انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين


( القسم الرمضاني ) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-11-2008, 09:57 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




Islam دُرّة المواسم

 


محاضرة
دُرّة المواسم
لفضيلة الشيخ




خالد عبد الله المصلح


بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّالْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره،وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرور أنُفْسِنَا وسَيئاتِ أعْمَالِنَا، مَنْيَهْدِهِاللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدأَنَّمُحَمَّدًا عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فنحمد الله سبحانه وتعالى على تجدد اللقاء.
أيها الإخوة الكرام: إن الناظر في حال سلف الأمة يرى فيهم اجتهاداً عظيماً واستكثاراً من الأعمال الصالحة، يرى من أولئك الذين جعلهم الله سبحانه وتعالى صفوة اصطفاهم في تلك القرون المباركة، استزادة من التقوى وعملاً بالصالحات، واشتغالاً بما يقرّب إلىٰ الله جل وعلا.
حتى إنه قيل في كثير منهم: إنه لو قيل لأحدهم: إن القيامة تقوم غداً ما قدر أن يزيد في عمله شيئاً.
وذلك لأنهم قوم شمروا في طاعة الله عز وجل، اجتهدوا في كل ما يقربهم إلى الله عز وجل، فهموا وعقلوا أن هـٰذه الدنيا مزرعة الآخرة، وأنها معبر لا مقر، الفائز فيها من اجتهد بالعمل بالصالح، من استكثر من زاد التقوى الذي أمر الله جل وعلا بالتزود به حيث قال: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى([1]).
الله جل وعلا -أيها الإخوة- أمر أهل الإيمان بالاشتغال بالطاعات فقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ ثم قال: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾([2]). إن الناظر في سير الأنبياء وما ذكره الله جل وعلا عنهم في محكم التنزيل في الكتاب الحكيم يرى أن من أوصافهم التي وصفهم الله بها أنهم قوم يسارعون في الخيرات، قال الله جل وعلا: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)﴾([3]). وقد وصف الله جل وعلا خواص عباده وخُلَّص أصفيائه بهذه الصفة فقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)﴾([4]).
أيها الإخوة: إن الله جل وعلا برحمته ومنّته جعل العمر مزرعة للآخرة، ومن عظيم فضله أن جعل من المواسم ما هو محل للاستزادة من الخيرات والاستكثار من الطاعات والمسابقة فيما هو سبب لحصول جنة عرضها السماوات والأرض.
فمن تلك المواسم؛ بل من أبرز تلك المواسم؛ بل هو درة المواسم ما نحن مقبلون عليه بعد ليالٍ قليلة، إنه شهر رمضان المبارك الذي خصّه سبحانه وتعالى بخصائص قدرية كونية، وخصه بأحكام شرعية كثيرة، إن مما خص الله به هـٰذا الشهر أن اصطفاه فجعله محلاًّ لنزول أعظم آية أوتيها نبي، ألا وهي القرآن، قال الله جل وعلا: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ([5]). هـٰذا الشهر الذي أنزل الله فيه خير كتبه على خاتم رسله يدلك على أن له من المزية والخاصية ما جعله محلاًّ لهذا الاصطفاء والاختيار: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ﴾([6]). إن من الخصائص القدرية التي خصّ الله بها هـٰذا الشهر أنه شهر تفتّح فيه أبواب الجنة فلا يبقى منها باب مغلق، وتغلّق فيه أبواب النيران فلا يبقى منها باب مفتوح؛ بل قد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وتصفد فيه الشياطين)). ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذا دخل شهر رمضان فتّحت أبواب الجنة وغلّقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين))([7]). وفي رواية الترمذي قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذا كان أوّل ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب)) ثم اسمع قال: ((وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر)) ثم استمع: ((ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة))([8]). هـٰذه فضائل عظيمة تدلّك على عظيم منزلة هـٰذا الموسم، وأنه درة المواسم وهو محل لكثير من الخصائص الشرعية والأعمال العبادية التي يستكثر بها العبد من زاد التقوى من الصالحات التي يسر بها يوم العرض على الله جل وعلا.
