انا لله وانا اليه راجعون... نسألكم الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالد ووالدة المشرف العام ( أبو سيف ) لوفاتهما رحمهما الله ... نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته . اللهم آمـــين

العودة   منتديات الحور العين > .:: المنتديات الشرعية ::. > ملتقيات علوم الغاية > الفقه والأحكــام

الفقه والأحكــام يُعنى بنشرِ الأبحاثِ الفقهيةِ والفتاوى الشرعيةِ الموثقة عن علماء أهل السُنةِ المُعتبرين.

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-10-2011, 03:21 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




New سلسلة جديدة للشيخ محمد عبد المقصود (صلاة التطوع)2

 








صلاة التطوع

السنن الراتبة 1

السنن الراتبة 2


الوتر3



التراويح 4



الضحى وتحية المسجد 5



الصلاة عقيب الطهوروالاستخارة وطول القيام6



7جواز التنفل جالسا




========
ويليه الدروس المكتوبة ان شاء الله
وتابعوا معنا باقي السلسلة
مع تحيات


التفريغ


باب سنن الصلاة الراتبة المؤكدة

هناك سُنن راتبة وهى المرتبطة بالصلوات الخمس المفروضة وهى التى كان يداوم عليها النبى صلى الله عليه وسلم وتُسمى بالسُنة المؤكدة . عندنا حديثان رئيسان في هذا الباب:
(1) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : { حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ ، كَانَتْ سَاعَةٌ لَا أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّهُ كَانَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ .} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(2) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ : { سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ ، وَقَبْلَ الْفَجْرِ ثِنْتَيْنِ .} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ لَكِنْ ذَكَرُوا فِيهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا
فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى ثنتى عشرة ركعة ورد فضلها فى حديث أُم حبيبة - رضي الله عنها -عند مسلم والترمذى ، وحديث الترمذى هو الذى ورد فيه التفضيل ، وفائدة ثنتى عشرة ركعة أن يُبنى له بيت فى الجنة . وهناك رواية لأبى داود والترمذى عن أم حبيبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرّمه الله على النار " .

قَوْلُهُ : ( حَفِظْتُ ) فِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم" . قَوْلُهُ : ( رَكْعَتَيْنِ ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " سَجْدَتَيْنِ " مَكَانَ رَكْعَتَيْنِ فِي جَمِيعِ أَطْرَافِ الْحَدِيثِ ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا الرَّكْعَتَانِ . وَقَدْ سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ بِنَحْوِ اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا .
قَوْلُهُ : ( رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ ) فِي الْحَدِيث الْآخَرِ " أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ " .قَالَ الدَّاوُدِيُّ : وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَرْبَعًا ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصَفَ مَا رَأَى قَالَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْسَى ابْنُ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ .قَالَ الْحَافِظُ : وَهَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالَيْنِ ، فَكَانَ تَارَةً يُصَلِّي ثِنْتَيْنِ وَتَارَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا وَقِيلَ : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَفِي بَيْتِهِ يُصَلِّي أَرْبَعًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، فَرَأَى ابْنُ عُمَرَ مَا فِي الْمَسْجِدِ دُونَ مَا فِي بَيْتِهِ ، وَاطَّلَعَتْ عَائِشَةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ .
وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ { أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ }
الاحتمال الذي أبداه البعض احتمال بعيد ، من أنه كان يصلى ركعتين فى بيته ثم يخرج إلى المسجد فيصلى ركعتين ، فابن عمر حين يسأل عن صلاة النبى صلى الله عليه وسلم لابد أن يتحرى ، حتى فى حديثه يقول ( وركعتين قبل الغداة وكانت ساعة لا أدخل على النبى فيها فحدثتنى حفصة أنه كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين ) ، فابن عمر كان يتحرى رضي الله عنه ، وكان أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يأتون إلى بيوت أزواجه يسألون عن عبادته ، فالأولى أن يُقال إن هذا محمول على حالتين مختلفتين ؛ تارة كان يصلى قبل الظهر ركعتين ، وتارة يصلى أربعًا، وتارة يندب الناس إلى صلاة أربع ويصلى هو ركعتين ، فلم يثبت عنه مطلقا أنه صلى بعد الظهر أربعا في حين أنه ندب إلى ذلك ، وكذلك فى سنة الجمعة فى الحديث المتفق عليه عند أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : " إذا صلى أحدكم الجمعة فليركع بعدها أربع ركعات " ، وهو محمول على الاستحباب لرواية مسلم : " إذا صلى أحدكم الجمعة فأراد أن يصلى بعدها فليصلِ أربع ركعات " رغم أنه لم يحفظ عنه كما قال الحافظ أنه صلى بعد الجمعة أربعا ، بل الثابت في صحيح مسلم من حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الجمعة دخل بيته فصلى ركعتين ، وفى صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يفعل الشئ فلا يفعله كى لا يشق على أُمته .
وكذلك في حجة الوداع لما طاف طواف الإفاضة دعا بسَجْلٍ من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ وقال :" انزِعوا آل عبد المطلب ، ولولا أن تغلبوا على ذلك لنزعت معكم " أى : انزعوا واسقوا الحجيج ، ولولا أن تغلبوا على ذلك لنزعت معكم ، لو نزع ستصير سُنة ويتقاتل الناس على الحبال التى ينزعوا بها بئر زمزم ، وكذلك وقف بعرفة وقال "وقفت ها هُنا وعرفة كلها موقف" وفى مزدلفة قال "وقفت ها هُنا ومزدلفة كلها موقف" ، "نحرت هاهُنا ومنى كلها منحر" فالأقوى أن يُقال إن هذا محمول على حالين مختلفين .

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ : الْأَرْبَعُ كَانَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِهِ وَالرَّكْعَتَانِ فِي قَلِيلِهَا ، وهذا أيضا فيه نظر لأن ابن عمر - وهو من هو في الحفظ والإتقان - يقول حفظتُ عن رسول الله ...
قَوْلُهُ : ( وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي بَيْتِهِ وَفِي لَفْظٍ لَهُ " فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ " وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ فِعْلَ النَّوَافِلِ اللَّيْلِيَّةِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ رَوَاتِبِ النَّهَارِ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ .
لأن الصلوات النهارية غالبا ما تكون فى أوقات النشاط والعمل فيصلى الإنسان الفريضة والسُنة بالمسجد ، أما فى أوقات الليل والمغرب والعشاء والفجر فيصلى نوافلها فى البيت ، ونحن عندنا حديث زيد بن أرقم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل الصلاة صلاة المرء فى بيته إلا المكتـوبة " فهذه قواعد عامة . ومثل مواقيت الصلاة فحديث ابن مسعود فى رواية الصحيحين قلت : يارسول الله ، أي العمل أحب إلى الله عز وجل ؟ قال : "الصلاة على وقتها" . وفى رواية الحاكم صححها الشيخ الألبانى قال : "الصلاة أول وقتها" ، فالقاعدة أن أفضل شئ فى مواقيت الصلاة أن تفعل الصلاة فى أول وقتها ويُستثنى من ذلك صلاة الظهر فى وقت الحر فيُستحب الإبراد . وقد ورد فى ذلك حديثين متفق عليهما عن أبى هريرة وأبى ذر ..
فأما رواية أبى هريرة فإن النبى قال : " إذا إشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم " وفى رواية ذكر العكس " إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا إشتد الحر فأبردوا بالصلاة ".
وكذلك صلاة العشاء تُستثنى من القاعدة لقوله صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على أُمتى لأخرت العشاء إلى منتصف الليل " فهنا أيضاً القاعدة العامة أن أفضل الصلاة صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة .
قال الحافظ وفى الاستدلال به لذلك نظر أى لا نريد أن نقول أن سُنة النهار تصلى بالمسجد وسُنن الليل فى البيت وأن ذلك إنما وقع اتفاقًا ولم يكن عن عهد بدليل حديث زيد بن أرقم : صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئ صَلَاةُ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ . وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لََبِيدٍ مَرْفُوعًا : أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ مِنْ صَلَاةِ الْبُيُوتِ ، وَحُكِيَ ذَلِكَ لِأَحْمَدَ فَاسْتَحْسَنَهُ.
نحن لا نقول أنها لا تجزئ ولا نجعل المكان شرطًا ولكن نقول الأفضل أن تُصلى السُنة فى البيت فإن صلاها فى المسجد جاز.
قَوْلُهُ : ( وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي بَيْتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ ، قَوْلُهُ : ( وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ .إلَخْ ) فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ عَنْ حَفْصَةَ وَقْتَ إيقَاعِ الرَّكْعَتَيْنِ لَا أَصْلَ الْمَشْرُوعِيَّةِ ، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّة مَا اشْتَمَلَا عَلَيْهِ مِنْ النَّوَافِلِ وَأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ وَاسْتِحْبَابُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ .وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ .وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ لَا وُجُوبَ لِشَيْءٍ مِنْ رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ ، وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ .
الإمام مالك دائما من قواعده أنه يستحب للإنسان أن يخالف فى السُنن لئلا تلتبس بالفرائض ، هذا مشهور عن مالك فإن كان يسن للإمام أن يقرأ فى فجر الجمعة بالسجدة فى الركعة الأولى والإنسان فى الركعة الثانية ، فيُستحب أن يخالف أحياناً لئلا يتصور أن الصلاة لا تصح بدون هاتين السورتين ، وقد وقع الناس فى هذا بل بالغوا فظنوا أن المقصود بقراءة سورة السجدةِ هى السجدةُ نفسُها حتى أنهم إن لم يقرأوا من سورة السجدة قرءوا آيات تشتمل على سجدة وسجدوا ، وهذا من الخطأ البيّن ، كذلك إذا كان مثلاً فى الوتر فنحن نعلم أنه روى عند الخمسة من حديث أبى بن كعب أن النبى قرأ فى الركعة الأولى بـ { سبح اسم ربك الأعلى } والثانية { قل يا أيها الكافرون } وفى الثالثة { قل هو الله أحد } فعند الإمام مالك يستحب له على هذه القاعدة أن يخالف فيصلى مثلاً بالضحى فى الركعة الأولى والعصر فى الثانية والفلق فى الثالثة .
وروى عن الحسن البصرى القول بوجوب ركعتى الفجر .
فأول صلاة فى اليوم وهى صلاة الصبح قال بوجوب سنتها الحسن البصرى وآخر صلاة فى اليوم وهى الوتر قال بوجوبها الإمام أبو حنيفة والدليل على أن هذه الصلوات ليست واجبة حديث أنس " فرض الله عز وجل الصلاة خمسين ... هى خمس وهى خمسون " وحديث طلحة بن عبيد الله وهو أقوى فى الدلالة من حديث أنس لأن أبا حنيفة لما احتجوا عليه بحديث أنس قال : أنا لا أقول إنها مفروضة ولكن هى واجبة ، وأبو حنيفة يفرق بين الواجب والفرض ، ولكن فى حديث طلحة لما سأله عن الصلاة ماذا فرض الله علىّ من الصلوات قال : "خمس صلوات فى اليوم والليلة" . قال هل علىّ غيرها ؟ قال : "لا ، إلا أن تطوع" . إذاً ما عدا الخمسة المفروضة كله تطوع فلا يقول أحدٌ : واجب وغيره يقول : فرض .

وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَجْدَةً سِوَى الْمَكْتُوبَةِ ، بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ : { مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ : أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ }[صحيح الجامع 6362 ] ، وَلِلنَّسَائِيِّ حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ كَالتِّرْمِذِيِّ ، لَكِنْ قَالَ : " وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ " [شاذ ، والمحفوظ الأول (المشكاة 1159) وقال أيضا : ضعيف ( ضعيف الجامع 5657 ) ] ، وَلَمْ يَذْكُرْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ . الْحَدِيثُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ سَاقَهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
فالاثنتاعشرة ركعة وردت من فعله صلى الله عليه وسلم عن عائشة عند مسلم ومن قوله عند أم حبيبة عند مسلم .
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ صَلَاةِ هَذِهِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَة رَكْعَةَ وَهِيَ مِنْ السُّنَنِ التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِض .
يريد أن يقول : لكي يثبت لنا الثواب بيقين لابد أن تأتى بأربع عشرة ركعة ؛ لأنهفى حديث قال : ركعتين قبل العصر ولم يذكر بعد العشاء ، وحديث قال : بعد العشاء ، ولم يذكر قبل العصر ، لكن هذا الكلام فيه نظر ؛ لأن الروايات إذا إختلفت بهذه الكيفية لابد من الترجيح لرواية واحدة وطالما اتحد المخرج فلابد أن ترجح رواية على رواية ، لكن نجمع بين أربع عشرة ركعة ؟! " وما كان ربك نسيا " ، فالنبى صلى الله عليه وسلم : يقول إثنتى عشرة ركعة ونحن نقول أربع عشرة ركعة فرواية النسائى كما قال الشيخ الألبانى ( شاذة ) فيصفو لنا رواية الترمذى .



باب فضل الأربع قبل الظهر وبعدها



وقبل العصر وبعد العشاء



عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ } .رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ .

الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ .قَدْ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَأَبُو عَبْدَ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ : إنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، كَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ .وَقَدْ أَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ ، وَأَنْكَرَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ ، وَأَمَّا التِّرْمِذِيُّ فَصَحَّحَهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ أَبِي أُمَامَةَ .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْقَاسِمُ هَذَا اُخْتُلِفَ فِيهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُضَعِّفُ رِوَايَتَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَثِّقُهُ .
لما نقول منهم من يضعفه ومنهم من يوثقه فالقول الوسط فيه أن هذا الراوى حسن ؛ فمن ضعفه فباعتبار ما فيه من ضعف الضبط ومن وثقه فباعتبار أنه ضابط فى أغلب أحواله وأحاديثه .
ورواه الترمذى أيضاً عن محمد بن عبد الله الشعيثى عن عنبسة
فالحديث ورد من ثلاث طرق :
(1) مكحول عن عنبسة عن أم حبيبة
(2) الشعيثى عن عنبسة عن أم حبيبة
(3) طريق أخرى هى طريق أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن
والطريق الثانى هي متابعة لمكحول ، الذى تابعه هو الشعيثى ، وهى متابعة تامة لأنه اشترك معه فى شيخه بنفس الإسناد ، فالحديث ثابت من طريقين : طريق الشعيثى عند ابن حبان وطريق أبى عبد الرحمن القاسم
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهُ ، وَكَفَى بِهَذَا التَّرْغِيبِ بَاعِثًا عَلَى ذَلِكَ ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ : " مَنْ صَلَّى " أَنَّ التَّحْرِيمَ عَلَى النَّارِ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرهمَا بِلَفْظِ " مَنْ حَافَظَ " فَلَا يُحَرَّمُ عَلَى النَّارِ إلَّا الْمُحَافِظُ .
هذه الأحاديث تدل على فضل الأربع ركعات قبل الظهر وبعده وفضل المحافظة عليها ، لكن ينبغى أن نجمع بين هذه النصوص والنصوص الأخرى الواردة عموما فى أى جزئية من جزئيات الشريعة ، فمثلاً حديث النسائى عن ثوبان بإسنادين صحيحين " من قرأ آية الكرسى دُبر الصلوات المكتوبة لا يحول بينه وبين الجنة إلا الموت " لكن لو كان الأمر كذلك لبعث النبى ليُعلم الناس آية الكرسى دُبر الصلوات فقط ، ولم يكن هناك تكاليف أخرى كمنع شرب الخمر وما إلى ذلك ! فنحن فى هذا الإطار لابد أن نفهم النصوص ، والمرجئة قالوا من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، بل زاد غُلاة المرجئة فقالوا من قالها بلسانه دخل الجنة ؛ لأن الحديث قال " من قال " والقول باللسان ، وبعضهم قال من قالها بقلبه . فالإنسان يحاول بشتى الوسائل أن يضرب بسهم فى كل أبواب الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ولن يستطيع أحد أن يستوعب كل أبواب الخير ، لما أخرجه أحمد وابن ماجه من حديث ثوبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "استقيموا ولن تحصوا ، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة " فالإنسان لن يستطيع أن يستوعب كل أبواب الخير ، فعليه أن يُفاضل بين الطاعات كما قال أبو حامد الغزالى : وهنا يظهر الفقه أن يقدم الطاعة الأعلى على الطاعة الأدنى ونحو ذلك . وكون الصلاة خيرَ أعمالنا فهذا مذهب الجمهور خلافاً لابن عبد البر فإنه قدم الصيام ، واحتج بما رواه أحمد والنسائى عن أبى أُمامة أنه قال : يارسول الله مُرنى آخذه عنك . قال : "عليك بالصيام فإنه لا مثل له"، وفى رواية "لا عِدْلَ له" وإسناده صحيح ، واحتج أيضاً بحديث أبى هريرة فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به"، فالإنسان لما يصلى اثنتى عشرة ركعة يعطى نفسه فرص أن يُبنى له بيت فى الجنة وكذلك " من بنى مسجدًا ولو كمفحص قطاه بنى الله له بيت فى الجنة" ، وفى حديث رواه الطبرانى عن أبى موسى الأشعرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من صلى الضحى أربعا وقبل الأولى أربعا بنى له بيت فى الجنةوهو حديث حسن ، وأيضاً فى المسند من حديث معاذ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيت فى الجنة " .. فهذه طرق كثيرة لبناء بيت فى الجنة .

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا } .رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد – الترمذى حسن صحيح الجامع (3493)
الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ ، وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ وَفِيهِ مَقَالٌ ، وَلَكِنَّهُ قَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ عَدِيٍّ .وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَنِ بِلَفْظِ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ } وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ، عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ .
وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ بِمَعْنَاهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ : { مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ }[ ضعيف الجامع 5675 ] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ } وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ [منقطع] .وَعَنْ أُمّ حَبِيبَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْمُؤَذِّنُ .قَالَ الْعِرَاقِيُّ : لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ .وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ حَرَّمَ اللَّهُ بَدَنَهُ عَلَى النَّارِ } .
هناك حديثان عن على بن أبي طالب عند أبى داود ، الأول : أنه صلى قبل العصر ركعتين ، والثاني أنه صلى قبل العصر أربعاً متصلات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة ، والمقصود بالتسليم التشهد ؛ للزيادة التى رواها الترمذى والنسائى وابن ماجه ( على الملائكة المقربين ) وإسنادها حسن ( المشكاة 1171 ) . وهنا قاعدة أن النبى صلى الله عليه وسلم سُئل : كيف صلاة الليل ؟ فقال : "مثنى مثنى" هذا فى الصحيحين ، وفى رواية أحمد : "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" . إذاً هذا هو الأصل أن السُنن تُصلى مثنى مثنى ولا تخرج صلاة من ذلك إلا بالدليل كما فى سُنة العصر هذه.

قال الشوكانى : وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالدُّعَاءَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحْمَةِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، وَالتَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ بَدَنِهِ عَلَى النَّارِ مِمَّا يَتَنَافَسُ فِيهِ الْمُتَنَافِسُونَ .

فى كتاب الأدب المفرد صحح الشيخ ناصر أثرًا عن محمد بن سيرين ، قال : كنا عند أبى هريرة ، فقال : اللهم اغفر لأبى هريرة ولأمه ولمن استغفر لهما ، قال ابن سيرين : فأنا أستغفر له ولأمه حتى أدخل فى دعائه ، فما بالنا بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم " رحم الله إمرأً صلى قبل العصر أربعًا "

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { مَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إلا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، الْحَدِيثُ رِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ ، وَمُقَاتِلُ بْنُ بَشِيرٍ الْعِجْلِيّ قَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ [ضعيف المشكاة 1175 (توثيق ابن حبان لوحده لا ينفع)]، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ ... الْحَدِيثَ وَفِيهِ { فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ثُمَّ جَاءَ إلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ } وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ خَلْفَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ كُتِبْنَ لَهُ كَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ } وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ الرَّهَاوِيُّ ، ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : مَحَلُّهُ الصِّدْقُ . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : مُقَارِبُ الْحَدِيثِ . وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرُهُ } ، وَفِيهِ الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو ، قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فِي جَمَاعَةٍ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ كَانَ كَعِدْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ } قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَلَمْ يَصِحَّ ، وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يَرِدْ التَّقْيِيدُ بِالْمَسْجِدِ إلَّا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورَيْنِ فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِيهِ . وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِي إسْنَادِهِ مَنْ تَقَدَّمَ .قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَيَكُونُ قَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِضَرُورَةٍ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ اقْتَضَتْ ذَلِكَ .وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتِّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ، وَذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا .
وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا كَانَ كَأَنَّمَا تَهَجَّدَ مِنْ لَيْلَتِهِ ، وَمَنْ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَانَ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ } . رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ .
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَة نَاهِضِ بْنِ سَالِمٍ الْبَاهِلِيِّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمَّارٌ أَبُو هَاشِمٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ لُوطٍ عَنْ عَمِّهِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَمَّارُ وَالرَّبِيعُ ثِقَتَانِ ، وَأَمَّا نَاهِضٌ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّ : لَمْ أَرَ لَهُمْ فِيهِ جَرْحًا وَلَا تَعْدِيلًا وَلَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا .انْتَهَى[يعني مجهول الحال مجهول العين] .وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ الْبَرَاءِ حَدِيثًا آخَرَ ، وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ [هناك أيضا حديث رواه الخرائطي عن أنس مرفوعًا "من صلى قبل الظهر أربعا غفر له ذنوبه يومه ذلك " قال الألباني في ضعيف الجامع : ضعيف جدًا 5673] وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ كَعَدْلِهِنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَعَدْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ } وَفِي إسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ عُقْبَةَ وَلَيْسَ بِثِقَةٍ ، قَالَهُ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ : لَيْسَ بِشَيْءٍ [ضعيف الجامع 755] وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا وَعَلَى مَشْرُوعِيَّةِ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ
الأحاديث التى وردت فى هذه الفقرة ضعيفة


باب تأكيد ركعتى الفجر ، وتخفيف قراءتهما



والضجعة والكلام بعدهما ،وقضائهما إذا فاتتا


كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك الوتر وركعتى الفجر لا فى سفر ولا فى حضر ، وكان يخفف قراءتهما ، وأمرنا أن نضجع بعد صلاة الفجر وصُـرف إلى الاستحباب بأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر وكانت عائشة رضي الله عنها مستيقظة حدثها وإلا إضجع ، وأما قضاؤهما ففى قصة نومه صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح وأنه لما استيقظ بعد طلوع الشمس فصلى ركعتى الفجر ثم الفريضة .
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ } .مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
قَوْلُهُ : ( الضِّجْعَةُ ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ : الْهَيْئَةُ ، وَبِفَتْحِهَا : الْمَرَّةُ ، ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ. قَوْلُهُ : ( أَشَدَّ تَعَاهُدًا ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً .وَلِمُسْلِمٍ { مَا رَأَيْتُهُ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ أَسْرَعَ مِنْهُ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ } زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ " وَلَا إلَى غَنِيمَةٍ "[صحيح الترغيب 581].وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَعَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعَاهُدِ لَهُمَا وَكَرَاهَةِ التَّفْرِيطِ فِيهِمَا .وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِمَا عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْر أَفْضَلُ مِنْ الْوِتْرِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ .وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ جَعَلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَجَعَلَ الْوِتْرَ خَيْرًا مِنْ حُمْر النَّعَم ، وَحُمْرُ النَّعَمِ جُزْءُ مَا فِي الدُّنْيَا .وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوِتْرَ أَفْضَلُ .
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ } وَبِالِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ كَمَا سَيَأْتِي . وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ أَيْضًا فِي وُجُوبِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ؛ فَذَهَبَ إلَى الْوُجُوبِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ .وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوِتْرَ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ .
فعندنا ثلاثة أقول :
1) أن ركعتي الفجر خير من الوتر لأنها "خير من الدنيا وما فيها" ، و"حمر النعم" جزء من الدنيا .
2) أن الوتر أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم " أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة في جوف الليل" ، بالإضافة إلى الخلاف في وجوبه . لكن ركعتا الفجر مختلف في وجوبهما كذلك فأوجبهما الحسن البصري .
3) أنهما سواء في الفضيلة .
والذي يعنينا أنه صلى الله عليه وسلم ما تركهما في حضر ولا سفر .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .[ ضعيف الجامع 6208 ]
الْحَدِيثُ فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ ، وَيُقَالُ فِيهِ عَبَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ .وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ : لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِثَبْتٍ وَلَا قَوِيٍّ . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ : سَأَلْتُ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّمَا لَمْ يَحْمَدُوهُ فِي مَذْهَبِهِ فَإِنَّهُ كَانَ قَدَرِيًّا فَنَفَوْهُ مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَأَمَّا رِوَايَاتِهِ فَلَا بَأْسَ . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : مُقَارِبُ الْحَدِيثِ . وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ : إنَّ هَذَا حَدِيثٌ صَالِحٌ
[ البخاري استشهد به في الشواهد والمنابعات لا في أصل الباب ] وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي وُجُوبَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَرْكِهِمَا حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ ، وَمَا كَانَ تَرْكُهُ حَرَامًا كَانَ فِعْلُهُ وَاجِبًا ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ تَعْقِيبِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : " وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ " فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّرْكِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي يُبَاحُ لِأَجْلِهَا كَثِيرٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَسَنُ مِنْ الْوُجُوبِ ، فَلَا بُدَّ لِلْجُمْهُورِ مِنْ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلنَّهْيِ بَعْد تَسْلِيمِ صَلَاحِيَةِ الْحَدِيثِ لِلِاحْتِجَاجِ
قال الشوكانى : ، وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ عَنْهُ بِحَدِيثِ " هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ : لَا ، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ " فَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ .
والجواب من الشوكانى سيكون ضعيفا ؛ لأنه يقول إذاً لا يجب على المسلمينإلا ما ورد فى هذا الحديث ، مع أن الشريعة زادت شيئاً فشيئا ، فيرد على ذلك بأن النبى صلى الله عليه وسلم فى رواية البخارى علّمه شرائع الإسلام كلها وليس الوارد فى هذا الحديث فقط ، بالإضافة إلى أنه صلى الله عليه وسلم كما ثبت فى الصحيحين عن ابن عباس أنه أرسل معاذاً إلى اليمن فقال له : "إنك تقدم إلى قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هُم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة" ، وكان إرساله معاذا إلى اليمن قبل وفاته بثلاثة أشهر وإذا قلنا بوجوب هذه الصلاة يكون ست صلوات فى اليوم والليلة !

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { رَمَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا ، فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ .
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ . وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ .وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْد مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ .وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ .وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ .وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ .وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ . قَوْلُهُ : ( رَمَقْتُ ) فِي رِوَايَة لِلنَّسَائِيِّ ." رَمَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ مَرَّةً " .وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ { سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً } وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ { رَمَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ صَبَاحًا } وَجَمِيعُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِقِرَاءَتِهِمَا . وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ .
قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ .وَمِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيّ وَسُوَيْدِ بْنُ غَفَلَةَ وَغُنَيْمُ بْنُ قَيْسٍ وَمِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيُّ .وَقَالَ مَالِكٌ : أَمَّا أَنَا فَلَا أَزِيدُ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ .وَرُوِيَ عَنْ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِيهِمَا أَصْلًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَاحْتُجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مُجَرَّدُ شَكٍّ مِنْهَا فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ .وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ .
قوله : وَجَمِيعُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِقِرَاءَتِهِمَاكأن هذا على سبيل التعليم كما سمعوه فى دعاء الاستفتاح ثم كان بعد ذلك يسكت كما ورد فى حديث أبى هريرة كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَبَّرَ فِى الصَّلاَةِ سَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ « أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِى وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِى مِنْ خَطَايَاىَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْنِى مِنْ خَطَايَاىَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ »
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: السورة الأولى توحيد الألهية والثانية توحيد ربوبية .
قال مالك : أَمَّا أَنَا فَلَا أَزِيدُ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ: إحتج مالك بحديث عائشة أنها قالت هل كان يقرأ بأُم القرآن أم لا ؟ فاقتصر مالك على أُم القرآن وأما الأصم وابن علية فغلبوا كلمة لا وقالوا لا يقرأ فيهما أصلاً ، وهما كثيراً ما يخالفان جماهير العلماء ، وقال الإمام أحمد عن الأصم أنه عن الشريعة أصما . كيف يقولان هذا والنبى صلى الله عليه وسلم يقول ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )؟!
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ : هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ ؟ } . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ بِلَفْظِ " فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ { قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا } وَاَلَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ { تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ }.وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ " وَفِي الْآخِرَةِ بِ { آمَنَّا بِاَللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } وَعَنْ حَفْصَةَ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ إلَّا أَبَا دَاوُد بِلَفْظِ " رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " وَعَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ " فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ " فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " الْحَدِيثُ وَمَا ذُكِرَ فِي الْبَابِ مَعَهُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّخْفِيفِ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ ، وَخَالَفَتْ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ فَذَهَبَتْ إلَى اسْتِحْبَابِ إطَالَةِ الْقِرَاءَةِ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرَائِحِ الْأَدِلَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي التَّرْغِيبِ فِي تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ } وَنَحْوُ { إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ } وَهُوَ مِنْ تَرْجِيحِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ ، وَبِهَذَا الْحَدِيثِ تَمَسَّكَ مَالِكٌ وَقَالَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّ عَائِشَةَ شَكَّتْ هَلْ كَانَ يَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ أَمْ لَا ؟ لِشَدَّةِ تَخْفِيفِهِ لَهُمَا ، وَهَذَا لَا يَصْلُحُ التَّمَسُّكُ بِهِ لِرَدِّ الْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ نَفْسِهَا أَنَّهَا قَالَتْ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِفَكَانَ يَقُولُ : نِعْمَ السُّورَتَانِ هُمَا يُقْرَأُ بِهِمَا فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } [ صحيح الجامع 6773 ] وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ مُطْلَقِ التَّخْفِيفِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْفَاتِحَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي التَّخْفِيفِ لَهُمَا ؛ فَقِيلَ : لِيُبَادِرَ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ، وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ ، وَقِيلَ : لِيَسْتَفْتِحَ صَلَاةَ النَّهَارِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ لِيَدْخُلَ فِي الْفَرْضِ أَوْ مَا يُشَابِهُهُ بِنَشَاطٍ وَاسْتِعْدَادٍ تَامٍّ ، ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ، وَالْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ.

ملخص


* فضل صلاة ركعتى سُنة الصبح ثابت فى حديث عائشة :
(1) " لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ " .
(2) " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " .
* ثم ما نقرأ فيها :
(1) حديث ابن عمر عند مسلم ومثله عن أبى هريرة عند مسلم أنه كان يقرأ قل يا أيها الكافرون فى الركعة الأولى وقل هو الله أحد فى الركعة الثانية .
(2) حديث ابن عباس الآتى كان يقرأ فى الركعة الأولى { قولوا آمنا ... } وفى الثانية { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء .. }
* ثم التخفيف فيهما ثبت فيه حديث عائشة كان يخفف ....
- فالجمهور على تخفيف الركعتين على نحو ما ورد فى حديث ابن عمر وابن عباس
- الحنفية قالوا يُطيل فيهما وأستدلوا بأدلة عامة منها ( أفضل الصلاة طول القنوت )
- مالك يقتصر على الفاتحة وأستدل بحديث عائشة ( كان يخفف .. )
- الأصم وابن علية لا يقرأ أصلاً
* ثم بعد ذلك الإضطجاع
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى .جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ } ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .[صحيح الجامع 642] .
هذا أمر لذلك قال ابن حزم بالوجوب لكن حديث عائشة يصرفه.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ } .مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
قول عائشة ( فإن كنت مستيقظة حدثنى وإلا إضطجع ) دليل على أن الضجعة بعد ركعتى السنة ليست واجبة
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ .وَالْحَدِيثُ الثَّانِي أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ .وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ } وَفِي إسْنَادِهِ حُيَيِّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيُّ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَفِي إسْنَادِ أَحْمَدَ أَيْضًا ابْنُ لَهِيعَةَ وَفِيهِ مَقَالٌ مَشْهُورٌ .وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ وَاخْتِلَافٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ : قَالَ : { خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَكَانَ لَا يَمُرُّ بِرَجُلٍ إلَّا نَادَاهُ بِالصَّلَاةِ أَوْ حَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ } أَدْخَلَهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ فِي بَابِ الِاضْطِجَاعِ بَعْد رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ [ ضعيف أبي داوود ] ، وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُؤَذَّنَ بِالصَّلَاةِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ .

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَذَا الِاضْطِجَاعِ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ مَشْرُوعٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ : فَمِمَّنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَوْ يُفْتِي بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ .
وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ابْنِ عُمَرَ ، فَرُوِيَ عَنْهُ فِعْلُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ ، وَرُوِيَ عَنْهُ إنْكَارُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ ابْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ وَبَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ كَمَا حَكَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ فِي كِتَابِ السَّبْعَةِ ، وَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : وَرُوِّيْنَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ وَيَضَعُ جَنْبَهُ فِي الْأَرْضِ وَيَدْخُلُ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ .وَمِمَّنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَهُمَا وَاجِبٌ مُفْتَرَضٌ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُونَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ : " فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ " وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَضْطَجِعُ مَعَ اسْتِيقَاظِهَا ، فَكَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً لِصَرْفِ الْأَمْرِ إلَى النَّدْبِ ، وَفِيهِ أَنَّ تَرْكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا أَمَرَ بِهِ أَمْرٌ خَاصٌّ بِالْأُمَّةِ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْخَاصَّ وَلَا يَصْرِفُهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ
نحن نعلم أن الشوكانى يقول أن النبى صلى الله عليه وسلم إذا أمر الأمة بأمرٍ ثم خالف ذلك الأمر دلّ ذلك على أنه خصوصية للنبى صلى الله عليه وسلم وليست كذلك ، بل إذا أمر بأمرٍ وخالف ذلك الأمر دلّ ذلك على أن الأمر مصروف من الوجوب إلى الإستحباب .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَبِدْعَةٌ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ قَالَ : قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : مَا بَالُ الرَّجُلِ إذَا صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ يَتَمَعَّكُ كَمَا تَتَمَعَّكُ الدَّابَّةُ أَوْ الْحِمَارُ ، إذَا سَلَّمَ فَقَدْ فَصَلَ . وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ قَالَ : صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فَمَا رَأَيْتُهُ اضْطَجَعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ . وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَضْطَجِعُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَالَ : احْصِبُوهُ . وَرَوَى أَبُو مِجْلَزٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إنَّ ذَلِكَ مِنْ تَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ . وَفِي رِوَايَةِ زَيْدِ الْعَمِّي عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إنَّهَا بِدْعَةٌ ، ذَكَرَ ذَلِكَ جَمِيعَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ .
وَمِمَّنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ التَّابِعِينَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَقَالَ : هِيَ ضِجْعَةُ الشَّيْطَانِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمِنْ الْأَئِمَّةِ مَالِكٌ ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ : أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُعْجِبُهُ الِاضْطِجَاعُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ .
الْقَوْلُ الْخَامِسُ : التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ يَقُومُ بِاللَّيْلِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ : لَا يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْر لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَامَ اللَّيْلَ فَيَضْطَجِعُ اسْتِجْمَامًا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا بَأْسَ .وَيَشْهَد لِهَذَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ : { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَضْطَجِعْ لِسُنَّةٍ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَدْأَبُ لَيْلَهُ فَيَسْتَرِيحُ } وَهَذَا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ ، أَمَّا أَوَّلًا ؛ فَلِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ رَاوِيًا لَمْ يُسَمَّ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا ثَانِيًا ؛ فَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَقَدْ رَوَتْ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ وَالْحُجَّةُ فِي فِعْلِهِ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَمْرُهُ بِهِ فَتَأَكَّدَتْ بِذَلِكَ مَشْرُوعِيَّتُهُ .
وهذا مع كونه ضعيفا فليس فيه دلالة لأنه أمر به الأمة فقال ( إذا صلى أحدكم ) وهذه نكرة فى سياق الشرط تفيد العموم .
الْقَوْلُ السَّادِسُ : أَنَّ الِاضْطِجَاعَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْفَصْلُ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَبَيْنَ الْفَرِيضَةِ ، رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ . [ لو كان ذلك لكان فى كل صلاة ]
وَفِيهِ أَنَّ الْفَصْلَ يَحْصُلُ بِالْقُعُودِ وَالتَّحَوُّلِ وَالتَّحَدُّثِ وَلَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِالِاضْطِجَاعِ قَالَ النَّوَوِيُّ : وَالْمُخْتَارُ الِاضْطِجَاعُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
هذه الستة يمكن أن تُختصر إلى أربعة :
1) الاستحباب وهو قول الشافعي .
2) الوجوب وهو قول ابن حزم .
3) الكراهة وأنه بدعة وهو قول مالك ومروي عن ابن مسعود وابن عمر .
4) التفريق بين من قام الليل وبين من لم يقم الليل .
ولا يخفى أن كل هذه الأقوال ضعيفة فيما عدا الأول القائل بالإستحباب لأن النبى أمر به والذى صرف الأمر حديث عائشة إذا كنت مستيقظة حدثنى .

وَفِيهِ أَنَّ الْفَصْلَ يَحْصُلُ بِالْقُعُودِ وَالتَّحَوُّلِ وَالتَّحَدُّثِ وَلَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِالِاضْطِجَاعِ قَالَ النَّوَوِيُّ : وَالْمُخْتَارُ الِاضْطِجَاعُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَقَدْ أَجَابَ مَنْ لَمْ يَرَ مَشْرُوعِيَّةَ الِاضْطِجَاعِ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بِأَجْوِبَةٍ .مِنْهَا أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْأَعْمَشِ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : مَا رَأَيْتُهُ يَطْلُبُ حَدِيثًا بِالْبَصْرَةِ وَلَا بِالْكُوفَةِ قَطُّ ، وَكُنْتُ أَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أُذَاكِرُهُ بِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ لَا يَعْرِفُ مِنْهُ حَرْفًا وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ : سَمِعْتُ أَبَا دَاوُد يَقُولُ : عَمَدَ عَبْدُ الْوَاحِدِ إلَى أَحَادِيثَ كَانَ يُرْسِلُهَا الْأَعْمَشُ فَوَصَلَهَا ، يَقُول : " حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ فِي كَذَا وَكَذَا " انْتَهَى ، وَهَذَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ ، وَقَدْ رَوَاهُ الْأَعْمَشُ بِصِيغَةِ الْعَنْعَنَةِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ : سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ : لَيْسَ بِشَيْءٍ .وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ زِيَادٍ قَدْ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ ، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ مَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ السَّابِقَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ مَنْ رَوَى عَنْهُ التَّضْعِيفَ لَهُ وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ الْمُتَقَدِّمُ ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إنَّهُ ثِقَةٌ ، وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ مِنْ أَثْبَتِ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ ، فَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى نَاقِلِهِ بِعَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ وَكِلَاهُمَا بَصْرِيٌّ ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ وَلَا شَيْخُهُ الْأَعْمَشُ ، فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ ، إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ فِعْلِهِ لَا مِنْ قَوْلِهِ .وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي أَجَابَ بِهَا النَّافُونَ لِشَرْعِيَّةِ الِاضْطِجَاعِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ ، هَلْ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ؟ وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : إنَّ كَوْنَهُ مِنْ فِعْلِهِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ وُرُودَهُ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَكُونُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَانِ : حَدِيثُ الْأَمْرِ بِهِ وَحَدِيثُ ثُبُوتِهِ مِنْ فِعْلِهِ ، عَلَى أَنَّ الْكُلَّ يُفِيدُ ثُبُوتَ أَصْلِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَرُدُّ نَفْيَ النَّافِينَ . وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمَّا سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَرْوِي حَدِيثَ الْأَمْرِ بِهِ قَالَ : أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ .وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ :هَلْ تُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ ؟ فَقَالَ : لَا ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : فَمَا ذَنْبِي إنْ كُنْتُ حَفِظْتُ وَنَسُوا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَهُ بِالْحِفْظِ . وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ لَيْسَ فِيهَا الْأَمْرُ بِذَلِكَ إنَّمَا فِيهَا فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالِاضْطِجَاعُ مِنْ فِعْلِهِ الْمُجَرَّدِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ وَالْجَوَابُ : مَنْعُ كَوْنِ فِعْلِهِ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى الْإِبَاحَةِ ، وَالسَّنَدُ أَنَّ قَوْلَهُ : { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } وَقَوْلُهُ : { فَاتَّبِعُونِي } يَتَنَاوَلُ الْأَفْعَالَ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْأَقْوَالَ وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَكَابِرُهُمْ إلَى أَنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ وَهَذَا عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ إلَّا مُجَرَّدُ الْفِعْلِ ، وَقَدْ عَرَفْتَ ثُبُوتَ الْقَوْلِ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ .وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ أَحَادِيثَ عَائِشَةَ فِي بَعْضِهَا الِاضْطِجَاعُ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى أَنَّ رِوَايَةَ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهُمَا مَرْجُوحَةٌ فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ فَكَذَا بَعْدَهُمَا وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَرْجَحِيَّةَ رِوَايَةِ الِاضْطِجَاعِ بَعْد صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى رِوَايَةِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهَا ، بَلْ رِوَايَةُ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهُمَا أَرْجَحُ ، وَالْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، وَرَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَتِيمُ عُرْوَةَ وَالزُّهْرِيُّ ، فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إثْبَاتُ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَهِيَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ مَالِكٌ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ : إنَّهُ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ .الْحَدِيثَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَقَالَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اتَّفَقَ عَلَيْهَا الشَّيْخَانِ ، فَرَوَاهَا الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَة مَعْمَرٍ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ .قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَقِبَ ذِكْرِهِمَا : وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ قَالَ : وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا مَحْفُوظَيْنِ ، فَنَقَلَ مَالِكٌ أَحَدَهُمَا وَنَقَلَ الْبَاقُونَ الْآخَرَ ، قَالَ : وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : وَقَدْ يُحْتَمَلُ مِثْلُ مَا اُحْتُمِلَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ .وَقَالَ النَّوَوِيُّ : إنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُخَالِفَانِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا أَنْ لَا يَضْطَجِعَ بَعْدَهُمَا وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَهُمَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا هُوَ نَوْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ، وَفِي تَحْدِيثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ بَعْد رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ بَعْدَهَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ ، وَرَوَى ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ وَمِمَّنْ كَرِهَهُ مِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ، وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ : كَانُوا يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ .وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ : إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلْيَسْكُتُوا وَإِنْ كَانُوا رُكْبَانًا وَإِنْ لَمْ يَرْكَعُوهُمَا فَلْيَسْكُتُوا ، إذَا عَرَفْتَ الْكَلَامَ فِي الِاضْطِجَاعِ تَبَيَّنَ لَكَ مَشْرُوعِيَّتُهُ ، وَعَلِمْتَ بِمَا أَسْلَفْنَا لَكَ مِنْ أَنَّ تَرْكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَارِضُ الْأَمْرَ لِلْأُمَّةِ الْخَاصِّ بِهِمْ وَلَاحَ لَكَ قُوَّةُ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَالتَّقْيِيدِ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ كَانَ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ يُشْعِرُ بِأَنَّ حُصُولَ الْمَشْرُوعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِذَلِكَ لَا بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَأَمَّا مَعَ التَّعَذُّرِ فَهَلْ يَحْصُلُ الْمَشْرُوعُ بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْأَيْسَرِ أَمْ لَا ؟ بَلْ يُشِيرُ إلَى الِاضْطِجَاعِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ ، جَزَمَ بِالثَّانِي ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ مُعَلَّقٌ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ، فَإِذَا اضْطَجَعَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ غَلَبَهُ النَّوْمُ ، وَإِذَا اضْطَجَعَ عَلَى الْأَيْمَنِ قَلِقَ لِقَلَقِ الْقَلْبِ وَطَلَبِهِ لِمُسْتَقَرِّهِ .


قول الشوكاني : وَقَدْ أَجَابَ مَنْ لَمْ يَرَ مَشْرُوعِيَّةَ الِاضْطِجَاعِ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بِأَجْوِبَةٍ : -
(1) أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْأَعْمَشِ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ، قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : مَا رَأَيْتُهُ يَطْلُبُ حَدِيثًا بِالْبَصْرَةِ وَلَا بِالْكُوفَةِ قَطُّ ، وَكُنْتُ أَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أُذَاكِرُهُ بِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ لَا يَعْرِفُ مِنْهُ حَرْفًا ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ : سَمِعْتُ أَبَا دَاوُد يَقُولُ : عَمَدَ عَبْدُ الْوَاحِدِ إلَى أَحَادِيثَ كَانَ يُرْسِلُهَا الْأَعْمَشُ فَوَصَلَهَا ، يَقُول : " حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ فِي كَذَا وَكَذَا " انْتَهَى ، وَهَذَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ ، وَقَدْ رَوَاهُ الْأَعْمَشُ بِصِيغَةِ الْعَنْعَنَةِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ : سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ : لَيْسَ بِشَيْءٍ . وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ زِيَادٍ قَدْ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ ، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ مَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ السَّابِقَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ مَنْ رَوَى عَنْهُ التَّضْعِيفَ لَهُ وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ الْمُتَقَدِّمُ ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إنَّهُ ثِقَةٌ ، وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ مِنْ أَثْبَتِ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ ، فَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى نَاقِلِهِ بِعَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ وَكِلَاهُمَا بَصْرِيٌّ ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ وَلَا شَيْخُهُ الْأَعْمَشُ ، فَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ ، إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ فِعْلِهِ لَا مِنْ قَوْلِهِ .
الحديث ثابت فى الصحيحين ، وطعنهم فى عبد الواحد مردود لأنه - فيما يبدو - اشتبه عليهم بعبد الواحد بن زيد .
(2) وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي أَجَابَ بِهَا النَّافُونَ لِشَرْعِيَّةِ الِاضْطِجَاعِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ ، هَلْ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ؟ وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : إنَّ كَوْنَهُ مِنْ فِعْلِهِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ وُرُودَهُ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَكُونُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَانِ : حَدِيثُ الْأَمْرِ بِهِ ، وَحَدِيثُ ثُبُوتِهِ مِنْ فِعْلِهِ ، عَلَى أَنَّ الْكُلَّ يُفِيدُ ثُبُوتَ أَصْلِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَرُدُّ نَفْيَ النَّافِينَ .
الصواب أنه ورد من أمره وحتى إن ورد من فعله فالفعل يدل على المشروعية .
(3) وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمَّا سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَرْوِي حَدِيثَ الْأَمْرِ بِهِ قَالَ : أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ .وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ :هَلْ تُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ ؟ فَقَالَ : لَا ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : فَمَا ذَنْبِي إنْ كُنْتُ حَفِظْتُ وَنَسُوا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَهُ بِالْحِفْظِ .
(4) وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ لَيْسَ فِيهَا الْأَمْرُ بِذَلِكَ إنَّمَا فِيهَا فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالِاضْطِجَاعُ مِنْ فِعْلِهِ الْمُجَرَّدِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ .
لو ثبت من فعله فقط لقلنا أن هذا يدل على الإباحة لأن من الأفعال التى لا يظهر فيها التعبد فلا يتأسى به فيها فأفعاله على ثلاثة أقسام :
1 - أفعال جبلية تؤخذ منها الإباحة وليس مطالبين بالتأسى به فيها .
2 - أفعال فيها معنى التقرب فنتأسى به فيها ويؤخذ منها الإستحباب .
3 - إلا أن تكون بياناً لمجمل واجب فتفيد الوجوب كالصلاة والحج .
فلو لم يأمر صلى الله عليه وسلم بهذا وكان ثبت من فعله فقط لقلنا قد يدخله احتمالات ؛ أنه كان متعب فكان هذا للراحة كما قال القاضى .
وَالْجَوَابُ : مَنْعُ كَوْنِ فِعْلِهِ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى الْإِبَاحَةِ ، وَالسَّنَدُ أَنَّ قَوْلَهُ : { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } وَقَوْلُهُ : { فَاتَّبِعُونِي } يَتَنَاوَلُ الْأَفْعَالَ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْأَقْوَالَ .
لا يتناول الأفعال الجبلية وإلا لكان فعل ابن عمر أنه بال فى موضع بال فيه النبى صلى الله عليه وسلم هو الصواب ، والشوكانى لا يقول بهذا .
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَكَابِرُهُمْ إلَى أَنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ وَهَذَا عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ إلَّا مُجَرَّدُ الْفِعْلِ ، وَقَدْ عَرَفْتَ ثُبُوتَ الْقَوْلِ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ .
(5) وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ أَحَادِيثَ عَائِشَةَ فِي بَعْضِهَا الِاضْطِجَاعُ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى أَنَّ رِوَايَةَ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهُمَا مَرْجُوحَةٌ فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ فَكَذَا بَعْدَهُمَا ، وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَرْجَحِيَّةَ رِوَايَةِ الِاضْطِجَاعِ بَعْد صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى رِوَايَةِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهَا ، بَلْ رِوَايَةُ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَهُمَا أَرْجَحُ ، وَالْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، وَرَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَتِيمُ عُرْوَةَ وَالزُّهْرِيُّ ، فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إثْبَاتُ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَهِيَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ مَالِكٌ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ : إنَّهُ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ...الْحَدِيثَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اتَّفَقَ عَلَيْهَا الشَّيْخَانِ ، فَرَوَاهَا الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَة مَعْمَرٍ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ .قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَقِبَ ذِكْرِهِمَا : وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ قَالَ : وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا مَحْفُوظَيْنِ ، فَنَقَلَ مَالِكٌ أَحَدَهُمَا وَنَقَلَ الْبَاقُونَ الْآخَرَ ، قَالَ : وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : وَقَدْ يُحْتَمَلُ مِثْلُ مَا اُحْتُمِلَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ .وَقَالَ النَّوَوِيُّ : إنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُخَالِفَانِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا أَنْ لَا يَضْطَجِعَ بَعْدَهُمَا وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَهُمَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا هُوَ نَوْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ .
الذى ينبغى أن يُقال فى هذا الموضوع أن حديث أبى هريرة فيه أمر بالإضطجاع وهو معروف بحديث عائشة أنه كان إذا صلى ركعتى الفجر فإن كنت مستيقظة حدثهـا وإلا اضطجع .
وَفِي تَحْدِيثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ بَعْد رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ بَعْدَهَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ ، وَرَوَى ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ ، وَمِمَّنْ كَرِهَهُ مِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ، وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ : كَانُوا يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ .وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ : إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلْيَسْكُتُوا وَإِنْ كَانُوا رُكْبَانًا وَإِنْ لَمْ يَرْكَعُوهُمَا فَلْيَسْكُتُوا ، إذَا عَرَفْتَ الْكَلَامَ فِي الِاضْطِجَاعِ تَبَيَّنَ لَكَ مَشْرُوعِيَّتُهُ ، وَعَلِمْتَ بِمَا أَسْلَفْنَا لَكَ مِنْ أَنَّ تَرْكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَارِضُ الْأَمْرَ لِلْأُمَّةِ الْخَاصِّ بِهِمْ وَلَاحَ لَكَ قُوَّةُ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ .
هذا بناءً على قاعدة الشوكانى الخاصة به : أن النبى صلى الله عليه وسلم إذا أمر الأمة بأمر ثم فعل ما يُخالف ذلك الأمر دلّ على الخصوصية للنبى صلى الله عليه وسلم ، وم يرَ عامةُ أهل العلم هذا الرأي بإعتبار أن النبى صلى الله عليه وسلم قد يأمر بأمر ثم يخالف ذلك الأمر ويحض الصحابة على اتباعه ، وهذا كقوله تعالى " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ "، ومع ذلك لما سألوه عن القُبلة للصائم وكذلك المباشرة ذكر أنه يفعل ذلك ، ولما قيل يارسول الله إنه غفر لك ماتقدم من ذنبك وماتأخر ، فقال : "أما والله إنى لأتقاكم لله وأخشاكم له" . وقد ثبت عند مسلم من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال : "ما بال أقوام يتنزهون عن الشئ أفعله"، فهو أمر ، والأمر مصروف بحديث عائشة .
وَالتَّقْيِيدِ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ كَانَ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ يُشْعِرُ بِأَنَّ حُصُولَ الْمَشْرُوعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِذَلِكَ لَا بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ، وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَأَمَّا مَعَ التَّعَذُّرِ فَهَلْ يَحْصُلُ الْمَشْرُوعُ بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْأَيْسَرِ أَمْ لَا ؟ بَلْ يُشِيرُ إلَى الِاضْطِجَاعِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ ، جَزَمَ بِالثَّانِي ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ مُعَلَّقٌ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ ، فَإِذَا اضْطَجَعَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ غَلَبَهُ النَّوْمُ ، وَإِذَا اضْطَجَعَ عَلَى الْأَيْمَنِ قَلِقَ لِقَلَقِ الْقَلْبِ وَطَلَبِهِ لِمُسْتَقَرِّهِ .
هو يريد أن يقول إن الأمر ورد بالاضطجاع على الشق الأيمن ، فإن لم يستطع أن يضطجع على الشق الأيمن اضطجع على الأيسر ؟ هو مذهب الجمهور ، لكن ابن حزم تمسك بظاهر الحديث أنه مأمور بالاضطجاع على الشق الأيمن فإن تعذر سقط الإضطجاع . وهذا هو الأقرب للأدلة لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع " ، قال " على شقه الأيمن " ، ومثل هذا إن لم يتمكن الرجل من أن يرمل فى الثلاثة أشواط الأولى فلا يرمل بعد ذلك وإن تمكن لأنه له محل وقد فات .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ [صحيح الجامع 6542]، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَاهُمَا مَعَ الْفَرِيضَةِ لَمَّا نَامَ عَنْ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ .. الْحَدِيثُ . قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِهِ لَهُ : حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ . وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَوْقَاتِ .
حديث أبى هريرة محمول على أنه قد فاته كلُّ وقت الفجر ، وإلا فإن من لم يصلِ ركعتى الفجر قبل الصبح ثم صلى الصبح ولم يزل متسع من الوقت لوم تطلع الشمس بعدُ ، فإنه يجوز له أن يصلي ركعتي الفجر فى هذا الوقت ؛ لما سيأتى من حديث قيس بن فهد أنه صلى ركعتى الفجر بعد الفريضة ولما سأله النبى قال صلى الله عليه وسلم قال له : إنى لم أكن ركعت ركعتى الفجر ، فسكت النبى صلى الله عليه وسلم ، فكان سكوتُه إقرارَا، فحديث أبى هريرة محمول على أنه صلى الفريضة فى آخر وقتها ثم طلعت الشمس ، ففى هذه الحالة يصلى ركعتى الفجر بعدما تطلع الشمس .

وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَرْكَعْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ ، فَلَا يَفْعَلْ بَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَيَخْرُجَ الْوَقْتُ الْمَنْهِيُّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ، وَحَكَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُمْ ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا يُفْعَلَانِ بَعْدَ الصُّبْحِ ، وَيَكُونَانِ أَدَاءً .
هذا هو المشهور من مذهب الشافي ، فالذين يمنعون من الصلاة فى ذلك الوقت يمنعون منها على اعتبار أنه وقت كراهه ولا يستثنون من ذلك إلا صلاة الفريضة ؛ لأن هناك حديثين فى صحيح مسلم من حديث عمرو بن عبسة ومن حديث عقبة بن عامر ، فأما حديث عقبة فقال ( ثلاث ساعات نهانا رسول الله أن نصلى فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع - وهذا الجزء فيه رد على من يقولون أن هناك صلاة تسمى صلاة الشروق ؛ فإن الصلاة التى تصلى بعد الشروق هى صلاة الضحى لأنه إذا طلعت الشمس بازغة وارتفعت دخل وقت الضحى - ، وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضَّـيَّـف للغروب حتى تغرب ) .
وحين يقوم قائم الظهيرة : وقت الزوال وهو قبل الظهر بعشر دقائق .
وأما حديث عمرو بن عبسـة فهو أوضح وفيه أن رسول الله أخبرنى عن الصلاة ، قال " صَلِّ صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ - زاد أبو داوورد : قيد رمحٍ - فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ " .
يعني يزول ظل الرمح المغروز في المكان الذي تتعامد على الأرض ، أما حيث تكون الشمس مائلة فيكون ظل الرمح ناحية المغرب، فنحن نعلم أن الشمس تطلع من المشرق ويكون ظل الرمح جهة المغرب ، وكلما تتحرك الشمس إلى وسط السماء تقاصر الظل حتى يصل إلى حده الأدنى الذى لا يتقاصر ، ولكن لا ينعدم إلا فى الأماكن التى تكون فيها الشمس متعامدة على الأرض .
" ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَىْءُ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّىَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ " .
جمهور العلماء أحمد ومالك وأبو حنيفة منعوا من الصلاة فى هذه الأوقات مطلقاً أما الشافعى أجاز الصلاة ذات السبب ، كما هو الحال فى موضوعنا . لذلك قال العراقى : والصحيح من مذهب الشافعى أنهما يفعلان ويكونان أداء .
وَالْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَهُمَا قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَا يَفْعَلُهُمَا إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْأَمْرُ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّهِمَا مُطْلَقًا أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا إذَا تُرِكَا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فُعِلَا فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِهِمَا بَعْد صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ فَإِنَّهَا بِلَفْظِ : { مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّهِمَا } [ يعني بعدما تطلع ] وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ أَيْضًا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو أَوْ ابْنِ فَهْدٍ أَوْ ابْنِ سَهْلٍ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ قَالَ : { خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الصُّبْحَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَنِي أُصَلِّي ، فَقَالَ : مَهْلًا يَا قَيْسُ أَصَلَاتَانِ مَعًا ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي لَمْ أَكُنْ رَكَعْتُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، قَالَ : فَلَا إذَنْ } [ صحيح في كتاب إصلاح المساجد للألباني صـ77 ] ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد قَالَ : { رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ ، فَقَالَ : صَلَاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : إنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ ، فَسَكَتَ } [صحيح بطرقه ، المشكاة 1044] قَالَ التِّرْمِذِيُّ : إنَّمَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلًا ، وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَيْسِ بْنَ عَمْرٍو وَمُحَمَّدُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ قَيْسٍ ، وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ : إنَّهُ مُرْسَلٌ وَمُنْقَطِعٌ لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، فَقَدْ جَاءَ مُتَّصِلًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَيْسٍ ، رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ وَطَرِيقِ غَيْرِهِ ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَيْسٍ الْمَذْكُورِ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ ، فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ الِانْقِطَاعِ ، وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ الْقَائِلُ بِذَلِكَ .
وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مُتَّصِلَةٍ ، فَقَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَتُّوَيْهِ الْأَصْبَهَانِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنُ بُرْدٍ الْأَنْصَارِيُّ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْد عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَهْلٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ { دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَامَ فَرَكَعَ } وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ [ فالحسن متابع لابن جريج ؛ لأن ابن جريج مدلس ، فقد يُطعن في الإسناد السابق بأن ابن جريج عنعن عن عطاء ، فهذا متابع لابن جريج ] عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ : { رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ الْغَدَاةِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا } قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ . وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّجُلَ هُوَ قَيْسٌ الْمُتَقَدِّمُ .
وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ حَدِيثُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ : { أَتَيْتُ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ ، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ الْتَفَتَ إلَيَّ وَأَنَا أُصَلِّي ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إلَيَّ وَأَنَا أُصَلِّي ، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ : أَلَمْ تُصَلِّ مَعَنَا ؟ قُلْت : نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا هَذِهِ الصَّلَاةُ ؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! رَكْعَتَا الْفَجْرِ ؛ خَرَجْت مِنْ مَنْزِلِي وَلَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُهُمَا ، قَالَ : فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ } وَفِي إسْنَادِهِ الْجَرَّاحُ بْنُ مِنْهَالٍ ، وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَنَسَبَهُ ابْنُ حِبَّانَ إلَى الْكَذِبِ .

وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ قَضَاءِ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ فَاتَتْ لِعُذْرٍ ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ .


لأن معنا حديثان ، وحديث أمر بصلاة ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس ، ورأى قيس بن فهد يصليهما بعد صلاة الفجر فأقر ذلك صلى الله عليه وسلم .


وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : اسْتِحْبَابُ قَضَائِهَا مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ كَانَ الْفَوْتُ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ الْأَمْرَ ، بِالْقَضَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْعُذْرِ .وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّه بْنُ عُمَرَ .وَمِنْ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمِنْ الْأَئِمَّةِ ابْنُ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْمُزَنِيِّ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : إنَّهَا لَا تُقْضَى ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ ، ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ قَضَاءُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ كَالْعِيدِ وَالضُّحَى فَيُقْضَى ، وَبَيْنَ مَا هُوَ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ كَرَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ فَلَا يُقْضَى ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ عَنْ الشَّافِعِيِّ .

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : إنْ شَاءَ قَضَاهَا ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْضِهَا عَلَى التَّخْيِيرِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَمَالِكٍ ،

وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ[ وهو المعتمد ] : التَّفْرِقَةُ بَيْنَ التَّرْكِ لِعُذْرِ نَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَيُقْضَى ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يُقْضَى ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ ، وَاسْتَدَلَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ : " مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاتِهِ " الْحَدِيثَ .
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ : أَنَّ قَضَاءَ التَّارِكِ لَهَا تَعَمُّدًا مِنْ بَابِ الْأَوْلَى ، وَقَدْ قَدَّمَنَا الْجَوَابَ عَنْ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةِ .
الخلاف فى الفريضة (هل تقضى لمن تركها عمداً)، ونفس الخلاف ينسحب هنا على النافلة ، فالجمهور قالوا تقضى سواء تركت بعذر أم بغير عذر واحتجوا بحديث ( من نام عن عن الصلاة أو غفل عنها ، فليصلها إذا ذكرها) مع تطبيق قاعدة الأولى ؛ لأنه إذا كان فى حال النوم والنسيان - وهو حالة عدم المؤاخذة ، ومع ذلك - يؤمر بالقضاء ، فلإنْ يؤمر بها فى حالة العمد من باب أولى وأحرى . وأجاب المانعون بأنا م نقطعها عنه على سبيل الرخصة بل هى عقوبة .
السنن الراتبة المقيدة بأوقات إن نام عنها أو نسيها يصليها إذا ذكرها .
مر بنا فى قضاء سنة الفجر حديثان :
الأول حديث أبى هريرة الذي أخرجه الترمذي وغيره ، وراه الثكم وصححه على شرط الشيخين .
والثاني حديث قيس بن فهد عند أبي داوود الترمذى .



باب ماجاء فى قضاء سنتى الظهر


عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا لَمْ يُصَلِّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ ، صَلَّاهُنَّ بَعْدَهَا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ[حسنه الألبانى فى تمام المنة صـ241].
وأيضاً هناك حديث أم سلمة أنه قضى سنة الظهر بعد العصر . إذاً قضاها بعد فواتها داخل الوقت وقضاها بعد خروج الوقت .
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ } . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
[ضعيف تمام المنة 241 ، وهذه الزيادة : بعد الركعتين بعد الظهر ، منكرة ] .
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ رِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إلَّا عَبْدَ الْوَارِثِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيَّ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ ، وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ : إنَّهُ غَرِيبٌ ، إنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .قَالَ : وَقَدْ رَوَاهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ نَحْوَ هَذَا ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ غَيْرُ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ .
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَيَزِيدَ بْنِ أَحْزَمَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَعْمَرٍ ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مُوسَى بْنِ دَاوُد الْكُوفِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إلَّا قَيْسَ بْنَ الرَّبِيعِ فَفِيهِ مَقَالٌ [ لذا الزيادة منكرة ، وضد المنكر : المعروف المحفوظ ] ، وَقَدْ وُثِّقَ ، وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مُرْسَلًا عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَاتَتْهُ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهَا بَعْدَهَا }.
وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَنِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرَائِضِ ، وَعَلَى امْتِدَادِ وَقْتِهَا إلَى آخِرِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَوْقَاتُهَا تَخْرُجُ بِفِعْلِ الْفَرَائِضِ ؛ لَكَانَ فِعْلُهَا بَعْدَهَا قَضَاءً ، وَكَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى فِعْلِ سُنَّةِ الظُّهْرِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهَا تُفْعَلُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ .ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ قَالَ : وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ . وَقَالَ : وَقَدْ يُعْكَسُ هَذَا فَيُقَالُ : لَوْ كَانَ وَقْتُ الْأَدَاءِ بَاقِيًا لَقُدِّمَتْ عَلَى رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ ، وَذَكَرَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى.
مع ثبوت أن الزيادة من قوله بعد الركعتين بعد الظهر منكرة فيكون مخيّرا بين أن يفعلها قبل الركعتين بعد الظهر أو بعدهما بدون أولوية .

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : { سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُمَا تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا .أَمَّا حِينَ صَلَّاهُمَا ، فَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ ، ثُمَّ دَخَلَ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَصَلَّاهُمَا ، فَأَرْسَلْتُ إلَيْهِ الْجَارِيَةَ ، فَقُلْتُ : قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ : تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا [فيه جواز أن يُكَلَّم المصلي للمصلحة] ، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي [فيه جواز ذلك في الصلاة] فَفَعَلَتْ الْجَارِيَةُ ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ ، قَالَ : يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَإِنَّهُ أَتَانِي أُنَاسٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْقِيسِ ، فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ } . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ : مَا رَأَيْتُهُ صَلَّاهُمَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا
قَوْلُهُ : ( أَمَّا حِينَ صَلَّاهُمَا فَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ ) هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ " ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ " .
قَوْلُهُ : ( مِنْ بَنِي حَرَامٍ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ [ الحاء والراء ] .
قَوْلُهُ : ( فَصَلَّاهُمَا ) يَعْنِي بَعْدَ الدُّخُولِ ، قَوْلُهُ : ( فَأَشَارَ بِيَدِهِ ) فِيهِ جَوَازُ الْإِشَارَةِ بِالْيَدِ فِي الصَّلَاةِ لِمَنْ كَلَّمَ الْمُصَلِّي فِي حَاجَةٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ[لا كما قال أبو حنيفة من أشار إشارة تفهم عنه بطلت صلاته لأنه عدّ ذلك كلاماً ].
مسألة العمل فى الصلاة :
أبو حنيفة منع من العمل فى الصلاة قليلاً كان أو كثيراً . والجمهور أجاز العمل القليل وأبطل بالكثير الصلاة ، وجعل الضابط فى التفريق بين القليل والكثير ثلاث حركات : فإن زاد عن ثلاث حركات فهذا كثير تبطل به الصلاة . وابن قدامة ردّ هذا المذهب وقال إنه تقدير والتقدير بابه التوقيف وإلا كان تحكماً ، والتحكم فى الشريعة باطل ، فما الفرق بين ثلاث حركات وأربع حركات مثلاً ؟! فالتقدير بدون نص أو إجماع فى مسألة شرعية تحكمٌ، والتحكم باطل .
قال ابن قدامة الفرق بين القليل والكثير هو العُرف ، وهذا أيضا فيه نظر ؛ فكيف تكون أربع حركات فى مصر مُبطلة للصلاة وليست مُبطلة فى السعودية مثلا -باعتبار أن أهل السعودية لهم حركة كثيرة في الصلاة - ؟! فهذا لا يصلح ، ولم يردنا الشرع إلى هذا ، لكن نحن عندنا فى صحيح مسلم عن جابر بن سمرة أن النبيصلى الله عليه وسلم قال : "مَا لِى أَرَاكُمْ رَافِعِى أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ ! اسْكُنُوا فِى الصَّلاَةِ " .
الفيصل كما قال ابن حزم إنْ كان العمل لمصلحة جاز قليله وكثيره ،وإن كان لغير مصلحة فهو عبث لا يجوز قليله ولا كثيره . والذين قالوا ثلاث حركات محجوجون بحديثين :
- حديث أبى قتادة عند البخارى فى قصة حمل أُمامة وهى حركات كثيرة .
- وحديث سهل بن سعد فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم قام يصلى على المنبر فلما أراد أن يسجد رجع القهقرى ونزل وسجد على الأرض ثم صعد المنبر فصلى الركعة الثانية ، فعل فيها كما فعل في الأولى .

قَوْلُهُ : ( يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ ) هُوَ وَالِدُ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَاسْمُهُ حُذَيْفَةُ ، وَقِيلَ : سُهَيْلُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ.
قَوْلُهُ : ( عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ ) يَعْنِي اللَّتَيْنِ صَلَّيْتَهُمَا الْآنَ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنَّهُ أَتَانِي أُنَاسٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْقَيْسِ ) زَادَ فِي الْمَغَازِي " بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَسَأَلُونِي " وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّحَاوِيِّ " فَنَسِيتُهُمَا ثُمَّ ذَكَرْتُهُمَا فَكَرِهْتُ أَنْ أُصَلِّيَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ يَرَوْنَ ، فَصَلَّيْتُهُمَا عِنْدَكِ " وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ " فَجَاءَنِي مَالٌ فَشَغَلَنِي وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ " قَدِمَ عَلَيَّ وَفْدٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، أَوْ جَاءَتْنِي صَدَقَةٌ " .
قَوْلُهُ : ( فَهُمَا هَاتَانِ ) زَادَ الطَّحَاوِيُّ فَقُلْتُ : أُمِرْتَ بِهِمَا ؟ فَقَالَ : " لَا وَلَكِنْ كُنْتُ أُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ ، فَشُغِلْتُ عَنْهُمَا فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ " .
حديث أم سلمة فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين اللتين بعد الظهر صلاهما بعد العصر ، فالعلماء قالوا إن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأنه نهى عن الصلاة بعد صلاة العصر ثم صلى هو بعد العصر كما نهى عن الوصال وواصل . ولكن نقول أن المداومة على الركعتين بعد العصر هى التى من خصائصه لأنه ثبت عن عائشة أنه أثبتهما وأما مُطلق قضاء السنة الراتبة بعد العصر فليست من خصائصه لأننا قلنا إن هذه الأوقات تُكره فيها الصلاة التى ليست لها سبب أما التى لها سبب فلا تُكره .
فنحن نقضى ما فاتنا من سنن راتبة بعد العصر كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم أما المداومة فلا ؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم أقر أم سلمة على النهى فلما أثبتهما دلّ على أنهما من خصائصه . وقد قال ابن عمر -وهو من أشد الناس متابعة للنبى صلى الله عليه وسلم-: حفظت عن رسول الله ركعتين ...إلى آخر الحديث ، وكذلك حديث عائشة لما سُئلت عن صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : ركعتين ، ولم يذكرا ركعتين بعد العصر ،فهذا يشير إلى أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

قَوْلُهُ : ( مَا رَأَيْتُهُ صَلَّاهُمَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا ) لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ " لَمْ أَرَهُ صَلَّاهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ " وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إنَّمَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ، لِأَنَّهُ أَتَاهُ مَالٌ فَشَغَلَهُ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ[ فرواية ابن عباس موافقة لوراية أم سلمة ] ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَنْفِي الْوُقُوع فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ فَشُغِلَ عَنْهُمَا ، أَوْ نَسِيَهُمَا فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَثْبَتَهَا أَيْ دَاوَمَ عَلَيْهَا .
قول عائشة : كان يصليهما قبل العصر ، فيه احتمالين :
· الأول : أنه كان يصليهما قبل العصر أى بعد دخول وقت العصر وقبل فريضة العصر ، وهذا إحتمال ضعيف .
· والثانى : وهو الأقوى أنه كان يصليهما قبل العصر أى قبل دخول وقت العصر فتكون هى سنة الظهر البعدية حتى تلتئم الروايات كلها .
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : { مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ } وَفِيهِ عَنْهَا { رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً ، رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ } وَفِيهِ [ أي : صحيح البخاري ] أَيْضًا عَنْهَا { مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ } .
فعائشة هى التى روت أنه صلى الله عليه وسلم لم يدع الركعتين بعد العصر سراً ولا علانية ، وقالت أيضاً : ما كان يأتينى فى يوم بعد العصر إلا وصلى ركعتين ، ولما سئلت عن السنن الراتبة لم تذكر ركعتين بعد العصر ، وكذلك ابن عمر ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنهما من السنن الراتبة ، دل ذلك على أنهما خصوصية للنبى صلى الله عليه وسلم .
وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ رِوَايَةِ النَّفْيِ ، وَرِوَايَاتِ الْإِثْبَاتِ بِحَمْلِ النَّفْيِ عَلَى الْمَسْجِدِ : أَيْ لَمْ يَفْعَلْهُمَا فِي الْمَسْجِدِ .
وهذا ينافي حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في البيت ما رأيته صلاهما قبلها ولا بعدها ؛ فلا يصح حمل النفي على المسجد .
وَالْإِثْبَاتِ عَلَى الْبَيْتِ.
نقول المثبت مقدَّم على النافي ، وكلٌحكى ما رأى ، ونقول بعد ذلك هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم . وهذا كقول عائشة : ( من حدثكم أن رسول الله يبول قائماً فلا تصدقوه ، ما كان يبول إلا جالساً )، وحذيفة روى أن النبى صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً .
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ الْبَابِ :
- مَنْ قَالَ بِجَوَازِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ
- وَمَنْ أَجَازَ التَّنَفُّلَ بَعْدَ الْعَصْرِ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَقْصِدْ الصَّلَاةَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ [ لحديث علي : الصلاة بعد العصر ما لم تصفر الشمس ].
وَأَجَابَ مَنْ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : { كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ ، وَيَنْهَى عَنْهُمَا ، وَيُوَاصِلُ وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَالِ } [ضعيف الجامع4564]. وَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَقْضِيهِمَا إذَا فَاتَا ؟ فَقَالَ : لَا " [منكرة : السلسلة الضعيفة 946] قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ وَقَدْ احْتَجَّ بِهَا الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : الَّذِي اُخْتُصَّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ لَا أَصْلُ الْقَضَاءِ[ هذا هو الكلام المعتمد ] وَعَلَى تَسْلِيمِ عَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالْقَضَاءِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْمُدَاوَمَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ ، فَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ إلَّا جَوَازُ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ ، لَا جَوَازُ التَّنَفُّلِ مُطْلَقًا ، وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مَذَاهِبُ يَأْتِي ذِكْرُهَا ، وَبَيانُ الرَّاجِحِ مِنْهَا فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيها .
وَلِلْحَدِيثِ فَوَائِدُ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهَا ، وَقَدْ أَشَارَ فِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْجَنَائِزِ إلَى بَعْضٍ مِنْهَا .
قلنا عند باب (الأوقات المنهى عن الصلاة فيها) أن أحاديث النهى عن الصلاة فى أوقات الكراهة بينها وبين الأحاديث الأخرى كحديث أبى قتادة فى تحية المسجد وهو ورد عند البخارى بلفظين ، نهى عن الجلوس : حتى يصلى ركعتين ، وورد بصيغة الأمر: فليركع ركعتين قبل أن يجلس ، وكذلك حديث بلال أنه ما تطهر فى أى ساعة من ليل أو نهار إلا صلى بذلك الطهور بينهما تعارض عمومين فننظر أى العمومين دخله تخصيص ويغلب عليه العموم الآخر ، فعندنا أحاديث النهى عن الصلاة فى الأوقات المكروهة دخلها التخصيص :
1 - حديث قيس بن فهد فى الركعتين بعد الصبح فهو عين ما نهى عنه فى حديث عمرو بن عبسه قال صل الصبح فإن الصلاة مشهودة محضورة ثم أقصر حتى تطلع الشمس ثم ترتفع ، ثم أقر قيس بن فهد على الصلاة فى ذلك الوقت .
2 - حديث يزيد بن الأسود فى حجة النبى قال شهدت مع النبىصلى الله عليه وسلم حجته وصليت معه الصبح فى مسجد الخيف ، فلما قضى صلاته وأنحرف فإذا هو برجلين فى آخر القوم لم يصليا ، فقال : علىّ بهما ، فجئ بهما ترعد فرائصهما ، فقال : ما منعكما أن تصليا معنا ؟ فقالا : إنا كنا قد صلينا فى رحالنا ، قال : فلا تفعلا إذا صليتما فى رحالكما ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة ) محل الشاهد أنه أمرهما أن يصليا بعد صلاة الصبح وهو الوقت المنهى عن الصلاة فيه .
3 - ومنها حديث أم سلمة الذى بين أيدينا .
4 - ومنها حديث يابنى عبد المطلب لا تمنعوا أحد طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار - وإن كانوا ضعفوه - .
هذا ما ورد فى الصلاة فى أوقات الكراهة والذى ذهب إليه الشافعى أن النهى عن الصلاة التى لا سبب لها .




باب ما جاء فى قضاء سنة العصـر


عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ { أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَقَالَتْ : كَانَ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْعَصْرِ ، ثُمَّ إنَّهُ شُغِلَ عَنْهُمَا ، أَوْ نَسِيَهُمَا ، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ، ثُمَّ أَثْبَتَهُمَا ، وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا } . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
قلنا : قبل العصر يحتمل ..
- أنه قبل دخول وقت العصر
- واحتمال أنه بعد دخول وقت العصر وقبل صلاة الفريضة .
والظاهر الأول ، وهذا الحديث لا دلالة فيه على قضاء سنة العصر ، بل الراجح أنها سنة الظهر وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يصلى قبل العصر أربعا كما فى حديث على عند أبى داود ، وأحيانًا لا يصلي قبل العصر شيئًا .
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : { شُغِلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ ، فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ . } رَوَاهُ النَّسَائِيّ[صحيح الإرواء 2/188]
وحديث أم سلمة كأنه يشير إلى الاحتمال الأول وهو الذى سيرجحه الشوكانى .
وَعَنْ مَيْمُونَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُجَهِّزُ بَعْثًا ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ظَهْرٌ ، فَجَاءَهُ ظَهْرٌ مِنْ الصَّدَقَةِ ، فَجَعَلَ يُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ ، فَحَبَسُوهُ حَتَّى أَرْهَقَ الْعَصْرُ ، وَكَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى مَا كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا ، وَكَانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَوْ فَعَلَ شَيْئًا يُحِبُّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهِ } .رَوَاهُ أَحْمَدُ[قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : ضعيف ، مسند أحمد 26839 ، 44/818]
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ لَهُ طُرُقٌ وَأَلْفَاظٌ ، هَذَا الَّذِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَحَدَهَا .وَالْحَدِيثُ الثَّانِي رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ قَوْلُهُ : عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْل الْعَصْر ، بَلْ فِيهِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ شُغِلَ عَنْهُمَا هُمَا الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ.
.وَالْحَدِيثُ الثَّالِثُ فِي إسْنَادِهِ حَنْظَلَةُ السَّدُوسِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ ، وَأَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ .
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَضَاءِ رَكْعَتَيْ الْعَصْرِ بَعْدَ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ ، فَيَكُونُ قَضَاؤُهُمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ . وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا . وَأَمَّا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ فَمُخْتَصَّةٌ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ.
الشوكانى مذهبه أننا نُهينا عن الصلاة فى هذه الأوقات ، ثم ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر إذاً نقتصر على هذا ، فهو ظاهري جدًا في هذه المسألة ، وكذلك حديث يزيد بن الأسود فى الصلاة بعد الصبح وحديث قيس بن فهد فهو لا يثبت كلام الشافعى أن الصلاة التى نهينا عنها فى هذه الأوقات هى الصلاة التى لا سبب لها ، فهو يقول : لا ، بل كل صلاة إلا ما ورد فيها دليل .
وَاعْلَمْ أَنَّهَا قَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي النَّافِلَةِ الْمَقْضِيَّةِ بَعْدَ الْعَصْرِ هَلْ هِيَ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ الْمُتَعَلِّقَتَانِ بِهِ ، أَوْ هِيَ سُنَّةُ الْعَصْرِ الْمَفْعُولَةُ قَبْلَهُ ؟ فَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُمَا رَكْعَتَا الظُّهْرِ ، وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُمَا رَكْعَتَا الْعَصْرِ .وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُ مَنْ قَالَ بَعْدَ الظُّهْرِ ، وَمَنْ قَالَ قَبْلَ الْعَصْرِ : الْوَقْتُ الَّذِي بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْجَمِيعِ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْمَفْعُولَةَ بَعْدَهُ ، أَوْ سُنَّةَ الْعَصْرِ الْمَفْعُولَةَ قَبْلَهُ .وَأَمَّا الْجَمْعُ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ تَارَةً عَنْ أَحَدِهِمَا وَتَارَةً عَنْ الْأُخْرَى فَبَعِيدٌ ، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهُ دَاوَمَ عَلَيْهِمَا ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، وَلَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ .
إن قلنا : شُغل عن الركعتين بعد الظهر فقضاهما بعد العصر ، وشُغل عن ركعتين قبل العصر فقضاهما ، يلزم ذلك أنه كان يصلى أربع ركعات بعد العصر لأنه أثبتهما وداوم عليهما وهذا لم يُنقل إلينا .




باب أن الوَتر سنة مؤكدة



وأنه جائز على الراحلة


قوله أنه سنة مؤكدة لأن النبى صلى الله عليه وسلم داوم عليها فى السفر والحضر ، وأوتر على الراحلة ، وحض الناس على صلاة الوتر وأمر به ، فحمل أبو حنيفة الأمر على الوجوب ، لكن الجمهور حمل الأمر على الاستحباب لدليلين :
(1) أنه ثبت أنه صلى الوتر على الراحلة وكان إذا أراد أن يصلى الفريضة نزل فصلى الفريضة ، فكونه صلى الوتر على الراحلة فهذا يدل على أنه ليس بواجب .
(2) أما الدليل الثانى فهو ثلاثة أحاديث منها :
1 - حديث طلحة بن عبيد الله وفيه أن الأعرابى سأل النبى ماذا فرض الله علىَّ من الصلوات ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : "خمس صلوات فى كل يوم وليلة"قال : هل علي غيرها ؟ قال : " لا ، إلا أن تطوع " . وهذا يرد مذهب الشوكانى حيث قال إن الذى ليس عليه جمعة يصلى أربع صلوات فقط ولا يصلى ظهراً مكانها فيكون بذلك على المرأة التى لا تصلى جمعة أربع صلوات فقط لأن الجمعة ليست واجبة عليها ، وكذلك المسافر . ويرده أيضاً أن النبى لما سافر فى حجة الوداع صلى الظهر بدل الجمعة وقد قال ابن حزم أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى جمعة ، ولكن هذا يخالف ظاهر حديث جابر فى حجة الوداع لأن جابر قال : أمر رسول الله بلال فأذن ثم أمره فأقام فصلى الظهر ، فهذا يرد مذهب ابن حزم أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى جمعة ، بالإضافة إلى أن فى صلاة الجمعة الأذانُ يكون قبل الخطبة ، لكن فى حجة الوداع النبى صلى الله عليه وسلم خطب ثم أمر بلال فأذن ، فهو صلى الظهر لا الجمعة .
2 - الحديث الثانى الذى استدل به الجمهور هو حديث أنس فى صحيح البخارى فى قصة المعراج أن الله عز وجل قال "هن خمس ، وهن خمسون ، لا يُبدل القول لدىّ" .
3 - وكذلك حديث ابن عباس فى الصحيحين فى قصة بعثه معاذ إلى اليمن فقال له : "فإن هُم أطاعوكَ فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات فى اليوم والليلة" ، وقد أجاب أبو حنيفة عن الحديثين الآخيرين بأنه لا يقول بأن الوتر فرض بل هو واجب ، والواجب عند أبى حنيفة غير الفرض ، فلذلك كان حديث طلحة بن عبيد الله فيه الجواب الشافى ؛ لأن الرجل قال هل علىّ غيرها ؟ قال "لا ، إلا أن تطوع" .هذا محصل مافى صلاة الوتر .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا } رَوَاهُ أَحْمَدُ .[ضعيف الإرواء 417] .
وهذا النص قوى الدلالةلولا أنه ضعيف .
وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَهَيْئَةِ الْمَكْتُوبَةِ ، وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ[صحيح الترغيب والترهيب 590].
وَلَفْظُ ابن ماجه : إنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِحَتْمٍ ، وَلَا كَصَلَاتِكُمْ الْمَكْتُوبَةِ ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ فَقَالَ : "يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"[صحيح الجامع 7860].
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ عَلَى بَعِيرِهِ .} رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْوِتْرُ حَقٌّ ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ } .رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ .[صحيح الجامع 7147 ، بزيادة فمن غلب فليومئ إيماء وهو مخصص لحديث ليصلى أحدكم نشاطه ]
وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد : { الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ } . وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ فِيهِ : { الْوِتْرُ حَقٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ }.
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَفِي إسْنَادِهِ الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ فِيهِ أَبُو زُرْعَةَ : شَيْخٌ صَالِحٌ ، وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالْبُخَارِيُّ .
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَلَهُ أَلْفَاظٌ . وَصَحَّحَ أَبُو حَاتِمٍ وَالذُّهْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَلِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقْفَهُ .قَالَ الْحَافِظ : وَهُوَ الصَّوَابُ . [لكن الشيخ - لعله يقصد : الألباني - صححه مرفوعًا] .
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرُ حَدِيثِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بِلَفْظِ : { إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ } حسن [صحيح الجامع 183].
وَعَنْ ابْنِ عَمْرٍو عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدَ بِلَفْظِ { وَزَادَكُمْ صَلَاةً حَافِظُوا عَلَيْهَا وَهِيَ الْوِتْرُ } وَفِي إسْنَادِهِ ضَعِيفَانِ . وَعَنْ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ { الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا ، الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا }[ضعيف الجامع 6150] .
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَلَمْ يُكَرِّرْ لَفْظَهُ .وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَعَنْ أَبِي بَصْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ { إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ } [صحيح الترغيب 595]
وهو يدل على أن وقت صلاة الوتر من العشاء إلى الفجر .
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ " فَحَافِظُوا عَلَيْهَا " . [صحيح عن عبد الله بنعمرو،صحيح الجامع 1772].
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ { وَأَوْتِرُوا فَاَللَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ } .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ بِلَفْظِ { إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِصَلَاةٍ وَهِيَ الْوِتْرُ } .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظِ { إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ } وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ بِلَفْظِ : { الْوِتْرُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ } .وَفِي إسْنَادِهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ ، وَوَثَّقَهُ الثَّوْرِيُّ .
قال الهيثمى فى مجمع الزوائد2/243 : فيه النضر أبو عمر وهو ضعيف جدًا، ونلاحظ أن كل الألفاظ القوية فى الإيجاب ضعيفة .
وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي بَصْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ ، وَفِي إسْنَادِهِ أَحْمَدُ بْنُ مُصْعَبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَنِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي بَصْرَةَ. وَعَنْ مُعَاذٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي بَصْرَةَ أَيْضًا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الصَّغِيرِ بِلَفْظِ { الْوِتْرُ عَلَى أَهْلِ الْقُرْآنِ } .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسِ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِلَفْظِ : { ثَلَاثٌ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَهِيَ لَكُمْ تَطَوُّعٌ : النَّحْرُ ، وَالْوِتْرُ ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ } .
هذ الحديث ورد في ضعيف الجامع لكن بلفظ : الوتر وركعتا الضحى وركعتا الفجر . وقال الألباني : موضوع (2561) . وإن فرض صحته : فهو نص في أنه لنا تطوع .
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ شَاهِدًا عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِحَتْمٍ ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ : رَكْعَتَا الضُّحَى ، بَدَلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ .
وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أُمِرْتُ بِالْوِتْرِ وَالْأَضْحَى وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيَّ }[ضعيف جداً ضعيف الجامع 1260]
وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّه بْنُ مُحْرِزٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
قال المحقق : الحافظ في التقريب : متروك من التابعة ، مات في خلافة أبي جعفر .
وَعَنْ جَابِرِ عِنْدَ الْمَرْوَزِيِّ بِلَفْظِ " إنِّي كَرِهْتُ أَوْ خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ .
وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ { ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرِيضَةٌ ، وَهُنَّ لَكُمْ سُنَّةٌ : الْوِتْرُ ، وَالسِّوَاكُ ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ } .
قال الهيثمى فى المجمع 8/267 : فيه موسى بن عبد الرحمن الصنعانى وهو كذاب .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَقَوْلِهِ :" فَلَيْسَ مِنَّا "، وَقَوْلُهُ : " الْوِتْرُ حَقٌّ " وَقَوْلُهُ : " أَوْتِرُوا وَحَافِظُوا " .وَقَوْلُهُ : " الْوِتْرُ وَاجِبٌ " .وَفِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ بَقِيَّةُ أَحَادِيثِ الْبَابِ ، فَتَكُونُ صَارِفَةً لِمَا يُشْعِرُ بِالْوُجُوبِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ " الْوِتْرُ وَاجِبٌ " فَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ مُشْكِلًا لِمَا عَرَّفْنَاكَ فِي بَابِ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْوُجُوبِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ مَصْرُوفٌ إلَى غَيْرِهِ ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْعِرَةِ بِالْوُجُوبِ .
وقد أشرت إليه أيضاً فى مسألة مس العورة ناقض للوضوء أم لا ؟ وبينت أن اللفظ الذى ذكره الشيخ الألبانى ( من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء ) أن هذه اللفظة غير صحيحة وأن الصحيح ( فليتوضأ ) ، فعادت المسألة إلى مجرد الأمر ، والأمر يمكن أن يكون مصروفا بحديث طلق بن على ، لكن لو ثبتت هذه اللفظة يكون القول ماقاله الجمهور ؛ لأنه يصعب تأويل لفظة الوجوب إذا وردت على لسان النبى صلى الله عليه وسلم .
وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ سُنَّةٌ ، وَخَالَفَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ : إنَّهُ وَاجِبٌ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرْضٌ ، وَتَمَسَّكَ بِمَا عَرَفْتَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ ، وَأَجَابَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ بِمَا تَقَدَّمَ . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرُ : وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي هَذَا .
وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ عَلَى بَعِيرِهِ } لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ ، لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ لَا تُصَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ .
فمن شاء يوتر بخمس ومن شاء يوتر بثلاث ومن شاء يوتر بواحدة . الوتر بواحدة يخالف فيه أبو حنيفة وحجته أنه نهى عن النكيراء ، فأقل الوتر عنده ثلاث .
وَكَذَلِكَ إيرَادُهُ حَدِيثَ أَبِي أَيُّوبَ لِلِاسْتِدْلَالِ بِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْيِيرِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ أَحَدِهَا عَلَى التَّعْيِينِ لَا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا .وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ فِيهِ : "حَقٌّ" .
وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ، الْحَدِيثُ ، وَفِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، قَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ : لَا ، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ } .
وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ ، الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : " فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ " ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ ، لِأَنَّ بَعْثَ مُعَاذٍ كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَسِيرٍ .
بعضهم قال : بثلاثة أشهر ، لكن يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك !
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ الْمُشْعِرَةِ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ أَكْثَرَهَا ضَعِيفٌ ، وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَبُرَيْدَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عَمْرٍو وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلِ ، كَذَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ .، وَبَقِيَّتُهَا لَا يَثْبُتُ بِهَا الْمَطْلُوبُ لَا سِيَّمَا مَعَ قِيَامِ مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ .





باب الوتر بركعة وبثلاث وخمس وسبع وتسع



بسلام واحد


عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ } .رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ : { صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى تُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ } . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .وَلِمُسْلِمٍ : قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ : مَا مَثْنَى مَثْنَى ؟ قَالَ : يُسَلِّم فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ .
النبى صلى الله عليه وسلم لم يقيده بعدد لكن قال عن الكيفية "مثنى مثنى فإن خفت الصبح فأوتر بواحدة" أما الطريقة التى يسلكها البعض بأن يقول : لكن النبى صلى الله عليه وسلم اقتصر على إحدى عشر ركعة ، فكان ماذا ؟ فنحن نعلم أن السنة قولية وفعلية وتقريرية ، وعندنا أصل وهو ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها : "كان النبى كان يحب شئ ولكنه يتركه لئلا يشق على أمته"، كما ورد عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "ما بال أقوام يتنزهون عن الشئ أفعله أما والله إنى لأخشاكم لله وأتقاكم له" . وهذان أصلان عظيمان .
فالرجل يسأل عن الكيفية فقال له النبى "مثنى مثنى فإن خفت الصبح فأوتر بواحدة" .
الْحَدِيثُ زَادَ فِيهِ الْخَمْسَةَ { صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى } [صحيح الجامع 3831] .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي زِيَادَةِ قَوْلِهِ : " وَالنَّهَارِ " فَضَعَّفَهَا جَمَاعَةٌ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ الْبَارِقِيِّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ ابْنِ مَعِينٍ ، وَقَدْ خَالَفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُمَرَ ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ النَّهَارَ[لم يخالفووه ، وإنما هي زيادة غير مخالفة من راوٍ يتحمل التفرد أو لا يتحمله] ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَلِ : إنَّهَا وَهْمٌ ، وَقَدْ صَحَّحَهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ : رُوَاتُهَا ثِقَاتٌ ، وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ : إنَّ سَبِيلَ الزِّيَادَةِ مِنْ الثِّقَةِ أَنْ تُقْبَلَ ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَعَلِيٌّ الْبَارِقِيُّ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ ، ثُمَّ رَوَى ذَلِكَ بِسَنَدِهِ إلَيْهِ قَالَ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ا.هـ كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ ، وَلَهُ طُرُقٌ وَشَوَاهِدُ ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ ذَلِكَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ .

قَوْلُهُ : ( قَامَ رَجُلٌ ) وَقَعَ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الصَّغِيرِ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ ابْنُ عُمَرَ ، وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ : { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّائِلِ } فَذَكَرَ الْحَدِيثَ . وَفِيهِ { ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ ، وَأَنَا بِذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْهُ قَالَ : فَمَا أَدْرِي أَهُوَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَمْ غَيْرُهُ ؟ } . وَعِنْدَ النَّسَائِيّ أَنَّ السَّائِلَ الْمَذْكُورَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ.
أي جاء رجل بعد سنة يسأل نفس السؤال ، ولا يدري ابن عمر أهو نفس الرجل أم غيره .
قَوْلُهُ : ( كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ اللَّيْلِ ؟ ) الْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ وَقَعَ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ ، لَا عَنْ مُطْلَقِ الْكَيْفِيَّةِ .
هذا ما قاله الحافظ ، لكن لماذا لا يقال عن مطلق الكيفية ؟ فهذا تقييد .
قَوْلُهُ : ( مَثْنَى مَثْنَى ) أَيْ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِ ، وَتَكْرَارُ لَفْظِ "مَثْنَى" لِلْمُبَالَغَةِ ، وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
وَقَدْ أَخَذَ مَالِكٌ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ، فقَالُ : لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ لِحَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ لِمَا صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي .وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِرْشَادِ إلَى الْأَخَفِّ إذْ السَّلَامُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ أَخَفُّ عَلَى الْمُصَلِّي مِنْ الْأَرْبَعِ فَمَا فَوْقَهَا ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ غَالِبًا .
ابن القيم فى أعلام الموقعين استنكر كلام مالك فقال كيف نعمل حديثا ونترك حديثا آخر ! فالحديث ورد بأنه صلى الله عليه وسلم أوتر بتسع متصلات وسبع وخمس وثلاث ، إلا أن الإيتار بثلاث لم يرد التصريح بأنها ثلاث ركعات متصلات لكنه الظاهر.

وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ ، فَقَالَ أَحْمَدُ : الَّذِي أَخْتَارُهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، وَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَلَا بَأْسَ .

ولكن هذا يخالف ظاهر الحديث كما قال ابن حزم ، والظاهر أن الإمام أحمد ما كان يصحح هذه الزيادة ، ولكن طالما الزيادة صحيحة فلا فارق بين صلاة الليل وصلاة النهار .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ نَحْوَهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ ، قَالَ : وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِس إلَّا فِي آخِرِهَا ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوَصْلِ .
لكن غالب فعله صلى الله عليه وسلم أنه يصلى ركعتين ركعتين ثم يوتر بواحدة .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ الْوِتْرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ صَلَّى لِلَيْلٍ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ وِتْرًا ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ }[صحيح النسائى 3/231]، فَإِذَا كَانَ الْفَجْرُ فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرِ ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ [هو الخدري عند الإطلاق ، وإلا فهناك أبو سعيد بن المعلى] مَرْفُوعًا { مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَلَمْ يُوتِرْ فَلَا وِتْرَ لَهُ } .[صحيح ، الإرواء 422] .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ مَخَافَةِ هُجُومِ الصُّبْحِ ، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ .
أى من غير تقيد بهجوم الصبح ، فقد ذكرت عائشة رضى الله عنها أنه من كل الليل أوتر صلى الله عليه وسلم ، من أوله ومن أوسطه ومن آخره حتى انتهى وتره إلى السحر - كما سيأتي - .
قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَمِمَّنْ كَانَ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبِ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَحُذَيْفَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةُ وَتَمِيمٌ الدَّارِيِّ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ الْقَارِي وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ .
يريد بهذا السرد الإنكار على أبي حنيفة إنكاره الوتر بواحدة .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ وَابْنِ مَسْعُودٍ الْإِيتَارُ بِثَلَاثٍ مُتَّصِلَةٍ .
قَالَ : ومِمَّنْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُمْ.
وَمِنْ الْأَئِمَّةِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ حَزْمٍ .
وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِيتَارُ بِرَكْعَةٍ ، وَإِلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ الْإِيتَارُ بِثَلَاثٍ ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْبُتَيْرَاءِ } قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَهَذَا مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ .
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ : لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْيٌ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ ، قَالَ : وَلَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى سُقُوطِهِ بَيَانُ مَا هِيَ الْبُتَيْرَاءُ .
قَالَ : وَقَدْ رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { الثَّلَاثُ بُتَيْرَاءُ } يَعْنِي الْوِتْرَ قَالَ : فَعَادَ الْبُتَيْرَاءُ عَلَى الْمُحْتَجِّ بِالْخَبَرِالْكَاذِبِ فِيهَا ا.هـ .
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا مِمَّا حُكِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ [ابن مسعود ممن ثبت عنهم الوتر بركعة]. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ : إنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْهُ .قَالَ : وَلَوْ ثَبَتَ لَحُمِلَ عَلَى الْفَرَائِضِ ، فَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ ذَكَرَهُ رَدًّا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : إنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ فِي حَالِ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ ، أَيْ عَنْ الْمَكْتُوبَاتِ ا هـ
لأن مذهب ابن عباس أن فى الخوف ركعة واحدة ، وهذا ليس مذهب فقط بل هو مروى عن النبى صلى الله عليه وسلم ، ففى صحيح مسلم عن ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على نبيكم فى الحضر أربعاً وفى السفر ركعتين وفي الخوف ركعة . فالمنقول عن ابن مسعود كأنه عارض به ابن عباس .

وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : سَمَرَ حُذَيْفَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَهُوَ أَمِيرُ مَكَّةَ ، فَلَمَّا خَرَجَا أَوْتَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَكْعَةٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ ، وَلَكِنَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ مِنْ الْهَادَوِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ يَرَى الِاحْتِجَاجَ بِالْمُرْسَلِ .
أى أن ابن أبى شيبة روى عن ابن مسعود أنه أوتر بركعة فكيف تقولون أن ابن مسعود قال لا تجزئ ركعة قط، فإن قيل : هو مرسل ، قيل : إنكم تحتجون بالمرسل فهو لازم لكم .

وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى ثَلَاثٍ وَعَدَمِ إجْزَاءِ غَيْرِهَا ؛ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا علَى أَنَّ الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ مَوْصُولَةٍ حَسَنٌ جَائِزٌ . وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَاهُ ، قَالَ : فَأَخَذْنَا بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ ، وَتَرَكْنَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ .وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ الْإِجْمَاعِ ، وَبِمَا سَيَأْتِي مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ ..
حتى لو كان هناك إجماع عن الثلاثة الموصولة وأختلفوا فيما عداه فهذا الخلاف لابد أن يرد إلى قال الله قال رسوله ، أي : إلى الأدلة .

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالرَّكْعَةِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى إنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ .رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
الْأَثَرُ وَالْحَدِيثُ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ ، وَتَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ : " الْوِتْرُ رَكْعَةٌ " مُشْعِرٌ بِالْحَصْرِ لَوْلَا وُرُودُ مَنْطُوقَاتٍ قَاضِيَةٍ بِجَوَازِ الْإِيتَارِ بِغَيْرِ رَكْعَةٍ وَسَيَأْتِي .
قَالَ الْحَافِظُ : وَظَاهِرُ الْأَثَرِ الْمَرْوِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْوِتْرَ مَوْصُولًا فَإِنْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَصَلَ .وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ قَالَ : صَلَّى ابْنُ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : يَا غُلَامُ أَرْحِلْ لَنَا ، ثُمَّ قَامَ وَأَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ .
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّهُ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ شَفْعِهِ وَوِتْرِهِ بِتَسْلِيمَةٍ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ }[صحيح الإرواء 327]وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ .
إذاً ثبت الوتر بركعة من قوله صلى الله عليه وسلم فى عدة أحاديث وسيأتى أيضاً من فعله كما فى حديث عائشة .


