بأن مبادئ الشريعة معروضة ضمن تشريعات أخرى أمام البرلمان المشرع الذي ادعى لنفسه صفة من صفات الربوبية والألوهية. فيتنقي البرلمان من الشريعة ما يعجبه ويرد ما يعجبه. وينتقي من غير الشريعة من قوانين البشر ما يراه أصلح من الشريعة في جانب من الجوانب...وهذا إشراك لمصادر أخرى مع الله في التشريع...والله أغنى الشركاء عن الشرك وهو القائل: ((ولا تشرك في حكمه أحدا)).

فإن قال قائل: لماذا لا تحمل هذه العبارة على الاستفادة من مصادر أخرى فيما لم تحكم به الشريعة؟ فالجواب أن الشريعة ذاتها تقرر كيفية الاستفادة من المصادر الأخرى بما لا يخالف أحكامها، فما الحاجة لكلمة (الرئيسي) إذا؟!

جنكيز خان في ياسقه ونابليون بونابرت في حكمه لمصر وغيرهما كانوا يأخذون من أحكام الشريعة الإسلامية ضمن شرائع أخرى. فهل جعل ذلك حكمهم إسلاميا؟!




كان هذا بالنسبة لعبارة (المصدر الرئيسي للتشريع). هل انتهت القضية عند هذا الحد؟ لا! بل إمعانا في الضلال تقول المادة: (مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)
ما هي مبادئ الشريعة عندهم؟ العدالة والرحمة والكرم والسماحة والتقدم والرقى والحضارة وحفظ النفس والمال. وهذه هي أيضا المبادئ المعلنة للنصرانية والبوذية والهندوسية والكنفوشية والبهائية والقاديانية بل والاشتراكية والشيوعية! نص هلامي لا يسمن ولا يغني من جوع!




وعندما اقتُرح تغيير النص إلى (أحكام الشريعة الإسلامية)، اعترض بعض الـ"إسلاميين" المصرين على ترك الأمور هلامية مائعة مطاطة، وهو ذاته الفصيل الذي قال قائله: (إنما سنسعى إلى تطبيق مبادئ الشريعة التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة)!
إذن ففي هذه المادة (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)، لا كلمة دين لها دلالة ولا أثر، ولا كلمة مبادئ لها دلالة ولا أثر، ولا عبارة (المصدر الرئيسي للتشريع) تعني إفراد الله عز وجل بحق التشريع.
إذن فقد بينا أن أرباب الدستور حبكوا المادة الثانية في مفاصلها الثلاثة لتمنع تطبيق الشريعة وتبقى مع ذلك زخرفا من القول تذر الرماد في العيون وتضحك على الذقون!




سيقول قائل: (لقد غابت عنك حقيقة مهمة جدا!) ما هي؟ أن المحكمة الدستورية العليا قضت بقرار يجعل لهذه المادة أهميتها، بحيث إذا أحسن الإسلاميون استغلالها فإنها تؤسلم الدستور والقانون بالفعل. هذا القرار هو: (لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها)...أقول إخواني: لم يغِب عنا ذلك. بل هذا القرار لا قيمة له مطلقا! لماذا؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله في الحلقة القادمة عندما نضع المادة الثانية في سياق الدستور المصري لنرى أن هذه المادة لا تصلح متعلقا لغريق أبدا ولنرى مدى الغفلة أو التغافل الذي أصاب الإسلاميين البرلمانيين المتمسكين بهذه المادة.

خلاصة الحلقة: نص المادة الثانية من الدستور المصري هلامي متضمن لإشراك البشر في التشريع مع الله تعالى.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 09-29-2012, 11:05 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

المادة الثانية وإخضاع الشريعة للبشر
السلام عليكم ورحمة الله.


أحبتي الكرام في الحلقة الماضية رأينا أن نص المادة الثانية من الدستور المصري لا يصلح أبدا كمدخل لمن يريد تطبيق الشريعة من خلاله. ثم قلنا سيعترض معترض بأن هناك ما يجعل لهذه المادة أهميتها، وهو قرار المحكمة الدستورية العليا القائل: (لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها).


نقول إخواني: هذا القرار لا يغير من واقع المسألة شيئا لسببين، سنفرغ بداية من الأقل أهمية منهما:
السبب الأول: هو إبقاء المحكمة الدستورية مفهوم الشريعة عاما غير محدد، حيث فسرت الأحكام الشرعية بأنها: (تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً)ـ
إذن لاحظ: مبادئها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلا.
فإذن عدنا إلى كلمة (مبادئ)، التي بينا عموميتها في الحلقة الماضية.
أما كلمة (الثابتة)، فمن الثبوت، أي أن تكون قطعية الثبوت.


ومعلوم أن العلمانيين والحداثيين في مصر ما فتئوا، وبدعم من وزارة الثقافة المصرية، يطعنون على السنة النبوية وينكرون ثبوتها وحجيتها، لكي يخلصوا من ذلك إلى ترك أحكام القرآن دون دلالة وهم يعلمون قاعدتنا...(إذا حاجك أهل الأهواء بالقرآن فحاججهم بالسنة فإن القرآن حمال وجوه).





لدينا القرآن والسنة. عندما يقول قرار المحكمة: (أصولها الثابتة) يُخرجون السنة، ثم عندما يقول: (لا تحتمل تأويلا) يخرجون القرآن الذي يتأولونه ألف تأويل بعيدا عن السنة.






وزيادة في تضييع الشريعة نصت المحكمة الدستورية في حكمها أنه: (ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس أحق بالاتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء سندا، أكثرها ملائمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفا لآراء استقر عليها العمل زمنا). وهذا النص يُمَكِّن من الاعتماد على رأي شاذ مخالف للإجماع.
وعند الحاجة يمكنهم طبعا الرجوع إلى آراء الشيعة، معتمدين على ما قاله الدستوري المستشار عبد الرزاق السنهوري في كتابه (الوسيط في القانون المدني للسنهوري): (ومذهب الإمامية، يمكن الانتفاع بها إلى حد بعيد)!






بعد هذا كله، هل هناك كتاب معتمد لدى المحكمة الدستورية اسمه (مبادئ الشريعة الإسلامية الكلية، وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً)؟ هل لديها كتاب كهذا يمكن أن نتصفحه لنعرف ما هي هذه المبادئ والأصول؟ بالطبع لا. فالأمر يراد له أن يبقى هلاميا عاما.
سيقال: لكن حصل أن يستفاد من هذا القرار، عندما قُضي لصالح موظفين في مصر للطيران بعد أن فُصلوا لامتناعهم عن تقديم الخمور. فأقول إخواني: الباطل يعلق الناس بأمل وهمي حتى يبقوا مخدوعين به تائهين في دهاليزه بدلا من أن يبين لهم قبحه فييأسوا منه ومن دهاليزه ويبحثوا عن المخرج الحقيقي. وإلا فماذا استفاد البرلمانيون "الإسلاميون" من هذا القرار طوال السنوات الماضية؟ هل استطاعوا أن يأسلموا القوانين من خلالهما؟ ألم يكن القرار موجودا والخمارات وبيوت البغاء مفتوحة على مصراعيها بقوة القانون؟ والكتب تؤلف والإعلام ينضح بالسخرية من الله وكتابه ورسوله؟ والدعوة تحارب والأنفاق تُردم على أهل غزة والمسلمات يُسلَّمن للكنيسة...هل استفاد الإسلاميون من قرار المحكمة الدستورية في وقف هذا كله؟ بل سُنت قوانين جديدة مخالفة للشريعة في ظل وجود هذا القرار, وبقيت الشريعة غائبة عن القوانين الجنائية والسياسية والعسكرية والتجارية والإدارية. فلِمَ لم تُستخدم هذه المادة لإبطال هذه القوانين المخالفة لشرع الله؟






فموافقة حكم شرعي في حادثة أو حادثتين لا يزيد عن أن يكون استنزافا لطاقات الإسلاميين وإيهاما لهم بوجود أمل في أسلمة الواقع من خلال الدستور الوضعي المهترئ...






كان هذا السبب الأول لقولنا أن حكم أو قرار المحكمة الدستورية لا يعين أبدا على تطبيق الشريعة. السبب الثاني والأهم:
هو أن الدستور والمحكمة الدستورية يُخضعان الشريعة لحكم البشر! فما يطبق من أحكام الشريعة لا يطبق لأنه حكم الله، بل لأن الدستور ومحكمته ومن ثم البرلمان أذنوا لهذا الحكم بالتطبيق. وهذا ليس من الإسلام في شيء، بل هو تأليه للبشر بجعلهم حكاما على شريعة رب البشر متحكمين بها.




إن المادة الثانية لا تُعرض من الناحية الدستورية البحتة على أنها (حكم الله أو شرعه) الذي لا راد له ولا معقب، بل تعرض على أنها (اختيار وحكم الشعب) القابل للأخذ والرد والتعديل، لأن سلطة الشعب والبرلمان فوق الشريعة وحاكمة عليها! ومن حق البرلمان أن يعدلها أو يلغيها في أي وقت متى توفرت الأغلبية اللازمة لذلك بموجب الدستور، وبالتالي فهي لم تُـشـرع على أنها تعبد لله أو إذعان لحكمه أو تسليم له ولشريعته، بل شرعت لأنها توافق هوى البرلمان وحكمه واختياره!




فالدستور يخضع الشريعة لأهواء البشر في كل المراحل:
فأولا: وجود المادة الثانية منوط بإرادة البرلمان. فالمادة 189 من دستور 71 تقول: (لكل من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور)، وهذا طبعا يشمل المادة الثانية. وكذلك المادة 60 من الإعلان الدستوري تعلق العمل بالدستور بموافقة الشعب عليه، دون أدنى إلزام بوجوب موافقته للشريعة. وبالتالي فليس في الدستور ما يُلزم ببقاء المادة الثانية.




ثانيا: قررت المحكمة الدستورية أن تأثير المادة الثانية يقتصر على (القوانين التي صدرت بعدها فقط)! أما القوانين القديمة فلا تأثير للمادة الثانية عليها.




ثالثا: لا سيادة للمادة الثانية على بقية مواد الدستور، فتأثيرها يقتصر على (القوانين) فقط، وليس على (مواد الدستور) الأخرى. بل نص من يُسمون فقهاء الدستور على تقييد مادة الشريعة الإسلامية بباقي مواد الدستور المخالفة للشريعة، فقد قال السنهوري في وسيطه: (يراعى في الأخذ بأحكام الفقه الإسلامي التنسيق ما بين هذه الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته، فلا يجوز الأخذ بحكم في الحكم الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ، حتى لا يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه) [الوسيط في القانون المدني للسنهوري 1 / 48 - 49]ـ
وقال المستشار حامد الجمل: (والمادة الثانية لا يمكن تفسيرها وحدها، بمعزل عن المواد الأخرى فى الدستور، ومنها ما يتعلق بالمساواة، وعدم التمييز بين المواطنين).
يعني إذا خالف حكم من أحكام الشريعة مبدأً من مبادئ الدستور كسيادة الشعب والمدنية والمواطنة وحرية الردة وولاية الكافر وغيرها، فما الحل؟ الحل أن يرد حكم الله ويُعمل بحكم الدستور، إذ لا يجوز عندهم أن يُعمل بحكم الله في هذه الحالة...((كبرت كلمة تخرج من أفواههم)).




رابعا: تحديد ما إذا كانت القوانين الجديدة موافقة أو غير موافقة للمادة الثانية لا يخضع لأية أسس شرعية. فالجهة المخولة بتحديد ما إذا كان القرارات الجديدة مخالفة للمادة الثانية أم لا هي المحكمة الدستورية، التي ليس لأعضائها أهلية شرعية بل يحكمون بإعمال الدستور ولا يخضعون في تقييمهم لأية معايير شرعية. وبالتالي فتفسيرهم للمادة الثانية، والذي فرح به الإسلاميون البرلمانيون، هذا التفسير قابل للطعن، والمحكمة قد تغير رأيها، وأعضاؤها قد يتغيرون، وليس هناك ما يلزم ببقاء قرارها ما دام أن المحكمة ذاتها لا تتخذ الشريعة مرجعية بل تُخضع الشريعة لقواعد الدستور الوضعي.




خامسا: المادة الثانية ليس لها أي تأثير أو سلطة أو سيادة على البرلمان في عملية إصداره لقراراته، ولا تجبره على قبول أي حكم شرعي.
فإذا كان القانون المراد تشريعه أمراً من الفرائض أو الواجبات الشرعية مثل فرض الزكاة مثلا. فمن حق البرلمان دستوريا حينئذ أن يرفض حكم الله طبقا لرأي الأغلبية. فإن رفضت الأغلبية حكم الله فلا أحد يجبرهم عليها، ولا حتى المحكمة الدستورية.