ألا وإن من أخص ما اختص به هـٰذا الشهر وتميز به تلك العبادة التي رفع الله شأنها وعظّم قدرها كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قال الله تعالىٰ: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به))([9]). وهذا يدلك على اختصاص الله بهذه العبادة التي جعلها دون سائر العبادات له، مع أن العمل كله له، فالدين كله له: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ([10]). لكنه أضافها إليه دون سائر العبادات لعظيم الأجر المرتّب عليها، ولذلك قال: ((إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)). هـٰذه العبادة رتب الله سبحانه وتعالى عليها في هـٰذا الشهر من الفضل والأجر أن قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))([11]).من صام رمضان إيماناً واحتساباً، وانتبه إلىٰ هذين القيدين اللذين يغفل عنهما كثير من الناس: ((إيماناً)) والإيمان هو التصديق، والاحتساب هو صدق الرغبة فيما عند الله جل وعلا، تصديقاً بما أخبر الله من الفضل، وبما شرع من الحكم، واحتساباً للأجر عنده سبحانه وتعالى.
فمن كان هكذا صيامه فليبشر فإن الذنوب تتحاتّ عنه بصيامه هـٰذا الشهر المبارك: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)). فصدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة من ليالي هـٰذا الشهر نسأل الله من فضله.
أيها الإخوة الكرام: إن من أبواب البر وصنوف الخير وطرائق الإحسان التي خص الله بها هـٰذا الشهر المبارك أن جعل قيام ليله إيماناً واحتساباً سبباً لمغفرة الذنوب وحط الخطايا والسيئات.
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))([12]).
وهذا مصداق ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له))([13]).
فإن أسباب المغفرة في هـٰذا الشهر كثيرة: الصوم إيماناً واحتساباً سبب للمغفرة، قيام أيام هـٰذا الشهر إيماناً واحتساباً سبب للمغفرة.
أيها الإخوة الكرام: إن قيام رمضان يحصل بأن يلازم المؤمن أهل المساجد في صلاة التراويح، فلا ينصرف حتى ينصرف الإمام، فمن فعل ذلك فإنه يحصل له قيام رمضان.
ففي الترمذي([14]) من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: صمنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يصلّ بنا -يعني صلاة الليل- حتى بقي سبع -أي سبع ليالٍ أي من الشهر- فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل -أي مضى ثلث الليل وهم يصلون- ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة -أي في الخامسة من آخر الشهر- حتى ذهب شطر الليل وهم يصلون، فقلنا له: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا -أي لو أعطيتنا بقية ليلتنا صلاة وعبادة؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)). سواء طال قيامه أو قصر، فاحرص على ملازمة الأئمة في صلاة التراويح حتى ينصرفوا فإنه سبب لقيام الليل، وسبب لتحصيل الفضل الذي قال فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))([15]). لكن إياك أن تقتصر في الاشتغال على فضل القيام بالصورة فقط، فإن من الناس من يبادر إلى المساجد التي تقصر صلاتها ويخف ركوعها وسجودها، ولا يتدبر ما يقرأ فيها، فلا شك أن هـٰذا لم يقم رمضان، لم يقم الليالي حق القيام، فإن القيام هو أن يقوم الإنسان راغباً فيما عند الله عز وجل إيماناً واحتساباً بقلب خاشع وعين دامعة ولسان ذاكر ومتدبر لما يُقرأ عليه وما يسمعه من كلام الله عز وجل؛ ليكون في زمرة من قال الله جل وعلا فيهم: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)([16]). نسأل الله من فضله.
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة من ليالي هـٰذا الشهر.