ملخص فى صلاة الوتر بركعة وبثلاث وبخمس وبسبع وبتسع :

ينبغى أن نعلم فى هذا الباب أن معظم صلاته صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلى مثنى مثنى ويوتر بواحدة ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنه كان يصلى مابين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة ، وهو الحديث المتفق عليه ، فهذا من فعله . وورد من قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث ابن عمر أن رجلاً سأله كيف صلاة الليل ن فقال صلى الله عليه وسلم "صلاة الليل مثنى مثنى فإن خفت الصبح فأوتر بواحدة"، لكن ورد فى حديث أبى بن كعب -وقد ساقه المصنف من رواية المسائي- أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الوتر فى الركعة الأولى "سبح اسم ربك الأعلى" وفى الثانية "قل يا أيها الكافرون" والثالثة "قل هو الله أحد" ز وأورد رواية النسائى خصيصاً لأن فيها زيادة ( لا يسلم إلا فى آخرهن ) لكنها ضعيفة . فالأمر كما قال محمد بن نصر المروزى أنه لم يثبت عنه صريحاً أنه صلى الله عليه وسلم صلى الركعات الثلاث متصلات.
وسوف يتبين لنا أن أبا حنيفة أوجب الثلاث ركعات فى الوتر ولم يصح عنده ركعة واحدة فى الوتر ، واسـتدل بأثر محمد بن كعب القرظى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن البُـتيراء ، قال ابن حزم : لم يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن البُـتيراء ، قال : ولا فى الحديث مع سقوطه بيان ماهى الـبُتيراء وقد ثبت عن ابن عباس أن الثلاث بـُتيراء ، قال ابن حزم : فعاد الـبُـتيراء على المحتج بالخبر الكاذب !
وأوردوا هنا إشكالا أنه ثبت عند الدارقطنى والحاكم من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الإيتار بثلاث فقال "لا توتروا بثلاث ولا تشبِّهوا بصلاة المغرب"، فهنا فهى وحديث أبى بن كعب أثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث لكن ليس فيه تصريح بأن الثلاث متصلات ، وهذا حديث أبى هريرة ينهى عن الإيتار بثلاث ، لكن بعض أهل العلم منع من الإيتار بثلاث ، لكن فى حديث أبى أيوب أنه صلى الله عليه وسلم قال "الوتر حق فمن أحب أن يوتر بسبع ، ومن أحب أن يوتر بخمس ، ومن أحب أن يوتر بثلاث ومن أحب أن يوتر بواحدة ، ومن غلب فليومئ إيماءً" ، فأثبت الثلاث ، فلما كان الأمر كذلك اختلف العلماء :
- فذهب ابن عباس وعائشة إلى كراهة الإيتار بثلاث والإسناد إليهما صحيح .
- قال الحافظ : ويجمع بن الأحاديث أن النبى لما قال لا تشبهوا بالمغرب فعل ذلك يجوز الإيتار بثلاث بدون أن يتشهد التشهد الأوسط .
وأما الإيتار بخمس وبسبع فهو ثابت من حديث أم سلمة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بسبع وكان يوتر بخمس ولكننا نلاحظ فى الإيتار بخمس أنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يجلس إلا الجلسة الأخيرة فقط للتشهد والتسليم .
وفى الإيتار بسبع كان يفعل ويفعل ، ففى حديث أم سلمة قالت : لا يفصل بينهن بسلام ولا بكلام ، وفى حديث عائشة بيّنت أنه كان يجلس فى السادسة والسابعة ولا يسلم إلا فى السابعة ، وفى رواية أخرى عند النسائى ولا يجلس إلا فى السابعة ، والجمع بينهما أنه لا يجلس للتسليم .
وأما الإيتار بتسع فثابت من حديث عائشة .

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ ، فَإِذَا سَكَبَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ } .رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ .
فهذه الصفة أن يصلى إحدى عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين بالتسليم ويوتر بركعة هذا ثبت من قوله ومن فعله صلى الله عليه وسلم ، من قوله فى حديث ابن عمر المتفق عليه "صلاة الليل مثنى مثنى فإن خفت الصبح فأوتر بواحدة" .
ورواية أحمد : صلاة الليل مثنى مثنى يسلم في كل ركعتين ، لكن رواية مسلم بينت أن هذه الزيادة مدرجة ، ففيها قيل لابن عمر : ما مثنى مثنى ؟ قال : أن يسلم في كل ركعتين .
ومن فعله فى حديث عائشة هذا .
الْحَدِيثُ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَطْرَافٍ مِنْهُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَفِي الِاضْطِجَاعِ وَفِي الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي دَلَالَةٍ كَانَ عَلَى الدَّوَامِ .
لفظة (كان) فيها خلاف بين الأصوليين فمنهم من يقول : إن كان لا تفيد الإستمرار والدوام ، وقد عزاه النووى إلى المحققين الأصوليين وللأكثرين منهم ، ومنهم من قال تفيد الدوام ، النووى احتج بأن عائشة قالت كنت أطيب النبى للطواف ، وهذا محمول على أنه طواف الإفاضة لأنه لا يجوز بالإجماع التطيب بعد الإحرام حتى يتحلل من إحرامه ، لكن الآخرين قالوا كان تفيد الدوام والإستمرار إلا أن يدل الدليل على خلاف ذلك .
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنْهَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ ، وَمِنْهَا الرِّوَايَةُ الْآتِيَةُ فِي هَذَا الْبَابِ ، { أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِخَمْسٍ }[رواه البخاري تمام المنة 249] وَمِنْهَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ { مَا كَانَ يَزِيدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا } ..
هذا الحديث كأنهم إعتبروه صفة للصلاة غير الصفات الواردة فى الروايات الأخرى وليس الأمر كذلك فقوله كان يصلى أربعاً فهذا محمول على ركعتين ركعتين ثم يستريح قليلاً ثم يصلى أربعًا ركعتين ركعتين .
وَمِنْهَا أَيْضًا مَا سَيَأْتِي فِي هَذَا الْبَابِ .{ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا فِي الثَّامِنَةِ ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ، ثُمَّ يُسَلِّمُ ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ ، فَتِلْكَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، فَلَمَّا أَسَنَّ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ }[ صحيح مسلم ] وَلِأَجْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ نَسَبَ بَعْضُهُمْ إلَى حَدِيثِهَاالِاضْطِرَابَ ، وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ الِاضْطِرَابُ إلَّا عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ إخْبَارَهَا عَنْ وَقْتٍ وَاحِدٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَوْقَاتِ مُتَعَدِّدَةٍ ، وَأَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ بِحَسَبِ النَّشَاطِ وَيُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهَا { أَنَّهُ مَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً } وَبَيْنَ إثْبَاتِهَا الثَّلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِأَنَّهَا أَضَافَتْ إلَى الْإِحْدَى عَشْرَةَ مَا كَانَ يَفْتَتِحُ بِهِ صَلَاتَهُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ .وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا قَالَتْ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْإِحْدَى عَشْرَةَ : كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْبَعًا ، وَتَرَكَتْ التَّعَرُّضَ لِلِافْتِتَاحِ بِالرَّكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ قَالَتْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى { إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، } وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مَا أَمْكَنَ هُوَ الْوَاجِبُ ، قَوْلُهُ : ( وَسَكَبَ الْمُؤَذِّنُ ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ : أَيْ أَسْرَعَ ، مَأْخُوذٌ مِنْ سَكَبَ الْمَاءَ قَوْلُهُ : ( قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِمَا .
قوله : وَمِنْهَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ { مَا كَانَ يَزِيدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا ، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا ..
فنحن إذا أردنا أن نصف وتره صلى الله عليه وسلم نقول :
(1) الهيئة الأولى أن يصلى مثنى مثنى ويوتر بواحدة .
(2) الهيئة الثانية أن يوتر بثلاث لكن لا يجلس فى التشهد الأوسط لئلا يشبه بالمغرب .
(3) أن يوتر بخمس لا يجلس إلا فى آخرها .
(4) أن يوتر بسبع ، وقد ورد فى حديث أم سلمة أنه لا يفصل بينهن بسلام ولا بكلام ، وورد فى حديث عائشة عند أبى داود أنه لم يجلس إلا فى السادسة والسابعة ولم يسلم إلا فى السابعة .
(5) أن يوتر بتسع ركعات لا يجلس إلا فى الثامنة .
فنحن نرى أنه فى الإيتار بثلاث وبخمس لا يجلس إلا فى آخر ركعة .

قال الشوكانى : وَلِأَجْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ نَسَبَ بَعْضُهُمْ إلَى حَدِيثِهَا الِاضْطِرَابَ
لأن الاضطراب إما أن يكون فى السند أو فى المتن ، لكن من شرط المضطرب أن تتساوى رواياته فى القوة أو فى الضعف لكن إن كانت رواية صحيحة ورواية ضعيفة فالضعيفة لا تعل الصحيحة بالإضطراب والإضطراب كما فى حديث القلتين فرواية القلتين هى الصحيحة أما العشرين والأربعين فهى ضعيفة .
قال الشوكانى : وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ الِاضْطِرَابُ إلَّا عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ إخْبَارَهَا عَنْ وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَوْقَاتِ مُتَعَدِّدَةٍ ، وَأَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ بِحَسَبِ النَّشَاطِ وَيُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهَا { أَنَّهُ مَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً } وَبَيْنَ إثْبَاتِهَا الثَّلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِأَنَّهَا أَضَافَتْ إلَى الْإِحْدَى عَشْرَةَ مَا كَانَ يَفْتَتِحُ بِهِ صَلَاتَهُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ .
وهذا ثابت أيضاً من حديث ابن عباس فى قصة مبيته عند خالته ميمونة ، فهذا الحديث فيه فائدتان –حديث أبى داود – :
§ الأولى : أنه صلى ثلاثة عشرة ركعة
§ الثانية : أن الركعات كانت متساوية فى الطول وأنها كانت تعدل القراءة بسورة المزمل .
وحديث حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم صلى فى الركعة الأولى من قيام الليل بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران لم يكن هذا حاله دائماً صلى الله عليه وسلم .
قال الشوكانى : وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مَا أَمْكَنَ هُوَ الْوَاجِبُ .
والأحسن قول إنها أحوال متعددة فصلاة الليل بثلاث عشرة ركعة ثابتة أيضاً من حديث ابن عباس رضى الله عنه .
وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِـ { سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } ، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِـ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِـ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ .} رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
وصححه الشيخ ناصر [ صفة الصلاة 70 ] ،ومن رواية أحمد وابن ماجه وأبي داود بدون زيادة "ولا يسلم إلا فى آخرهن" . الحديث رجال إسناده ثقات إلا عبد العزيز بن خالد وهو مقبول ، أى : لا يتحمل التفرد إلا إن توبع .
وقد ورد من طرق يشد بعضها بعضاً فترتقى إلى الصحيح لغيره حسن لذاته من رواية عائشة وأبى هريرة بزيادة والمعوذتين فى الثالثة .
الحديث رجال إسناده ثقات إلا عبد العزيز بن خالد وهو مقبول وقد أخرجه أيضا أحمد وأبو داود وابن ماجه بدون قوله "ولا يسلم إلا في آخرهن" .
وفي الباب عن ابن عباس عند الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة بلفظ : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد في ركعة ركعة ) ولم يذكر فيه ولا يسلم إلا في آخرهن أيضا
وعن عبد الرحمن ابن أبزي عند النسائي بنحو حديث ابن عباس وقد اختلف في صحبته وفي إسناد حديثه هذا وسيأتي . وعن أنس عند محمد بن نصر المروزي بنحو حديث ابن عباس .
وعن عبد الله بن أبي أوفى عند البزار بنحوه .
وعن عبد الله بن عمرو عند الطبراني والبزار أيضا بنحوه في إسناده سعيد بن سنان وهو ضعيف جدا . وعن عبد الله بن مسعود عند البزار وأبي يعلى والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه أيضا وفي إسناده عبد الملك بن الوليد بن معدان وثقه يحيى بن معين وضعفه البخاري وغير واحد . وعن عبد الرحمن بن سبرة عند الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه أيضا وفي إسناده إسماعيل بن رزين ذكره الأزدي في الضعفاء وابن حبان في الثقات . وعن عمران بن حصين عند النسائي والطبراني بنحوه أيضا . وعن النعمان بن بشير عند الطبراني في الأوسط بنحوه وفي إسناده السري بن إسماعيل وهو ضعيف . وعن أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط بزيادة والمعوذتين في الثالثة وفي إسناده المقدام بن داود وهو ضعيف . وعن عائشة عند أبي داود والترمذي بزيادة "كل سورة في ركعة وفي الأخيرة قل هو الله أحد والمعوذتين" [صحيح صفة الصلاة الموضع السابق ، وسنن ابن ماجة] وفي إسناده خصيف الجزري وفيه لين [ أي : ضعف ، كأن الألباني صححه بشواهده ] ، ورواه الدارقطني وابن حبان والحاكم من حديث يحيى بن سعيد عن عَمْرة عن عائشة وتفرد به يحيى بن أيوب عنه وفيه مقال ولكنه صدوق [ أي : حسن الحديث ، فيمكن القول إذن إن هذا الحديث حسنٌ لذاته صحيح لغيره ] ، وقال العقيلي : إسناده صالح ، قال ابن الجوزي : وقد أنكر أحمد ويحيى زيادة المعوذتين . وروى ابن السكن في صحيحه لذلك شاهدا من حديث عبد الله بن سرجس بإسناد غريب ، وروى المعوذتين محمد بن نصر من حديث ابن ضميرة عن أبيه عن جده وهو حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة وهو ضعيف عند أحمد وابن معين وأبي زرعة وأبي حاتم وغيرهم . وكذبه مالكٌ وأبوه لا يعرف وجده ضميرة يقال إنه مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
لكن هذه الأحاديث مع كثرة الطرق ووجود طرق حسنة ترتقي إلى درجة الصحة .
والأحاديث تدل على مشروعية قراءة هذه السورة في الوتر وحديث الباب يدل أيضا على مشروعية الإيتار بثلاث ركعات متصلة وسيأتي الكلام على ذلك .
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ .}[ضعيف ، الإرواء 421]ورَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ : كَانَ لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيْ الْوِتْر[ضعيف أيضا ، الإرواء421] . وَقَدْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ إسْنَادَهُ ، وَإِنْ ثَبَتَ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَهُ أَحْيَانًا كَمَا أَوْتَرَ بِالْخَمْسِ وَالسَّبْعِ وَالتِّسْعِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ .
تذكر دائماً قولَ محمد بن نصر إنه لم يثبت صريحاً أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث متصلات ، فثبت أنه أوتر بثلاث لكن لم يرد أنها متصلات .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ ، أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ } .رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِوَقَالَ :كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ .[صححه الألبانى فى رسالة صلاة التراويح 85]
أَمَّا حَدِيث عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ أَحْمَدَ ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ النَّسَائِيّ ، وَقَالَ الْحَاكِمُ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ } وَلَيْسَ فِيهِ لَا يَفْصِل بَيْنهنَّ ، وَصَحَّحَهُ ، وَقَالَ : عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيِّ .
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرهمَا عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا }.
البعض أجاز أن يصلى أربعاً متصلات ثم أربعاً متصلات ثم ثلاثا متصلات على ظاهر الخبر ، لكن قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى ورواية الخمسة بزيادة صلاة الليل و"النهار" .
وفي الباب عن علي عند الترمذي بلفظ : ( كان يوتر بثلاث ) . وعن عمران بن حصين عند محمد بن نصر بلفظ حديث علي . وعن ابن عباس عند مسلم وأبي داود والنسائي بلفظ : ( أوتر بثلاث ) . وعن أبي أيوب عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ : ( ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ) وعن أبي بن كعب عند أبي داود والنسائي وابن ماجه أيضا بنحو حديث علي . وعن عبد الرحمن بن أبزي عند النسائي بنحوه أيضا . وعن ابن عمر عند ابن ماجه بنحوه أيضا . وعن ابن مسعود عند الدارقطني بنحوه أيضا وفي إسناده يحيى بن زكريا بن أبي الحواجب وهو ضعيف . وعن أنس عند محمد بن نصر بنحوه أيضا . وعن ابن أبي أوفى عند البزار بنحوه أيضا [كل هذه الأحاديث عن الوتر بثلاث]. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه . قال الحافظ : ورجاله كلهم ثقات ولا يضره وقف من وقفه .
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْمَغْرِبِ ، وَلَكِنْ أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ بِسَبْعٍ أَوْ بِتِسْعٍ أَوْ بِإِحْدَى عَشْرَة أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ } قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ [الشيخ ناصر قال : إن زيادة أو أكثر من ذلك منكرة] وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ ، أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ بِسَبْعٍ وَلَا تَشَبَّهُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ } قَالَ الْعِرَاقِيّ أَيْضًا : وَإِسْنَاده صَحِيحٌ .ثُمَّ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَوْل مِقْسَمٍ أَنَّ الْوِتْرَ لَا يَصْلُحُ إلَّا بِخَمْسٍ أَوْ سَبْع ، وَأَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ سَأَلَهُ عَمَّنْ ؟ فَقَالَ : عَنْ الثِّقَةِ عَنْ عَائِشَة وَمَيْمُونَةَ ، وقد روى نحوه النسائي عن ميمونة مرفوعا .
وروى محمد بن نصر أيضا بإسناد قال العراقي : صحيح عن ابن عباس قال : ( الوتر سبع أو خمس ولا نحب ثلاثا بتراء ) .[ وهذا الذي رد به ابن حزم على أبي حنيفة ] .
وروي أيضا عن عائشة بإسناد قال العراقي أيضا : صحيح أنها قالت : ( الوتر سبع أو خمس وإني لأكره أن يكون ثلاثا بتراء ) . وروي أيضا بإسناد صححه العراقي أيضا عن سليمان بن يسار : ( أنه سئل عن الوتر بثلاث فكره الثلاث وقال : لا تشبه التطوع بالفريضة ، أوتر بركعة أو بخمس أو بسبع ) .
فالذين ذهبوا إلى كراهة الإيتار بثلاث ابن عباس وعائشة وسليمان بن يسار من التابعين .
قال محمد بن نصر : لم نجد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبرا ثابتا صريحا أنه أوتر بثلاث موصولة ، قال : نعم ثبت عنه أنه أوتر بثلاث لكن لم يبين الراوي هل هي موصولة أم مفصولة ا.هـ وتعقبه العراقي والحافظ بحديث عائشة الذي ذكره المصنف وبحديث كعب بن عجرة المتقدم [ الصواب : أبي بن كعب ] قالا : ويجاب عن ذلك باحتمال أنهما لم يثبتا عنده [ وهو كذلك] . وقد قال البيهقي في حديث عائشة المذكور أنه خطأ ، وجمع الحافظ بين الأحاديث بحمل أحاديث النهي على الإيتار بتشهدين لمشابهة ذلك لصلاة المغرب ، وأحاديث الإيتار بثلاث على أنها متصلة بتشهد في آخرها ، وروى فعل ذلك عن جماعة من السلف .
ويمكن الجمع بحمل النهي عن الإيتار بثلاث على الكراهة .
والأحوط ترك الإيتار بثلاث مطلقا لأن الإحرام بها متصلة بتشهد واحد في آخرها ربما حصلت به المشابهة لصلاة المغرب وإن كانت المشابهة الكاملة تتوقف على فعل التشهدين وقد جعل الله في الأمر سعة وعلمنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوتر على هيئات متعددة فلا ملجئ إلى الوقوع في مضيق التعارض .
إذاً الإيتار بثلاث :
(1) واجب على مذهب أبى حنيفة
(2) مكروه على مذهب عائشة وابن عباس
(3) يحمل النهى على الإيتار بثلاث بتشهدين لمشابهة المغرب قاله الحافظ . وأحاديث الإيتار بثلاث على أنها متصلة بتشهد فى آخرها .
وهنا إشكال على جمع الحافظ وهو أن النبى صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب فإن أراد ذلك هل يستقيم أن يقول لا توتروا بثلاث ؟! فكان من الممكن يقول : من أراد أن يوتر بثلاث فلا تجلسوا إلا فى آخرها ولا تشبهوا بالمغرب ، لكن سياق الحديث يأبى جمع الحافظ ، فنحن لما نقول ثلاث ركعات وعندى لا توتروا بثلاث فلما أوتر بثلاث وليس هناك تصريح بأنها موصولة فيكون اثنتين وواحدة .

وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ وَبِخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ[صحيح]

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ ، وَلَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ } . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
فحديث أم سلمة وعائشة أثبتا أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس لايفصل بينهن بسلام ولا بكلام.
قولها : بكلام أى بدون تشهد .
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ .
وَقَدْ رُوِيَ فِي الْإِيتَارِ بِسَبْعٍ وَبِخَمْسٍ أَحَادِيثُ .مِنْهَا عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ بِلَفْظِ { أَوْتَرَ بِخَمْسٍ ، وَأَوْتَرَ بِسَبْعٍ } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ { ثُمَّ صَلَّى سَبْعًا أَوْ خَمْسًا أَوْتَرَ بِهِنَّ وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ } .وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ { الْوِتْرُ حَقٌّ ، فَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ ، وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ }[بزيادة "ومن غُلب فليومئ إيماءً" صحيح الجامع 7147 ، والحديث كأنه مخصص لحديث "ليصل أحدكم نشاطه"] . وَعَنْ مَيْمُونَةَ عِنْدَ النَّسَائِيّ " بِلَفْظِ لَا يَصْلُحُ - يَعْنِي الْوِتْرُ - إلَّا بِتِسْعٍ أَوْ خَمْسٍ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَدْ تَقَدَّمَ .وَفِي الْإِيتَارِ بِخَمْسٍ أَوْ بِسَبْعٍ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ، قَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا ، وَسَيَأْتِي بَعْضُهَا .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَتِسْعٍ وَسَبْعٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثٍ وَوَاحِدَةٍ ا. هـ
المراد بثلاث عشرة وإحدى عشرة ليستا متصلات ؛ فأقصى ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلاهن متصلات تسع ركعات .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ { أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُنَّ } وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ " صَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ " وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ النَّسَائِيّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ } وَسَيَأْتِي عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ نَحْوُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ نَحْوُهُ .
وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِيتَارِ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ أَوْ بِسَبْعٍ ، وَهِيَ تَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ بِتَعَيُّنِ الثَّلَاثِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ .
فلو قلنا ما الدليل على الإيتار بواحدة لأن أبى حنيفة أبطل هذا :
(1) حديث أبى أيوب .
(2) حديث ابن عمر إن خفت الصبح فأوتر بواحدة
(3) حديث ابن عمر الوتر ركعة من آخر الليل
(4) حديث عائشة ويوتر بواحدة .
الدليل على الإيتار بثلاث :
(1) حديث أبى أيوب ( 2 ) حديث أبى بن كعب

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ[بن عامر ، وعامر الذي قُتل في بدرٍ ، والحديث سياقه طويل] أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ : { أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .فَقَالَتْ : كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ ، فَيَبْعَثَهُ اللَّهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ ، وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا فِي الثَّامِنَةِ ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ ، فَتِلْكَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيّ ، فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ ، وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ ، فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ ، وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا ، وَكَانَ إذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ ، صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ، وَلَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ ، وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ } .رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبِي دَاوُد [صحيحة ، صحيح أبي داوود 1213 5/87] نَحْوُهُ ، وَفِيهَا : { فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ ، وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي السَّابِعَةِ } وَفِي رِوَايَةِ لِلنِّسَائِيِّ قَالَ { : فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ صَلَّى سَبْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَقْعُدُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ }[ صحيح ، سنن النسائي 3/240] .
-الجمعبين رواية لم يجلس إلا فى السادسة والسابعة ولم يسلم إلا فى السابعة ، ورواية فلما أسن وأخذه اللحم صلى سبع ركعات لا يقعد إلا فى آخرهن ، لايقعد أى القعود للتسليم جمعاً بين الروايتين.
الإيتار بتسع مروي من طريق جماعة من الصحابة غير عائشة والإيتار بسبع قد تقدم ذكر طرقه .
- الإيتار بخمس وبسبع ورد فى حديث عائشة وأم سلمة وحديث أبى أيوب وابن عباس ، وفي حديث أم سلمة بيّن أنه لم يفصل فى الخمس بين الركعات بسلام ولا بكلام . وفى السبع ورد هذا وهذا إلى أن يجلس فى السادسة أولا ، والإيتار بتسع ورد فى حديث عائشة .
قَوْلُهُ : ( فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ السِّوَاكِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ النَّوْم ، قَوْلُهُ : ( وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ ) .إلَخْ ، فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْإِيتَارِ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ مُتَّصِلَة ، لَا يُسَلِّم إلَّا فِي آخِرهَا ، وَيَقْعُد فِي الثَّامِنَةِ ، وَلَا يُسَلِّم ، قَوْلُهُ : ( ثُمَّ يُسَلِّم تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْجَهْرِ بِالتَّسْلِيمِ ، قَوْلُهُ : ( ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ ) أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْهُمَا ، وَأَبَاحَا رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا . قَالَ أَحْمَدُ : لَا أَفْعَلهُ وَلَا أَمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ قَالَ : وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ .قَالَ النَّوَوِيُّ : الصَّوَابُ أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَهُمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ ، وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَى ذَلِكَ ، بَلْ فَعَلَهُ مَرَّة أَوْ مَرَّاتٍ قَلِيلَةً قَالَ : وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِهَا : كَانَ يُصَلِّي ، فَإِنَّ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ لَفْظَةَ " كَانَ " لَا يَلْزَم مِنْهَا الدَّوَامُ وَلَا التَّكْرَارُ ، وَإِنَّمَا هِيَ فِعْلٌ مَاضٍ تَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ مَرَّةً ، فَإِنْ دَلَّ دَلِيل عُمِلَ بِهِ ، وَإِلَّا فَلَا تَقْتَضِيهِ بِوَضْعِهَا ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ : { كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ } وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ أَنْ صَحِبَتْهُ عَائِشَةُ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً ، وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ .

قَالَ : وَلَا يُقَالُ : لَعَلَّهَا طَيَّبَتْهُ فِي إحْرَامِهِ بِعُمْرَةٍ ، لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَا يَحِلُّ لَهُ الطِّيبَ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْإِجْمَاعِ ، فَثَبَتَ أَنَّهَا اسْتَعْمَلَتْ كَانَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ : وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَا حَدِيثَ الرَّكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ كَانَتْ وِتْرًا .
وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا فكيف يظن به صلى الله عليه و سلم مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر ويجعلهما آخر صلاة الليل قال : وإما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث المشهورة ورد رواية الركعتين فليس بصواب لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين وقد جمعنا بينها ولله الحمد اه . ( وأقول ) أما الأحاديث التي فيها الأمر للأمة بأن يجعلوا آخر صلاة الليل وترا فلا معارضة بينها وبين فعله صلى الله عليه و سلم للركعتين بعد الوتر لما تقرر في الأصول أن فعله صلى الله عليه و سلم لا يعارض القول الخاص بالأمة فلا معنى للاستنكار وأما أحاديث أنه كان آخر صلاته صلى الله عليه و سلم من الليل وترا فليس فيها ما يدل على الدوام لما قرره من عدم دلالة لفظ كان عليه فطريق الجمع باعتباره صلى الله عليه وآله وسلم أن يقال إنه كان يصلي الركعتين بعد الوتر تارة ويدعهما تارة وأما باعتبار الأمة فغير محتاج إلى الجمع لما عرفت من أن الأوامر بجعل آخر صلاة الليل وترا مختصة بهم وأن فعله صلى الله عليه و سلم لا يعارض ذلك
قال ابن القيم في الهدى : وقد أشكل هذا يعني حديث الركعتين بعد الوتر على كثير من الناس فظنوه معارضا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا ) ثم حكى عن مالك وأحمد ما تقدم وحكى عن طائفة ما قدمنا عن النووي ثم قال : والصواب أن يقال إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر فإن الوتر عبادة مستقلة ولا سيما إن قيل بوجوبه فتجري الركعتين بعده مجرى سنة المغرب من المغرب فإنها وتر النهار والركعتان بعدها تكميل لها فكذلك الركعتان بعد وتر الليل والله أعلم اه
والظاهر ما قدمنا من اختصاص ذلك به صلى الله عليه وآله وسلم وقد ورد فعله صلى الله عليه وآله وسلم لهاتين الركعتين بعد الوتر من طريق أم سلمة عند أحمد في المسند ومن طريق غيرها قال الترمذي : روي نحو هذا عن أبي أمامة وعائشة وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وفي المسند أيضا والبيهقي عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس يقرأ فيهما بإذا زلزلت الأرض زلزالها وقل يا أيها الكافرون ) وروى الدارقطني نحوه من حديث أنس وسيأتي ذكر القائلين باستحباب التنفل لمن استيقظ من النوم وقد كان أوتر قبله وحديث أبي بكر وعمر الدال على جواز ذلك في باب لا وتران في ليلة
قوله : ( صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ) فيه مشروعية قضاء الوتر وسيأتي
قوله : ( ولا صام شهرا كاملا ) سيأتي في باب ما جاء في صوم شعبان من كتاب الصيام عن عائشة ما يدل على أنه كان يصوم شعبان كله ويأتي الكلام هناك إن شاء الله تعالى
قوله : ( لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ) وفي الرواية الثانية : ( صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن ) الرواية الأولى تدل على إثبات القعود في السادسة والرواية الثانية تدل على نفيه ويمكن الجمع بحمل النفي للقعود في الرواية الثانية على القعود الذي يكون فيه التسليم
وظاهر هذا الحديث وغيره من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يوتر بدون سبع ركعات
وقال ابن حزم في المحلى : إن الوتر وتهجد الليل ينقسم إلى ثلاثة عشر وجها أيها فعل أجزأه ثم ذكرها واستدل على كل واحد منها ثم قال : وأحبها إلينا وأفضلها أن يصلي ثنتي عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ثم يصلي ركعة واحدة ويسلم

قال الشوكانى : ( ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ).
هاتان الركعتان اختلف فيهما العلماء :
(1) ذهب أحمد والأوزاعى إلى إباحة ركعتين بعد الوتر جالساً
(2) منع من ذلك مالك
(3) أن فعله هذا لبيان الجواز بمعنى أنه لو صلى الوتر ثم بدى له أن يصلى غير متعمد ، والفرق بينه وبين المذهب الأول أنه على المذهب الأول يتعمد ذلك ولكن الصحيح أنه إن صلى الوتر ثم بدى له دون تعمد أن يصلى جاز له جمعاً بين أحاديث " إجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتر " وكذلك حديث " لا وتران فى ليلة " وهو مذهب النووى .
(4) مذهب الشوكانى إن فعل الركعتين هذا خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم ولا يعارض الأمر الخاص بالأمة .
(5) قول ابن القيم أن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر مجرى سنة المغرب من المغرب فإنها وتر النهار والركعتان بعدها تكميل لها

لا يمكن أن يُقال بوجوب الوتر لما سيق من أدلة ، وإن قلنا أن الوتر سنة فلا أعلم أن هناك سنة للسنة فالسنة تكون للواجبات والفروض فالقول ما قال النووى
فالراجح عندنا أنه إن صلى الوتر ثم بدى له أن يصلى ولم تطب نفسه إلا بهذا جاز أن يصلى
قوله من صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة فيه مشروعية قضاء الوتر
وفيه قوله تعالى { وهو الذى جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكوراً } قيل فى تفسيرها : مافاته ، ولو ذكر بالليل ، قضاه بالنهار أو ذكر بالنهار قضاه بالليل وهكذا .



باب وقت صلاة الوتر والقراءة والقنوت فيها


الوَِتر بالكسر وبالفتح مثل الحِج والحَج قال تعالى { الحَجُ أشهرٌ معلومات } وقال تعالى { ولله على الناس حِج البيت } .
وقت صلاة الوتر : يكون من بعد صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر فلو طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر .
عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ قَالَ : { خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ : لَقَدْ أَمَدَّكُمْ اللَّهُ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ، قُلْنَا : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْوِتْرُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ } .رَوَاهُ الْخَمْسَة إلَّا النَّسَائِيَّ . [صحيح دون "هي خير لكم كم حُمر النعم" الإرواء 423]
الحديث أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم وصححه وضعفه البخاري وقال ابن حبان : إسناده منقطع ومتنه باطل . قال الخطابي : فيه عبد الله بن أبي مرة الزَّوْفي عن خارجة .
وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد وابن أبي شيبة وعنه حديث آخر عند البيهقي وفيه أبو إسماعيل الترمذي وثقه الدارقطني وقال الحاكم : تكلم فيه أبو حاتم .
وعن عبد الله بن عمرو عند أحمد والدارقطني وفي إسناده العرزمي وهو ضعيف . وعن بريدة عند أبي داود والحاكم في المستدرك وقال صحيح . وعن أبي بصرة الغفاري عند أحمد والحاكم والطحاوي وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف ولكنه توبع .وعن سليمان بن صرد عند الطبراني في الأوسط وفي إسناده إسماعيل بن عمرو البجلي وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم والدارقطني وابن عدي . وعن ابن عباس عند البزار والطبراني في الكبير والدارقطني وفي إسناده النصر أبو عمرو الخزاز وهو ضعيف متروك وقال البخاري منكر الحديث . وعن ابن عمر عند البيهقي في الخلافيات وابن حبان في الضعفاء وفي إسناده حمَّاد بن قيراط وهو ضعيف وقال أبو حاتم : لا يجوز الاحتجاج به وكان أبو زرعة يمرض القول فيه .
وادعى ابن حبان أن الحديث موضوع وله حديث آخر عند الطبراني وفي إسناده أيوب بن نهيك ضعفه أبو حاتم وغيره .
وعن ابن مسعود عند البزار وفي إسناده جابر الجعفي وقد ضعفه الجمهور . وعن عبد الله بن أبي أوفى عند البيهقي في الخلافيات وفي إسناده أحمد بن محمد بن مصعب بن بشر بن فضالة وقد قيل إنه كان يضع المتون والآثار ويقلب الأسانيد للأخبار .
قال أبو حاتم : ولعله قد قلب على الثقات أكثر من عشرة آلاف حديث . وعن علي عليه السلام عند أهل السنن . وعن عقبة ابن عامر عند الطبراني وفيه ضعف . وعن عمرو بن العاص عند الطبراني أيضا وفيه ضعف . وعن معاذ بن جبل عند أحمد وفي إسناده عبيد الله بن زَحْر وهو ضعيف وفيه انقطاع وعن أبي أيوب الطبراني في الكبير والأوسط
وإذا أطال الشوكاني النفس هكذا فقد جاء بهذا من التلخيص الحبير للحافظ .
الذي عندنـا : حديث بريدة عند أبى داود والحاكم وهو صحيح ، وعن أبى بعرة الغفارى عند أحمد وإن كان فيه ابن لهيعة لكنه توبع .
قَوْلُهُ : ( أَمَدَّكُمْ ) الْإِمْدَادُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْإِعَانَةِ ، وَمِنْهُ الْإِمْدَادُ بِالْمَلَائِكَةِ ، وَبِمَعْنَى الْإِعْطَاء ، وَمِنْهُ { وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ } الْآيَةُ ، فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ الْإِعَانَةِ ، أَيْ أَعَانَكُمْ بِهَا عَلَى الِانْتِهَاء عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِعْطَاء.
نعم ، لصلاة خير موضوع وكذلك إن الله وتر يحب الوتر فإذا فعلنا ما يحبه الله تعالى فهذا فيه الأجر العظيم .
قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الزِّيَادَةُ فِي الْإِعْطَاءِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ، فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ { إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً } كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي بَصْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ .
حديث ( إن الله زادكم صلاة ) اتمد عليه الإمام أبى حنيفة وقال فالزيادة على الشئ لابد أن تكون من جنسه .
قَوْلُهُ : ( الْوِتْرُ ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ ، وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعَة .
قَوْلُهُ : ( بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَوَّل وَقْتِ الْوِتْرِ يَدْخُلُ بِالْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَيَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { انْتَهَى وِتْرَهُ إلَى السَّحَرِ } . فِي وَجْهٍ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَمْتَدُّ بَعْد طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْح وَفِي وَجْهٍ آخَرَ يَمْتَدُّ إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ، وفي وجه آخر أنه يصح الوتر قبل العشاء وكلها مخالفة للأدلة .
( واستدل ) بالحديث أيضا أبو حنيفة على وجوب الوتر وقد تقدم الكلام على ذلك واستدل به أيضا على أن الوتر أفضل من ركعتي الفجر وقد تقدمت الإشارة إليه .
واستدل به المصنف أيضا على أن الوتر لا يصح الاعتداد به قبل العشاء فقال ما لفظه : وفيه دليل على أنه لا يعتد به قبل العشاء بحال انتهى
ولكن حديث الوتر ركعة من آخر الليل يأبى هذا ، فكل الأوجه التى وردت عن بعض الشافعية مخالفة للأحاديث بل هى مصادمة للأحاديث أنه يمتد بعد صلاة الصبح أو الظهر أو أنه يُفعل قبل العشاء كل هذا لا يصح .
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ ، فَانْتَهَى وَتْرُهُ إلَى السَّحَرِ } .رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ . تخفيف على الأمة .
( وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا } .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُدوهذا يرد وجهين من أوجه الشافعية .
وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَيُّكُمْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ ، ثُمَّ لِيَرْقُدْ ، وَمَنْ وَثِقَ بِقِيَامٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ ، فَإِنَّ قِرَاءَةً آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ } . روَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .
وتُضبط أيضًا: فإن قراءةً آخرَ الليل محضورةٌ
وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ بِ { سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } ، وَ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ، وَ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } } .رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَلِلْخَمْسَةِ إلَّا أَبَا دَاوُد مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَزَادَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ ، { فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ : سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، } وَلَهُمَا مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى ، وَفِي آخِرِهِ : وَرَفَعَ صَوْتَهُ فِي الْآخِرَةِ
وللخمسة إلا أبا داود مثله من حديث ابن عباس وزاد أحمد والنسائى فى حديث أبى فإذا سلم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات . ولهما مثله من حديث عبد الرحمن بن أبزى وفى آخره ( ورفع صوته فى الآخرة ) .
صحيح النسائى 3/245 وفى رواية وطوّل فى الثالثة وإسنادها صحيح رواها النسائى .
قال الألبانى اعلم أن الحديثين [ حديث أبى وحديث عبد الرحمن بن أبزى ] حديث واحد إلا أن الرواة اختلفوا فبعضهم جعله من حديث ابن أبزى عن أُبى المشكاة 1274 .

وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : { عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ : اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ ، إنَّهُ لَا يَذِلُّ مِنْ وَالَيْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ }[صحيح : الإرواء 429]
كلمة ( فى قنوت الوتر) نبه ابن خزيمة وابن حبان على أن قوله فى قنوت الوتر لا يثبت ، والشيخ ناصر أثبت أنها فى الحديث من طريق آخر . راجع الإرواء .
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وَتْرِهِ : { اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِك ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ } .رَوَاهُمَا الْخَمْسَة [صحيح الإرواء 430]
وهذا الدعاء أيضاً يُقال فى السجود . الظاهر أن هذا الدعاء يُقال داخل الوتر .
أَمَّا حَدِيث الْحَسَن فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَالرَّاءِ عَنْ الْحَسَنِ ، وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ : " فَإِنَّك تَقْضِي " وَبَعْضهمْ أَسْقَطَهَا وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ قَبْلَ تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت " سُبْحَانَكَ " ، وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ قَبْلَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَيْضًا " وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ " . صحيح : صفة الصلاة صـ 110 .
وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ } [صحيح : الإرواء 426]
قال ابن قدامة وقد روى عن عمر أنه كان إذا فرغ من القراءة كبّر ثم قنت ثم كبّر حين يركع وروى ذلك عن على وابن مسعود والبراء وهو قول الثورى ولا نعلم فيه خلافا . أ.هـ. لقد سقت هذا الكلام لاُبين أنه حين يفرغ من القراءة يكبّر ثم يقنت .
: وَالْأَحَادِيث الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ[ أبو حنيفة يوجب الوتر طول السنة ] وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ ، وَرَوَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ .وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ : بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ .وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ .وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ عَنْهُ . وروى أبو داود أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب وكان يصلي لهم عشرين ليلة ولا يقنت إلا في النصف الباقي من رمضان [ منقطع : المشكاة 1293 ] . وروى محمد بن نصر بإسناد صحيح أن
ابن عمر كان لا يقنت في الصبح ولا في الوتر إلا في النصف الآخر من رمضان ) وروى العراقي عن معاذ بن الحارث الأنصاري أنه كان إذا انتصف رمضان لعن الكفرة . قال : وعن الحسن كانوا يقنتون في النصف الأخير من رمضان . وروي أيضا عن الزهري أنه قال : لا قنوت في السنة كلها إلا في النصف الأخير من رمضان . وروي عن عثمان بن سراقة نحوه . وذهب مالك فيما حكاه النووي في شرح المهذب وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي كما قال العراقي إلى مشروعية القنوت في جميع رمضان دون بقية السنة وذهب الحسن وقتادة ومعمر كما روى ذلك محمد بن نصر عنهم أنه يقنت في جميع السنة إلا في النصف الأول من رمضان . وقد روي عن الحسن القنوت في جميع السنة كما تقدم . وذهب طاوس إلى أن القنوت في الوتر بدعة وروى ذلك محمد بن نصر عن ابن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير . وروي عن مالك مثل ذلك .
قال بعض أصحاب مالك : سألت مالكا عن الرجل يقوم لأهله في شهر رمضان أترى أن يقنت بهم في النصف الباقي من الشهر فقال مالك : لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قنت ولا أحدا من أولئك وما هو من الأمر القديم وما أفعله أنا في رمضان ولا أعرف القنوت قديما

وقال معن بن عيسى عن مالك : لا يقنت في الوتر عندنا . وقال ابن العربي : اختلف قول مالك فيه في صلاة رمضان قال : والحديث لم يصح والصحيح عندي تركه إذ لم يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعله ولا قوله اه
قال العراقي : قلت بل هو صحيح أو حسن . وروى محمد بن نصر أنه سئل سعيد بن جبير عن بدء القنوت في الوتر فقال : بعث عمر بن الخطاب جيشا فتورطوا متورطا خاف عليهم فلما كان النصف الآخر من رمضان قنت يدعو لهم فهذه خمسة مذاهب في القنوت وبها يتبين عدم صحة دعوى المهدي في البحر أنه مجمع عليه في النصف الأخير من رمضان .
فالسلف فى القنوت مختلفون على أقوال :
1) فالزهرى يرى أن القنوت منسوخ ويقول ما قنت إلا وراء إمام يقنت
2) وأبو حنيفة يوجبه فى صلاة الوتر
3) والشافعى ومالك يستحبانه فى صلاة الفجر
لكن نحن نتكلم عن قنوت الوتر :
1) منهم من قال القنوت طول السنة وهو كلام أبو حنيفة وهو الوارد عن ابن مسعود وعمر وعلى ورواية عن أحمد بدون تفريق بين رمضان وغير رمضان .
2) لا يقنت إلا فى النصف الثانى من رمضان عن على وعمر وأبى بن كعب
3) يقنت طول العام فيما عدا النصف الأول من رمضان وهو قول الحسن ومعمر وقتادة .
والراجح قول من قال أنه يقنت طول العام هو الأقرب والصحابة مختلفون فى ذلك .
4) القنوت فى جميع رمضان دون بقية السنة وهو قول مالك ووجه لبعض الشافعية .
5) القنوت فى الوتر بدعة وإليه ذهب طاوس .

وقد اختلف في كونه قبل الركوع أو بعده ففي بعض طرق الحديث عند البيهقي التصريح بكونه بعد الركوع وقال : تفرد بذلك أبو بكر بن شيبة الحزامي وقد روى عنه البخاري في صحيحه وذكره ابن حبان في الثقات فلا يضر تفرده
وأما القنوت قبل الركوع فهو ثابت عند النسائي من حديث أبي بن كعب كما تقدم وعبد الرحمن بن أبزي وضعف أبو داود ذكر القنوت فيه وثابت أيضا في حديث ابن مسعود كما تقدم
قال العراقي : وهو ضعيف قال : ويعضد كونه بعد الركوع أولى فعل الخلفاء الأربعة لذلك والأحاديث الواردة في الصبح كما تقدم في بابه
وقد روى محمد بن نصر عن أنس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقنت بعد الركعة وأبو بكر وعمر حتى كان عثمان فقنت قبل الركعة ليدرك الناس ) [صحيح : الإرواء 424] قال العراقي : وإسناده جيد .
والقنوت ثابت عندنا قبل الركوع وبعد الركوع .
قوله في حديث علي : ( أعوذ بك منك ) أي أستجير بك من عذابك .




باب لا وتران فى ليلة



وختم صلاة الليل بالوتر وما جاء فى نقضه


عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ[ صحيح الجامع 7657 ]
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا } . روَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ
المذهب الأول : لا يجوز نقض الوتر وأستدلوا بحديث عائشة فى الصحيحين أنه أوتر بتسع ثم صلى ركعتين من جلوس ، وبحديث أم سلمة أن النبى كان يركع ركعتين بعد الوتر وهو جالس وهو مذهب أبو بكر وعمار ورافع بن خديج وطلق بن على وأبو هريرة وعائشة ، ومن التابعين الحسن البصرى وسعيد بن المسيب والشعبى والنخعى وسعيد بن جبير ومكحول ومن الأئمة مالك والثورى وأحمد والأوزاعى والشافعى وأبى ثور . وأعترض عليهم بأنه فيه مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم ( إجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) .
المذهب الثانى : جواز نقض الوتر بأن يضيف إليها أخرى ويصلى مابدا له ثم يوتر فى آخر صلاته وهو مذهب إسحاق وأستدلوا :
1) عن ابن عمر أنه كان إذا سئل عن الوتر قال أما أنا فلو أوترت قبل أن أنام ثم أردت أن أصلى بالليل شفعت بواحدة مامضى من وترى ثم صليت مثنى مثنى فإذا قضيت صلاتى أوترت بواحدة لأن رسول الله أمرنا أن نجعل آخر صلاة الليل الوتر . رواه أحمد[حسنه الألبانى] .
2) وعن علي قال : ( الوتر ثلاثة أنواع فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر فإن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر فعل وإن شاء ركعتين حتى يصبح وإن شاء آخر الليل أوتر ) - رواه الشافعي في مسنده [ضعيف]
قال الشوكانى : أَمَّا حَدِيث طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ فَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ : وَغَيْرُ التِّرْمِذِيِّ صَحَّحَهُ ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ ، وَقَدْ اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْضُ الْوِتْرِ .
وَمِنْ جُمْلَةِ الْمُحْتَجِّينَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ الَّذِي رَوَاهُ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ ، قَالَ : وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ، وَقَالُوا : إنَّ مَنْ أَوْتَرَ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْقُضُ وِتْرَهُ ، وَيُصَلِّي شَفْعًا شَفْعًا حَتَّى يُصْبِحَ ، قَالَ : فَمِنْ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرِ الصِّدِّيقِ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَعَائِذُ بْنُ عَمْرٍو وَطَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ .وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَكْحُولٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، رَوَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةُ عَنْهُمْ فِي الْمُصَنَّفِ أَيْضًا .وَقَالَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ طَاوُسٌ وَأَبُو مِجْلَزٍ . وَمِنْ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ ، رَوَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُمْ فِي سُنَنِهِ ، وَقَالَ : إنَّهُ أَصَحُّ .وَرَوَاهُ الْعِرَاقِيُّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ كَافَّةِ أَهْلِ الْفُتْيَا وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدِهِمْ جَوَازَ نَقْضِ الْوِتْرِ ، وَقَالُوا : يُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى ، وَيُصَلِّي مَا بَدَا لَهُ ، ثُمَّ يُوتِرُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَالَ : وَذَهَبَ إلَيْهِ إِسْحَاقُ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَقَالُوا : إذَا أَوْتَرَ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَشْفَعْ وِتْرَهُ ، وَصَلَّى مَثْنَى مَثْنَى كَمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ ، وَلَمْ يُوتِرْ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ كَانَ قَدْ جَعَلَ آخِرَ صَلَاتِهِ مِنْ اللَّيْلِ شَفْعًا لَا وِتْرًا ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا } وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الشَّفْعِ بَعْدَ الْوِتْرِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ وَبِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْآتِي ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَام عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَائِشَةَ .
قال الشوكاني : وقد ناقضهم القائلون بعدم الجواز فاستدلوا به على أنه لا يجوز النقض قالوا : لأن الرجل إذا أوتر أول الليل فقد قضى وتره فإذا هو نام بعد ذلك ثم قام وتوضأ وصلى ركعة أخرى فهذه صلاة غير تلك الصلاة وغير جائز في النظر أن تتصل هذه الركعة بالركعة الأولى التي صلاها في أول الليل فلا يصيران صلاة واحدة وبينهما نوم وحدث ووضوء وكلام في الغالب وإنما هما صلاتان متباينتان كل واحدة غير الأولى ومن فعل ذلك فقد أوتر مرتين ثم إذا هو أوتر أيضا في آخر صلاته صار موترا ثلاث مرات ..
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترا ) وهذا قد جعل الوتر في مواضع من صلاة الليل . وأيضا قال صلى الله عليه و سلم : ( لا وتران في ليلة ) وهذا قد أوتر ثلاث مرات .

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ } .رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ : وَهُوَ جَالِسٌ .وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ،[وأبى أُمامة عند أحمد] وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يَرَ نَقْضَ الْوِتْرِ.
وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ { أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَذَاكَرَا الْوِتْرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي ثُمَّ أَنَامُ عَلَى وِتْرٍ ، فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ صَلَيْتَ شَفْعًا شَفْعًا حَتَّى الصَّبَاحِ ، وَقَالَ عُمَرُ : لَكِنْ أَنَامُ عَلَى شَفْعٍ ثُمَّ أُوتِرُ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ : حَذِرَ هَذَا ، وَقَالَ لِعُمَرَ : قَوِيَ هَذَا } رَوَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ بِإِسْنَادِهِ [ثابت]

أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِك بْنِ بَشْرَانَ عَنْهُ ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَاهِرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ تَصْحِيحٌ لَهُ ، كَذَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ .

وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَقَدْ تَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ لَيْسَ فِيهَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ : فَإِذَا اسْتَيْقَظْتُ صَلَيْتُ شَفْعًا شَفْعًا مِنْهَا عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَمِنْهَا عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ .
وَمِنْهَا عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَمِنْهَا عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ .
وَمِنْهَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ،
فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخَطَّابِيِّ كَانَتْ صَالِحَةً لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجَازَ التَّنَفُّل بَعْد الْوِتْرِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ [حديث أبى قتادة ليس فيه هذه الزيادة ]وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فَالْكَلَامُ مَا قَدَّمْنَا فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ اخْتِصَاصِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا سَلَفَ .