سادسا: على فرض أن البرلمان وافق على حكم من أحكام الله، فإنه لا يصدر إلا بعد أن يُنزع عنه صفة أنه حكم الله ويُكسى بصفة (حكم الشعب)، ليعطيه صفة برلمانية دستورية. وهذا هو حرفيا معنى المادة الثالثة التي تقول:
(السيادة للشعب وحده)، والمادة الرابعة والعشرين التي تقول: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب)، أي لأن الشعب أرادها، إذ هو في الدستور يحكم لا معقب لحكمه.
قال المستشار حامد الجمل: (وهناك مسألة مهمة ترتكز على أن الشريعة الإسلامية لا تطبق بقوة نصوص الدستور، ولكن تطبق بإرادة المشرع المصري) [جريدة "الأهرام اليوم" الجمعة 1 ابريل 2011]ـ
أي أنها لا تطبق لأنها شريعة الله، ولا لأن الدستور اعتبرها مصدرا، ولكن يطبق منها ما يأذن البرلمان المشرع بتطبيقه من حيث هو حكمه لا من حيث هو حكم الله.
- وهذا هو نص فلاسفة الدولة المدنية كتوماس هوبز الذي قال: (إنَّ الكتابَ المقدسَ لا يصبحُ قانونًا إلَّا إذا جعلَتْهُ السُّلطةُ المدنيَّةُ الشرعيَّةُ كذلِكَ) (ص/258).




سابعا: المادة الثانية لا سلطان لها على القضاة في المحاكم وإنما هي تخاطب "المشرعين" في البرلمان. وبهذا أفتت المحكمة الدستورية العليا واستندت إلى المادة (165) في الدستور التي تنص على أن (الحكم في المحاكم بالقانون)، وشبيه بها مـــــادة 46 من الإعلان الدستوري التي تنص على أن (السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون). ولهذا يمنع أي قاضٍ من أن يحكم بالشريعة بدلاً من القانون الوضعي، ومعروف في ذلك حادثة القاضي المصري المستشار محمد محمود غراب الذي حكم بالحد الشرعي على رجل ضبط بحالة سكر بَيِّن بالطريق العام، فنُقض حكمه بموجب الدستور وتم عزله من العمل القضائي.




ملخص القول أن الشريعة الإسلامية في الدستور المصري ليست حاكمة بل هي محكومة. وتجدر الإشارة أني في هذه الحلقة أنقل كثيرا عن مبحث على الإنترنت بعنوان (المادة الثانية في ميزان الإسلام، حقائق مغيبة)، لم يُحدد كاتبه, وهو مبحث عظيم النفع جدا، من أرقى ما قرأت في طريقة توثيقه وعرضه وتأصيله، جزى الله كاتبه خير الجزاء، وأنصح إخواني جميعا بقراءته والاستفادة من منهجيته التوثيقية التحليلية.




هذه هي المادة الثانية وهذا هو تفسير المحكمة الدستورية لها في سياق الدستور...مادة مقيدة قاصرة مموهة مبتورة مزوية محكومة ذليلة، بينما شريعة الله عزيزة قاهرة مطلقة واضحة حاكمة.






إخواني، وأنا أحضر هذه المادة ماعت نفسي وكدت أصاب بالغثيان لما أراه من تجرؤ البشر على ربهم. ألا لعنة الله على الظالمين ((الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا))... والله إن هجران شريعة الله بالكلية لأقل وقاحة من العبث بها والتعالي عليها وإخضاعها لأهواء البشر بهذا الشكل. ألا لعنة الله على قلوب تشمئز إذا ذكر الله وحده، وشاهت وجوه ترفع جبهتها رفضا لشريعته، وذلت نفوس تستعلي على رب العزة.






ثم ماذا أصابكم أيها "الإسلاميون" البرلمانيون؟ أهذه المادة التي تصرون على بقائها وتعتبرونها خطا أحمر؟! أهذه المادة التي تريدون تفعيلها لا تعديلها؟! أهذه المادة التي تبررون بها قسمكم على احترام الدستور؟! أهذا الدستور الذي يسميه بعضكم دستورا محافظا وجيدا؟! أهذا الدستور الذي لا يحتاج سوى تعديلات طفيفة؟!






هل أسمى أمانيكم أن تعرض أحكام الله على البرلمان حكما حكما، ثم تلتمس أعذار لهذه "الأحكام" من القوانين الوضعية، فيستمع البرلماني صاحب البول والغائط لهذا الحكم وهو ساحل في كرسيه واضع رجلا على رجل يهز قدمه ويتثاءب. ثم يصوت، فإن لم يعجبه حكم الله هز حاجبه ورفع يده بالرفض، كصورة دكتاتور يأمر بأخذ سجين للإعدام! وإن وافق فلسان الدستور يقول: ليس لأنه حكم الله بل لأنه حكم البرلمان؟!






والله لو لم يكن من مفسدة لتنازلاتكم إلا تهزيل صورة الشريعة بهذا الشكل لكفى. شريعة الله أيها البرلمانيون لا تطبق من خلال ثغرة في الدستور والقانون فاربأوا بها عن هذا المقام الدنيء. ولا والله لا معنى للتشبث بهذه المادة وسط ركام من جعل البشر أربابا يشرعون من دون الله وتجب لهم الطاعة بنص الدستور.



-لم تغيِّر المادة ولا تفسيرها من حقيقة الدستور المصري شيئا، بل بقي الدستور تمرغا في وحل العبودية للبشر. حاكها أرباب الدستور وقيدوها بمواده لتكون ((كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب () أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض)) ظلمات في نصها وظلمة في سياقها وظلمة في تقييدها وظلمة في قصورها وظلمة في تفعيلها ((إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور))


هذا الدستور لم يجعل الله له نورا، فما له من نور، فوالله أيها البرلمانيون، لو أوقدتم له ألف شعلة ورقعتم له ألف خرق فما له من نور ولا لجيفته إلا القبور. فبطلانه بطلان أصلي لا يُصلح، وكسره لا ينجبر وما بني على باطل فهو باطل.






خلاصة الحلقة: المادة الثانية موجودة في الدستور باسم الشعب، وهي قابلة للإلغاء، ولا تفعَّل في القوانين السابقة لها، وهي مقيدة بمواد الدستور غير الشرعية، وتفسيرها لا يخضع لأسس شرعية، ولا تجبر البرلمان على القبول بحكم شرعي، وإن تسبت في إصدار قانون فإنما يُصدر باسم الشعب لا لأنه حكم الله.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 09-29-2012, 11:07 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