أيها الإخوة الكرام: إن مما ازدان به هـٰذا الشهر، إن مما اختص به الله هـٰذا الشهر دون سائر ليالي الزمان ليلة القدر التي جعلها الله جل وعلا خيراً من ألف شهر، عظّم الله شأنها فقال سبحانه: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)﴾([17]). وهذا أول التعظيم أن اختصها الله لإنزال خير آية أوتيها نبي، وهي القرآن العظيم ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)﴾([18]). وهذا تعظيم آخر من رب العالمين لشأن هـٰذه الليلة ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)﴾([19]). ففضل الله جل وعلا في هـٰذه الليلة عظيم وخيره فيه جزيل، كم فيها لله عز وجل من العتقاء؟ كم فيها ممن يرفع الله عز وجل أجورهم ويعلي منازلهم بما معهم من صدق الرغبة وجد العزيمة في طلب رحمة الله ومغفرته؟ فإنه من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة في الصحيحين قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))([20])فالله أكبر.
يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء في كل ليلة من ليالي هـٰذا الشهر، نسأل الله من فضله.
أيها الإخوة الكرام: إن من أبواب البر وصنوف الخير التي يزدان بها هـٰذا الشهر أنه محلّ لكثرة قراءة القرآن، قراءة القرآن التي هي شفاء القلوب، واستقامة الأحوال، فإن الله جل وعلا أخبر بأن هـٰذا القرآن يهدي للتي هي أقْوم، وهدايته للتي هي أقوم في العقائد والأعمال والأخلاق والأحكام وجميع الشؤون، فممّا اختص الله به هـٰذا الشهر أن أنزل فيه القرآن فحقه أن يُجتهد فيه في قراءة القرآن، وأن يوفّر الإنسان نفسه على الاستكثار من القراءة إن استطاع، فإن الله سبحانه وتعالى ذكر القرآن، ذكر شهر رمضان وذكر أنه أنزل فيه القرآن ثم بعد ذلك ذكر فرضية الصيام، فقال سبحانه وتعالىٰ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ثم قال: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾([21]). فالصيام هو شكر لتلك المنن، وقيام بحق تلك النعم، وهو ما أنزله الله سبحانه وتعالى واختص به هـٰذا الشهر من إنزال هـٰذا القرآن الحكيم.
فاستكثروا أيها الإخوة، استكثروا من قراءة القرآن، وتدبره وتلاوته وسماعه والاهتداء بنوره، فهـٰذا القرآن يهدي للتي هي أقوم.
ومن المحفوظ من هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يختم القرآن في رمضان كل عام مرة، وفي العام الذي قبض فيه ختمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة قال: كان يعرض جبريل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبض فيه([22]).
ولكن انتبه أيها الأخ إياك وأن يكون همك في قراءتك أن تختم القرآن على أي وجه كان؛ لا تقف عند عظاته، ولا تعتبر بما فيه من العبر ولا تمتثل ما فيه من الأحكام.
جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يسأله مسألة من العلم، فقال له عبد الله كلاماً، فأراد هـٰذا الرجل أن يبين تقدمه وحفظه في القرآن وضبطه له، فقال: يا أبا عبد الرحمن إني لأقرأ المفصل في ركعة. المفصل أي من سورة الحجرات على مصحف عثمان رضي الله عنه إلىٰ آخر الناس، من سورة الحجرات أو من سورة ق إلىٰ آخر المصحف يقرؤه في ركعة.
فقال له عبد الله مؤدباً معلماً مربياً: أهـذًّا كهذِّ الشعر؟ أي تقرؤه هـذّاً كهذ الشعر، إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم؛ ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع.
وهذا يدل على أن النافع في القراءة ليس كثرة الختمات ولا كثرة المقروء من الكتاب، إنما النافع هو أن تكون القراءة مؤثرة، قال رضي الله عنه كما في رواية الإمام أحمد: هـذّاً مثل هذّ الشعر أو نثراً مثل نثر الدقل؟ إنما فصل لتفصلوا. أي إن القرآن فصل وبين وجزئ لتفصلوا في قراءته وتقفوا عند عجائبه وتحركوا به القلوب.
دخل عبد الرحمـٰن بن أبي ليلى على امرأة من السلف وهو يقرأ سورة هود في طريقه، فدخل عليها وهو يقرأ سورة هود، فلما رأته وسمعته يقرأ سورة هود قالت له: يا عبد الرحمـٰن أهكذا تقرأ سورة هود؟ والله إني فيها لمن ستة أشهر، تقرأ سورة هود؟ أنكرت على أحد طلاب العلم هـٰذه القراءة التي خفّ بها لسانه ولم يقف عند ما فيها من المعاني، ويتدبر.
ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى إلىٰ حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن.