باب قضاء ما يفوت من



الوتر والسنن الراتبة والأوراد


عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا ذَكَرَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد [وصححه الألبانى فى الإرواء 442] .
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَزَادَ " أَوْ إذَا اسْتَيْقَظَ " وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَإِسْنَادُ الطَّرِيقِ الَّتِي أَخْرَجَهُ مِنْهَا أَبُو دَاوُد صَحِيحٌ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ ، وَإِسْنَادُ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ ضَعِيفٌ ، أَوْرَدَهَا ابْنُ عَدِيٍّ وَقَالَ : إنَّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ ، وَكَذَا أَوْرَدَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ فَلْيُصَلِّ إذَا أَصْبَحَ } قَالَ : وَهَذَا أَصَحّ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ، يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ .
وفي الباب عن عبد الله ابن عمر عند الدارقطني قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من فاته الوتر من الليل فليقضه من الغد ) قال العراقي : وإسناده ضعيف وله حديث آخر عند البيهقي : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم أصبح فأوتر )
وعن أبي هريرة عند الحاكم والبيهقي قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر ) وصححه الحاكم على شرط الشيخين
وعن أبي الدرداء عند الحاكم والبيهقي بلفظ : ( ربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوتر وقد قام الناس لصلاة الصبح ) وصححه الحاكم
وعن الأغر المزني عند الطبراني في الكبير بلفظ : ( أن رجلا قال : يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر فقال : إنما الوتر بالليل فقال : يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر قال : فأوتر ) وفي إسناده خالد بن أبي كريمة ضعفه ابن معين وأبو حاتم ووثقه أحمد وأبو داود والنسائي
وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ فَيُوتِرُ } وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَضَاءِ الْوِتْرِ إذَا فَاتَ ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ [وهو ثابت عنه ] وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ كَذَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ .
قَالَ : وَمِنْ التَّابِعِينَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمِنْ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ وَأَبُو خَيْثَمَةَ
عامة أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة على أن الوتر يقضى .
ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ : إلَى مَتَى يَقْضِي ؟ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْوَالٍ :
أَحَدُهَا : مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَمَكْحُولٍ وَقَتَادَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي خَيْثَمَةَ ، حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْهُمْ
ثَانِيهَا : أَنَّهُ يَقْضِي الْوِتْرَ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَلَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيّ ..
وينبغى أن يكون قولاً لنا بإعتبار أن الصلاة التى بعد الصبح هى الصلاة التى ليس لها سبب .
ثَالِثُهَا : أَنَّهُ يَقْضِي بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ .وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ
رَابِعُهَا : أَنَّهُ لَا يَقْضِيهِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَيَقْضِيَهُ نَهَارًا حَتَّى يُصَلِّيَ الْعَصْرَ فَلَا يَقْضِيهِ بَعْدَهُ وَيَقْضِيهِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إلَى الْعِشَاءِ ، وَلَا يَقْضِيهِ بَعْدَ الْعِشَاءِ لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ وَتْرَيْنِ فِي لَيْلَةٍ ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ .
خَامِسُهَا : أَنَّهُ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ لَا يَقْضِيهِ نَهَارًا لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ ، وَيَقْضِيهِ لَيْلًا قَبْلَ وِتْرِ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ، ثُمَّ يُوتِرُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
سَادِسُهَا : أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْغَدَاةَ أَوْتَرَ حَيْثُ ذَكَرَهُ نَهَارًا ، فَإِذَا جَاءَتْ اللَّيْلَةُ الْأُخْرَى وَلَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ لَمْ يُوتِر لِأَنَّهُ إنْ أَوْتَرَ فِي لَيْلَةٍ مَرَّتَيْنِ صَارَ وِتْرُهُ شَفْعًا ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَيْضًا .
سَابِعهَا : أَنَّهُ يَقْضِيهِ أَبَدًا لَيْلًا وَنَهَارًا ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ فَتْوَى الشَّافِعِيَّةِالشافعية .
لأنه عندهم يكره في أوقات الكراهة ما ليس له سبب .
ثَامِنُهَا : التَّفْرِقَة بَيْن أَنْ يَتْرُكَهُ لِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ ، وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ عَمْدًا ، فَإِنْ تَرَكَهُ لِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ قَضَاهُ إذَا اسْتَيْقَظَ ، أَوْ إذَا ذَكَر فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ ، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَزْمٍ ، وَاسْتَدَلَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاتِهِ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا } .
قال : وَهَذَا عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ ، وَهُوَ فِي الْفَرْضِ أَمْرُ فَرْضٍ ، وَفِي النَّفَل أَمْرُ نَدْبٍ .قَالَ : وَمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ حَتَّى دَخَلَ الْفَجْرُ فَلَا يَقْدِر عَلَى قَضَائِهِ أَبَدًا .قَالَ : فَلَوْ نَسِيَهُ أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ أَبَدًا مَتَى ذَكَرَهُ وَلَوْ بَعْدَ أَعْوَامٍ .وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالْأَمْرِ بِقَضَاءِ الْوِتْرِ عَلَى وُجُوبِهِ ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى النَّدْبِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ .
وهذا هو الراجح وسوف يتطرق إليه ما تطرق إلى الفرض هل هو على الفور أم على التى التراخى قولان الأول للشافعى أنه على التراخى .
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ ، وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ كَانَ إذَا مَنَعَهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً } ، وَقَدْ ذَكَرنَا عَنْهُ قَضَاءَ السُّنَنِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ[ فى وقت الضحى وغير صلاة الضحى] .
قَوْلُهُ : ( عَنْ حِزْبِهِ ) الْحِزْبُ بِكَسْرِ الْحَاء الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ : الْوَرْدُ .
وَالْمُرَادُ هُنَا الْوَرْدُ مِنْ الْقُرْآنِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ مَا كَانَ مُعْتَادَهُ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اتِّخَاذِ وِرْدٍ فِي اللَّيْلِ وَعَلَى مَشْرُوعِيَّةٍ قَضَائِهِ إذَا فَاتَ لِنَوْمٍ أَوْ عُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْر إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ كَانَ كَمَنْ فَعَلَهُ فِي اللَّيْلِ ، قَوْلُهُ : ( وَثَبَتَ عَنْهُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .إلَخْ ) هُوَ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ ، وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ قَضَاءِ التَّهَجُّدِ إذَا فَاتَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ قَضَاءَهُ ، إنَّمَا اسْتَحَبُّوا قَضَاءَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ ، وَلَمْ يَعُدُّوا التَّهَجُّدَ مِنْ الرَّوَاتِبِ ، قَوْلُهُ : ( وَقَدْ ذَكَرنَا عَنْهُ قَضَاءَ السُّنَنِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ ) قَدْ تَقَدَّمَ بَعْضٌ مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ ، وَبَعْضٌ فِي أَبْوَابِ التَّطَوُّعِ .
ليس هناك تعارض بين حديث عائشة فإذا منعه وجع أو نوم صلى من الليل ثنتى عشرة ركعة وبين قوله فى حديث أبى سعيد من نام عن وتره لأنه يحمل حديث عائشة على أنه لم يصلى حزبه من الليل وليس معنى هذا أنه لم يوتر لكنه لم يصلى حزبه من الليل فأوتر على حديث أبى أيوب فمن غلب فليومئ فيصلى بالنهار ثنتى عشرة ركعة بإعتبار أن صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة ثنتى عشرة ركعة إلا الوتر يومئ إماءً قبل أن ينام .






باب صـلاة التـراويح

مقدمة :
اختلف أهل العلم هل الأفضل طول القيام فى الصلاة أم تقصير القيام - أي القراءة - مع الإكثار من الركوع والسجود؟
بالأول قال الشافعى أن الأفضل طول القيام والحجة مع الشافعى لما أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "أفضل الصلاة طول القنوت" ، والمراد بالقنوت القيام ، قال النووى : بالإتفاق أنه القيام ، لاسيما وأنه قد ورد عند أبى داود من حديث عبد الله بن حبشى بلفظ "طول القيام" . وذهب فريق آخر من أهل العلم منهم أبى حنيفة إلى أن الأفضل تقصير القراءة والقيام مع إكثار الركوع والسجود فالهدف هنا الإكثار من السجود وحجته ثلاثة أحاديث فى فضل السجود وكلها فى صحيح مسلم :
- الأول : حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء " .
- والثانى : حديث ثوبان أن معدان بن أبى طلحة سأله :أخبرنى بعمل أعمله يدخلنى الجنة فسكت ثم قال لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتنى فقال : " عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط بها عنك خطيئة "
- والثالث : حديث ربيعة بن كعب قال كنت أبيت مع النبى صلى الله عليه وسلم أناوله وَضوءَه وحاجته فقال " سلنى " فقلت أسألك مرافقتك فى الجنة قال " أو لا غير ذلك ؟ " قلت هو ذاك فقال صلى الله عليه وسلم " فأعنّى على نفسك بكثرة السجود " .
وقد ثبت عن عائشة فى الصحيحين كما سبق أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد على إحدى عشرة ركعة فى رمضان ولا فى غير رمضان ، ثم ورد حديث عن عائشة أيضاً وفى الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام صلى ثلاث عشرة ركعة ، ومر بنا حديث ابن عمر أن رجل قال يارسول الله كيف صلاة الليل ؟ قال " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة" ، فالرجل لما سأل النبى صلى الله عليه وسلم ونحن نعلم أن السنة إما أن تكون قولية أو فعلية أو تقريرية ، و الرجل قال كيف صلاة الليل ؟ فالبعض يريد أن يقول أن الرجل يسأل عن كيفية الصلاة لا عن الصلاة . لماذا يُقال هذا الأمر ؟ نقول أن الرجل كان يسأل عن عددها وكيفيتها فبيَّـن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يصلى ركعتين ركعتين كما شاء ثم أوتر بواحدة . ثم نجد فى كتاب التراويح أن السائب بن زيد له روايتان الأولى صححها الشيخ الألبانى وقال إسنادها صحيح جداً أنه كان أُبى يصلى بالناس حين جمعهم أمير المؤمنين عمر عليه وجعله إمام لهم كان يصلى إحدى عشرة ركعة ثم وردت رواية أخرى أنه كان يصلى بهم عشرين ركعة ، فالشيخ الألبانى قال هذه الرواية شـاذة ، وتعريف الشاذ هو مخالفة الثقة لمجموعة الثقات ، فهنا فى فعل تعدد وفعله الصحابة مراراً هل هنا يُتصور المخالفة أم يُحمل على أحوال متعددة ؟ وعندنا أثر يزيد بن رومان أنهم كانوا يصلون صلاة التراويح على عهد أمير المؤمنين عمر عشرين ركعة ، وهذا إسناده صحيح مرسل ، أى صحيح إلى يزيد بن رومان ، فهذا الأثر وهناك مرسل صحيح إلى عطاء بن أبى رباح أنهم كانوا يصلونها كذلك ، وقد وسع فى هذا الأمر الأئمة الأربعة وجمهور المحدثين ، إسحاق والثورى وابن المبارك وأهل الظاهر . فلو أردنا أن نطبق قواعد الإحتجاج بالمرسل فنحن نجد أن مرسل عطاء يقوى مرسل يزيد بن رومان وسنجد أثرين كلاهما عن السائب بن يزيد ذكر أحدهما أن أُبى كان يؤم الناس بإحدى عشرة ركعة وكان يقرأ بالمئين - أى السور الطوال - وكان الناس يتوكؤن على العصى من طول القيام وفى الأثر الثانى أن أُبى رضى الله عنه كان يصلى عشرين ركعة وحكم عليها الشيخ بأن إسنادها صحيح لكن فيها مخالفة ، وقلنا لا تتصور المخالفة عند حمل الأمر على التعدد حالين مختلفين ، فكأن أُبى رضى الله عنه كان يصلى بهم إحدى عشرة ركعة وكان يطيل حتى أنهم كانوا يتوكؤون على العصى من طول القيام فلما شقّ ذلك عليهم قلل القراءة وأكثر من السجود ، فإما أن يقوم قياماً طويلاً وهذا هو الأفضل كما قال الشافعى إستناداً إلى حديث جابر عند مسلم وعبد الله بن حبشى أفضل الصلاة طول القيام ، إن تعذر هذا أكثر من السجود وقلل من القراءة على مذهب أبى حنيفة ، وقال البعض يستوى الأمران ، وتوقف الإمام أحمد فيها فكأنه لما شقّ عليهم طول القيام مع صلاة إحدى عشرة ركعة فأُبى رضى الله عنه خفف القراءة وزاد فى عدد الركعات . فعندنا حديث مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو أن الرجل سأله كيف صلاة الليل قال" مثنى مثنى " فلم يقيدها عليه السلام بشئ ، وقول الشيخ الألبانى أنه قيدها بفعله صلى الله عليه وسلم فهذا مردود بأنه قد ثبت عن عائشة فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم ( كان يحب أن يفعل الشئ فما يفعله كى لا يشق على أُمته ) . ونحن نعلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : "من حافظ على أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها حرّمه الله على النار" ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أى وجه صلاة أربعاً بعد الظهر ، وكذلك ثبت فى الصحيحين عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "إذا صلى أحدكم الجمعة فليركع بعدها أربع ركعات" والدليل على أنها مستحبة رواية مسلم " من أراد " ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعد الجمعة أربع ركعات أبداً لكن الثابت عن مسلم من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة دخل بيته فصلى ركعتين . فكذلك هنا عندنا حديث مثنى مثنى ، ثم أن الأمر عليه عمل الصحابة وهذا العمل ثابت لا كما ذكر الشيخ الألبانى لأنه عندنا مرسلان صحيحين وعندنا روايتان للسائب بن يزيد وكل رواية تحمل على حال من الأحوال ويمكن الجمع بهذه الطريق خصوصاً أن هذا مذهب عامة السلف من الفقهاء والمحدثين ،وأعتقد أن سلف الشيخ الألبانى فى هذه المسألة هو مجاهد ، فالشيخ الألبانى لا يجوز أكثر من إحدى عشرة ركعة ، والبعض يقول أن السنة إحدى عشرة ركعة والزيادة جائزة نقول الأفضل أن يصليها إحدى عشرة ركعة مع تطويل القيام فهذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن لم يتمكن من هذا يخفف فى القراءة مع الزيادة فى عدد الركعات والأمر واسع له ، ونحن نقول الأفضل أن يصلى إحدى عشرة ركعة مع التطويل لأنه فعله صلى الله عليه وسلم ، وهو مذهب الجميع ، فقد روى المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فكلم فى ذلك كلمته عائشة كما ثبت فى صحيح البخارى عنها قالت أنه كان يقوم حتى تتورم قدماه فقالت له يارسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال رسول الله " أفلا أكون عبداً شكوراً" ! فهذا هو الأفضل لكن أن نقتصر فى السنة على عدد الركعات دون النظر إلى قدر كل ركعة ونزعم أن هذا من الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فهما فضلان طول القيام أو التخفيف فى القيام مع الإكثار من السجود فإن لم يتمكن الإنسان من تحصيل الأفضل يحصل الفاضل الآخر .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ ، فَيَقُولُ : { مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } .رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ
هذا الحديث فيه أيضاً " من صام رمضان إيماناً وأحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه " ، وفى رواية البخارى " من قام ليلة القدر إيماناً وأحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" ،هل قيام ليل رمضان أفضل من صلاة أى فرض أم أن صلاة الفرض أفضل ؟ طبعاً صلاة الفرض أفضل لما رواه البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " قال الله تعالى : من عادى لى ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرّب إلىّ عبدى بشئٍ أحب مما افترضته عليه " ، فالصلاة المفروضة أفضل من قيام رمضان بما فيه من قيام ليلة القدر فمن ترك النافلة لا يأثم ولكن من ترك الفرض يأثم . فعندنا " من صام رمضان إيماناً وأحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه " و"من قام رمضان إيماناً وأحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " و"من قام ليلة القدر إيماناً وأحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" ، لكن هذه الأحاديث لابد أن يوضع بجوارها حديث أيضاً فى صحيح مسلم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " الصلوات الخمسة والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا إجتُنبت الكبائر " ، فهذه نقطة فى غاية الأهمية فنحن نقول إن شهر رمضان هو أيضاً شهر التوبة لأن الصيام والقيام لن يعملا عملهما فى تكفير الصغائر إلا إذا اجتُنبت الكبائر .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ صِيَامَ رَمَضَانَ ، وَسَنَنْت قِيَامَهُ ، فَمَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ } .رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
[ فمن صامه وقامه إيماناً وأحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمه ] رواه أحمد والنسائى وابن ماجه . الحديث صحيح من قوله فمن صامه وقامه وأوله ضعيف .

حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنَ بْنِ عَوْفٍ فِي إسْنَادِهِ النَّضْرُ بْنُ شَيْبَانُ وَهُوَ ضَعِيفٌ . وقَالَ النَّسَائِيّ : هَذَا الْحَدِيثُ خَطَأٌ ، وَالصَّوَابُ حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
لذلك تجد مثلاً حديث إنما الأعمال بالنيات عن أبى هريرة فى ضعيف الجامع لأنهلم يرد إلا عن عمر بن الخطاب .
قَوْلُهُ : ( مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ ) فِيهِ التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِيَامِ ، وَقَدْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ " مَنْ قَامَ .إلَخْ " فَإِنَّهُ يَقْتَضِي النَّدْبَ دُون الْإِيجَابِ ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : " وَسَنَنْت قِيَامَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَرَضَ صِيَامَ رَمَضَانَ "

قَوْلُهُ : ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ ) الْمُرَادُ قِيَامُ لَيَالِيهِ مُصَلِّيَا ، وَيَحْصُل بِمُطْلَقِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ اسْتِغْرَاقُ جَمِيعِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ .قِيلَ : وَيَكُونُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ : إنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ يَحْصُلُ بِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ : يَعْنِي أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْمَطْلُوبُ مِنْ الْقِيَامِ لَا أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهَا [ هو يقصد صلاة الجماعة ، يحصل القيام وإن قام فى بيته ] . وَأَغْرَبَ الْكَرْمَانِيُّ فَقَالَ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقِيَامِ رَمَضَانَ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ .

قوله : ( إيمانا واحتسابا ) قال النووي : معنى إيمانا تصديقا بأنه حق معتقدا فضيلته ومعنى احتسابا أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص .

قال الشوكانى : ( غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) زَادَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ " وَمَا تَأَخَّرَ ".[هذه الزيادة شاذة]
قَالَ الْحَافِظُ : وَقَدْ وَرَدَ فِي غُفْرَانِ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابٍ مُفْرَدٍ ا هـ قِيلَ : ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَتَنَاوَلُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَقِيلَ : الصَّغَائِرُ فَقَطْ وَبِهِ جَزَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ .قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ الْفُقَهَاءِ ، وَعَزَاهُ عِيَاضٌ إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ غُفْرَانَ الذُّنُوب الْمُتَقَدِّمَةِ مَعْقُولٌ ، وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرَةِ فَلَا ، لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ تَسْتَدْعِي سَبْقَ ذَنْبٍ .وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنَّهَا تَقَع مِنْهُمْ الذُّنُوبُ مَغْفُورَةً.
قد بينت الحق فيما سبق فى حديث أبى هريرة وكذلك لابد من التوبة فعلى هذا القول لن تكون التوبة واجبة ، قال الله تعالى :{ توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تُفلحون } وقال تعالى : { ومن لم يتب فأولئك هُم الظالمون } وقال تعالى : {توبوا إلى الله توبة نصوحاً } .
قال النووي : اتفق العلماء على استحبابها قال : واختلفوا في أن الأفضل صلاتها في بيته منفردا أم في جماعة في المسجد فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية وغيرهم : الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم واستمر عمل المسلمين عليه لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد وبالغ الطحاوي فقال : إن صلاة التراويح في الجماعة واجبة على الكفاية وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم : الأفضل فرادى في البيت لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) متفق عليه [ من حديث زيد بن ثابت ] ، وقالت العترة : إن التجميع فيها بدعة .

وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ

هذه الأقوال أصحها قول الجمهور أنها تستحب فى جماعة ولا التفات إلى قول من استدل بقول عمر أن ينامون عنها خير من التى يقومون ؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم كما فى حديث عائشة صلى فصلى الناس بصلاته فلما كانت الليلة الثالثة كثر الجمع وفى الرابعة ضاق المسجد بأصحابه فلم يخرج إليهم حتى تطلع الفجر ، فلما خرج إليهم فى صلاة الفجر قال " أما أنهلم يخفَ علىّ مقامكم بالأمس ولكن خشيتُ أن تفرض عليكم"؛ إذاً هو صلاها جماعة بأصحابه ثم ترك الجماعة خشى أن تفرض عليهم فلم يخرج ، فبموته صلى الله عليه وسلم أمِنَّا من هذه المشقة التى خافها على أصحابه وأُمته . وكذلك فى حديث أبى ذر لما قالوا يارسول الله لو نفَّلتنا بقية ليلتنا هذه قال نه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" ، وفى هذا الحديث أنه صلى بهم جماعة عليه الصلاة والسلام فى ليلة الثالث والعشرين والخامس والعشرين والسابع والعشرين . ثم إن هذا هو فعل السلف على ما ورد فى الآثار التى ذكرناها سابقاً فالأفضل أن تصلى صلاة التراويح جماعة فى المسجد . فهذه من الصلوات التى تسن لها الجماعة فى المسجد ، وهي :
(1) صلاة الفريضة
(2) صلاة الكسوف ؛ لأنها ينادى لها
(3) صلاة العيد
(4) الاستسقاء
(5) التراويح
(6) وأضاف بعضهم : صلاة الجنازة .
لكن صلاة المرأة فى بيتها فى التراويح أفضل لحديث أم حُميد .. إذاً قول مالك أن الأفضل فى البيت غير صائب بل الأصح قول الجمهور، أما قول العترة أن التجميع لها بدعة هذا القول نفسه بدعة !
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : { صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنْ الشَّهْرِ[أى ليلة ثلاث وعشرين]، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا فِي الثَّالِثَةِ ، وَقَامَ بِنَا فِي الْخَامِسَةِ ، حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ[ فإذاً صلى ليالى وترية وأجتهد فى ليلة الخامس والعشرين أكثر من ليلة الثالث والعشرين واجتهد فى ليلة السابع والعشرين أكثر من ليلة الخامس والعشرين ]فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ ؟ فَقَالَ : إنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ، ثمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا حَتَّى بَقِيَ ثَلَاثٌ مِنْ الشَّهْرِ ،[ أى ليلة سبع وعشرين ] فَصَلَّى بِنَا فِي الثَّالِثَةِ وَدَعَا أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى تَخَوَّفْنَا الْفَلَاحَ ، قُلْت لَهُ : وَمَا الْفَلَاحُ ؟ قَالَ : السَّحُورُ } .رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ .
والألبانى في الإرواء 447.
فهذا النبى صلى الله عليه وسلم ومعه خيرة الأُمة صلى بهم ليلة الثالث والعشرين حتى ذهب ثلث الليل ولم يصلِ بهم قبل ذلك ، وفى ليلة الخامس والعشرين صلى بهم إلى نصف الليل وفى ليلة السابع والعشرين على وجه الخصوص صلى بهم حتى خشى الصحابة السحور ، فهذا هديه صلى الله عليه وسلم وكما ثبت فى صحيح البخارى عن ابن عمرو رضى الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال " أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه " ،فالإنسان لا يُغالى فى سنة ويُضيّع أخرى.

الْحَدِيثُ رِجَالُ إسْنَادِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَنِ كُلُّهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ .


قَوْلُهُ : ( فَلَمْ يُصَلِّ بِنَا ) لَفْظُ أَبِي دَاوُد { صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ }

قَوْلُهُ : ( لَوْ نَفَلْتَنَا ) النَّفَلُ مُحَرَّكَةٌ فِي الْأَصْلِ الْغَنِيمَةُ وَالْهِبَةُ ، وَنَفَلَهُ النَّفَلَ وَأَنْفَلَهُ : أَعْطَاهُ إيَّاهُ ، وَالْمُرَاد هُنَا لَوْ قُمْت بِنَا طُولَ لَيْلَتِنَا وَنَفَلْتَنَا مِنْ الْأَجْرِ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ ثَوَابِ الصَّلَاةِ

( فَصَلَّى بِنَا فِي الثَّالِثَةِ ) أَيْ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ بَقِيَتْ مِنْ الشَّهْرِ ، وَكَذَا قَوْلُهُ : فِي السَّادِسَةِ ، فِي الْخَامِسَةِ وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَتَخَوَّلُهُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ لِئَلَّا يُثْقِلَ عَلَيْهِمْ ، كَمَا كَانَ ذَلِكَ دَيْدَنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْعِظَةِ ، فَكَانَ يَقُومُ بِهِمْ لَيْلَةً وَيَدَعُ الْقِيَامَ أُخْرَى . وَفِيهِ تَأَكُّدُ مَشْرُوعِيَّةِ الْقِيَامِ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ الْآخِرَةِ مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الظَّفَرِ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ .
وفيها أيضاً إشارة إلى أن ليلة القدر فى الأغلب هى ليلة السابع والعشرين لأنه عليه الصلاة والسلام إجتهد فيها ما لم يجتهد فى الليالى السابقة قام فيها حتى خشى الصحابة الفلاح .
قَوْلُهُ : ( وَدَعَا أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ نَدْبِ الْأَهْلِ إلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ } [صحيح الجامع 3494] .وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضًامِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ } [صحيح الجامع 333]
فى الحديث الأول دعا لهم بالرحمة وفى الحديث الثانى " كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات" فهذه فضيلة عظيمة غفلنا عنها .
قوله : الفلاح .... قال في القاموس : الفلاح الفوز والنجاة والبقاء في الخير .
لو رجعنا القرآن الكريم عند لفظة الفلاح ومشتقاتها سنجد الفلاح فى الإيمان والعمل الصالح كما فى أول سورة البقرة { أولئك على هدىً من ربهم وأولئك هم المفلحون } هم المفلحون المعرّفة بالألف واللام والتوكيد بهم ، وقال تعالى { قد أفلح المؤمنون } ، { قد أفلح من تزكى } ؛ لأن الشيخ محمد الغزالى فى كتابه السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث لما أتى إلى حديث ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة ) قال أنا لست على استعداد لأن أوهن دينى وأقبل هذا الحديث وهو خبر آحاد يخالف الواقع فما هو الواقع قال هذه فلانة من القياديات وجولدامائير ، فهذا شئ عجيب أن يكون واحد داعية كبير ويصنف كتاباًلم يفهم معنى الفلاح ويظن أن الفلاح هو العلو فى الأرض ، لكن الفلاح فى الإيمان والعمل الصالح كما قال فى القاموس الفلاح هو الفوز والنجاة والبقاء فى الخير .
قال : والسحور ما يتسحر به أي ما يؤكل في وقت السحر وهو قبيل الصبح .

وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّهُمْ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي .


وَعَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ، ثُمَّ صَلَّى الثَّانِيَةَ فَكَثُرَ النَّاسُ ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ : رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعنِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ } ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَان ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَفِي رِوَايَةٍ : قَالَتْ : { كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ بِاللَّيْلِ أَوْزَاعًا ، يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ الشَّيْءُ مِنْ الْقُرْآنِ ، فَيَكُونُ مَعَهُ النَّفَر الْخَمْسَةُ أَوْ السَّبْعَةُ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ ، قَالَتْ : فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْصِبَ لَهُ حَصِيرًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَفَعَلْتُ ، فَخَرَجَ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى عِشَاءَ الْآخِرَةَ ، فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِهِمْ ، وَذُكِرَتْ الْقِصَّةُ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا : أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ } .رَوَاهُ أَحْمَدُ .

قال الشوكانى : قَوْلُهُ : ( صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ . إلَخْ ) قَالَ النَّوَوِيُّ : فِيهِ جَوَازُ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً ، وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ فِيهَا الِانْفِرَادُ إلَّا نَوَافِلَ مَخْصُوصَةٍ ، وَهِيَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ .وَكَذَا التَّرَاوِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ .
لا يجوز أن تصلى السنة الراتبة جماعة لأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلاها فى جماعة
وَفِيهِ جَوَازُ النَّافِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ أَفْضَلُ ، وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا فَعَلَهَا فِي الْمَسْجِد لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَكِفًا .
لم لا نقول إن هذا مستثنى من قوله صلاة المرء فى البيت أفضل إلا المكتوبة .
وَفِيهِ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُ ، قَالَ : وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ
منها أيضاً حديث جابر وابن عباس فى صلاته مع النبى فى صلاة الليل وحديث أبى سعيد.
وَلَكِنْ إنْ نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهُمْ بَعْدَ اقْتِدَائِهِمْ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لَهُ وَلَهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا حَصَلَتْ لَهُمْ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَلَا تَحْصُلُ لِلْإِمَامِ عَلَى الْأَصَحِّ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ فَقَدْ نَوَوْهَا .
وَفِيهِ إذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةٌ وَخَوْفُ مَفْسَدَةٍ أَوْ مَصْلَحَتَانِ اُعْتُبِرَ أَهَمُّهُمَا ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ رَأَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ مَصْلَحَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، فَلَمَّا عَارَضَهُ خَوْفُ الِافْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ تَرَكَهُ لِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي يَخَافُ مِنْ عَجْزِهِمْ وَتَرْكِهِمْ لِلْفَرْضِ
لأنه صلى الله عليه وسلم رأى أن المصلحة أن يجمعهم وخشى من مفسدة أن تفرض عليهم فيكون درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة .
وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ وَكَبِيرَ الْقَوْمِ إذَا فَعَلَ شَيْئًا خِلَافَ مَا يَتَوَقَّعُهُ أَتْبَاعُهُ وَكَانَ لَهُ فِيهِ عُذْر يَذْكُرُهُ لَهُمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَإِصْلَاحًا لِذَاتِ الْبَيْنِ لِئَلَّا يَظُنُّوا خِلَافَ هَذَا ، وَرُبَّمَا ظَنُّوا ظَنَّ السَّوْءِ .
قَوْلُهُ : ( أَوْزَاعًا ) أَيْ جَمَاعَاتٍ .
وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ كَالْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ التَّرَاوِيحِ مِنْ صَحِيحِهِ ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى خَلْفَهُ النَّاسُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ، وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا لِخَشْيَةِ الِافْتِرَاضِ ، فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مُطْلَقِ التَّجَمُّعِ فِي النَّوَافِلِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ ، وَأَمَّا فِعْلُهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَفْعَلُونَهَا الْآن مِنْ مُلَازَمَةِ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ وَقِرَاءَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِي كُلّ لَيْلَةٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ .
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَيْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَهُوَ أَيْضًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّى فَصَلَّوْا مَعَهُ ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلِّي بِصَلَاتِهِ ، فَلَمَّا كَانَتْ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ ، وَلَكِنْ خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا } ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِّي[ هكذا ضبطها ، تقريب التهذيب ] قَالَ : خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ ، فَقَالَ عُمَرُ : إنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ، فَقَالَ عُمَرُ : نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ ، وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ ، يَعْنِي آخِرَ اللَّيْلِ ،وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
ولمالك في الموطأ عن يزيد بن رومان قال : ( كان الناس في زمن عمر يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة )[ إسناده صحيح إلى يزيد بن رومان ، الإرواء 446]
قَوْلُهُ : ( فَقَالَ عُمَرُ : نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ ) قَالَ فِي الْفَتْحِ : الْبِدْعَةُ أَصْلُهَا مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ ،[ أى فى اللغة ] وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مُقَابَلَةِ السُّنَّةِ فَتَكُونُ مَذْمُومَةً ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَحْسَنٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ حَسَنَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَقْبَحٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ مُسْتَقْبَحَةٌ ، وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ قِسْمِ الْمُبَاحِ ، وَقَدْ تَنْقَسِمُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ .انْتَهَى
هي طريقة فى الدين مخترعة تضاهى الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة فى التعبد لله تعالى وهذا تعريف الشاطبى ، فلمّا يُقال الكعك بدعة إن قصد بدعة فى الدنيا ممكن ، أما أن يقال إنها بدعة فى الدين فلا ؛ إلا أن يُقال أن أكل الكعك فى العيد أكثر عند الله من أكل غيره ، وكذلك فوانيس رمضان لا تسمى بدعة . فعن الربيع بنت معوذ قالت ( صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه فكنا نصومه وتصومه صبياننا ونصنع لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم أعطيناه اللعبة ودفعنا به إلى المسجد ) . فلابد أن تكون البدعة فى الدين .
قال محمد بن منير الدمشقى عند قوله تنقسم البدعة إلى الأحكام الخمسة : البدعة التى تنقسم إلى خمسة أقسام هى ما كانت خارجة عن العبادات ، أما إذا كانت مما يدخل فى العبادة فلا ، وقد ذكرنا كلام العلامة الشاطبى فى ذلك ورده كل بدعة فى العبادات . وقول عمر نعمت البدعة أى الأمر البديع الذى ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم وترك فى زمن أبى بكر لانشغال الناس لما حدث بعد وفاة الرسول عليه السلام ، ولشارح بلوغ المرام كلام نفيس على هذا الحديث وقد ذكرته فى تعليقى على الإحكام فارجع إليه .
محصَّل الكلام فى هذه المسألة أن البدعة فى الدين مرفوضة بكل وجه وبكل شكل لأنه قد ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها وهذا أحد الأحاديث التى يدور عليها الإسلام من جملة ثلاثة أحاديث:
- حديث عمر " إنما الأعمال بالنيات "
- وحديث عائشة " من أحدث فى أمرنا هذا [ أى فى أمر ديننا ] ما ليس منه فهو رد ، وفى رواية " من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ، هذه الرواية تعزا للإمام مسلم فقط رغم أنى وجدتها فى البخارى أيضاً " من عَمِلَ عمل " فهذا نهى عن إحداث البدعة والعمل بها ليس عليه أمرنا فهو رد ، وقال الإمام الشافعى من إستحسن فقد شرع ، وقال مالك كلاما معناه أن من استحسن شيئا لم يكن مستحسن على عهدهم فقد زعم أن محمد خان الرسالة . فالمتصور أن النبى صلى الله عليه وسلم أبلغنا جميع الدين حتى قال تعالى { اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتى ورضيتُ لكم الإسلام ديناً } فإذا استحسن كل أحد شئ وأضافه إلى الشرع تغيرت رسومه ومعالمه ، وقد روى الترمذى بإسناد صحيح عن ابن عمر أن رجلاً عطس إلى جواره فقال : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، فقال ابن عمر : صدقت ، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ولكن ما هكذا علمنا رسول الله أن نقول إذا عطسنا بل علمنا أن نقول الحمد لله رب العالمين ، فابن عمر واقف بالمرصاد تغير طفيف فقط فحتى لا يسيء الرجل الفهم فيقول تُنكرون علىّ أن أُصلى على رسول الله قال له ابن عمر صدقت الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ولكن ماهكذا علمنا رسول الله أن نقول إذا عطسنا ، وقال مالك رحمه الله : ما لم يكن على عهدهم ديناً فلن يكون ديناً إلى يوم القيامة .كيف يتصور أن جزئية من الدين لم تكن على عهدهم معروفة ؟! وكان إذا سُئل عن أمرٍ حادث قال لو كان خيراً لسبقونا إليه لأنهم أحرص الناس على الخير بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى بلغ حد التواتر " خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " وهو فى الصحيحين عن عمران بن الحصين ، وروى البيهقى بإسناد صحيح عن ابن مسعود أنه كان يقول " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم وعليكم بالأمر العتيق " . ولننظر إلى هذا الموقف من الإمام مالك لنعلم الحكمة فى تشددهم فى هذا الباب : أتاهم رجل فقال أريد أن أحرم للحج فمن أين ؟ قال من ذى الحليفة أحرم منها رسول الله ، فقال الرجل إنما أريد أن أُحرم من مسجده عند قبره فقال مالك : أخشى عليك الفتنة ! قال : يا أبا عبد الله إنما هى خطوات أقطعها فى سبيل الله ، فقال مالك : لذلك قلت أخشى عليك الفتنة تريد أو تظن أنك تقطع خطوات تركها رسول الله ( أى تظن أنك عملت عمل أكمل من الذى فعله رسول الله ) والذين قسموا البدع وقالوا هناك بدعة حسنة إحتجوا بـ :
1 - بأثر عمر هذا " نعمت البدعة هذه " وواضح أن عمر قصد المعنى اللغوى ،لم يقصد المعنى الشرعى فهذا لا يخفى على مثله أبداً ويتصور أنه كان موجودا حين ائتم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إمتنع عن الخروج إليهم كما يتصور أنه كان موجود مع الذين قاموا معه فى حديث أبى ذر . الصحابة كانوا يقولون قال رسول الله ذهبت أنا وعمر جاءت أنا وأبو بكر وعمر يعنى كان دائماً النبى كان معه صاحباه أبو بكر وعمر . فهو قصد البدعة اللغوية وإلا فهذا ثابت فى السنة المطهرة كما قالت عائشة ، وفى حديث أبى ذر وفى حديث عائشة أنه حينما امتنع رسول الله امتنع مخافة وقوع المفسدة وهى أن تُفرض عليهم فلما مات صلى الله عليه وسلم أُمنت هذه المفسدة .
2 - وأحتجوا أيضاً بحديث جرير بن عبد الله البجلى فى صحيح مسلم أن النبى قال ( من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ ، ومن سن فى الإسلام سنة سيئة فعلبه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ ) وهذا الحديث سببه أن قال:كُنا جلوسا عند النبى صلى الله عليه وسلم فأتاه ناس من الأعراب مجتابى النمار ، متقلبى السيوف والعباه ، كانوا من مضر فلما رأى رسول الله مافيهم من فاقه ( لأن مجتابى النمار أى شديد الفقر يرتدون ثياب مفتوحة من الجانبين تستر البطن والظهر فقط ) فلما رأى رسول الله مابهم من فاقة تمعّر وجهه صلى الله عليه وسلم فأمر بلال فأذن ثم أمره فأقام فصلى صلى الله عليه وسلم ثم خطب الناس فذكر الآية { يا أيها الناس اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ... } ثم قال صلى الله عليه وسلم تصدق رجل من ديناره ، تصدق من درهمه ، تصدق رجل من صاع بره ، تصدق رجل من صاع تمره ، حتى قال : ولو بشق تمرة ، فقام رجل من الأنصار فأتى بصُرة كادت كفه أن تعجز عن حملها بل عجزت عن حملها – هكذا يقول الراوى – فوضعها بين يدى رسول الله ثم تتابع الناس ، فهذا الرجل نفّذ السنة ثم تتابع الناس حتى اجتمع كومان من ثياب وطعام بين يدى رسول الله حتى رأيت وجهه يتهلل كأنه مُذْهَبَةٌ، أى :كأنه طلى بماء الذهب ثم قال : من سن فى الإسلام سنة حسنة وذكر الحديث.... فى هذا الحديث أن الرجل الذى بدأ إنما أحيا سنة حين نفّذها فتتابع الناس بعده فإن قال قائل أنت تقصر العام على سبب ، وهذا قوله ضعيف ، فالجواب أنه لابد وأن تفعل ذلك أى مراعاة سبب ورود النص فى هذا الموضع جمعاً بينه وبين حديث عائشة " من أحدث فى أمرنا شئ ليس منه فهو رد " ولحديث جابر بن عبد الله عن النسائى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " كل محدثةٍ بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار " ( كل ) أعلى صيغ العموم ، بالإضافة إلى أنه قد ثبت عن مسلم من حديث أبى هريرة أن النبى قال " من دعا إلى هدى فله أجره وأجر من عمل مثله إلى يوم القيامة ومن دعا إلى ضلالة فكذلك أيضاً " حتى قال شيخ الإسلام أن قول من قال هناك سنة حسنة لا يدخل فى مقام الاجتهاد بل هو كالمحاد لله ورسوله إذ كيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم" كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " ثم يأتى من يقول هناك بدعة مستحسنة ..!
أما حلوى المولد فهى شعار للاحتفال بمولد النبى صلى الله عليه وسلم وهذا ما لم يحدث من أصحابه الكرام أى أصل الاحتفال ولا من التابعين ولا من تابعى التابعين وهذه هى القرون المفضلة ، فعلمنا أنه أمر محدث ينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم " فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار " .
وهم يموهون بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين بسبب أنه ولد فيه قالوا فهو يحتفل بميلاده ، فنقول : قد خالفوا ذلك فى موضعين فهو يحتفل بميلاده من كل أسبوع لا بميلاده من كل عام ، ثانياً احتفل صلى الله عليه وسلم بالصيام والتقرب إلى الله تعالى فمن أراد أن يقتفى أثره صلى الله عليه وسلم فعليه أن يحتفل بميلاده صلى الله عليه وسلم بصيام يوم الإثنين من كل أسبوع لكن ما يُفعل الآن - وقد تولت الطرق الصوفية كِبره وينطبق عليه اسم البدعة - فهم يقولون نحن نذكر الناس برسول الله ، وهل يُتصور أن ينسى مسلم رسول الله فى جميع شئون حياته حتى حين يخالف فمعه النبى صلى الله عليه وسلم والسنة أمام عينه ويعلم أنه مخالف فهذا هو المتصور بالمسلم ، فهو لما يقول عليه الصلاة والسلام "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ" ، فالمنذرى فى الترغيب قال أى تعلّموها وألزموها كما يلزم العاض على الشئ بأسنانه ولكن الإحتفال عندهم يتمثل فى فيلم رابعة العدوية وخطبة بالليل من أى مسجد وحلوى المولد وهم يزعمون أننا إذا كلمناهم فى ذلك أننا لا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم ! إذاً يرموننا بالكفر ! ولا يتصور ألا يحب المسلم رسول الله ثم يُقال دليلكم . هل الدليل على أنكم تحبون رسول الله وأننا لا نحبه أكل الحلوى فقط ؟ هذه خدعة الشيطان لكم ، لكننا تعلمنا أن الإنسان مأمور بشكر النعمة وأن الشكر يدخل فى صلب العبودية لله تعالى بدليل قوله تعالى فى سورة النحل : { وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} فهذه قضية شرطية إذا كنتم تعبدون فلابد أن تشكروا ، وهذا أمر لا يدل على الوجوب فحسب بل على أن ذلك شرط فى العبودية لله ، ومن شكر النعمة أن تستعمل فى تحصيل مرضاة واهبها لا إله إلا هو ، هو واهب النعم { فما بكم من نعمةٍ فمن الله } والله عز وجل امتنّ علينا بنعمة عظيمة أعنى نعمة إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال تعالى { لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويُزكيهم ويُعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين } وأمرنا أن نشكر هذه النعمة كما فى سورة البقرة فقال { كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون } وإذا قلنا أن من شكران النعمة من أهم مقومات الشكر أن تستعمل النعمة فى تحصيل مرضاة واهبها فإن الله قد بيّن أنه أرسل الرسل لغرض واحد فقط فقال { وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليُطاع بإذن الله } وهذا أعلى أساليب الحصر والقصر فى لغة العرب التى نزل بها القرآن : النفى الذى يعقبه إثبات ، لذلك وردت هذه الصيغة فى القضايا الكبرى الثلاثة :
1. قضية العبودية لله تعالى "أنه لا إله إلا أنا فاعبدون".
2. وأما فيما يتعلق بالرسالة ما أرسلنا من رسولٍ إلا ليُطاع بإذن الله".
3. وأما فيما يتعلق بالخلق فقوله تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".
فإذاً شكران النعمة بأن نستعملها فى تحصيل مرضاة واهبها وذلك بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو قد بيّن ذلك فى سنته كما فى حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : " كل أُمتى يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا ومن يأبى يارسول الله ؟ قال من أطاعنى دخل الجنة ومن عصانى فقد أبى " فيه أنه ليس بالتمنى وإنما هو مسلك فهذا هو المحك : الطاعة لرسول الله من عدمها ، وأما قضية الحب للرسول لابد هنا أن نستحضر كلام العلامة البيضاوى رحمه الله هذا الكلام أورده الحافظ ابن حجر على حديث أنس بن مالك فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث من كُن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .." فالبيضاوى قال : والمراد بالمحبة هنا المحبة العقلية ( فبدأها بالعقلية لأن العقل هو مناط التكليف ) التى هى إيثار ما يقتضى العقل السليم رجحانه وإن كان على خلاف هوى النفس ، ضرب مثلافقال : كالمريض ينفر عن الدواء بطبعه فيكره تناوله ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله ، فلو مرض يهوى إلى الدواء بعقله ، فلو تدبر المكلف أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل وخلاص آجل والعقل السليم يقتضى رجحان ذلك الجانب لتدربت نفسه على اتباعه حتى يصير هواه تبعاً لما جاء به ( فالمسألة بدأت عقلية وانتهت بأنها مشاعر فهواه اتباع الشرع ، فكما قال أهل العلم لم يمتدح الهوى إلا فى موضع واحد وهو فى الحديث الذى ضعفه الشيخ ناصر "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به" فهذه هى مسألة المحبة )
فلا يُتصور أن يدخل الله أحد الجنة وهو لا يحبه فالجنة لأهل محبته ثم هل يتصور أن يحب الله إنسان لا يحبه فلابد أن يكون هناك محبة متبادلة ، فإذا كان الأمر كذلك فتفقد نفسك فى موضعين حتى لا تتصور نفسك أن المحبة شئ من الوجد يجده الشخص فى قلبه :
· الموضع الأولعند قوله تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيم } فهذه محبة متبادلة فلابد من تفقد النفس فى مدى الاتباع للصادق المصدوق النبى صلى الله عليه وسلم ، ونحن نعلم أنه صلى الله عليه وسلم فى حديث عند مسلم من حديث ابن مسعود أنه قال " من أحب أن يلقى الله غداً مسلماً فليؤدِّ هذه الصلوات حيث ينادى بهنّ " محل الشاهد " فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنها من سنن الهدى" لما سنن الهدى شرعها الله لنبيه عليه السلام فقد أمات عليه السلام سنن الجاهلية ونحن نعلم فى حديث طارق بن شهاب أن رهطا من اليهود أتوا أمير المؤمنين عمر فقالوا له لقد نزلت عليكم آية لو نزلت علينا نحن معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً { اليوم أكملت لكم دينكم ... } فقال عمر : إنى لأعلم متى نزلت وأين نزلت ، نزلت على رسول الله عشية عرفة فى يوم جمعة . إذاً لما يقول الله { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً } أى علمنا سنن الهدى فلما جاء عشية عرفة أى من الزوال . لذلك يقول ابن القيم أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية أمر براحلته فرحلت له ثم أتى أدنى باطن وادى فخطب الناس خطبة عرفة . ماذا قال فيها ؟ قال " ألا وإن كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمىَّ هاتين موضوع " ، كل أمور الجاهلية فى ذلك اليوم تحت قدمى هاتين موضوع ، ممكن إنسان يدعى يحب ربنا وهو فى نفس الوقت أخرج أمر من أمور الجاهلية من تحت قدم النبى عليه السلام ورفعه مرة ثانية بعد أن دهسه النبى عليه السلام !وأن من فعل ذلك كان من أبغض الناس إلى الله ثم يدعى بعد ذلك محبة الله رغم أن فى صحيح البخارى من حديث ابن عباس أن النبى قال :" أبغض الناس إلى الله ثلاث : ملحدٌ فى الحرم ، ومبتغٍ فى الإسلام سنة الجاهلية ، وطالب دم امرئٍ بغير حق ليهريق دمه " [البخاري] فهذا من أبغض الناس إلى الله فممكن أن يكون تبرج الجاهلية موجود وظن الجاهلية موجود وحُكم الجاهلية موجود وحمية الجاهلية موجودة أو كما قال أهل العلم اختصاراً هى قسمة ثنائية حُكم الله وحُكم الجاهلية { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون } فهذه هى النقطة ، والله تعالى قال { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يُصيبهم عذابٌ أليم } فلما حصلت المخالفة ضرب المسلمون وضرب قائدهم ، فقائدهم كان النبى عليه السلام فلما خالف الرُماة أمره صلى الله عليه وسلم كُسرت رباعيته عليه السلام وشُجت رأسه عليه السلام ، فالقاعدة لا تتخلف حتى لو كان الناس هُم خيرة أهل الأرض أبو بكر وعمر وغيرهم وكان قائدهم سيد الخلق عليه الصلاة والسلام لمأ خالف الرُماة أمره صلى الله عليه وسلم وقائدهم قد ذكّرهم فلم يلتفت إليه قُتل قائد الرُماة مما يدل على أن شؤم المعصية كما قال أهل العلم يعُم { فليحذر الذين يُخالفون عن أمره } .
· الموضع الثانى الذى ينبغى أن يتفد الإنسان نفسه فيه هو قوله تبارك وتعالى "
يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقومٍ يُحبهم ويُحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " وهذه أول صفة " يُجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " وهؤلاء هُم حزب ربنا { والله واسع عليم إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يُقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهُم راكعون ومن يتولى الله ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب الله هُم الغالبون } فكان ينهى عن موالاة اليهود والنصارى وبيّن هنا إنما ، وإنما هنا تفيد الحصر الذى يريد أن يكون من حزب ربنا سبحانه فإنما هؤلاء أولياءه { إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويُؤتون الزكاة وهُم راكعون ومن يتولى الله ورسوله والذين ءامنوا } فهذا من حزب الله { فإن حزب حزب الله هُم الغالبون } إذاً لا يُموهون علينا بمسألة المحبة فنحن نستطيع أن نصيغ العبارة فنقول إنكم تأكلون الحلوى وتشاهدون فيلم رابعة العدوية وتحضر العروسة فهذه هى محبة الرسول أكثر من غيره فلابد أن تراجع نفسك لأن هذا ليس منهجاً يدل عليه دليل لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله ولكن هاك البيان ، فلابد أن تكون شاكراً لله وأنت تزعم أنك تحتفل بالرسول اعلم الشكر فالناس ينحصر عندهم الشكر فى أنهم لما يذهبوا إلى المسجد يوم الجمعة وأول لما يطلع الإمام يقول الحمد لله ويُقبل يده فيصبح من الشاكرين بهذه الفعلة وانتهت المسألة على هذا ..لا.. فالشكر بالقلب واللسان والجوارح وكل واحد من هذه الأشياء عليه وظائف لكن من أهم وسائل الشكر الركن الركين معرفة أن هذه نعمة ومن أهم وسائل شكر هذه النعمة أن نستعملها فى تحصيل مرضاة واهب النعم سبحانه وتعالى . إنتهى .
قوله : ( بثلاث وعشرين ركعة ) قال ابن إسحاق : وهذا أثبت ما سمعت في ذلك . ووهم في ضوء النهار فقال : إن في سنده أبا شيبة وليس الأمر كذلك لأن مالكا في الموطأ ذكره كما ذكر المصنف . والحديث الذي في إسناده أبو شيبة هو حديث ابن عباس الآتي كما في البدر المنير .
والتلخيص وفي الموطأ أيضا عن محمد بن يوسف عن السائب ابن يزيد أنها إحدى عشرة. وروى محمد بن نصر عن محمد بن يوسف أنها إحدى وعشرون ركعة[ قال الألباني : صحيح جدًا التراويح صـ45] . وفي الموطأ من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أنها عشرون ركعة[ شاذة ، الإرواء ] . وروى محمد بن نصر من طريق عطاء قال : أدركتهم في رمضان يصلون عشرين ركعة وثلاث ركعات الوتر . [ مرسل صحيح الإسناد ]
قَالَ الْحَافِظُ : وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُمْكِنُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ .
هذا هو الكلام الصحيح أما أن نحكم على رواية بالشذوذ لأنها تخالف مذهبنا فلا .
وَيُحْتَمَل أَنَّ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ بِحَسَبِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَتَخْفِيفِهَا ، فَحَيْثُ تَطُولُ الْقِرَاءَةُ تُقَلَّلُ الرَّكَعَاتُ وَبِالْعَكْسِ ، وَبِهِ جَزَمَ الدَّاوُدِيُّ وَغَيْرُهُ ،قَالَ : وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ رَاجِعٌ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْوِتْرِ ، فَكَأَنَّهُ تَارَةً يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَتَارَةً بِثَلَاثٍ وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ قَالَ : أَدْرَكْتُ النَّاسَ فِي إمَارَةِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ يَقُومُونَ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ .وَقَالَ مَالِكٌ : الْأَمْرُ عِنْدنَا بِتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَبِمَكَّةَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ضِيقٌ .قَالَ التِّرْمِذِيُّ : أَكْثَرُ مَا قِيلَ : إنَّهُ يُصَلِّي إحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً بِرَكْعَةِ الْوِتْرِ .وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَرْبَعِينَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ وَقِيلَ : ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ .قَالَ الْحَافِظُ : وَهَذَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ بِانْضِمَامِ ثَلَاثِ الْوِتْرِ ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي رِوَايَتِهِ بِأَنَّهُ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ فَيَكُونُ أَرْبَعِينَ إلَّا وَاحِدَةً .
قَالَ مَالِكٌ : وَعَلَى هَذَا الْعَمَلِ مُنْذُ بِضْعٍ وَمِائَةِ سَنَةً .وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ سِتُّ وَأَرْبَعُونَ وَثَلَاثُ الْوِتْرُ قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَهَذَا الْمَشْهُورُ عَنْهُ ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ : لَمْ أُدْرِكْ النَّاسَ إلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ وَيُوتِرُونَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ . وَعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ بِالْبَصْرَةِ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيُوتِرُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ .وَقِيلَ : سِتَّ عَشْرَةَ غَيْرَ الْوِتْرِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ .
قال ابن قدامة فى المغنى قال أبو عبد الله إنها عشرون وهو مذهب الثورى والشافعى وأبو حنيفة ، قال مالك ست وثلاثون ، قال: وهو العمل منذ بضع ومائة سنة ، فالسلف الصالح اختلفوا فى العدد لكن لم يقل أحد منهم أنها لا تجوز إلا بهذا ليس فى شئ من ذلك ضيق .
وَأَمَّا الْعَدَدُ الثَّابِتُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ فِي رَمَضَانَ ، فَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ { مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً } .وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْحَدِيثِ جَابِرٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ } .وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " كَانَ يُصَلِّي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ " [موضوع ، الإرواء 446] زَادَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ لَهُ " وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو شَيْبَةَ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا مِقْدَارُ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَلَمْ يَرِدْ بِهِ دَلِيلٌ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَمَا يُشَابِهُهَا هُوَ مَشْرُوعِيَّةُ الْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ ، وَالصَّلَاةُ فِيهِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى ، فَقَصْرُ الصَّلَاةِ الْمُسَمَّاةِ بِالتَّرَاوِيحِ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ ، وَتَخْصِيصُهَا بِقِرَاءَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَمْ يَرِدْ بِهِ سُنَّةٌ .
الدمشقى كتب في الهامش : ذكر العلامة النووى فرعاً فى مذهب علماء السلف فيما يقرأ فى صلاة التراويح قال : قال مالك فى الموطأ عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن الأعرج [التابعى] قال : ما أدركت الناس إلا وهُم يلعنون الكفر فى رمضان ، وكان القارئ يقوم بسورة البقرة فى ثمان ركعات ، وإذا قام بها فى ثنتى عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف ، وقال النووى : وروى مالك عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال : أمر عمر بن الخطاب أُبى بن كعب وتميم الدارى أن يقوما للناس فكان القارئ يقوم بالمئين ( أى السور الطوال ) حتى كنا نعتمد على العصى من طول القيام وما كنا ننصرف إلا فى فروع الفجر ، وذكر آثارا غير ما ذكرت .أ.هـ.
الإمام أحمد بيّن أنه يقرأ القدر الذى يجتمع به عليه الناس ، وإن قرأ فى كل يوم جزءًا فهذا أفضل حتى يسمع الناس جميع القرآن ، قال والأمر على ما يحتمله الناس ، ونفس الكلام يقول به الشيخ ابن باز . وقال القاضى : لا يُستحب النقصان عن ختمة فى الشهر ليسمع الناس جميع القرآن ولا يزيد على ختمة كراهية المشقة على من خلفه . قال ابن قدامة : والتقدير بحال الناس أولى فلو اتفق جماعة يرضون بالتطويل كان أفضل .
مسألة :
قال أبو داود سمعت أحمد يقول : يعجبنى أن يصلى مع الإمام ويوتر معه وذكر حديث أبى ذر أن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له بقية ليلته . قال أبو داود : وكان أحمد يقوم مع الناس ويوتر معهم . قال الأثرم : وأخبرنى الذى كان يؤمه فى شهر رمضان أنه كان يصلى معهم التراويح كلها والوتر قال وينتظرونى بعد ذلك حتى أقوم ثم يقوم .