هل ينال شرع الله بالقسم على مخالفته


السلام عليكم ورحمة الله. أحبتي الكرام دعونا نرتب أفكارنا. في حلقة (عبودية الديمقراطية وبداية الزلل) بينا بداية أن النظام الديمقراطي قائم على جعل التشريع لغير الله تعالى، ثم بينا أنه محبوك بحيث يخلع "الإسلاميون" الشريعة على أعتاب البرلمان، وأن أول باب يخلعون عليه دعوى تطبيق الشريعة هو قبولهم بقوانين الأحزاب التي تمنع من قيام حزب على أساس ديني، وأن هذا يجعلهم يستمدون "شرعيتهم" البرلمانية من الشعب الذي انتخبهم، وليس من الشريعة، وهو بالتالي تسليم منهم بمبدأ الديمقراطية.
ثم بينا أن الباب الثاني الذي لا يبقي أية بقية من دعوى تطبيق الشريعة هو القسم على احترام الدستور الوضعي المصري. بينا نصوصا من هذا الدستور ترد التشريع إلى الشعب وتصدر الأحكام باسمه, وبالتالي فإن القسم على احترامه هو قسم على احترام إعطاء البشر صفة من صفات الربوبية، ألا وهي التشريع. ثم ذكرنا أحد أعذار البرلمانيين ألا وهو وجود المادة الثانية في الدستور التي تجعل الشريعة المصدر الرئيس للتشريع. لكننا وضحنا في الحلقتين الأخيرتين انعدام قيمة هذه المادة، بل أن عدمها أقل جرأة على الله من وجودها بنصها وسياقها وتحكم البشر فيها. هذا ما وضحناه في الحلقتين الأخيرتين.
إذن فليسلم معنا المنصف بأن القسم على احترام الدستور المصري هو قسم على احترام شرك التشريع: جعل البشر مشرعين من دون الله. ولا خفاء في حكم قسم كهذا في دين الله عز وجل. بل لو قال قائل: (أحترم أن يكون التشريع للبشر من دون الله) أو قال: (ليس التشريع لله) هكذا دون قسم، فهذا القول ينقض إيمانه. فكيف عندما يقسم على ذلك، وكيف عندما يقسم بالله العظيم على الشرك بالله العظيم؟!
إذن فليسلم معنا المنصف بأصل الحرمة ابتداء كخطوة أولى. في الخطوة الثانية تعالوا نستعرض أعذار البرلمانيين "الإسلاميين" التي يبررون بها قسمهم هذا ليخرجوه عن أصل الحرمة ونعرض هذه الأعذار على ميزان الشرع:
في الواقع عند استعراض هذه الأعذار ترى مناقشةً للموضوع بمنظور مختلف تماما عن المطلوب، وكأننا نتكلم عن لمم من الإثم لا عن قضية متعلقة بالإيمان ونقضه!
فأول هذه الأعذار: أن بعض النواب "الإسلاميين" يقولون عقب قسمهم: (فيما لا يخالف شرع الله)!
فأقول إخواني: في حل المعادلات الرياضية نرفع الرمز ونضع مكانه الرقم الذي يساويه. في حالتنا هذه:
الدستور والقانون الوضعيان = جعل التشريع للبشر إن كان هذا التعبير أخف وقعا من وصف الكفر بأن الله تعالى هو المشرع.
فعندما يقول البرلماني "الإسلامي": (أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور والقانون بما لا يخالف شرع الله)، فماذا يختلف عن قول: (أقسم بالله العظيم أن أحترم جعل التشريع للناس من دون الله العظيم بما لا يخالف شرع الله)؟! ماذا يختلف عن قول: (أقسم بالله العظيم أن أحترم سلب التشريع عن شرع الله بما لا يخالف شرع الله)؟!
ولذا فهذا القسم محال التطبيق كمن يقول: أقسم بالله أن أقعد واقفا وأنام صاحيا!
إخواني هذه ليست مبالغة ولا تحميلا للكلام ما لا يحتمل...هذا نزع أغلفة الزينة لنكتشف مرارة واقع المسألة.
والعجيب أن القاعة تضج بالتصفيق عندما يصر النائب عليها وكأنه فعل ما عليه وتجنب الإثم والخطأ!
فمثل هذا القسم تلبيس على الناس، وتمييع لمفهوم أن الدستور يصادم الشريعة مصادمة كاملة كلية جذرية. فالدستور شريعة البشر القائمة على جعل التشريع للبشر، فهو على النقيض من شريعة الله.
المسألة ليست أنه يحتوي على مواد مخالفة بل هو المخالفة ذاتها.
العذر الثاني: أن البرلماني يغير نية القسم في قلبه.
فمنهم من قال: ينوي أنه يحترم المادة الثانية أو ما لا يخالف الشريعة، وقد بينا بطلان هذا كله فيما تقدم. وقال بعضهم: ينوي بقلبه أنه يحترم القرآن، الذي هو دستور المسلمين. ثم يسترسلون في بيان أحكام التورية وأن النية يمكن أن تكون على نية الحالف لا المستحلف وتضيع القضية في هذه التفاصيل التي ليست هي محل نقاشنا. ويتغاضى تماما الحديث عن التلبيس الحاصل على الناس في أخطر قضايا عبوديتهم لله تعالى وخضوعهم لشرعه.
نسأل البرلمانيين هنا سؤالا طرحناه من قبل:
أنتم عندما دخلتم البرلمان وأقسمتم هذا القسم، ما هدفكم تحديدا؟ إصلاحات جزئية أم إقامة الشريعة؟
أما إن كان الهدف إصلاحات جزئية، فهل يجوز القسم على احترام جعل التشريع للبشر بدلا من الله، ولو توريةً، من أجل هذه الإصلاحات؟
وأما إن قلتم هدفنا إقامة الشريعة، فهنا لا بد من وقفة.
فنقول: هل يُتصور إقامة الإسلام بالقسم على إضفاء صفة من صفات الربوبية على البشر؟! وهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفعل ذلك؟ لو قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسجد لصنم من أصنامنا مرة ونسمح لك حينئذ بأن تحكمنا بما شئت)، هل كان سيقول: (أسجد أمام الصنم بنية أن سجودي هذا لله لا للصنم في مقابل هذه المصلحة العظيمة)؟
إجابة عن هذا السؤال تعالوا نتذاكر قول الله تعالى لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَخَذُوكَ خَلِيلاً ﴿73﴾ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴿74﴾ إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾
إذا استعرضنا ما ورد في سبب نزول هذه الآية وجدنا أن قريشا طلبت من رسول الله أن يظهر شيئا من الاحترام لأصنامهم، شيئا يسيرا دون العبادة، كأن يمس أصنامهم مسا...فإن فعل دخلوا في دينه...قالوا: (يا محمد تعال فاستلم آلهتنا وندخل معك في دينك). وقد ذهب عدد من أهل العلم إلى أنه عليه الصلاة والسلام لم يقع منه ولا حتى مقاربة الميل إلى تلبية طلبهم، وذلك بتثبيت الله له. إلا أن الله تعالى بين أنه لو وقع منه عليه السلام ركون قليل إلى ما طلبوه لعذبه عذاب الضعف في الحياة وعند الممات! ﴿إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾...العبادة لم تحصل، بل ولا إظهار الاحترام، بل ولا الميل إلى إظهار الاحترام...ومع ذلك يأتي الوعيد الشديد من الله تعالى على الحالة الافتراضية من حصول الميل إلى إظهار شيء يسير من الاحترام مهما كان المقابل مغريا. ذلك أن جناب التوحيد لا بد أن يبقى ناصعا واضحا وأن يُحرس حراسة عظيمة ولا يحام حول حماه. والخطاب لرسول الله خطاب لأمته من بعده، والتحذير له تحذير لأمته، وإلا فهو عليه الصلاة والسلام أبعد الناس أن يقع منه هذا الركون.
إخواني قضية التلبيس الحاصلة للناس بقسم كهذا لا تعطى حقها أبدا في النقاش. فترى البرلماني يناقش مسألة التورية ونية الحالف والمستحلف ولا يأخذ في الحسبان التلبيس على الناس بقسمه هذا. في وقت نعلم فيه أن هذه الدساتير حلت محل الشريعة وعظمت أكثر من تعظيم الشريعة، بل وعقوبة سب الدستور أكبر من عقوبة سب الله تعالى. ثم يأتي البرلماني "الإسلامي" أمام الناس ليقسم بالله تعالى على احترامه وتوطيد أركانه...هذا كله لا يأخذ أدنى نصيب من النقاش والاعتبار.
انظر كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضبط ألفاظ الصحابة لرعاية جناب التوحيد مع علمه بأن ألفاظهم هذه كانت تصدر منهم بنية سليمة. فلما قيل له: ما شاء الله وشئت رد عليه السلام: (أجعلتني لله عدلا! بل ما شاء الله وحده)...وهؤلاء يلبسون على الناس بقسمٍ على ما يجعل البشر عدولا لله، بل مشرعين بدلا من الله.
لم يقل الدستور ما شاء الله وشاء الشعب، بل ما شاء الشعب وحده. وليس هذا سوء تعبير مع نية سليمة كنية الصحابة، بل نص ملزم تتبعه قوانين نافذة يعاقب من خالفها. فأين حراسة جناب التوحيد يا أصحاب القسم؟ أبهدم التوحيد والتلبيس على الناس تقيمون الشريعة؟
ثم هؤلاء الذين يقولون: (نتحمل مفسدة القسم مع التورية من أجل مصلحة إقامة الشريعة)، وقد يستدلون بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لمحمد بن مسلمة أن يوري أمام كعب بن الأشرف اليهودي بكلام يظهر منه عدم القناعة بالإسلام إذ قال: (إن هذا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - قد عنانا وسألنا الصدقة) وقال: (فإنا قد اتبعناه فنكره أن ندعه، حتى ننظر إلى ما يصير أمره)...أذن له أن يقول هذا الكلام ليأمنه كعب بن الأشرف فيتمكن محمد بن مسلمة من قتله وإراحة المسلمين من شره وتأليبه للكافرين على رسول الله.
فنقول: هل تصلح هذه الحادثة للاستدلال على واقعكم؟ هل واقعكم كواقع محمد بن مسلمة إذ ورى –بإذن النبي- تورية في لحظة فاصلة القصد منها خلع الكفر من جذوره ودحره؟ دون أن يتبعه أي عمل مخل بالإيمان ودون تلبيس على المسلمين في قضية الاحتكام إلى الشريعة؟ ودون أن يكون عمله هذا خداعا للمسلمين قبل الكافرين. ودون أن يتحول الدين عنده إلى تقية سياسية تضعف فيه ثقة الجماهير الإسلامية.
هل كل ما يطلب منكم هو هذا القسم الذي به تدخلون قمرة القيادة لقطار البلد لتعلنوا منها ان الحكم لله وأن كل دستور خالفه فهو باطل وتحرفوا على الفور مسار القطار لتضعوه على سكة الشريعة؟ هل المسألة بهذه البساطة؟
أم أن واقع الأمر أن البرلمانيين يقسمون ليدخلوا مجلسا تشريعيا تظله قوانين الدستور التي تجعل التشريع للشعب والأحكام صادرة باسم الشعب. وإنما يصول البرلمانيون بعد ذلك ويجولون وفق مواد هذا الدستور، فانخراطهم في مجلس كهذا هو احترام عملي للدستور يصدق عمليا ما أقسموا عليه بألسنتهم، ولسان الحال أبلغ من لسان المقال. فلا هي لحظة فاصلة بين الإيمان والضلال، ولا هو قسم يتبعه استئصال الجاهلية من جذورها، بل يتبعه فعل محرم في ذاته، ويلبَّس به على الناس وكأنه خداع لهم قبل أن يكون خداعا لأعداء الشريعة!
فالبرلمانيون يقسمون قسمهم ليدخلوا قمرة القيادة لقطار يسير على سكة مرسومة. لا يهم من في قمرة قيادة هذا القطار طالما أنه يسير على السكة الديمقراطية المرسومة له مسبقا. فالمطلوب تغيير السكة لا تغيير الطاقم في قمرة القيادة.
إذن فعند مناقشة جزئية القسم ينبغي وضعها ضمن المنظومة والسياق الديمقراطي الذي افتَعل القسم ليكون إعلانا باللسان يتبعه إعلان بالعمل أن مرد التشريع إلى البرلمان. فبالإضافة إلى إشكاليتنا مع القسم ذاته فالإشكالية مع سياقه وما يُقسَم من أجله أكبر.
لعل قائلا يقول: لماذا تركز على هذه المواد من الدستور ولا تذكر المواد الأخرى التي تحفظ للمواطن إنسانيته وحريته وكرامته ومساواته بالآخرين؟ وليسمح لي من يتساءل تساؤلا كهذا أن أقول له: هان عليك حق الله تعالى! ما من مبدأ جاهلي قديم ولا حديث إلا وفيه هذه الشعارات الرنانة عن الحرية والمساواة، لكن ما الفائدة إن ضُيع حق الله تعالى؟ عندما نتكلم عن إشراك العباد مع الله في صفة من صفاته فإن نقطة من هذا التجرؤ على الله لو وضعت في محيط من الحسنات لأفسدته...((ولقد أوحينا إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)).
ثم لعل قائلا يقول: (كل هذا من أجل كلمة، كلمة يقولها القائل ونيته طيبة وقصده شريف)؟! فنذكر أن المرء يدخل الإسلام بكلمة، ويخرج منه بكلمة، وأن الله وصف قولا فيه شرك بأنه ((تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا))...ونذكر بحديث البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يلقي لها بالا ، يهوي بها في جهنم)).
إخواني كان هذا فيما يتعلق بالضمانات التي وضعتها الديمقراطية لتضمن بها حماية نفسها كنظام بشري وضعي وتمنع التسلق من خلالها لتطبيق شريعة الله عز وجل. الحلقة القادمة هي في نظري أهم حلقات السلسلة تعرض لحقيقة كبرى غُيبت والتبست على كثير من الخاصة فضلا عن العامة فانتظروها واسألوا الله لأنفسكم ولأخيكم وللمسلمين الهداية والعصمة من الفتن. والسلام عليكم ورحمة الله.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 09-29-2012, 11:11 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

قصة عَجلان وسليمة


السلام عليكم ورحمة الله.

أحبتي متابعي سلسلة نصرة للشريعة، دعونا أحدثكم عن قصة عَجلان.
عَجلان رجل تعلق قلبه بسليمة...أراد خطبتها من أبيها فطلب منه مهرا عاليا. اجتهد عجلان وفكر...وقاس المصالح وقدر...هو يستطيع أن يدفع هذا المهر لكن هناك طريقة أوفر: سيأتي بالمأذون وبالعروس وبشاهدين...أما أبو سليمة فسيتجاوزه عجلان ويأتي بدلا منه بصديقه بَرمان، وهو شاب محترم متدين. سيطلب عجلان فتاته من برمان بدلا من أن يطلبها من أبيها، لأن برمان سيوافق على مهر أقل.



وبالفعل، ارتبط عجلان بسليمة وقرئ في حفلهما القرآن وكان حفلا إسلاميا بامتياز، دعي إليه المشايخ والفضلاء. عاش عجلان وسليمة في بيت واحد، وكانا يقومان الليل ويصومان النهار، كان عجلان يحرص كلما أتى أهله أن يقول: (بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا). أصبح لديهما أولاد. أما المال الذي وفره عجلان عندما تجنب إعطاء المهر العالي لوالد سليمة فقد أنفقه عجلان على تحفيظ الأولاد القرآن في المراكز الإسلامية.
كانت هذه، باختصار، قصة عجلان وسليمة...أسئلة تطرح نفسها وأود منك أخي أن تجيبني عنها:
1) هل زواج عجلان بسليمة زواج شرعي؟
الجواب: في الحديث الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم:
((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل)).
إذن فزواجهما غير شرعي.

2) كون برمان شابا محترما متدينا، ألا يضفي هذا شرعية على زواج عجلان بسليمة؟
الجواب: ما دام أن سليمة طُلبت من غير وليها فلا فرق بين أن يكون هذا البديل عن الولي شر الخلق أم رجلا متدينا. بل إن المتدين إن رضي أن يمارس هذا الدور الباطل فلا خير فيه ولا في تدينه، إذ تدينه المزعوم يضفي "شرعية" موهومة على هذا الزواج الباطل.



3) لكن ماذا عن حرص عجلان على إسلامية العرس وعلى ذكر الله كلما غشي سليمة...ألا يستحق هذا كله منا الثناء؟ أليس هذا أفضل مما لو جاء بالمغنيات في عرسه؟ أليس حرصه على قيام الليل معها أفضل من سهره معها على الأفلام الماجنة؟ أليس التقليل من شأن هذه الـ"إيجابيات" حدية وسلبية وعدم إنصاف؟ أليس لديكم أي اعتبار للجوانب "الإسلامية" من حياتهما؟
الجواب: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا)). علاقة عجلان بسليمة دون إذن وليها علاقة خبيثة. فقراءة القرآن وذكر الله عند الجماع...هذا كله ذكر لله على استفتاح معصية! فلو أنهما أجلا الله عن ذلك لكان أقل إثما! وبقاؤهما في خلوتهما غير الشرعية يأثمان عليه حتى لو قاما الليل فيها.



4) ماذا عن الأولاد وإنفاق عجلان عليهم في دور تحفيظ القرآن؟
الجواب: بما أن النكاح باطل فالأولاد الناتجون غير شرعيين، وعجلان بصرفه مال المهر إلى دور القرآن بدلا من صرفه في مكانه ليكون نكاحه شرعيا...عجلان في ذلك آثم غير مأجور.



5) هل يعقل أن كل هذه التبعات الكارثية في علاقة عجلان بسليمة هي من خطأ واحد فقط في البداية، وهو عدم طلبها من أبيها؟
الجواب: نعم.فهذا الخطأ الواحد في البداية هو فرق ما بين النكاح الشرعي المبارك والزواج الباطل. وكل ما بني على باطل فهو باطل.
أحبتي في الله، إن تطبيق الشريعة من خلال البرلمان هو طلب للشريعة من غير وليها. فاستئذان البرلمان في تطبيق الشريعة معناه جعله حكما على شريعة الله. فإن طبق حكم من الأحكام فلا يطبق لأنه واجب التطبيق من حيث هو حكم الله، بل لأن البرلمان أذن لهذا الحكم أن يطبق. فحتى لو افترضنا أن البرلمان اختار أن يطبق الأحكام الإسلامية كاملة، فإن هذه الأحكام لا تسمى إسلامية ولا تسمى تطبيقا للشريعة لأنها طبقت باسم البرلمان لا باسم الله، كما طلب عجلان فتاته من برمان لا من وليها.
فالمسألة ليست هل سيوافق البرلمان وهل سيوافق الشعب على أحكام الشريعة أم لا. بل مجرد استئذان البرلمان في تطبيقها يسقط عن هذه الأحكام صفة أنها أحكام الشريعة ويجعلها أحكام البرلمان.