فالواجب علينا -أيها الإخوة- أن نهتم بفهم القرآن، بمعرفة معانيه، بما فيه من العظات والعبر، ولا أسهل على الإنسان في تحصيل هـٰذا من أن يقتني كتاباً يبين له معاني القرآن، ويجلّي له ما أشكل عليه فإنه شهر القرآن، إذا أقبل عليه الإنسان قراءة وفهماً فتح له فيه من الخير ما لا يجده في غيره؛ لأن الإنسان إذا وفّر نفسه على الشيء حصل منه ما لا يحصله في غيره.
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار في كل ليلة من ليالي هـٰذا الشهر، نسأل الله عز وجل من فضله.
أيها الإخوة الكرام: إن من فضائل الأعمال التي ندب إليها رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير الأنام في هـٰذا الشهر المبارك في شهر رمضان الإحسان إلىٰ الخلق، فإن الإحسان قولاً وفعلاً وعملاً وجوداً وبرّاً وكرماً هو هديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالنفوس-بسبب ما تشتغل به من الأعمال الصالحة من الصيام، من القيام، من قراءة القرآن، من المسابقة في تحصيل الفضائل- تزكو، تتخلص من كثير من أسباب الانحراف، من أسباب القعود، وإذا زكت النفس طهرت، وإذا طهرت بذلت الخير.
ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجود الناس- هـٰذا هو هديه وخلقه على وجه العموم- وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة([23]).
وهذا يدل على أن القرآن يؤثر في النفوس، فإذا كان القرآن يؤثر في نفس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيزداد جوده فينبغي لنا أن نتأسى به، وأن يكون القرآن مؤثراً في أخلاقنا صلاحاً، وفي أعمالنا استقامةً، وفي نشاطنا في الطاعة زيادةً وكثرةً، فإن الإنسان إذا قرأ القرآن وخرج منه بلا نفع ولا زيادة من الخير لم يكن قد حصّل المقصود من قراءة القرآن، فأحسنوا أيها الإخوة وأكثروا من الإحسان، وليس الإحسان ببذل المال فقط، بل الإحسان ينتظم كل طريق من طرق البر، فإذا عجزت عن شيء منه فلا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، عامل الناس بمعاملة حسنة، ابذل الخير للناس، عاونهم فيما يحتاجون إليه من إعانة، وإذا حصل لك ذلك فأبشر فإنك على خير وقد حصلت شيئاً مما كان عليه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الجود وحسن الأخلاق.
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة، نسأل الله أن نكون منهم.
أيها الإخوة الكرام: إن من أبواب الخير ومن أبواب الطاعة ومما ينبغي لنا أن نشتغل به في هـٰذا الشهر من العمل الصالح، ما سنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحافظ عليه من اعتكاف العشر الأخير من هـٰذا الشهر المبارك، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داوم على هـٰذه السنة، وحافظ عليها.
ففي الصحيحين من حديث عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده([24]). فاحرصوا على هـٰذه العبادة التي هي سبب لحصول فضل ليلة القدر، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما اعتكف العشر الأواخر طالباً لليلة القدر، ولذلك كان يجتهد في العشر الأخير من هـٰذا الشهر ما لا يجتهد في غيره.
والاعتكاف ليس البقاء في المسجد على أي وجه، إنما هو بقاء مخصوص، وهو بقاء يلزم فيه الإنسان المسجد تعبداً لله عز وجل وطاعةً وطلباً لرفعة الدرجات والرفعة في الدار الآخرة، وهذا يعني أن لا يشتغل الإنسان بأي شيء يفوّت عليه هـٰذه الفضائل، فاشتغال الناس بكثرة الكلام والمخالطة والذهاب والمجيء في المساجد، هـٰذا مما ينافي مقصود الاعتكاف، ومما لا يحصل به الفضل المرتب عليه، فاحرصوا على أن يكون اعتكافكم اعتكافاً يحصل به المقصود، وهو زكاء الأخلاق والاجتهاد في الطاعة، والتقرب والاستزادة من زاد التقوى.
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة من ليالي هـٰذا الشهر، نسأل الله أن نكون منهم.