مسألة :
وكره أبو عبد الله التطوع بين التراويح وقال فيه عن ثلاثة من أصحاب النبى كره ذلك عبادة بن الصامت وأبى الدرداء وعقبة بن عامر فذكر لأبى عبد الله أفيه رخصة عن الصحابة ؟ قال : هذا باطل إنما فيه عن الحسن وسعيد بن جبير .







باب



ما جاء فى الصلاة بين العشــاءين



عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْله تَعَالَى : { كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } قَالَ : كَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْن الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَكَذَلِكَ : { تَتَجَافَى جَنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ } . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
قال الشيخ ناصر : صحيح على شرطهما [ الإرواء 469 ] وهذا له حُكم الرفع .
وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : { صَلَيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي ، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ خَرَجَ } .رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ .
وصححه الألبانى فى الإرواء 470
أَمَّا قَوْلُ أَنَسٍ فَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ بْنِ وَجِيهٍ قَالَ : سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَوْله تَعَالَى { تَتَجَافَى جَنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ } فَقَالَ : كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إلَى صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ { تَتَجَافَى جَنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ } وَالْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ ضَعِيفٌ .وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوِهِ ، وَأَبَانُ ضَعِيفٌ أَيْضًا ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرَ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ . وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ : يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ .قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عِمْرَانَ الْخُزَاعِيِّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ بِلَالٌ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { تَتَجَافَى جَنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ } كُنَّا نَجْلِسُ فِي الْمَجْلِسِ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُصَلُّونَ بَعْدَ الْمَغْرِب إلَى الْعِشَاءِ فَنَزَلَتْ ، وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْله تَعَالَى : { إنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } قَالَ : مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ .قَالَ : { وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ } .وَفِي إسْنَادِهِ مَنْصُورُ بْنُ شُقَيْرٍ ، كَتَبَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ : لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَفِي حَدِيثِهِ اضْطِرَابٌ .وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ : فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ الْوَهْمِ وَفِي إسْنَادِهِ أَيْضًا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ ، وَثَّقَهُ الْجُمْهُورُ وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيّ ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ " أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَيَقُول : " هِيَ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ " ، هَكَذَا جَعَلَهُ مَوْقُوفًا ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ " أَنَّهُ كَانَ يُحْيِي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَيَقُولُ : هِيَ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ " وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ التَّابِعِينَ أَبُو حَازِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَزَيْنُ الْعَابِدِينَ ، ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ : بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إنَّ قَوْله تَعَالَى : { كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْعِشَاء وَالْمَغْرِبِ .وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى : { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } فَقَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْمَغْرِبِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّهَا صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ } وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لَا يُعَارِضهُ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ إذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ } [ هي صلاة الضحى ] فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُون كُلٌّ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ .وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ مِنْ آخِر كِتَابِهِ مُطَوَّلًا وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ مُخْتَصَرًا ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ نَحْوَهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ بْنِ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثَّوَابِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَحْيَا مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُفِرَ لَهُ وَشَفَعَ لَهُ مَلَكَانِ } وَفِي إسْنَادِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْقَزَّازُ ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ : مَجْهُولٌ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ ، رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ بِلَفْظِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّهَا صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ ، مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ رُفِعَتْ لَهُ فِي عِلِّيِّينَ وَكَانَ كَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ } قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَفِي إسْنَادِهِ جَهَالَةٌ وَنَكَارَةٌ ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ الْحَسَنِ وَيَرْوِي عَنْهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ فَقَدْ جَهَّلَهُ أَبُو حَاتِمٍ ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ ، وَإِنْ كَانَ أَبَا سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ فَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ بِلَفْظِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ غُفِرَ لَهُ بِهَا خَمْسِينَ سَنَةً } [ضعيف جدًا ، الضعيفة 468] وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ غَزْوَانٍ الدِّمَشْقِيُّ ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ : لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ، وَلَهُ حَدِيثُ آخَرُ عِنْدَ الدَّيْلَمِيِّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ كَانَ كَالْمُعَقِّبِ غَزْوَةً بَعْدَ غَزْوَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } وَفِي إسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا قَالَ الْعِرَاقِيُّ : الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ غَيْرُ مَرْفُوعٍ ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ } وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ جَدِّهِ وَلَمْ يُدْرِكْهُ . وَعَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ { أَنَّهُ سُئِلَ : أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِصَلَاةٍ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ سِوَى الْمَكْتُوبَةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ } [ ضعيف الإرواء 349 ]. وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي مَعَاجِمِهِ الثَّلَاثَةِ وَابْنِ مَنْدَهْ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ { رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ ، وَقَالَ : مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ } قَالَ الطَّبَرَانِيُّ : تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحُ بْنُ قَطَنٍ .وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : إنَّ فِي هَذِهِ الطَّرِيق مَجَاهِيلَ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ عُدِلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً } [ضعيف جدا ، ضعيف الجامع 5661]وَفِي إسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا .وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ عِشْرِينَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } [ الضعيفة 467 ]وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَالْأَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا ضَعِيفًا فَهِيَ مُنْتَهِضَةٌ بِمَجْمُوعِهَا لَا سِيَّمَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَمِمَّنْ كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي نَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَمِنْ التَّابِعِينَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَأَبُو حَاتِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ وَغَيْرُهُمْ . وَمِنْ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ .








باب



ما جاء فى قيام الليــــل


1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ ؟ قَالَ : { الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، قَالَ : فَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ ؟ قَالَ : شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ } .رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ ، ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْهُ فَضْلُ الصَّوْمِ فَقَطْ .
وَفِي الْبَابِ عَنْ بِلَالٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ مِنْ سُنَنِهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ } [ صحيح الجامع 4679 ] .وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيِّ مِثْلُ حَدِيثِ بِلَالٍ ، وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ .وَلِأَبِي أُمَامَةَ حَدِيثٌ آخِرُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ : { وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ } [صححه الشيخ ناصر في صحيح الترغيب 405 عن ابن عباس و406 عن أبي أمامة] ، وَفِي إسْنَادِهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ .وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ } [ ضعيف الجامع 5816 ]، قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَهَذَا حَدِيثٌ شَبَهُ الْمَوْضُوعِ ، اشْتَبَهَ عَلَى ثَابِتِ بْنِ مُوسَى ، وَإِنَّمَا قَالَهُ شَرِيكٌ الْقَاضِي لِثَابِتِ عَقِبَ إسْنَادٍ ذَكَرَهُ فَظَنَّهُ ثَابِتُ حَدِيثًا ! وَلِجَابِرٍ حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَدَعَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَلَوْ حَلْبَ شَاةٍ } قَالَ الطَّبَرَانِيِّ : تَفَرَّدَ بِهِ بَقِيَّةُ وَلِجَابِرٍ أَيْضًا حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .فَذَكَر حَدِيثًا ، وَفِيهِ : { وَإِنْ هُوَ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ أَصْبَحَ نَشِيطًا قَدْ أَصَابَ خَيْرًا وَقَدْ انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا } [ صححه الألباني في صحيح الترغيب 644].وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ حَدِيثِ بِلَالٍ الْمُتَقَدِّمِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَلَوْ رَكْعَةً وَاحِدَةً } ، وَفِي سْنَادِهِ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ .وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي التَّفْسِيرِ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الثَّانِي .وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي الزُّهْدِ وَصَحَّحَهُ ، وَابْن مَاجَهْ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الثَّانِي أَيْضًا وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الثَّانِي أَيْضًا . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ بِنَحْوِهِ أَيْضًا .وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي الْبِرِّ بِنَحْوِهِ أَيْضًا .وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ بِنَحْوِهِ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ .وَعَنْ مُعَاذٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي التَّفْسِيرِ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ ثَوْبَانَ عِنْدَ الْبَزَّارِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ .وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ [ حديث حسن صحيح الترغيب 626 ]: { عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ رَجُلَيْنِ : رَجُل ثَارَ مِنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْن حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إلَى صَلَاتِهِ فَيَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى - : اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي ثَارَ مِنْ وِطَائِهِ وَفِرَاشِهِ مِنْ بَيْنِ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إلَى صَلَاتِهِ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي } الْحَدِيثُ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِير .قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ [ تمام الحديث : فإني قد أعطيته ما رجا وأمنته مما يخاف ] .وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِيهِ : وَاعْلَمْ { أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ }[حسن] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ [ضعيف الجامع 1656] قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ اللَّهَ لَيَضْحَكُ إلَى ثَلَاثَةٍ : لِلصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ ، وَلِلرَّجُلِ يُصَلِّي فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، وَلِلرَّجُلِ يُقَاتِلُ الْكَتِيبَةَ } وَعَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ مِثْل حَدِيثِ جَابِرٍ الثَّانِي .
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَمَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِيهِ ، وَبِهَا اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ : إنَّ الْوِتْرَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَحَدِيثُ الْبَابِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الصِّيَامِ فِي الْمُحَرَّمِ ، وَأَنَّ صِيَامَهُ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ بَقِيَّةِ الْأَشْهُرِ ، وَهُوَ مُخَصِّص لِعُمُومِ مَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ } وَهَذَا إذَا كَانَ كَوْنُ الشَّيْءِ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّخْصِيصِ لِعَدَمِ التَّنَافِي
2- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ } .رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
وصححه الألباني في صحيح الجامع1273 .
- مذهب أهل السنة أن نصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تشبيه ولا تأويل ولا تعطيل ، التشبيه فِعل الحشوية والتأويل فِعل الأشعرية والتعطيل فِعل الجهمية .
الْحَدِيثُ رِجَالُ إسْنَادِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ كُلِّهِمْ قَالَ : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَنْزِلُ اللَّهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ فَيَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ } وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَوَالدَّارَقُطْنِيّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَر حَدِيثًا وَفِيهِ " فَإِنَّهُ { إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ هَبَطَ اللَّهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَلَمْ يَزَلْ هُنَالِكَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ، فَيَقُولَ الْقَائِلُ : أَلَا سَائِلٌ يُعْطَى سُؤَالَهُ ؟ أَلَّا دَاعٍ يُجَابُ ؟ } وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِنَحْوِهِ .وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَر حَدِيثًا ، وَفِيهِ { ثُمَّ يَهْبِطُ آخِرَ سَاعَةٍ مِنْ اللَّيْلِ فَيَقُولُ : أَلَا مُسْتَغْفِرٌ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ أَلَا سَائِلٌ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ أَلَا دَاعٍ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ } قَالَ الطَّبَرَانِيُّ : وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يُنَادِي مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابَ لَهُ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرَ لَهُ ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ } [ في حديث أبي هريرة غُنية ] وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبِي الشَّيْخِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْجَعْفَرِيُّ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ .وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا .وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ - أَوْ قَالَ نِصْفَ اللَّيْلِ - يَنْزِلُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : لَا أَسْأَلُ عَنْ عِبَادِي أَحَدًا غَيْرِي } .وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ حَدِيثٌ آخَرُ غَيْرُ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ : { أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ ، عَلِّمْنِي شَيْئًا تَعْلَمُهُ وَأَجْهَلُهُ ، يَنْفَعُنِي وَلَا يَضُرُّكَ ، مَا سَاعَةً أَقْرَبُ مِنْ سَاعَةٍ ؟ فَقَالَ : يَا عَمْرُو لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ ، إنَّ الرَّبَّ - عَزَّ وَجَلَّ - يَتَدَلَّى مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ - زَادَ فِي رِوَايَةٍ - فَيَغْفِرُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الشِّرْكِ } وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، وَجَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ أَجْوَبَهُ دَعْوَةً قُلْت : أَوْجَبُهُ ، قَالَ : لَا ، أَجْوَبَهُ } يَعْنِي بِذَلِكَ الْإِجَابَةَ ، وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ [ ضعيف الجامع ، لكن صح
بشواهده ] .وَعَنْ أَبِي الْخَطَّابِ عِنْدَ أَحْمَدَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ وَأَنَّهُ وَقْتٌ لِإِجَابَةِ الْمَغْفِرَةِ .وَالنُّزُولُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ قَدْ طَوَّلَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ الْكَلَامَ فِي تَأْوِيلِهِ ، وَأَنْكَرَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَة بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَالطَّرِيقَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ التَّابِعُونَ كَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ والسفيانين وَاللَّيْثِ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ أَجْرَوْهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفِيَّةٍ وَلَا تَعَرُّض لِتَأْوِيلِ .

3 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُد ، وَأَحَبَّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - صَلَاةُ دَاوُد ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا رَوَى فَضْلَ الصَّوْمِ فَقَطْ .
الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ أَحَبُّ إلَى اللَّه مِنْ غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَمَا كَانَ أَحَبَّ إلَى اللَّه - جَلَّ جَلَالُهُ - فَهُوَ أَفْضَلُ ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ " .وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْحِكْمَة فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لِهَذَا الْحَدِيثِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - وَيَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ قِيَامِ ثُلُثِ اللَّيْلِ بَعْدَ نَوْمِ نِصْفِهِ ، وَتَعْقِيبُ قِيَامِ ذَلِكَ الثُّلُثِ ، بِنَوْمِ السُّدُسِ الْآخِرِ ، لِيَكُونَ ذَلِكَ كَالْفَاصِلِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَالْفَرِيضَةِ ، وَيَحْصُلُ بِسَبَبِهِ النَّشَاطُ لِتَأْدِيَةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ الْقِيَامِ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الْقِيَامِ إلَيْهَا ذَاهِبَ النَّشَاطِ وَالْخُشُوعِ لِمَا بِهِ مِنْ التَّعَبِ وَالْفُتُورِ .وَيُجْمَع بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّم بِنَحْوِ مَا سَلَف .
نذكر أمرين :
· الأول : أن النبى وضع تخفيفا على العباد ، فقد أخرج أحمد عن أبى بكرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من قام فى ليلة بعشر آيات لم يكتب من الغافلين .
· الثانى : قد مرّ بنا من حديث عائشة قالت من كل الليل أوتر رسول الله من أول الليل وأوسطه وآخره وانتهى وتره إلى السحر .
فهذه كأنها قواعد بالإضافة إلى حديث عبد الله بن عمرو .
4-وَعَنْ عَائِشَةَ { أَنَّهَا سُئِلَتْ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ فَقَالَتْ : كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ ، رُبَّمَا أَسَرَّ ، وَرُبَّمَا جَهَرَ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ [صحيح المشكاة 1263] الْحَدِيثُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ .

وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ : مَرَرْت بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ وَأَنْتَ تَخْفِضُ مِنْ صَوْتِك فَقَالَ : إنِّي أَسَمِعْت مَنْ نَاجَيْت ، قَالَ : ارْفَعْ قَلِيلًا وَقَالَ لِعُمَرَ : مَرَرْت بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ وَأَنْتَ تَرْفَعُ صَوْتَك ، فَقَالَ : إنِّي أُوقِظُ الْوَسْنَان وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ ، قَالَ : اخْفِضْ قَلِيلًا } .
صحيح المشكاة 1204 .
إذاً يجوز للإنسان أن يرفع صوته بالذكر فى الصلاة لغرض آخر من الرفع خلافاً لما ذهب إليه أبى حنيفة أن هذا يبطل الصلاة كأن يطرق أحد الباب ونحن فى صلاة فيقول أحدنا الله أكبر بصوت مرتفع .
وعن ابن عباس [حسن ، المشكاة] عند أبي داود قال : ( كانت قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت ) وعن علي نحو حديث أبي قتادة . وعن عمار عند الطبراني بنحو حديث أبي قتادة أيضا . وعن أبي هريرة عند أبي داود بنحوه أيضا وله حديث آخر عند أبي داود قال : ( كانت قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالليل يرفع طورا ويخفض طورا ) وله حديث ثالث عند أحمد والبزار ( أن عبد الله بن حذافة قام يصلي فجهر بصلاته فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا ابن حذافة لا تسمعني وأسمع ربك ) قال العراقي : وإسناده صحيح .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ قَالَ { اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ ، فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ : أَلَا إنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَلَا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ - أَوْ قَالَ - : فِي الصَّلَاةِ" .[صحيح الجامع 2639] . وعن ابن عمر عند أحمد والبزار والطبراني بنحو حديث أبي سعيد
هذا حديث مهم وهو أحد الأدلة التى استدل بها الجمهور أنه يأتى بأذكار الصلاة سراً وأن قول ابن عباس كنا نعرف انقضاء صلاته بالتكبير ، وهو فى صحيح البخارى وفى رواية بالذكر ، فبيّن أن الذكر هو التكبير وأنه كان يرفع صوته عليه الصلاة والسلام حتى أنهم يعرفون ذلك وكذلك حديث ابن الزبير فى صحيح مسلم أنه كان صلى الله عليه وسلم يجهر بقوله " لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " .فالجمهور ذكروا أنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يفعل ذلك على سبيل التعليم وإلا فالله عز وجل يقول { أذكر ربك فى نفسك تضرعاً وخفية } مع هذا الحديث " كلكم مناجى ربه عز وجل " ]
وَعَنْ الْبَيَاضِيُّ وَاسْمُهُ فَرْوَةُ بْنُ عُمَرَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ : بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ : إنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ } [صحيح الجامع] .وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ ، وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ } [صحيح الجامع 1951 ]. وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ بِنَحْوِ حَدِيثِ عُقْبَةَ ، وَفِي إسْنَادِهِ إِسْحَاقُ بْنُ مَالِكٍ الْحَضْرَمِيُّ ، ضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَفِيهِ بُسْرُ بْنُ نُمَيْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ،، وَفِيهَا أَنَّ الْجَهْرَ وَالْإِسْرَارَ جَائِزَانِ فِي قِرَاءَةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ ،وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ .وَحَدِيثُ عُقْبَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّ السِّرَّ أَفْضَلُ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ إخْفَاءَ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ إظْهَارِهَا.
لكنهما يشتركان فى أصل الفضل فقد قال تعالى { إن تبدوا الصدقات فنعمّا هى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } فالنبى صلى الله عليه وسلم على حديث عائشة فَعَلَ الأمرين جَهَرَ وأسرَّ كل ذلك كان يفعل . ولكن لما مرَّ بأبى بكر وصوته منخفض قال : ارفع صوتك قليلاً ، ولما مرَّ بعمر وصوته مرتفع قال : اخفض صوتك قليلاً .
5- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ } . روَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
لذلك هُم حملوا الصلاث عشرة ركعة على هذا لأنها فى الحديث الآخر قالت كان يصلى أربع ركعات لا تسأل عن حُسنهن وطولهن ثم يصلى أربع ركعات لا تسأل عن حُسنهن وطولهن ثم يوتر بثلاث وهنا بركعتين خفيفتين . فلو جمعنا بين الحديثين يكونان ثلاثة عشر .
6-وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ } .رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد .
الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ افْتِتَاحِ صَلَاةِ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ لِيَنْشَطَ بِهِمَا لِمَا بَعْدَهُمَا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَمْعُ بَيْن رِوَايَاتِ عَائِشَةَ الْمُخْتَلَفَةِ فِي حِكَايَتِهَا لِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَارَةً ، وَأَنَّهَا إحْدَى عَشْرَةَ أُخْرَى ، بِأَنَّهَا ضَمَّتْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَقَالَتْ ثَلَاثُ عَشْرَةَ ، وَلَمْ تَضُمّهُمَا فَقَالَتْ إحْدَى عَشْرَةَ ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْن هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَبَيْن قَوْلِهَا فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَلَّى أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَل عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ لِأَنَّ الْمُرَادَ : صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ عَلَى تَرْكِ نَقْضِ الْوِتْرِ فَقَالَ : وَعُمُومُهُ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ نَقْضِ الْوِتْرِ .انْتَهَى .وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا .







باب



صــلاة الضُـــحى


هى صلاة الأوابين أى التائبين الراجعين إلى الله لأنها تكون فى وقت سماه الله وقت لعب لإنشغال الناس بالدنيا فقد قال تعالى { أفأمِنَ أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهُم نائمون أوَ أمِنَ أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً وهُم يلعبون } فالإنسان يسحب نفسه ليلقى الله بركعتين فهذا إنسان رجّاع .
نتكلم فى صلاة الضحى فى : (1) فضلها (2) عدد ركعاتها (3) وقتها .
· ففى فضلها ثبت :
(1) وَعَنْ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ صَلَّى الضُّحَى أَرْبَعًا وَقَبْلَ الْأُولَى أَرْبَعًا ، بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ } .
(2) وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيُجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى } .رَوَاهُ أَحْمَدُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى عِظَمِ فَضْلِ الضُّحَى وَكِبَرِ مَوْقِعِهَا وَتَأَكُّدِ مَشْرُوعِيَّتِهَا ، وَأَنَّ رَكْعَتَيْهَا تُجْزِيَانِ عَنْ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ صَدَقَةً ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ حَقِيقٌ بِالْمُوَاظَبَةِ وَالْمُدَاوَمَةِ .وَيَدُلَّانِ أَيْضًا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَدَفْنِ النُّخَامَةِ وَتَنْحِيَةِ مَا يُؤْذِي الْمَارّ عَنْ الطَّرِيقِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ لِيَسْقُطَ بِفِعْلِ ذَلِكَ مَا عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ الصَّدَقَاتِ اللَّازِمَة فِي كُلّ يَوْمٍ .
(3) ( وَعَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { قَالَ رَبُّكُمْ - عَزَّ وَجَلَّ - : يَا بْنَ آدَمَ صَلِّ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَهُوَ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ) الْحَدِيثُ فِي إسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَقَدْ جَمَعْتُ طُرُقَهُ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إلَيْهِمْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الضُّحَى ، لَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ صَلَاةُ الضُّحَى وَقَدْ قِيلَ : يُحْتَمَل أَنْ يُرَاد بِهَا فَرْضُ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فِي أَوَّلِ النَّهَارِ حَقِيقَةً ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ : كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ } .قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ النَّهَارَ هَلْ هُوَ مِنْ طُلُوع الْفَجْرِ أَوْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ ؟ .وَالْمَشْهُورُ الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ كَلَام جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَعُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ مِنْ طُلُوع الْفَجْرِ قَالَ : وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ النَّهَارُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا مَانِع مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ الرَّكَعَاتُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ مَا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْحَدِيثِ وَعَمَلِ النَّاسِ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ رَكَعَاتِ صَلَاةِ الضُّحَى .انْتَهَى

(4) عن زيد بن أرقم قال : خرج رسـول الله على أهل قُباء وهم يُصلون الضحى فقال ( صلاة الأوابين إذا رمضت الفِصال من الضحى ) رواه مسلم
(5) عن عبد الله بن عمرو عند أحمد والطبرانى : بعث رسول الله سرية

· وفى عدد ركعاتها ثبت من فِعله صلى الله عليه وسلم أقصى شئ ثمانى ركعات فى حديث أم هانئ . متفق عليه ، ومن قوله صلى الله عليه وسلم أقصى ما ورد إثنتا عشرة ركعة فى حديث أبى الدرداء عند الطبرانى .
- وفى الركعتين ثبت حديث أبى ذر : وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيُجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى} .رَوَاهُ أَحْمَدُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
وحديث أبى هريرة متفق عليه : { أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ : بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ ، وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى ، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ } .مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ : { وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى كُلَّ يَوْمٍ }
- وفى الأربع ثبت حديث أبى موسى الأشعرى عند الطبرانى ، وقد سبق
وحديث عائشة عند مسلم : أكان رسول الله يصلى الضحى ؟ قالت : نعم يصلى أربعاً ويزيد ما شاء
وروى عند مالك فى الموطأ أنها كانت – أى عائشة – تصلى الضحى ثمان ركعات وتقول : لو نشر لى أبواى ما تركتهما ، واختلفت الرواية عنها فمرة كانت تقول : إنما كانت صلاته لأنه يقدم من سفر ، ومرة تقول ما رأيته يصلى الضحى وإنى لأصليها ، وهذه فيها إشكالات سوف يجيب عنها الشوكانى لكن محل الشاهد أنها قالت جملة إعتراضية وهى ( ما رأيت رسول الله يصلى الضحى وإنى لأصليها ) فإن رسول الله كان يحب أن يفعل الشئ فلا يفعله مخافة أن يفعله الناس فيُفرض عليهم . فالسُنة قولية وفعلية وتقريرية .
· وقتها : هو ارتفاع الشمس وليس كما قال البعض أن هناك صلاة إسمها صلاة الشروق وصلاة الزوال فهذا الكلام خطأ والأحاديث التى فيه يمكن أن تُأوّل على صلاة الضحى فثبت عندنا حديثين عند مسلم من حديث عمرو بن عنبسة وعقبة بن عامر :
- فأما حديث عمرو بن عنبسة قال : قلتُ يارسول الله أخبرنى عن الصلاة . قال : صلى صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس ( زاد أبو داود قدر رمح ) وترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرنى شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار ثم صلى فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ( ينطبق ظل الرمح عليه وينعدم الظل ) ثم أقصر عن الصلاة فإنه حينئذٍ تسجر جهنم فإذا أقبل الفئ فصلِ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرنى شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار .
- وعن عقبة بن عامر قال : ثلاث ساعات نهانا رسول الله أن نُصلى فيهن وأن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضّيف للغروب حتى تغرب .

وهذا ملخص عن صلاة الضحى :
1- عن أبى هريرة قال : أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بثلاث : بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتى الضحى وأن أوتر قبل أن أنام . متفق عليه وفى لفظ مسلم وأحمد : وركعتى الضحى كل يوم .
وهذا الحديث ثابت أيضاً من حديث أبى الدرداء عند مسلم..
في الباب أحاديث منها ما سيذكره المصنف في هذا الباب . ومنها غير ما ذكره عن أنس عند الترمذي وابن ماجه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا في الجنة ) [ ضعيف ضعيف الجامع 5658 ]
وعن أبي الدرداء عند الترمذي وحسنه مثل حديث نعيم بن همار [ وهو الثابت عند الترمذي من حديث أبي ذر وأبي الدرداء ] الذي سيذكره المصنف وعنه حديث آخر عند مسلم بنحو حديث أبي هريرة المذكور .
وعن أبي هريرة حديث آخر عند الترمذي وابن ماجه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ) [ ضعيف الجامع 5549 ] .
وعن أبي سعيد عند الترمذي وحسنه قال : ( كان صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها ويدعها حتى نقول لا يصليها ) [ ضعيف ، الإرواء 1/349 ]
وعن عائشة غير الحديث الذي سيذكره المصنف عنها عند مسلم والنسائي والترمذي في الشمائل من رواية معاذة العدوية قالت : ( قلت لعائشة : أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الضحى ؟ قالت : نعم ، أربعا ويزيد ما شاء الله ) .
وعن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير مثل حديث نعيم بن همار الذي سيذكره المصنف وفي إسناده القاسم بن عبد الرحمن وثقه الجمهور وضعفه بعضهم وله حديث آخر عند الطبراني بنحو حديث عائشة الذي سيذكره المصنف وفي إسناده ميمون بن زيد عن ليث بن أبي سليم وكلاهما متكلم فيه .
وعن عتبة بن عبد عند الطبراني [ حسن ، صحيح الترغيب 469 ] عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم يثبت حتى يسبح سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تام له حجه وعمرته ) وفي إسناده الأحوص بن حكيم ضعفه الجمهور ووثقه العجلي .
وعن ابن أبي أوفى عند الطبراني في الكبير أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى يوم الفتح ركعتين
وعن ابن عباس عند الطبراني في الأوسط بنحو حديث أبي ذر الذي سيذكره المصنف .
وعن جابر عند الطبراني في الأوسط أيضا أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم صلى الضحى ست ركعات
وعن حذيفة عند ابن أبي شيبة في المصنف أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الضحى ثمان ركعات طول فيهن . [ وهذا خلافًا لحديث أم هانئ ]
وعن عائذ بن عمرو عند أحمد والطبراني أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الضحى .
وعن عبد الله بن عمر عند الطبراني في الكبير مثل حديث نعيم بن همار الذي سيذكره المصنف .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص [ صحيح الترغيب 666] عند أحمد والطبراني قال : ( بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية فغنموا وأسرعوا الرجعة فتحدث الناس بقرب مغزاهم وكثرة غنيمتهم وسرعة رجعتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ألا أدلكم على أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة من توضأ ثم خرج إلى المسجد لسبحة الضحى فهو أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة ) .
وعن أبي موسى عند الطبراني في الأوسط قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من صلى الضحى أربعا وقبل الأولى أربعا بني له بيت في الجنة ) [ حسن ، صحيح الجامع ]
وعن عتبان بن مالك عند أحمد : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الضحى في بيته ) وقصة عتبان في صلاة النبي صلى الله عليه و سلم في بيته في الصحيح لكن ليس فيها ذكر سبحة الضحى
وعن عقبة بن عامر عند أحمد وأبي يعلى بنحو حديث نعيم بن همار .
وعن علي عليه السلام عند النسائي : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي الضحى ) وإسناده قال العراقي : جيد .
سيأتى كلام ابن القيم أن هذه الأحاديث ضعيفة والصحيح منها مؤول ، فهذه أم هانئ قالت أنه صلى ثمان ركعات وهذه تسمى صلاة الفتح ، وعائشة قالت أنه كان إذا رجع من السفر فتكون بسبب السفر ، وحديث عتبان لأن عتبان كان يريد من النبى أن يصلى فى بيته كى يتخذه مصلى لكن حديث مثل حديث أبى ذر ليس له علاقة بسبب ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ومسألة إدعاء الخصوصية فإن النبى أوصى أبا الدرداء وأبا هريرة ونحن نقول بخصوصية الوليمة ( أوْلِم بشاة ) وقد قال هذا لعبد الرحمن بن عوف ولكن قوله لأى واحد كقوله لسائر الأمة وحكمه على الواحد كحكمه على الجماعة.
وعن معاذ بن أنس عند أبي داود [ضعيف الجامع 5975 ]: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرا غفر له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر ) قال العراقي : وإسناده ضعيف .
وعن النواس بن سمعان عند الطبراني في الكبير مثل حديث نعيم بن همار قال العراقي : وإسناده صحيح .
وعن أبي بكرة عند ابن عدي قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الضحى فجاء الحسن وهو غلام فلما سجد ركب ظهره ) وفي إسناده عمرو بن عبيد وهو متروك .
وعن أبي مرة الطائفي عند أحمد مثل حديث نعيم بن همار .
وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بمكة ثمان ركعات يطيل القراءة فيها والركوع ) قال السيوطي : وسنده ضعيف وعن قدامة وحنظلة الثقفيين عند ابن منده وابن شاهين قالا : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ارتفع النهار وذهب كل أحد وانقلب الناس خرج إلى المسجد فركع ركعتين أو أربعا ثم ينصرف ) .
وعن رجل من الصحابة عند ابن عدي أنه : (رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الضحى).
وعن ابن عباس حديث آخر عند بن أبي حاتم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( أمرت بالضحى ولم تؤمروا بها ) .
وعن الحسن بن علي عند البيهقي قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من صلى الفجر ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى من الضحى ركعتين حرمه الله على النار أن تلحقه أو تطعمه )
وعن عبد الله ابن جراد بن أبي جراد عند الديلمي [ موضوع ضعيف الجامع 5946 ]عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( المنافق لا يصلي الضحى ولا يقرأ قل يا أيها الكافرون )
وعن عمر بن الخطاب عند حميد بن زنجويه بنحو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص المتقدم وله حديث آخر عند ابن أبي شيبة
وعن أبي هريرة حديث آخر عند أبي يعلى بسند رجاله ثقات بنحو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص السابق
وهذه الأحاديث المذكورة تدل على استحباب صلاة الضحى وقد ذهب إلى ذلك طائفة من العلماء منهم الشافعية والحنفية ومن أهل البيت علي بن الحسين وإدريس بن عبد الله ، وقد جمع ابن القيم في الهدي الأقوال فبلغت ستة :
الأول : منها أنها سنة واستدلوا بهذه الأحاديث التي قدمناها [ وهذا هو الصواب ]
الثاني : لا تشرع إلا لسبب واحتجوا بأنه صلى الله عليه و سلم لم يفعلها إلا لسبب فاتفق وقوعه وقت الضحى وتعددت الأسباب فحديث أم هانئ في صلاته يوم الفتح كان لسبب الفتح وأن سنة الفتح أن يصلي عنده ثمان ركعات قال : وكان الأمراء يسمونها صلاة الفتح وصلاته عند القدوم من مغيبه كما في حديث عائشة [عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قالت : لا ، إلا أن يجيء من مغيبة . رواه مسلم ] كانت لسبب القدوم فإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين وصلاته في بيت عتبان بن مالك كانت لسبب وهو تعليم عتبان إلى أين يصلي في بيته النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سأل ذلك .
وأما أحاديث الترغيب فيها والوصية بها فلا تدل على أنها سنة راتبة لكل أحد ولهذا خص بذلك أبا هريرة وأبا ذر ولم يوص بذلك أكابر الصحابة .
والقول الثالث : أنها لا تستحب أصلا
والقول الرابع : يستحب فعلها تارة وتركها أخرى
والقول الخامس : تستحب صلاتها والمحافظة عليها في البيوت
والقول السادس : أنها بدعة . روي ذلك عن ابن عمر وإليه ذهب الهادي عليه السلام والقاسم وأبو طالب . ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة بإثباتها قد بلغت مبلغا لا يقصر البعض منه عن اقتضاء الاستحباب .
وقد جمع الحاكم الأحاديث في إثباتها في جزء مفرد عن نحو عشرين نفسا من الصحابة وكذلك السيوطي صنف جزءا في الأحاديث الواردة في إثباتها وروى فيه عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يصلونها منهم أبو سعيد الخدري ، وقد روى ذلك عنه سعيد بن منصور وأحمد بن حنبل وعائشة [عن عائشة أنها كانت تصلي الضحى ... رواه مالك في الموطأ بإسناد صحيح كما قال الألباني في المشكاة] . وقد روى ذلك عنها سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو ذر وقد روى ذلك عنه ابن أبي شيبة وعبد الله بن غالب وقد روى ذلك عنه أبو نعيم وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه سئل هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلونها فقال : نعم كان منهم من يصلي ركعتين ومنهم من يصلي أربعا ومنهم من يمد إلى نصف النهار .
وأخرج سعيد بن منصور أيضا في سننه عن ابن عباس أنه قال : طلبت صلاة الضحى في القرآن فوجدتها ههنا { يسبحن بالعشي والإشراق } . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في الإيمان من وجه آخر عن ابن عباس أنه قال : إن صلاة الضحى لفي القرآن وما يغوص عليها إلا غواص في قوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال } .وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن عون العقيلي في قوله تعالى { أنه كان للأوابين غفورا } قال : الذين يصلون صلاة الضحى .
وأما احتجاج القائلين بأنها لا تشرع إلا لسبب بما سلف فالأحاديث التي ذكرها المصنف وذكرناها في هذا الباب ترده وكذلك ترد اعتذار من اعتذر عن أحاديث الوصية والترغيب بما تقدم من الاختصاص وترد أيضا قول ابن القيم أن عامة أحاديث الباب في أسانيدها مقال وبعضها منقطع وبعضها موضوع لا يحل الاحتجاج به فإن فيها الصحيح والحسن وما يقاربه كما عرفت .
قوله في حديث الباب : ( وركعتي الضحى ) قد اختلفت أقواله صلى الله عليه وآله وسلم وأفعاله في مقدار صلاة الضحى فأكثر ما ثبت من فعله ثمان ركعات وأكثر ما ثبت من قوله اثنتا عشرة ركعة . وقد أخرج الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا [حسن 674 صحيح الترغيب ] : ( من صلى الضحى لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعا كتب من القانتين ومن صلى ستا كفي ذلك اليوم ومن صلى ثمانيا كتب من العابدين ومن صلى اثنتي عشرة بنى الله له بيتا في الجنة ) قال الحافظ : وفي إسناده ضعف وله شاهد من حديث أبي ذر رواه البزار وفي إسناده ضعف أيضا . وحديث أنس المتقدم فيه التصريح بأن الضحى اثنتا عشرة ركعة وقد ضعفه النووي ، قال الحافظ : لكن إذا ضم حديث أبي ذر وأبي الدرداء إلى حديث أنس قوي وصلح للاحتجاج وقال أيضا : إن حديث أنس ليس في إسناده من أطلق عليه الضعف وبه يندفع تضعيف النووي له ولكنه تابعه الحافظ في التلخيص .
وقد ذهب قوم منهم أبو جعفر الطبري وبه جزم الحليمي والروياني من الشافعية إلى أنه لا حد لأكثرها .
لعلهم يحتجون بقول عائشة : ويزيد ما شاء الله .
قال العراقي في شرح الترمذي : لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين أنه حصرها في اثنتي عشرة ركعة وكذا قال السيوطي . وقد اختلف في الأفضل فقيل ثمان وقيل أربع .

2- عن أبى ذر قال : قال رسول الله : يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمرٌ بالمعروف صدقة ونهىٌ عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى . رواه أحمد ومسلم وأبو داوود.
3- وعن عبد الله بن بريدة عن ابيه قال : سمعت رسول الله يقول : ( فى الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة . قالوا : فمن الذى يطيق ذلك ؟ قال : النخامة فى المسجد يدفنها أو الشئ ينحيه عن الطريق فإن لم يقدر فركعتا الضجى تجزئ عنك ) رواه أحمد وأبو داود
وصححه الألبانى 4239 صحيح الجامع .
الحديث الأول أخرجه أيضا النسائي والحديث الثاني أخرجه أبو داود عن أحمد بن محمد المروزي وهو ثقة عن علي بن الحسين بن واقد وهو من رجال مسلم عن أبيه وهو أيضا من رجال مسلم عن عبد الله بن بريدة فذكره . وقد أخرجه أيضا حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال ولم يعزه السيوطي في جزء الضحى إلا إليه .
قوله : ( سلامى ) قال النووي : بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في عظام البدن ومفاصله ويدل على ذلك ما في صحيح مسلم : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل على كل مفصل صدقة ) وفي القاموس أنها عظام صغار طول إصبع وأقل في اليد والرجل انتهى . وقيل كل عظم مجوف من صغار العظام . وقيل ما بين كل مفصلين من عظام الأنامل وقيل العروق التي في الأصابع وهي ثلاثمائة وستون أو أكثر
قوله : ( ويجزئ من ذلك ركعتان ) الخ قال النووي : ضبطنا يجزي بفتح أوله وضمه فالضم من الإجزاء والفتح من جزى يجزي أي كفى .
والحديثان يدلان على عظم فضل الضحى وكبر موقعها وتأكد مشروعيتها وأن ركعتيها تجزيان عن ثلاثمائة وستين صدقة وما كان كذلك فهو حقيق بالمواظبة والمداومة . ويدلان أيضا على مشروعية الاستكثار من التسبيح والتحميد والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودفن النخامة وتنحية ما يؤذي المار عن الطريق وسائر أنواع الطاعات ليسقط بفعل ذلك ما على الإنسان من الصدقات اللازمة في كل يوم .
4- عن نعيم بن همار عن النبى قال : قال ربكم عز وجل : ( يابن آدم صلِ لى أربع ركعات من أول النهار أكفيكَ آخره ) رواه أحمد وأبو داودوهو للترمذي من حديث أبي ذر وأبي الدرداء.
[4339 صحيح الجامع]
وروى بلفظ لا تعجز عن أربع أول النهار أكفيكَ آخره
وروى بلفظ إركع لى أربع ركعات ..........
الحديث في إسناده اختلاف كثير قال المنذري : وقد جمعت طرقه في جزء مفرد . وقد اختلف أيضا في اسم همار المذكور فقيل هبار بالباء الموحدة . وقيل هدار بالدال المهملة . وقيل همام بالميمين وقيل خمار بالخاء المفتوحة المعجمة وقيل حمار بالحاء المهملة المكسورة والراء مهملة في همار وهبار وخمار وحمار وهدار
قوله : ( وهو للترمذي من حديث أبي ذر وأبي الدرداء ) هكذا في النسخ الصحيحة بدون إثبات الألف التي للتخيير بين أبي ذر وأبي الدرداء والصواب إثباتها لأن الترمذي إنما روى حديثا واحدا وتردد هل هو من رواية أبي ذر أو من رواية أبي الدرداء ولم يرو لكل منهما حديثا ولا روى الحديث عنهما جميعا ولفظ الحديث في الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله تبارك وتعالى ( إن الله تعالى قال : ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره )
قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ انْتَهَى . وفِي إسْنَادِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، وَقَدْ صَحَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ حَدِيثَهُ إذَا كَانَ عَنْ الشَّامِيِّينَ ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ . لِأَنَّ بَحِيرَ بْنَ سَعْدٍ شَامِيٌّ ، وَإِسْمَاعِيلُ رَوَاهُ عَنْهُ .
إسماعيل بن عياس هو راوى حديث ( من أصابه قئ أو رعاف أو مذى فلينصرف وليتوضأ وليبنى على صلاته وهو فى ذلك لا يتكلم ) وروايته عن الحجازيين ضعيفة وهذه منها لذلك قال الدارقطنى عامة أصحاب ابن جريج يروون الحديث عن ابن جريج عن ابيه مرسلاً إسماعيل رواه عن عبد الملك بن جريج عن أبى مليكة عن عائشة . وروايته عن الشاميين صحيحة وروايته عن الحجازيين ضعيفة .
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إلَيْهِمْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الضُّحَى ، لَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ صَلَاةُ الضُّحَى وَقَدْ قِيلَ : يُحْتَمَل أَنْ يُرَاد بِهَا فَرْضُ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فِي أَوَّلِ النَّهَارِ حَقِيقَةً ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ : كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ } [صحيح الجامع 6339 رواه مسلم عن جندب البجلي ] .قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ النَّهَارَ هَلْ هُوَ مِنْ طُلُوع الْفَجْرِ أَوْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ ؟ .وَالْمَشْهُورُ الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ كَلَام جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَعُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ مِنْ طُلُوع الْفَجْرِ قَالَ : وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ النَّهَارُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا مَانِع مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ الرَّكَعَاتُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ مَا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْحَدِيثِ وَعَمَلِ النَّاسِ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ رَكَعَاتِ صَلَاةِ الضُّحَى .انْتَهَى
وقد اختُلف فى وقت دخول الضحى فَرَوَى النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ ، عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ وَقْتَ الضُّحَى يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَكِنْ تُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ [بل هو وقت نهى].وَذَهَبَ الْبَعْضُ مِنْهُمْ إلَى أَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ مِنْ الِارْتِفَاعِ ، وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ[ وهو المعتمد لحديثى عمرو بن عنبسة وعقبة بن عامر فى صحيح مسلم فى النهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وترتفع ] .وَسَيَأْتِي مَا يُبَيِّنُ وَقْتَهَا فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
5-( وَعَنْ عَائِشَةً قَالَتْ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ [ فى الإجابة على سؤال معاذة ]
الحديث يدل على مشروعية صلاة الضحى ، وقد إختلفت الأحاديث عن عائشة
ولما سألها عبد الله بن شفيق قالت : لا إلا أن يجئ من مغيبه فيمكن رد الحديثين إلى بعض ، فمرة قالت نعم ويزيد ماشاء الله ومرة قالت لا إلا أن يجئ من مغيبه ومرة قالت ما رأيت رسول الله يصلى سبحة الضحى .
وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ عَائِشَةَ ، فَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ .وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ { هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى ؟ قَالَتْ : لَا ، إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ } ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ . وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : { مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا }[ تمامه : وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشي أن يعمل به الناس فيفرض عليهم . صحيح أبي داوود ] ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ جُمِعَ بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ قَوْلَهَا : " كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا .لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ " بَلْ عَلَى مُجَرَّدِ الْوُقُوعِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَدْلُولُ كَانَ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ ..
أخذنا فى ( كان ) هل تفيد التكرار والمداومة ؟ فقال النووى لا تفيد المداومة إلا أن يدل الدليل بدليل أن عائشة طيّبت النبى لطوافه قبل أن يطوف وقال البعض الأصل أنها تفيد المداومة إلا أن يدل عليه غيره.
وَلَا يَسْتَلْزِمُ هَذَا الْإِثْبَاتُ أَنَّهَا رَأَتْهُ يُصَلِّي لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ رَوَتْ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهَا .
فجمع بأنه كان يصلى الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله هل أنت رأيتيه ؟ قالت : ما رأيت صلها قط فكأن ذلك نُقل إليها عن آخرين فيمكن رد الأحاديث إلى بعضها فلما تقول نعم يصلى أربعاً فهذا إن أتى من مغيبه هل أنت رأيتيه قالت لا ما رأيته ولكن نُقل إلىَّ ، فيُحمل قولها كان يصلى أربعاً ويزيد ماشاء الله على مجئ مغيبه فيصلى أربعاً ويزيد ماشاء الله فهل أنت رأيتيه لا ولكن نُقل إلىَّ .
وَقَوْلُهَا إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ يُفِيدُ تَقْيِيدَ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ بِوَقْتِ الْمَجِيء مِنْ السَّفَرِ .
وَقَوْلُهَا : مَا رَأَيْته يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى نَفْيٌ لِلرُّؤْيَةِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهَا ذَلِكَ بِالرِّوَايَةِ ، أَوْ نَفْيٌ لِمَا عَدَا الْفِعْلَ الْمُقَيَّدَ بِوَقْتِ الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ
أى يحمل النفى إما على عدم الرؤية لكن نُقل إليها أو يحمل النفى على الأوقات الأخرى إلا أن يأتى من سفر فيصلى أربعاً ويزيد ماشاء الله .
وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَمَّا بَلَغَ إلَيْهِ عِلْمُهَا .وَغَيْرُهَا مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ أَخْبَرَ بِمَا يَدُلّ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ وَتَأَكُّدِ الْمَشْرُوعِيَّةِ ، وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ لَا سِيَّمَا وَذَلِكَ الْوَقْتُ الَّذِي تُفْعَلُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُعْتَادُ فِيهَا الْخَلْوَةُ بِالنِّسَاءِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَا هُوَ الْحَقُّ .
هذا مثل من حدثكم أن رسول الله بال قائماًَ فلا تصدقه ما كان يبول إلا جالساً وهو من رواية عائشة عند الخمسة وهناك حديث عند البخارى من رواية أبى حذيفة أن النبى إنتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً.
6-وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ { أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ، ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى } .مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
، وَلِأَبِي دَاوُد عَنْهَا : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ }
( يسلم بين كل ركعتين ) الزيادة ضعفها الألبانى فى تمام المنة بالشذوذ وصححها فى مواطن أخرى لشواهدها : ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ) .
قَوْله : ( وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّهَا قَالَتْ : { إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ } .وَيَجْمَعُ بَيْنهمَا بِأَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُ ، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْهَا أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَتَرَهُ لَمَّا اغْتَسَلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِي بَيْتِهَا بِأَعْلَى مَكَّةَ وَكَانَتْ فِي بَيْتٍ آخَرَ بِمَكَّةَ ، فَجَاءَتْ إلَيْهِ فَوَجَدَتْهُ يَغْتَسِلُ فَيَصِحُّ الْقَوْلَانِ ، ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الْحَافِظُ .
قَوْلُهُ : ( فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ) فِيهِ جَوَازُ الِاغْتِسَالِ بِحَضْرَةِ امْرَأَةٍ مِنْ مَحَارِم الرَّجُلِ إذَا كَانَ مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ عَنْهَا وَجَوَازُ تَسْتِيرِهَا إيَّاهُ بِثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ .
قَوْلُهُ : ( ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ) زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ " يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ " وَزَادَهَا أَيْضًا أَبُو دَاوُد كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ : إنَّ صَلَاةَ الضُّحَى َوْصُولَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ ثَمَانِ رَكَعَاتِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ.
لكن عندنا حديث ابن عمر سأل رجل النبى صلى اله عليه وسلم كيف صلاة الليل فقال مثنى مثنى فإن خفت الصبح فأوتر بواحدة . متفق عليه ، وفى رواية الخمسة : صلاة الليل والنهار ، وزاد أحمد يسلم فى كل ركعتين ، وفى رواية مسلم : قيل لإبن عمر ما مثنى مثنى ؟ قال : يُسلم فى كل ركعتين .
ولا يضر تسمية الأمراء لها صلاة الفتح لأن الراوى قال سبحة الضحى .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ هَذِهِ صَلَاةُ الْفَتْحِ لَا صَلَاةَ الضُّحَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَلَيْهِ
7- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : { خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ وَهُمْ يُصَلُّونَ الضُّحَى ، فَقَالَ : صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ إذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ مِنْ الضُّحَى } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ) .الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ : تَرْمَضُ الْفِصَالُ
ترمض الفصال : جمع فصيل ولد الناقة الصغير ، الرمضاء شدة الحر .
الحديث أخرجه أيضا الترمذي ولفظ مسلم : إن زيد بن أرقم رأى قوما يصلون من الضحى فقال : أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ) وفي رواية له : ( خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل قباء وهم يصلون فقال : ( صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال ) . زاد ابن أبي شيبة في المصنف : ( وهم يصلون الضحى فقال : صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى ) . وفي رواية لابن مردويه في تفسيره : ( وهم يصلون بعد ما ارتفعت الشمس ) . وفي رواية له أنه وجدهم قد بكروا بصلاة الظهر فقال ذلك . وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ " أَنَّهُ مَرَّ بِهِمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الضُّحَى حِينَ أَشَرَقَتْ الشَّمْسُ ".
قَوْلُهُ : ( الْأَوَّابِينَ ) جَمْعُ أَوَّابِ وَهُوَ الرَّاجِعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ آبَ إذَا رَجَعَ .
قَوْلُهُ : ( إذَا رَمِضَتْ ) بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْر الْمِيم وَفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة أَيْ احْتَرَقَتْ مِنْ حَرّ الرَّمْضَاءِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ .وَالْمُرَادُ إذَا وَجَدَ الْفَصِيلُ حَرَّ الشَّمْسِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ ارْتِفَاعِهَا وَالْحَدِيثُ يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِعْلُ الضُّحَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَدْ تُوُهِّمَ أَنَّ قَوْلَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ : إنَّ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضُّحَى وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ تَأْخِيرَ الضُّحَى إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ .
قيل بكروا بالظهر ، والصحيح أنهم كانوا يصلون الضحى فى أول وقتها .

8- وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ : { سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ تَطَوُّعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهَارِ فَقَالَ : كَانَ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ أَمْهَلَ حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا ، يَعْنِي مِنْ الْمَشْرِقِ ، مِقْدَارُهَا مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ هَاهُنَا قِبَلَ الْمَغْرِبِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يُمْهِلُ حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا ، يَعْنِي مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ ، مِقْدَارُهَا مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ هَاهُنَا ، يَعْنِي مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ ، قَامَ فَصَلَّى أَرْبَعًا ، وَأَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا ، َأَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ ، يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ يَتْبَعُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد .
الشاهد من الحديث :( وأربعاً قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن يتبعهم من المسلمين والمؤمنين ) رواه الخمسة إلا أبا داود ، وفى رواية ( يجعل التسليم فى آخرها ) رواها النسائى . وإسناده حسن ، الصحيحة 237 .
الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَسَانِيدُهُ ثِقَاتٌ وَعَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ فِيهِ مَقَالٌ ، وَلَكِنْ قَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ .
قَوْلُهُ : ( إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَهُنَا ، يَعْنِي مِنْ الْمَشْرِقِ مِقْدَارُهَا مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ هَهُنَا قِبَلَ الْمَغْرِبِ ) الْمُرَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتِي الضُّحَى وَمِقْدَارُ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ كَمِقْدَارِ ارْتِفَاعِهَا مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ ، وَفِيهِ تَبْيِينُ وَقْتِهَا .
- وقت صلاة الضحى يكفى فيه حديثا عمرو بن عنبسة وعقبة بن عامر وحديث عمرو بن عنبسة أوضح : صلِ صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرنى شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار ثم صلِ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح [ وقت الزوال وهو قبل الظهر بعشر دقائق ]
قَوْلُهُ : ( حَتَّى إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ ، إلَى قَوْلِهِ : قَامَ فَصَلَّى أَرْبَعًا ) .الْمُرَادُ : إذَا كَانَ مِقْدَارُ بُعْدُ الشَّمْسِ مِنْ مَشْرِقهَا كَمِقْدَارِ بُعْدِهَا مِنْ مَغْرِبهَا عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ قَامَ فَصَلَّى ذَلِكَ الْمِقْدَارَ
قَوْلُهُ : ( إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ) هَذَا تَبْيِينٌ لِمَا قَبْلَهُ .وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ . قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَهِيَ غَيْرُ الْأَرْبَعِ الَّتِي هِيَ سُنَّةُ الظُّهْرِ قَبْلَهَا .
وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الزَّوَالِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ فِي كِتَابِ الْأَوْرَادِ [ حين تزول الشمس مع النهى عن الصلاة فى ذلك الوقت ]
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ مُغِيثٍ الصَّفَّارُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ[ معضل ] قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ يُحْسِنُ فِيهَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالْخُشُوعَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } وَذَكَر حَدِيثًا طَوِيلًا . ورَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " كَانَ َسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَوَى النَّهَارُ خَرَجَ إلَى بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ " وَفِيهِ " قَامَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَشَهَّدْ بَيْنَهُنَّ وَيُسَلِّمُ فِي آخِرِ الْأَرْبَعِ " وَقَدْ بَوَّبَ التِّرْمِذِيُّ لِلصَّلَاةِ عِنْد الزَّوَالِ ، وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ } [صحيح الترغيب 585] وَأَشَارَ إلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا[ لكن هذا محمول على الأربع قبل صلاة الظهر أى قبل الفريضة ]
قال الشوكانى : ، وَإِلَى حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَأَبِي دَاوُد[ حسن ] بِلَفْظِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَاب السماء "
صلاة النهار الأصل فيها مثنى مثنى لكن ثبت أنه عليه السلام صلى أربعاً قبل العصر لم يسلم إلا فى آخرها وندب إلى أربع متصلات قبل الظهر لكن المهم أولاً أن هذه الأحاديث ليس فيها التصريح إلا بأن الأربع كانت بعد أن تزول الشمس أو قبل الظهر المراد بأنه بعد أن تزول الشمس أى بعد أن يدخل وقت الظهر لا بمجرد الزوال لأنه منهى عن الصلاة فيه وقبل الظهر أى قبل الفريضة فعندنا مسلكين تقول أربعاً متصلات ليبين الجواز فالأفضل مثنى مثنى فإن صلاها متصلة جاز وأقوى من هذا أن يقال أن الأفضل مُطلقاً مثنى مثنى مع جواز أن يصليها متصلة إن كانت سنة العصر القبلية أو سنة الظهر القبلية نقف عند مواضع الدليل .
قوله : ( وركعتين بعدها وأربعا قبل العصر ) الخ قد تقدم الكلام على ذلك.





باب



تحية المسـجد


الأصل فى هذا الباب حديث أبى قتادة أن النبى قال ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين ) ورد بصيغة النهى وورد بصيغة الأمر عند البخاري ( فليركع ركعتين قبل أن يجلس ) وكذلك حديث جابر فى الصحيحين ( أن النبى أمر سليكاً الغطفانى لما أتى المسجد يوم الجمعة والنبى يخطب فقعد قبل أن يصلى الركعتين ) ، والذى منع من الصلاة بمجرد خروج الإمام مالك وأبو حنيفة ، واحتجوا بحديث ضعيف وهو إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام وأجابوا عن هذا الحديث بأن الرجل كان فقيراً فأمره النبى أن يقوم فيصلى ركعتين حتى يتفطن الناس لحاله فيتصدقوا عليه ، لكن هذا مردود بأمرين :
- الأول : من جهة الدليل أنه ورد فى زيادة لمسلم أن النبى جعله تشريعاً عاماً فقال : ( إذا دخل أحدكم المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين قبل أن يجلس وليتجوز فيهما ) فجعله تشريعاً عاماً .
- الثانى : من جهة الإلزام هُم لا يقولون بذلك يعنى هل يجوز أن يأمر الإمام من دخل وهو فقير أن يقوم فيصلى ركعتين حتى يتفطن الناس لحاله فهم لا يجوزون هذا .
حُكم تحية المسجد :
عند جماهير العلماء حتى أهل الظاهر أنهما مستحبتان فقط للأدلة التى وردت فى ذلك منها حديث طلحة بن عبيد الله ، لكن الشوكانى قال الكلام الوارد فى حديث طلحة هذا فى السنن الراتبة أما فى تحية المسجد فهى واجبة لأن الرجل بدخوله المسجد أوجبها على نفسه . فنحن نقول فى حديث أبى واقد الليثى فى قصة الثلاثة الذين دخلوا المسجد والنبى يحدث الناس فرأى أحدهم فُرجة فى المسجد فجلس فيها وجلس أحدهم حيث انتهى به المجلس وانصرف الثالث فقال صلى الله عليه وسلم : أما هذا - أى الذى جلس فى الحلقة - أما هذا فقد آوى إلى الله فآواه الله ، وأما الثانى فاستحيى من الله فاستحيى الله منه ، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه ، وهو فى صحيح البخارى ، فهم دخلوا وجلسوا ولم يأمرهم النبى بصلاة ، فهذا دليل على أنها غير واجبة .
أما فى وقت الكراهة : فالنهى عن الصلاة فى وقت الكراهة مع الأمر بصلاة تحية المسجد هذا من باب تعارض العمومين فكل فريق يجعل دليله أخص من دليل الفريق الآخر وذلك بأن الجمهور يقولون يصلى تحية المسجد ( هذا عام ) إلا أن يكون فى وقت كراهة ( هذا خاص ) والشافعية يقولون هو منهى عن الصلاة فى أوقات الكراهة ( هذا عام ) إلا أن يصلى تحية المسجد ( خاص ) فالدليلان بينهما عموم وخصوص ؛ فإذا تعارض العمومان فإنه يطلب ترجيح أحد الدليلين من الخارج من دليل آخر فإنلم يوجد بعض أهل العلم قالوا يتساقط الدليلان ، وبعضهم قالوا بالوقف ، ولكن التوقف سوف يؤدى إلى ترك الصواب بيقين ! فليس إلا مذهب الشافعى – رحمه الله – أنه ينظر إلى الدليلين فالدليل الذى يدخله تخصيص يكون أضعف من الآخر ، وهنا وجدنا أن النهى عن الصلاة فى وقت الكراهة دخله التخصيص فتكون عمومية الصلاة فى وقت الكراهة ضعيفة أضعف من عمومية الأمر بصلاة تحية المسجد فإنها صلاة لها سبب فالتخصيص الذى دخل :
(1) حديث أم سلمة فى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر قضاء سنة الظهر البعدية
(2) حديث قيس بن سهل أن النبى رأى رجل يصلى سنة الفجر بعد الصبح
(3) حديث يزيد بن الأسود فى صلاة الصبح
(4) حديث جبير بن مُطعم لا تمنعوا أحد طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليلٍ أو نهار [صحيح المشكاة ] .
إذاً الصلوات ذات الأسباب مستثناة من النهى ، الشوكانى يقول : نستثنى الصلوات التى ورد فيها الدليل فقط مثل واحد دخل المسجد وقد صلى فرأى الجماعة : الأولى فيصلى وهكذا كما ورد فى المواضع ، والشافعى نظر إلى الأعم فقال الصلاة التى لها سبب ، ابن حزم نظر إلى الأعم فقال هذه الأحاديث بالنهى عن الصلاة فى وقت الكراهة منسوخة إلا تحرى طلوع الشمس وتحرى غروبها

1-عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ } .رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَالْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ ، وَلَفْظُهُ : { أَعْطُوا الْمَسَاجِدَ حَقَّهَا ، قَالُوا : وَمَا حَقُّهَا ؟ قَالَ : أَنْ تُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسُوا } [لفظ الأثرم ضعيف ، ضعيف الجامع 945] .
حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ النَّهْي كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِلَفْظِ الْأَمْرِ ، فَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيُّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ } .وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيَّ لَمَّا أَتَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَعَدَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا } .وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ لَمَّا أَتَى الْمَسْجِدَ لِثَمَنِ جَمَلِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ } وَالْأَمْر يُفِيدُ تَحْقِيقِيَّةَ وُجُوبِ فِعْلِ التَّحِيَّةِ وَالنَّهْي يُفِيدُ بِحَقِيقَتِهِ أَيْضًا تَحْرِيمَ تَرْكِهَا .وَقَدْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الظَّاهِرِيَّةُ كَمَا حَكَى ذَلِكَ عَنْهُمْ ابْنُ بَطَّالٍ .قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ عَدَمُهُ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : إنَّهُ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ، قَالَ : وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ دَاوُد وَأَصْحَابِهِ وُجُوبَهَا .قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ لِلنَّدْبِ .
قَالَ : وَمِنْ أَدِلَّة عَدَم الْوُجُوبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي رَآهُ يَتَخَطَّى : " اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِصَلَاةٍ "[ صحيح الجامع ] كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى[ لاحتمال أنه صلى قبل أن يتخطى ] .
وَمِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَلَا يُصَلُّونَ . [ لكنه ليس فيه تصريح بأنهم كانوا يجلسون ] .
وَمِنْ أَدِلَّتهمْ أَيْضًا حَدِيثُ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْمُوَطَّأِ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ { لَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَقَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ : لَا .إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ } وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبِي دَاوُد قَالَ : " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ " .
وَيُجَابُ عَنْ عَدَمِ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي رَآهُ يَتَخَطَّى بِالتَّحِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَعَلَهَا فِي جَانِبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ وَقَبْلَ وُقُوعِ التَّخَطِّي مِنْهُ ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِهَا وَالنَّهْي عَنْ تَرْكِهَا[ هذا فيه نظر لا تستطيع أن تقول هذا أى القول بأن الأمر بها هو الذى نسخ ولماذا لا يكون العكس ] .. وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ النَّظَرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَافِظُ .
وَيُجَابُ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَدْخُلُونَ وَيَخْرُجُونَ وَلَا يُصَلُّونَ بِأَنَّ التَّحِيَّةَ إنَّمَا تُشْرَعُ لِمَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ لِمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَدْخُلُونَ وَيَجْلِسُونَ وَيَخْرُجُونَ بِغَيْرِ صَلَاةِ تَحِيَّةٍ ، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا بَعْدَ تَبْيِينِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَفْعَالِهِمْ .
أَمَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِ بِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا فِعْلُ جَمِيعِهِمْ بَعْد عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فِي حَيَاتِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ ، وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ مُحْتَمَلَةٌ .
أَيْضًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صُدُورُ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ شَرْعِيَّتِهَا .
الإجماع يكون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وليس فى حياته ، وتلك الرواية محتملة أى محتمل أن قصة دخول أصحابه المسجد بعد وفاته أو فى عصره فمحصل هذا الأثر أنه ليس فيه أنهم كانوا يجلسون ونحن نتكلم على من أراد أن يجلس ، وثانياً : أنه لا حجة فى فعل الصحابة إلا أن يكون ذلك إجماعاً ، الذين يقولون بعدم حجية الإجماع فهذا الأثر ليس فيه حجة عندهم ، والذين يقولون بحجية الإجماع فلابد من جميع الصحابة ولابد أن يكون ذلك بعد وفاة النبى عليه السـلام لأنه لا إجماع إلا بعد وفاته والأثر يحتمل أنه قبل الوفاة أو بعد الوفاة وعند الإحتمال يسقط الإستدلال .
وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَوَّلًا بِأَنَّ التَّعَالِيمَ الْوَاقِعَةَ فِي مَبَادِئِ الشَّرِيعَةِ لَا تَصْلُحُ لِصَرْفِ وُجُوبِ مَا تَجَدَّدَ مِنْ الْأَوَامِرِ وَإِلَّا لَزِمَ قَصْرُ وَاجِبَاتِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ والزَّكَاةِ وَالشَّهَادَتَيْنِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ .
يريد أن يقول أنتم تحتجون بحديث ضِمام على أن الصلوات الخمسة هى الواجبة فقط فكذلك نقول أن ما ورد فى حديث ضِمام هو الواجب فقط من الشريعة وما عدا هذا لا يجب ، وهذا طبعاً باطل لأن الشريعة كانت تزيد شيئاً فشيئاً ، ويرد على الشوكانى فى هذا بجوابين :
(1) الأول : أن النبى كما ثبت فى رواية البخارى فعلمه شرائع الإسلام
(2) ثانياً : هو محتاج أن يثبت أن الأمر بالتحية كان بعد حديث ضِمام حتى نقول أن الشريعة زادت شيئاً فشيئاً وأنّى له هذا ؟! أى أن يثبت أن الأمر بالتحية بعد حديث ضِمام فاحتمال أن يكون قبل وأحتمال أن يكون بعد ، والأصل براءة ذمة المكلف من أن يستقر به أى واجب إلا باليقين وليس بالشك ، وأما أن يُقال على كلام الشوكانى كمناقشة له إن كان حديث أبى قتادة ( أى الأمر بالتحية ) بعد حديث ضِمام فالأمر على الوجوب والشريعة تزداد شيئاً فشيئاً وإن كان قبل حديث ضِمام فعدم الأمر بالتحية فى حديث ضِمام صارف لهذا الأمر للاستحباب وطالما متردد بين الوجوب والإستحباب فلا يمكن أن يجب شئ بهذه الكيفية .
وَأَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَصَرَ فِي تَعْلِيمِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ السَّابِقِ نَفْسِهِ عَلَى الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي الْأُمَّهَاتِ ، وَفِي بَعْضِهَا عَلَى أَرْبَعٍ ثُمَّ لَمَّا سَمِعَهُ يَقُولُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ : وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أُنْقِصُ مِنْهُ ، قَالَ : " أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ " .
وَتَعْلِيقُ الْفَلَاحِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ بِصِدْقِهِ فِي ذَلِكَ الْقَسَمِ الَّذِي صَرَّحَ فِيهِ بِتَرْكِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ مُشْعِرٌ بِأَنْ لَا وَاجِبَ عَلَيْهِ سِوَاهَا ، إذْ لَوْ فُرِضَ بِأَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبَاتِ غَيْرِهَا لَمَا قَرَّرَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَمَدَحَهُ بِهِ وَأَثْبَتَ لَهُ الْفَلَاحَ وَدُخُولَ الْجَنَّةِ ، فَلَوْ صَلُحَ قَوْلُهُ : " لَا ، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ " لِصَرْفِ الْأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ بِغَيْرِ الْخَمْسِ الصَّلَوَاتِ لَصَلُحَ قَوْلُهُ : " أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ ، وَدَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ " لِصَرْفِ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِوُجُوبِ مَا عَدَا الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ
يريد أن يقول هذه الملازمة أن النبى قال أفلح إن صدق فتعليق الفلاح على صدقه على بأنه سيقتصر على هذه الأمور كافى فى إثبات عدم وجوب ما زاد عليها .
َأَمَّا بُطْلَانُ اللَّازِمِ فَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَنَّ وَاجِبَاتِ الشَّرِيعَةِ قَدْ بَلَغَتْ أَضْعَافَ أَضْعَافَ تِلْكَ الْأُمُورِ ، فَكَانَ اللَّازِمُ بَاطِلًا بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ .
بيّن ماهو اللازم ثم بين بطلانه اللازم من الحديث أن النبى لما قال أفلح إن صدق مع أنه أقسم ألا يزيد على ذلك الواجبات ، والنبى رتب الفلاح على صدقه فهذا دليل على أن الرجل إن اقتصر على هذه الأشياء سيدخل الجنة وبالتالى فما زاد على هذا ليس بواجب واللازم باطل لأن الشريعة قد بلغت أضعاف أضعاف تلك الأمور فكان اللازم باطل بالضرورة الدينية وإجماع الأمة لكن نحن نقول أن النبى صلى الله عليه وسلم علّمه شرائع الإسلام .
وَيُجَابُ ثَانِيًا بِأَنَّ قَوْلَهُ : " إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ " يَنْفِي وُجُوبَ الْوَاجِبَاتِ ابْتِدَاءً ، لَا الْوَاجِبَاتِ بِأَسْبَابٍ يَخْتَارُ الْمُكَلَّفُ فِعْلهَا كَدُخُولِ الْمَسْجِدِ مَثَلًا لِأَنَّ الدَّاخِلَ أَلْزَم نَفْسَهُ الصَّلَاةَ بِالدُّخُولِ فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ شُمُولُ ذَلِكَ الصَّارِفِ لِمِثْلِهَا
يريد أن يقول لكن إن أوجب على نفسه شئ كأن ينذر صيام نقول لا إلا أن تطوع ينفى وجوب الواجبات إبتداءً لا الواجبات بأسباب يختار المكلف فعلها ...
وَيُجَابُ ثَالِثًا بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُتَمَسِّكِينَ بِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي صَرْفِ الْأَمْرِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إلَى النَّدْبِ قَدْ قَالُوا بِوُجُوبِ صَلَوَاتٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْخَمْسِ كَالْجِنَازَةِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ فِي إيجَابِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فَهُوَ جَوَابُ الْمُوجِبِينَ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ، لَا يُقَالُ الْجُمُعَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْخَمْسِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ ، لِأَنَّا نَقُولُ : لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ النِّزَاعُ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْأَعْيَانِ وَلَا اُحْتِيجَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ لِذَلِكَ
.وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّحِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيَّةُ وَكَرِهَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ فِي وَقْتِ النَّهْي .
ليس الأمر كذلك فالذين قالوا بوجوب صلوات خارجة عن الخمس كصلاة الجنازة فهناك من يقول بعدم الوجوب ( المالكية ) ووجوب ركعتى الطواف أيضاً هناك من يقول بعدم الوجوب ومن يقول بالوجوب تابع للطواف نفسه فهو يسلم له فى هذه المسألة فقط ، والعيدين عند أبى حنيفة فقط والجمعة لأن الشوكانى عنده أن الذى لا تفرض عليه الجمعة تفرض عليه أربع صلوات فقط فى ذلك اليوم فلا يصلى ظهر بدل الجمعة .
إذَا عَرَفْت هَذَا لَاحَ لَك أَنَّ الظَّاهِرَ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ مِنْ الْوُجُوبِ .
قد سبق أن بيّنا أن ابن حزم لا يقول بالوجوب ، الشوكانى فى تحية المسجد قال بالوجوب وفى وقتها قال بالوقف لا يقعد ولا يصلى .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ النَّهْي إنَّمَا هُوَ عَمَّا لَا سَبَبَ لَهُ .وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ وَصَلَّى ذَاتَ السَّبَبِ ، وَلَمْ يَتْرُكْ التَّحِيَّةَ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ بَلْ أَمَرَ الَّذِي دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَجَلَسَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ أَنْ يَقُومَ فَيَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ مِنْهَا إلَّا التَّحِيَّةَ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ خُطْبَتَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ ، فَلَوْلَا شِدَّةُ الِاهْتِمَامِ بِالتَّحِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لَمَا اهْتَمَّ هَذَا الِاهْتِمَامَ .ذَكَر مَعْنَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ قَدْ تَعَارَضَ فِي الْمَقَامِ عُمُومَاتُ النَّهْي عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، وَالْأَمْرُ لِلدَّاخِلِ بِصَلَاةِ التَّحِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، فَتَخْصِيصُ أَحَدِ الْعُمُومَيْنِ بِالْآخَرِ تَحَكُّمٌ ، وَكَذَلِكَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَعَ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَة وَمَعَ اشْتِمَال كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النَّهْي أَوْ النَّفْي الَّذِي فِي مَعْنَاهُ ، وَلَكِنَّهُ إذَا وَرَدَ مَا يَقْضِي بِتَخْصِيصِ أَحَدِ الْعُمُومَيْنِ عُمِلَ عَلَيْهِ ، وَصَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ مُخْتَصٌّ بِهِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ : أَفَنَقْضِيهِمَا إذَا فَاتَتَا ؟ قَالَ : " لَا " [ منكر ، السلسلة الضعيفة ] وَلَوْ سَلِمَ عَدَم الِاخْتِصَاصِ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ إلَّا جَوَازُ قَضَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ لَا جَوَازُ جَمِيعِ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ نَعَمْ حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الَّذِي سَيَأْتِي { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلرَّجُلَيْنِ : مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا ؟ فَقَالَا : قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا ، فَقَالَ : إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ } وَكَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ صَلَاةَ الصُّبْحِ كَمَا سَيَأْتِي يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَصِّصَاتِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالْكَرَاهَةِ ، وَكَذَلِكَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ هَذَا فِي بَابِ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا ، وَبَابُ الرُّخْصَةِ فِي إعَادَةِ لْجَمَاعَةِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يُعْلَمُ أَنَّ فِعْلَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ تَرْكَهَا لَا يَخْلُو عِنْدَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِهَا مِنْ إشْكَالٍ ، وَالْمَقَامُ عِنْدِي مِنْ الْمَضَايِقِ وَالْأَوْلَى لِلْمُتَوَرِّعِ تَرْكُ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ قَوْلُهُ : ( فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَلَا يَجْلِسْ ) قَالَ الْحَافِظُ : صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ إذَا خَالَفَ وَجَلَسَ لَا يُشْرَعُ لَهُ التَّدَارُكُ ، قَالَ : وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ { أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِد فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : قُمْ فَارْكَعْهُمَا } وَمِثْلُهُ قِصَّةُ سُلَيْكٌ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا .وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا ، فِي أَبْوَابِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ : يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : وَقْتُهُمَا قَبْلَ الْجُلُوسِ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَبَعْدَهُ وَقْتُ جَوَازٍ أَوْ يُقَالُ : وَقْتُهُمَا قَبْلَهُ أَدَاءٌ .وَبَعْدَهُ قَضَاءٌ ، قَالَ الْحَافِظُ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُحْمَلَ مَشْرُوعِيَّتُهُمَا بَعْدَ الْجُلُوسِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ وَظَاهِرُ التَّعْلِيقِ بِالْجُلُوسِ أَنَّهُ يَنْتَفِي النَّهْيُ بِانْتِفَائِهِ فَلَا يَلْزَمُ التَّحِيَّةُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَجْلِسْ ، ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْجُلُوسَ نَفْسَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ ، بَلْ الْمَقْصُودُ الْحُصُولُ فِي بُقْعَتِهِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ " ثُمَّ لْيَقْعُدْ بَعْدُ إنْ شَاءَ أَوْ لِيَذْهَب لِحَاجَتِهِ إنْ شَاءَ " وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ .
قَوْلُهُ : ( حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : هَذَا الْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لِأَكْثَرِهِ بِاتِّفَاقٍ وَاخْتُلِفَ فِي أَقَلِّهِ ، وَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُهُ فَلَا تَتَأَدَّى هَذِهِ السُّنَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ التَّحِيَّةَ مَشْرُوعَةٌ وَإِنْ تَكَرَّرَ الدُّخُولُ إلَى الْمَسْجِدِ ، وَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ الْبَعْضُ مِنْ عَدَمِ التَّكَرُّرِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَرَدِّدِينَ إلَى مَكَّةَ فِي سُقُوطِ الْإِحْرَامِ عَنْهُمْ .

قال الشوكانى : والمقام عندى من المضايق والأولى للمتورع ترك دخول المسجد فى أوقات الكراهة
معنا أحاديث تدل لمذهب الشافعى :
(1) حديث أم سلمة (2) حديث قيس
(3) حديث يزيد بن الأسود (4) حديث جبير بن مطعم
قال الشوكانى : حتى يصلى ركعتين قال الحافظ فى الفتح : هذا العدد لا مفهوم لاكثره بإتفاق
يعنى لا يقتصر على اثنتين بل يجوز أن يصلى ثلاث لكن إن صلى ركعة واحدة لا يجزئ لأنه أقل مما أمر به عليه الصلاة والسلام ، ليس هذا مفهوم مخالفة فى الأكثر لكن هناك مفهوم مخالفة فى الأقل ، والصواب أن تكرر الدخول إلى المسجد تشرع له التحية والأولى أن يقال تصلى حتى مع طول الفضل فيكون صلاته قبل الجلوس فضيلة وبعده جواز كما قال الطبرى .
( فَائِدَةٌ ) ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِد الْحَرَامِ ، الطَّوَافُ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ فِيهِ بِالطَّوَافِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْلِسْ ، إذْ التَّحِيَّةُ إنَّمَا تُشْرَعُ لِمَنْ جَلَسَ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالدَّاخِلُ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَبْدَأُ بِالطَّوَافِ ثُمَّ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمَقَامِ فَلَا يَجْلِسُ إلَّا وَقَدْ صَلَّى ، فَأَمَّا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَأَرَادَ الْقُعُودَ قَبْلَ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ يُشْرَعُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ[ هو الصواب وهو الذى يفتى به علماء السعودية هناك ]
قال الشوكانى : وَلَكِنَّهُ سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ التَّحِيَّةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا.
النبى صلى الله عليه وسلم صلاها فى المصلى وليس فى المسجد لكن لو دخل واحد المسجد لصلاة العيد يكون مطالباً بالتحية ، وبمراجعة أبواب صلاة العيد لم نجد ما يدل على المنع وإنما هى حكاية فعل على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصليها فى المصلى كما ذكر المؤلف وأما من دخل المسجد فهو مخاطب بحديث أبى قتادة ولابد ، على أنّ المصنف حكى جواز الصلاة قبل العيد عن طوائف من الصحابة والتابعين والفقهاء راجع ذلك فى أبواب لا صلاة بعد العيد ولا قبلها .
قال الحافظ المراد شغل البقعة بالصلاة لكن لا يصلى ركعة واحدة .





باب



الصلاة عُقيب الطهـور


1-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ : يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْته فِي الْإِسْلَامِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَ : مَا عَمِلْت عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ } .مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
( لِبِلَالٍ ) هُوَ ابْنُ رَبَاحٍ الْمُؤَذِّنُ .
قَوْلُهُ : ( عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْمَنَامِ لِأَنَّ عَادَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَعْبُرُ مَا رَآهُ وَيَعْبُرُ مَا رَآهُ أَصْحَابُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ ، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ : ( بِأَرْجَى عَمَلٍ ) بِلَفْظِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ وَإِضَافَةُ الرَّجَاءِ إلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الدَّاعِي إلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( فِي الْإِسْلَامِ ) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ " مَنْفَعَة عِنْدَكَ ".
قَوْلُهُ : ( فَإِنِّي سَمِعْتُ ) زَادَ مُسْلِمٌ " اللَّيْلَةَ " وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْمَنَامِ كَمَا تَقَدَّمَ .
قَوْلُهُ : ( دَفَّ نَعْلَيْكَ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَثْقِيلِ الْفَاءِ ، وَضَبَطَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ .قَالَ الْخَلِيلُ : دَفَّ الطَّائِرُ إذَا حَرَّكَ جَنَاحَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رِجْلَيْهِ ، وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ : الدَّفُّ : الْحَرَكَةُ الْخَفِيفَةُ .وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " خَشْفَ نَعْلَيْكَ " بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ : الْخَشْفُ : الْحَرَكَةُ الْخَفِيفَةُ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا " خَشْخَشَة " بِمُعْجَمَتَيْنِ مُكَرَّرَتَيْنِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْحَرَكَةِ أَيْضًا .
قَوْلُهُ : ( أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَمِنْ مُقَدَّرَةٌ قَبْلَهُ صِلَةٌ لِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ .
قَوْلُهُ : ( مَا كُتِبَ لِي ) أَيْ قُدِّرَ ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : إنَّمَا اعْتَقَدَ بِلَالٌ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَأَنَّ عَمَلَ السِّرِّ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْجَهْرِ .وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَنْدَفِعُ إيرَادُ مَنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ غَيْرَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ .
وَلِلْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي تَوْقِيتِ الْعِبَادَةِ وَالْحَثِّ عَلَى الصَّلَاةِ عَقِيبَ الْوُضُوءِ وَسُؤَالِ الشَّيْخِ عَنْ عَمَلِ تِلْمِيذِهِ فَيَحُضُّهُ عَلَيْهِ .وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ : " فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ " .
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَخْذَ بِعُمُومِهِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِعُمُومِ النَّهْي .
" أنى لم أتطهر طهوراً فى ساعة من ليلٍ أو نهار " عموم يشمل أوقات الكراهة ، والعموم الآخر : النهى عن الصلاة فى أوقات الكراهة ، كل فريق يعتبر أن دليله هو الأعم ففريق يقول يصلى سنة الوضوء إلا فى أوقات الكراهة فاعتبر أن دليله أخص ، والآخر يقول هو منهى عن الصلاة فى أوقات الكراهة إلا إذا كان سيصلى سنة الوضوء .
وليعلم أن الصلاة بالوضوء سواء صلى فريضة فحصل له الثواب أو صلى سنة راتبة حصل له الثواب وإن لم يكن الوقت وقت صلاة مفروضة أو سنة راتبة فصلى ركعتين تطوعاً حصل له الثواب ، فهذه مثل تحية المسجد فلو أن رجلاً توضأ فدخل المسجد وقد أُذن للصلاة فصلى ركعتى سنة الظهر قبل أن يجلس حدث له ثواب سنة المسجد وسنة الوضوء .












باب



صــلاة الاسـتخارة


1- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ ، يَقُولُ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقْدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ، أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ، أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي ، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ ، قَالَ : وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ } . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا .
الْحَدِيثُ مَعَ كَوْنِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمَعَ تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ لَهُ قَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ : إنَّ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِي ، يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةُ مِنْ طَرِيقِهِ مُنْكَرٌ فِي الِاسْتِخَارَةِ .قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورِ إنَّهُ أُنْكِرَ عَلَيْهِ حَدِيثُ الِاسْتِخَارَةِ ، قَالَ : وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ انْتَهَى . وَقَدْ وَثَّقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي الْمَوَالِي جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ : لَا بَأْسَ بِهِ .
وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قَالَ : { عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِخَارَةَ قَالَ : إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَمْرًا فَلْيَقُلْ } فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ ، وَفِي إسْنَادِهِ صَالِحُ بْنُ مُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَمَا ذُكِرَ فِي التَّقْرِيبِ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ، وَفِيهِ ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ إنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ " وَذَكَر الْحَدِيثَ . وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ [ضعيف الجامع ] عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي الدَّعَوَاتِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ : اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي } وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ [ ضعيف الجامع ] بِلَفْظِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَمْرًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك الْحَدِيث } وَزَادَ فِي آخِرِهِ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " .قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى وَالْبَزَّارِ فِي مَسَانِيدِهِمْ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ } .قَالَ الْبَزَّارُ : لَا نَعْلَمُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا عِنْدَ سَعْدٍ ، وَلَا رَوَاهُ عَنْهُ إلَّا ابْنُهُ مُحَمَّدٌ قَالَ الْعِرَاقِيُّ : قَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوُهُ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ ، وَأَصْلُ الْحَدِيثِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي الرِّضَا وَالسَّخَطِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ قَالَا : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك الْحَدِيث ، إلَى قَوْلِهِ : عَلَّامُ الْغُيُوبِ } وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَانِئٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ بِنَحْوِ حَدِيثِهِ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ : ( فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا ) دَلِيلٌ عَلَى الْعُمُومِ ، وَأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَحْتَقِرُ أَمْرًا لِصِغَرِهِ وَعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِهِ فَيَتْرُكُ الِاسْتِخَارَةَ فِيهِ ، فَرُبَّ أَمْرٍ يَسْتَخِفُّ بِأَمْرِهِ فَيَكُونُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ أَوْ فِي تَرْكِهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَتَّى فِي شِسْعِ نَعْلِهِ " [ ضعيف الجامع 4946 ]
قَوْلُهُ : ( كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ ) .
الاستخارة استفعال أى : يطلب من الله أن يختار له فربنا بعلمه يعلم إن كان الأمر يفيد العبد ، وبقدرته ييسره للعبد وييسر العبد له ويصرف العبد عنه فهذا الحديث من جوامع الكلم ، فقوله : فاصرفنى عنه واصرفه عنى ،لم يقل : اصرفه عنى فقط فقد يصرف الأمر عن الإنسان ولا يزال قلبه متعلق به
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الِاسْتِخَارَةِ وَأَنَّهُ مُتَأَكِّدٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَلَمْ أَجِدْ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِاسْتِخَارَةِ مُسْتَدِلًّا بِتَشْبِيهِ ذَلِكَ بِتَعْلِيمِ السُّورَةِ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى وُجُوبِ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ : " كَانَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ " .
فالقدر الواجب من حفظ القرآن هو ما تصح به الصلاة، فالشوكانى إذا كان يريد أن يوقول بالوجوب فليأت له بسلف فى هذا .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : إنَّمَا دَلَّ عَلَى وُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ : " فَلَيْقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ " الْحَدِيث ، قُلْنَا : وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ الْأَمْرُبِقَوْلِهِ : " فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيَقُلْ " فَإِنْ قَالَ : الْأَمْرُ فِي هَذَا تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُهُ : " إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ " . قُلْنَا : إنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ عِنْدَ إرَادَةِ ذَلِكَ لَا مُطْلَقًا كَمَا قَالَ : فِي التَّشَهُّدِ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ " .قَالَ : وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِخَارَةِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الدَّالَّةُ عَلَى انْحِصَارِ فَرْضِ الصَّلَاةِ فِي الْخَمْسِ مِنْ قَوْلِهِ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ : " لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ " وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَا لَك فِي بَابِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.
قَوْلُهُ : ( فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الِاسْتِخَارَةِ كَوْنُهَا رَكْعَتَيْنِ فَلَا تُجْزِئُ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ ، وَهَلْ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّي أَرْبَعًا أَوْ أَكْثَر بِتَسْلِيمَةٍ ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : يُجْزِئُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ " ثُمَّ صَلِّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَك " [ لا يصح ] فَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَضُرُّ الزِّيَادَةُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ ، وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ فِي قَوْلِهِ : " فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ " لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ .
مفهوم العدد ليس معمول به ولكنه خرج مخرج الغالب باعتبار أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" لكن إن صلى أربع ركعات مثل رجل دخل المسجد فالنبى صلى الله عليه وسلم قال يركع ركعتين قبل أن يجلس فلو صلى الظهر تُجزئه لكن إن صلى ركعة واحدة لا تجزئه فهنا نفس الأمر .
قَوْلُهُ : ( مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّسَنُّنُ بِوُقُوعِ الدُّعَاءِ بَعْد صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّوَافِلِ .
لماذا نقول السنن لا رغم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فليركع ركعتين من دون الفريضة فقط فلماذا نمنع السنن ؟! فإن قلنا الشوكانى أوجب تحية المسجد فلماذا السنن الراتبة .
َقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ : إنَّهُ يَحْصُلُ التَّسَنُّنُ بِذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ حُصُولِ الْهَمّ بِالْأَمْرِ فَإِذَا صَلَّى رَاتِبَةً أَوْ فَرِيضَةً ثُمَّ هَمَّ بِأَمْرٍ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ يَحْصُلْ بِذَلِكَ الْإِتْيَانُ بِالصَّلَاةِ الْمَسْنُونَةِ عِنْدَ الِاسْتِخَارَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ : إنْ كَانَ هَمَّهُ بِالْأَمْرِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الرَّاتِبَةِ وَنَحْوِهَا ثُمَّ صَلَّى مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الِاسْتِخَارَةِ وَبَدَا لَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْإِتْيَانُ بِدُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ فَالظَّاهِرُ حُصُولُ ذَلِكَ .
فهو يريد أن يقول أنه بعد أن صلى سنة الظهر همَّ بالأمر أو فى أثناء صلاة سنة الظهر همَّ بالأمر فهل بعد أن ينتهى من الصلاة ويسلم يدعوا دعاء الإستخارة ويكون بذلك أتى بالسنة ؟ لا ينفع لأن الحديث يقول "إذا همَّ بالأمر فليركع" والفاء للترتيب لمّا همَّ صلى ركعتين ودعا فلو همَّ فى أثناء الصلاة لم يأتى بالسنة ، لكن لو هو همَّ بالأمر ثم قام فصلى ركعتين سنة الظهر ونوى أن يستخير بعدهما . لذلك الإمام البخارى لم يقل : باب صلاة الإستخارة ، لكن قال : باب دعاء الاستخارة ، لأن الاستخارة قد تكون لها صلاة مخصوص إن كان الوقت ليس وقت فريضة أو سنة راتبة ، وقد تصلى عقيب السنة الراتبة أو أى صلاة نفل . أما قوله فريضة فهذا يُستبعد .
فالحافظ زاد أى الحافظ العراقى . فالذى تعقب النووى هو الحافظ ابن حجر فقال إن همَّ بالأمر بعد السنة الراتبة أو أثناء السنة الراتبة ثم دعا بعد الصلاة لم يكن متسـنناً وإن همَّ بالأمر قبل أن يدخل فى السنة الراتبة ونوى بعد ذلك أن يستخير يحصل التسنن لأن هذا مطابق للحديث " همَّ ثم يركع ركعتين من دون الفريضة ثم يقل ... " نفترض أنه همَّ بالأمر قبل أن يدخل صلاة سنة الظهر ثم دخل سنة الظهر ولم ينوى الاستخارة لكن بعد أن إنتهى من السنة استخار فالحافظ العراقى يقول : الظاهر أن هذا يصح أيضاً ، فهو يريد أن يقول أن هذا موافق لنص الحديث فالرجل همَّ ثم صلى سنة ثم قال دعاء الاستخارة نوى قبل الشروع فى سنة راتبة أم لم ينوِ فهو يريد أن يقول النية هنا ليست مفروضة لكن المهم أن يهم بالأمر قبل أن يصلى الركعتين اللتين يصلى بعدهما ولا يشكل عليه حديث ( الأعمال بالنيات ) إلا إذا كان يصلى ركعتين بنية الإستخارة فهنا ينوى أما الصورة السابقة فهو همَّ ثم صلى ثم نوى الاستخارة .
قَوْلُهُ : ( ثُمَّ لِيَقُلْ ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَأَخُّرُ دُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ عَنْ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ ،
لأن ثم تفيد التعقيب مع التراخى ، فشيخ الإسلام يقول : الدعاء فى السجود ، وهذا ينافى الحديث لأن (ثم) بعد الركعتين
وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِكَلَامٍ آخَرَ يَسِيرٍخُصُوصًا إنْ كَانَ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ أَتَى بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرَاخِي .
لأن من آداب الدعاء أن يبدأ بالثناء على الله عز وجل ثم بالصلاة والسلام على رسول الله ثم يأتى بالدعاء لحديث فضالة أن النبى رأى رجل يدعو فقال عجّل هذا ، وهو عند أحمد .
قَوْلُهُ : ( أَسْتَخِيرُك ) أَيْ أَطْلُبُ مِنْكَ الْخَيْرَ أَوْ الْخِيرَةَ .قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ : اسْتَخَارَ اللَّهَ : طَلَبَ مِنْهُ الْخَيْرَ .وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ : خَارَ اللَّهُ لَكَ : أَيْ أَعْطَاكَ اللَّهُ مَا هُوَ خَيْرٌ لَك قَالَ : وَالْخِيرَةُ بِسُكُونِ الْيَاء الِاسْم مِنْهُ قَالَ : فَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهِيَ الِاسْمُ مِنْ قَوْلِهِ : اخْتَارَهُ اللَّهُ .
قَوْلُهُ : ( بِعِلْمِكِ ) الْبَاءُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ بِأَنَّك أَعْلَمُ .
اسم العليم إن كان متعدياً فيدل على الذات بدلالة المطابقة وعلى الصفة بدلالة التضمين ، فالعليم علم على الذات أى الله ، ويدل بالتضمين على العلم وبدلالة الالتزام على الحياة فلا يكون عليماً إلا من كان حياً ، وإن كان الإسم غير متعدٍ كالحى فإنه يدل على أمرين فقط : علم على الذات ودال على صفة الحياة .
وعلمه سبحانه وتعالى أزلى لم يسبقه نسيان ولا جهل .
وَكَذَا قَوْلُهُ : ( بِقُدْرَتِكِ ) .
قَوْلُهُ : ( وَمَعَاشِي ) الْمَعَاشُ وَالْعِيشَةُ وَاحِدٌ يُسْتَعْمَلَانِ مَصْدَرًا وَاسْمًا ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ : الْعَيْشُ : الْحَيَاةُ ، قَالَ : وَالْمَعِيش وَالْمَعَاشُ وَالْمَعِيشَةُ مَا يُؤْنَسُ بِهِ انْتَهَى.
قَوْلُهُ : ( أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي ) هُوَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي .
قَوْلُهُ : ( فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ) هُوَ طَلَبُ الْأَكْمَلِ مِنْ وُجُوهِ انْصِرَافِ مَا لَيْسَ فِيهِ خِيَرَةٌ عَنْهُ ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِسُؤَالِ صَرْفِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَصْرِفُ اللَّهُ الْمُسْتَخِيرَ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ بِأَنْ يَنْقَطِعَ طَلَبُهُ لَهُ ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خِيَرَةٌ بِطَلَبِهِ فَرُبَّمَا أَدْرَكَهُ ، وَقَدْ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنْ الْمُسْتَخِيرِ ذَلِكَ الْأَمْرَ ، وَلَا يَصْرِفُ قَلْبَ الْعَبْدِ عَنْهُ بَلْ يَبْقَى مُتَطَلِّعًا مُتَشَوِّقًا إلَى حُصُولِهِ ، فَلَا يَطِيبُ لَهُ خَاطِرٌ إلَّا بِحُصُولِهِ فَلَا يَطْمَئِنُّ خَاطِرُهُ ، فَإِذَا صُرِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَر كَانَ ذَلِكَ أَكْمَلَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : " وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ " ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّرَ لَهُ الْخَيْرَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ كَانَ مُنَكَّدَ الْعَيْشِ آثِمًا بِعَدَمِ رِضَاهُ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ خَيْرًا لَهُ .
المعنى : قد يصرف الله العبد عن طلب الشئ فتقطع همته لكن الشئ هو الذى يطلبه وقد يدركه وقد يحدث العكس فيصرف الله الشئ نفسه ولا يزال قلب العبد المستخير متعلق به وهذا ينغص عليه عيشه ولذلك يطلب من الله الصرف من الطرفين أن ينصرف هو عن الشئ وينصرف الشئ عن العبد إذا كان شراً ، هذا من أمور التوكل على الله وهو واجب وبغيره لا يستطيع الإنسان أن يفعل حاجة فى أمور الدنيا . التوكل كما قال ابن القيم فى المدارج : أصول التوكل :
· الأول : التعرف على الله بأسمائه وصفاته إذ هو الوكيل فالإنسان فى أمور الدنيا إذا أراد شراء شئ لا يوكل أى شخص بل يبحث عن الأمين وهذا الأمين قد يكون مغفلاً خائباً لا يستطيع الشراء فهو يطلب الأمين الخبير فى نفس الوقت ، فالتعرف على الله بأسمائه وصفاته .
· الثانى : الإيمان المطلق بالقدر فالإنسان يدرب نفسه على الرضا حتى لو رأى شيئا بسيطا يتحرك يعلم أن هذا بقدر وليس هناك شئ فى هذا الكون المُحكم إلا يحدث بقدر { إنّا كل شئٍ خلقناه بقدر } { وما تسقط من ورقةٍ ولا حبةٍ فى ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابس إلا فى كتاب مبين } وكذلك فى حديث عبد الله بن عمرو فى صحيح مسلم أن النبى قال : " إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء " كل الخلائق من إنسان وحيوان ونبات وملائكة ، وقد روى أبو داود وابن ماجه عن أربعة من الصحابة ابن مسعود وزيد بن ثابت وأُبى بن كعب وحذيفة بن اليمان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :" لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لم يعذبهم وهو ظالم لهم . قال ولا أنت يارسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته ، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة قالوا ولا أنت يارسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته ، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً من أعمالهم ، ولو أنك انفقت مثل أُحد ذهباً فى سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر ؛ فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك وأن ما أخطئك لم يكن ليصيبك ولو أنك مت على غير هذا لأدخلك الله النار " رواه أحمد والترمذي وهذه رواية أحمد .
· الثالث : الأخذ بالأسباب وهذا من صميم التوكل ففى سنن الترمذى من حديث أنس أن رجل أعرابى قال : يارسول الله ناقتى أعقلها أم أتوكل قال : اعقلها وتوكل " .
· الرابع : عدم الركون إلى الأسباب لأن السبب ليس فاعل بنفسه فالإنسان يأخذ بالسبب أما النتيجة إلى الله فمن جدّ وجد بإذن الله ومن زرع حصد بإذن الله ، فبشر الحافى يقول : يقول أحدهم توكلت على الله ، يكذب على الله ؛ لو كان متوكلاً عليه لرضى بقضائه ، فمن ثمار التوكل الرضا فكيف أقول وكلت ربنا الموصوف بصفات الكمال كلها والمنزه عن صفات النقص فلا نقص فى الحكمة ولا نقص فى القدرة ولا ... ثم يقدر لى أمراً فلا أرضى ؟! هذا اتهام ، ولما كان الأمر بالنسبة إلينا غيباً فالإنسان كأنه يصير فى الحياة وعلى عينيه عصابة لا يرى الطريق فهو يحتاج إلى مَن يأخذ بيده ، فهل يسلم نفسه لإنسان آخر مثله لا يرى ؟ أم يُسلم يده لله عز وجل ؟! ليس أمامه إلا هذا ، قال الله عز وجل { فلله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه } . فدعاء الاستخارة فى الحقيقة تدريب للإنسان وكذلك هو تدريب له على الاعتقاد الدائم أن الكون يسير وفق قواعد محكمات فلو أن الله ترك الناس وما يشتهون لحاول كل واحد منهم أن ينفذ هواه فكل إنسان يتصور أن راحته فى تنفيذ هواه ، وأهواء الناس مختلفة ، فلو رأينا شتى مناحى الحياة لوجدنا أن الناس لو تركوا كل إنسان وهواه لتحقق قول الله تعالى { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض } فلذلك ألزم الله الناس بشريعة واحدة وأمرهم أن يتبعوها جميعهم لذلك يقول الشاطبى : إن الشريعة جاءت لإخراج الناس عن داعى الهوى ، هذه الشريعة قد تخالف هوى الإنسان فى موضع أو أكثر فالله تبارك وتعالى يضع قاعدة فى الشريعة { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون } فلو وجدت الشريعة مصادمة لهواك فى موضع من المواضع فليس هناك بد من إتباع الشريعة وهو يتبعها وهو يعتقد أن تدبير الرب أحسن من تدبير العبد ، فلذلك حيث ما وجدت الشريعة ووجد المؤمنون فالحياة تسير ، لكن إن غابت الشريعة فأهواء وأغلال كما يقول شيخ الإسلام ؛ لأن الحق والوحى فى مقابلة الهوى { يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى }، وقال الله فى سورة النجم { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } ، وقال تعالى { فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى } وقال تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم } لأنهم لو تولوا عن أمر الله فكل واحد يريد أن ينفذ هواه ونشأت مشاكل كثيرة كما قال تعالى { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض }
فالاستخارة تدرب الإنسان على معانى العبودية لله تعالى .
قَوْلُهُ : ( وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ الدُّعَاءِ عِنْدَ ذِكْرِهَا بِالْكِنَايَةِ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ : " إنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَالدُّعَاءِ عَقِيبَهَا وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا ، وَهَلْ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ : الظَّاهِرُ الِاسْتِحْبَابُ .وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ تَكْرَارِ الِاسْتِخَارَةِ سَبْعًا [ ضعيف جدا ، ضعيف الجامع 935 ]، رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ { إذَا هَمَمْت بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبَّكَ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى الَّذِي يَسْبِقُ إلَى قَلْبِك فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ } .قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ : إسْنَادُهُ غَرِيبٌ فِيهِ مَنْ لَا أَعْرِفهُمْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ : كُلُّهُمْ مَعْرُوفُونَ وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ مَعْرُوفٌ بِالضَّعْفِ الشَّدِيدِ وَهُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الضُّعَفَاءِ الْعُقَيْلِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ عَدِيٍّ وَالْأَزْدِيُّ .قَالَ الْعُقَيْلِيُّ : يُحَدِّثُ عَنْ الثِّقَاتِ بِالْبَوَاطِيلِ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ : شَيْخٌ كَانَ يَدُورُ بِالشَّامِ يُحَدِّثُ عَنْ الثِّقَاتِ بِالْمَوْضُوعَاتِ ، لَا يَجُوزُ ذِكْرُهُ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِيهِ ، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَوْصِلِيِّ فَقَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حِبَّانَ بْنِ النَّجَّارِ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَكَأَنَّهُ دَلَّسَهُ وَسَمَّاهُ النَّجَّارَ لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ . قَالَ الْعِرَاقِيُّ : فَالْحَدِيثُ عَلَى هَذَا سَاقِطٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ نَعَمْ قَدْ يُسْتَدَلُّ لِلتَّكْرَارِ " بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا " لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ تَكْرَارَ الدُّعَاءِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ ، فَالدُّعَاءُ الَّذِي تُسَنَّ الصَّلَاة لَهُ تُكَرَّرُ الصَّلَاةُ لَهُ كَالِاسْتِسْقَاءِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ مَا يَنْشَرِحُ لَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى انْشِرَاحٍ كَانَ لَهُ فِيهِ هَوًى قَبْلَ الِاسْتِخَارَةِ ، بَلْ يَنْبَغِي لِلْمُسْتَخِيرِ تَرْكُ اخْتِيَارِهِ رَأْسًا وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ مُسْتَخِيرًا لِلَّهِ بَلْ يَكُونُ مُسْتَخِيرًا لِهَوَاهُ وَقَدْ يَكُونُ غَيْر صَادِقٍ فِي طَلَبِ الْخِيَرَةِ وَفِي التَّبَرِّي مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَإِثْبَاتِهِمَا لِلَّهِ تَعَالَى ، فَإِذَا صَدَقَ فِي ذَلِكَ تَبَرَّأَ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَمِنْ اخْتِيَارِهِ لِنَفْسِهِ .
يُشكل عليه قوله صلى الله عليه وسلم " إذا هم أحدكم بالأمر " .
