ولا فرق هنا أطبقت هذه الأحكام دفعة واحدة أم طبقت بالتدريج. فما دام أن تطبيقها مرتبط بإذن البرلمان وصادر باسم الشعب فهي أحكام الطاغوت وإن كانت موافقة في الصورة لأحكام الله. إذ أن الطاغوت كل ما عبد من دون الله بإذنه، وادعاء حق التشريع وإلزام الناس بطاعته من صفات الطاغوت.
والمسألة هنا ليست مسألة شكلية. بل هي فرق ما بين العبودية لله والعبودية للبشر من دون الله.
أنت عندما تذبح الشاة تقول (باسم الله). فإن قلتها كانت ذبيحة تتقرب بها إلى الله وكان لحمها طيبا يجوز لك أكله. إن قلت: (باسم الشعب) أو (باسم البرلمان) كنت آثما مشركا لأنك تهل بها لغير الله، والذبيحة حينئذ ميتة ويحرم عليك أكلها.
المادة 24 من الدستور المصري تقول: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب).
أي لأن الشعب أذن بها وأرادها.
هذه الكلمة التي يراها البعض بسيطة (باسم الله أو باسم البرلمان) هي فرق ما بين التوحيد والشرك، هي فرق ما بين الاحتكام إلى الله والاحتكام إلى البشر.


البعض يظن أن تطبيق الشريعة من خلال البرلمان فرق شكلي عن تطبيقها إذعانا لله تعالى، ما دام أن الأحكام في المحصلة متفقة في صورتها. يعني يقول لك: نحن نريد أن تطبق الشريعة بأية طريقة. المهم أن نصل إلى تطبيق الشريعة.


والحق أن الاحتكام إلى البرلمان شرك، والفرق بعد ذلك بين أن تطبق أحكام موافقة للشريعة في الصورة أو مخالفة لها هو الفرق الشكلي.
إخواني هنا نقطة مهمة جدا:
تطبيق الشرع بحد ذاته لا يعتبر غاية قصوى، بل هو وسيلة لتحقيق العبودية لله عز وجلّ. فليس الهدف الوصول إلى تطبيق الشرع بشكل مجرد، بل الهدف الوصول إلى تطبيق الشرع المحقق للعبودية لله _عز وجلّ.

وإلا فأحكام الشريعة لنفعنا نحن معاشر البشر. الذي يريده الله منا أن يكون تطبيقنا لشريعته هو من باب الامتثال لأمره: ((لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم))
الهدف الأعظم من تطبيق شرع الله تعالى هو إظهار الخضوع والانقياد له تعالى وحين يخلو تطبيق الشريعة من هذا الهدف الأعظم فلا قيمة له عند الله عز وجل.
بالتالي فكل ما يريده الله منا هو هذه الكلمة: (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الله). أما إن كانت أحكام الشريعة تصدر وتنفذ باسم الشعب ((فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون))...ليس لله في هذه الأحكام نصيب.
كل ما يريده الله منا: أن نمتثل أوامره طاعة له تعالى، له وحده. هذه هي الكلمة التي يريدها الله منا: تصدر الأحكام وتنفذ باسم الله.
تطبيق الشريعة إنما المقصود منه ان يكون مظهرا من مظاهر الإسلام. مامعنى الإسلام؟
الإسلام هو الاستسلام والانقياد التام والإذعان غير المشروط لحكم الله تعالى، وتطبيق أمر الله تعالى لأنه أمر الله، لا لأن الأغلبية وافقت عليه. استئذان البرلمان في تطبيق أمر الله شرك بالله، بل إخضاع أمر الله لأمر البشر! ((ساء ما يحكمون)).
فمن اللحظة التي تصدر فيها الأحكام باسم البرلمان فقد انهار هذا المعنى، معنى العبودية، انهيارا تاما، ولا ينفع بعد ذلك كون النواب محترمين كبرمان، ولا البسملة في بداية الجلسات كما كان يبسمل عجلان عندما يأتي أهله، ولا المظهر الإسلامي لقرارات هذا المجلس كأولاد سليمة غير الشرعيين. ولا يثنى على نشاطات هذا المجلس ولا على ما ينتج عنه من مكافحة للفساد ورفع للظلم كما لا يثنى على صرف عجلان مهر فتاته لتحفيظ القرآن عندما استثقل تبعات طلبها من وليها. فطلب سليمة من برمان جعل العلاقة غير شرعية من أولها إلى آخرها، وجعلها باطلا، وكل ما بني على الباطل فهو باطل.
لذا فإني أتألم عندما يسألني البعض: طيب يا شيخ افترض أن البرلمان نجح فعلا في تطبيق الشريعة، هل تغير رأيك في المشاركة فيه؟ وهذا السؤال منقوض من نفسه، كأنهم يقولون: افترض أن برمان نجح في جعل زواج عجلان بسليمة زواجا شرعيا. هل ستغير رأيك في علاقتهما وتعتبرها شرعية؟ لن تكن علاقتهما شرعية إلا إذا طلب عجلان فتاته من وليها وتحمل تكاليف ذلك.
هذا المبدأ على وضوحه وبداهته أصبح-للأسف الشديد- موضع نقاش. وهذا من الثمار السلبية لمواقف الأحزاب "الإسلامية" من العملية الديمقراطية وتصريحاتهم المتخبطة بخصوص تطبيق الشريعة. في الواقع إخواني أهم أهداف السير في هذه السلسلة كان التنبيه على هذه الثمار المشؤومة لأخطاء الأحزاب "الإسلامية" ومن ثم تشخيصها وتحديد أعراضها وعلاجها. هذا المحور سيكون موضوع الحلقات القادمة يتبعها بإذن الله محاور أخرى مهمة. فتابعوا معنا.
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 09-29-2012, 11:15 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي


مفاسد "الإسلاموقراطية" التي لا تعدلها مصلحة


•أحبتي الكرام نحن اليوم على موعد مع موضوع في غاية الأهمية، وهو الأضرار العقدية التي نتجت عن أخطاء الـ"إسلاميين" في عملهم السياسي.
•إخواني، في هذا المحور من السلسلة سنسير بإذن الله على النحو التالي، وهنا تفصيل دقيق فأرجو التركيز:
•- سنوضح الأضرار العقدية الفكرية المنهجية التي أصابت كثيرا من المسلمين جراء الممارسات السياسية الخاطئة لبعض الــ"إسلاميين". وهذا سينقلنا إلى الخطوة التالية:
• - حيث سنقول لهؤلاءالـ "إسلاميين": أنتم بررتم ممارساتكم السياسية هذه باستخدام قاعدة المصلحة والمفسدة. قلتم أن ممارساتكم السياسية تجلب مصالح أعظم من المفاسد الناتجة عنها. الآن وبعد أن بينا في الخطوة الأولى حجم المفاسد الناتجة عن ممارساتكم.
•تعالوا نطبق قاعدتكم التي ناديتم بها ونعيد الحساب لنرى أن المفاسد العقدية المنهجية التي حصلت حتى الآن أكبر من كل مصلحة موهومة مظنونة تتمنونها. وبالتالي فقواعدكم النظرية نفسها تقود إلى تحريم ممارساتكم.
• - ثم في الخطوة الثالثة سنبين أننا لا نقر أصلا بطريقة الـ"إسلاميين" البرلمانيين في استخدام قاعدة المصلحة والمفسدة. وسنبين الانحراف الشديد في تطبيق هذه القاعدة بحيث هدمت قواعد الإسلام وأنتجت في النهاية دينا جديدا ليس هو دين الإسلام
•إذن سنمهد اليوم للحديث عن الآثار الكارثية لانخراط "الإسلاميين" في العملية الديمقراطية ولموقفهم المتخبط من الشريعة وللتنازلات التي قدموها...آثار ذلك كله على عقائد المسلمين وتصوراتهم.
•نحن عندما نقول آثار كارثية على عقيدة المسلمين، ماذا نقصد؟ سأذكرها هنا على عجالة والتفصيل يأتي في الحلقات القادمة لنعرف موطن الخلل ونعالجه بإذن الله. والمتابع للمواقف والتغيرات التي طرأت على فكر الناس ولغة خطابهم سيحتشد في ذهنه الكثير من الشواهد لكل أثر أذكره.
•من هذه الآثار أن كثيرا ممن ينتسب إلى الإسلام أُشرب المبادئ الديمقراطية في قلبه وأصبح ينادي بها ويدعو إليها ويدافع عنها...مع أن قوى الغرب وعملاءَهم من العلمانيين فشلوا عبر عقود في ترويجها في بلاد المسلمين، فكان حصان طروادة الذي روجها في النهاية هم بعض "الإسلاميون" أنفسهم.
•من هذه المبادئ التي راجت:
•- أن الشعب هو صاحب السلطة التشريعية الذي له الحق في أن يشرع لنفسه ما يشاء،
•- وأن إرادته محترمة وإن صادمت الشريعة، فالحق ما أحقه الشعب والباطل ما أبطله
•- منها ضياع عقيدة الولاء والبراء
• -والتسويةُ بين المسلم والكافر على أساس المواطنة حتى فيما فرق الشرع فيه من حيث المعاملات، بل والتسوية بينهما تسوية قيمية ذاتية
•- منها وضع الإسلام على قدم المساواة مع الأديان الأخرى ومع المناهج الوضعية
• - منها أنه تميعت في النفوس حقيقة أن الإسلام هو الحق المطلق وما دونه باطل وضلال
•- وقل شأن الشريعة في النفوس فأصبحت بعض القيم المنادى بها كالحرية وتقوية الاقتصاد مقدمة على الشريعة
• -وضعفت الثقة في رصيد الفطرة الذي أودعه الله في نفوس عباده لينجذبوا إلى شرعه
•من هذه الآثار لممارسات الإسلاميين الديمقراطيين
•أنها:
•- جعلت كثيرا من المنتسبين إلى الإسلام يسوغون ويبررون الحكم بغير ما أنزل الله ويصفونه بالعقلانية والواقعية
•- ويقبلون بالاحتكام إلى القوانين الوضعية
•- ويكرهون أحكاما هي في حقيقتها من الشريعة بل ويستهزئون بها
• -ويرون شرع الله غير صالح للتطبيق في بعض الأمكنة والأزمنة ويتخوفون من تطبيقه
-- ويتصورون أن أخلاق الناس وسلوكهم يمكن أن تَصلح بقوانين وضعية بدلا من الشريعة
-من هذه الآثار:
•- ضياع معنى العبودية لله وضياع قضية أن الحكم لله
- وهزلت صورة الشريعة بحيث راجت فكرة أنْ تُعرض أحكام الله على العبيد ليختاروا منها ما شاؤوا
- وتصور البعض أن الشريعة تقبل أن تكون ترقيعية للأنظمة الجاهلية
•من هذه الآثار أن الناس راجت بينهم افتراءات على أنبياء الله،
•مثلَ فرية أن رسول الله تنازل في الحديبية، وعطل بعض الحدود خوفا من ردة الفعل!
• بل نسبوا إلى أنبياء الله تقديم بعض القيم على الدين مثل فرية أن هارون قدم الوحدة القومية على التوحيد، بل ونسبوا إليهم أعمالا كفرية مثل فرية أن يوسف عليه السلام حكم بغير ما أنزل الله.
•من هذه الآثار:
•-تعود الناس على عدم احترام الدليل الشرعي، ومعارضتِه بالحجج "العقلية"، وشيوعُ علمانية مغلفة بغلاف سلفي!
•من هذه الآثار:
•- أن "الإسلاميين" أنفسهم بممارساتهم وتصريحاتهم ثبطوا المارد الإسلامي المنتفض وفرغوا الشحنة الهائلة التي سرت في الشعوب الإسلامية إبان الثورات العربية ونزلوا بسقف طموحاتها وحدوا من آمالها...
•درو اعتدناه من أعداء الإسلام الصرحاء، لكنه هذه المرة –وللأسف- مارسه من يوصفون بأنهم إسلاميون.
•من هذه الآثار:
•- تبرير التفلت من أوامر الله عز وجل ونواهيه تحت مسمى التدرج، بحيث أصبح التدرج شعاراً فكرياً ينادى به وتبرر به الممارسات على مستوى المؤسسة والعائلة، بل والفرد، وهذا من أخطر الآثار.
•من هذه الآثار لممارسات البرلمانيين:
•- أنها أضفت "شرعية" في عيون الناس على الأنظمة الجاهلية بعدما تزلزلت أركانها، فأعطت لهذه الأنظمة قبلة الحياة.
•من هذه الآثار:
•-أنها هزت صورة الدعوة والدعاة في نفوس الناس، فظهر الدعاة ميكافيليين براغماتيين نفعيين متلونين يمارسون التقية السياسية وينافسون أهل الباطل على دنياهم ومناصبهم، مما سيضرب دعوتهم في الصميم وينفر الناس عنها.
•من هذه الآثار:
•-أنها روجت للانهزامية النفسية، بحيث يُحسب ألف حساب للنصارى في بلاد المسلمين وللعلمانيين فيصبح التفكير في رضاهم وسواسا قهريا يحكم التصرفات والتصريحات، ويُلتمس رضاهم أكثر مما يُلتمس رضا الله عز وجل.
•ومن أهم الآثار للممارسات السلبية لبعض الـ"إسلاميين":
•-الاستهانة بهذه الآثار المتقدم ذكرها جميعا، وعدم إعطائها أي وزن عند مقارنة المصالح الموهومة بالمفاسد. وقد حصلت الاستهانة من كثير من العلماء والدعاة أنفسهم،
•وهذا يرسل للعقل الجمعي واللاشعور رسائل في غاية السلبية، حيث تقلل هذه الاستهانة من شأن العقيدة وسلامتها وتقلل النفور مما يضادها من باطل.
•هذه الآثار السلبية كلها تكاد لا تُذكر أبدا عند مقارنة المصالح بالمفاسد، مع أن كل أثر منها ينطبق عليه قول الله تعالى: ((تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا))!
•هذه الآثار الكارثية لو مُزج أي منها ببحر من المصالح لأفسده.
•هذه الآثار السلبية يمكن تلخيصها بكلمتين: ضياع الدين!
•وبعد هذا كله يتساءل البعض: لماذا لا توجه نصائحك في هذه السلسة بشكل شخصي إلى الأحزاب الإسلامية وقياداتها بدلا من نشرها على العلن؟
•والجواب إخواني أن أهم ما دفعني إلى السير في هذه السلسلة هو هذه النتائج الكارثية على عقائد الناس وتصوراتهم وأفكارهم والتي تتحملون أنتم يا بعض "الإسلاميين" القسط الأكبر منها جراء ممارساتكم الخاطئة. هذه الأخطاء تمت في العلن وكانت آثارها السلبية عامة، فلا يصلح معها الإسرار إلى الخاصة.
•ولا بد من التأكيد على أننا إنما نستخدم مصطلح "الإسلاميين" في هذا المقام تجوزا واختصارا. فنحن نقصد بالمصطلح من يُجوز التغيير من خلال البرلمانات والانتخابات الرئاسية ضمن المنظومة التشريعية الديمقراطية والدساتير الوضعية.
•وهذا الطرح لا نُقر أبدا بأنه إسلامي أصلا، خاصة بعد استعراض آثاره الخطيرة الهادمة للإسلام. ولذا فسنميل إلى استخدام مصطلح (دعاة الديمقراطية) بدلا من "إسلاميين".
ونُذَكر أيضا بأننا نعي وجود أحزاب وتوجهات إسلامية وأفراد عاملين على تغيير الواقع بطرق نرى فيها صوابا وخطأ، لكنهم على الأقل سلموا من سلوك طريق الديمقراطية والتنازلات ومن التبرير لها.
فليس النقد والتصويب في هذه السلسلة بالذات موجها لهؤلاء.
نعود فنقول: هل تنبأ العلماء من قبل باحتمالية حصول شيء من الآثار السلبية المذكورة؟ الجواب: نعم. لكن، هل اتخذوا منها الموقف المناسب بعد ظهورها؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله.
خلاصة الحلقة: مسلك دعاة الديمقراطية نتج عنه أضرار على عقائد الناس هي شر من كل مصلحة مرجوة.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 09-29-2012, 11:20 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي


تحذير العلماء من التلبيس العقدي
السلام عليكم ورحمة الله.
أحبتي الكرام تكلمنا في الحلقة الماضية عن الأضرار العقدية التي نتجت عن الأخطاء في العمل السياسي الإسلامي. وقلنا أن هذه المفاسد شر من كل مصلحة يرتجيها من قدموا التنازلات.

تُرى هل تنبأ علماء من قبل باحتمالية حدوث هذه الأضرار؟ نعم، وإن كان هؤلاء العلماء قلة. بيَّن هؤلاء العلماء أن أي تحرك سياسي يجب ألا يؤدي إلى التلبيس على الناس في أمور دينهم.
لكن أين المشكلة؟ المشكلة أنه بعدما وقعت ممارسات سياسية في غاية الخطأ وأدت إلى هذا التلبيس بأشد أشكاله، توقعنا أن يطبق هؤلاء العلماء قاعدتهم وينادوا بتحريم هذه الممارسات وينأوا بالناس عنها ويوجهوا ممارسيها علنا لأنها وقعت في العلن وآثارَها عمَّت. لكن مشايخنا بدلا من ذلك دعوا إلى تأييد وانتخاب من يمارس هذه الممارسات المنحرفة! فاجتمع على الناس ثلاثة عوامل تسهم كلها في التلبيس عليهم في أمور دينهم: الممارسات الخاطئة، ودعوة المشايخ إلى انتخاب من يمارسونها، ثم في المقابل عدم إنكار المشايخ لهذه الممارسات الحديثة.


فكانت مفسدة التلبيس التي، وبتقرير هؤلاء العلماء أنفسِهم فيما مضى، تفوق كل مصلحة مرجوة من دعوة الناس إلى انتخاب أصحاب هذه الممارسات.
ما نطالب به هؤلاء العلماء هو أن يطبقوا قاعدتهم التي نادوا بها من قبل، أن أي تحرك سياسي يجب ألا يؤدي إلى التلبيس على الناس في أمور دينهم. فانظروا يا مشايخنا إلى الواقع لتعلموا أن هذا التلبيس حصل فأنكروه وعالجوه.
سنأخذ مثالا من علماء السلفية ومثالا من العلماء المعتبرين لدى الإخوان.

الداعية العلامة الدكتور محمد إسماعيل المقدم شيخ السلفية في الإسكندرية، ومن كبار مشايخ السلفية في مصر...وهنا أقول للدكتور المقدم ومشايخ الدعوة السلفية في مصر: نحن الآن نعتب عليكم في العلن مع أننا أحببناكم واستفدنا منكم في الماضي ونافحنا عنكم ونشرنا محاضراتكم ومحاسنكم. لكن الحق أحب إلينا منكم. ووالله ثم والله لرجوعكم إلى الحق أحب إلينا من الأرض وما عليها، ونحن حينئذ لدعوتكم خدم. وما بنا إلا رجاء المساهمة في استرعاء انتباهكم لهذه الأمور وإنقاذ الأمة التي نخشى أن يكون عليكم كفل منها. فاللهم إن كان ادعائي هذا حقا فانشر هذا الكلام وتقبله وانفع به، وإن كان باطلا فاقبره في مكانه ولا تحملني وزر الكذب فيه.