أيها الإخوة: إن مما ينبغي للمؤمن أن يجتهد فيه وأن يعمل وقته فيه، هو تلك العبادة التي ذكرها الله في ثنايا آيات الصيام، فإن الله جل وعلا ذكر فرضية الصيام بقوله تعالىٰ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)([25]). ثم بين أحكامها، وفي ثنايا هـٰذه الأحكام قال الله جل وعلا: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾([26]). وهذا يدل على أن من خصائص الصيام أن يجتهد الإنسان في الدعاء، فإن ذكر الدعاء في ثنايا آيات الصيام يدل على عظيم شأنه، وأنه من مواطن الإجابة، وقد جاء في ذلك حديث فيه بعض الوهن لكنه يعتضد بمثل هـٰذه الإشارة التي تضمنتها آيات الصيام، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إن للصائم دعوة لا ترد))([27]). وقد عمل بذلك سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم فكانوا يجتهدون في الدعاء في الفطر، كما ورد ذلك عن ابن عمر وغيره رضي الله عن الجميع.
فاجتهدوا -أيها الإخوة- في الدعاء في هـٰذا الشهر؛ فإنه قد وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلىٰ الدعاء في أشرف أوقات هـٰذا الشهر في ليلة القدر، فسألته عائشة كما في الترمذي وغيره: ما أقول إذا علمت ليلة القدر أو وافقت ليلة القدر؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني))([28]). فوجهها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلىٰ السؤال والدعاء، وهذا يدل على أن الدعاء في هـٰذا الشهر له من الخاصية ما ليس لغيره، فينبغي للمؤمن أن يجتهد فيه وأن يُعمل نفسه في الاستكثار منه، لا سيما في مواطن الإجابة: كالأسحار، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة والمسنونة.
إن مما يجتهد فيه الإنسان في هـٰذا الشهر ويعمل أعضاءه وبدنه فيه، رغبة فيما عند الله جل وعلا الاجتهاد في العمرة، إن تيسرت له وتمكن منها، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لإحدى نساء الأنصار تخلفت عنه في حجة الوداع وأبدت عذراً: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) قال في رواية البخاري: ((تقضي حجة أو حجة معي))([29]). أي تعدل حجة معه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فينبغي لمن استطاع أن يرحل إلىٰ البيت الحرام في عمرة يحقق بها هـٰذه السنة فهـٰذا من الخير وأن لا يفوت ذلك على نفسه.
لكن هل من لوازم العمرة أن يصرف الأموال الطائلة وأن يمضي الأوقات الطويلة في مكة؟ الجواب: لا، إنما يحصل هـٰذا الفضل بمجرد الفراغ من العمرة من الطواف والسعي والتقصير، ثم بعد ذلك يرجع إلىٰ بلده، وهذا خير من أن يمكث هناك يزحم الناس، وقد لا يحصل له المقصود من سكون القلب وخشوعه لكثرة العالم وكثرة الجائين إلىٰ تلك البقعة المطهرة، البقعة التي اصطفاها الله جل وعلا وجعلها أحب البقاع إليه، فإذا فرغ الإنسان من عمرته، رجع إلىٰ أهله واشتغل بما فيه الخير دون أن يلازم أو يجاور، وإن بقي فالأمر في هـٰذا واسع؛ لكن ينبغي له أن لا يكون بقاؤه في تلك البقعة وجلوسه في ذلك المكان المبارك سبباً لتضييع الواجبات كالقيام على الأهل والأسرة وما أشبه ذلك، فإن من الناس من يذهب إلىٰ ذلك المكان الطاهر، ويغفل عن ما أوجبه الله عليه من صيانة الأولاد والقيام بحقهم ورعايتهم؛ بل بعضهم قد يصطحب أولاده ويضيعهم في ذلك المكان
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم البر والتقوى.
أيها الإخوة الكرام: هـٰذه بعض اللمحات عن بعض الأعمال التي تكون في ذلك الموسم الكريم، فطوبى لمن كانت التقوى بضاعته في شهره وكان بحبل الله معتصماً.
أيها الإخوة: إنني أنبهكم إلىٰ أنه لا مكان لتريث ولا لتأخير في المسارعة إلىٰ جنة عرضها السماوات والأرض، فالليل والنهار مطيتان تحثان السير إلىٰ المنايا والآجال، وقد قال الله جل وعلا: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَاالسَّمَٰوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)([30]). قال الله جل وعلا: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)﴾([31]).
اللهم أعنا على الطاعة والإحسان، ووفقنا إلىٰ ما تحب وترضى من الأقوال والأعمال.
اللهم استعملنا فيما تحب وترضى، واجعلنا ممن يبلغ هـٰذا الشهر المبارك ويستزيد فيه من الطاعات والإحسان.
اللهم إنا نسألك أن تجعله شهر خير وبركة ونصر وعز لأمة الإسلام.
وصلى الله وسلّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
˜˜¹