باب



ما جاء فى طول القيام وكثرة السجود والركوع


1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ } .رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ .
وهو مأخوذ من قوله تعالى { فاسجد وأقترب } وفى صحيح البخارى عن ابن عباس قال : كشف رسول الله الستار والناس صفوفاً خلف أبى بكر فقال : يا أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له ألا وأنى نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقَمِنٌ أن يستجاب لكم ( أى جدير أن يستجاب لكم ).
قَوْلُهُ : ( مِنْ رَبِّهِ ) أَيْ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ وَفَضْلِهِ.
قَوْلُهُ : ( وَهُوَ سَاجِدٌ ) الْوَاو لِلْحَالِ : أَيْ أَقْرَبُ حَالَاتِهِ مِنْ الرَّحْمَةِ حَالَ كَوْنِهِ سَاجِدًا ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي السُّجُودِ أَقْرَبَ مِنْ سَائِرِ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ، لِأَنَّ الْعَبْدَ بِقَدْرِ مَا يَبْعُدُ عَنْ نَفْسِهِ يَقْرُبُ مِنْ رَبِّهِ ، وَالسُّجُودُ غَايَةُ التَّوَاضُعِ وَتَرْكُ التَّكَبُّرِ وَكَسْرُ النَّفْسِ لِأَنَّهَا لَا تَأْمُرُ الرَّجُلَ بِالْمَذَلَّةِ وَلَا تَرْضَى بِهَا وَلَا بِالتَّوَاضُعِ بَلْ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، فَإِذَا سَجَدَ فَقَدْ خَالَفَ نَفْسَهُ وَبَعُدَ عَنْهَا فَإِذَا بَعُدَ عَنْهَا قَرُبَ مِنْ رَبِّهِ .
قَوْلُهُ : ( فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ) أَيْ فِي السُّجُودِ لِأَنَّهُ حَالَةُ قُرْبٍ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَحَالَةُ الْقُرْبِ مَقْبُولٌ دُعَاؤُهَا ، لِأَنَّ السَّيِّدَ يُحِبُّ عَبْدَهُ الَّذِي يُطِيعُهُ وَيَتَوَاضَعُ لَهُ وَيَقْبَلُ مِنْهُ مَا يَقُولُهُ وَمَا يَسْأَلُهُ .وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ السُّجُودِ وَمِنْ الدُّعَاءِ فِيهِ .وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ : السُّجُودُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ .
2- وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ فَإِنَّك لَنْ تَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ بِهَا عَنْكَ خَطِيئَةً } .رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد .
قال الشوكانى : الْحَدِيثُ لَفْظُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، قَالَ يَعْنِي مَعْدَانُ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيَّ " لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت : أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ ..
هذا السؤال وقع فى رواية أبى أيوب الأنصارى فى صحيح البخارى ومسلم أن رجلا قال يارسول الله فقال القوم : ماله ماله فقال رسول الله أربأ ماله ، فقلت : يارسول الله أخبرنى بعمل يدخلنى الله به الجنة قال " تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدى الزكاة المفروضة وتصل الرحم " . ذرها ( وكأن الرجل قد أخذ بزمام ناقته صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من الإجابة قال خلِّ الناقة )
الحديث لفظه في صحيح مسلم قال يعني معدان بن أبي طلحة اليعمري : ( لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة أو قال بأحب الأعمال إلى الله فسكت ثم سألته فسكت ثم سألته الثالثة فقال : سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) فذكر الحديث وهو يدل على أن كثرة السجود مرغب فيها والمراد به السجود في الصلاة وسبب الحث عليه ما تقدم في الحديث الذي قبل هذا أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وهو موافق لقوله تعالى { واسجد واقترب } كذا قال النووي . وفيه دليل لمن يقول أن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة.
وهو خلاف لما قرره فى الفتح الربانى فإنه يعتبر السجود عبادة مستقلة وسبقه إلى ذلك ابن حزم .
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ : أَحَدُهَا : أَنَّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ وَتَكْثِيرَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ .وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : أَنَّ تَطْوِيلَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْآتِي ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا سَيَأْتِي .
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : أَنَّهُمَا سَوَاءٌ ، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَلَمْ يَقْضِ فِيهَا بِشَيْءٍ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ : أَمَّا فِي النَّهَارِ فَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ ، وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَتَطْوِيلُ الْقِيَامِ إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه فتكثير الركوع والسجود أفضل لأنه يقرأ جزأه ويربح كثرة الركوع والسجود .
كأنه يشير إلى حديث المغيرة أن كان رسول الله ليقوم ويصلى حتى تتورم قدماه أو ساقاه فيُقال له فيقول أفلا أكون عبداً شكوراً ، وهو فى الصحيحين .
(1) إذاً الشافعى قال تطويل القيام أفضل
(2) أبو حنيفة قال تخفيف القيام مع كثرة الركوع والسجود
(3) هناك من سوّى بين الأمرين
(4) توقف أحمد
(5) إسحاق فرّق بين صلاة الليل والنهار
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : إنَّمَا قَالَ إِسْحَاقُ هَذَا لِأَنَّهُمْ وَصَفُوا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ بِطُولِ الْقِيَامِ وَلَمْ يُوصَفْ مِنْ تَطْوِيلِهِ بِالنَّهَارِ مَا وُصِفَ مِنْ تَطْوِيلِهِ بِاللَّيْلِ .

3- وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : { كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ ، فَقَالَ : سَلْنِي ، فَقُلْت : أَسْأَلُك مُرَافَقَتَك فِي الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ؟ فَقُلْت : هُوَ ذَاكَ ، فَقَالَ : أَعِنِّي عَلَى نَفْسِك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد .

قَوْلُهُ : ( سَلْنِي ) فِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِأَتْبَاعِهِ وَمَنْ يَتَوَلَّى خِدْمَتَهُ : سَلُونِي حَوَائِجكُمْ .


قَوْلُهُ : ( مُرَافَقَتَكَ ) فيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ .


قال تعالى { ومن يطع الرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء }


وَفِيهِ أَيْضًا جَوَازُ سُؤَالِ الرُّتَبِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي تَكْبُرُ عَنْ السَّائِلِ .

قوله : أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ، فِيهِ أَنَّ السُّجُودَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ الَّتِي يَكُونُ بِسَبَبِهَا ارْتِفَاعُ الدَّرَجَاتِ عِنْدَ اللَّهِ إلَى حَدٍّ لَا يُنَالُهُ إلَّا الْمُقَرَّبُونَ وَبِهِ أَيْضًا اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ : إنَّ السُّجُودَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ كَمَا تَقَدَّمَ .
والسجود أيضاً يكون فى الصلاة لأن خير أعمالنا الصلاة . وعن أبي هريرة رفعه " الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر " . رواه الطبرانى فى الأوسط وحسنه الألبانى [ صحيح الجامع 3870 ] .
4- ( وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
وفي الباب عن عبد الله بن حبشي عند أبي داود والنسائي : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل : أي الأعمال أفضل قال : إيمان لا شك فيه )[ صحيح ] الحديث . وفيه : ( فأي الصلاة أفضل قال : طول القنوت ) وعن أبي ذر عند أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل . قال فيه : ( فأي الصلاة أفضل قال : طول القنوت )
قَوْلُهُ : ( طُولُ الْقُنُوتِ ) هُوَ يُطْلَقُ بِإِزَاءِ مَعَانٍ قَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا ، وَالْمُرَادُ هُنَا طُولُ الْقِيَامِ ، قَالَ النَّوَوِيُّ : بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَصْرِيحُ أَبِي دَاوُد فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : طُولُ الْقِيَامِ } ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ مِنْ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِمَا ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي فَضْلِ السُّجُودِ ، لِأَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ الدَّالَّةَ عَلَى التَّفْضِيلِ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي فَضْلِ طُولِ الْقِيَامِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ فَضْلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلِيَّتَهُمَا عَلَى طُولِ الْقِيَامِ وَأَمَّا حَدِيثُ { مَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ بِأَفْضَلَ مِنْ سُجُودٍ خَفِيٍّ } فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِإِرْسَالِهِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ [ 5046 ضعيف الجامع ]، وَلِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعَبْدِ أَقْرَبَ إلَى رَبِّهِ حَالَ سُجُودِهِ أَفْضَلِيَّتُهُ عَلَى الْقِيَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ إجَابَة الدُّعَاءِ .
لا ، بدون اعتبار ذلك ، بدليل حديث ثوبان ، فالقرب كأن النبى صلى الله عليه وسلم يقول انتهزوا فرصة القرب من الله فادعوا ، لكن عليك بكثرة السجود "فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط بها عنك خطيئة"
قَالَ الْعِرَاقِيُّ : الظَّاهِرُ أَنَّ أَحَادِيثَ أَفْضَلِيَّةِ طُولِ الْقِيَامِ مَحْمُولَةٌ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ الَّتِي لَا تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ وَعَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ .فَأَمَّا الْإِمَامُ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّخْفِيفِ الْمَشْرُوعِ إلَّا إذَا عَلِمَ مِنْ حَالِ الْمَأْمُومِينَ الْمَحْصُورِينَ إيثَارَ التَّطْوِيلِ ، وَلَمْ يَحْدُث مَا يَقْتَضِي التَّخْفِيفَ مِنْ بُكَاءِ صَبِيٍّ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّطْوِيلِ ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ صَلَاتُهُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ كَمَا تَقَدَّمَ .
فهم ابن القيم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالتخفيف ويصلى بالأعراف ، إذاً الصلاة بالأعراف تخفيف ، ولكن الجمهور فهموا خلاف ما فهمه ابن القيم فقالوا كان يأمر بالتخفيف ويطول هو لما يعلم من محبة الناس للصلاة خلفه وليس أحد الأقوال بأولى من الآخر ، لكن الجمهور فهم عكس كلام ابن القيم لأن هذا حكاية فعل ، والقول أبلغ من الفعل وقد روى أحمد وأصحاب السنن من حديث عثمان بن أبى العاص قال : اجعلنى إمام قومى . قال : " أنت إمامهم واقتدِ بأضعفهم ، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً " ، محل الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم "واقتد بأضعفهم " ، لذلك يقول العراقى التطويل حيث يكون منفرداً ، أما الإمام فمأمور بالتخفيف إلا لو علم أن المأمومين المحصورين وراءه يريدون التطويل ولم يحدث ما يقتضى التخفيف من بكاء صبى لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إنى لأدخل فى الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبى فأتجوز فى الصلاة مخافة أن أو لئلا تفتن أُمه " وهو فى الصحيحين عن أنس .
5- وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : { إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقُومُ وَيُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ ، فَيُقَالُ لَهُ ( القائل عائشة ) ، فَيَقُولُ : أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا } . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد
في الباب عن أنس عند البزار وأبي يعلى والطبراني في الأوسط مثل حديث المغيرة قال العراقي : ورجاله رجال الصحيح
وعن ابن مسعود عند الطبراني في الأوسط بنحوه
وعن النعمان بن بشير عند الطبراني في الأوسط أيضا بنحوه وفي إسناده سليمان بن الحكم وهو ضعيف
وعن أبي جحيفة عند الطبراني في الكبير بنحوه وفي إسناده أبو قتادة عبد الله بن واقد الحراني ضعفه البخاري والجمهور ووثقه ابن معين في رواية وأحمد وقال ربما أخطأ
وعن عائشة عند البخاري : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم حتى تنفطر قدماه ) الحديث . وعنها حديث آخر عند أبي داود : ( أن أول سورة المزمل نزلت فقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى انتفخت أقدامهم )
وعن سفينة عند البزار : ( أن النبي صلى الله عليه و سلم تعبد قبل أن يموت واعتزل النساء حتى صار كأنه شن )

قَوْله : ( حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ ) الْوَرَمُ الِانْتِفَاخُ

قال الشوكانى : قَوْلُهُ : ( أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) فِيهِ أَنَّ الشُّكْرَ يَكُونُ بِالْعَمَلِ كَمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُد شُكْرًا } وَالْحَدِيث يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اجْتِهَادِ النَّفْسِ فِي الْعِبَادَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مَا لَمْ يُؤَدِّهِ ذَلِكَ إلَى الْمَلَالِ وَكَانَتْ حَالَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلَ الْأَحْوَالِ ، فَكَانَ لَا يَمَلُّ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ ، بَلْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ قُرَّةُ عَيْنِهِ وَرَاحَتُهُ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ أَنَسٍ " وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ " وَكَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد { أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلَالُ }
وقد شهد النبى صلى الله عليه وسلم لداود عليه السلام بأنه صام أحسن الصيام وقام أحسن القيام فى حديث عبد الله بن عمرو فى الصحيحين أن رسول الله قال : إن أحب الصيام إلى الله صيام داود وأحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً .
والشكر يكون باللسان والقلب والجوارح وأنه فرض على الإنسان أن يكون من الشاكرين قال الله عز وجل فى سورة النحل { وأشكروا نعمة الله إن كنتم إيّاهُ تعبدون } وهذه قضية شرطية فلا يعبده من لم يشكره ، وقال تعالى { أذكرونى أذكركم وأشكروا لى ولا تكفرون } ولذلك قال العلماء : الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة ، فهو يكتف النعمة الموجودة كى لا تزول { إن الله لم يكن مغيراً نعمةٍ أنعمها على قومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم } وصيد النعمة المفقودة لقوله تعالى { وإذ تأذّن ربكم لإن شكرتم لأزيدنكم } هذه العبارة موجودة فى مدارج السالكين ، والشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح
· أما بالقلب فيكون بثلاثة أمــور :
(1) معرفة أنها نعمة وهذا هو الركن الركين ، فبمعرفة أنها نعمة يشكر الله عليها معرفة أن مافيه نعمة وقد أرشد النبى إلى ما يساعدنا على ذلك فقد أخرج الشيخان واللفظ لمسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( انظروا إلى ما هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإن ذلك أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم } ، فراكب العجلة لما ينظر لمن يركب الأتوبيس يعلم أنه فى نعمة وقد ورد فى صحيح البخارى بلفظ آخر : " إذا نظر أحدكم إلى من فُضل عليه فى المال والخلق فلينظر إلى من هو دونه " .. فهذه أول نقطة .
(2) أن يعرف أنها من الله { وما بكم من نعمةٍ فمن الله } وكل هذا عمل القلب .
(3) أن يعلم أنها بفضل الله لا باستحقاقه هو لذلك { إنما أوتيته على علم عندي } ! فهذا يكون جاهلا ، ولقد مرّ بنا حديث أربعة من الصحابة ابن مسعود وزيد وأُبى وحذيفة رضى الله عنهم جميعاً " لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لم يعذبهم وهو ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيراً من أعمالهم " ، ولو ظل رجل يعمل فجمع 100 مليون جنيه نتيجة أنه عمل 18 ساعة فى اليوم ، وفجأة جاء له فشل فى الكبد لابد من 80 مليونا ، فلو قيل له سوف نأخذ من المائة مليون هذه لنزرع لك كبد كى تعيش سوف يوافق ، وساعة لما يعيش لن يعود إلى ما كان عليه من قبل ؛ فلو هو أنفق 18 ساعة فى شكر الله على نعمة الكبد فقط ، لن يوفى الله حقه فى شكر النعمة . وكذلك هناك إشارة فى حديث سيد الإستغفار حديث شداد بن أوس فى الصحيح وفى آخره أبوء لك بنعمتك علىَّ وأبوء بذنبى ..
· وكذلك ثلاث وظائف باللســان :
(1) أن يحمد الله عز وجل ، وقد روى أحمد والترمذى عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم ( قال أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله ) فالحمد هو ثناء على الله لكماله فى أسمائه وصفاته . قال أهل العلم والكريم غذا أثنيت عليه أعطاك وإن لم تسأله ويشير إلى هذا حديث وإن تثكلم في إسناده " من شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين " وروى أنس عن ابن ماجه بإسناد صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذى أعطاه خيراً مما أخذ " فتوفيقه للحمد أفضل من النعمة التى حصلت له ، قال أهل العلم : لأن الله عز وجل يقول { ماعندكم ينفد وما عند الله باق } ، ولنا أن نتصور رجلا هبطت عليه ثروة فقال : الحمد لله ، ثم مات ! هذه الثروة لن تفيده لكن الذى ينتقل معه إلى الآخرة هو قوله اللهم لك الحمد .
(2) شكر من جعله الله سببا فى إيصال النعمة إلينا وهذا من حكم الشريعة فإن الله يلفت نظر المحسن إلى ألا ينتظر الشكر ، ويحض المحسن إليه إلى أن يشكر . أما الأول فدليله قول الله { ويُطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً . إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً . إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً } فكأن الجزاء حالاً والفاء للتعقيب { فوقاهم الله شر ذلك اليوم } ، وأما الدليل الثانى على الشطر الثانى من الكلام فما رواه أحمد وأبو داود من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :" لا يشكر الله من لم يشكر الناس " .
(3) أن يحدث بنعمة الله لأن الله يقول وأما بنعمة ربك فحدث ، والنعمة الحقيقية هى نعمة الإيمان التى منّ الله بها علينا { مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ، والنبى صلى الله عليه وسلم كان يتمثل شعر بن رواحة :
والله لولا الله ما اهتدينــا ولا تصدقنا ولا صلينــا
لو أن الله قدر لنا هذا بمنته ورحمته ، وعلى كل حال قوله تعالى :{ وأما بنعمة ربك فحدث } أى بالتوحيد فهذه هى النعمة الكبرى ، وبعضهم يقول الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وبعضهم يقول – وهذه المقولة لعمر بن عبد العزيز – كان يقول : التحدث بالنعمة من شكرانها . وجلس سفيان الثورى والفضيل بن عياض يذكران نعم الله عليهما من بعد صلاة العشاء حتى طلع الفجر ! نعم كثيرة وكيف لطف الله بالإنسان وأعطاه أشياء كثيرة .
لكن علينا أن نتذكر قول الحسن البصرى : من لم ير نعمة الله إلا فى مطعم أو ملبس أو منكح فقد قل فقهه وحضر عذابه . إن فهم أن نجح لأن عنده زوجة جميلة ومسكن فاخر وعربية فارهة وأولاد ... ويظن أن هذه هى النعم ..لا.. النعمة الحقيقية هى نعمة الإيمان من سلبها فقد سلب كل شئ ومن أعطيها فقد أُعطى كل شئ .
وأما الشكر بالجوارح :
(1) استخدامها فى شكر واهبها بل هى لا تكون نعمة إلا بذلك ، فأبو حامد الغزالى له كلام نفيس فى هذا الموضوع ، يقول إن الأوصاف ذاتية وإضافية ، والوصف الذاتى لا يتغير فاللون الأسود يراه الجميع أسودا وهو فى كل الحالات أسود ، وليس الطعام كذلك فقديكون طعام معين شهيا عند زيد قميئاً عند عمرو ، فهذا نسبى أو إضافى لكن الأول ذاتى ، قال : فكذلك لا يوصف شئ بأنه نعمة وصفا ذاتيا إلا الإيمان ، فالإيمان نعمة على كل الأحوال { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون } وأما ما عداه فقد يكون نعمة بالنسبة لعبد ، ولا يكون نعمة بالنسبة لعبد آخر ، أى نسبة إضافية فلا يوصف شئ فيما عدا الإيمان بأنه نعمة محضة أو نقمة محضة ولكن باعتبار تصرف العبد ، وضَرَبَ أمثلة : فالسلطان هذا نعمة فى حق ذى القرنين وكان نقمة فى حق فرعون ، والمال كان نعمة فى حق سليمان قال { هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر } وذى القرنين قال { أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاءً الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً } فالمال كان نعمة فى حق سليمان ، ونقمة فى حق قارون الذى قال { إنما أوتيته على علمٍ عندى } . وكذلك حديث أبى كبشة الأنمارى عند أحمد والترمذى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (( ثلاثاً أُقسم عليهن ما نقص مال عبدٍ من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله به عزاً ( أى بصبره ) ، ولا فتح عبد على نفسـه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ( أى لابد أن يستفف ويستغنى ) وأحدثكم حديثا فأحفظوه – هكذا قال رسول الله - : إنما الدنيا لأربعة نفر : رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو ينفق ماله بعلمه يعرف لله فيه حقه ويصل به رحمه ويتقى فيه ربه فهذا بأحسن المنازل [ إذا أفاء الله عليه فأفاء على من حوله فلا يعتقد أحد أن هذا المال له وحده ] ، ورجلاً آتاه الله علماً ولم يؤتيه مالاً فهو صادق النية [ محب للخير محب لأهل الخير لكن يعجز عن أعمالهم للإمكانيات ] يقول : لو أن لى مال فلان لفعلتُ كما فعل فلان فهو ونيته وأجرهما سواء ، ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤتيه علماً [ فهذه مصيبة ] فهو يخبط فى ماله بغير علم لا يعرف لله فيه حقاً ولا يصل به رحماً ولا يتقى فيه ربه فهذا بأخبث المنازل ، ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً فهو خبيث النية يقول : لو أن لى مال فلان لفعلتُ كما فعل فلان فهو بنيته ووزرهما سواء )) . فالمال كان نعمة فى حق الأول نقمة فى حق الثالث . روى الأمام أحمد من حديث أبى بكرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :( خير الناس من طال عمره وحسن عمله ، وشر الناس من طال عمره وساء عمله ) فطول العمر كان نعمة فى حق الأول نقمة فى حق الثانى ، وعلى هذا نقيس الأمور .
(2) أن يتقرب إليه قدر ما يستطيع لنيل رضاه كما يشير حديث المغيرة فيفعل الخير ويصل الرحم .
(3) أن يُرَى أثر النعمة عليه ( إن الله يحب أن يُرى أثر نعمته على عبده ) ، قال أبو محمد الغزالى : ليقصده أهل الحاجات وليس للتكبر ، لكن ليقصده أهل الحاجات لتواسيهم بمالك وما إلى ذلك ، وهذا الحديث رواه الترمذى عن عبد الله بن عمرو .





باب



إخفاء التطوع وجوازه جماعة


1- عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ لَكِنَّ لَهُ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ
[ ] وَعَنْ عِتْبَانُ بْن مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ السُّيُولَ لَتَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي ، فَأُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَكَان مِنْ بَيْتِي أَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا ، فَقَالَ : سَنَفْعَلُ ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ فَأَشَرْت لَهُ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصُفِفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ } : مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
[ وقد مرّ حديث عتبان فى صلاة الجماعة هل هى فرض عين كما هو مذهب أحمد وابن حزم أم فرض على الكفاية كما هو مذهب الشافعى أم سنة مؤكدة كما هو مذهب مالك وأبو حنيفة والجمهور . والذين ذهبوا إلى أن الجماعة فرض عين إستدلوا بثلاثة أحاديث :
1 - حديث أبى هريرة فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو يعلم الناس ما فى صلاة العشاء ومافى صلاة الفجر لأتوهما ولو حبواً ولقد هخممتُ ...
2 - حديث الأعمى لما قال له النبى : أتسمع النداء ؟ قال نعم . قال : فأوجب . وهو فى صحيح مسلم
3 - حديث ابن عباس عند البيهقى : من يسمع النداء فلا صلاة له إلا من عذر
فحديث أبى هريرة الأول إستشكله العلماء ومنهم من قال إنه منسوخ ، وحديث الأعمى مؤول بدليل حديث عتبان لأن الأعمى قال له : إنى رجل شابع الدار وذكر أن هناك السباع والحيات ومع ذلك يقول له النبى ما أجد لك رخصة والله عز وجل يقول { ليس على الأعمى حرج } فرفع الحرج عن الأعمى وهل هناك حرج أكثر من هذا أن يكون الرجل أعمى والحيات والسباع والرجل ليس له قائد والرسول يقول لا أجد لك رخصة ، فالحديث مؤول بدليل حديث عتبان بن مالك .
[ الإمام النووى حكى الإجماع على عدم مشروعية الجماعة فى السنن الراتبة ، فكلام الشوكانى هنا لابد أن يقيد بأن هذا فى مطلق التطوعات ، وأما حديث ابن عباس فهذا فى قيام الليل ولم يثبت فى حديث أنس لما قال صففت أنا واليتيم خلف النبى ووراءنا العجوز هذا لم يكن فى سنة راتبة ]
حديث ابن عباس فى رواية أبى داود فيه فائدة عظيمة وهى أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى الركعات بما يعادل المزمل إذاً كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه هذا محمول على أغلب الأحوال وهذا متصور من كلام عائشة : " من كل الليل أوتر رسول الله من أوله وأوسطه وآخره وأنتهى وتره إلى السحر " .
قال الشوكانى وهما يدلان على أن الصبى يسد الجناح وفى ذلك خلاف معروف [ الصحيح أن الجماعة تنعقد بالصبى لأن غاية الأمر أن الصلاة فى حقه مستحبة ومادامت مستحبة فتجوز أن تنعقد الجماعة مع واحد متنفل بدليل حديث أبى سعيد عند أبى داود : من يتصدق على هذا ]








باب أن أفضل التطوع مثنى مثنى

[ ] ( وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُنَاقِضٍ لِحَدِيثِهِ الَّذِي خَصَّ فِيهِ اللَّيْلَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقَعَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ سَائِلٍ عَيَّنَهُ فِي سُؤَالِهِ [ لا إنما هو حديث واحد ولا مانع من أن يجيب السائل بأكثر مما سُئل عنه والدليل حديث " إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإذا توضئنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر ؟ قال : هو الطهور ماءه الحل ميتته " فهو سأله عن الماء فأجابه عن الميتة أيضاً . وكذلك ما يلبس المحرم ... ]
وَالْحَدِيثُ يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ يَكُونَ مَثْنَى مَثْنَى إلَّا مَا خُصَّ مِنْ ذَلِكَ ، قال الشوكانى : إمَّا فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ { صَلَّى أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ } [ ليس معنى هذا أنه صلى أربعاً متصلات ] ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ } وَإِمَّا فِي جَانِبِ النُّقْصَانِ كَأَحَادِيثِ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ .َقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا وَحَدِيثِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ الِاقْتِصَارُ فِيهِ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ بِأَنَّ حَدِيثَهُ الْمُتَقَدِّمَ وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالِ سَائِلٍ .وَأَيْضًا حَدِيثُهُ هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى زِيَادَةٍ وَقَعَتْ غَيْرَ مُنَافِيَةٍ فَيَتَحَتَّمُ الْعَمَلُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ .


[ ] وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ، صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَأْمُرُ بِشَيْءٍ ، وَيُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ
[ ] ( وَعَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْقُدُ ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ تَسَوَّكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يَجْلِسُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمُ ، ثُمَّ يُوتِرُ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ وَلَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي الْخَامِسَةِ }
[ ] ( وَعَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى وَتَشَهَّدُ وَتُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَبْأَسُ وَتَمَسْكَنُ وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ وَتَقُولُ : اللَّهُمَّ ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ خِدَاجٌ } . رَوَاهُنَّ ثَلَاثَتُهُنَّ أَحْمَدُ [ وهو ضعيف ]
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرِجْهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ، وَفِي إسْنَادِهِ وَاصِلُ بْنُ السَّائِبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ " يَسْتَاكُ مِنْ اللَّيْلِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا " وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْيِي اللَّيْلَ بِثَمَانِي رَكَعَاتٍ ، رُكُوعُهُنَّ كَقِرَاءَتِهِنَّ ، وَسُجُودُهُنَّ كَقِرَاءَتِهِنَّ ، وَيُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ } .وَفِي إسْنَادِهِ جُنَادَةُ بْنُ مَرْوَانَ اتَّهَمَهُ أَبُو حَاتِمٍ .وَأَمَّا الْإِيتَارُ بِخَمْسٍ مُتَّصِلَةٍ فَهُوَ ثَابِتٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْمُطَّلِبِ فَذَكَرَهُ .وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ : أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ وَهُوَ وَهِمَ وَقِيلَ : هُوَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَقِيلَ : الصَّحِيحُ فِيهِ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَخْطَأَ فِيهِ شُعْبَةُ فِي مَوَاضِعَ .وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ : إنَّهُ لَا يَصِحُّ ا هـ وَيَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ
قَوْلُهُ : ( وَتَبْأَسُ ) قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ :بِفَتْحِ الْمُثَنَّاة الْفَوْقَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمَعْنَى : أَنْ تُظْهِرَ الْخُضُوعَ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَبَايَس بِفَتْحِ التَّاء وَالْبَاء وَبَعْد الْأَلِف يَاء تَحْتَانِيَّة مَفْتُوحَة وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد .قَالَ فِي الْقَامُوسِ : التَّبَاؤُسُ : التَّفَاقُرُ .وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى التَّخَشُّعِ وَالتَّضَرُّعِ

قَوْلُهُ : ( وَتَمَسْكَنْ ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ : تَمَسْكَنَ صَارَ مِسْكِينًا ، وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَالذَّلِيلُ وَالضَّعِيفُ

قَوْلُهُ : ( وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ ) بِقَافٍ فَنُونٍ فَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ : أَيْ تَرْفَعهُمَا .قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ : هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ النُّونِ قَالَ : وَالْإِقْنَاعُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ وَالْخِدَاجُ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ .
وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُقَيَّدَانِ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ .وَالْحَدِيثُ الثَّالِثُ مُطْلَقُ وَجَمِيعُهَا يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى إلَّا مَا خُصّ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَوَائِدُ .مِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ التَّسَوُّكِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ التَّمَسْكُنِ وَالتَّفَاقُرِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ لِلْإِجَابَةِ وَمِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فِي دُعَاءٍ قَطُّ إلَّا فِي أُمُورٍ مَخْصُوصَةٍ .قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : إنَّهُ وَجَدَ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ) .





باب



جواز التنفل جالساً والجمع بين القيام والجلوس فى الركعة الواحدة

هذه فيها هيئات وهى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قائماً ركع وسجد من قيام وإذا قرأ قاعداً ركع وسجد من قعود ، وكان أحياناً عليه الصلاة والسلام يبدأ الصلاة قاعداً ثم يقوم فيقرأ من الثلاثين أو أربعين آية ثم يركع ويسجد من قيام ، ومن الممكن بعد أن يفرغ من القراءة وهو قاعد يقوم فيركع وليس من الضرورى إن بدأ الصلاة قاعداً فإذا قام ليركع ليس من الضرورى أن يقرأ قرآن قبل أن يركع بل يجوز أن يركع دون أن يقرأ ، فالإجماع منعقد على جواز الجلوس فى النافلة مع القدرة على القيام إلا أنه ورد فى حديث عمران بن حصين أنه سأل النبى على الصلاة قاعدا فقال "إن صلى قائماً فهو أفضل وإن صلى قاعداً فله نصف القائم وإن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد" ، فهذا الحديث بعض العلماء حملوه على صلاة الفرض وليس كذلك لأن صلاة الفرض لا يسمح له بالجلوس مع القدرة على القيام ، فالقيام فى الفريضة إجماع للقادر عليه فإن صلى قاعداً لعدم القدرة له الأجر كاملاً لما روى من حديث أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه أن النبى قال : " إذا مرض العبد أو سافر كُتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً " فالتفاوت فى الأجر لا يُتصور إلا فى النفل بإعتبار أن القيام فيها ليس فرضاً فيجوز له أن يصلى من قعود مع القدرة على القيام ويجوز له أن يصلى مضجعاً مع القدرة على القيام ومع القدرة على القعود فهذا محصل ما فى هذا الباب .
1- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { لَمَّا بَدَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَقُلَ كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ جَالِسًا
} .مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَوْله : ( لَمَّا بَدَّنَ ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : بَدَّنَ فَتْح الدَّال الْمُشَدَّدَة تَبْدِينًا إذَا أَسَنَّ ، قَالَ : وَمَنْ رَوَاهُ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُخَفَّفَةِ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى هُنَا ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَهُوَ خِلَافُ صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : رِوَايَتُنَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جُمْهُورِهِمْ بَدُنَ بِالضَّمِّ .وَعَنْ الْعُذْرِيِّ بِالتَّشْدِيدِ وَأَرَاهُ إصْلَاحًا ، قَالَ : وَلَا يُنْكَرُ اللَّفْظَانِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ : { فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ } كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ .وَفِي لَفْظٍ " وَلَحُمَ " وَفِي آخَرَ " أَسَنَّ وَكَثُرَ لَحْمُهُ " وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّنَفُّلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ .قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهُوَ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ .
2- وَعَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ : { مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا ، وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
وهذا الحديث يُجمع بينه وبين حديث عائشة لما بدن وثقل كان أكثر صلاته جالساً أن هذا كان قبل وفاته بعام بحيث تلتئم الروايات ، أو نقول أن حفصة حكت ما رأت ولم تنف وقوع ذلك .
قَوْلُهُ : ( سُبْحَته ) بِضَمِّ السِّين الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحَّدَةِ : أَيْ نَافِلَته وَالْحَدِيثُ يَدُلّ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مِنْ قُعُودٍ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ .
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا أَنَّ مُدَّةَ قِرَاءَتِهِ لَهَا أَطْوَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةٍ أُخْرَى أَطْوَلَ مِنْهَا إذَا قُرِئَتْ غَيْرَ مُرَتَّلَةٍ ، وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ السُّورَةُ نَفْسُهَا أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالتَّرْتِيلِ وَالْإِسْرَاعِ ، وَالتَّقْيِيدُ قَبْلَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَامٍ لَا يُنَافِي قَوْلَ عَائِشَةَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ .فَلَمَّا بَدَّنَ وَثَقُلَ كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ جَالِسًا .لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَّنَ وَثَقُلَ قَبْل مَوْتِهِ بِمِقْدَارِ عَامٍ وَكَذَلِكَ لَا يُنَافِي حَدِيثهَا الْآتِي أَنَّهُ صَلَّى قَاعِدًا حِينَ أَسَنَّ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ صَلَّى جَالِسًا قَبْلَ وَفَاتِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَامٍ فَلَا تَنَافِيَ أَيْضًا ، لِأَنَّ حَفْصَةَ إنَّمَا نَفَتْ رُؤْيَتَهَا لَا وُقُوعَ ذَلِكَ
3- وعن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا قَالَ : إنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ } .رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا .
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { صَلَاةُ الْجَالِسِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ }[ صحيح الجامع 3828 ]وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمَخَارِقِ وَهُوَ ضَعِيفٌ .وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِثْلُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ ، وَفِي إسْنَادِهِ حَمَّادُ بْنُ يَحْيَى .، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ .وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيِّ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِنَحْوِهِ .وَعَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ بِنَحْوِهِ ، وَفِي إسْنَادِهِ صَالِحُ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ .وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ النَّسَائِيّ بِنَحْوِهِ .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّنَفُّلِ مِنْ قُعُودٍ وَاضْطِجَاعٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا . قَالَ الْخَطَّابِيِّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ : لَا أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ نَائِمًا كَمَا رَخَّصُوا فِيهَا قَاعِدًا ، فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَكُنْ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ مُدْرَجَةً فِي الْحَدِيثِ قِيَاسًا عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ أَوْ اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْمَرِيضِ نَائِمًا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ ، دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ تَطَوُّعِ الْقَادِرِ عَلَى الْقُعُودِ مُضْطَجِعًا .قَالَ : وَلَا أَعْلَمُ أَنِّي سَمِعْتُ نَائِمًا إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ .
الخطابى يريد أن يقول أن لفظة نائماً قد تكون مدرجة من بعض الرواة قياساً على صلة الفرض ؛ لأن فى صلاة الفرض النبى صلى الله عليه وسلم قال لعمران بن الحصين صل قائماً فإن تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب ، زاد النسائى : فإن لم تستطع فمستلقياً لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : مَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ فَلَا يَصِحُّ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ، لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ أَنَّ النَّافِلَةَ لَا يُصَلِّيهَا الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ إيمَاءً .قَالَ : وَإِنَّمَا دَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى نَاقِلِ الْحَدِيثِ ، وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ فَقَالَ : أَمَّا نَفْيُ الْخَطَّابِيِّ وَابْنِ بَطَّالٍ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ التَّطَوُّعِ مُضْطَجِعًا لِلْقَادِرِ فَمَرْدُودٌ ، فَإِنَّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَيْنِ ،الْأَصَحُّ مِنْهُمَا : الصِّحَّةُ .وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ : أَحَدُهَا الْجَوَازُ مُطْلَقًا فِي الِاضْطِرَارِ وَالِاخْتِيَارِ لِلصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ جَوَازُهُ فَكَيْفَ يَدَّعِي مَعَ هَذَا الْخِلَافِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ الِاتِّفَاقَ . انْتَهَى .
وَقَدْ اخْتَلَفَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ فِي الْحَدِيثِ هَلْ هُوَ مَحْمُولُ عَلَى التَّطَوُّعِ أَوْ عَلَى الْفَرْضِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَادِرِ ، فَحَمَلَهُ الْخَطَّابِيِّ عَلَى الثَّانِي ، وَهُوَ مَحْمَلٌ ضَعِيفٌ ، لِأَنَّ الْمَرِيضَ الْمُفْتَرَضَ الَّذِي أَتَى بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاعِ يُكْتَبُ لَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ لَا نِصْفُهُ ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ : لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الشَّيْءِ : لَك نِصْفُ أَجْرِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ ، بَلْ الْآثَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ مَنَعَهُ اللَّهُ وَحَبَسَهُ عَنْ عَمَلِهِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ ا.هـ
حديث أبي موسى الشعري مرفوعا : " إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيمـا " ، وقواعد الشرع تدل على ذلك والأمثلة كثيرة . منها الذين أتوا النبى صلى الله عليه وسلم فقال : لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ، وقد بيّن النبى صلى الله عليه وسلم أنهم ما قطعوا وادياً ولا سلكوا طريقاً إلا كان هؤلاء معهم فى الأجر ، ومنها حديث أبى كبشة الأنمارى ثم قال النبى أحدثكم حديث فأحفظوه : إنما الدنيا لأربعة نفر رجلاً آتاه الله مالاً وعلماً فهو ينفق ماله بعلمه يعرف لله فيه حقاً ويصل به رحمه ويتقى فيه ربه فهذا بأحسن المنازل ورجلاً آتاه الله علماً ولم يأتيه مالاً فهو صادق النية ( محب للخير ) يقول لو أن لى مال فلان لفعلتُ مافعل فلان فهو ونيته وأجرهما سواء ، فهذا رجل محب للخير وعازم على فعله لكن حجزته الإمكانيات فله نفس الأجر .
وَحَمَلَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَلَى التَّطَوُّعِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَقَالَ : إنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ ، وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ : إنَّ تَنْصِيفَ الْأَجْرِ إنَّمَا هُوَ لِلصَّحِيحِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَصَلَّى جَالِسًا فَإِنَّهُ مِثْلُ أَجْرِ الْقَائِمِ .
فعائشة بيّنت أن النبى لما سنّ وبدُن كان أكثر صلاته جالساً وكذلك حفصة ما رأته يصلى فى سبحته جالساً حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلى قاعداً .
4- وَعَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا ، وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا ، وَكَانَ إذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ ، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا ، رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ } . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ .
وهو الأصل إن صلى قائماً يركع ويسجد من قيام ومن يصلى قاعداً يركع ويسجد من قعود وهناك هيئة أخرى فى حديث عائشة الآتى :
5- وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمْ تَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ ، وَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا ، حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ } . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَزَادُوا إلَّا ابْنَ مَاجَهْ : ثُمَّ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ لِمَنْ قَرَأَ قَائِمًا أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ مِنْ قِيَامٍ ، وَمَنْ قَرَأَ قَاعِدًا أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ مِنْ قُعُودٍ .وَالْحَدِيثُ الثَّانِي يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الرُّكُوعِ مِنْ قِيَامٍ لِمَنْ قَرَأَ قَاعِدًا .
[ لكن يجمع بين الحديثين أنه سوف يأتى بقراءة أخرى ] وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ قَوْلِهَا " وَكَانَ إذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا " فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْقِرَاءَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَفْرُغُ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَاعِدًا ا فَيَقُومُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يَفْرُغُ مِنْهَا قَائِمًا فَيَقْعُدُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، فَأَمَّا إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ قَرَأَ بَعْضَ الْقِرَاءَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ لِتَمَامِهَا وَيَرْكَعَ وَيَسْجُدَ مِنْ قُعُودٍ ، وَكَذَا إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا ثُمَّ قَرَأَ بَعْضَ الْقِرَاءَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقُومَ لِتَمَامِهَا وَيَرْكَعَ وَيَسْجُدَ مِنْ قِيَامٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي .
(1) إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم ( محمول على أنه قرأ القراءة كلها قائماً ) .
(2) إذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد ( محمول على أنه قرأ القراءة كلها جالساً )
(3) إذا قرأ قائماً ثم بدا له فجلس وأكمل قراءته جالساً ركع وسجد جالساً .
(4) إذا قرأ قاعداً ثم بدى له أن يقوم فقام وقرأ ثم يركع ويسجد قائماً .
يريد أن يقول إن هذا شرط إن بدأ قائماً وقرأ جزءا من القراءة وبدا له أن يجلس يشترط أن يقرأ جزءا وهو جالس ثم يركع ويسجد جالساً وكذلك العكس ويأتى أن هذا ليس شرطاً .
وَيَشْكُلُ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ مَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِلَفْظِ { فَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَائِمًا رَكَعَ قَائِمًا .وَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا } ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ : فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا ، فَكَانَ مَرَّةً يَفْتَتِح قَاعِدًا وَيُتِمُّ قِرَاءَتَهُ قَاعِدًا وَيَرْكَعُ قَاعِدًا ، وَكَانَ مَرَّةً يَفْتَتِحُ قَاعِدًا وَيَقْرَأُ بَعْضَ قِرَاءَتِهِ قَاعِدًا وَبَعْضَهَا قَائِمًا وَيَرْكَعُ قَائِمًا ، فَإِنَّ لَفْظَ كَانَ لَا يَقْتَضِي الْمُدَاوَمَةَ .
وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَفْتَتِحُ قَاعِدًا وَيَقْرَأُ قَاعِدًا ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْوِتْرِ وَهُوَ جَالِسٌ .
لكن إن جاز فى صلاة إذاً يجوز فى جميع الصلوات . إذا صلى من جلوس ما هى الهيئة ؟ بعض العلماء قالوا يفترش وبعضهم قالوا يتورك وبعضهم قالوا يجلس جلسة الذى يسّمع القرآن وهى أن يجلس على فخذه الأيسر وينصب ركبته اليمنى والإجماع على جواز أى هيئة كان ولكن الأفضل التربع لحديث عائشة .
فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ " وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَاز صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مِنْ قُعُودٍ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُ بَعْضِ الصَّلَاةِ مِنْ قُعُودٍ وَبَعْضِهَا مِنْ قِيَامٍ ، وَبَعْضِ الرَّكْعَةِ مِنْ قُعُودٍ وَبَعْضهَا مِنْ قِيَامٍ .قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَهُوَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ قَامَ ثُمَّ قَعَدَ ، أَوْ قَعَدَ ثُمَّ قَامَ ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ ، وَحَكَاهُ النَّوَوِي عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مَنْعُهُ قَالَ : وَهُوَ غَلَطٌ .وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي آخَرِينَ كَرَاهَةَ الْقُعُودِ بَعْدَ الْقِيَامِ ، وَمَنَعَ أَشْهَبُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ الْجُلُوسَ بَعْدَ أَنْ يَنْوِيَ الْقِيَامَ وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْجُمْهُورُ .
5- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا } .رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ صحيح بمعناه صفة الصلاة صفحة 60 .
الحديث أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والحاكم قال النسائي : ما أعلم أحدا رواه غير أبي داود الجعفري ولا أحسبه إلا خطأ . قال الحافظ : قد رواه ابن خزيمة والبيهقي من طريق محمد بن سعيد بن الأصبهاني بمتابعة أبي داود فظهر أنه لا خطأ فيه .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو هَكَذَا ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَهُوَ مُتَرَبِّعٌ جَالِسٌ } ورواه البيهقي عن حميد : ( رأيت أنسا يصلي متربعا على فراشه ) وعلقه البخاري.
الأصل أن يضع اليمنى على اليسرى على الصدر أى يأتى بالبديل للقيام وهو الجلوس ولكن يفعل بقية هيئة الصلاة كما هى .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ صَلَّى قَاعِدًا أَنْ يَتَرَبَّعَ ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا كَالْجُلُوسِ بَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ وَحَكَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ بَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ أَنَّهُ يَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا .
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ : إنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى كَجِلْسَةِ الْقَارِئِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُقْرِئِ ، وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِ ،
قال الشوكانى : ، وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَ مِنْ الْقُعُودِ لِمَا فِي حَدِيثَيْ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَمَا فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ الْعُمُومِ .
لأن هناك واحد تكون عنده مشكلة فى الركبتين فيجلس على كرسى فجائز .
هيئات التشهد أجمعوا على عدم الوجوب ، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يفترش فى التشهدين ، وذهب مالك إلى أنه يتورك فى التشهدين ، وذهب أحمد والشافعى لحديث أبى حميد إلى التفصيل فقالا يفترش فى التشهد الأوسط ويتورك فى التشهد الأخير ، ثم اختلفا فى الصلاة التى من ركعتين كصلاة الصبح مثلاً ؛ ذهب الشافعى إلى أنه يتورك لأنه تشهد أخير وقال أحمد يفترش ، والتورك لا يكون إلا فى الصلاة التى من تشهدين والصحيح أنه يفترش ويتورك .