الشيخ المقدم كان قبل الثورات العربية يرى بحرمة دخول المجالس النيابية، ومع ذلك يرى دخولها أمرا خلافيا. لكن لاحظ الشرط الذي وضعه حتى تعتبر المسألة خلافية:
قال الدكتور المقدم: (فلا يصح أن نضحي بعقيدتنا في سبيل مقعد في مجلس الشعب, فالشرط الأساسي للرخصة عدم التنازل, وعدم استخدام التقية؛ لأن التقية في قضايا العقيدة والقضايا الجوهرية يترتب عليها تلبيس الحق على جماهير الناس، فتلتبس عليهم الأمور, وتختلط عليهم مفاهيم أساسية تمس العقيدة، يقول الله سبحانه وتعالى: ((وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ)) (المائدة:49)، ثم انظر ماذا بعدها: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49]. فالتنازل عن أي قضية من حقائق الدين أو تلبيسُها بما يخالف مفاهيم الدين جريمة كبرى وانحراف خطير يمس بأصل الدين, نعم قد يحصل تنازل بصورة عملية في بعض الظروف الضاغطة على المسلمين, لكن في قضايا عملية وليس في قضايا علمية أو اعتقادية. قد يضطر المسلمون مثلاً أن يبذلوا الأموال في سبيل فكاك أسرى المسلمين, وهذه الأموال سينتفع بها الكفار ويتقوون بها، لكن نحن نضطر أن ندفعها لهم في سبيل مصلحة أهم، وهي استنقاذ المسلمين من أيديهم)...كلام من أوضح ما يكون تظهر فيه حراسة التوحيد منه حفظه الله.
تعالوا نستنبط الدروس من هذه الكلام:
1) أكد الشيخ حفظه الله على عدم جواز استخدام التقية.
التقية مثل ماذا؟ مثل التصريح بكلام يلبس على الناس في قضايا العبودية والحاكمية ويجعل الشعب صاحب الحق في أن يقر ما شاء من القوانين ويرفض ما شاء، بحجة أن هذه تصريحات سياسية، وبالتالي فهي معفاة من الضوابط الشرعية، لأنه يراد بها كسب الشعب ومراوغة العدو.
أكد الدكتور أن ذلك كله لا يجوز. لماذا؟
قال: (لأن التقية في قضايا العقيدة والقضايا الجوهرية يترتب عليها تلبيس الحق على جماهير الناس، فتلتبس عليهم الأمور, وتختلط عليهم مفاهيم أساسية تمس العقيدة).
2) سمى د. المقدم التلبيس على الناس في أمور العقيدة (جريمة كبرى وانحرافا خطيرا يمس بأصل الدين).
البعض يلومني عندما أقول أن ممارسات الأحزاب "الإسلامية" ليست اجتهادا مقبولا ولا خلافا سائغا. انظر إلى كلام د. المقدم الذي –وإن رأى أصل المشاركة البرلمانية أمرا خلافيا- إلا أنه اعتبر التلبيس على الجماهير جريمة كبرى وانحرافا خطيرا يمس بأصل الدين....وليس أمرا خلافيا.
الآن ماذا نتوقع منك موقفا يا دكتور محمد إسماعيل، بعدما "فاز" المرشح الذي حشدتم الناس إلى تأييده فكان مما جاء في أول خطاب له:
(الإخوة والأخوات الأبناء والبنات أيها المسلمون في مصر أيها المسيحيون في مصر ...إلى أن قال:
أيها الشعب العظيم جئت اليكم اليوم لأنني مؤمن تماما بانكم مصدر السلطة والشرعية التي لا تعلوا عليها شرعية. أنتم أهل السلطة ومصدرها وأنتم الشرعية وأقوى ما فيها).
ثم قال:
جئت إليكم لإنكم مصدر السلطة والشرعية التي تعلو على الجميع. لا مكان لأحد ولا لمؤسسة ولا هيئة ولا جهة فوق هذه الإرادة. الأمة مصدر السلطات جميعها وهي التي تحكم وتقرر وتعقد وتعزل من أجل ذلك.
ثم قال: لا سلطة فوق هذه السلطة أنتم اصحاب السلطة أنتم أصحاب الإرادة أنتم مصدر هذه السلطة لكم ما تشاؤوا وتمنعوا عما من تشاؤوا
ذكرني هذا بقول ابن هانئ الأندلسى فى مديح الخليفة العبيدي المعز لدين الله:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فإنك أنت الواحد القهار
والعياذ بالله.
ثم قال بعد أن أكد على رفضه انتزاع سلطة الشعب والصلاحيات الموكلة إليه باسم الشعب:
(ولا يعني ذلك أننا لن نحترم القانون أو لا نعلي من قيمة الدستور والقضاة)...
وختم بقوله: (نحترم ارادة الشعب والقانون والدستور والأحكام التي تصدر من قضاء مصر الشامخ).
(نحترم إرادة الشعب والقانون)...طبعا القانون الوضعي، (والدستور)...طبعا الذي ينص في مادته الثالثة على أن: (السيادة للشعب وحده و هو مصدر السلطات) و(الأحكام التي تصدر من قضاء مصر الشامخ)...طبعا الذي يقضي بغير ما أنزل الله.
خطاب يؤله الشعب ويعطيه حق التشريع ولا تُذكر فيه الشريعة مرة واحدة...طبعا تتلى الآيات كما يتلوها كل رئيس عربي حالي أو ممن سقطوا. لكن ليس العبرة بتزيين الخطاب بالآيات بل بالعمل بها.
يُذكر "المسيحيون" نصا في مطلع الخطاب، وتُجعل السلطة والشرعية والإرادة لهم مع المسلمين، ولا تُذكر الشريعة لا تصريحا ولا تلميحا.
ولا يَقُل قائل: فرق بين السيادة والسلطة، فها قد نص المتحدث باسم رئاسة الجمهورية ينص على أن رئيس الجمهورية مسؤول عن تأكيد سيادة الشعب واحترام الدستور وسيادة القانون. وتصريحات الجماعة عبر العقود الماضية تصب في المفهوم ذاته، مفهوم سيادة الشعب. وفي المقابل لا تُذكر سيادة الشريعة من قريب ولا بعيد...كل هذا يكرس في الأذهان أن للشعب الحق في أن يسن ما شاء من القوانين فهو صاحب السيادة والشرعية.
قبل الثورة ماذا قال الدكتور المقدم في مثل هذا الكلام؟ قال حفظه الله في سلسلة: (السيادة للقرآن لا للبرلمان):
(خلاصة الكلام في هذه القضية : أن القضية قضية مبدأ ، فإما أن تكون السيادة للشرع وإما أن تكون السيادة للأمة.
إما أن يكون الحق في التشريع لله خالصا لله وحده، وينحصر دور الأمة في التخريج على أصول الشريعة والاجتهاد في تطبيق أحكامها على النوازل لتكون حينئذ على دين الله وذلك هو الإسلام.
وإما أن يكون الحق في التشريع المطلق لأحد غير الله كالبرلمان أو غيره يحل به ماشاء ويحرم به ماشاء ويعطل به من الأحكام الشرعية ماشاء ويمضي به منها ماشاء، ويسبغ الشرعية على ماشاء، وينزع الشرعية على مايشاء.
فذلك هو المسلك الذي اتفقت الأمة قاطبة -يعني: إجماع، ليست مسألة خلافية- فذلك هو المسلك الذي اتفقت الأمة قاطبة على رده على مدار القرون، وهو باطل بطلانا أصليا لا تَقبل الأحكامُ معه التصحيح ولا الإجازة...(وأذكركم هنا بقصة عجلان الذي كان زواجه بسليمة باطلاً بطلانا أصليا لا يَقبل التصحيح)
ثم قال:
فكل سلطة تقوم على أساسه (أي: على أساس أن التشريع للبرلمان) فكل سلطة تقوم على أساسه فهي منعدمة وكل قانون يصدر بناء عليه فهو باطل. أرأيت لو أن دولة من دول الكفر في أروبا أو أمريكا أصدرت صلاحية بعض الحدود الإسلامية في قطع دابر الجريمة من مجتمعاتها فقررت اقتباسها من الحضارة الإسلامية لتصلح بها الخلل في بلادها، أتصبح بذلك دولة إسلامية ؟
إن تطبيق الشريعة الذي يعتد به في هذا المجال لا يبدأ من اختيار بعض الأحكام الشرعية وتقنينها وفرضها على الناس، ولكنه يبدأ من إصلاح هذا الخلل الأكبر الذي تفشَّى روحه الدنسة في كل مرابط الأمة وهو مبدأ سيادة الأمة بالمصطلح الغربي وما يعنيه من الإقرار لممثليها بحق التشريع المطلق ونزع السيادة عن الشريعة الإسلامية.
إنه يبدأ من الإجابة على هذا السؤال : لمن الحكم اليوم للبرلمان أم للقرآن؟ للقرآن والسنة أم لإرادة الأمة؟
وبدون الجواب على هذا السؤال وحسم هذه النقطة في البداية، سوف يظل الناس في غبش وعماية ، ولا يعدو مايأتي بعد ذلك من الإصلاحات إلا ترقيعا جزئيا لا تصلح به دنيا ولايقبل في دين)...انتهى كلامه حفظه الله...كلام دقيق محكم واضح مؤيد بالأدلة.
فنقول للدكتور محمد إسماعيل: يا دكتور، تأييد من خطاباتهم تؤكد على سيادة الأمة بهذا الشكل، يكرس المفسدة العقدية التي لا تعلوها مفسدة كما علمتمونا. فالاستدراكات والتأكيدات أن تأييدكم هذا من قبيل ارتكاب أخف الضررين...هذه الزيادات كلها تضيع ويبقى في الأذهان وفي التاريخ أن مشايخ السلفية يؤيدون هذا الرئيس...عندما تكلمنا عن حرمة المشاركة في الانتخابات كان المخالفون يعترضون علينا بقولهم: ها هم مشايخ السلفية يؤيدون فلانا...هكذا يبقى في الأذهان: أنكم تؤيدون أصحاب هذه التصريحات. فالخطاب الرئاسي السابق الذي ليس فيه لله نصيب، هذا الخطاب في نظر الناس مدموغ بختمكم.
طيب حصل ما حصل وأيدتموه، نتوقع منكم الآن يا دكتور أن تستنكروا هذه التصريحات وتبرأوا إلى الله منها وينتشر ذلك عنكم ليعلم الناس أنكم ترفضون هذا الكلام.
الآن نتصفح المواقع الإسلامية ومواقع العلماء فلا نكاد نجد إنكارا لمثل هذه التصريحات. وهذه ظاهرة غريبة حقا.
طبعا هذا كله ناهيك عن الموقف المستغرب جدا من مشايخ الدعوة السلفية من الحزب الذي يتسمى بالسلفية ثم هو يدور حول المفهوم ذاته من حق الشعب في اختيار ما يريد ويستخدم عبارات ملفقة ما بين الشريعة وحق المجتمع والديمقراطية والشورى، وينص في برنامجه على (حق المجتمع في تحديد الإختيارات السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية للدولة عبر مؤسسات تمثيلية له)... وهي عبارات تكرس لدى الناس المفهوم الفاسد من سيادة الشعب وحقه في اختيار ما يريد أنت يُحكم به.
ثم مع ذلك يؤيد عامة مشايخ الدعوة السلفية هذا الحزب ويضفون عليه الشرعية ويصفونه بأنه أقرب الأحزاب إلى مبادئ السلفية النقية. ثم لما جسد هذا الحزب مبدأ سيادة الشعب بتقديم أسماء شخصيات يسمونها توافقية ليشتركوا في كتابة الدستور، وعندما أقر المادة الثانية بشكلها المهترئ، بحيث لم يدع مجالا لمتعذر له، نكاد لا نسمع من علماء الدعوة السلفية استنكارا وتبرؤا وتراجعا عن تأييد هذا الحزب.
أليس في هذه الممارسات ثم سكوتكم يا دكتور محمد إسماعيل ومشايخ السلفية، أليس فيها ما حذرت منه سابقا من التلبيس العقدي؟
خلاصة الحلقة هما عبارتان للدكتور المقدم نفسه: التقية في قضايا العقيدة والقضايا الجوهرية يترتب عليها تلبيس الحق على جماهير الناس. والتنازل عن أي قضية من حقائق الدين أو تلبيسُها بما يخالف مفاهيم الدين جريمة كبرى وانحراف خطير يمس بأصل الدين.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 09-29-2012, 11:24 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي


التقليد الأعمى للعلماء
أحبتي الكرام ذكرنا في الحلقة الماضية أن بعض العلماء تنبه إلى خطورة التلبيس العقدي الذي قد يقع للمسلمين من دخول الأحزاب في البرلمان وغيرها من الممارسات.



وقلنا أن التلبيس حصل بالفعل، فالمطلوب من العلماء الآن هو إنكار الممارسات السياسية التي أدت إلى هذا التلبيس، وقلنا أن حشدهم الناس لتأييد حزب برلماني أو رئيس يمارس هذه الممارسات يزيد التلبيس والتشوش العقدي، فهذا عكس الدور المتوقع منهم. وأخذنا مثالا على ذلك كلام الدكتور محمد إسماعيل المقدم قبل الثورة ومقارنته بما بعد الثورة .


دعونا اليوم نأخذ مثالا من العلماء الذين كانوا مرجعية كبيرة لدى الإخوان المسلمين: الشيخ عبد المجيد الشاذلي حفظه الله، والذي كان قد انتسب إلى جماعة الإخوان ثم تأثر بفكر سيد قطب رحمه الله وكان أحد مؤسسي ما اشتهر باسم دعوة أهل السنة والجماعة في مصر .


قال حفظه الله في مقاله (الخطاب الديني والخطاب السياسي)، قال: (إن شرط أي تحرك سياسي ألا يكون على حساب الوضوح العقدي ولا على حساب بيانه، بل ورفع اللبس فيه)...يعني يجب أن يخلو التحرك السياسي من التلبيس في قضايا العقيدة، بل ولا بد أن يقترن ببيان عقيدتنا، وتصحيح المفاهيم الخاطئة في أذهان الناس .


ثم قال: (إن حسم الأمر وإقامة الوضع الإسلامى لا يعتمد على هذا الطريق –يعني المشاركة السياسية- وإنما هذا الخطاب وهذا التحرك خادم لانطلاق الدعوة وترسيخ المفاهيم العقدية الصحيحة )
يعني ينبغي أن يكون هدفُ الحراك السياسي هو ترسيخَ المفاهيم العقدية الصحيحة، لا أن نبيع الهدف من أجل الوسيلة، فنشوش المفاهيم من أجل الحراك السياسي .
ثم قال :
(ولهذا يشترط لأى تحرك سياسي للمسلمين وضوحُ البعد العقدي وعدم إقرار شرعية الأنظمة العلمانية، وألا يمثل هذا التحرك خصما من الرصيد العقدي، بل يكون المسلمون وحركاتهم الإحيائية على وضوح فى العقيدة والتوجه، يكون واضحا للعدو المخالف كما للصديق الموافق )...
ركز في هذا الكلام، سنحتاجه عندما نرى أن هناك تصريحات يطلقها الـديمقراطيون في غاية الضلال والتلبيس في أخطر قضايا العبودية والحاكمية، ومع ذلك يدافع عنها المدافعون بأنها تصريحات سياسية، يعني معفاة من الضوابط الشرعية، لأنه يراد بها مراوغة العدو. الشاذلي يقول: (وضوحْ فى العقيدة والتوجه، يكون واضحا للعدو المخالف كما للصديق الموافق ).
وهذه العبارة من الشاذلي هي كعبارة المقدم :
(فالشرط الأساسي للرخصة عدم التنازل, وعدم استخدام التقية؛ لأن التقية في قضايا العقيدة والقضايا الجوهرية يترتب عليها تلبيس الحق على جماهير الناس ).
ثم قال الشاذلي :
(إن تجربة التيارات الإسلامية المعروفة التى أخذت الحركة السياسية طريقا لها على حساب معتقداتها وثوابت العقيدة، بل لم تلتفت للثوابت الشرعية بل وتنكرت لها فى بعض الأحيان...إلى أن قال عن هذه التيارات: ضيعت من المفاهيم الواجب بلاغها وأوجدت فيها من اللبس والخلل مما سبب معوقا لحركة إحياء الأمة ).
إذن هو يؤكد أن هذه التيارات لبـَّست في الثوابت العقدية وأحدثت فيها خللا، وبالتالي أعاقت حركة إحياء الأمة. وأنا لا أدري إن لم يكن هذا الكلام عن الأحزاب التي خاضت العمل البرلماني فعن من يكون؟ !
ثم قال: (إن الواجب الآن للمسلمين ليس أن يذهبوا لانتخابات مزورة مع لبس عقدي وضياع للمفاهيم الشرعية وضعف شديد للمسلمين وعدم وضوح لا لقضاياهم ولا لمواقفهم... إنما الواجب بيان الحق وتوضيح المفهوم الصحيح للتوحيد ورفع الالتباس فى المفاهيم والتوجهات والعقيدة عموما والجد فى مشروع إحياء الأمة ).


وهذه الكلام منه هو ككلام د. المقدم إذ قال: (إن تطبيق الشريعة الذي يعتد به في هذا المجال لا يبدأ من اختيار بعض الأحكام الشرعية وتقنينها وفرضها على الناس، ولكنه يبدأ من إصلاح هذا الخلل الأكبر الذي تفشَّى روحه الدنسة في كل مرابط الأمة وهو مبدأ سيادة الأمة بالمصطلح الغربي ).