([1]) سورة : البقرة (197).

([2]) سورة : الحج (77).

([3]) سورة : الأنبياء (90).

([4]) سورة : المؤمنون (61).

([5]) سورة : البقرة (185).

([6]) سورة : القصص (68).

([7]) البخاري: كتاب الصوم، باب هل يقال :رمضان أو شهر رمضان؟ حديث رقم: 1899.
مسلم: كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان، حديث رقم: 1079.

([8]) الترمذي: كتاب الصوم، باب ما جاء في فضل شهر رمضان، حديث رقم: 686.=
= ابن ماجه: كتاب الصوم، باب ما جاء في فضل شهر رمضان، حديث رقم: 1642.
قال الشيخ الألباني: صحيح.

([9]) البخاري: كتاب الصوم، باب هل يقول: إني صائم إذا شتم؟ حديث رقم: 1904.
مسلم: كتاب الصيام، باب فضل الصيام، حديث رقم: 1151.

([10]) سورة : البينة (5).

([11]) البخاري: كتاب الإيمان، باب صوم رمضان إيماناً واحتساباً، حديث رقم: 38.
مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، حديث رقم: 760.

([12]) البخاري: كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان، حديث رقم: 37.
مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، حديث رقم: 759.

([13]) الترمذي: كتاب الدعوات، باب قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رغم أنف رجل، حديث رقم: 3545.
قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.

([14]) الترمذي: كتاب الصوم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باب ما جاء في قيام شهر رمضان، حديث رقم 806.
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب ما جاء في قيام رمضان، حديث رقم 1326.
قال الشيخ الألباني: صحيح.

([15]) تقدم تخريجه صفحة: (4).

([16]) سورة : السجدة (17).

([17]) سورة : القدر (1).

([18]) سورة : القدر (2).

([19]) سورة : القدر (3-5).

([20]) البخاري: كتاب الإيمان، باب قيام ليلة القدر من الإيمان، حديث رقم: 35.
مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، حديث رقم: 760.

([21]) سورة : البقرة (185).

([22]) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب ان جبريل يعرض القرآن على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث رقم 4998.

([23]) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث رقم: 4997.
مسلم: كتاب الفضائل: باب كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجود الناس بالخير من الريح المرسلة، حديث رقم: 2308.

([24]) البخاري: كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في أواخر رمضانوالاعتكاف في المساجد كلها. حديث رقم: 2026.
مسلم: كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، حديث رقم: 1172.

([25]) سورة : البقرة (183).

([26]) سورة : البقرة (186).

([27]) ابن ماجه: كتاب الصيام، باب ما جاء في الصائم لا ترد دعوته. حديث رقم: (1753)، قال الشيخ الألباني: ضعيف.

([28]) الترمذي: كتاب الدعوات، حديث رقم :3513.
ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية، حديث رقم: 3850.
قال الشيخ الألباني: صحيح.

([29]) البخاري: كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء، حديث رقم: 1863.
مسلم: كتاب الحج، باب فضل العمرة في رمضان، حديث رقم: 1256.

([30]) سورة : آل عمران (133).

([31]) سورة : الحديد (21).
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 01:28 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.