باب



النهى عن التطوع بعد الإقامة

1- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } .رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ : " إلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ " .وهى ضعيفة فيها مجهول ، الإرواء 497 .
وفي الباب عن ابن عمر عند الدارقطني في الأفراد مثل حديث أبي هريرة قال العراقي : وإسناده حسن . وعن جابر عند ابن عدي في الكامل مثله وفي إسناده عبد الله ابن ميمون القداح قال البخاري : ذاهب الحديث .
وَالْحَدِيثُ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى تِسْعَةِ أَقْوَالٍ :
أَحَدُهَا : الْكَرَاهَةُ ، وَبِهِ قَالَ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى خِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمِنْ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَطَاوُسٌ وَمُسْلِمُ بْنُ عُقَيْلٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمِنْ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ هَكَذَا أَطْلَقَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ .وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّوَوِيُّ تَفْصِيلًا ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا خَشِيَ فَوْتَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ دَخَلَ مَعَهُمْ وَتَرَك سُنَّةَ الْفَجْرِ وَإِلَّا صَلَّاهَا .وَسَيَأْتِي.
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَلَاةُ شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ إذَا كَانَتْ الْمَكْتُوبَةُ قَدْ قَامَتْ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِمَا ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِصَلَاةِ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَالْإِمَامُ فِي الْفَرِيضَةِ ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَييٍّ فَفَرَّقَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ للَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ إلَّا رَكْعَتَيْ الصُّبْحِ } وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ : هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا أَصْلَ لَهَا ، وَفِي إسْنَادِهَا حَجَّاجُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ وَهُمَا ضَعِيفَانِ ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ؟ قَالَ وَلَا رَكْعَتَيْ الْفَجْر } وَفِي إسْنَادِهِ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ [ من جهة حفظه ]، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَاحْتَجَّ بِهِ فِي صَحِيحِهِ .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ : التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَة الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ أَوْ لَا ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، فَقَالَ : إذَا كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَرْكَعْهُمَا ، يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الْمَسْجِدَ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يَفُوتَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ فَلْيَرْكَعْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ ، وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ فَلْيَدْخُلْ وَلْيُصَلِّ مَعَهُ .
الْقَوْلُ الْخَامِسُ : أَنَّهُ إنْ خَشِيَ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا وَأَنَّهُ لَا يُدْرِك الْإِمَامَ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الثَّانِيَةِ دَخَلَ مَعَهُ وَإِلَّا فَلْيَرْكَعْهُمَا ، يَعْنِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَحَكَى عَنْهُ أَيْضًا نَحْوَ قَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ .وَحَكَى النَّوَوِيُّ مِثْلَ قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ الْآتِي ذِكْرُهُ .
الْقَوْلُ السَّادِسُ : أَنَّهُ يَرْكَعُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ .
فَأَمَّا الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَلْيَرْكَعْ وَإِنْ فَاتَتْهُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ .
الْقَوْلُ السَّابِعُ : يَرْكَعُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ .
الْقَوْلُ الثَّامِنُ : أَنَّهُ يُصَلِّيهِمَا وَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْإِمَامِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ .
الْقَوْلُ التَّاسِعُ : أَنَّهُ إذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الدُّخُولُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا مِنْ النَّوَافِلِ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ عَصَى وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ ، وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيِّ ، وَحَكَى الْكَرَاهَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ .وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ صَلَاةُ تَطَوُّعٍ فِي وَقْتِ إقَامَةِ الْفَرِيضَةِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الظَّاهِرُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ الْإِقَامَةَ الَّتِي يَقُولهَا الْمُؤَذِّنُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفُ .قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْأَذْهَانِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.
لكن هذا يتعلق بالشروع فى إنشاء صلاة ، أما الذى قد أنشأ الصلاة قبل أن يشرع المؤذن فى الإقامة فهذا الذى قلنا فيه ما قلنا وستأتى الأحاديث وتبين أن النبى صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم ولم يأمرهم بالخروج من صلاتهم وإبطالها ، فلو كان المراد بإقامة الصلاة الشروع فى الصلاة فلا بأس أن يُنشئ صلاة قبل أن يدخل الإمام فى الصلاة وإن كان المراد إقامة الصلاة الإقامة التى يقولها المؤذن فهل يراد عندما يشرع المؤذن فى الإقامة أو عندما يفرغ المؤذن من الإقامة ؟ الظاهر أن المراد عندما يشرع المؤذن فى الإقامة لأن إقامة الصلاة لا تستغرق وقتاً يتسع لركعتين ليتهيأ الناس ويستعدوا فى الدخول فى صلاة الفرض .
وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِعْلَهَا كَمَا هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ } فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي فِعْلِ النَّافِلَةِ عِنْدَ إقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَهَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْفَرَاغُ مِنْ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُشْرَعُ فِي فِعْلِ الصَّلَاةِ ؟ أَوْ الْمُرَادُ شُرُوعُ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ ؟ قَالَ لْعِرَاقِيُّ : يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ شُرُوعُهُ فِي الْإِقَامَةِ لِيَتَهَيَّأَ الْمَأْمُومُونَ لِإِدْرَاكِ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ .وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حِينَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ } قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ .وَمِثْلُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي .
قَوْلُهُ : ( فَلَا صَلَاةَ ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَوَجَّهَ النَّفْيُ إلَى الصِّحَّةِ أَوْ إلَى الْكَمَالِ ، وَالظَّاهِرُ تَوَجُّهُهُ إلَى الصِّحَّةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْمَجَازَيْنِ إلَى الْحَقِيقَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ .قَالَ الْعِرَاقِيُّ : إنَّ قَوْلَهُ : " فَلَا صَلَاةَ " :
1- يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ فَلَا يُشْرَعُ حِينَئِذٍ فِي صَلَاةٍ عِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ ،
2- وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ فَلَا يَشْتَغِلُ بِصَلَاةٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَعَ فِيهَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ بَلْ يَقْطَعهَا الْمُصَلِّي لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ التَّحَرُّمِ ،
3- أَوْ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِنَفْسِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهَا الْمُصَلِّي ، يَحْتَمِلُ كِلَا مِنْ الْأَمْرَيْنِ ، [أى لا ينشغل بصلاة سواء بإنشائها أو إكمالها والثالث البُطلان ]وَقَدْ بَالَغَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فَقَالُوا : إذَا دَخَلَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّوَافِلِ فَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ بَطَلَتْ الرَّكْعَتَانِ ، وَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهُمَا وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا غَيْرُ السَّلَامِ ، بَلْ يَدْخُلُ كَمَا هُوَ بِابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فَإِذَا أَتَمَّ الْفَرِيضَةَ فَإِنْ شَاءَ رَكَعَهُمَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْكَعْهُمَا ، قَالَ : وَهَذَا غُلُوٌّ مِنْهُمْ فِي صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ غَيْرُ السَّلَامِ ، فَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّهُمَا أَطْوَلُ زَمَنًا مُدَّةُ السَّلَامِ أَوْ مُدَّةُ إقَامَةِ الصَّلَاةِ ، بَلْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَهَيَّأَ بَعْدَ السَّلَامِ لِتَحْصِيلِ أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ فِي الِاقْتِدَاءِ قَبْلَ تَمَامِ الْإِقَامَةِ .نَعَمْ ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ : إنَّ الْأَفْضَلَ خُرُوجُهُ مِنْ النَّافِلَةِ إذَا أَدَّاهُ إتْمَامُهَا إلَى فَوَاتِ فَضِيلَةِ التَّحْرِيمِ وَهَذَا وَاضِحٌ انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( إلَّا الْمَكْتُوبَةَ ) الْأَلِف وَاللَّامُ لَيْسَتْ لِعُمُومِ الْمَكْتُوبَاتِ ، وَإِنَّمَا هِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الصَّلَاةِ الَّتِي أُقِيمَتْ ، وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ بِلَفْظِ " فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ الَّتِي أُقِيمَتْ " وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ ذَكَرَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ ، وَكَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ .
ما دام الزيادة ضعيفة يبقى الحديث الأصلى ( فلا صلاة إلا المكتوبة ) ، الثمرة هنا لو أن إنسانا دخل فى صلاة العصر وهو مسافر وعليه الظهر وكان قد نوى الجمع فلو قلنا فلا صلاة إلا المكتوبة التى أُقيمت يبقى هذا الرجل فى حرج لازم يصلى العصر إن كانت العصر هى المقامة رغم أنه لم يصل الظهر لكن إن قلنا ( فلا صلاة إلا المكتوبة ) فهذا الرجل يمكن أن يدخل مع الإمام بنية الظهر والإمام يصلى العصر حتى إذا فرغ صلى ركعتين ، وهو الصواب المقطوع به وهو مذهب الشافعى وابن حزم ؛ لأن الترتيب فى الصلوات واجب ، وثانياً أن إختلاف النية بين الإمام والمأموم لا محل له من الإعراب عندنا لحديث جابر بن عبد الله فى الصحيحين أن معاذ بن جبل كان يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة ثم يأتى قومه فيصلى تلك الصلاة ، زاد الدارقطنى بإسناد صحيح: هى نافلة ولهم مكتوبة العشاء ، والحديث الثانى وهو أيضاً فى الصحيحين عن جابر أن النبى صلى فى صلاة الخوف ببعض القوم فسلم بهم ثم جاء الآخرون الذين لم يصلوا فصلى بهم ركعتين وهذه هيئة من هيئات صلاة الخوف ، فالنبى صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتيه على سبيل النفل وأما قول النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى هريرة فى الصحيحين " إنما جُعل الإمام ليأتم به فلا تختلفوا عليه " فالاختلاف هنا فى الهيئة بأن لا يكون الإمام راكع والمأموم ساجد فقد قال الشافعى انظر إلى بقية الحديث " فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً " . فإن قيل العبرة بعموم اللفظ قال إذاً النية مستثناة فنحن وأنتم مجمعون على جواز إمامة المفترض للمتنفل مع اختلاف النية فما الفارق ؟ فإن قلتم هذه جاءت بها الدليل وأيضاً هذه جاء بها الدليل .
ملخص الباب :
(1) هل هذا ينطبق على جميع الصلوات أم يستثنى من ذلك ركعتا الفجر ؟
(2) هل النهى عن إنشاء صلاة بعد الإقامة أم النهى عن الاستمرار فى الصلاة وإن كان أنشأها قبل الإقامة ؟
(3) هل قوله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة المقصود إقامة المؤذن أم الشروع فى الصلاة نفسها باعتبار أن الله تعالى قال { وأقيموا الصلاة } أي صلوا ، وإن كان المراد الأول ( ما يقوله المؤذن ) هل عند شروعه فى الإقامة أم بعد فراغه منها ؟
- فالحنفية والمالكية أنهم قالوا لابد أن يصلى سنة الفجر لكنهم فرقوا إن كان خارج المسجد يصلى سنة الفجر ثم يدخل المسجد وإن كان داخل المسجد يصلى ركعتين إلا أن يخاف أن تفوته الركعة الأولى من الفجر ، والبعض قال إلا أن يخاف أن تفوته الركعتان فإن تمكن اللحوق بالإمام وهو راكع فى الركعة الثانية فيصلى ركعتى السنة .
- أهل الظاهر تركوا هذا كله وقالوا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " فقوله إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إذن لا صلاة صحيحة والبعض يقول فلا صلاة كاملة والبعض يقول فلا تصلوا إذاً خبر بمعنى النهى فلا تصلوا إلا الصلاة المكتوبة .
محصل هذه المسألة أنه لا ينبغى لأحد أن يُنشئ صلاة نفل عند شروع المؤذن فى إقامة الصلاة ، أما إن كان قد شرع فى الصلاة قبل الإقامة فلا بأس أن يُكملها والأفضل أن يخرج منها ، لكن إن غلب على ظنه أنه إن استمر فيها سيدرك مع الإمام تكبيرة الإحرام فلا بأس أن يكملها ، وقول أهل الظاهر مردود لأن النبى صلى الله عليه وسلم رأى ناسا يصلون بعد إقامة الصلاة فكلمهم ، لكنه لم يأمرهم بالخروج من صلاتهم فهذا يدل لما ذكرنا وأما كلامه لهم فهذا قد يكون من باب تلبيس الصلاة على المصلى والنبى لم يفعل هذا إلا لمصلحة ، وأما الشق الثانى من الكلام فلأن النبى صلى الله عليه وسلملم يأمرهم بالخروج من صلاتهم .
(1) القول الأول كراهة الشروع فى النافلة عند إقامة الصلاة على العموم .
(2) عدم الجواز أى يحرم على العموم .
(3) إستثنى سنة الصبح إحتجوا بأحاديث ضعيفة لكن عندنا حديث أبى هريرة أن النبى قال " من أتى المسجد فوجد الإمام قائماً فليقم معه ومن وجده راكعاً يركع معه ومن وجده ساجداً يسجد معه ولا تعدوهما شيئاً " وهو عند أصحاب السنن .
(4) التفرقة بين أن يكون فى المسجد أو خارجه وبين أن يخاف فوت الركعة الأولى مع الإمام أولا وهو قول مالك ... وهذا مردود بما ثبت فى الصحيحين من حديث أبى هريرة وأبى قتادة واللفظ لأبى هريرة أن النبى قال إذا سمعتم الإقامة فأمشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ...
(5) إن خشى فوات الركعتين معاً وأنه لا يدرك الإمام قبل رفعه من الركوع ....( خارج المسجد
(6) أنه يركعهما فى المسجد إلا أن يخاف فوت الركعة الأخيرة ... والفرق بينه وبين القول الخامس أن الخامس خارج المسجد أما السادس داخل المسجد .
(7) يركعهما فى المسجد وغيره إلا أن خاف فوت الركعة الأولى .
(8) أن يصليهما وإن فاتته الصلاة مع الإمام إذا كان الوقت واسعاً وهذا فيه غلو .
(9) أنه إذا سمع الإقامة لم يحل له الدخول فى ركعتى الفجر ولا فى غيرهما من النوافل سواء كان فى المسجد أو خارجه فإن فعل فقد عصى .
2- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاثَ بِهِ النَّاسُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الصُّبْحَ أَرْبَعًا ، الصُّبْحَ أَرْبَعًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . .
فالنبى زجره ولم يأمره بالخروج من الصلاة .
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : يَا فُلَانُ بِأَيِّ صَلَاتَيْك اعْتَدَدْت ، بِاَلَّتِي صَلَيْتَ وَحْدَك أَوْ بِاَلَّتِي صَلَيْتَ مَعَنَا ؟ } .وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ [ ضعيف الإسناد صحيح ابن خزيمة ،قال : فيه صالح بن رستم كثير الخطأ ] قَالَ : { كُنْتُ أُصَلِّي وَأَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ ، فَجَذَبَنِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا ؟ } وَرَوَاهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ : إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، وَالطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ أَنَسٍ
عِنْدَ الْبَزَّارِ قَالَ : { خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَرَأَى نَاسًا يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، فَقَالَ : صَلَاتَانِ مَعًا ؟ وَنَهَى أَنْ تُصَلَّيَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ }[ مجمع الزوائد 2/79 ] وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ .وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ : { رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَبِلَالٌ يُقِيمُ الصَّلَاةَ ، فَقَالَ : أَصَلَاتَانِ مَعًا ؟ } وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَعَنْ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْغَدَاةِ حِينَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ ، فَغَمَزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْكِبَهُ وَقَالَ : أَلَا كَانَ هَذَا قَبْلَ هَذَا ؟ } قَالَ الْعِرَاقِيُّ : وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ [ رجال موثقون - مجمع الزوائد ] . وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَرَأَى نَاسًا يُصَلُّونَ ، فَقَالَ : أَصَلَاتَانِ مَعًا ؟ } وَفِي إسْنَادِهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ .
هذه الأحاديث توضح أن المراد بالإقامة أى إقامة المؤذن لا الشروع فى الصلاة لأن الشوكانى قال إن هذا هو الظاهر وهو الذى يدل عليه الأحاديث الأخرى التى ستأتى فى الشرح .
قَوْلُهُ : ( لَاثَ بِهِ النَّاسُ ) أَيْ اخْتَلَطُوا بِهِ وَالْتَفُّوا عَلَيْهِ .قَالَ فِي الْقَامُوس : وَالِالْتِيَاثُ : الِاخْتِلَاطُ وَالِالْتِفَاتُ .وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ صَلَاةِ سُنَّةِ الْفَجْرِ عِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ .وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ الْخِلَافِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ ، فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ } فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنه وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ ؟ فَقِيلَ : إنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْإِمَامِ ، وَقِيلَ : بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : إنَّ فِي إسْنَادِ الْحَدِيثِ الْحَارِثَ الْأَعْوَرَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عُلِمَ بَلْ قَدْ رُمِيَ بِالْكَذِبِ فَلا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفِ الْجَمْعِ .








باب



الأوقات المنهى عن الصلاة فيها

فيه حديثان رأسيان هما حديث عقبة بن عامر وحديث عمرو بن عبسة وهما عند مسلم .
1- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ } .مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي لَفْظِ : { لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاتَيْنِ ، بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .
الحديث يجوز أن يصلى الإنسان نوافلا حتى بعد دخول العصر ما لم يصل الفريضة فإذا صلى الفريضة امتنع أن يصلى النوافل .
3- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ } وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة مِثْلُ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا . وَفِي لَفْظِ عَنْ عُمَرَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَا فِيهِ : بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ
حديث عمر نقل النهى فقط عن الصلاة بعد الفجر ونهى عن الصلاة بعد العصر ، وليس صلاة العصر ، ولفظ أحمد وأبى داود مثل حديث أبى سعيد .
في الباب عن جماعة من الصحابة . منهم عمرو بن عبسة وابن عمر وسيذكر ذلك المصنف .
وعن ابن مسعود عند الطحاوي بلفظ : ( كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ونصف النهار ) . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبراني في الأوسط قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تصلوا بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس ) . وعن معاذ بن عفراء أشار إليه الترمذي وذكره ابن سيد الناس في شرحه بنحو حديث أبي سعيد . وعن زيد بن ثابت عند الطبراني : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر ) .
وعن كعب بن مرة عند الطبراني أيضا بنحو حديث عمرو بن عبسة الآتي .
وعن سلمة بن الأكوع أشار إليه الترمذي .
وعن علي عند أبي داود قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في أثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر ) .
وفي الباب عن جماعة ذكرهم الترمذي والحافظ في التلخيص .
قال الشوكانى : قَوْلُهُ : ( لَا صَلَاةَ ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : صِيغَةُ النَّفْيِ إذَا دَخَلَتْ فِي أَلْفَاظِ الشَّارِعِ عَلَى فِعْلٍ كَانَ الْأَوْلَى حَمْلَهَا عَلَى نَفْيِ الْفِعْلِ الشَّرْعِيِّ لَا الْحِسِّيِّ ، لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى نَفْي الْحِسِّيّ لَاحْتَجْنَا فِي تَصْحِيحِهِ إلَى إضْمَارٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ، وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ لَمْ نَحْتَجْ إلَى إضْمَارٍ فَهَذَا وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ .
أى لا تصلوا بعد صلاة العصر لأنا لو قلنا (لا صلاة) حملناها على نفى فلابد أن نقول نفى صحة أو نفى كمال ، لا صلاة صحيحة أو لا صلاة كاملة ، لكن لما أقول لا صلاة أى لا تصلوا إذاً النفى هنا بمعنى النهى ، فلو قلنا أنها نفى فالنفى يتوجه إلى الصحة لأنها أقرب المجازين إلى الذات وإن حملناها على الذات إذاً لا صلاة مشروعة فالصلاة التى يصليها غير مشروعة .
وَحَكَى أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا : إنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ إنَّمَا هُوَ إعْلَامٌ بِأَنَّهُ لَا يَتَطَوَّعُ بَعْدَهُمَا وَلَمْ يَقْصِدْ الْوَقْتَ بِالنَّهْيِ كَمَا قُصِدَ بِهِ وَقْتُ الطُّلُوعِ وَوَقْتُ الْغُرُوبِ .
يريد أن يقول أن هناك فرقا بين الاثنين فهو قصد النهى لأنه صلى الله عليه وسلم نهى أن نتحرى الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروب الشمس لكن هنا نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر فهذا نهى عن إعلام أنه لا تطوع بعدهما لكن هذا الكلام فيه نظر فهم ستة أوقات منهى عن الصلاة فيهن .
ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن كما قال الحافظ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الصُّبْحِ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الشَّمْسُ نَقِيَّةً } . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ [السلسلة الصحيحة 200]. وَفِي رِوَايَةٍ " مُرْتَفِعَةً " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْدِيَّةِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ وَقْتُ الطُّلُوعِ وَوَقْتُ الْغُرُوبُ وَمَا قَارَبَهُمَا كَذَا فِي الْفَتْحِ .
لا صلاة بعد صلاة الصبح مطلقاً حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد صلاة العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة وطالما الشمس مرتفعة نصلى لكن لما تصفر لا يصلى وهذا بلا شك قبل الغروب بمدة كافية فإن صلى العصر فى أول الوقت يجوز له على حديث علىّ أن يصلى بعدها فالأوقات المنهى عنها .
(1) بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع
(2) حين يقوم قائم الظهيرة
(3) ومن بعد صلاة العصر إلا أن تكون الشمس نقية حتى الغروب .
قوله : ( بعد صلاة العصر وبعد صلاة الفجر ) هذا تصريح بأن الكراهة متعلقة بفعل الصلاة لا بدخول وقت الفجر والعصر . وكذا قوله في الرواية الأخرى : ( لا صلاة بعد الصلاتين ) وكذا قوله في رواية ابن عمر : ( لا صلاة بعد صلاة الصبح ) وكذا قوله في حديث عمرو بن عبسة الآتي : ( صل صلاة الصبح ثم اقصر ) وقوله : ( حتى تصلي العصر ثم اقصر ) فتحمل الأحاديث المطلقة على الأحاديث المقيدة بهذه الزيادة .
وقد اختلف أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الفجر فذهب الجمهور إلى أنها مكروهة ، وادعى النووي الاتفاق على ذلك ، وتعقبه الحافظ بأنه قد حكى عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخة قال : وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم ابن حزم وهو أيضا مذهب الهادي والقاسم عليهما السلام .
وقد اختلف القائلون بالكراهة فذهب الشافعي والمؤيد بالله إلى أنه يجوز من الصلاة في هذين الوقتين ما له سبب واستدلا بصلاته صلى الله عليه وآله وسلم سنة الظهر بعد العصر وقد تقدم الجواب عن هذا الاستدلال في باب تحية المسجد وذهب أبو حنيفة إلى كراهة التطوعات في هذين الوقتين مطلقا وحكى عن جماعة منهم أبو بكرة وكعب بن عجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات .
وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا دَعْوَى النَّسْخِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ ، صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ وَجَعَلُوا النَّاسِخَ حَدِيثَ { مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ } وَقَدْ تَقَدَّمَ ، وَلَكِنَّهُ خَاصٌّ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ فَلَا يَصْلُحُ لِنَسْخِ أَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى فَرْضِ تَأَخُّرِهِ . وَغَايَةُ مَا فِيهِ تَخْصِيصُ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ . .
ولكن الفريضة ليست داخلة لحديث لا صلاة بعد صلاة العصر ولا صلاة بعد صلاة الصبح فهو يتكلم عن النوافل لأنه ليس هناك فريضة تؤدى فى ذلك الوقت فمذهب ابن حزم فى النسخ ضعيف .
( واستدلوا ) أيضا بحديث صلاته صلى الله عليه وآله وسلم لركعتي الظهر بعد العصر وقد تقدم الجواب عنه . واستدلوا أيضا بحديث علي المتقدم لتقييد النهي فيه بقوله : ( إلا أن تكون الشمس بيضاء نقية ) وقد تقدم أن الحافظ قال في الفتح : إن إسناده حسن وقال في موضع آخر منه : إن إسناده صحيح . وهذا وإن كان صالحا لتقييد الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بمنع الصلاة بعد صلاة العصر على الإطلاق بما عدا الوقت الذي تكون الشمس فيه بيضاء نقية لكنه أخص من دعوى مدعي الإباحة للصلاة بعد العصر وبعد الفجر مطلقا .
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : وَهِمَ عُمَرُ إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَحَرَّى طُلُوعُ الشَّمْسِ وَغُرُوبُهَا.
بل وهمت عائشة لأن عمر وافقه كثير من الصحابة منهم أبى سعيد – أبى هريرة – عمرو بن عبسة – عقبة بن عامر.
وَبِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : أُصَلِّي كَمَا رَأَيْت أَصْحَابِي يُصَلُّونَ وَلَا أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّي بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ مَا شَاءَ غَيْرَ أَنْ لَا تَحَرُّوا طُلُوع الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا .
غاية مافيه أنه مذهب ابن عمر أما قوله أصلى كما رأيت أصحابى يصلون إن كان المقصود اتفاق الصحابة فهذا ممتنع فقد ثبت المنع مثل كعب بن عجرة وأبو بكرة الذين منعا من صلاة حتى الفرض .
ويجاب عن الاستدلال بقول عائشة بأن الذي رواه عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثابت من طريق جماعة من الصحابة كما تقدم فلا اختصاص له بالوهم وهم مثبتون وناقلون للزيادة فروايتهم مقدمة وعدم علم عائشة لا يستلزم العدم فقد علم غيرها بما لا تعلم .
ويجاب عن الاستدلال بقول ابن عمر بأنه قول صحابي لا حجة فيه ولا يعارض المرفوععَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُ مَا رَآهُ .
أى أن ابن عمر روى عن النبى خلاف ما رأى والحجة فيما رواه الصحابى عن النبى لا فيما رآه ، فما رآه يخصص العام الذى رواه ويقيد المطلق الذى رآه وينسخ الحديث الذى رواه على مذهب الحنفية لا على مذهب الجمهور فمذهب الجمهور أن الحجة فيما رواه الصحابى لا فيما رآه .
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا } قَالُوا : فَتُحْمَل الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ عَلَى هَذَا حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، أَوْ تُبْنَى عَلَيْهِ بِنَاءَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ
وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى أَحَدِ أَفْرَادِ الْعَامِّ وَهُوَ لَا يَصْلُح لِلتَّخْصِيصِ كما تقرر في الأصول .
وهذا كما يُقال يا بنى لا تُدخل رجل البيت ثم يقول يابنى لا تُدخل محمد البيت فمحمد من الرجال وهذا لا يكون تخصيص بل أحد أفراد العموم .
قال الشوكانى : وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْقَاضِيَةَ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ عَامَّةٌ ، فَمَا كَانَ أَخَصّ مِنْهَا مُطْلَقًا كَحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَحَدِيثُ عَلِيٍّ الْمُتَقَدِّمُ ، وَقَضَاءُ سُنَّةِ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَسُنَّةِ الْفَجْرِ بَعْدَهُ لِلْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي ذَلِكَ ، فَلَا شَكَّ أَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لِهَذَا الْعُمُومِ ، وَمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهِ كَأَحَادِيثِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَأَحَادِيثِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :{ يَا عَلِيُّ ثَلَاثٌ لَا تُؤَخِّرْهَا : الصَّلَاةُ إذَا أَتَتْ وَالْجِنَازَةُ إذَاحَضَرَتْ } [ ضعيف الجامع 2563] الْحَدِيث أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ { وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ } وَالرَّكْعَتَيْنِ عَقِبَ التَّطَهُّرِ لِحَدِيثِ هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّم . وَصَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ لِلْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْهَا مِنْ وَجْهٍ .وَلَيْسَ أَحَدُ الْعُمُومَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِجَعْلِهِ خَاصًّا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّحَكُّمِ ، وَالْوَقْفُ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ حَتَّى يَقَعَ التَّرْجِيحُ بِأَمْرٍ خَارِجٍ .
هو يريد أن يقول أن الأحاديث التى وردت :
( 1- حديث أم سلمة 2- جبير بن مطعم 3 - يزيد بن الأسود 4- قيس بن فهد ) أخص من أحاديث النهى مطلقا فتستثنى ويوقف عندها . الشافعى نظر إلى المعنى فالنبي صلى الله عليه وسلم لما يقول لا صلاة بعد العصر إذاً النهى هنا عن النوافل لأنه ليس هناك فروض تؤدى فى ذلك الوقت فلما أتت هذه الأحاديث مبينة أن الصلوات التى لها سبب لا حرج فى صلاتها فى هذه الأوقات إذاً كل صلاة نافلة لها سبب ، الشوكانى قال : لا نخصص هذه الأربعة فقط وماورد بعد ذلك التى بينها وبين أحاديث الباب عموم وخصوص ينبغى أن نتوقف فيها ولا نجزم بحكم ما . والإمام الشافعى نظر إلى مسألة تعارض العمومين فننظر أى العمومين دخله تخصيص فيكون أضعف فى عموميته وهذا المسلك قوى ، أما قول أننا نتوقف فيه إهدار للنصين أى الحديثين فالذى يقتضيه المذهب أن نقول أن مثل هذه الأحاديث ( ما أحدثت فى أى ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ...) ( وحديث إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس ...) كل هذه صلوات ذوات اسباب بحيث النهى عن الصلاة فى هذه الأوقات دخله التخصيص بهذه المواضع الأربعة السابقة هذا يجعلنى أرجح مسلك الشافعى بأن الصلوات التى لها سبب مأذون فيها أما التى ليس لها سبب أو مطلق التطوع فهو المنهى عنه .
3- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ : { قُلْت : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلَاةِ ، قَالَ : صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ } .رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلِأَبِي دَاوُد نَحْوُهُ ، وَأَوَّلُهُ عِنْدَهُ ، { قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ ؟ قَالَ : جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَصَلِّ مَا شِئْتَ ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ } .
حديث عمرو بن عبسة أوله فى الوضوء وهو مهم للإستدلال به على الأحكام لأنه قال : يا نبى الله أخبرنى عن الوضوء ، فقال : ما منكم من أحدٍ يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق إلا خرت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء.
فأول فائدة فى الحديث خروج الخطايا ، ثانى فائدة أن المضمضة والإستنشاق خارجة عن الوجه الذى أمر الله به فمن يحتج بأن المضمضة والإستنشاق داخلة فى الوجه نرد عليهم بهذا الحديث .
وفى آخر الحديث : ثم إذا غسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء فهذا يرد على الشيعة الذين يقولون بالمسح على الرجلين لأنه قال ثم غسل قدميه كما أمره الله .
وله : ( وترتفع ) فيه أن النهي عن الصلاة بعد الصبح لا يزول بنفس طلوع الشمس بل لا بد من الارتفاع . وقد وقع عند البخاري من حديث عمر المتقدم بلفظ : ( حتى تشرق الشمس ) والإشراق الإضاءة . وفي حديث عقبة الآتي : ( حتى تطلع الشمس بازغة ) وذلك يبين أن المراد بالطلوع المذكور في حديث الباب وغيره الارتفاع والإضاءة لا مجرد الظهور ذكر معنى ذلك القاضي عياض .
قال النووي : وهو متعين لا عدول عنه للجمع بين الروايات وقد ورد مفسرا في بعض الروايات بارتفاعها قدر رمح .
قوله : قَوْلُهُ : { فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ } وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ : { فَإِنَّهَا تَطْلُع بَيْن قَرْنَيْ شَيْطَانٍ فَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ } . قال النووي : قيل المراد بقرني الشيطان حزبه وأتباعه . وقيل غلبة أتباعه وانتشار فساده . وقيل القرنان ناحيتا الرأس وأنه هو على ظاهره قال : وهذا الأقوى ومعناه أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة وحينئذ يكون له ولشيعته تسلط ظاهر وتمكن من أن يلبسوا على المصلين صلاتهم فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشيطان وفي رواية لأبي داود والنسائي : ( فإنها تطلع بين قرني شيطان فيصلي لها الكفار )
قوله : ( مشهودة محضورة ) أي تشهدها الملائكة ويحضرونها وذلك أقرب إلى القبول وحصول الرحمة
قوله : ( حتى يستقل الظل بالرمح ) قال النووي : معناه أنه يقوم مقابله في الشمال ليس مائلا إلى المشرق ولا إلى المغرب وهذا حالة الاستواء انتهى
والمراد أنه يكون الظل في جانب الرمح ولم يبق على الأرض من ظله شيء وهذا يكون في بعض أيام السنة ويقدر في سائر الأيام عليه
قوله : ( تسجر جهنم ) بالسين المهملة والجيم والراء أي يوقد عليها إيقادا بليغا
هذا الحديث استدل به شيخ الإسلام على أنه يشرع مخالفة المشركين فى الفعل لا فى النية فقط لأن البعض يقول أنا آكل الفسيخ يوم شم النسيم ولكن ليس بنية الإحتفال ، والجواب على هذا كما قال شيخ الإسلام فى اقتضاء الصراط المستقيم أنه لا تكفى المخالفة فى النية وإنما لابد من المخالفة فى الفعل لأن الله قد ذكر أنه ورد أن اليهود كانوا يقولون يا محمد راعنا سمعك ثم يعرِّضون بهذه الكلمة راعناً من الرعونة والحمق ، فجاء المسلمون فقالوا يارسول الله راعنا سمعك ،لم يعرِّضوا بها فنزل قوله تعالى { يا أيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا } وكذلك فى هذا الحديث المصلى وقت غروب الشمس لا يسجد للشمس ولا يخطر على باله ولكن حسماً لمادة التشبه بالكافرين نُهينا عن الصلاة فى تلك الأوقات .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ ) أَيْ ظَهَرَ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ ، وَالْفَيْءُ مُخْتَصٌّ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ ، وَأَمَّا الظِّلُّ فَيَقَعُ عَلَى مَا قَبْلِ الزَّوَالِ وَبَعْدِهِ [ الظل أعم فكل فئ ظل وليس كل ظل فئ ] .
قَوْلُهُ : ( حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ) فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ وَقْتَ النَّهْيِ لَا يَدْخُلُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَلَا بِصَلَاةِ غَيْرِ الْمُصَلِّي ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لِكُلِّ إنْسَانٍ بَعْدَ صَلَاتِهِ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ يُكْرَهْ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ . وَكَذَا قَوْلُهُ : " حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ " .
فيه دليل على أن الكراهة مقيدة بصلاته هو وليس بصلاة الجماعة أى يكره لكل إنسـان بعد صلاته نفسه .
قال المصنف رحمه الله : وهذه النصوص الصحيحة تدل على أن النهي في الفجر لا يتعلق بطلوعه بل بالفعل كالعصر انتهى
( والحديث ) يدل على كراهة التطوعات بعد صلاة العصر والفجر وقد تقدم ذلك وعلى كراهتها أيضا عند طلوع الشمس وعند قائمة الظهيرة وعند غروبها وسيأتي الكلام على هذه الأوقات
3- وَعَنْ يَسَارِ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { رَآنِي ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أُصَلِّي بَعْدَ مَا طَلَعَ الْفَجْرُ ، فَقَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ ، فَقَالَ : لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ أَنْ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد [ صحيح ، الإرواء ].
هذا الحديث روى من طرق مرسلة صحيحة وجاء من طرق متصلة ضعيفة يقوى بعضها بعضاً فيصلح للإحتجاج به . الحديث يدل على الكراهة إلا الصلوات ذات الأسباب.
وأخرجه أيضا الدارقطني والترمذي وقال : غريب لا يعرف إلا من حديث قدامة ابن موسى . قال الحافظ : وقد اختلف في اسم شيخه فقيل أيوب بن حصين . وقيل محمد بن حصين وهو مجهول . وأخرجه أبو يعلى والطبراني من وجهين آخرين عن ابن عمر نحوه . ورواه ابن عدي من طريق محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر ورواه أيضا الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وفي إسناده الإفريقي . ورواه أيضا الطبراني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفي سنده رواد بن الجراح . ورواه أيضا البيهقي من حديث سعيد بن المسيب مرسلا وقال : روي موصولا عن أبي هريرة ولا يصح . ورواه موصولا الطبراني وابن عدي وسنده ضعيف والمرسل أصح.
والحديث يدل على كراهة التطوع بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر ،قال الترمذي : وهو مما أجمع عليه أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر . قال الحافظ في التلخيص : دعوى الترمذي الإجماع على الكراهة لذلك عجيب فإن الخلاف فيه مشهور حكاه ابن المنذر وغيره وقال الحسن البصري : لا بأس به وكان مالك يرى أن يفعله من فاتته صلاة بالليل . وقد أطنب في ذلك محمد بن نصر في قيام الليل انتهى
وطرق حديث الباب يقوي بعضها بعضا فتنتهض للاحتجاج بها على الكراهة . وقد أفرط ابن حزم فقال : الروايات في أنه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر ساقطة مطروحة مكذوبة
4- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ { : ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ ، أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا : حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ ، وَحِينَ تُضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ } . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ .
قَوْلُهُ : ( أَنْ نَقْبُر ) هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ .قَالَ النَّوَوِيّ : قَالَ بَعْضُهُمْ : الْمُرَادُ بِالْقَبْرِ : صَلَاةُ الْجِنَازَةِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ، لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تُكْرَه فِي هَذَا الْوَقْتِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوز تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ بِمَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ ، بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الدَّفْنِ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ ، كَمَا يُكْرَه تَعَمُّد تَأْخِيرِ الْعَصْرِ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ بِلَا عُذْرٍ وَهِيَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ .قَالَ : فَأَمَّا إذَا وَقَعَ الدَّفْنُ بِلَا تَعَمُّدٍ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَلَا يُكْرَهُ .انْتَهَى .وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الدَّفْنَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مُحَرَّمٌ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْعَامِدِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُخَصَّ غَيْرَ الْعَامِدِ بِالْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِرَفْعِ الْجُنَاحِ عَنْهُ قَوْلُهُ : ( بَازِغَةً ) أَيْ ظَاهِرَةً قَوْلُهُ : ( تَضَيَّفَ ) ضَبْطَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَيْلُ . وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَكَذَلِكَ الدَّفْنِ . وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ على الْكَرَاهَةِ . قَالَ : وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْفَرَائِضِ الْمُؤَدَّاةِ فِيهَا .
وَاخْتَلَفُوا فِي النَّوَافِلِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ كَصَلَاةِ التَّحِيَّةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٌ جَوَازُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِلَا كَرَاهَةٍ ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى . وَجَعَلَهُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ هَهُنَا مِنْ جُمْلَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ يُنَافِي دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ .وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِكَرَاهَةِ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَالدَّاعِي وَالْإِمَامُ يَحْيَى ، قَالُوا : لِشُمُولِ النَّهْيِ لِلْقَضَاءِ ، لِأَنَّ دَلِيلَ الْمَنْع لَمْ يَفْصِلْ .
أما سجود التلاوة والشكر فليس بصلاة فلا يدخل فى النهى ، وأما صلاة الكسوف فتصلى لأننا لو إنتظرنا فقد ينجلى الشمس ويفوت المقصود من الصلاة .
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهُمْ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاتِهِ أَوْ سَهَا عَنْهَا فَوَقْتُهَا حِينَ يَذْكُرُهَا } الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ فَجَعَلُوهُ مُخَصِّصًا لِأَحَادِيثِ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَحَكُّمٌ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهَا مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْعُمُومَيْنِ أَوْلَى بِالتَّخْصِيصِ مِنْ الْآخَرِ ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي فِعْلِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ أَدَاءً ، إلَّا أَنَّ حَدِيثَ : { مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ } أَخَصُّ مِنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ مُطْلَقًا فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا .
قد وردت فى بعض الأحاديث وذلك وقتها .
يريد أن يقول : الصلاة إذا كانت أداءً فلا خلاف فى ذلك لحديث " من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس ... أما القضاء فيه نزاع فى العموم والخصوص لكن نحن نقول ذلك وقتها فالوقت ممتد .
وَقَدْ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو يُوسُفَ الصَّلَاةَ عِنْدَ قَائِمَةِ الظَّهِيرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَهْلِ الشَّامِ .وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ الشافعي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ } وَفِي إسْنَادِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ . وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِسَنَدٍ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ .وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِسَنَدٍ آخَرَ فِيهِ عَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ أَيْضًا ، وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ عَامَّةٍ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ .وَفِي الْبَابِ عَنْ وَاثِلَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ ، قَالَ الْحَافِظُ : بِسَنَدٍ وَاهٍ .وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد [ ضعيف ، المشكاة 1647] وَالْأَثْرَمِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ الصَّلَاةَ نِصْفَ النَّهَارِ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ }، وَقَالَ : { إنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ } وَفِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَضَعِيفٌ وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْخَلِيلِ عِنْدَ أَبِي قَتَادَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ .
الأحاديث كلها ضعيفة ، لكن شيخ الإسلام إحتج بأن النبى بيّن أن الصلاة يوم الجمعة مشروعة إلى أن يخرج الإمام ولم يكن أحد من الصحابة يخرج من المسجد ليرى ظل الزوال وهل دخل الزوال أم لا ، فهذه حجة شيخ الإسلام وهو كلام وجيه ، ونلاحظ أنه لم يقل أحد بالتحريم ، لكن الإمام النووى لما قال بإجماع الكراهة فى هذه الأوقات إن قصد أنه لم يقل أحد بالتحريم فنعم وأما إن قصد أن جميع العلماء أجمعوا على الكراهة فلا ؛ لأن ابن حزم قال إن هذه الأحاديث منسوخة .
5- وَعَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ وَيَنْهَى عَنْهَا ، وَيُوَاصِلُ وَيَنْهَى عَنْ الْوِصَالِ } . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. الْحَدِيثُ فِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ وَفِيهِ مَقَالٌ ، إذْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّحْدِيثِ وَهُوَ هُنَا قَدْ عَنْعَنَ ، فَيُنْظَرُ فِي عَنْعَنَتِهِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ قَضَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ ضعيف الجامع 4064 ]

[ وهذا الحديث مخالف لحديث علىّ " إلا أن تصلوا والشمس نقية " ]



باب



الرخصة فى إعادة الجماعة وركعتى الطواف فى كل وقت

1- عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ [ صحيح الجامع 667 ] قَالَ { شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّتَهُ ، فَصَلَيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ انْحَرَفَ ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا ، فَقَالَ : عَلَيَّ بِهِمَا فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا ، فَقَالَ : مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا ؟ فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلَا إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ } ) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ . وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد : { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّهَا مَعَهُ ، فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ } .
فائدة هذه الرواية أن المقصود إن أدرك الصلاة مع الإمام وليس أى صلاة ، حتى وإن كان صلى فى جماعة أخرى .
الحديث أخرجه أيضا الدارقطني وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن وقال الترمذي : حسن صحيح . وقد أخرجوه كلهم من طريق يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد ابن الأسود عن أبيه قال الشافعي في القديم : إسناده مجهول . قال البيهقي : لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه ولا لابنه جابر راو غير يعلى
قال الحافظ : يعلى من رجال مسلم وجابر وثقه النسائي وغيره وقد وجدنا لجابر بن يزيد راويا غير يعلى أخرجه ابن منده في المعرفة من طريق شيبة عن إبراهيم بن أبي أمامة عن عبد الملك بن عمير عن جابر
( وفي الباب ) عن أبي ذر عند مسلم في حديث أوله : ( كيف أنت إذا كان عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ) وفيه : ( فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة ) وعن ابن مسعود عند مسلم بنحوه وعن شداد بن أوس عند البزار . وعن محجن الديلي عند مالك في الموطأ والنسائي وابن حبان والحاكم [ صحيح ، المشكاة 1153 ]. وعن أبي أيوب عند أبي داود [ ضعيف المشكاة 1154 ]: ( أنه سأله رجل من بني أسد بن خزيمة فقال : يصلي أحدنا في منزله الصلاة ثم يأتي المسجد وتقام الصلاة فأصلي معهم فأجد في نفسي من ذلك شيئا فقال أبو أيوب : سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( فذلك له سهم جمع ) وفي إسناده رجل مجهول .
قَوْلُهُ : ( تُرْعَدُ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ : أَيْ تَتَحَرَّكُ ، كَذَا قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ.
قَوْلُهُ : ( فَرَائِصُهُمَا ) جَمْعُ فَرِيصَةٍ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ اللَّحْمَةُ مِنْ الْجَنْبِ وَالْكَتِفِ الَّتِي لَا تَزَال تُرْعَدُ : أَيْ تَتَحَرَّك مِنْ الدَّابَّةِ وَاسْتُعِيرَ لِلْإِنْسَانِ لِأَنَّ لَهُ فَرِيصَةً وَهِيَ تَرْجُفُ عِنْدَ الْخَوْفِ .وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : الْفَرِيصَةُ : لَحْمَةٌ بَيْنَ الْكَتِفِ وَالْجَنْبِ .
وَسَبَبُ ارْتِعَادِ فَرَائِصِهِمَا مَا اجْتَمَعَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهَيْبَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْحُرْمَةِ الْجَسِيمَةِ لِكُلِّ مَنْ رَآهُ مَعَ كَثْرَةِ تَوَاضُعِهِ قَوْلُهُ : ( ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ ) لَفْظُ أَبِي دَاوُد { إذَا صَلَّى أَحَدكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ فَلْيُصَلِّ مَعَهُ } وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ { إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَدْرَكْتُمَا الصَّلَاةَ فَصَلِّيَا } قَوْلُهُ :( فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ ) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ فِي الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ نَافِلَةٌ [ لأن الضمير يعود على أقرب مذكور ] وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأُولَى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى ، لِأَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الِاحْتِمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : إنَّمَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي جَمَاعَةِ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ . وَأَمَّا مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ فَلَا يُعِيدُ فِي أُخْرَى قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ ، وَلَوْ أَعَادَ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى لَأَعَادَ فِي ثَالِثَةٍ وَرَابِعَةٍ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ، وَهَذَا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ . قَالَ : وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ .[ هذا الكلام لا يصح لأنه فى حديث ابن عمر نهى النبى عن الصلاة فى اليوم مرتين ]
ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعى أنه لا يعيد إلا من صلى منفرداً وقد تم الرد عليهم بأن النبى قال " ولتكن لكما نافلة " وكذلك لا تصلى صلاة فى يوم مرتين .
يريد أن يقول : حديث يزيد بن عامر إن صحّ فليس فيه تنافى بينه وبين حديث يزيد بن الأسود فحديث يزيد بن الأسود متعلق بمن صلى الأولى فى جماعة فيصلى الثانية نافلة ، وحديث يزيد بن عامر من صلى الأولى منفرده فتكون الثانية مع الإمام بنية الجماعة الفريضة ويكونا مخصصين لحديث ابن عمر لا صلاة فى اليوم مرتين والحديث أصلاً ضعيف .
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا نُصَلِّي صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ } [ صحيح ]انْتَهَى .
وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْهَادِي وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمِ إلَى أَنَّ الْفَرِيضَةَ الثَّانِيَةَ إذَا كَانَتْ الْأُولَى فُرَادَى .وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد[ ضعيف ، المشكاة 1155] عَنْ { يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : جِئْتُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ فَجَلَسْت وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ ، فَانْصَرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ جَالِسًا ، فَقَالَ : أَلَمْ تُسْلِمْ يَا يَزِيدُ ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَسْلَمْت ، قَالَ : فَمَا مَنَعَك أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النَّاسِ فِي صَلَاتِهِمْ ؟ قَالَ : إنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَيْتُ فِي مَنْزِلِي وَأَنَا أَحْسَبُ أَنَّكُمْ قَدْ صَلَّيْتُمْ ، فَقَالَ : إذَا جِئْت إلَى الصَّلَاةِ فَوَجَدْتَ النَّاسَ فَصَلِّ مَعَهُمْ ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَيْتَ تَكُنْ لَك نَافِلَةً وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ } وَلَكِنَّهُ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : إنَّ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ أَثْبَتُ مِنْهُ وَأَوْلَى . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ { وَلْيَجْعَلْ الَّتِي صَلَّى فِي بَيْتِهِ نَافِلَةً } وَقَالَ : هِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ شَاذَّةٌ .انْتَهَى .
وعن عبد الله بن عمرو مرفوعًا " فصليا معهم فتكون لكما نافلة والتي في رحالكما فريضة " في مسند الفردوس وصححها الألباني في صحيح الجامع .
وَعَلَى فَرْضِ صَلَاحِيَةِ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ مُمْكِنٌ بِحَمْلِ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ الْأُولَى فِي جَمَاعَةٍ ، وَحَمْل هَذَا عَلَى مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثَيْنِ وَيَكُونَانِ مُخَصِّصَيْنِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ } عَلَى فَرْضِ شُمُولِهِ لِإِعَادَةِ الْفَرِيضَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْن أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الِافْتِرَاضِ أَوْ التَّطَوُّعِ .وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّهْيُ مُخْتَصًّا بِإِعَادَةِ الْفَرِيضَةِ بِنِيَّةِ الِافْتِرَاضِ فَقَطْ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ .
وَمِنْ جُمْلَةِ الْمُخَصِّصَاتِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : { صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَقَامَ يُصَلِّي الظُّهْرَ ، فَقَالَ : أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ ؟ } أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ .[ صحيح الإرواء ]
وَحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّخُولِ مَعَ الْجَمَاعَةِ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ لِمَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ كَرَاهَةٍ لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ . وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ ، فَيَكُونُ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَمَنْ جَوَّزَ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ أَلْحَقَ بِهِ مَا سِوَاهُ مِنْ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ .
وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ " أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُقَامُ فِي الْمَسَاجِدِ لَا الَّتِي تُقَامُ فِي غَيْرِهَا،[ وتكون أيضاً الجماعة الأولى ]فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ مِنْ أَلْفَاظِ حَدِيثِ الْبَابِ كَلَفْظِ دَاوُد وَابْنِ حِبَّانَ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِمَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ .

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ قَالَ : " رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ جَالِسًا عَلَى الْبَلَاطِ وَهُوَ مَوْضِعُ مَفْرُوشٌ بِالْبَلَاطِ بَيْن الْمَسْجِدِ وَالسُّوق بِالْمَدِينَةِ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، فَقُلْت : أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ ؟ فَقَالَ : قَدْ صَلَيْتُ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ } .

قوله فى الحديث " ولتكن لكما نافلة " البعض كره ذلك فى صلاة المغرب لأن المغرب صلاة وترية لكن هذا مخصص بحديث يزيد بن الأسود .
2- وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ } - رواه الجماعة إلا البخاري .
رواه أحمد وأبو داود والترمذى صححه الألبانى فى المشكاة 1045
3- وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، أَوْ يَا بَنِي عَبْدَ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيُصَلِّي ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا عِنْدَ هَذَا الْبَيْتِ يَطُوفُونَ وَيُصَلُّونَ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ جَابِرٍ .قَالَ الْحَافِظُ : وَهُوَ مَعْلُولٌ فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ جُبَيْرٍ لَا عَنْ جَابِرٍ وَقَدْ عَزَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثَ الْبَابِ إلَى مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ الْجَمَاعَةِ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَهُوَ خَطَأٌ .قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيص : عَزَا الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ حَدِيثَ جُبَيْرٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ : رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيّ وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ تَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ ، فَقَالَ : رَوَاهُ السَّبْعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ .وَابْنَ الرِّفْعَةِ وَقَالَ : رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَكَأَنَّهُ ، وَاَللَّه أَعْلَمُ ، لَمَّا رَأَى ابْنَ تَيْمِيَّةَ عَزَاهُ إلَى الْجَمَاعَةِ دُونَ الْبُخَارِيِّ اقْتَطَعَ مُسْلِمًا مِنْ بَيْنهمْ وَاكْتَفَى بِهِ عَنْهُمْ ثُمَّ سَاقَهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فَأَخْطَأَ مُكَرَّرًا انْتَهَى .
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي أَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيِّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ وَالْخَطِيبُ فِي تَلْخِيصِهِ .قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ : وَهُوَ مَعْلُولٌ .وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَ { لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ } وَزَادَ فِي آخِرِهِ { مَنْ طَافَ فَلْيُصَلِّ } أَيْ حِين طَافَ وَقَالَ : لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ .وَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ .
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثَيْ الْبَابِ عَلَى جَوَازِ الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ عَقِيبَهُ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَنْصُورُ بِاَللَّهِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى الْعَمَلِ بِالْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالْكَرَاهَةِ عَلَى الْعُمُومِ تَرْجِيحًا مَا اشْتَمَلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ حَدِيثَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ لَا يَصْلُح لِتَخْصِيصِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهَا مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْعُمُومَيْنِ أَوْلَى بِالتَّخْصِيصِ مِنْ الْآخَرِ لِمَا عَرَفْت غَيْرَ مَرَّةٍ .
التزم الشافعى بأصله أن الصلاة ذات السبب تجوز ، والتزم الجمهور بأصله فى الكراهة لركعتى الطواف فى وقت الكراهة .
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهُوَ صَالِحٌ لِتَخْصِيصِ النَّهْي عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ ، لَكِنْ بَعْد صَلَاحِيَتِهِ لِلِاحْتِجَاجِ وَهُوَ مَعْلُولٌ كَمَا تَقَدَّمَ . وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ [ضعيف ، المشكاة] بِلَفْظِ { لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ إلَّا بِمَكَّةَ } وَكُرِّرَ الِاسْتِثْنَاءُ ثَلَاثًا .وَرَوَاهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَابْنُ عَدِيٍّ وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ . وَذَكَرَ ابْنُ عَدِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جُمْلَةِ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ . وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّه وَلَكِنْ تَابَعَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ . وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْمُنْذِرِيّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ : إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ . وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا ابْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ : أَنَا أَشُكُّ فِي سَمَاعِ مُجَاهِدٍ مِنْ ذَرٍّ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ إنْ صَحَّ كَانَ دَالَّا عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي مَكَّةَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا وَاَلَّتِي لَهَا سَبَبٌ .


التعديل الأخير تم بواسطة هجرة إلى الله السلفية ; 04-15-2011 الساعة 08:46 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-13-2011, 02:25 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

ما شاء الله اللهم بارك
جزاكِ الله خيرا ونفع الله بكِ
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-23-2011, 07:57 PM
أبو السباع الأسدى أبو السباع الأسدى غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياريت ياجماعة المكتوب مثل كتاب الحيض وجزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-10-2011, 02:13 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم عبد الله مشاهدة المشاركة
ما شاء الله اللهم بارك
جزاكِ الله خيرا ونفع الله بكِ
امين امين امين
وجزاكِ خيرا كثيرا
ونفعنا الله بالشيخ وحفظه
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-10-2011, 02:19 AM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو السباع الأسدى مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ياريت ياجماعة المكتوب مثل كتاب الحيض وجزاكم الله خيرا
وعليكم السلام ورحمة الله
يُوضع تباعا ان شاء الله
فهو جاهز بفضل الله لكنه في طور المراجعة ان شاء الله
وجزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
(صلاة, للشيخ, محمد, المقصود, التطوع)2, جديدة, سلسلة, عبد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

منتديات الحور العين

↑ Grab this Headline Animator

الساعة الآن 11:18 PM.

 


Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
.:: جميع الحقوق محفوظة لـ منتدى الحور العين ::.