إذن فالنقولات عن الشيخين حفظهما الله تتفق على أن أوجب الواجبات في هذا الزمان (بيانُ الحق وتوضيح المفهوم الصحيح للتوحيد ورفع الالتباس فى المفاهيم والتوجهات والعقيدة) و(إصلاح هذا الخلل الأكبر الذي تفشَّى روحه الدنسة في كل مرابط الأمة وهو مبدأ سيادة الأمة

).
وهو ما نزعم أننا نمارسه بهذه السلسلة بإذن الله .
العجيب، بل والعجيب جداً في الأمر، أن الشيخ الشاذلي حفظه الله أصبح الآن يؤيد العمل البرلماني الرئاسي في مصر، وحشد الناس لانتخاب الرئيس على اعتبار (أن الدعوة، يعني جماعته دعوة أهل السنة والجماعة، رأت في الدكتور مرسي عدم تلون باسم الشريعة، وإنما رأت حديثًا عن تطبيقٍ واضح للشريعة الإسلامية ).
والآن نقول للشيخ الشاذلي: رأينا الخطابات التي تؤكد على سيادة الشعب وأنه هو الشرعية بمسلميه و"مسيحييه"، وتؤكد على احترام القضاء والقانون الوضعيين، ورأينا أن الشريعة لم تعُد تُذكر في الخطابات، ورأينا وعودا للأحزاب بإشراكها في كتابة الدستور (دين الدولة) مقابل انتخاب المرشح "الإسلامي

".
كنت أيها الشيخ قد عبت على مرشحَين من قبل لأنهما يقولان نريد الشريعة مبادئ لا أحكامًا ولا نصوصًا، وها قد رأينا الفشل الذريع بإبقاء مصطلح (مبادئ الشريعة الإسلامية) بينما ضمن اليهود والنصارى لأنفسهم الاحتكام إلى شرائعهم، ورأينا الرئيس الحالي عندما كان يواجَه أثناء حملته بالسؤال عن الشريعة يؤكد أنه إنما يتمسك بمبادئ الشريعة .
فأين الإنكار أيها الشيخ الجليل؟ أين التوضيح؟ أين (بيانُ الحق وتوضيح المفهوم الصحيح للتوحيد ورفع الالتباس فى المفاهيم والتوجهات والعقيدة عموما) الذي نصصت عليه؟ !
أين إنكاركما أيها الدكتور المقدم والشيخ الشاذلي لما اعتبرتموه من قبل جريمة وتنكرا للثوابت الشرعية؟ أين رفع اللبس والخلل ومحاربة المفاهيم التي تفشت روحها الدنسة في مرابط الأمة؟


لماذا أيها الشيخ الشاذلي حفظك الله نرى مقالاتك الحديثة فليس فيها أي إنكار بل تأييد مطلق وحديث عن حل المحكمة الدستورية العليا وإعادة البرلمان وغيرها من الخطوات التي لن تجدي ما دامت المفاهيم الأساسية مشوهة كما علمتنا عندما وضحت أن الواجب ليس الانتخاب مع لبس عقدي وضياع للمفاهيم؟
فمواقف العلماء إذن خلاف المتوقع. ماذا نفعل حيالها؟ هذا ما سنناقشه في الحلقة القادمة بإذن الله .
خلاصة الحلقة هي عبارة الشيخ الشاذلي بنصها: (إن شرط أي تحرك سياسي ألا يكون على حساب الوضوح العقدي ولا على حساب بيانه بل ورفع اللبس فيه ).
والسلام عليكم ورحمة الله
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 09-29-2012, 11:27 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

سد ذرائع شرك التشريع أولى!

السلام عليكم ورحمة الله.



قاعدة سد الذرائع...تحريم قول أو فعل لأنه ذريعة لأمر محرم. طبقها علماء السلفية وبعضهم توسع فيها احتياطا للدين، ثم عندما خاض العلماء العمل السياسي للمرة الأولى لم يطبق أكثرهم هذه القاعدة في أخطر قضايا العصر، قضايا الحكم بغير ما أنزل الله وسيادة الشعب والولاء والبراء. لم يسدوا الذرائع بل فتحوها ووسعوا شقوقها. في هذه الحلقة نذكر العلماء بهذه القاعدة...
ونطالبهم بتطبيقها.



وهنا لا بد من التنبيه إلى أن الممارسات المشوهة التي ننتقدها في العمل السياسي الديمقراطي ليست ذريعة إلى المحرم، بل هي محرمة في ذاتها، بل منها ما هو نقض لعرى الإسلام، كتبني الديمقراطية.

والدعوة إلى انتخاب الديمقراطيين محرمة في ذاتها لأسباب أجملناها في كلمة (الموقف من الانتخابات). فلماذا الحديث عن سد الذرائع إذن؟ لنقول للعلماء والدعاة: لئن كنتم تحرمون أقوالا وأفعالا هي ذريعة للحرام فكيف بالحرام ذاته؟ خاصة أننا لا نتكلم عن صغائر بل عن الحرام الأكبر، عن الشرك في التشريع وتضييع العبودية. أليس أولى بكم أن تنكروها وتحذروا منها بدلا من دعوة الناس إلى الولوج فيها وانتخاب ممارسيها ثم السكوت عن أفعالهم الضالة بحيث أصبحت هذه الأقوال والأفعال مدموغة بختمكم؟!



إذن نعيد: خوض "إسلاميين" من أطياف منهجية متباينة، خوضهم في العمل الديمقراطي تسبب في تلوث عقائد الناس ومفاهيمهم، لا مجردُ أنه اشتمل على ممارسات يمكن أن تؤول إلى هذا التلويث في المستقبل. هنا سنستعرض موقف الشرع من كلمات وعبارات يمكن أن تؤدي إلى تلويث عقائد الناس. لنقول للعلماء والدعاة بعدها: إن كان الله عز وجل قد حرم هذه الأقوال والأفعال حتى ولو كانت عقيدة صاحبها نقية غير ملبسة، لكنه حرمها لأنها ذريعة إلى فساد العقيدة، فكيف وقد وقع هذا الفساد والتلبيس والتخليط بالفعل؟


لنقول لهم: لطالما أصلتم وفصلتم في قاعدة سد الذرائع لمعاص مما يُمكن أن يُغتفر، فأين سدكم لذرائع الشرك الذي لا يُغتفر في مسائل الديمقراطية وسيادة الشعب والحكم والتشريع؟



سمى الله رسوله عبدا في أشرف المقامات وهذا فيه سد لذريعة المغالاة في تعظيم النبي حيث أن غاية ما يصل إليه إنسان من مراتب العظمة هو العبودية لله.

ونهى النبي عن الغلو في مدحه فقال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله))...سدا لذريعة المبالغة في تعظيمه.

وقال قبيل وفاته: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، يحذر ما صنعوا...يحذر من بناء المساجد على القبور حتى ولو بِنِيَّة عبادة الله وحده فيها، لكنه أراد سد الذريعة إلى عبادة من في القبور.

قال ابن تيمية: ((إنه –صلى الله عليه وسلم- نهى عن بناء المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك، ونهى عن تكبير القبور وتشريفها وأمر بتسويتها، ونهى عن الصلاة إليها وعندها، وعن إيقاد المصابيح عليها لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا، وحرم ذلك على من قصد هذا ومن لم يقصده بل قصد خلافه سدا، للذريعة)).

يعني حتى من أراد إفراد الله بالعبادة يحرم عليه كل الأفعال التي قد تكون ذريعة في يوم من الأيام إلى شرك القبور.

ونهى النبي عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر سدا لذريعة التشبه بالمشركين الذين كانوا يسجدون للشمس في هذين الوقتين...مع أن هذا التشبه –كما قال ابن القيم- (لا يكاد يخطر ببال المصلي). فليس من المسلمين من يخطر بباله إن صلى في هذين الوقتين مشابهة الكفار، لكن رسول الله أراد سد ذريعة المشابهة بالكلية.



ونذر رجل على عهده صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل كان فيها _يعني في بوانة_ وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا:لا، قال: ((هل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قالو: لا . فأمره النبي أن يوفي بنذره. (صححه الألباني) لاحظ: هل كان فيها، قديما وليس الآن! كل هذا سدا لذريعة عودة الشرك.



ونهى عليه الصلاة والسلام عن الحلف بالآباء وبأي شيء دون الله بل وقال في الحديث الحسن: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)). كل هذا سدا لذريعة التسوية في التعظيم مع الله تعالى.



ونهى رسول الله أصحابه أن يقولوا (ما شاء الله وشئت) وذم الخطيبَ الذي قال: (من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن عصاهما فقد غوى)، كل هذا حسما لمادة الشرك، حتى في اللفظ.



وقال: ((لا يقل أحدكم:أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل:سيدي، مولاي. ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي، وليقل: فتاي، وفتاتي وغلامي)) (البخاري ومسلم).

مع أن ألفاظ ربي بمعنى سيدي وعبدي بمعنى فتاي المملوك...هذه كلها كانت تستخدم لغةً دون قصد الشرك. قال البغوي: (فإدخاله مملوكه تحت هذا الاسم –اسم: عبد- يوهم التشريك) يعني مع الله عز وجل...انظر: لمجرد أنه يوهم.

ونهى عن أن ينحني الرجل لصديقه إذا لقيه....

كل هذا لماذا؟ حفاظا على سلامة العقيدة. فليس هذا تنطعا ولا تكلفا ولا مبالغة. بل أي شيء يمكن أن يؤدي إلى التلبيس العقدي ولو بعد حين، وإن تيقَّنَّا سلامة نية قائله في الوقت الحاضر...هذا كله يمنعه الشرع ويحذر منه.



ألستم تقرون أيها العلماء الذين حشدتم الناس إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية بما تقدم كله بل درَّستموه ونشرتموه؟ فأين حراستكم للتوحيد وحسمكم لمادة التلبيس وسدكم للذرائع عندما يقول القائل للشعب: (أنتم الشرعية التي لا تعلو عليها شرعية).

أين سدكم للذرائع وهو يقول لعباد الله:

(لكم ما تشاؤوا وتَمنعوا عما من تشاؤوا)

أيهما أقرب للشرك وأولى أن يُنكر سدا للذريعة؟

تسمية السيد ربا مع سلامة القصد، أم عبارة: (السيادة للشعب وحده والشعب مصدر السلطات جميعها)، والتي تعني ربوبية التشريع بالقصد الفاسد الذي يُكرَّس في نفوس الناس؟

أيهما أقرب للشرك وأولى أن يُنكر سدا للذريعة؟

إضاة المصابيح على القبور أم عبارات التعظيم للدستور الوضعي والقسم على احترامه؟!



هل يُعقل أن تمنع الشريعة من السجود لله عند طلوع الشمس وغروبها سدا للذريعة وتسمح بالقسم على احترام دستور يجعل التشريع للبشر من دون الله؟! ما لكم كيف تحكمون؟!



أيهما أقرب إلى الشرك: عبارة ما شاء الله وشئت، أم (الشعب مصدر السلطات جميعها)، وعبارة (تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب)؟ فهي ليست عبارات ما شاء الله وشاء الشعب، بل ما شاء الشعب وحده! ومع ذلك حشدتم الناس للموافقة على دستورٍ تضمن هذه العبارات!

ألم تكونوا تحرمون على الناس تعليق صورة أبٍ متوفى على اعتبار أن هذا التعليق تعظيم وهو ذريعة إلى الشرك؟ فتمنعون من ذلك قولا واحدا ولا ترونه قابلا للخلاف، حتى غدا ذلك من ملامح الدعوة السلفية. فأين حزمكم وعزمكم وإنكاركم في الحملات الانتخابية لتعليق صور عملاقة لرئيس سيحكم بغير ما أنزل الله؟!



ألم تكونوا تحتاطون جدا في سد الذرائع في العلاقة بين الجنسين حتى أنكم حرمتم استخدام الفيس بوك فترة من الزمن؟ سؤل الشيخ ياسر برهامي عن التشات بين الجنسين فقال: (إن من باب سد الذريعة إغلاق هذا الباب (التشات بين الجنسين) لما فيه من الفتن).



ألم تكونوا تتمسكون بوجوب النقاب وتذكرون من حججكم سد ذريعة الفتنة وتعرضونه على أنه القول الأوحد الذي لا يُقبل فيه خلاف؟ أليس سد ذريعة التلبيس العقدي أولى وأحرى ألا يُقبل فيه خلاف؟!



ألا تهدينا مرونة التفكير إلى أن شرك الأصنام والقبور كان الظاهرة الأشد خطرا وقت نزول الرسالة فسد الشارع الحكيم الذرائع إليه، فكذلك شرك التشريع هو الظاهرة الأشد خطرا في زماننا فينبغي سد الذرائع إليه؟!



ألا ترون أنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس قد تطهروا من المفاسد العقدية فَسدَّ النبي الذرائع لئلا تعود إليهم، بينما في زماننا انتشرت مفاسد وتلبيسات عقدية من جديد فانتشال الناس منها وسدُّ الذرائع إليها أولى؟!



