درس : الأربعون النووية (1)

[أمّ ليـنة]

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ..

بدايةً : أُحب أن أُرحب بأخواتى وبناتى اللاتى يستمعن لهذا الدرس ..
وأحب أن أُهنئهن بما منّ الله عليهن من الثواب الجزيل حيث قال النبى صلى الله عليه وسلم :

" مَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة " ..
فالحمد لله الذى وفقنا لهذا ، والحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله ..

وقد قيل : إذا أردتَ أن تعرف عند الله مقامك فأنظر فيما أقامك ..

وأعلمن يا أخواتى وبناتى أن المقصود من طلب العلم الشرعى ليس فقط معرفة حُكم الله وحُكم رسوله ، وإنما المقصود من العلم : العمـــــــل

فكل علمٍ لا يُنتج عملاً فهو وبالٌُ على صاحبه لأنه يُعرض صاحبه أن يكون أولى الناس بالعقوبة وأن يكون أول من يُقذف به فى النار – والعياذ بالله –
وقد قال الشاعر : وعالمٌ بعلمه لم يعملن مُعذب من قبل عُبّاد الوثن
فالعلم سلاح إما لكِ أو عليكِ .. يكون لكِ إذا عملتى به فيما بينك وبين الله وفيما بينك وبين الناس ، ويكون عليكِ إذا لم تعملى به

وبدايةً يجب على طالبة العلم مراعاة ما يأتى :

أولاً : حُسن النية فى طلب العلم :
فتكون النية :
1) إمتثال أمر الله عز وجل الذى أمر بالعلم : حيث قال سبحانه وتعالى { فأعلم أنه لا إله إلا الله وأستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } ، { قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون } { يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } .. كل هذه الآيات فيها حثٌ على طلب العلم ..

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نضّر إمرءً سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها " فهذا حثٌ على تعلُم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم

وعندما يكون طلب العلم إمتثالاً لأمر الله عز وجل الذى أمرنا بالعلم فإنه يكون عبادة نتقرب بها إلى الله عز وجل ، ويكون سماعنا للدرس عبادة ، ومُطالعة الكتب عبادة ، والمذاكرة والحفظ عبادة ... إلخ

2) رفع الجهالة عن نفسكِ أولاً ثم عمن حولك ثانياً :
عن نفسك : لأن الإنسان خُلق جاهلاً كما قال الله عز وجل { والله أخرجكم من بطون أُمهاتكم لا تعلمون شيئاً ..} الآية
والعلم نورٌ يُستضاء به ، لذلك نجد أكثر الناس إنشراحاً للصدر هُم أهل العلم ، ونجد أكثر الناس ثباتاً فى الشدائد هُم أهل العلم ..

3) حفظ الشريعة : فالشريعة يتم حفظها فى الكتب المسطورة كما يتم حفظها أيضاً فى القلوب والصدور .. فإن لم يتعلم الناس ضاعت الشريعة ، وكما يكون الحفظ بتقييد المعلومات وحفظها فى الصدور يكون أيضاً بتطبيق هذه المعلومات .. فالتطبيق العملي أقوى تأثيراً من القولِ باللسان ..

4) حماية الشريعة - لاسيما فى زمن تكثر فيه الفتن - والدفاع عن الشريعة ورد كيد الكائدين وإبطال شُبه المُبطلين .. فالشريعة مستهدفة منذ ظهورها وحتى يومنا هذا .. بل اليوم أشد وأشد

بعد أن أحسنا النية فى طلب العلم .. علينا إذن : العمـــــل بما تعلمناه

فعلى طالبة العلم أن تعمل بعلمها لأن العمل ثمرة العلم .. فالعمل بالعلم يزيد المرء إيماناً ويزيده أجراً وقبولاً عند الله وعند الناس . قال الله عز وجل{ والذين اهتدوا زادهم هدىً وءاتاهم تقواهم } زادهم هدى يعنى علماً ، وءاتاهم تقواهم يعنى عملاً صالحاً - كما قال ابن عثيمين رحمه الله – أسأل الله أن يرزقنى وإياكن العلم النافع والعمل الصالح ..

كما أن عملك بعلمك يجعل الناس يثقون فيكِ ويعلمون أن دعوتكِ صحيحة لأنك تعملين ما تقولين وبما أنكِ تطبقين هذا العلم فسيعلمون أن تطبيق الشريعة أمر سهل مُيسر وليس فيه أى تعقيد أو إشكال .. وكما قلنا : التطبيق العملى أقوى تأثيراً من القول باللسان ..

وقد كان من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الصبح : " اللهم إنا نسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً مُتقبلاً " يقولها ثلاثاً ..

وهذا الدعاء ينبغى أن يكون منهج يسير عليه المسلم سائر يومه ..


وإن شاء الله نذاكر سوياً كتاب : الأربعون النووية
مؤلف الكتاب : الإمام النووى – وهو من تلاميذ الشافعى ومن أشد الشافعية حرصاً على التأليف ، وقد ألّف فى فنونٍ شتى : فى اللغة ، وفى الحديث .. وهو فى الحقيقة من أعلم الناس ونحسبه من أخلص الناس – نحسبه كذلك والله حسيبه – لأن كتابه هذا وكتاب رياض الصالحين أيضاً أنتشرا فى العلم الإسلامى كله .. وقبول الناس للمؤلفات وإنتفاعهم بها من الأدلة على إخلاص النية .. وهو رحمه الله مجتهد ، والمجتهد يُخطئ ويُصيب .. إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران ..
وهذا الكتاب من أحسن مؤلفاته ، وهى ليست أربعين بالضبط ولكن العرب يحذفون الكسر فى الأعداد فيقولون أربعون وإن زاد واحد أو إثنين أو نقص واحد أو إثنين ..

وهذه الأربعون ينبغى لطلبة العلم أن يحفظوها لأنها مُنتخبة من أحاديث عديدة وفى أبواب متفرقة متنوعة ..