المشكلة أننا عندما ننكر الأقوال الضالة للديمقراطيين يدافع عنهم المجادلون بأنهم قالوا خلافها في مقام آخر! ننكر قول قائلهم: (نريد تطبيق مبادئ الشريعة فقط) فيُقال لنا: لكنه قال في المقام الآخر: (نريد تحكيم الشريعة)!

ألم يكن النبي يمنع من ألفاظ موهمة لفساد عقدي حتى وإن جاء الصحابة بألفاظ أخرى صحيحة أحيانا أخرى؟ فهم وإن حلفوا بآبائهم أحيانا إلا أنهم حلفوا بالله وحده أحيانا أخرى. فكيف والصحابة في ذلك كله سليمةٌ عقائدهم يحاربون ليكون التشريع كله لله بينما أصحاب التصريحات التي فيها شرك تشريع واضح وفيها تسويغ للحكم بغير ما أنزل الله يطبقون تصريحاتهم هذه على أرض الواقع وتبقى تصريحات تطبيق الشريعة في المقابل وعودا في الهواء تدغدغ عواطف المطالبين بها وليس لها من الواقع نصيب؟!

وهنا نلاحظ ازدواجية عجيبة! فالمدافعون عن المسلك الديمقراطي يتعذرون لهذه التصريحات الفاسدة بأن "الناس فاهمة كل شيء" و "هذه التصريحات لن تلبس على الناس لأنهم يعرفون أنه إنما يراد بها مراوغة العسكري". بينما هؤلاء المتعذرون أنفسهم يبررون تعطيل الشريعة بقولهم أن "الناس لديهم جهل بمفاهيم الدين وتصورات مشوهة عنه، فكيف تريدنا أن نطبق عليهم الشريعة مرة واحدة"!

فالناس عندهم مرة يفهمون كل شيء ومحصنون ضد التلبيس العقدي، ومرة أخرى جهلة ملوثوا المفاهيم! حسب مصلحة المدافعين عن المسلك الديمقراطي!



ثم هل الناس أكثر فهما للعقيدة وأكثر حصانة ضد التلبيس من صحابة النبي الذين حرم عليهم رسول الله هذه الألفاظ سدا للذريعة؟



خلاصة الأمر أن سالكي المسار الديمقراطي لم يفشلوا في سد الذرائع إلى شرك التشريع فحسب بل صرحوا تصريحات فيها شرك تشريع واضح وفيها تسويغ للحكم بغير ما أنزل الله ثم ها نحن هذه التصريحات تطبق على أرض الواقع. ليست مشكلتنا أنهم قالوا: ما شاء الله وشاء الشعب، بل قالوا ما شاء الشعب وحده. ثم لم يكن هذا سوء تعبير جبَرَه الواقع، بل قناعة آتت ثمارها الخبيثة في مفاهيم الناس وفي منظومة الحكم والتشريع.



في الحلقة القادمة سنعرض لمفهوم سيادة الشعب وآثاره على عقيدة الناس وتصوراتهم، ونرصد مدى انتشار هذه الآثار في المجتمعات الإسلامية بإذن الله.



خلاصة الحلقة: لئن كان العلماء يسدون الذرائع إلى محرماتٍ فسد الذرائع إلى شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله أولى.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 09-29-2012, 11:29 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

سيادة الشعب تعني ربوبية الشعب-نصرةً للشريعة26

السلام عليكم ورحمة الله،
إخوتي الكرام، رأينا في الحلقة الماضية أن الشريعة جاءت بمراعاة الألفاظ بما يحفظ سلامة العقيدة حتى لو كان قصد قائلها صحيحا.
سيادة الشعب عبارة فاسدة المبنى فاسدة المعنى تدل في أيامنا على تشوش العقيدة وعطبها في أهم مفاصلها.

ما معنى السيادة؟ السيادة هي الأحقية في الحكم على الأفعال بالصواب والخطأ، والحكم على المبادئ والأفكار بالصحة والبطلان، والحكم بعد ذلك بالمكافأة الدنيوية لفاعل الصواب، والعقوبة الدنيوية لفاعل الخطأ. سيادة جهة ما تعني أنها لا تُسأل عما تفعل، لأنها هي التي تحاكم الأفراد. السيادة تعني أنه لا جهة تعلو هذه الجهة وتخضعها لإرادتها. السيادة تعني الحاكمية العليا.
والسيادة بهذا التعريف ربوبية، وهي لله وحده لا شريك له.

راجع الكلام لترى أن السيادة بهذا التعريف أصبحت تنسب إلى الشعب! وعلى ألسنة من يُفترض أنهم "إسلاميون".
فسيادة الشعب دين جديد، الحكم فيه على الأفعال والمبادئ بالصحة والبطلان للشعب، والعقوبة فيه تقع على الفعل الذي حكم عليه الشعب بالخطأ، وإرادة الشعب فيه لا تحاكَم إلى إرادة الله، بل شرع الله يُخضع فيه لإرادة الشعب. فالشعب السيد في هذا الدين هو الشعب الرب.

تعالوا نرى سيادة الله في دين الله ثم نرى في المقابل سيادة الشعب في دين الديمقراطية.
وعبارة "سيادة الله" ليست مبتدعة. ففي الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الألباني أن وفد بني عامر قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت سيدنا)، فقال: (السيد الله تبارك وتعالى). إذن فالسيادة المطلقة لله تعالى.

قارن سيادة الله تعالى القائل: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ))
هذا أسلوب حصر، يعني ليس الحكم إلا لله، الحكم بكافة أشكاله: فالحكم على الأفعال والأقوال والأفكار بالصواب والخطأ هو لله وحده لا شريك له، والحكم بأن افعل أيها المكلف ولا تفعل هو لله وحده لا شريك له، والحكم بعد ذلك بالمكافأة الدنيوية لمطيع أحكام الله والمعاقبة الدنيوية لعاصيها هو لله وحده لا شريك له. هذا كله متضمَّن في قوله تعالى: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ)).

ماذا قال رب العزة بعدها؟ قال حكاية عن يوسف عليه السلام: ((إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه))
إذن فرد الحكم في أيٍّ من هذه الأشياء إلى غير الله عز وجل هو عبادة لهذا الغير. إعطاء أي أحد أحقية الحكم على الأفعال بالصواب والخطأ هو عبادة له، إعطاء أي أحد أحقية العقاب لمخالف أحكامه هو عبادة له.

قارن هذا بدين سيادة الشعب الذي تقول الآية الثالثة من آياته الشيطانية: (السيادة للشعب وحده).

قارن هذا بالتصريحات التي تطفح بها مقولات المنتسبين للعمل الإسلامي ممن ارتضى الديمقراطية مسلكا. وأنا هنا لن أذكر أسماء ولا أحزابا. ما يهمنا في النهاية أن نصحح المفاهيم. نريد أن يتنبه المسلمون إلى هذه التصريحات فيرفضوها ويرفضوا العمل بها أيا كان قائلها. قارن ((إن الحكم إلا لله)) بقول أحدهم:
(نحن مع الديمقراطية بكل أبعادها وبمعناها الكامل والشامل، ولا نعترض على تعدد الأحزاب، فالشعب هو الذي يحكم على الأفكار والأشخاص).

قارن سيادة الله تعالى القائل: ((إِن الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ))
فالفصل في الأمور كلها إلى الله تعالى. كلمته تعالى هي الفصل بين الحق والباطل. وهذا من مقتضيات الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا.

قارن ذلك بدين سيادة الشعب الذي قال أحد سدنته: (سيكون قرار شعبنا هو الفيصل الذي نرجع إليه، والشعب يقضي ما يشاء أو يرفض ما يشاء، فهو وفق كل الأعراف الدولية ووفق مبادئ الديمقراطية، هو صاحب الحق في هذا المجال).

قارن سيادة الله القائل:
((والله يحكم لا معقب لحكمه))...فليس لأحد أن ينقض حكمه أو يرفضه.
وفي المقابل دين سيادة الشعب، الذي قال أحد معتنقيه: (فنحن دائما وأبدا نبقى مع إرادة الشعب وسنقبل بما تفرزه صناديق الاقتراع مهما كانت النتيجة لأن صناديق الاقتراع والديمقراطية هي الطريق الصحيح والسليم)...إذن لم تعد الديمقراطية مطية للوصول إلى تطبيق الشريعة في نظرهم، بل "هي الطريق الصحيح والسليم"! إذ لا يجوز أن يعقب أحد على حكم الشعب!


فيا مَن رضيتم بالله ربا وبالإسلام دينا...ألا تحمل هذه التصريحات معنىً واحدا: الرضا بالشعب حَكَما (وبالتالي ربا) وبالديمقراطية منهج حياة؟ ((أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا)).


قد يتعذر متعذر لهذه التصريحات بأن (الشعب في عمومه مسلم، ولن يختار غير الشريعة، فسيادة الشعب تؤدي إلى تطبيق الشريعة). يعني يريد أن يتوصل من خلال تسييد الشعب إلى سيادة الله. وهذا يساوي عند التحقيق القول بالتوصل إلى ربوبية الله من خلال ربوبية الشعب! ويذكرنا بقول مَن قبلهم ((ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)). وهؤلاء يقولون ما نحتكم إلى الشعب إلى ليقربنا إلى تحكيم دين الله!
وقد بينا بطلان هذا الطرح في حلقة (قصة عجلان وسليمة) بيانا وافيا.

وقد يتذاكى علينا من اعتاد صياغة جمل هلامية يحفظ فيها خط الرجعة لنفسه أمام جميع الأطراف فيقول أتقصد من كلامك أن الشعب ليس له سلطة في تولية وعزل الحاكم؟ وهنا لا بد من التنبيه إلى أننا نفرق جيدا بين السيادة التي لا حق لأحد من البشر فيها، وفي المقابل سلطة الشعب المسلم في اختيار الحاكم المسلم ليحكمه في ظل سيادة الشريعة، وسلطة الشعب المسلم في عزل هذا الحاكم إن ظلم شعبه أو خرج على سيادة الشريعة. فهذه السلطة للشعب نقر بها ونعتبرها من حق الشعب بل ومن واجبه. وهذه السلطة منضبطة بأحكام الشرع من حيث كيفية اختيار الأمة للحاكم الذي جعل له الشرع شروطا يتم اختياره بحسبها، ومن حيث كيفية عزله إن خرج عن أحكام الشرع. فسيادة الله تعالى أعطت الشعب المسلم الحق في أن يولي ويعزل ويراقب ويحاكم الحاكم على أساس الشريعة وما تكفله من حقوق للرعية.
كلامنا عن سيادة الشعب، فنحن نعارض تسييد الشعب على أنه وسيلة مرحلية لنزع السيادة من السلطات الدكتاتورية المعادية للشريعة. نعارضه حتى لو قال قائل: أنا لا أقر بسيادة الشعب لكننا نتخذها وسيلة لتطبيق الشريعة.
لكن الخطير في الموضوع أن التصريحات المذكورة، والتوجه الذي انبثقت عنه تصحح مفهوم سيادة الشعب في ذاته، لا أنها تبرره بشرعية هدفه فحسب...أصبح يكرس في النفوس أن الشعب هو صاحب الحق في الحكم على الأشياء، وأن حكمه محترم أيا كان، إذ أنه يمثل "الشرعية الشعبية"، والتنقص من إرادة الشعب والعمل بخلافها خروج على "الشرعية" و رِدة عن الديمقراطية والحرية! صار يُروَّج لفكرة أن إرادة الشعب مقدسة في ذاتها حتى لو اختار غير شرع الله!

لهذا فإن الحاكم في الإسلام لا يبايع من قبل الأمة كأجير عندها لينفذ لها ما تريد كما في الديمقراطية وانما يبايع من الأمة لينفذ الشرع فلو خرج الناس الذين بايعوه عن الشرع قاتلهم حتى يرجعوا

هذا المفهوم الفاسد، وهذا الدين الجديد المسمى "سيادة الشعب"، أفسد عقائد كثير من المسلمين وتصوراتهم، وأحدث اضطرابا في أحكامهم ومواقفهم وتصرفاتهم. وسنرى أمثلة لذلك في الحلقة القادمة بإذن الله.

خلاصة الحلقة: سيادة الشعب تعني ربوبية الشعب، فالسيادة تعني الحاكمية العليا, والحق في التصويب والتخطئة للأقوال والأفعال والمبادئ والأفكار، والحق في الأمر والنهي, والحق في المكافأة والعقاب الدنيوي على الصواب والخطأ. وهذه كلها لله.

والسلام عليكم ورحمة الله.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 07:35 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.